جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

البيع ويراعى بإمكان التسليم ، فان تعذر فسخ المشتري إنشاء ، وقال : المحقق الكركي في حواشي التحرير : وهل يلحق بالآبق الضال فيصح بيعه بالضميمة حملا على الآبق؟ أم يجوز مطلقا نظرا إلى صورة البيع وأصالة عدم الاشتراط وجهان ، ذكرهما في التذكرة والقواعد ، ويمكن ثالث وهو عدم الجواز مطلقا ، لأن القدرة على التسليم شرط إجماعا وهي منتفية ، وفي بعض الشروح بعد نقل الاحتمالين المذكورين في المتن ويمكن احتمال آخر ، وهو عدم الصحة مطلقا لانتفاء شرط الصحة ، وهو إمكان التسليم ، والحمل على الآبق قياس ، ولم أجد بالاحتمال الثالث تصريحا ، فيمكن أن يقال باشتراط القدرة على التسليم في الجملة لا مطلقا وإلا لامتنع مجي‌ء احتمال الصحة هنا مطلقا أو مع الضميمة ، للإجماع على اشتراط هذا الشرط ، فان قلت : فيلزم جواز بيع ما يتعذر تسليم بعضه ، قلنا : لا ، لأن المراد بقولنا في الجملة ما لا ينافي مسألة الآبق والضال حذرا من مخالفة الإجماع لا مطلقا.

وقال الحلي : ولا يلحق به الضال فيصح بيعه بغير ضميمة ، ويضمنه البائع حتى يسلمه ما لم يسقط المشتري ، وقال الشهيد الثاني في المسالك : ولا يلحق به غيره مما في معناه كالبعير الشارد والفرس الغائر على الأقوى ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص ، فعلى هذا يبطل البيع ويحتمل الصحة مراعاة بالتسليم ، وفي الروضة ولا يلحق بالآبق غيره مما في معناه كالبعير الشارد والفرس الغائر على الأقوى ، بل المملوك المتعذر تسليمه بغير الإباق اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص ، وقال في الضال والمجحود : يحتمل قويا بطلان البيع لفقد شرط الصحة وهو إمكان التسليم ، وقال المولى الأردبيلي : والظاهر أنه لا يقاس على الآبق الضالة من البعير والغنم وغيرهما ، فان الظاهر جواز بيعها من غير انضمام شي‌ء‌

٤٠١

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى ما فيها بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا ، ولا كون التحقيق ما عرفت ، بل لعل الظاهر إلحاق إجارة الآبق وما شابهه بالبيع فيما سمعته من الحكم بالنسبة إلى الضميمة وغيرها ، نعم‌ في الدعائم (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « نهى عن بيع العبد الآبق والبعير الشارد » وفيها أيضا قال علي عليه‌السلام (٢) « لا يجوز بيع العبد الآبق ولا الدابة الضالة » يعني قبل أن يقدر عليهما وفيها أيضا متصلا بذلك‌ قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٣) « إذا كان مع ذلك شي‌ء حاضر جاز بيعه ، يقع البيع على الحاضر » لكن لا جابر له على وجه ينافي بعض ما ذكرناه سابقا ، والله العالم.

وكيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه يصح بيع ما جرت العادة بعوده كالحمام الطائر والسموك المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة ونحو ذلك ، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض ، لكن في محكي التذكرة ولو باع الحمام المملوك وهو طائر فإن كان يألف الرجوع فالأقوى الجواز ، وهو أضعف وجهي الشافعي للقدرة على التسليم كالعبد المنفذ في شغل ، والأقوى عنده المنع ، وقال : أحمد إذ لا قدرة في الحال وليس له رادع يوثق به ، وينتقض بالغائب فإنه غير مقدور عليه في الحال ، وفي محكي التحرير ولو باع ما يمكن تسليمه في ثاني الحال لا فيه ، فالوجه جوازه ، ويتخير المشتري ، وفي الجميع ما لا يخفى ، نعم لو باع ما يتعذر تسليمه إلا بعد مدة فيه تردد لا زمان يسير لا يسقط معه شي‌ء ... من المنافع المعتد بها ، فإنه ينبغي القطع‌

__________________

(١) الدعائم ـ ج ٢ ص ٢٠.

(٢) الدعائم ج ٢ ـ ص ٢١.

(٣) الدعائم ج ٢ ـ ص ٢١.

٤٠٢

بصحته ، وإلا لزم بطلان بيع الشي‌ء الحاضر في البلد إذا كان غائبا عن محل المعاملة ونحو ذلك مما هو معلوم البطلان ، بل الأقوى في الأول الجواز ، وفاقا لصريح ، جماعة بل لا أعرف مصرحا بالمنع ، بل ظاهر المصنف وغيره ممن تردد في ذلك الميل إلى الجواز بعد التردد ، لوجود المقتضي وهو العقد الصادر من أهله في محله ، مع انتفاء المانع فيه وهو تعذر التسليم لإمكانه كما هو المفروض ، غاية الأمر تعذره في الحال وليس شرطا ، وإلا لزم بطلان السلف فيما لا يوجد حال العقد ، وبطلانه معلوم بالإجماع.

وأيضا ظاهر الفقهاء الاتفاق على جواز بيع الوديعة والعارية والعين المستأجرة وبيع الشي‌ء الغائب ، ولذا أورده العلامة فيما سمعت نقضا على الشافعي ، بل جعله حجة على من منع ، من جواز بيع الدين قبل حلوله ، وكذا المغصوب الذي حكي عن الفاضل الإجماع على جواز بيعه إذا كان البائع قادرا على انتزاعه ، ولا ريب أن التسليم فيما ذكر يستدعي زمانا طويلا غالبا ، وحمل ذلك كله على ما يمكن تسليمه قبل مضي زمان يفوت معه المنفعة المعتد بها ظاهر الفساد ، بعد كون الأصحاب بين مطلق لاشتراط القدرة على التسليم المتحقق في المسألة ومصرح بالجواز فيها ، أو فيما يستلزمها من المسائل المذكورة ، بل سمعت عن المرتضى وابن الجنيد ومن وافقهما جواز بيع الآبق المقدور للبائع أو المشتري ، بل عن ظاهر الشيخ وجماعة جواز بيع السمك في البرك العظيمة التي لا يمكن اصطيادها منها إلا بعد مشقة ومضي زمان ، نعم عن الشيخ في الخلاف ما يوهم خلاف ذلك ، حيث قال فيما لا يمن اصطياده من السمك المشاهد في الماء الكثير إلا بمؤنة وتعب ، أنه لا يصح بيعه عندنا ، إلا إذا ضم إليه شي‌ء من القصب أو غيره ، لكنه ليس‌

٤٠٣

نصا في اشتراط القدرة على التسليم في الحال ، لاحتمال أن يكون الوجه فيه تنزيل المشقة والتعسر منزلة التعذر ، فلا يكون مقدورا على تسليمه ، كما أن ما سمعته من التحرير لا صراحة فيه في المنع في غير ما ذكره ، لاحتمال إرادة التمثيل به أو قصد ما بعد العقد مطلقا ، فلا خلاف محقق في المسألة ، ومنه يعلم ضعف أحد التردد في المتن ، وهو مانعية العجز الفعلي ، نعم لا بأس بثبوت الخيار في ذلك مع الجهل لكون المشتري قادما على الانتفاع بالمبيع بعد البيع ، فلما تعذر ذلك جبر بالخيار دفعا للضرر ، بخلاف العالم فإنه لا خيار له للأصل السالم عن المعارض.

وإلى ذلك كله أومئ المصنف بقوله ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري أي مع الجهل لـ ( كان قويا ) ، بل اللائق الجزم به لما عرفت ، لكن ينبغي أن يعلم أن ما لا يمكن تسليمه في الحال إما أن يشترط في بيعه تأخير تسليمه إلى أجل معلوم يمكن تسليمه فيه أولا ، وعلى التقديرين ، فاما أن يكون المبيع موصوفا مضمونا في الذمة ، أو عينا موجودة معينة ، ففي المسألة حينئذ صور أربع ، الأولى بيع المضمون المؤجل بأجل معلوم وهو السلف ، ولا ريب في صحته ولا في عدم اشتراط القدرة على تسليمه في الحال كما تعرفه في محله ، الثانية بيع العين الموجودة المشروط تسليمها بعد انقضاء مدة التعذر ولا ينبغي الشك في صحة هذا البيع أيضا فإنه كالسلم ، بل لعله أولى لاشتراكهما في التأجيل وضبط الأجل مع زيادة وجود المبيع والعلم به فلا يدخله ما يدخل السلم من الغرر المغتفر ، الثالثة بيع العين المقدور تسليمها بعد مدة غير مضبوطة في العقد ، فان كانت مقدرة في العادة ، فالبيع صحيح لأن العادة بمنزلة الشرط المذكور في العقد ، بل الظاهر الجواز في غير المقدرة‌

٤٠٤

عادة أيضا ، للعموم المؤيد بإطلاق الفتوى ، فإنهم لم يشترطوا في بيع ما يتعذر تسليمه في الحال انضباط المدة التي يمكن التسليم بعدها بحسب العادة ، كما لم يشترطوا تعينها في أصل البيع ، وكلامهم في جواز بيع الغائب والوديعة والعارية والمغصوب والآبق والسمك ، ضرورة عدم انضباط المدة في ذلك واختلافها زيادة ونقصا اختلافا فاحشا ، ولا غرر في ذلك بعد إمكان التسليم ، وفوات المنفعة مدة التعذر ليس من الغرر في المبيع ، وإنما هو غرر في غيره ، إلا أنه أقدم عليه مع العلم ، وجبر بالخيار مع الجهل ، فلا غرر حينئذ ولا ضرر ، واشتراط ضبط الأجل في المؤجل إنما هو لكون الأجل فيه مقصودا فوجب ضبطه ، بخلاف غيره مما لم يقصد فيه الأجل ، فلم يعتبر فيه الضبط ، وما يقال من أنه إذا لم يعين الأجل في العقد ولم يكن مقصودا امتنع ثبوت الخيار في وقت ، لاحتمال التمكن فيما بعده ، يدفعه ما قيل : من أن الخيار ثابت عند اليأس من حصوله ، وهو معلوم بالعادة ، الرابعة بيع الموصوف المضمون المتعذر تسليمه في الحال من دون أجل ، وفيه وجهان يلتفتان إلى أن ذكر الأجل هل هو شرط في صحة السلم؟ فيصح بيعا لا سلما؟ أو في صحة البيع؟ فلا يصح مطلقا ، أو يفصل بين ما ينضبط فيه المدة بحسب العادة المنزلة منزلة الشرط وبين غيره؟ فيصح في الأول دون الثاني ، وربما كان ظاهر صحيح عبد الرحمن وحسنه (١) بطلان البيع في هذه الصورة وصحته فيما عداها ، وتعرف إنشاء الله في باب السلم تحقيق الحال في ذلك والله العالم.

الشرط الرابع أن يكون الثمن معلوم القدر والجنس والوصف فلو باع بحكم أحدهما أو ثالث أو عرف أو عادة في قدر الثمن ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ و ٣.

٤٠٥

أو جنسه أو وصفه لم ينعقد البيع بلا خلاف أجده فيه بيننا. في أصل اعتبار العلم به عند المتبايعين ، إلا من الإسكافي فإنه قال : لو وقع البيع على مقدار معلوم بينهما ، والثمن مجهول لأحدهما جاز إذا لم يكن يواجبه كان للمشتري الخيار ، إذا علم ذلك كقول الرجل بعني كر طعام بسعر ما بعت فاما إن جهلا جميعا قدر الثمن وقت البيع لم يجز وكان البيع منفسخا ، وهو متروك بل مسبوق بالإجماع ملحوق به ، ومخالف لحديث نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر (١) نعم في الناصريات الاكتفاء بالمشاهدة في العلم به عن وزنه وكيله وعده ، من غير فرق بين ثمن السلم والأجرة وغيرهما ، وكذا عن الشيخ رحمه‌الله كما أني لا أعرف خلافا في عدم الاكتفاء بها كذلك في المبيع إلا من الإسكافي ، فجوز بيع الصبرة المشاهدة جزافا بجزاف مغاير للجنس ، كما حكاه عنه الشهيدان في الدروس والروضة والسيوري في التنقيح على ما قيل ، لا مطلق جواز بيع الجزاف الذي هو مذهب العامة ، وليس قولا لأحد من أصحابنا ، وإن حكي عن ظاهر المجمع والكفاية وجود القائل به منا؟ إلا انا لم نتحققه ، ولعلهما أخذاه من عبارة الإسكافي المحكية عنه في المختلف ، إلى أن التدبر فيها وفي المحكي عنه يقتضي ما عرفت ، أو مما في الدروس عن المبسوط أنه مال إلى صحة بيع الجزاف ، وهو غير محقق أو المحقق عدمه ، كما أن ما فيها أيضا من أنه لا تكفي المشاهدة في الموزون ، خلافا للمبسوط وإن كان مال السلم ، خلافا للمرتضى لا يخلو من خلل لا يخفى على المتتبع.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف الجميع لأمور ، أحدها الإجماع المحكي إن لم يكن المحصل على اعتبار الوزن والكيل في الثمن والمثمن ، ويتم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

٤٠٦

في المعدود بعدم القول بالفصل ، وقول المرتضى رحمه‌الله ما أعرف لأصحابنا إلى الآن نصا في هذه المسألة ، أي اشتراط معرفة رأس مال السلم غير مناف ، لذلك خصوصا بعد إمكان تأخر الإجماع عن عصر السيد ، واللاحق كالسابق في الحجية ، ثانيها معلومية شرطية العلم بالعوضين ، في صحة البيع وهو في كل شي‌ء بحسبه ، وما جرت العادة فيه بتقدير مخصوص ، فالعلم يتبع حصول ذلك التقدير ، وبيعه بدونه خرص وتخمين ، وليس من العلم في شي‌ء ، ومن ثم اتفقت الكلمة على تسميته جزافا ، وهو بنص أهل اللغة الأخذ بالحدس والمساهلة في الأمر من غير تحقيق ، فالمشاهدة إن أريد أنها تقوم مقام التقدير في حصول العلم ، فالحس يكذبه ، والعرف يقضي بخلافه ، وإن أراد حصول المعرفة الإجمالية بها فهو مسلم ، لكن لا يجدي نفعا في الصحة لبقاء الجهالة ، وانتفاء شرط المعلومية.

لا يقال المنفي في هذا الفرض المعلومية من كل وجه ، وليست شرطا ، وإلا لما صح شي‌ء من البيوع لخلوها عن الإحاطة التامة ، وإنما الشرط معلومية الشي‌ء في الجملة ، وهي حاصلة بالمشاهدة ، لأنا نقول : كما امتنع أن يراد بالعلم المشترط المعلومية من كل وجه ، فكذا يمتنع أن يراد به المعلومية في الجملة ، وأنها لو كانت كافية في صحة البيع ، لزم أن لا يفسد شي‌ء من البيوع بفقد شرط العلم ، لامتناع المجهول المطلق ، وحيث بطل هذان المعنيان ، ثبتت الواسطة بينهما ، وهي معلومية الشي‌ء بحسب العادة ، بمعنى ارتفاع الجهالة عنه كذلك ، وعده معلوما فيها على الإطلاق ، وإن انتفت الإحاطة به من كل وجه ، فإنها اللازم من بطلان الطرفين المتقابلين ، ومن تحكيم العرف والعادة فيما‌

٤٠٧

لم يرد فيه تحديد من الشرع ، ولا ريب أن معلوميته بحسب العادة إنما يحصل بتقديره ، بما هو المعتاد فيه ، فلو انتفى كما في بيع المكيل والموزون من غير كيل ووزن انتفت المعلومية بالمعنى المراد.

ثالثها حديث الغرر (١) فإنه كما يدل على أصل اشتراط العلم بالعوضين ، فكذا على وجوب تقديرهما بالأمر المعتاد فيهما ، وذلك لأن ما يقدر في العادة بالكيل والوزن مثلا يختلف فيه الثمن بحسب اختلاف مقداره كيلا ووزنا ، وما يختلف الثمن باختلاف التقدير فيه لا يرتفع عنه الغرر والمخاطرة إلا بذلك التقدير ، إذ المشاهدة إنما يرتفع بها الغرر الحاصل من اختلاف الجنس والوصف ، بخلاف المقدار فإنه لا يدرك بالحس والخرص فيما يقدر عادة خلاف المعتاد ، فالاختلاف الحاصل من قبله غرر منفي ، بخلاف ما يحصل من اختلاف الموازين والمكاييل ، فإنه عادى مغتفر في العادة ، وقد علمت أن الغرر المنفي هو الاختلاف الذي لا يتسامح به عرفا وعادة وإن قل ، وأن المتسامح به ليس بغرر أو غرر مغتفر ، والاختلاف الحاصل بالكيل والوزن من هذا القبيل ، وكذا الحاصل بالمشاهدة فيما جرت العادة بالاكتفاء بها سواء كان التقدير فيه غير ملحوظ أصلا كما في بيع الأناسي من العبيد ، أو مقصودا كما في بيع الثمار والأشجار ، وبيع الحيوان المقصود منه اللحم ، فان المقدار وإن كان مراعى فيه في الجملة إلا أنه لما جرت العادة بالاكتفاء فيه بالمشاهدة ، جاز بيعه كذلك وإن أمكن الوزن وسهل الاختبار.

رابعا ما رواه المشايخ الثلاثة رحمهم‌الله تعالى بطرق متعددة منها‌

__________________

(١) الدعائم ج ٢ ص ١٩.

٤٠٨

الصحيح الواضح والراجح والحسن كالصحيح عن الحلبي (١) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى من رجل طعاما عد لا بكيل معلوم ثم إن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فان فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته قال : لا يصلح إلا أن يكيل ، وقال : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة ، هذا ما يكره من بيع الطعام » فان المفهوم من نفي الصلاح عرفا ولغة ثبوت الفساد كما يشهد له غلبة استعماله في ذلك في النصوص بل لعل ذلك هو الظاهر هنا من حال السائل فإن المهم السؤال عنه باعتبار الصحة خصوصا بعد تجويز أهل الخلاف بيع الجزاف ، فان ذلك مما يبعث على السؤال في حق الفقيه العارف ، كالحلبي الذي هو من فقهاء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، وأول من صنف في الفقه على ما قيل ، ولا ينافي ذلك الحكم بالكراهة في آخر الحديث فإنها تستعمل في الكتاب والسنة بمعنى التحريم والأهم منه ومن الكراهة بالمعنى الأخص ، استعمالا كثيرا شائعا ، فيحمل اللفظ عليه تحكيما للصدر على العجز ، بل لا إشكال أصلا بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها ، كما صرح به جماعة ، وفي حديث أبي بصير (٢) « في بيع المثلين من التمر بمثل هذا مكروه ، فقال : أبو بصير : ولم يكره؟ قال : كان علي عليه‌السلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن علي عليه‌السلام يكره الحلال ، » وقد قال الله سبحانه (٣) : ( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) وأكثر المذكورات قبلها من أكبر المحرمات ، وثبوت الحكم في الطعام يقتضي ثبوته في غيره مما يكال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الربا.

(٣) سورة الإسراء الآية ٣٨.

٤٠٩

أو يقدر بغير الكيل ، لعدم القول بالفصل ، وللأولوية في الموزون ، وظهور ان العلة ، المنع من المجازفة ، فيطرد الحكم في الجميع ، والتقييد بالطعام في الجواب مع كونه بالمفهوم الضعيف ، تنصيص على محل الحاجة ، وهو مورد السؤال فلا يقتضي تقييد الحكم ، وليس في السؤال تصريح بكيل البائع العدل الثاني ، حتى ينافي ما ثبت من جواز الاعتماد على إخباره ، وقوله : فان فيه مثل العدل الآخر ليس نصا في وقوع التقدير بالكيل ، فيحمل على إرادة التخمين والمقايسة بين العدلين لتشابههما وتقاربهما في السعة ، ولذا لم يتعرض لذلك في العدل الأول ولا للآخر من أول الأمر ، بل بعد ما عرف الكيل الأول ، والمراد من قوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا ما كان مكيلا سمي فيه الكيل ، ويطلق عليه اسم المكيل فالوصف غير مخصص ، أو المقصود منه الاحتراز عما لا يكال من المطعوم ، وليس المراد ما بنى عقده على الكيل وسمي فيه الكيل عند البيع ، وإن أوهمه ظاهرا ، لأن المنع عن المجازفة فيه معلوم بالضرورة ، لأخذ التقدير في بيعه ، فلا يعقل جوازه بدونه ، ومقام هذا السائل الجليل يجل عن السؤال عن مثله ، نعم يحسن السؤال حينئذ عن جواز التعويل على إخبار البائع ، وحيث امتنع ذلك كما عرفت تعين أن يكون المراد ما قلنا.

ومنه يعلم ما في مناقشة المحقق الأردبيلي في الخبر المزبور ، حتى أنه بعد أن حصر الدليل فيه ، وناقش بما عرفت ضعفه ، ربما ظهر منه الميل إلى الجواز ، بل لعله صار سببا لجرأة غيره على ذلك أيضا ، لكن قد سمعت دلالته وغيره على المطلوب ، الذي قد يؤيد مضافا إلى ما ذكرناه من الأدلة بظواهر الآيات المتضمنة للأمر بالوزن (١) واقامته ونزول‌

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٣٥.

٤١٠

الميزان ووضعها (١) والأخبار الدالة على وجوب تقدير المسلم فيه بالكيل والوزن (٢) فان السلف نوع من البيع ، وكذا ما دل على المنع من الطعام المبتاع قبل أن يكال أو يوزن (٣) بحمله على انتفائهما في البيع الأول ، لوجود المعارض وعدم ظهور وجه التحريم في غيره ، وما تضمن المنع من البيع بصاع غير صاع المصر كما رواه الحلبيان (٤) فإن إطلاق المنع منه يتناول صورة العلم بالمغايرة ، ولا وجه له سوى تحريم المجازفة ، وكذا ما ورد من اعتبار المعدود والموزون بالكيل إذا تعذر عده ووزنه (٥) إذ لو صح الجزاف لكفى عن مؤنته.

وليس في شي‌ء من ذلك دلالة يعتد بها ، وإن كان لا يخلو التأييد ببعضها من نظر ، باعتبار كون المقصود منه أمر آخر لا تعلق له بهذا الفرض ، كل ذلك مع عدم حجة معتد بها في الاكتفاء بالمشاهدة ، سوى دعوى وجود المقتضي للصحة وهو عموم الكتاب والسنة وانتفاء المانع إذ ليس إلا الجهالة المنتفية بالمشاهدة التي قد عرفت جوابها نقضا بالبيع ، وحلا بما سمعت ، وكذا حجة الإسكافي بأن المانع إن كان الربا ، فهو منتف بفرض الاختلاف في الجنس ، أو الجهالة وهي مندفعة بمثلها ، وفيه أن المانع نفس الجهالة وهي تزداد بانضياف مثلها فكيف تندفع بها.

ومن الغريب بعد ذلك كله ما في الحدائق من المناقشة في خصوص البطلان فيما لو باع بحكم أحدهما ، المحكي عليه الإجماع عن التذكرة‌

__________________

(١) سورة الرحمن الآية ٩.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب السلف.

(٣) الوسائل الباب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ٧ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٤١١

وغيرها ، مضافا إلى ما سمعت للصحيح أو الحسن‌ كالصحيح عن رفاعة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت ساومت رجلا : بجارية له فباعنيها بحكمي ، فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت له : هذه الألف درهم حكمي عليك فأبى أن يقبضها مني وقد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالألف درهم ، قال : فقال : أرى أن تقوم الجارية بقيمة عادلة ، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت إليه ، كان عليك أن ترد ما نقص من القيمة ، وإن كان قيمتها أقل مما بعثت إليه فهو له ، قال : فقلت له : أرأيت ان أصبت بها عيبا بعد ما مسستها ، قال : ليس عليك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب » بل ظاهره بعد ذلك جواز بيع المكيل والموزون بغير كيل ولا وزن أيضا ، لخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري بيعا فيه كيل أو وزن بغيره ثم يأخذه على نحو ما فيه فقال : لا بأس » وللأخبار الدالة على جواز تصديق البائع والأخذ بما يقوله (٣).

ضرورة أن الخبر الأول الذي لم يحكم بصحة البيع فيه على نحو ما وقع فيه ، بل بثمن المثل الذي لم يكن مقصودا لهما ، مع اتحاده وهجره بين الطائفة ، واحتماله قضية في واقعة. والموافقة للعامة ، والتوكيل في البيع الذي ينبغي فيه مراعاة ثمن المثل ، وتلف الجارية والشراء جديدا بثمن المثل ، وغير ذلك مما لا يليق بالفقيه ، الجرأة به على مخالفة قواعد المذهب التي صارت من ضرورياته ، ويعرفه المخالف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٤١٢

لنا فضلا عن الموافق ، وكذا الخبر الثاني الذي في سنده ما فيه ، بل من المحتمل قويا كون بغيره فيه يعيره بالمثناة التحتانية والعين المهملة من التعيير فصحف ، ويكون حينئذ على نحو‌ خبر عبد الملك بن عمر (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام اشترى مائة راوية من زيت فاعترض راوية أو اثنتين فأزنهما ، ثم أخذ سائره على قدر ذلك قال : لا بأس » وغيره من الأخبار المراد منها اعتبار بعض المبيع على وجه يشهد بصدق البائع في الأخبار بالتساوي أو تحصيل الطمأنينة بذلك بحيث يرتفع صدق الغرر في البيع ، بل لعل تصديق البائع من دون اعتبار كذلك أيضا ، فإن الشراء منه بناء على صدقه فيما أخبر به ، لا يعد من شراء المجهول والغرر ، المجازفة قطعا ، فانا لا نعتبر في المعلومية أزيد من ذلك ، بعد تظافر النصوص بها (٢) كما هو واضح لدى كل مجرد عن حب مخالفة الأصحاب الذين هم حفاظ المذهب وحماته وقوامه وهداته ، جزاهم الله عن أيتام آل محمد خير الجزاء وشكر سعيهم ، وقد فعل والحمد لله أولا وآخرا.

وعلى كل حال فـ ( لو تسلمه المشتري ) مع اختلال هذا الشرط بل وغيره من الشرائط فتلف في يده كان مضمونا عليه مع العلم والجهل بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم‌ « على اليد » (٣) و « من أتلف » (٤) وأصالة احترام مال المسلم ، وقاعدة ما يضمن بصحيحه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧.

(٤) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار ومن أراد الاطلاع على مداركها فليراجع القواعد الفقهية ج ٢ للسيد البجنوردي.

٤١٣

يضمن بفاسده ، والإجماع بقسميه ، وغير ذلك مما يقضي بكونه مغصوبا في يده ، أو كالمغصوب في جميع أحكامه ، فما عن الأردبيلي وتابعه المحدث البحراني من الوسوسة في ذلك ، لأصالة البراءة وإمكان العلم فضلا عن الظن بالرضاء من البائع بالتصرف في المبيع ، عوض التصرف في الثمن ، وإن كان البيع فاسدا ، ونحو ذلك من الخرافات الخارجة عن مفروض المسألة الذي هو قبض المبيع بالبيع الفاسد ، من حيث كونه كذلك ، الأجنبي عن المعاطاة المتوقفة على إنشاء جديد غير الأول ، وعن التصرف بعلم الرضا الذي هو جائز من دون توسط البيع في غير محله ، إنما الكلام في كيفية ضمانه ، فخيرة المصنف بل ربما قيل الأكثر أنه كان قيميا يضمنه ، بقيمته يوم قبضه لأنه وقت تعلق الخطاب ، وإن كان ترتيبا ، ولخبر البغل (١) المتمم بعدم القول بالفصل بين مورده أي الغصب وبين المقام ، وقيل يوم تلفه ، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر لأنه زمان الانتقال إليها.

وقيل بأعلى القيم من يوم قبضه إلى يوم تلفه مطلقا كما هو ظاهر بعضهم ، بل ربما نسب إلى الأشهر لأن القيمة على اختلاف أحوالها للمالك فيملك أعلاها ، ولدعوى دلالة خبر البغل وإن كانت التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة ، لأن زيادة العين مضمونة مع بقائها ، فكذا مع تلفها دون ما لو كان باختلاف السوق ، فإنه يضمن حينئذ بقيمته يوم تلفه ، كما هو صريح المسالك وفي محكي المقنعة والنهاية في خصوص الفساد بما في المتن الضمان يوم البيع ، إلا أن يحكم على نفسه بالأكثر فيجب أو يكون البائع حاكما فيحكم بالأقل فيتبع ، وعن أبي الصلاح والقاضي اختياره ، ولعل الأقوى الثاني ، لما عرفت من أنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١.

٤١٤

زمان الانتقال إليها ، بل ربما يرجع إليه الأخير ، ضرورة كون البحث في القيمة من حيث اختلاف السوق ، وإلا فلا ريب في أنه للمالك أرش النقص لو فرض حصوله في يد المشتري ، مضافا إلى ضمان القيمة يوم التلف ناقصة ، ولا يضمنها كاملة تقديرا حال التلف ، وكذا الزيادة التي حصلت عند المشتري ، إن قلنا بضمانها ، لأنها كما لو كانت عند البائع فتلفت عند المشتري في التبعية لملك العين ، واستدامة الغصب كابتدائه بالنسبة إلى ذلك.

نعم قد يتوقف في ضمانه لها لو رد العين إلى المالك ، كما كان قد أخذها منه ، لصدق أداء ما أخذت ، مع احتمال أن يقال : انه وإن صدق أداء ما أخذ بالأخذ الأول ، لكنه غير صادق بالنسبة إلى استدامة يده ، فإنه أخذ أيضا ولم يؤد كما أخذ به ، لأن الفرض تلف الزيادة ، فلا فرق حينئذ في ضمان النقص عما كانت في يد المالك ، والنقص عما كانت في يده ، زمانا من الأزمنة ، وربما يأتي لذلك مزيد تحقيق إنشاء الله في باب الغصب ، على كل حال فهو خارج عما نحن فيه من ضمان قيمة العين ، من حيث السوق ، ضرورة أنه في الفرض المزبور يضمن النقص عند تلفه ، ويضمن العين عند تلفها ، لا أنه يضمن أعلى القيم ، فلعل مراد ثاني الشهيدين ذلك ، كما هو خيرته في الروضة.

بل يمكن إرجاع القول بضمان أعلى القيم من القبض إلى يوم التلف إلى ذلك ، بالتقريب الذي ذكرناه ، إذ احتمال إرادة الأعلى من السوق ، يدفعه أن ذلك أمر اعتباري وليس مالا محققا كي يضمنه الغاصب ، فيكون في المسألة قولان ، ولا ريب في أن ثانيهما أقواهما ، لأن الخطاب الترتيبي قبل حصول المرتب عليه غير محقق ، فلا يترتب عليه حكم ، وخبر البغل غير دال على ذلك ، لاحتمال كون المراد فيه يلزمك‌

٤١٥

يوم خالفته قيمة البغل لو عطب بل الظاهر ، لا أن المراد قيمته يوم المخالفة ، فإن ذلك غير ملحوظ بل مقطوع بعدمه ، خصوصا ومن المستبعد اختلاف قيمة البغل في ذلك الزمان ، ولذا حكم في آخره بأنه إذا أقام صاحب البغل البينة على قيمة بغله يوم أجرة أداها له وما ذلك إلا للبناء على اتحاد القيمة في سائر الأحوال ، كما هو الغالب وربما يؤيده أيضا ما فيه جواب قوله ، فإذا أصاب البغل كسرا ودبرا وغمر ، عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه ، ضرورة كون المراد أن عليك يوم ترد البغل إلى مالكه قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تعيبه ، لأنه في ذلك الوقت تعلق به الضمان دون يوم الأداء ، ومن هنا يعلم ضعف احتمال ضمان القيمة يوم الأداء في المسألة ، مع أني لم أجده قولا لأحد ، كاحتمال يوم المطالبة والأعلى من يوم القبض أو التلف إلى المطالبة أو الأداء فإنها مبنية على اعتبارات ضعيفة ، والموافق لأصول المذهب ما عرفته ، كما أن الموافق لها في المثلي ضمانه بمثله ، وبقيمته يوم إعوازه ، لأنه وقت الخطاب لا قيمته حين تسلم البدل ، وإن قيل أنه الأشهر ، ولا أعلى القيم من يوم قبضه إلى إعوازه ولا إلى المطالبة ، ولا إلى الأداء ولا من إعوازه إلى المطالبة ، ولا إلى الدفع ، والله العالم.

وكيف كان فقد عرفت أنه ان نقص المبيع مثلا فله أرشه مع رد العين أو عوضها ، وكذا لو زاد لا بفعل المشتري بل من الله بل ومن فعله مع العلم بالفساد ، فإنه ليس له حينئذ إلا الزيادة العينية التي يمكن فضلها كما في المسالك وإن كان لا يخلو من نظر نعم لو زاد بفعله جاهلا كان له قيمة الزيادة وإن لم تكن عينا ، وبالجملة حكمه في ذلك حكم الغاصب الذي تعرف تحقيق الحال‌

٤١٦

في محله إنشاء الله هذا وقد ظهر لك مما ذكرناه في أول البحث الحال في الشرط.

الخامس إذ كما يشترط العلم بالثمن على الوجه المزبور كذلك يشترط أن يكون المبيع معلوما على الوجه الذي سبق وحينئذ فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا ولو كان مشاهدا كالصبرة ولا بمكيال مجهول كقصعة حاضرة وإن تراضيا بها ، ولا الوزن المجهول كصخرة معينة ولا العدد المجهول كملأ اليد ونحوها بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النهي عن الغرر (١) وعدم صدق العلم وغير ذلك مما سمعت وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٢) « لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر » وقال : في الآخر (٣) « لا يحل للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر قلت فان الرجل يستأجر للكيل الكيال فيكيل له بمد بيته لعله يكون أصغر من مد السوق ولو قال هذا أصغر من مد السوق لم يأخذ به ولكنه يحمله ذلك ويجعله في أمانته فقال : لا يصلح إلا مد واحد والأمناء بهذه المنزلة » وفي‌ صحيح سعد (٤) « عن أبي الحسن عليه‌السلام سئل عن قوم يصغرون القفزان يبيعون بها قال : أولئك الذين يبخسون الناس أشياءهم » فما في الحدائق عن الأردبيلي رحمه‌الله من المناقشة في ذلك في غير محلها ، نعم لو تعاقدا على صاع بلد ولو غير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ٢ مع اختلاف يسير.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٤١٧

بلدهما معلوم معروف عندهما أو وزن كذلك ، أمكن القول بالجواز ، ولا ينافيه الحسن المزبور المراد منه عدم الجواز بصاع غير صاع المصر على انه صاع المصر لا مع الفرض المزبور الذي وجه الصحة فيه واضح ، للعمومات ، وعدم الغرر ، وصدق العلم ، ولعل هذا هو الذي يريده الأردبيلي ، لا جواز اتفاقهما على صخرة مجهولة ، أو قصعة كذلك ونحوهما ، مما وجه الفساد معه واضح ، كوضوح عدم الفرق بين الاعتبارات الثلاثة ، فالمناقشة عنه أيضا في اعتبار العدد في خصوص المعدود بمعنى أنه يجوز من غير اعتبار مع التراضي في غير محلها ، ضرورة تحقق الغرر ، كعدم الكيل والوزن ، في المكيل والموزون ، كما عساه يشهد له صحيح الحلبي وابن مسكان في الجواز (١) كما ستعرف والتراضي بغير المشروع غير مجد ، وليس من المجهول ما يضعه حاكم الوقت معيارا للكيل والوزن ، فيجوز البيع به والشراء قبل شيوعه ، وقد عرفت ان المدار صدق المعلومية على الإطلاق ، ولا ريب في اختلافها باختلاف الأحوال ، فرب شي‌ء في حال من الأحوال لا مدخلية لاعتباره في صدقها ، وإن توقفت عليه في حال آخر ، بل قد يقل المكيل مثلا على وجه لا يدخله الكيل لقلته ، فان الظاهر جواز بيعه جزافا ، كما هو واضح ، والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه يجوز ابتياع جزء من معلوم لا مجهول وإلا تجهل المبيع بجهله بخلاف ما إذا كان معلوما بنفسه والجزء المبيع معلوما أيضا بالنسبة لكونه مشاعا كالثلث والربع ، فإنه لا جهالة ولا غرر حينئذ سواء كانت أجزائه متساوية أو متفاوتة بل الإجماع بقسميه عليه للعمومات السالمة عن معارضة الغرر والجهل نعم لا يجوز ابتياع شي‌ء مقدر منه لا بقصد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

٤١٨

الإشاعة ، إذا لم يكن متساوي الأجزاء كالذراع من الثوب والجريب من الأرض أو عبد من عبدين أو من عبيد أو شاة من قطيع بلا خلاف ولا إشكال مع قصد الإبهام الذي لا يصلح ، لتعلق الخطاب فضلا عن تحقق الملك بالسبب المعتبر في متعلقة المعلومية ، بل ظاهرهم ذلك أيضا مع قصد الكلية ، من دون خلاف فيه فضلا عن كل واحد بخصوصه على البدل ، نحو الوجوب التخييري ، ولعل الوجه في الأخير أنه ليس في الشرع ملك واحد على البدل ، فلا يصلح لأن يكون مورد الكل ناقل ، فضلا عن البيع مضافا إلى صدق الغرر والجهالة التي هي وجه الأول أيضا ، لكن لو سلم ذلك في الأول حتى بالنسبة إلى الوصية ، وشاة الزكاة ، يمكن إشكاله في الأخير بمنع الغرر والجهالة في بيع الكلي ، من غير فرق بين حصر أفراده المعلومة للمتبايعين بالصفات المشتركة بينها على وجه يكتفي في بيع كلي منتزع منها وإن لم يحصر فيها وعدمه ، ولذا صح عندهم السلم في الكلي وإن كان قيميا ، وصح بيع الصاع من الصبرة وإن لم يكن على الإشاعة ، كما ستسمعه إنشاء الله.

بل صحيح الأطنان كالصريح في ذلك ، روى بريد بن معاوية في الصحيح (١) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن فقال : البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن ، فقال : المشتري قد قبلت اشتريت ورضيت فأعطاه من ثمنه ألف درهم ، ووكل المشتري من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن ، وبقي عشرة آلاف فقال العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري ، والعشرون التي احترقت من مال البائع » وهو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٤١٩

صريح فيما ذكرناه وكونه في أطنان القصب وهي مثلية متساوية الأجزاء يدفعه أو لا منع كونه من المثليات ، وعلى فرض تسليمه لم يفرقوا فيما ذكروه بين المثلي والقيمي ، ولذا صرح في القواعد بالبطلان فيه ، قال : ولو قال بعتك صاعا من هذه الصيعان مما يتماثل أجزائه صح ، ولو فرق الصيعان فقال بعتك أحدها لم يصح ، وظاهره التفرقة بين الصيعان المجتمعة والمتفرقة ، بل لم أر أحدا ممن تأخر عنه خالفه في ذلك.

إلا ما عساه يظهر من المحكي عن الأردبيلي ، فإنه بعد أن حكى عن الأصحاب المنع من بيع الذراع من الثوب أو الأرض ، مع عدم تعيين الموضع والجواز مع تعيينه بطرف مخصوص ، قال : وفيه تأمل إذ لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم ، فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من أي رأس أراد المشتري أو من أي جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك ، مع أن الغالب هو التساوي في طول ثوب الكرباس مثلا ، والأرض المتصلة الأجزاء بمعنى عدم التفاوت بين أجزائها ، المستلزم لتفاوت في القيمة ، وكأنه لحظ ما ذكرناه وإن زاد بالمعية أخيرا في المناقشة ، في خصوص الأرض والثوب ، بأنه ربما كانت متساوية الأجزاء ، فما فهمه منه في الحدائق من اختصاص خلافه في خصوص ذلك من مختلف الأجزاء ، حتى أنه هو قد اختار التفصيل في مختلف الأجزاء بذلك في غير محله ، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع ، بناء على ما ذكرناه.

وكذا صرحوا في البطلان فيما لو باع قطيعا من الغنم مثلا واستثنى منه شاة أو شياها غير مشار إلى عينها لأن الجهالة في عين المخرج جهالة في المخرج منه الذي هو المبيع من غير خلاف ولا إشكال فيه عندهم ، نعم يجوز ذلك في متساوي الأجزاء كالقفيز‌

٤٢٠