جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الخيار ليشتري منه بأزيد وأمر المشتري به فيبيعه بأنقص أو خيرا منه ، وعلى كل حال فلو طلب الداخل من الطالب الترك له لم يحرم ، وفي كراهيته وجه ، ولا كراهة في ترك الملتمس قطعا ، بل ربما استحب اجابته إذا كان مؤمنا ، وعلى كل حال فلا فساد للعقد وإن أثم بالدخول في السوم والله العالم.

ومنها أن يتوكل حاضر لباد غريب قروي أو بدوي لخبر عروة بن عبد الله (١) « عن أبي جعفر عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ولا يبيع حاضر لباد والمسلمون يرزق بعضهم من بعض » وخبر لجابر (٢) « عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض » وغير ذلك من‌ قوله عليه‌السلام (٣) « دعوا الناس على غفلاتها » ونحوه بل قيل : والقائل الشيخ وابنا إدريس والبراج والفاضل في المنتهى على ما حكي عنهم ، يحرم لظاهر النهي ولكن الأول مع كونه أشهر بل المشهور أشبه بأصول المذهب ... وقواعده ، لقصور الخبرين عن تخصيص الأصول والعمومات ، بعد قصور سنديهما ، وإشعار ما هو كالتعليل فيهما بذلك ولإطلاق النهي عمم بعض الناس الحكم ، لمطلق الإرشاد في بيع أو شراء أو غيرهما ، لا خصوص التوكيل ، ولمطلق من كان عالما بالسعر أو ذكيا حيث كان من أي محل كان لا خصوص الحاضر ، ولمطلق من‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة وذيله في الباب ٣٧ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب التجارة الحديث ٣.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٠.

٤٦١

كان جاهلا أو غبيا ، بلديين أو قرويين ، أو بدويين ، أو مختلفين ، مع العلم بالحكم وجهله ، وظهور السعر وخفائه ، وعموم الحاجة إلى المتاع وعدمه ، ورابطة الرحم أو الجوار أو غيرهما بين الوكيل وموكله وعدمها وإسلام المبتاعين وعدمه ، وكون المبيع من الفواكه أو غيرها ، وإن كان لا يخلو بعضه من نظر ، لولا التسامح في الكراهة ، ومنه يعلم ما في اشتراط بعض الأصحاب لهذا الحكم حرمة أو كراهة بعلم الحاضر بورود النهي ، وبظهور سعر في البلد من ذلك ، فلو لم يظهر اما لكبر البلاد أو لعموم وجوده ، ورخص السعر فلا تحريم ولا كراهة لأن المقتضي للنهي تفويت الربح وفقد الرفق بالناس ، ولم يوجدا هنا وبأن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه ، فما لا يحتاج إليه إلا نادرا لا يدخل تحت النهي ، وبأن يعرض الحضري على البدوي ذلك ويدعوه إليه ، فلو التمسه الغريب لم يكن بذلك بأس ، ويكون الغريب جاهلا بسعر البلد فلو كان عالما لم يكن به بأس ، بل مساعدته محض خير ، ضرورة منافاة جملة إطلاق النهي ، بل قيل أن الأول شرط يعم جميع المناهي ، قلت : مع أنه لا ينافي صدق فعله المرجوح ، وإن لم يكن إثما على تقدير الحرمة ، وعلى كل حال فذلك كله بالنسبة إلى كراهة الفعل أو حرمته لا الصحة والفساد للعقد كما هو واضح.

إلى غير ذلك من الآداب التي اقتصر المصنف على بعضها مما له دخل في المقام ، وقد ذكر بعض مشايخنا تبعا للدروس كثيرا من ذلك إلا أن بعضها خارج عما نحن فيه ، وبعضها منه كالاجمال في الطلب ، بمعنى كون طلبه فوق طلب المضيع ودون طلب الحريص (١) ومباشرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة.

٤٦٢

الاعمال باليد التي هي طريقة الأنبياء والمرسلين والصالحين (١) وإصلاح المال (٢) وإحراز القوت والبيع عند حصول الربح (٣) والمماكسة إلا في أربعة ، الأضحية ، والكفن ، والنسمة والكري إلى مكة (٤) والبكور في طلب الحوائج ، وطلب الرزق (٥) وزيادة التوكل على الله (٦) ونصح المستشير ، وقبول نصحه (٧) ومشاركة أرباب الحظوظ (٨) وتبديل الصنائع ، حتى يوافق ماله فيها طالع سعد (٩) والتعرض للرزق ولو ببسط بساطه (١٠) وكتمان المال (١١) ومهارة العامل في عمله ، والوكيل في وكالته (١٢) وابتداء صاحب السلعة بالسوم (١٣) والرجوع في طريق لم يذهب فيه (١٤) والرفق بالمعيشة (١٥) وخلط الحنطة بالشعير ليتساوى الفقراء (١٦) وشراء القوت يوما فيوما لذلك أيضا (١٧) وأخذ العقار والكتب العلمية وجميع آلات العبادة للقنية (١٨) وتقديم الاستخارة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب مقدمات التجارة.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أبواب مقدمات التجارة.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أبواب آداب التجارة.

(٤) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب آداب التجارة.

(٥) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب مقدمات التجارة.

(٦) الوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة.

(٧) الوسائل الباب ٥٤ من أبواب مقدمات التجارة.

(٨) الوسائل الباب ٢١ من أبواب آداب التجارة.

(٩) الوسائل الباب ٣٥ من أبواب آداب التجارة.

(١٠) الوسائل الباب ١٥ من أبواب مقدمات التجارة.

(١١) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب آداب التجارة.

(١٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب آداب التجارة.

(١٣) الوسائل الباب ٥٤ من أبواب آداب التجارة.

(١٤) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب مقدمات التجارة.

(١٥) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب مقدمات التجارة.

(١٦) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب مقدمات التجارة.

(١٧) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب مقدمات التجارة.

(١٨) الوسائل الباب ٢ من أبواب آداب التجارة.

٤٦٣

والسهولة والحلم والاقتراب من المبتاعين والتسامح في البيع والشراء (١) والقضاء والاقتضاء (٢) وسؤال البركة في الشراء ، والخير في البيع (٣) وملازمة ما بورك له فيه (٤) ووضع كل شي‌ء في سوقه ، وعمل كل عامل في السوق المعد له ، فإنه أرزق (٥) والمعاملة مع من نشأ في الخير (٦) والمكافاة على الهدية ، ومشاركة الجلساء فيها (٧) واتخاذ الحرف الرفيعة ، كالتجارة ، والزراعة ، والغرس ، والزرع (٨) والخروج عن البلد عند الإعسار (٩) واعلام الإخوان بالإعسار ، ليعينوه ولو بالدعاء ، والكتمان مع الخلو عن هذا القصد أولى (١٠) والإحسان إلى الاخوان ، من المبتلى بخدمة السلطان ليكون كفارة عما كان (١١) والكسب فيما يحصل به تقوية البدن ، كالسبق والرماية ، والإتيان بحميد السلعة وترك أردإها (١٢) وصرف الحجام كسبه مع الشرط على الناضح وشبهه (١٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ٤٢ من أبواب آداب التجارة.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب آداب التجارة.

(٤) الوسائل الباب ٣٥ من أبواب آداب التجارة.

(٥) الوسائل الباب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة.

(٦) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب مقدمات التجارة.

(٧) الوسائل الباب ٩١ و ٩٢ من أبواب ما يكتسب به.

(٨) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب مقدمات التجارة.

(٩) الوسائل الباب ٤ من أبواب مقدمات التجارة.

(١٠) الوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة.

(١١) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به.

(١٢) الوسائل الباب ١٠٥ من أبواب ما يكتسب به.

(١٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب ما يكتسب به.

٤٦٤

وإطالة الجلوس ، وملازمة الغريم في التقاضي بإطالة الجلوس مع السكوت (١) واتخاذ مكسبه في بلده (٢) وطرح الدينار المغشوش بعد قسمته نصفين في البالوعة (٣) وتفريق المال إذا أرسله في تجارة حتى لا يذهب بجملته ، ومباشرة الأمور الكبار بنفسه ، كشراء العقارات ونحوها (٤) وعمل الرجل في بيته ، « فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحلب عنز أهله (٥) و « أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يحتطب ويستقي ويكنس وفاطمة تطحن وتعجن وتخبز » (٦) ومشاركة الناس فيما يأكلون ويلبسون (٧) والاستعانة بدعاء الاخوان إذا جار الزمان (٨) وكيل الطعام إذا أحرز أو أخرج للأكل (٩) والمحافظة على التعقيب إلى ما بعد طلوع الشمس (١٠) وقراءة إنا أنزلناه وإنا أرسلنا وغيرهما من القرآن مما له ربط في الرزق ، وينبغي أن يجعل آخر دعائه إذا فرغ من صلاة الفجر سبحان الله العظيم استغفر الله وأتوب إليه وأسأله من فضله عشر مرات (١١) وطلاقه الوجه مع المعاملين ، وحسن السلوك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب الدين.

(٢) الوسائل الباب ٦٩ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ٦٨ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب مقدمات التجارة.

(٥) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ١.

(٧) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب آداب التجارة.

(٨) الوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة.

(٩) الوسائل الباب ٧ من أبواب آداب التجارة.

(١٠) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب مقدمات التجارة.

(١١) الوسائل الباب ٥٥ من أبواب آداب التجارة.

٤٦٥

معهم ، واستعمال الحلم ، ومكارم الأخلاق فإنه ادعى للرزق (١) واتخاذ مكان كسبه مجاورا لأهل الدين (٢) ووضع فراش حوله يجلس عليه المعاملون (٣) وأحكام المعاملة بالصيغ اللازمة ، وانظار المديون (٤) وتعليم الأولاد الحلال والحرام ، وهم أبناء سبع ، وتعليمهم السباحة والرماية ، وتعليم شعر أبى طالب وتدوينه (٥) وصنعة الغزل للامرأة (٦) والذهاب في الحاجة متحنكا متطهرا ماشيا في الظل (٧) وقبول الهدية ولو كانت معوضة ، خصوصا الطيب (٨) وتعجيل رد ظروف الهدايا قبل طلب أربابها ، وإرجاع العارية قبل وقت الإهمال (٩).

وكذا ذكر جملة من المكروهات أيضا كأخذ الوكيل لنفسه مطلقا لموضع التهمة (١٠) وتعاطي المعاملات والصناعات الدنية ما لم تؤد إلى الشهرة المنافية للمروة فتحرم (١١) والمداقة في المعاملة على الحج والكفن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب آداب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب آداب التجارة.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من أبواب مقدمات التجارة.

(٤) الوسائل الباب ٣ من أبواب آداب التجارة.

(٥) الوسائل الباب ١٠٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٦٤ من أبواب ما يكتسب به.

(٧) الوسائل الباب ٣ من أبواب مقدمات التجارة.

(٨) الوسائل الباب ٩١ من أبواب ما يكتسب به.

(٩) الوسائل الباب ٨٩ من أبواب ما يكتسب به.

(١٠) الوسائل الباب ٥ من أبواب آداب التجارة.

(١١) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب مقدمات التجارة.

٤٦٦

والأضحية والنسمة ، وقد يلحق بها أمثالها (١) وسلوك طريق لا يتمكن فيه أو في غايته من بعض شروط العبادات أو شطورها قبل وجوبها ، والاتجار بمكة لغير أهلها ، أما في الطريق فلا بأس (٢) والشكاية واستقلال قليل الرزق (٣) ووضع المال في الكف ، لانه مضياع ، بل لعل الحكم جار في كل مضياع (٤) وكثرة النوم والضجر والكسل والبطالة والدوران في الأسواق (٥) وشراء الطحين ، وادنى منه شراء الخبز (٦) وبيع آلات العبادات أو العقارات ، ونقلها بجميع أنواع الانتقالات من المعاوضات ، إلا لشراء خير منها (٧) واستيصال خفض الجواري (٨) وغسل الماشطة وجه العروس بالخرقة (٩) وجعل أجير مشروط عليه المباشرة (١٠) وترك الدنيا للاخرة ، وبالعكس من غير خروج عن الشرع (١١) واستعمال الأجير بلا شرط (١٢) واستخدام من يستحق الإكرام لحسب أو نسب أو كبر سن ، ونحو ذلك ، ونزو حمار على عتيق ، وضراب الناقة وولدها طفل إلا أن يتصدق بولدها ، أو يذبح (١٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب آداب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ٥٧ من أبواب آداب التجارة.

(٣) الوسائل الباب ٥٣ من أبواب آداب التجارة.

(٤) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب آداب التجارة.

(٥) الوسائل الباب ١٧ من أبواب مقدمات التجارة.

(٦) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب آداب التجارة.

(٧) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب مقدمات التجارة.

(٨) الوسائل الباب ١٨ من أبواب ما يكتسب به.

(٩) الوسائل الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به.

(١٠) الوسائل الباب ٦٦ من أبواب ما يكتسب به.

(١١) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات التجارة.

(١٢) الوسائل الباب ٣ من أحكام الإجارة.

(١٣) الوسائل الباب ٦٣ من أبواب ما يكتسب به.

٤٦٧

وإخراج ردى السلعة وترك جيدها (١) وتمليك الام دون ولدها أو الولد دون امه ، إن كان رضيعا (٢) وأخذ الوصي شيئا في مقابلة عمله (٣) وبيع المكيل والموزون قبل قبضه ، ولا سيما الطعام أو نقله بوجه أخر (٤) والتعرض للحقوق ، فإذا ابتلى فليصبر (٥) وأن يستأجر الأجير الأول مع عدم شرط المباشرة عليه أجيرا آخر بأقل مما استأجره ولم يكن عمل شيئا (٦) وأن يجعل المؤمن نفسه أو غلامه المؤمن ، أجيرا لمخالف في الدين ، من غير شرط المباشرة أما معها فاما حرام مطلقا أو لخصوص الكافر (٧) واستكثار الرزق على غيره مع عدم بلوغ حد الحسد (٨) والاكتساب بالسؤال ، وخصوصا بالكف ، ويحرم لبعض الأشخاص ، ومن بعض الأشخاص (٩) والاكتساب بالمدح ، وإعطاء المادح الذي قد أمرنا بحثوا التراب في وجهه (١٠) وإجارة المستأجر الأرض بأكثر مما استأجرها به ، مع عدم العمل فيها (١١) وإجارة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب آداب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أبواب بيع الحيوان.

(٣) الوسائل الباب ٧٢ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود.

(٥) الوسائل الباب ٤٨ من أبواب ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام الإجارة.

(٧) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٨) الوسائل الباب ١٣ من أبواب آداب التجارة.

(٩) الوسائل الباب ٤ من أبواب المقدمات.

(١٠) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب ما يكتسب به.

(١١) الوسائل الباب ٢١ من أحكام الإجارة.

٤٦٨

الأرض بحنطة أو شعير ولا سيما إذا شرط من حاصلها ، ولا يبعد جريانه في سائر ما ينبت في الأرض (١) والمقاصة في الوديعة فإن أراد ذلك استحب له أن يقول اللهم لم أخذه ظلما ولا خيانة ، وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني لم أزد عليه شيئا (٢) ومعاملة الشريك لنفسه مع البناء على تقسيم جميع المنافع ، ولو بان يشتري بعين ماله لنفسه أو ذمته شيئا ، وتفضيل المعلم بعض الصبيان على بعض (٣) ، وتفضيل الأجير بعض المستأجرين على بعض ، من غير داع الهى ، وزخرفة المساجد وتزويقها ، وأخذ الأجرة عليها ويلحق بها المشاهد المشرفة وحرمها بعض ، والحق الكراهة (٤) والانهماك في علم النحو ، فإنه الذي يسلب الخشوع ، ولا بأس بالاطلاع على الأنساب والاشعار والوقائع وإن لم يكن فيه فضل لأنه علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه‌ « إنما العلم ثلاثة آية محكمة ، أو فريضة عادلة أو سنة قائمة ، وما سواهن فهو فضل (٥) ومدح الظالم صدقا ، بغير ما يبعث على قوته ، والتواضع له من غير علة (٦) ورد الهدايا خصوصا الطيب والحلو (٧) ومحبة الظالمين من دون دخول في معاصيهم والا فيحرم ، ولا سبب يدعو إليهم ولحبهم وقيل بالتحريم (٨) وطلب الحوائج من مستجدي النعمة ، وهو من لم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ و ٢٦ من أحكام الإجارة.

(٢) الوسائل الباب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

(٥) الوسائل الباب ١٠٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٤٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٧) الوسائل الباب ٨٩ من أبواب ما يكتسب به.

(٨) الوسائل الباب ٤٤ من أبواب ما يكتسب به.

٤٦٩

يكن فكان (١) وطلبها أيضا بالليل من الناس (٢) وحفظ الشعر مكثرا منه من غير حق (٣) ومعاملة الرجال الأجانب النساء وبالعكس مع الاحتياج إلى المكالمة والمحادثة ، حيث نقول بعدم دخول الصوت في العورة (٤) وأكل الحجام أجرته المأخوذة بالشرط (٥) والإسراف الذي لم يصل إلى حد المضار فيحرم (٦) وما عارض شيئا من الطاعات ، وقيل بتحريم ما عارض الواجبات (٧) وفعل المعاملات التي لا تخلو من الشبهات (٨) والسهر زائدا على المعتاد في الاكتساب (٩) والرجوع بالهبة الذي هو كالرجوع بالقي‌ء (١٠) وشدة السعي في الطلب ، فيكون طلب الحريص والخضوع والكسل (١١) إلى غير ذلك مما أكثر منه في الدروس وغيرها ، وإن كان لا مدخلية لبعضه في خصوص المقام ، وأخر محل للنظر ، وثالث يأتي في محله إنشاء الله وهو العالم ، ويلحق بذلك مسألتان‌ الأولى تلقى الركبان مثلا القاصدين إلى بلد للشراء منهم مثلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب آداب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من أبواب مقدمات التجارة.

(٣) الوسائل الباب ١٠٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) الوسائل الباب ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح.

(٥) الوسائل الباب ٩ من أبواب ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمات التجارة.

(٧) الوسائل الباب ١٤ من أبواب الآداب و ٦٨ من أبواب ما يكتسب به.

(٨) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٩) الوسائل الباب ٣٤ من أبواب ما يكتسب به.

(١٠) الوسائل الباب ١٠ من أحكام الهبات.

(١١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة.

٤٧٠

مكروه في المشهور بين الأصحاب بل عن بعضهم ما يظهر منه الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد حمل النهي عليه في‌ خبر عروة السابق (١) « عن أبي جعفر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تتلق أحدكم تجارة خارجا عن المصر » وخبر منهال القصاب (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام لا تلق ولا تشتري ما يتلقى ولا تأكل منه » وخبره الآخر عنه أيضا (٣) أيضا « سألته عن تلقي الغنم فقال : لا تتلقى ولا تشترى ما يتلقى ولا تأكل » وخبره الثالث (٤) قال : أبو عبد الله عليه‌السلام « لا تلق فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن التلقي قلت : وما حد التلقي؟ قال : ما دون غدوة أو روحه قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : أربعة فراسخ » قال : ابن أبي عمير وما فوق ذلك فليس بتلقي لقصورها سندا عن افادة التحريم خصوصا بعد مخالفتها للمشهور ، وموافقتها للعامة ، بل ودلالة بناء على فهم ذلك من هذا النهي في هذا المقام ، ولو لقوله ولا تأكل ، المعلوم إرادة الكراهة منه ، بعد فرض إرادة الإثم من النهي عن التلقي ، لا فساد العقد كمعلومية كون المنشأ في ذلك ما أومأ إليه عليه‌السلام في النهي عن وكالة الحاضر للباد ، من إرادة ارتزاق المسلمين بعضهم من بعض ، فما عن ابني البراج وإدريس من الحرمة ضعيف ، وإن حكي أيضا عن الخلاف والمبسوط للتعبير بلفظ لا يجوز ، لكن من المحتمل قويا إرادته الكراهة هنا كما وقع له نحو ذلك في معلوم الكراهة غير مرة ، وكيف كان فـ ( حده أربعة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

٤٧١

فراسخ ) بخروج الحد عن حكم المحدود فحينئذ لا تلقي من الأربعة فصاعدا على تقديري الحرمة والكراهة ، بل يكون سفر تجارة وإلى ذلك أومأ في الخبر السابق بقوله دون غدوة أو روحة ، وفي مرسل الفقيه (١) « روى أن حد التلقي روحة ، فإذا صار إلى أربعة فراسخ فهو جلب » وينافيه ما سمعته من كلام ابن أبي عمير بعد احتمال إرادة ما زاد على الدون من الفوق فيه ، ومنه يعلم حينئذ قوة المختار من أن المسافة أربعة فصاعدا إذا أريد الرجوع ، ولو لغير يومه ، للإطلاق ضرورة كون الحاصل منها حينئذ أن ما دون الأربعة تلقي ، والأربعة فصاعدا سفر تجارة ، باعتبار كونها مسافة بإرادة الرجوع ، والغدوة من أول النهار إلى الزوال ، والروحة من الزوال إلى الغروب ، وبياض اليوم عبارة عن ثمانية فراسخ ، فيكون كل نصف أربعة فراسخ ، كما هو واضح ، وحينئذ فـ ( إذا قصد ) بفعله ذلك ترتب الحكم وإلا فلا ، ولا يكره إن اتفق بلا قصد ، ولو كان طريقان فسلك أقصرهما ترتب الحكم ، كما أنه لو سلك بالغ الحد لم يترتب ، ولو قصد الحد فصادف الركب دونه لم يكن متلقيا ، قيل أو قصد دونه فبلغه ارتفعت كراهة المعاملة ، وإن فعل مكروها في قطع الطريق قبل العزم على التجاوز ، وفيه تأمل كالتأمل فيما قيل أيضا ولو قصد ركبا مخصوصا فصادف غيره أو تركه وعامل غيره فالكراهة في تلقيه دون معاملته ، ولو قصد ما فوق المسافة عازما على المعاملة فيما دونها فلا يبعد إلحاقها بالتلقي ولو أجرى الصيغة هناك ولم يقبض إلا دونها فلا تلقي ولا سيما إذا لم يكن القبض شرطا في حصول الملك ، بخلاف العكس ، ولو أمهلهم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة الحديث ٦.

٤٧٢

في المعاملة إلى دخول البلد وإنما قصد باستقبالهم إظهار المحبة لهم ليتوقع شفقتهم لم يكن به بأس ، وكيف كان فقد تحصل أن الحكم المزبور مشروط بشروط ، منها كون الخروج بقصد ذلك ، فلو خرج لا له فاتفق الركب لم يثبت الحكم ، ومنها تحقق مسمى الخروج من البلد فلو تلقى الركب في أول وصوله إلى البلد لم يثبت الحكم ، وإن لم يكن قد عرف السعر ، نعم لو دخل بعض الركب فتلقى البعض الآخر لم يبعد ثبوت الحكم ، لصدق التلقي حينئذ ، ومنها اعتبار ما دون الأربعة فراسخ على الوجه الذي سمعته ، قيل : ومنها جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه ويشتريه ، فلو علم بهما أو بأحدهما لم يثبت الحكم فيه ، كما يشعر به التعليل في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر والمسلمون يرتزق بعضهم من بعض ، والظاهر ان الاعتبار بعلم من يعامل خاصة ، وفيه مع عدم التصريح بالعلة في الخبر المزبور ، يمكن أن يكون الوجه في الكراهة هو اختصاص المتلقى بشراء ما معهم والربح فيه بخلاف ما لو قدم الركب. فالأولى تعميم الكراهة لحالي العلم بالسعر وعدمه ، قيل : ومنها أن يكون التلقي للبيع عليه أو الشراء منه ، فلو خرج لغيرهما من المقاصد ولو في بعض المعاملات كالإجارة لم يثبت الحكم ، وفي إلحاق الصلح ونحوه من عقود المعاملات احتمال ، للعلة وعدمه ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، قلت : لا يخفى عليك ما في الاحتمال الثاني من الضعف ، بل قد يناقش فيما ذكره أولا من خروج الإجارة ونحوها لعموم ما هو كالتعليل ، ومنه يعلم ما في قوله بعد ذلك أيضا أنه يحتمل قصر الحكم على الشراء منهم خاصة ، نظرا إلى ظاهر قوله لا يتلقى أحدكم تجارة الخارج مخرج الغالب ، فلا يقيد به إطلاق النهي عن التلقي في غيره ، خصوصا بعد التعليل المزبور ، ثم‌

٤٧٣

قال : ولو قلنا بالتعميم ينبغي قصر البيع على ما فيه خطر وغبن ، فلو خرج ليبيع عليهم المأكول ونحوه فلا بأس ، وفيه أن الحكمة في النهي عن التلقي ليست لمراعاة حال الركب خاصة ، بل الأعم من ذلك ومن حال أهل البلد ، باعتبار اختصاص الربح ونحوه بالمتلقى خاصة ، كما أومأنا إليه سابقا فيعم حينئذ جميع ذلك ، ضرورة منع الرزق على أهل هذا الصنف.

وعلى كل حال فلو خالف وتلقى وباع واشترى انعقد البيع ، وإن قلنا بالتحريم كما عن ابن إدريس التصريح به ، بل عن ظاهر المنتهى اتفاق العلماء على ذلك لكون النهي عن أمر خارج عن حقيقة البيع ، خلافا للإسكافي فأبطله وهو واضح الضعف ، ومنه يعلم المراد في النهي عن أكل ما يتلقى كما أشرنا إليه ، فما في شرح الأستاد من الحكم بالفساد على تقدير الحرمة ، لأن النواهي في أخبار المسألة تعلقت بنفس المعاملة لا بخارج عنها كما قيل ، مع أن فيها ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل منه إلى آخره كما ترى ، إذ النهي في أخبار المسألة إنما تعلق بالتلقي معللا بان المسلمين يرزق الله بعضهم من بعض ، لا بنفس المعاملة ، على نحو بيع الحصى أو بيع الخمر أو الميتة ، بل لا يثبت في ذلك للبائع الخيار إلا أن يثبت الغبن الفاحش خلافا لظاهر المحكي عن ابن إدريس من ثبوت الخيار مطلقا ، ولعله لإطلاق‌ النبوي المرسل (١) في الدروس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لمن تلقى فصاحب السلعة بالخيار » أو النبوي العامي (٢) « لا تلقوا الجلب فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار » القاصر سندا عن تخصيص‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٦٩.

(٢) كنز العمال ج ٢ ص ٣٠٦ الحديث ٤٣٠٦.

٤٧٤

قاعدة اللزوم ، بل ودلالة ، ضرورة كون المفهوم من اشتراط الخيار في الثاني بإتيان السوق معرفة الغبن ، وإلا لكان له الخيار من حين البيع فليس هو حينئذ إلا خيار الغبن الذي ستعرف كثيرا من أحكامه فيما يأتي إنشاء الله.

نعم ربما تخيل بعض الأفاضل من الاشتراط المزبور ، أن المدار في الغبن ملاحظة القيمة عند دخوله السوق مثلا ، لا حال إيقاعه الصيغة ، فيخالف خيار الغبن من هذه الجهة ، مع أن فيه ما لا يخفى ضرورة بناء ذلك على الغالب من اتحاد القيمة ، كما أن الاقتصار على البائع في النص والفتوى مبني على ذلك ، وإلا فلا فرق بينه وبين المشتري مع فرض حصول شرط خيار الغبن من الجهل بالقيمة ، وعدم إسقاطه بالشرط أو غيره ، ونحو ذلك مما ستعرفه في محله إنشاء الله ، كما أنك تعرف فيه أيضا ما يدل على الخيار بالغبن من الإجماع ، وقاعدة الضرار (١) وغير ذلك.

إنما الكلام في أن الخيار فيه على الفور مع القدرة وعدم العذر لجهل في الموضوع أو الحكم أو لغفلة أو نسيان أو غير ذلك ، مما ينافي سقوط الخيار معه ، حكمة مشروعيته من الضرر وغيره ، أو على التراخي قولان ، فعن جماعة من المتقدمين والمتأخرين الأول ، بل ربما كان مشهورا لأنه إنما يثبت من قاعدة الضرار ، والإجماع ونحوهما مما يقتضي تخصيص عموم الازمان المستفاد من دليل اللزوم الذي هو أوفوا ونحوه ، فلا استصحاب حينئذ كي يخصص به ، لو قلنا بتقديم الخاص وإن كان استصحابا على العام ، وإن كان كتابا فهو حينئذ لعارض الضرورة ، كإباحة بعض الأشياء لها ، للمحرم أو الصائم أو المصلي ونحو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب التجارة الحديث ٣ و ٤.

٤٧٥

ذلك مما تقدر فيه الضرورة بقدرها ، وقيل كما عن جماعة أيضا هو بعد ثبوته على التراخي فـ ( لا يسقط ) حينئذ إلا بالإسقاط وهو الأشبه لمنع دلالة أوفوا أو نحوه مما استفيد منه اللزوم ، على عموم الأزمنة على وجه يكون الخيار كتخصيص بعض الأزمنة من بين تلك الأزمنة ، بحيث لا يستصحب ، وقاعدة الضرار وإن كانت دليلا لا تقضي بكون موضوع الحكم المضطر كي يزول بزوال عنوان الحكم ، على أن التمسك بإطلاق دليل الخيار من الخبر المنجبر ومعقد الإجماع المحكي كاف ، وربما يأتي لذلك إنشاء الله تتمة والله العالم.

وكذا حكم النجش بمعنى أن البيع فيه صحيح ، بل ولازم إلا مع الغبن الفاحش على الوجه الذي سمعته ، وإن كان هو حراما للنهي عنه ، واللعن لفاعله في النبوي (١) المؤيد بالشهرة ، بل والإجماع المحكي ، بل لعل العقل شاهد على قبحه باعتبار كونه غشا وخدعة وتدليسا وإغراء بالجهل وإضرارا ، إذ هو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة غير مريد شرائها ، بل ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع ، كما عساه يقتضيه لعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناجش والمنجوش والأعم على اختلاف التفسيرين ، وعن آخر تفسيره بان يمدح السلعة في البيع لينفقها ويروجها المواطاة بينه وبين البائع أو بدونها ، على اختلاف في تعريفهم ، ولعل اعتبار المواطاة فيه غير بعيد ، وإن كان حرمة الثاني لا يخلو من قوة ، لكونه خدعا وإغراء وإضرارا وخيانة للمسلم ، ومن ذلك يعرف أن المراد بالتشبيه ما ذكرناه ، لا الأعم منه ومن الكراهة كما عن قوم ، ضرورة أن وجه الحرمة هنا واضح ، لما عرفت وإن كان لا يبطل العقد ، لما سمعته من تعلق النهي بأمر خارج ، خلافا لابن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢ و ٣.

٤٧٦

الجنيد فأبطله مع المواطاة كما أن منه يعرف ما في تعريف المتن والقواعد إياه بأنه.

هو ان يزيد لزيادة من واطاه البائع ضرورة عدم تعلق التحريم والكراهة بذلك ، اللهم إلا أن يزيد التعريف بالغاية فيكون عبارة عن الزيادة الأولى المسببة للثانية ، قيل أو يراد قدر المال الزائد على ثمن المثل المسبب عن الخدع ، فإنه يحرم على البائع أو يراد الزيادة على البذل الحاصلة بسبب زيادة المواطاة ، أو تمام المثل المشتمل عليها فتكون عبارة عنه ، وفيه أنه لا وجه لحرمة الثمن بعد صحة البيع ، وأما القول بثبوت الخيار مطلقا كما عن القاضي لكونه تدليسا أو مع مؤاطاة البائع ، وإن لم يكن غبنا فلا دليل عليه يخرج به عن قاعدة اللزوم ، والإثم في المقدمات أعم من ذلك ، وما أبعد ما بينه وبين القول بعدمه مطلقا ، كما عن المبسوط قطعا مع عدم المواطاة ، وعلى الأقوى معها ، والحق التفصيل بالغبن وعدمه ، فيتخير في الأول لدليله ، ولا يتخير في الثاني لقاعدة اللزوم ، ولعل في حكم النجش قول البائع كذبا أعطيته في هذه السلعة كذا وصدقه المشتري في الحرمة والخيار مع الغبن ولو كان صادقا فله الخيار خاصة معه ، ولا إثم ولا يلحق بالنجش ترك الزيادة في السلعة ليشتريها بالثمن القليل ، وإن كان هو محرما في بعض الأحوال المشتملة على المواطاة مع المشتري ، لإرادة خدعة البائع وإضراره وإغراءه بالجهل ونحو ذلك.

المسألة الثانية الاحتكار مكروه عند المفيد والشيخ في المبسوط وأبى الصلاح في المكاسب والفاضل في المختلف وغيرهم على ما حكي عن بعضهم وقيل والقائل الصدوق وابنا البراج وإدريس وأبو الصلاح في فصل البيع والشهيدان في الدروس والمسالك وغيرهم ، على ما حكي‌

٤٧٧

أيضا عن بعضهم حرام والأول أشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها الأصول وقاعدة تسلط الناس على أموالها (١) المعتضدة بنصوص الاتجار وحسن التعيش والحزم والتدبير وغير ذلك السالمة عن معارضة دليل معتبر على التحريم ، لقصور نصوص المقام سندا ودلالة عن ذلك إذ هي‌ خبر السكوني (٢) « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحتكر الطعام الا خاطئ » وخبره (٣) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام الحكرة في الخصب أربعون يوما ، وفي البلاء والشدة ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على الثلاثة أيام فصاحبه ملعون » وخبر حذيفة بن منصور (٤) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام نفد الطعام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه المسلمون فقالوا : يا رسول الله قد نفد الطعام ولم يبق منه الا شي‌ء عند فلان فمره ببيعه الناس ، قال : فحمد الله واثنى عليه ثم قال : يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيئا عندك فأخرجه وبعه كيف شئت ولا تحبسه » وخبر القداح عنه أيضا (٥) « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون » والمرسل (٦) « نهى أمير المؤمنين‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣ وفيه عن ابن قداح.

(٦) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٩.

٤٧٨

عليه‌السلام عن الحكرة في الأمصار » وخبر حمزة (١) « عن علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن تخرج إلى بطون الأسواق وحيث ينظر الناس إليها فقيل : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو قومت عليهم ، فغضب حتى عرف الغضب في وجهه وقال : أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى الله عز وجل يرفعه إذا شاء ويضعه إذا شاء » وخبر أبي مريم (٢) « عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع » وخبر أبي البختري المروي عن قرب الاسناد (٣) « عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا «ع» كان ينهى عن الحكرة في الأمصار وقال : ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن » وفي كتاب علي عليه‌السلام إلى الأشتر المروي في نهج البلاغة (٤) « فامنع من الاحتكار ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منع منه ، وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل واسعا لا يجحف بالفريقين من البائع والمبتاع ، فمن لم يفارق حكرة بعد نهيك إياه فنكل وعاقب في غير إسراف » وفي‌ المرسل المروي عن كتاب ورام (٥) « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عليه‌السلام اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت : يا مالك لمن هذا فقال : لثلاثة المحتكرين والمدمنين الخمر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ١٣.

(٥) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ١١.

٤٧٩

والقوادين » وهي أجمع كما ترى ، مع قصور أسانيدها كادت تكون صريحة في الكراهة ، ضرورة كون اللسان لسانها ، والتأدية تأديتها كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد عنهم عليهم‌السلام في المكروهات ، وترك بعض المندوبات ، كغسل الجمعة والجماعة والأكل وحده ، وتفريق الشعر ، ونحو ذلك ، ولذا صرح فيها في‌ صحيح الحلبي (١) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام سألته عن الرجل يحتكر الطعام يتربص به هل يجوز ذلك فقال : إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس ، وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام » بل ربما أشعر بذلك أيضا التقييد بالأمصار إذ لا مدخلية مع القول بالحرمة بين المصر وغيره ، وإنما يختلف بذلك شدة وضعفا على الكراهة ، بل قوله لا يحتكر الطعام إلا خاطئ كذلك أيضا ، فإنه بناء على الحرمة يكون من بيان البديهيات ، لكن على الكراهة يكون المراد منه الشدة التي هي بمنزلته ، وكذا خبر الكفارة ، والتفصيل بالأربعين والثلاثة إلى غير ذلك من الامارات في النصوص المزبورة. بحيث يمكن دعوى حصول القطع للفقيه الممارس بذلك ، كما لا يخفى على من رزقه الله تعالى فهم كلامهم ورمزهم ، ومن ذلك يعرف ما في الاستدلال للقول بالحرمة بالنصوص المزبورة ، مؤيدا بالفتح العقلي المستفاد من ترتب الضرر على المسلمين ، وكون منشؤه الحرص المذموم عقلا ، ومنافاته للمروة ورقة القلب المأمور بهما كذلك ، إذ قد عرفت مفاد النصوص كما أن من الواضح عدم استقلال العقل بإدراك قبح ذلك خصوصا وموضوع البحث حبس الطعام انتظارا لعلو السعر على حسب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

٤٨٠