جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يصطاد من السحت » وخبر الوليد العماري (١) « سأله عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ فقال : سحت وأما الصيود فلا بأس » والجميع كما ترى ، إذ الأول منحصر في خبر تحف العقول (٢) ، والإجماعات المحكية على عدم جواز الانتفاع بالنجس ونحوهما ، مما لا شمول له للمقام قطعا بعد ما عرفت من أن مفروض البحث في خصوص البيع والصلح ، دون باقي التمليكات للعين والمنفعة ، فضلا عن الانتفاع ، بل في خبر التحف المزبور ما يقضي بجواز بيعه ، لقوله في ضابط ذلك ، كل ما فيه مصلحة من مصالح العباد ، أي مما لم ينه عنها ، كما أن‌ قوله عليه‌السلام (٣) « إذا حرم شيئا حرم ثمنه » ، دال على الجواز أيضا ، ضرورة كون المراد منه ما قدمناه سابقا ، من تحريم المنافع الغالبة للشي‌ء ، لا تحريم منفعة من منافعه الذي لا ينفك عنه غالب الأشياء ، ومن المعلوم هنا حلية المنفعة الغالبة المرادة من الكلاب الثلاثة ، وأما نصوص عد ثمنه من السحت ، فمع الإغضاء عن سندها ولا جابر ، وذكر بعض ما علم إرادة الكراهة من السحت بالنسبة إليه معه ، كأجرة الحجامة ونحوها لا يراد منها إلا قضية مهملة ، وإن ثمن الكلب في الجملة سحت ، بقرينة عدم استثناء كلب الصيد المتفق عليه منه ، وأما النصوص التي ذكر فيها كلب الصيد ، فمع ما عد الأول منها ولا جابر ، بل الموهن متحقق كما عرفت ، وعدم فتوى الشيخين بإطلاقها ، لتخصيص الحكم عندهما بالسلوقي ، محتملة لما سمعته من الخلاف من إرادة التفصيل ، في كلاب الصيد بين الصيود منها ، وعدمه بل لعله هو الظاهر من لفظ الصيود ويصطاد ويصيد فيها ، بل ولفظ الآخر خصوصا مع ملاحظة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٧.

(٣) الخلاف ج ١ ص ٢٢٥ الطبع الحديث بطهران سنة ١٣٧٠.

١٤١

الشهرة التي عرفتها ، على انها لا دلالة فيها إلا بالعموم أو الإطلاق الذي يمكن تخصيصه وتقييده ، بمرسل المبسوط المنجبر بما عرفت ، والمعتضد بما سمعت مما يقتضي الجواز ، بل وبما في‌ الصحيح (١) « لا خير في الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية » ومحكي‌ الغوالي في خبر (٢) طويل « فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها » فاستثنى كلاب الصيد والماشية والحرث ، وإذن في اتخاذها باعتبار ظهورهما في اتحاد الجميع في الأحكام ، ولا أقل من ذلك كله ، يحصل ضعف في إرادتها من الإطلاق المزبور ، فيبقى على مقتضى ما دل على الجواز ، بل لا يجترئ من أدنى له خبرة بصناعة الفقه على الفتوى بالحكم المزبور ، المخالف للضوابط الشرعية أشد المخالفة ، للإطلاق الذي عرفت حاله.

ومن الغريب استيناس بعض الناس للحكم المزبور ، بأم الولد والحر والوقف ونحوها مما يجوز الانتفاع بها دون بيعها ، مما ثبت له ذلك بأدلة قاهرة صالحة للخروج بها عن ذلك ، على أن الوقف والحر لا يجرى عليهما أكثر أحكام الملك ، من الهبة ونحوها كما أن من الغريب أيضا ما ذكره من أنه لا تلازم بين الإجارة والبيع ، ولا بين الملك والتمليك ونحو ذلك مما يؤل إلى سابقه عقلا ، ضرورة عدم كون المراد الملازمة العقلية ، كي يستظهر بتخلفها في بعض الأفراد ، بل المراد اتفاق القائل في المقامين ، وأن القاعدة جريان جميع أحكام الملك على كل عين مملوكة ينتفع بها نفعا محللا مقصودا للعقلاء.

بل لعل ذكر كلب الصيد في النصوص المزبورة ، إشارة إلى ما ينتفع به منفعة محللة ، وحينئذ فالمتجه إلحاق كلب الدار بها أيضا ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب أحكام الدواب الحديث ٢.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٤٣٠.

١٤٢

كما افتى به في المسالك تبعا للمحكي عن الفخر في شرح الإرشاد وأبى العباس والمحقق الثاني والمولى القطيفي وغيرهم ، لكثير مما قدمناه ، وربما قيل : بإرادة ما يشمله من الحائط لا خصوص البستان ، بل قد يقال : بكون المراد الكلب الذي يصيد والكلب الحارس ، من غير فرق في حراسته بين الماشية والبستان والزرع والدار والخان والدكان وغيرها ولذا قال : الإسكافي فيما حكي عنه لا خير في الكلاب إلا كلب الصيد والكلب الحارس ، ولا يشكل حينئذ ما ذكرناه بكون الخارج حينئذ من إطلاق النصوص المزبورة أضعاف الداخل ، ضرورة انه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، يعرف انه لا إطلاق في النصوص على وجه يراد الخروج منه على نحو الاستثناء وشبهه ، وعلى تقدير تسليمه فالباقي أيضا أفراد كثيرة ، وهي كلب الهراش والكلب الذي لا ينتفع به ، في صيد أو حراسة نحو الكلاب المستعملة في المدن الكبيرة ، كبغداد وغيرها بل منها أيضا الكلاب المزبورة إذا بطل الانتفاع بها في المنافع المخصوصة لكبر أو نحوه ، بل منها أيضا الجراوي الصغار التي لم تصل إلى حد الانتفاع بها في ذلك ، وإن كانت قابلة للتعليم ومتولدة منها ، لقاعدة عدم مملوكية النجس المقتصر في الخروج منها على المتيقن ، وهو ما حصلت فيه المنفعة المزبورة فعلا ، كما أومأت إليه النصوص بلفظ الصيود ويصطاد ونحوها وقاعدة تبعية النماء في الملك مرجوحة بالنسبة إليها من وجوه ، منها ظاهر تخصيص الأصحاب الملكية بها في هذا الحال.

نعم هي دالة بالفحوى على جواز اقتنائها واتخاذها وتعليمها تحصيلا لتلك المنافع المتوقفة غالبا على ذلك ، ولا استبعاد في دخول الشي‌ء في الملك وخروجه عنه بتعاقب الأحوال ، كما في الخل الذي يصير خمرا ثم يصير خلا ونحوه ، نعم لا يبعد في أن للمستولى عليه حق اختصاص‌

١٤٣

باعتبار استعداده للملوكية ، بحصول المنافع المزبورة ، فلا يجوز غصبه منه ، بل لا يبعد جواز المعاوضة على الحق المزبور ، وليس هو في الحقيقة ثمن كلب بل يجري عليه سائر ما يجرى على الحقوق.

وكيف كان فـ ( لكل واحد من هذه ) الكلاب الأربعة دية لو قتله غير المالك هي أربعون درهما ، لكلب الصيد ، وعشرون لغيره ، كما دلت عليه بعض النصوص المعتبرة (١) على ما تعرفه في محله إنشاء الله ، وربما أيد المختار أيضا بها ضرورة دلالتها على كونها من الأموال ذوات القيم ، بالإتلاف ونحوه ، ولا ينافي ذلك عدم هذا الحكم في غيرها من الحيوانات المملوكة التي يرجع في إتلافها إلى قيمتها ، ولم يجعل الشارع له دية ، ومن هنا جعل بعضهم ذلك امارة على عدم المعاوضة عنها ، وفيه مع انه منقوض بكلب الصيد الذي قد عرفت عدم الإشكال في جواز المعاوضة عنه ان ذلك قيمة أيضا ، إلا أنه وظفها الشارع لها ، وهل يلحق بالقتل الجناية عليها بحيث بطلت منافعها المقصودة منها ، لا يبعد ذلك لخروجها عن الملك حينئذ ، فهي كالموت ، كما انه لا يبعد الرجوع في تقويم الجناية عليها التي لم يبطل بها انتفاعها إلى الدية المزبورة بالنصف أو الثلث أو غيرهما ، لا أنه يرجع إلى قيمتها وإن زادت على الدية أضعافا مضاعفة ، مع احتماله كما لو باعها مثلا ، إلا أن الأول أقوى ، ولا يعتبر في صحة المعاوضة قصد المنافع المزبورة في البيع ، بل يكفي حصولها فيها في صحة المعاوضة ، للإطلاق الدال على انها كغيرها من الأعيان المملوكة ، كما انه لا ينافي جواز بيعها خراب الحائط وحصاد الزرع وهلاك الماشية ، وعدم استعمال المالك للصيد بعد فرض وجود المنافع المزبورة المقتضية لجواز نقلها إلى غيره‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

١٤٤

ممن يستعملها في ذلك كما هو واضح ، والله أعلم هذا ولا يخفى عليك بعد التأمل في جميع ما ذكرناه ما في جملة من الكتب كالرياض وشرح الأستاد ومصابيح العلامة الطباطبائي وغيرها.

المسألة الثانية الرشاء بضم الراء وكسرها جمع رشوة في الحكم من الدافع والمدفوع إليه حرام وسحت إجماعا بقسميه ونصوصا مستفيضة أو متواترة بل‌ في بعضها « أنه الكفر بالله العظيم » (١) وفي آخر (٢) « لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراشي والمرتشي » سواء حكم لباذله أو عليه بحق أو باطل إذ لا مدخلية لتأثيره في الحاكم وعدمه ، لإطلاق النص ومعاقد الإجماعات فما عساه يقال أو قيل بعدم الباس به إذا لم يؤثر في الحاكم واضح الفساد ، كوضوح فساد احتمال حليته لو بذله المحق على الحكم بحقه فحكم له لذلك أيضا ، نعم لو توقف تحصيل الحق على بذله لقضاة حكام الجور جاز للراشي ، وحرم على على المرتشي كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا ، لقصور أدلة الحرمة عن تناول الفرض الذي تدل عليه أصول الشرع وقواعده المستفادة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل ضرورة أن للإنسان التوصل إلى حقه بذلك ونحوه مما هو محرم عليه في الاختيار ، بل ذلك كالإكراه على الرشاء الذي لا بأس به على الراشي معه عقلا ونقلا ، ولعله إلى ذلك أومأ الأستاد في شرحه قال : « لو توقف الوصول إلى الحق على البذل جاز لا على وجه الرشوة كما يجوز إلى العشار والسارق والظالم لحفظ النفس أو المال » وإلا كان كلامه لا يخلو من تأمل ، لكن قد ينافي حمله على ذلك ما تسمعه الآن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١ ـ ٦.

(٢) المستدرك ج ٣ ص ١٩٦.

١٤٥

مما نحكيه عنه.

وكيف كان فالرشوة في مختصر النهاية الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة ، والراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل ، والمرتشي الآخذ ، والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ، ويستنقص لهذا ، وعن مجمع البحرين قلما تستعمل الرشوة إلا فيما يتوصل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل ، وعن المصباح المنير ما يعطيه الشخص للحاكم وغيره ليحكم أو يحمله على ما يريد ، وعن القاموس ان الرشا الجعل ، وفي مجمل ابن فارس ترشيت الرجل إذا لاينته ، قلت : لكن في مفتاح الكرامة أنها أي الرشوة عند الأصحاب ما يعطي للحكم حقا وباطلا ، وفي شرح الأستاد انها ليست مطلق الجعل كما في القاموس بل بينه وبين الأجر والجعل عموم من وجه ولا البذل على خصوص الباطل كما في النهاية والمجمع ، ولا مطلق البذل ولو على خصوص الحق ، بل هو البذل على الباطل أو على الحكم له حقا أو باطلا مع التسمية وبدونها ، وقال : أيضا في مسألة الأجرة على القضاء والجعل عليه ويعصى الدافع في دفعه إلى القاضي في أحد الوجهين ، إلا إذا توقف تحصيل الحق عليه فيجوز ، بخلاف الرشوة فإنها لا تجوز بحال ، وفي كلامه الأخير ما لا يخفى ضرورة انه ان أراد إخراجها عن الموضوع في صورة التوقف كان مخالفا للعرف في ذلك وإن أراد انها لا تجوز بهذا العنوان حتى لو توقف الحق عليها كان مخالفا لما قدمناه سابقا ، بل لم أعرف له موافقا عليه بعد تنزيل الإطلاق في النص والفتوى على الاختيار ، وعلى كل حال فالذي ينبغي في المقام تحريره أمران.

أحدهما أن الرشوة خاصة في الأموال ، وفي بذلها على جهة الرشوة أو أنها تعمها وتعم الاعمال بل والأقوال ، كمدح القاضي والثناء عليه‌

١٤٦

والمبادرة إلى حوائجه وإظهار تبجيله وتعظيمه ونحو ذلك وتعم البذل وعقد المحاباة والعارية والوقف ونحو ذلك وبالجملة كل ما قصد به التوصل إلى حكم الحاكم ، قد يقوى في النظر الثاني وإن شك في بعض الأفراد في الدخول في الاسم أو جزم بعدمه فلا يبعد الدخول في الحكم الثاني ان المحرم الرشا في خصوص الحكم أو يعمه وغيره ، وعلى الأول فهو خصوص الحكم الشرعي أو يعمه والعرفي من حكام العرف ، بل وغيرهم من الآمرين بالمعروف ، وهل هو خاص بالحكم في الخصومة الخاصة أو يعمه وما يبذل توطئة لاحتمال وقوعها ونحوه ، لم أجد تحرير الشي‌ء من ذلك في كلام أحد من الأصحاب ، نعم قد سمعت كلام الأستاد والمصباح وغيرهما في الرشوة ، وقال : هو أيضا في شرحه بعد الكلام السابق ، وإرسال الهدايا إلى القضاة والحكام ، توطئة لاحتمال وقوع الترافع بين المهدي وغيره إن لم يدخل تحت الاسم ، داخل تحت الحكم والدفع لأداء الشهادة على باطل أو على الحالين من هذا القبيل ، وكذا الدفع لبذل النصرة والإعانة ظالما ومظلوما ، وفي غير واحد من كتب الأصحاب أنه قيل يحرم على الحاكم قبول الهدية إذا كان للمهدي خصومة في المال ، لانه يدعو إلى الميل وانكسار قلب الخصم ، وكذا قيل إذا كان ممن لم يعهد عنه الهدية له قبل تولي القضاء ، لان سببها العمل ظاهرا ، وفي الخبر (١) « هدايا العمال غلول » وفي آخر (٢) « سحت » لكن في الرياض وغيره بعد نقله أنه أحوط وإن كان في تعيينه ولا سيما الأول نظر ، للأصول وقصور سند الخبرين وضعف الوجوه الاعتبارية مع عدم تسمية مثله رشوة ، وأما النصوص فهي وإن كان كثير منها في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٠ و ١١ وفيه هدية الأمراء.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب آداب القاضي الحديث ٦.

١٤٧

الرشاء (١) في الحكم ، لكن فيها ما هو مطلق لا يحكم عليه الأول ، لعدم التنافي بينهما ، اللهم إلا أن تفهم القيدية فيتنافى حينئذ مفهومه مع المطلق ، لكنه كما ترى.

نعم في‌ الصحيح (٢) « عن الرجل يرشو الرجل على ان يتحول من منزله فيسكنه قال : لا بأس » وقد يستفاد منه جواز الرشوة في غير الحكم على ما هو حلال في نفسه ، ويجوز دفع الجعل عنه ، إذا الظاهر كون المراد كما في الوسائل أن المنزل من الأوقاف ونحوها مما يختص بها السابق ، ورشى الساكن فيها على أن يخرج منها ليسكنه هو ، مؤيدا ذلك بجريان السيرة في الرشوة في غير الحكم من المطالب والمقاصد ، لكن قد يقال ان مثله لا يعد رشوة في العرف ، وأن المراد منه العطاء فلا يستفاد منه ذلك ، والمسلم من السيرة على تحصيل الحق المتوقف عليها وعلى دفع الظلم من الظلمة واتباعهم ، ونحو ذلك ، لا مطلق الرشوة بعد فرض صدق العرف عليها ، اللهم إلا أن يدعى انه مختص في العرف بما يستعمله قضاة الجور والظلمة واتباعهم ومن يحذو حذوهم دون ما يبذل لبعض الأغراض الصحيحة من المحبة والصداقة وغيرهما من الأمور الدنيوية والأخروية ونحو ذلك مما أمر لأجله بالتهادي (٣) بخلاف الرشوة التي كانت الأنفس السليمة مجبولة على التنزه عنها ، لأنها غير الهدية والإجارة والجعالة ، بل هو قسم آخر مستقل ينقح العرف افراده ، وما كان منها محل شك فالأصل يقتضي حليته كما أنه يقتضي حلية ما فرض من أفرادها أو يفرض كونه محل شك في اندراجه في دليل الحرمة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) الوسائل الباب ٨٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ٨٨ من أبواب ما يكتسب به.

١٤٨

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في بقاء الرشوة على ملك المالك ، كما هو مقتضى قوله أنها سحت ، وغيره من النصوص الدالة على ذلك وأن حكمها حكم غيرها مما كان من هذا القبيل ، نعم قد يشكل الرجوع بها مع تلفها وعلم الدافع بالحرمة باعتبار تسليطه ، والتحقيق فيه ما مر في نظائره ، ثم إن المتجه بناء على أن من أفرادها عقود المحاباة مثلا بطلان العقد الذي قد وقع على جهة الرشوة ، لما عرفت من النصوص الدالة على بقاء المال على ملك الراشي بأي طريق كان ، بعد فرض اندراجه في الرشوة فتأمل جيدا والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا دفع الإنسان مالا إلى غيره على جهة الوصاية والوكالة عنه لأن له سلطانا عليه بملك أو ولاية أو وكالة سواء كان حقا واجبا أو لا ليصرفه في قبيل مثلا وكان المدفوع إليه بصفتهم فان عين له ولو بالقرائن المعتبرة عمل عليه بمقتضى تعيينه بلا خلاف ولا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه ، فان خالف أثم ، وضمن إذا تلف المال في يد قابضه ، ولو رجع المالك على القابض الجاهل بالحال بعد التلف ، رجع هو على الدافع الذي غره وإن أطلق ولم تكن قرينة تدل على دخوله أو خروجه جاز له ان يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة وفاقا للأكثر كما في الدروس بل المشهور كما في الحدائق للاندراج في اللفظ وظهور كون المراد المتصف بالوصف المزبور وللموثق (١) عن سعيد بن يسار « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يعطي الزكاة يقسمها في أصحابه أيأخذ منها شيئا؟ قال : نعم » والحسن عن الكاظم عليه‌السلام (٢) « في رجل أعطى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب مستحقين للزكاة الحديث ٢.

١٤٩

مالا يفرقه فيمن يحل له أيأخذ منه شيئا لنفسه وإن لم يسم له؟ قال : يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره » وصحيح (١) عبد الرحمن بن الحجاج « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة قال : لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطي غيره ، ولا يجوز أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه »

بل قد يؤيده في الجملة‌ صحيح (٢) عبد الرحمن أيضا « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون أيعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال : نعم » ضرورة ظهوره في كون المدار على تحقق عنوان ما وكل فيه ، من غير فرق بين من يرجع إليه في الحقيقة كعياله وغيره وخلافا لوكالة المبسوط وزكاة السرائر ومكاسب النافع والقواعد ووصاياها وكشف الرموز والمختلف والتذكرة وجامع المقاصد وإيضاح النافع على ما حكى عن بعضها للأصل‌ وصحيح (٣) عبد الرحمن المسند إلى الصادق عليه‌السلام في التحرير المضمر في غيره « سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال : لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه » وظهور الأمر بالإعطاء والدفع ونحوهما في الإخراج للغير وكون المقام كالتوكيل في البيع والتزويج ونحوهما مما لا يشمل الوكيل نفسه ، والاندراج في لفظ العنوان ، لا ينافي الخروج بما يظهر من الأمر والتوكيل ، ولا أقل من أن يكون المأمور مسكوتا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب مستحقين للزكاة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٨٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ٨٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

١٥٠

عنه غير متعرض لدخوله ولا خروجه ، فلا إذن حينئذ من المالك ، والنصوص السابقة مقيدة بما في الأخير من اعتبار الاذن صريحا.

ودعوى كون المراد من النصوص السابقة ، ثبوت الإذن الشرعية دون المالكية واضحة الفساد ، بل لعل الخصم لا يرتضيه ، وأولى منها حينئذ دعوى حملها على اختلاف العرف مع عرف هذا الزمان ، وإن كان يدفعها أيضا ظهور خلافه ، والصحيح الأخير الذي قد عرفت التصريح فيه بعدم الجواز ، على أن ما عد الصحيح منها من نصوص الجواز مطلق ، يمكن تقييده بما في صحيح المنع من الاذن ، والصحيح في صحته كلام باعتبار ما فيه من محمد بن عيسى عن يونس ، وفيه بحث مشهور ، هذا أقصى ما يقال للمنع ، لكن الجميع كما ترى ضرورة عدم صلاحية الأصل للمعارضة ، وعدم مقاومة الصحيح المزبور للنصوص السابقة ، سيما بعد إضماره في غير التحرير ، وكون الراوي له قد روى الجواز أيضا ، والعنوان فيه جمعا منكرا ، واحتماله التقييد بما في النصوص المزبورة من عدم أخذ الزائد على أحدهم ، وإرادة محاويج مخصوصين ، ولا ينافيه سؤاله عن نفسه مع ذلك وقوله انه محتاج إذ لعله لما فهمه من الأمران العلة في إعطاء المخصوصين ، حاجتهم التي هي موجودة فيه ، ومثل ذلك مما يسأل عنه ، ويمكن خفاؤه على مثل عبد الرحمن وإن كان جليل القدر ، بل لعل ذلك متعين بقرينة روايته جواز التناول مع عدم التعيين ، وعدمه معه كما عرفت ، فلا بأس حينئذ بحمله على الكراهة والتورع عن الأخذ بالإذن غير الصريحة.

ودعوى التقييد بما فيه من الاذن يدفعها ، ظهور الجميع في كون مفروض السؤال عدم الإذن الصريحة ، بل كاد يكون ذلك صريح الأخير منها ، والإعطاء والدفع مع عدم تخصيص النزاع بهما لو سلم ظهورهما في‌

١٥١

التغاير ، فهو ظهور انسياق لبعض الأفراد ، وأقصاه التفاوت في الظهور وإلا فالدفع إلى نفسه إعطاء ودفع أيضا ، بعد أن صار هو باعتبار وكالته عن الغير بمنزلة شخصين ، وربما يؤيده في الجملة ما ذكره الأصوليون ، من دخوله عليه‌السلام فيما أمر به من قول يا أيها الناس ونحوه ، فيكون حينئذ آمرا مأمورا من جهتين ، على أنه لو سلم فهو قرينة على الخروج ، وهو غير محل البحث كما أن الدخول في مفروض السؤال في موثق سعيد بن يسار (١) للقرينة أيضا ضرورة عدم دخول المأمور في الأصحاب ، وفرض البحث شمول عنوان الوكالة للوكيل ، لكن كان المراد من الأصحاب ولو بالقرينة ما في الخبرين الأخيرين من الوضع مواضعها ، وإيصالها لمن تحل له ، وعدم دخول وكيل البيع والتزويج لو سلم ، فإنما هو للنص (٢) ، والمناقشة في الصحة بمحمد بن عيسى عن يونس مع عدم انحصار الدليل فيه ، وانجباره بالشهرة واعتضاده بغيره واضحة المنع ، كما حرر في محله مع انهما ثقتان معتبران ، وقد ظهر من ذلك ان محل البحث دخول الوكيل في عنوان ما وكل فيه ، إذا فرض صلاحيته لتناوله في نفسه ، أو أن الوكالة له تقتضي خروجه عنه باعتبار ظهورها في دفع المال عنه للغير كالموكل.

التحقيق الأول كما دل عليه النصوص السابقة بل الظاهر ذلك حتى لو زعم الموكل عدم اتصاف الوكيل بعنوان الوكالة ، لاندراجه في الاذن بالعنوان ، نعم لو نص على خروجه بالخصوص خرج ، وإن كان نصه باعتبار زعمه الفاسد فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع وبذلك كله يظهر حينئذ دلالة الموثق الأول على المطلوب أيضا ، إذ هو وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أحكام الوكالة الحديث ١.

١٥٢

فيه لفظ الأصحاب الذي لا يندرج فيه الوكيل ، لكن بعد قيام القرينة على إرادة ما في الخبرين الأخيرين منه صار مثلهما في الدلالة على المطلوب كما انه يظهر لك ما في مصابيح العلامة الطباطبائي في تحريره محل النزاع واختياره بل وما في شرح الأستاد وغيره ، بل وما في القولين المحكيين في أصل المسألة المفصلين بين قول الدافع ، هو للفقراء ، أو أعطه لهم ، مع عدم علم المالك بفقره ، فالأول بشرط أن لا يزيد على أحدهم ، وبين قوله ذلك مع علمه بفقره ، فالثاني لأنه لو أراده لخصمه بشي‌ء ، وبين قوله اصرفه وما في معناه فالثاني ، وقوله هو للفقراء وما في معناه ، فالأول إذ هما كما ترى بعد الإحاطة والتأمل بما ذكرناه ، من القول بالجواز إذا لم تقم قرينة على الخروج.

نعم قد دل الخبران على اعتبار المساواة لأحدهم في التناول ، وأفتى به المصنف وغيره بل في المسالك ، وعن غيرها نسبته إلى المجوزين ، ومقتضى ذلك اعتبار المساواة في الأفراد ، ولا يخفى ما فيه من الاشكال فيما يكون عنوان الوكالة غير محصور ، ضرورة ظهور كون المراد حينئذ المصرفية التي لا تمنع من التفاضل ، نحو ما سمعته في مصارف الزكاة والخمس (١) وغيرهما ، والذي يقوى كون المراد من الخبرين أنه لا يلحظ نفسه إلا بما يلاحظ به غيره من صدق العنوان والمزايا الخاصة التي تقتضي التفاضل ، ولا يجعل لنفسه من حيث نفسه خصوصية ، ضرورة كونه تابعا للموكل الذي من المعلوم عدم ملاحظة ذلك له ، وهذا معنى لا ينافي التفاضل بين الأفراد من غير فرق بينه وبين غيره ، بل لو جاز له التخصيص بأحدهم باعتبار فهمه من الموكل إرادة المصرفية ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من أبواب مستحقين للزكاة وباب ٢ من أبواب قسمة الخمس.

١٥٣

وأن المقصود له إبراء ذمته بوصول الحق إلى محله ، اتحد أو تعدد كان له الاختصاص به كما أن له أن يخص به أحدهم ، وكما أنه إذا فهم من الموكل إرادة التوزيع والتقسيم الذي لا ينافي التفاضل جاز له الأخذ على حسب أخذ غيره ، وبالجملة هو بعد إن كان المستند في دخوله شمول العنوان الذي لا فرق بينه وبين غيره من الافراد في الصدق ، ينبغي أن يكون كغيره في التناول ، ولا يجعل لنفسه خصوصية ، سيما بعد أن كان أمينا على المال ومستوليا عليه ، فتفضيله نفسه بلا خصوصية له كالخيانة بل لو شك في حصول الاذن له في الزيادة على غيره امتنع ، واقتصر على تناول ما يحصل له الاذن ، والمتيقن منه المساواة لأحد الأفراد ، كما أن المتجه له مع ملاحظة القرائن الحالية التي لا ترجع إلى الظن بالمراد من اللفظ اعتبار استفادة العلم منها ، ولا يكفي إفادته الظن ولو كان بالمراد عند اللفظ لا منه ، لأصالة عدم التصرف بمال الغير.

نعم لو كان ظنا تسكن به النفس ، وتطمئن على وجه يكون الاحتمال عندها وهميا ، يقوى لحوقه بالعلم في الحكم ، كما حررناه في محله ، ولعل من ذلك التناول بشاهد الحال لما ينثر أو يبذل في الأعراس ونحوها ، واحتمال الاكتفاء بشاهد الحال وإن كان الظن بخلافه ، نحو ما قيل في ظواهر الألفاظ التي قد يحصل الظن بخلافه ، من غير أمارة شرعية ، وعلى غير قياس المخاطبات ذوات القرائن المتصلة أو المنفصلة حالية أو مقالية لا دليل عليه ، ودعوى السيرة عليه بهذا الفرض في محل المنع ، نعم هي قائمة عليه في الحال الأول كقيامها على اجراء حكم الأملاك على المتناول له بالإتلاف والهبة والمعاوضة عليه ونحوها ، وإن كان هو في يده باقيا على ملك المالك ، بحيث لو أراد الرجوع به قبل إتلافه أو نقله إلى الغير رجع به ، إذا لم يكن شاهد الحال قاضيا‌

١٥٤

بالاعراض عنه على وجه متناول لتملكه ، وإلا كان له ذلك فيملكه حينئذ بالقبض الذي ينوي به ذلك بناء على اعتبارها في الملك به ، كالحيازة للمباحات وقد يلحق بذلك المأخوذ بالفحوى القطعية ، للسيرة أيضا فله حينئذ التصرف بها على وجه النقل ، ولا يقتصر فيها على غير الناقل كما ظنه بعض المعاصرين ، ضرورة كونها حينئذ كالمأخوذ بشاهد الحال ، ولعل المرجع فيهما إلى الاذن الشرعية ، دون المالكية فلا يقدح حينئذ عدم حصول الرضا الفعلي من المالك ، هذا كله في قرائن غير الألفاظ ، اما ما رجع منها إلى حصول المراد باللفظ على طريقة المخاطبات أجزأت وإن أفادت الظن والله هو العالم.

المسألة الرابعة الولاية للقضاء أو النظام والسياسة أو على جباية الخراج أو على القاصرين من الأطفال أو غير ذلك أو على الجميع من قبل السلطان العادل أو نائبه جائزة قطعا بل راجحة لما فيها من المعاونة على البر والتقوى ، والخدمة للإمام وغير ذلك خصوصا في بعض الأفراد وربما وجبت عينا كما إذا عينه إمام الأصل الذي قرن الله طاعته بطاعته (١) أو لم يمكن دفع المنكر أو الأمر بالمعروف إلا بها مع فرض الانحصار في شخص مخصوص فإنه يجب عليه حينئذ قبولها بل تطلبها والسعي في مقدمات تحصيلها حتى لو توقفت على إظهار ما فيه من الصفات أظهرها ، كل ذلك لإطلاق ما دل على الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر (٢) فتجب مقدماته كما أنه يجب السعي فيها إلى أن يحصل العجز من غير فرق بين ما كان من فعل الغير وعدمه ، ودعوى ان الولاية من مقدمات القدرة التي هي شرط الوجوب ، فلا يجب تحصيلها ولا قبولها لعدم‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ٥٨.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٥٥

إطلاق التكليف بالنسبة إليها ، يدفعها ان إطلاق الأمر بالمعروف يقتضي وجوب سائر المقدمات ، ولا يسقط إلا بالعجز فيندرج فيها الولاية وغيرها بعد فرض القدرة عليها ، وبذلك يفرق بين المقام والحج المشروط وجوبه بالاستطاعة التي لا يدخل فيها غير المالك ، وإن تمكن من تكسب ما يستطيع به ، ولذا قلنا هناك بعدم الوجوب عليه ضرورة عدم صدق الاستطاعة عليه بذلك ، بخلاف المقام الذي لم يعلق وجوبه على لفظ يرجع فيه إلى العرف ، بل أطلق الوجوب ومقتضاه عقلا الامتثال حتى يتحقق العجز ، ولا ريب في انتفائه هنا بعد فرض وجود القدرة على الولاية مثلا على وجه ، لا تنافيه شي‌ء من الأدلة الشرعية التي تقتضي سقوط التكليف بتحصيلها ، من العسر والحرج (١) والضرر (٢) ونحوها كما هو واضح بأدنى تأمل ، هذا كله في الولاية من العادل ، وقد يلحق به نائبه العام في هذا الزمان إذا فرض بسط يده في بعض الأقاليم ، بل في شرح الأستاد انه لو نصب الفقيه المنصوب من الامام بالإذن العام سلطانا أو حاكما لأهل الإسلام ، لم يكن من حكام الجور ، كما كان ذلك في بني إسرائيل فان حاكم الشرع والعرف كليهما منصوبان من الشرع وإن كان فيه ما فيه.

وأما من الجائر فلا ريب في أنها تحرم مع الاختيار إذا كانت على محرم ، كالولاية على ما ابتدعه الظالمون من القمرك ونحوه ، بلا خلاف بل هو من الضروريات المستغنية عن ذكر ما يدل عليها من الكتاب والسنة والإجماعات ، وكذا تحرم أيضا من قبله أي الجائر على ما يشتمل على محلل ومحرم ، كالحكومة على بعض البلدان المشتملة على خراج وسياسة ونظام ومحرمات من قمرك وغيره ، إذا لم يؤمن اعتماد ما يحرم أي لم يتخلص من مآثمها‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات الحديث ٣.

١٥٦

وتبعاتها من حقوق الناس وغيرها ، ضرورة كونها حينئذ كسابقتها في الاقدام على المحرمات وفعلها بالاختيار ، نعم في حرمة ما كان منها محللا كجباية الخراج والنظام بغير المحرم ونحوهما وعدمها وجهان ، ينشئان من أنها بمنزلة الولايتين المستقلتين إحداهما على عمل محلل ، والأخرى على محرم ، فكل منهما له حكمه ، إذ الحرام لا يحرم الحلال وقال عز من قائل (١) ( خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ومن أنها في الفرض ولاية واحدة ، فمع فرض امتزاج عملها بالحلال والحرام تكون محرمة ، ولو لما تعرفه إنشاء الله من أن حلية الولاية على المحلل المحض للاذن من أئمة العدل ، وإلا فهي محرمة أيضا كما أشار إليه‌ أبو جعفر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة (٢) بقوله « من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال وما حرمنا من ذلك فهو له حرام » بل يدل عليه غير واحد من النصوص ، المعتضدة بما هو معلوم من العقل والنقل ، من كون المنصب منصبهم ، والولاية ولا يتهم والأمر راجع إليهم في جميع هذه الولايات ، فليس لأحد الدخول في شي‌ء منها بدون إذنهم ، ولا ريب في عدمها في الفرض ، خصوصا بعد تظافر النصوص أو تواترها ، في النهي عن الدخول في أعمالهم حتى أن‌ في بعضها (٣) « من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله خنزيرا » وفي خبر زياد بن أبي سلمة (٤) منها « قال : دخلت على أبى الحسن موسى عليه‌السلام فقال لي يا زياد انك لتعمل عمل السلطان قال : قلت :

__________________

(١) سورة التوبة الآية ١٠٢.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٥.

(٣) الوسائل الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

(٤) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

١٥٧

أجل قال : لي ولم قلت : انا رجل لي مروة وعلي عيال وليس وراء ظهري شي‌ء ، فقال : لي يا زياد لئن أسقط من خالق (١) ، فانقطع قطعة قطعة ، أحب إلى من أن أتولى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم ، إلا لماذا؟ قلت : لا أدري جعلت فداك قال : إلا لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فك أمره أو قضاء دينه ، يا زياد إن أهون ما يصنع الله عز وجل بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار ، إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق » وقال : داود بن زربي في الصحيح أو الحسن (٢) أخبرني مولى لعلي ابن الحسين عليه‌السلام « قال : كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه‌السلام الحيرة فأتيته ، فقلت : له جعلت فداك ، لولا كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء ، فأدخل في بعض هذه الولايات ، فقال : ما كنت لأفعل ، فانصرفت إلى منزلي فتفكرت فقلت : ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور ، والله لآتينه ، ولأعطينه الطلاق والعتاق والايمان المغلظة ، ألا أظلم أحدا ولا أجور ولأعدلن ، فأتيته فقلت : جعلت فداك إني فكرت في إبائك علي ، فظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم ، وان كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر وعلى وعلى إن ظلمت أحدا أو جرت عليه وإن لم أعدل ، قال : كيف؟ قلت : فأعدت عليه الأيمان فرفع رأسه إلى السماء فقال : تناول السماء أيسر عليك من ذلك » والمراد أيسر عليك من إجابتي لك إلى ذلك ، أو لا يمكنك الوفاء بتلك الايمان ، والدخول في أعمال هؤلاء بغير ظلم كالمحال ، فتناول السماء أيسر عليك مما عزمت عليه ، كما أشاروا عليهم‌السلام

__________________

(١) الخالق اسم جبل ، منه.

(٢) الوسائل الباب ٤٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

١٥٨

عليه‌السلام إلى ذلك في غير هذا الخبر‌ قال : أبو بصير في الحسن كالصحيح (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أعمالهم فقال : يا أبا محمد لا ولا مدة بقلم ان أحدا لا يصيب من دنياهم شيئا ، إلا أصابوا من دينه مثله أو قال : حتى يصيبوا من دينه مثله » إلى غير ذلك من النصوص الناهية عن الدخول في أعمالهم ، التي أظهر أفرادها محل البحث بل مال العلامة الطباطبائي في مصابيحه إلى كون الولاية في نفسها من المحرمات الذاتية مطلقا ، وأنها تتضاعف إثما باشتمالها على المحرمات لتضمنها التشريع فيما يتعلق بالمناصب الشرعية ، ولما في‌ خبر تحف العقول (٢) عن الصادق عليه‌السلام « وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاية الرئيس منهم ، وأتباعهم وأتباع الوالي ممن دونه من ولاة الوالي إلى أدناهم ، باب من أبواب الولاية على من هو وال عليه ، والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية منهم حرام ، ومحرم معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لأن كل شي‌ء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر ، وذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله ، وإحياء الباطل كله ، وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة » ولإطلاق النصوص المزبورة الذي لم يفرق فيه بين كونها على محلل أو محرم أو ممتزج ، المعتضد بما دل على النهي عن إعانتهم ولو على المباح (٣) بل ولو على بناء مسجد ، وطاعتهم والخضوع لهم وإعلاء شأنهم والركون إليهم وتقوية سلطانهم ، وعليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

١٥٩

حينئذ لا يتصور اشتراط حليتها بالتمكن من التخلص من المحرم ، كما وقع من المصنف وغيره ، بل ولا بالتمكن من المعروف ، ضرورة عدم الوجه لذلك بعد فرض الحرمة الذاتية كما اعترف هو به.

نعم احتمل ترجيح مصلحة الأمر بالمعروف على المفسدة المقتضية لحرمتها فتحل حينئذ مع توقفه عليها إلا أنه لم أجد له موافقا عليه ، عدا تلميذه في شرحه في الجملة بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه فضلا عما سمعته في المعونة بل ادعاه غير واحد كما عن المنتهى نفي الخلاف عنه بل في المحكي عن فقه القرآن للراوندي أن تقليد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكن من إيصال الحق لمستحقه بالإجماع المتردد ، والسنة الصحيحة (١) وقوله تعالى (٢) ( اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ) مضافا إلى ظهور جملة وافرة من‌ النصوص في الجواز (٣) « كالحسن ما يمنع ابن أبي سماك ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطيه الناس » وغيره بل هي لا تقصر في العدد عن نصوص المنع (٤) خصوصا بعد ضم النصوص المشتملة (٥) على الاعتذار عن الرضا عليه‌السلام عن قبول العهد بما وقع من يوسف عليه‌السلام إليها ، باعتبار ظهورها في كون ذلك من يوسف باختياره ، بل في جملة أخرى الحث والترغيب في ذلك ، كالخبر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) سورة يوسف الآية ٥٥.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ٤٢ و ٤٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٥) الوسائل الباب ٤٨ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤ ١٠.

١٦٠