جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ويعوضه قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها » وقال : أيضا في خبر جميل (١) « في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثم يجي‌ء مستحق الجارية فقال : يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية‌ وقيمة الولد الذي أخذت منه » وكذا في خبر زريق (٢) الذي ستسمعه نعم يرجع المشتري على البائع بما دفع إليه من الثمن ، بل وبما اغترمه للمالك من نفقة أو عوض عن أجرة أو عن نماء أو أرش جناية أو قيمة شجر أفسده القلع أو أجرة حفر أو طمة أو بناء جدار أو شق أنهار أو حفر آبار أو غير ذلك ، ولكن إنما يكون له الرجوع إذا لم يكن عالما أنه لغير البائع واغتر بظاهر فعله ، وإن لم يكن من قصد البائع غروره لعدم توقف صدقه على ذلك أو كان عالما انه لغيره ولكن ادعى البائع أن المالك أذن له ولم يكن له معارض لقاعدة الغرور ، وخبر جميل السابق والإجماع بقسميه ، عدا ما حصل له نفع في مقابل ما غرمه من عوض نماء أو منفعة ونحوها.

أما فيه فالمشهور أنه كذلك أيضا للقاعدة المزبورة إذ النفع الذي قد حصل له إنما قدم عليه مجانا ، باعتبار الغرور من فعل البائع ، أو دعواه فيكون حينئذ كما لو قدم إليه طعام الغير فأكله جاهلا ، وفي شرح الأستاد أن في خبر جميل دلالة عليه خلافا للمحكي عن الخلاف وموضع من المبسوط وظاهر السرائر وصريح كشف الرموز فلا يرجع به لعدم تضرره بعد فرض انتفاعه في مقابلة غرامته ، وقاعدة الغرر مبناها الضرر ، وفيه أن الضرر متحقق بعد الاقدام منه على استيفاء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

٣٠١

ذلك مجانا ، وإمكان كون بناء قاعدة الغرر على قوة السبب من المباشر وعلى كل فما في الحدائق من أنه لا يرجع إلا بالثمن ، مخالف للنص والقاعدة والإجماع بقسميه ، لما عرفت.

مضافا إلى عدم ما يصلح له سندا لذلك سوى ما ذكره من‌ خبر زريق (١) الذي باع قاضي الكوفة معيشته في دين ادعاه عليه ورثة ميت ، ثم ظهر بعد ذلك بطلان الدعوى فجاء المشتري لها إلى أبي عبد الله عليه‌السلام يسأله عن ذلك فقال له بعد شرح حاله : « جعلت فداك كيف أصنع؟ فقال : تصنع أن ترجع بمالك على الورثة وترد المعيشة إلى صاحبها ، وتخرج يدك عنها قال : فإذا أنا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا؟ قال : نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار وكل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت فإن للزارع إما قيمة الزرع وإما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع فان لم يفعل كان له ذلك ورد عليك القيمة وكان الزرع له قلت : جعلت فداك فان كان هذا قد أحدث فيها بناء وغرس؟ قال : له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه ويأخذه قلت : أرأيت ان كان فيها غرس أو بناء ، فقلع الغرس وهدم البناء؟ فقال : يرد ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها إلى صاحبها ورد البناء والغرس وكل محدث إلى ما كان أو رد القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض أن يرد عليه كل ما أخرج منه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة ودفع النوائب عنها ».

كل ذلك فهو مردود إليه باعتبار اقتصاره في جواب قوله كيف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

٣٠٢

أصنع؟ على الرجوع بماله الذي هو الثمن على الورثة ورد المعيشة على صاحبها ، ولو كان له الرجوع بغيره عليه لذكره لأنه في مقام الحاجة إلى البيان خصوصا مع تعرضه «ع» لرجوع المالك عليه بعوض المنافع ، مضافا إلى ما في ذيله من الرجوع بما أنفقه على مصلحة المعيشة ودفع النوائب عنها على المالك ، لا على غيره ، وفيه مع قصوره عن معارضة غيره وأعمية مثل هذا الاقتصار فيه من عدم الرجوع خصوصا بعد قضاء قاعدة الغرور ، وخبر جميل (١) والإجماع به ، أنه يمكن أن يكون خارجا عما نحن فيه ضرورة عدم الغرور به لأن الفرض فيه أن زريقا كان عند أبي عبد الله عليه‌السلام يوما إذ دخل عليه رجلان إلى أن قال : فقال أحدهما انه كان على مال لرجل من بني عمار وله بذلك ذكر حق وشهود فأخذ المال ولم أسترجع منه الذكر بالحق ، ولا كتبت عليه كتابا ولا أخذت منه برأيه ، وذلك لأني وثقت به وقلت له مزق الذكر بالحق الذي عندك فمات وتهاون بذلك ، ولم يمزقها وعقب هذا طالبني بالمال وراثه وحاكموني واخرجوا بذلك الذكر بالحق ، وأقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال وكان المال كثيرا فتواريت عن الحاكم فباع على قاض الكوفة معيشة لي وقبض القوم المال ، وهذا رجل من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من القاضي ، ثم إن ورثة الميت أقروا أن المال كان أبوهم قد قبضه ، وقد سألوه أن يرد على معيشتي ويعطونه في أنجم معلومة ، فقال : إني أحب أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذا ، فقال : الرجل يعني المشتري جعلني الله فداك كيف أصنع إلى آخر ما سمعته سابقا.

وهو كما ترى لا غرور فيه ، من أحد ، ضرورة معذورية القاضي والشهود والورثة ، وأقصاه ظهور الخطأ في حكم القاضي الذي قد باشر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

٣٠٣

البيع ، وهو لا يقضي بتغريمه ، ومن هنا اتجه ما ذكره فيه من الاحكام التي سمعتها كما هو واضح ، فحينئذ لا إشكال في الرجوع بما عرفت ، نعم قد يقوى عدمه في الزائد على المعتاد من النفقة والأجرة على بعض الأعمال ونحو ذلك ، مما هو مستند إلى تقصيره وكذا بذل ما يستحب في تلك المعاملة ، واللوازم البعيدة ، بل وكذا لا يرجع لو أبرأه المالك ضرورة أن المراد رجوع المغرور على من غره فيما غرمه ، ولذا عبر به الأصحاب بل لعل المتجه ذلك أيضا لو تبرع متبرع بالدفع عنه ، لكن في شرح الأستاد الإشكال في الأولين ، ووجهان في الأخيرين ، ثم قال : ويرجع بعوض عمله الجاري على عادة الملاك ، وفي الأعمال المنسوبة من عبادات وغيرها ، وعمل المتبرع والزائد على المعتاد والتوابع البعيدة يقوى الاشكال ، قلت : بل قد يتوقف في الرجوع بعمله أو عمل المتبرع له وإن جرى على المعتاد لعدم الغرامة المنساقة من لفظ الرجوع أما لو احتسب المالك ما في ذمته عليه خمسا ، أو زكاتا كان له الرجوع أيضا لصدق الغرامة ، وإن رجعت إليه بوجه آخر كما هو واضح.

هذا كله مع غرور المشتري وعدم علمه فـ ( ان لم يكن كذلك ) بل أخبره البائع فإنه فضولي أو غاصب أو نحو ذلك مما يرتفع به غروره لم يرجع على البائع بما اغترمه على المبيع من نفقة ونحوها وللمالك لو رجع عليه من عوض منفعة فأتت في يده أو استوفاها أو نماء كذلك أو غيرها مما عرفت ، بلا خلاف ولا إشكال لأنه بحكم الغاصب في إثبات يده على مال الغير قبل تحقق رضاه ، ضرورة عدم اقتضاء مجرد العقد قبل تحقق شرطه الذي مقتضى الأصل عدم حصوله ذلك ، وإن حكمنا بصحته التي يراد منها قابليته للتأثير بعد جمع‌

٣٠٤

الشرائط على حسب ما أوضحناه سابقا.

ومن الغريب ما في الحدائق من أنه لا يجتمع القول بصحة الفضولي وحرمة تصرف المشتري لاقتضاء الصحة ذلك ، ونحوه من المقتضيات بل فيها أنى لا أعرف وجها لذلك ، إذ هو كما ترى مما لا ينبغي أن يصغى إليه ، وأغرب من هذا نسبته إلى صريح كلامهم صحة الفضولي بالمعنى الذي يترتب عليها جواز التصرفات على حسب وقوع البيع من المالك ، وهو شي‌ء لا ينبغي نسبته إلى أصاغر الطلبة ، فضلا عن فحول الطائفة وحفاظ الشريعة المؤيدين المسددين ، وعلى كل حال فعدم رجوعه واضح ، بل قيل أنه لا يرجع بالثمن الذي دفعه إلى البائع أيضا بسوء اختياره ، مع العلم بالغصب بل في التذكرة قال : علمائنا ليس للمشتري الرجوع على الغاصب وأطلقوا القول في ذلك ، وفي تخليص التلخيص أطلق الأصحاب كافة ذلك ، بل عن الإيضاح أنه نسب عدم الرجوع مع بقاء العين فضلا عن تلفها تارة إلى قول الأصحاب ، واخرى إلى نصهم ، وفي جامع المقاصد يمتنع استرداده العين عند الأصحاب وان بقيت العين ، ولعله يريد ظاهرهم كما حكى عنه ذلك أيضا في موضع آخر ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال ، وعدم الانطباق على الضوابط المقتضية خلافه في نظائره كثمن الخمر والميتة وغيرها ، ومن هنا حكي عن المصنف في بعض تحقيقاته القول بالرجوع به مطلقا ، وهو وإن كان موافقا لما عرفت ، لكنه مخالف للجمع عليه بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، كما اعترف به الفخر والكركي وثاني الشهيدين والأستاد من عدم الرجوع في صورة التلف الذي هو المتيقن من إطلاقهم ، الموافق لما قرروه من أن دفعه بعد العلم بالغصب إباحة منه للمال بلا عوض ، فليس له الرجوع‌

٣٠٥

حينئذ بعد التلف كغيره من المال المباح من مالكه ، ولذا كان خيرة التذكرة والمختلف والقواعد في موضع منها ونهاية الأحكام والإيضاح وشرح الإرشاد للفخر والدروس واللمعة وجامع المقاصد والروضة والمسالك والكفاية التفصيل بينه وبين البقاء ، فلا يرجع مع الأول ، ويرجع مع الثاني ، لبقائه على ملكه ، و « الناس مسلطون على أموالهم » (١) لكن فيه أن ذلك لو كان للإباحة لجرى في غيره من نظائره ، ولاقتضى حلية التصرف فيه وفيها ، مع أنه‌ ورد في كثير منها أن « أثمانها سحت » (٢) مضافا إلى ما عرفته سابقا من ضمان الثمن والمثمن في القبض بالعقد الفاسد ، من غير فرق بين التلف وعدمه ، والعلم بالفساد وعدمه ، فالعمدة حينئذ ظهور إطباق الأصحاب الذي قد عرفت الاعتراف منهم بأن معقده مطلق ، شامل لصورتي البقاء والتلف ، مع إمكان تقريبه إلى الذهن بنحو ما سمعته من الإباحة ، بالنسبة إلى التلف ، بأنه يمكن أن يكون عقوبة له ، ولا استبعاد في عدم جواز الرجوع به وإن بقي على ملكه ، بل ويجب رده على من في يده ، كالمال الذي حلف عليه المنكر (٣) أو يكون نحو المال المعرض عنه ، أو الموهوب أو نحو ذلك فيملكه حينئذ البائع مع حرمة التصرف عليه ، أو عدمها.

وعلى كل حال فبناء على ذلك لا وجه للتفصيل المزبور اللهم إلا أن يقال أن المنشأ في التلف الإباحة من المالك ، وهي لا تنافي حرمة تصرف الغاصب ، للنهي الشرعي عن الإباحة في مقابلة المحرمات ، ولا تلازم بين الحرمة المالكية والشرعية ، فيمكن أن يكون الشارع حرم‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ٣ و ٤ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

٣٠٦

التصرف فيما دفع عوضا عن المغصوب مثلا وإن رضى المالك ، فيكون عدم الرجوع عليه باعتبار الإباحة المزبورة التي هي المدار فيه وفي أمثاله ، بل لا بأس بالتزام مثل ذلك في جميع نظائره ، مما دفع فيه الثمن بلا مقابل معتد به ، كما صرح به الأستاد في شرحه ، حيث أنه بعد اختياره التفصيل قال : ويقوى تسرية الحكم في المقامين إلى كل ما دفع من غير مقابل ، أو بمقابل غير قابل.

نعم لا يجري مثله في البيع الفاسد بغير ذلك ، وما شابهه بأن كلا من المتعاملين فيه قد قدم على أخذ العوض من صاحبه ، ويرجع مع التلف إلى ثمن المثل ، وإن زاد على المسمى ، لتحقق مسمى الاقدام على الضمان في الجملة ، بخلاف المقام الذي هو عند الانحلال تسليط على المال بلا عوض شرعا ، وهتك لحرمة الملك بالاذن منه في الإتلاف ونحوه بل ربما ظهر من الكركي وغيره جواز التصرف للبائع فيه بملاحظة الاذن المزبورة ، بل نسب ذلك إلى الأصحاب ، وإن كان فيه ما لا يخفى من المنافاة لما هو كالمعلوم ضرورة من الشرع.

وكيف كان فمن ذلك ينقدح أنه لو فرض في المقام اشتراط المشتري على البائع الرجوع عليه بالثمن لو رجع المالك عليه بالعين ، اتجه له الرجوع عليه مع التلف أيضا ، ضرورة كونه حينئذ كالمقبوض بالعقد الفاسد ، فلا يكون مندرجا في معقد الإجماع كما جزم به في شرح الأستاد ، بل جزم أيضا بالرجوع مع اشتراط الخيار أو بقاء الثمن مدة فيقع التلف فيها أو نحو ذلك مما يقتضي عدم إطلاق الإباحة له ، وهو لا يخلو من وجه ، مع احتمال القول بأن الحكم تعبدي محض في خصوص المقام ، وفي خصوص المتيقن ، ولعله الأوفق بالقواعد وكلام الأصحاب وعلى كل حال فظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته أن بيع الغاصب من‌

٣٠٧

الفضولي ، كما صرح به في التذكرة والمختلف ونهاية الأحكام والدروس وحواشي الشهيد والتنقيح وجامع المقاصد وغيرها ، على ما حكي عن بعضها بل عن الإيضاح نسبته إلى الأكثر ، وإن كان قد باع قاصدا للنقل عن نفسه وقبله المشتري على ذلك ، إلا أنه لا ينافي الفضولية التي قد عرفت أنها عبارة عن وقوع العقد من غير المالك كيف ما قصد ، بل عرفت مدركها فيما تقدم مما لا فرق فيه بين ذلك كله ، بل ولا بين علم المشتري بالغصبية وجهله بها ، كما صرح به بعضهم لتناول معظم ما عرفته من الأدلة السابقة لذلك كله.

فما جزم به بعض الناس من عدم كون بيع الغاصب مطلقا أو مع علم المشتري بالغصب ، أو تردد فيه كذلك من الفضولي في غير محله وقصد النفس أو الغير لا مدخلية له حينئذ ، بعد فرض دلالة الأدلة على قابلية تأثير لفظ العقد مع وقوعه على ما كان قابلا للتأثير فيه من غير فرق بين المالك وغيره ، ونصوص النهي عن بيع ما لا يملك والسرقة ونحوها (١) قد عرفت الحال فيها ، وما تسمعه إنشاء الله من عدم رجوع المشتري على الغاصب إذا لم يجيز المالك بالثمن مطلقا أو مع التلف لو دفعه إليه عالما بالغصب ، غير مناف لصحة الفضولي قطعا ، مع عدم انحصار الثمن فيما لو دفعت كما كان كليا ، ضرورة رجوع المالك حينئذ على المشتري مع إجازته البيع دون القبض بمصداق الثمن بل وكذا لو أجاز القبض وكانت العين باقية ، بناء على اختصاص عدم الرجوع في صورة التلف ، فان له الرجوع بها حينئذ عليه ، بل ومع التلف أيضا بناء على الكشف ، فان له ذلك أيضا ، وعدم رجوع المشتري عليه في صورة عدم الإجازة تعبدا ، أو للإباحة لا ينافي رجوع المالك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب ما يكتسب به.

٣٠٨

الذي انكشف سبق ملكه بإجازته على إتلافه ، ولو فرض اعتبار بقاء المال على صفة الملكية عند الإجازة اتجه البطلان ، لا لخصوص بيع الغاصب ، بل هو كذلك ولو كان البائع فضوليا وفرض تلفه في يد المشتري قبل الإجازة ، وكذا الكلام على فرض كون الإجازة ناقلة.

ومن ذلك يظهر لك الحال لو كان الثمن عينا وقد دفعها المشتري للغاصب ، فإنه يتجه للمالك الرجوع بها مع الإجازة وفرض بقائها في يده ، بل ومع تلفها لما عرفت من اختصاص عدم الرجوع بها بالمشتري مع عدم إجازة المالك ، بل قد يقال : أن له الرجوع بها على المشتري أيضا بناء على الكشف ، وعدم إجازة القبض لكونها مضمونة في يده حينئذ ، وعلى كل حال فلا إشكال في جريان حكم الفضولية عليه من هذه الجهة وإن وقع من بعض الأفاضل ، إلا أنه في غير محله كما هو واضح بأدنى تأمل ، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه ، وكيف كان فقد ظهر لك الحال في أصل المسألة وأطرافها على وجه ارتفع عنه الإشكال في جميع ما كثر فيه القيل والقال ، ولعله من خواص هذا الكتاب ككثير من المباحث التي وقع فيها البحث والاضطراب ، ونسأل الله السداد والهداية إلى ما عنده من الرشاد.

وكذا ظهر لك الحال فيما لو باع ما يملك وما لا يملك بعقد واحد وثمن كذلك ضرورة كون حكمه أنه مضى بيعه فيما يملك وكان فيما لا يملك موقوفا على الإجازة بناء على ما سمعته من صحة الفضولي ، وباطلا على القول الأخر ، وعلى كل حال فلا خلاف في صحته بيعه ونفوذه فيما يملك إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم رباء وبيع آبق من دون ضميمة ونحو ذلك ، بل ظاهرهم الإجماع عليه كما اعترف به في الرياض ، بل عن الغنية دعواه عليه‌

٣٠٩

صريحا كالأستاد في شرحه ، لإطلاق الأدلة وعمومها السالمين عن المعارض خصوصا بعد ملاحظة ما يظهر من النص والفتوى من كون الأسباب الشرعية كالعقلية تؤثر في القابل ، دون غيره ، وما سمعته من خبر الصفار من وجوب الشراء على البائع فيما يملك (١) فهو حينئذ بمنزلة عقود متعددة ولذا لو ظهر بعض المبيع مستحقا لم يبطل إلا فيه ، فما عن الأردبيلي من احتمال بطلان العقد رأسا على تقدير صحة الفضولي وعدم اجازة المالك لأنه إنما حصل التراضي والعقد على المجموع وحصوله لا يستلزم حصوله في الجزء واضح الفساد ، بل كأنه اجتهاد في مقابلة النص ، ولم نعرفه لأحد من أصحابنا ، نعم هو للشافعي محتجا عليه بأن اللفظة الواحدة لا يتأتى تبعيضها ، فأما أن يغلب الصحيح على الفاسد أو بالعكس ، والثاني أولى لأن تصحيح العقد في الفاسد ممتنع ، وإبطاله في الصحيح غير ممتنع ، ولأنه لو باع درهما بدرهمين أو تزوج بأختين حكم بالفساد ، ولأن الثمن المسمى يتوزع عليهما ، ولا يدرى حصة كل واحد منهما عند العقد ، فيكون الثمن مجهولا ، وصار كما يقال بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزعت عليه وعلى عبد فلان ، فإنه لا يصح ، وفيه مع أنه مناف لما عرفت ، منع عدم تبعيض متعلق اللفظة الواحدة في الخبر والإنشاء ، ووضوح الفرق بين المقام وبين بيع الدرهم بالدرهمين ، والتزوج بالأختين ، ولو بعدم ترجيح تعلق العقد بأحدهما على الآخر ، ودليل الجهالة إنما يسلم منه ما إذا كانت في الثمن الذي قد وقع مقابلا في العقد ، وأما بعد فرض معلوميته فلا يقدح الجهل بالتقسيط لإطلاق الأدلة الذي لا ريب في شموله لما كان مجهولا من هذه الجهة معلوما من الحيثية الأخرى ، وبعبارة أخرى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٣١٠

ان الإطلاق شامل لنحو هذه المعلومية ، بخلاف ما ضربه مثلا ، وما ذكره المقدس الأردبيلي إنما يقتضي الخيار مع الجهل لا البطلان ، ضرورة عدم كونه أعظم من تخلف الوصف ، وتبعية العقود للقصود منطبقة على البعض المقصود ولو في ضمن الكل ، ومن هنا ترك الاستفصال في خبر الصفار ، وحكم فيه بالصحة فيما يملك ، بل لعله مع ظهور مدخلية الاجتماع في موضوعه الذي هو قطاع أرضين المختلفة غالبا لأنها قطع متجاورات ولو فرض دخول الوصف في موضوع البيع على وجه يكون تخلفه كتخلف جنس المبيع كان خروجا عن محل البحث ، فلا ريب في الصحة من غير فرق بين كون المالين لواحد أو متعدد ، وبين تساويهما في القيمة واختلافهما ولا بين كون المشتري متحدا أو متعددا ، على الإشاعة في المبيع أو على تخصيص كل واحد من العبدين بأحدهما ولكن على الإشاعة في الثمن فيتقسط حينئذ على قيمتهما على حسب ما تعرف إنشاء الله.

فما عن الخلاف من البطلان في بيع المالكين عبديهما المختص كل واحد منهما بواحد مع التساوي في القيمة أو اختلافهما ، والمبسوط من البطلان أيضا لكن مع الاختلاف في القيمة ، والبطلان أيضا لو باع العبدين من اثنين بثمن واحد لم يعلم ما يخص كلا منهما لتعدد الصفقة واضح الضعف ، ضرورة اتحادها في الجميع والاكتفاء بمعلومية الثمن فيها وإن جهل التقسيط ، لعدم ما يدل على اشتراط أزيد من هذه المعلومية التي يرتفع معها الغرر والجهالة عرفا ، وحينئذ ففي مفروض المتن أجاز الغير أو لم يجز يقسط الثمن على المبيع حتى يأخذ كل من المالكين نصيبه على فرض الإجازة ، أو ليأخذ البائع ما يخصه منه ويرجع الباقي إلى المشتري على فرض عدمها.

وكيفية ذلك فيما إذا لم يكن المبيع مثليا أو ما في حكمه مما يعلم‌

٣١١

منه تبعية نسبة الثمن إليه لتساوي اجزائه وأوصافه مثلا على وجه لا تختلف القيمة معها بان يقوما جميعا ثم يقوم أحدهما منفردا كما في القواعد واللمعة ومحكي النهاية بل نسب إلى الأصحاب ، ثم ينسب إلى قيمة المجموع وحينئذ يرجع المشتري على البائع القابض للثمن بحصته من الثمن إذا لم يجز المالك على حسب تلك النسبة التي بها انكشف مقدار ما يخصه من الثمن ، ضرورة أنه لو قوم منفردا من دون ملاحظة النسبة المزبورة وأخذت قيمته من الثمن أمكن حينئذ في بعض الأحوال استيعابها له ، بل زيادتها عليه ، فيبقى الآخر حينئذ بلا مقابلة شي‌ء من الثمن كما هو واضح ، وإليه يرجع ما في المبسوط وكذا الوسيلة يأخذه المملوك بما يتقسط عليه من الثمن أي يأخذه يقسطه من الثمن ، كما عبر به في التذكرة والتحرير وكذا ما في الدروس يقسط الثمن عليهما ، وما في السرائر أيضا يمسك ما يصح فيه البيع بما يخصه من الثمن الذي يتقسط عليه ، كما إذا كان ثمنهما ثلاثة دنانير وقيل أن قيمة المملوك قيراط وقيمة غيره قيراطان ، فيرجع المشتري بثلثي الثمن وهو عين ما ذكرناه ، ضرورة كون النسبة بما فرضه ذلك ، فمراد الجميع حينئذ واحد ، وهو أنه إذا كان المبيع من ذوات القيم التي هي غالبا مختلفة زيادة ونقصا ، لا بد في معرفة تقسيط الثمن عليها من ملاحظة قيمتها التي هي متساوية الأجزاء وبدل العين وقائمة مقامها ، ومعرفة النسبة منها فيوزع الثمن عليها ، وهو معنى ما في الإرشاد من أنه يقسط المسمى على القيمتين ، وذلك لتعذر معرفته بملاحظة العينين ، لكن عن الفاضل القطيفي أن فيه نظرا ، ولعله أشار إلى ما في جامع المقاصد والروضة والمسالك والرياض وغيرها من‌

٣١٢

أن ذلك يتم إذا لم يكن للهيئة الاجتماعية مدخلية في زيادة القيمة.

أما إذا كان كذلك فلا يقومان مجتمعين إذ لا يستحق مالك كل واحد ماله إلا منفردا فلا يختص باستحقاق ما يزيد باجتماعهما بل يقوم كل واحد منهما منفردا وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ، ويقسط الثمن حتى ما قابل الهيئة الاجتماعية منه على تلك النسبة ، فإذا كان قيمتهما مثلا مجتمعين اثنى عشر ، ومنفردين تسعة ، والثمن ستة وقيمة أحدهما ثلاثة ، أخذنا له من الثمن بقدر نسبته إلى التسعة ، وهو ثلث الستة اثنان ، ولا يؤخذ بقدر نسبته إلى الاثنى عشر وهو ربع الستة واحد ونصف ، ولو قوم كل واحد منهما بعشرة يؤخذ نصف الثمن ، لأنه نسبة أحدهما إلى المجموع ، ودعوى تحقق الظلم بذلك على المشتري الذي قد بذل الثمن في مقابلة المجموع من حيث أنه مجموع يدفعها أولا معارضتها بالظلم على البائع لو أخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين ، مع عدم تقصيره وإتلافه شيئا على المشتري ، وإنما أراد له شيئا لم يسلم له ، وإلحاقه بالغاصب حينئذ في ضمان الصفة ليس في محله ، وثانيا أن الثمن وإن لوحظ فيه الهيئة الاجتماعية ، حتى أن زيادته بسببها إلا أن من المعلوم كونها بمنزلة الصفة لكل واحد منهما ، فلا يقابلها شي‌ء من الثمن عند التقسيط ، وإن زادت قيمة ذيها بسببها ، فعند التوزيع يوزع الثمن على المتصفين ، ومع فرض فقد الصفة التي قد لوحظت في مقابلة الثمن للمتصف ، يتسلط المشتري على الخيار كتسلطه عند تخلف الصفة في المبيع الموصوف.

وعلى كل حال فقد ظهر لك وجه تقييد الجماعة إطلاق الأصحاب بما عرفت ، لكن قد يدفع أولا بأن المراد من إطلاق الأصحاب ، أصل بيان كيفية تقسيط الثمن في مثل المبيع القيمي المختلف قيمة ، وليس‌

٣١٣

من متساوي الأجزاء حتى تكون نسبة الثمن فيه على نسبته ، من غير نظر إلى ما كان للاجتماع فيه مدخلية وعدمه ، وثانيا أن المراد بتقويم أحدهما بعد تقويهما مجتمعين فيما كان للاجتماع فيه مدخلية ، الذي هو محل المؤاخذة أنه يلاحظ فيه صفة الانضمام أيضا ، لأن الثمن قابله وهو كذلك ، فلا بد من ملاحظتها في التقويم ، ويراد بالانفراد في كلامهم في مقابلة تقويمهما معا مجتمعين ، لا أن المراد تقويمه بدون ملاحظة وصف الانضمام ، وحينئذ إذا لوحظ نسبته إلى قيمتهما مجتمعين وأخذ من الثمن على حسبها ، لم يظهر فرق بين التقويمين كما أنه حينئذ لم يختص أحد منهما بالهيئة الاجتماعية ، بل لعل تقويم الأصحاب أولى باعتبار ملاحظة وصف الانضمام ، الذي له مدخلية في مقابلة الثمن في التقويم بخلاف التقويم الآخر ، وحينئذ لا فرق بين كون المال لمالكين نفذ البيع في أحدهما خاصة أو نفذ فيهما ، وأريد توزيع الثمن على المالكين ، وبين كونهما لممالك واحد وقد أجاز في بعض دون الآخر ، وبين أحدهما الذي قوم بعد تقويهما معا ان يكون المملوك الذي قد نفذ البيع فيه ، أو يكون الأخر الذي لم يجز البيع مالكه فيه ، وكذا لا فرق أيضا بين مدخلية الاجتماع في كل منهما على حد سواء ، أو مع التفاوت ، وبين مدخليته في أحدهما دون الآخر ، بل وإن أفاده نقصانا ، ضرورة أنك قد عرفت دخول ذلك كله في قيمة أحدهما الذي قد فرض ملاحظة الوصف فيه ، فلا تفاوت حينئذ بين الجميع.

نعم قد يفرق بين تعدد المالك واتحاده في صورة الغصب ، ضرورة عدم ضمان الغاصب هيئة الاجتماع ، مع تعدد المالك لعدم كونها مستحقة لأحدهما ، بخلاف ما لو اتحد المالك فإنها حينئذ من توابع ملكه ، أما في المقام فالفرض أنها قد لوحظت في مقابلة الثمن فازداد‌

٣١٤

ذو الوصف بها ، وإن لم تكن من توابع ملكه ، كما هو واضح ، ومن ذلك كله ظهر لك سقوط تقييد من عرفت لكلام الأصحاب بما سمعت بل وحتى ما في المسالك والروضة منهم من النظر والتأمل فيما لو كان المال لمالك واحد ، حيث قال : في الأول ففي تقويمهما مجتمعين كالغاصب أو منفردين كما لو كانا لمالكين نظر ، وفي الروضة أنه يمكن فيه ما أطلقوه مع احتمال ما قيدناه ، وسقوط ما أطنب فيه في الكفاية من اختصاص تقويم المملوك مع عدم إجازة الآخر ، وملاحظة نسبته إلى تقويهما معا ، إذا كان للهيئة الاجتماعية مدخل ، أو يقومان مجتمعين ومنفردين ، ويعزل ما قابل الاجتماع ويعطى البائع نسبة قيمة ماله إلى قيمة الآخر منفردا ، ويعطى الباقي للمشترى ، وكذا في صورة الإجازة أيضا ، ولكن بعد ذلك يقسم ما قابل الاجتماع على المالكين ، بل وما أطنب فيه بعض مشايخنا من تحقيق صحة إطلاق الأصحاب في صورة عدم الإجازة من المالك الأخر ، وصحة ما ادعاه ثاني الشهيدين والمحققين وأتباعهما في صورة الإجازة ، بل وما ذكره شيخنا في شرحه من موافقة المتأخرين في تقييد كلام الأصحاب بما عرفت ، وذكر إفراد مدخلية الاجتماع لهما أو أحدهما ، فلاحظ وتأمل جيدا كي تعرف محال النظر ووجهه ، ونسأل الله السداد والرشاد.

وعلى كل حال فقد عرفت أنه مع عدم الإجازة لو أراد المشتري رد الجميع كان له ذلك لتبعض الصفقة بلا خلاف أجده فيه بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، ووجوب البيع في خبر الصفار (١) إنما هو بالنسبة إلى البائع ، بل ظاهرهم عدم الفرق فيه بين ما يكون للاجتماع فيه مدخل وعدمه ، نعم صرح بعضهم باعتبار الجهل فيه فلو كان عالما أن بعضه للغير الذي يحتمل وقوع الإجازة فيه وعدمه ، لم يكن له‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب العقد وشروطه الحديث ١.

٣١٥

خيار لإقدامه على ذلك ، وستعرف إنشاء الله في فصل الخيارات دليل ثبوت هذا الخيار ، ومحله وشرطه ، ومنه يعرف ما عن مجمع البرهان من احتمال ثبوته للبائع في المقام مع دعواه الجهل ، أو الاذن من المالك أو ظن أن المالك يقبل ذلك ، وعن المبسوط احتماله قويا أيضا من دون ذكر شي‌ء من هذه القيود ، بعد أن جعل الاولى عدم الخيار له ولكن جزم ابن زهرة بعدمه له ، ويؤيده وجوب البيع على البائع في خبر الصفار ، ويمكن تنزيله كعبارة الغنية على ما إذا كان عالما هذا كله فيما لو علم إرادة البائع بيع ماله ومال غيره.

أما إذا كان بلفظ ظاهر في إرادة ماله نزل عليه ، وإن احتمل إرادته ماله ومال غيره ، كما لو باع مالك النصف مثلا النصف انصرف إلى نصيبه ، كما صرح به جميع من تعرض لذلك ، بل عن غصب جامع المقاصد والمسالك إرساله إرسال المسلمات ، بل عن الثاني منهما نسبته إلى الأصحاب ، ولا ينافي ذلك احتمال الإشاعة في النصيبين ، في جملة من الكتب ، ضرورة عدم منافاة ذلك للظاهر ، كما أن صلاحية البيع لملكه وملك غيره وكون النصف من افراده المشاع ، بل لم يجعل الشارع صحة التصرف قرينة في المجازات والمشتركات ، كما لو قال : أعطوه حمارا ولا حمار له ، وإنما له عبد بليد كذلك أيضا ، على أن الظاهر كون محل البحث في المقام تعلق العقد بنصفه إذا لم يكن قد قصد بالبيع إلا مطلق نقل النصف من غير تعرض في قصده للمشاع أو للمختص ، لا أن محله ما علم قصده فيه ، ولكن لا قرينة لتشخيص المقصود ، إذ يمكن القول فيه بأن المرجع قوله ، لأنه أعلم بقصده الذي لا يعلم إلا من قبله ، ومع فرض عدمه لموت ونحو يمكن التوقف فيما زاد على‌

٣١٦

الربع الذي هو محل اليقين ، ويمكن دعوى التنزيل على ملكه بدعوى أن الأصل في البائع قصد ذلك ، ولو للتعارف في الاستعمال والتبادر إلى الفهم ، حتى لو كان وكيلا أو وليا فضلا عما لم يكن له وجه إلا الفضولية ، ولأصالة اللزوم وظهور التمليك في الحقيقي المطابق للشرعي دون الصوري ، ولظاهر العرف والعادة فيه كتعليق العقد بمشترك الاسم أو الوصف بين ماله ومال غيره ، الذي لم ينصرف إلا إلى ماله في العقود والإيقاعات كالنذر واليمين والوصية ونحوها إلى غير ذلك ، مما يصلح لان يكون قرينة لتعيين المراد ، بحيث لم يسمع منه لو ادعى خلاف ذلك بعد الفراغ.

هذا كله في تعيين المقصود أما إذا لم يقصد إلا بيع النصف ، فلعل المتجه أيضا تنزيله على ملكه ، لأنه القابل لتأثير العقد فيه فعلا ، الذي هو الأصل في اقتضائه وتأثيره ، ولذا يحمل عليه مع الإمكان كما في المقام ونظائره ، واحتمال البطلان فيه لاعتبار التشخيص في القصد ضعيف ، وعلى كل حال لا ينزل على الإشاعة بين النصيبين في أقوى الوجهين ، بخلاف الإقرار فإنه ينزل عليه قطعا ، في القواعد ومحكي النهاية والإيضاح لأن الإقرار إخبار عن ملك الغير بشي‌ء ، فلا يجب أن يكون منصرفا إلى نصيبه لعدم المقتضى ، فيقتصر فيه على المتيقن ، نعم قد يقال : أنه إذا كان بلفظ الإقرار ونحوه مما هو ظاهر التعلق بما في اليد ينزل عليه دون غيره ، مما يمكن أن يكون إقرارا وشهادة ، وحينئذ فلو قال : نصف الدار لك ، أو قال : مع ذلك والنصف الأخر لي ولشريكي وكذبه الشريك فللمقر له ثلثا ما في يده ، ضرورة كون الشركة بينهما على حسب إقراره ثلثين وثلثا ، فما يحصل لهما على هذه النسبة وما يتلف عليهما كذلك.

٣١٧

هذا لكن قد ينافيه ما ذكروه في باب الإقرار حق حكى بعضهم نسبته إلى الأصحاب ، مشعرا بالإجماع عليه من أنه لو أقر بعض الورثة بوارث وكذبه شركائه أعطاه مما في يده ما زاد على نصيبه ولا يشاركه فيه ، كما لو أقر أحد الأخوين بثالث لهما وكذبه أخوه الآخر وكان المال اثنى عشر مثلا ، أعطاه اثنين مما في يده ويختص ما أخذه الأخر به ، دون المقر مع أن قضية ما سمعته هنا ان يقتسما ما في يده النصف لأن مقتضى إقراره كونه معه على حد سواء ، فيكون ما يحصل لهما وما يتلف عليهما ، كما هو قاعدة الشركة ، اللهم إلا أن يكون الفارق بين المقامين الدليل ، ويقال : إن الموافق للضابطة ما في باب الإقرار بدعوى تنزيل المنكر تنزيل الغاصب القاصد غصب خصوص حصة الشريك المخصوص ، بناء على قيامه حينئذ مقام المالك في القسمة مع الشريك لحديث الضرار (١) والسيرة وغيرها على معنى أن المالك في هذا الحال له إفراز ملكه عن ملك شريكه ، كما كان له ذلك في المال الزكوي ونحوه ، وحينئذ فيكون ما هنا بناء على معلومية كون الحكم فيه ما سمعت خارجا عن الضابطة ، للدليل من إجماع أو غيره ، أو يقال أن المأخوذ في الأول قد كان بسبب شرعي يعم الشريكين وهو اليد ، بخلاف الثاني فإنه قد أخذ بسبب يختص الأخ المنكر وهو إقراره بإخوة من أنكره ، وذلك أمر يخص الأخ المنكر دون الأخ المقر الذي قد اعترف الثلاثة بأخوته ، ولم ينقص المال بسبب شرعي يعمه ، بل كان ذلك بأمر يخص خصوص المتخاصمين ، وهو الإقرار من أحدهما بالاخر وإنكار الآخر إياه فتأمل جيدا ، فإنه دقيق وتمام الكلام يأتي في محله إنشاء الله.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ و ٤ و ٥.

٣١٨

كما انه تقدم لك في باب الزكاة حكم من باع جملة الثمرة وفيها عشر الصدقة ، وأنه بناء على تعلقها بالعين الصحة في نصيبه دون حصة الفقراء ، إلا مع الضمان بمعنى العزم على الأداء من غيرها ، لأنه مخير بين الدفع منها ومن غيرها ، فيصح فيها أيضا ، لكنه يبقى مراعى بالأداء فإن أدى نفذ وإلا فسخ الساعي العقد وتبع عين المال لما سمعته فيما تقدم ، وكذا لو باع أربعين شاة مثلا وفيها الزكاة لما تقدم سابقا من أن الشاة الواجبة فيها موزعة على مجموع النصاب ، على معنى استحقاق الفقراء في كل واحدة ربع عشرها ، لا ان المراد شاة لا بعينها فيبطل البيع في حصته أيضا مع عدم الضمان ، لجهالة ثمنها بسبب جهالة شاة الزكاة التي لم تتعين إلا بالتعيين ، فتختلف قيمتها حينئذ بذلك فيجهل حينئذ ثمن حصته ، لما قدمناه سابقا من وضوح فساد ذلك ، ولذا وجب التقسيط على المراض والصحاح ، وكذا لو تلف شي‌ء من النصاب بغير تفريط ، فإنه يسقط بالحساب كما قدمنا الكلام في ذلك كله ، بل وفي بيع المال الذي فيه الخمس بناء على أنه مطلقا في العين مما لم يندرج في إباحة المتاجر لنا ، فلاحظ وتأمل والله اعلم.

وعلى كل حال فقد ظهر لك الحال فيما لو باع ما يملك وما لا يملك وكان مملوكا لغيره وكذا لك الكلام فيما لو باع لمسلم ما يملك وما لا يملكه المسلم أو لا يملكه مالك كالعبد مع الحر والشاة مع الخنزير والخل مع الخمر بثمن قصدا به مقابلة الجملة ، فإنه يصح فيما يملكه للعمومات (١) وفحوى ما سمعته سابقا (٢) ويبطل في الأخر لأنه كالعقود المتعددة ، ولا غرر بعد علم المقابل الصوري الذي‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١ وسورة النساء الآية ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٢ من أبواب العقد وشروطه.

٣١٩

هو الثمن لعدم ما يدل على اشتراط أزيد من هذه المعلومية ، مضافا إلى عدم الخلاف المعتد به بين من تعرض له ، نعم قيده جماعة بما إذا كان المشتري جاهلا بالموضوع أو الحكم ، وإلا اتجه البطلان مع الجهل بالتقسيط ، ضرورة كون المقصود حينئذ المملوك والفرض جهالة ثمنه ، ويتوجه النهي حينئذ إلى البيع باعتبار الضميمة ، والنهي باعث على الفساد ، وفيه أن الغرر مدفوع بالعلم بالجملة كما عرفته في ضم المملوك إلى مملوك غيره الذي لا فرق فيه نصا وفتوى بين رجاء الإجازة وعدمها والنهي إنما يفيد الفساد في الجهة التي تعلق بها ، لا مطلقا وفساد العقد بالنسبة إلى بعض متعلقاته بمعنى عدم ترتب الأثر عليها ، لا ينافي صحته بالنسبة إلى البعض الآخر ، فيترتب عليه الأثر ، ومن هنا نص في محكي التذكرة على الصحة في صورة العلم ، وإن احتمل البطلان أيضا بعد أن حكاه عن الشافعي ، بل لعله مقتضى إطلاق الأكثر خصوصا بالنسبة إلى البائع الذي لا فرق بينه وبين المشتري في الفساد بالجهالة ، وما في الروضة من أنه يمكن جريان الإشكال في البائع مع علمه بذلك ، ولا بعد في بطلانه من طرف أحدهما دون الآخر كما ترى ، ضرورة ظهور الأدلة في اشتراط صحة العقد بعلمهما معا ، على وجه يرتفع الغرر عنهما ، وعلى كل حال فظاهر الأصحاب عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم والجهل كما أنه لا فرق بين ما يصلح للمقابلة عند العصاة والكفار كالخمر والخنزير ونحوهما ، وبين ما لا يكون كذلك ، ولكن له نظير يقابل بالثمن كالحر ، نعم في شرح الأستاد أنه إن كانت الضميمة لا تصلح لمقابلة الثمن شرعا ولا عرفا ، بأن تكون في حكم العدم كضميمة الأوساخ وبعض القذارات ، فاشتراط الجهل فيها حيث لا تكون كضميمة الأجزاء لدفع‌

٣٢٠