جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

٣

٤

٥

٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

( القسم الرابع ) من الأقسام التي بني عليها الكتاب ( في الأحكام ، وهي اثنا عشر كتابا).

كتاب الصيد والذباحة

أي كتاب التذكية بالصيد والذباحة التي هي أعم من النحر ، فيراد من الصيد حينئذ بقرينة الذباحة خصوص ما كان تذكية منه ، فان له معنيين : أحدهما إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة ، والثاني إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه من غير ذبح ، وكلاهما مباحان كتابا وسنة وإجماعا بقسميه عليه ، بل ضرورة من المذهب أو الدين.

قال الله تعالى شأنه ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (١). ( وإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) (٢). ( وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ ) (٣).

وأما السنة فهي متواترة (٤) أو مقطوعة المضمون بأعلى مراتب القطع ، وسيمر عليك جملة منها في أثناء المباحث إنشاء الله.

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٦.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٢.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ وغيره ـ من أبواب الصيد.

٧

وعلى كل حال فالمراد بالصيد هنا ما عرفت قبل ، وهو غير العنوان المعروف بين الفقهاء حتى المصنف في النافع « كتاب الصيد والذبائح المراد منه ـ كما في المسالك ـ معنى المصيد لا نفس الحدث الذي هو التذكية المذكورة بقرينة « الذبائح » فإنها جمع « ذبيحة » بمعنى أنها قد تذبح ( مذبوحة خ ل ) فيكون الكتاب معقودا لبيان الحيوان القابل للتذكية ، لا لنفس التذكية ، وهذا أقعد وأنسب بالمقصود ».

قلت : يمكن أن يراد هذا المعنى أو ما يقرب منه من عنوان المتن ، وذكر الذباحة لا يقتضي خصوص التذكية الصيدية منه ، والأمر سهل.

( و ) كيف كان فـ ( النظر في الصيد يستدعي بيان أمور ثلاثة : )

( الأول )

( فيما يؤكل صيده )

( وإن قتل ) بعقر ونحوه ( ويختص من ) سائر أفراد ( الحيوان ) التي يصطاد بها ( بالكلب المعلم دون غيره من جوارح السباع والطير ) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن دعوى تحصيل الإجماع معها ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية والسرائر وظاهر سلم المبسوط الإجماع على ذلك.

مضافا إلى النصوص المستفيضة المعمول عليها بين الأصحاب قديما وحديثا ، كخبر أبي بكر الحضرمي (١) المروي في الكافي والتهذيب وتفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سأله عن صيد البزاة

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

٨

والصقورة والكلب والفهد؟ قال : لا تأكل صيد شي‌ء من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلب ، قلت : فان قتله ، قال : كل ، لأن الله عز وجل يقول ( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ). ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ ) » مع زيادة في الأخير « كل شي‌ء من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلمة ، فإنها تمسك على صاحبها » (١).

وفي صحيح الحذاء (٢) عنه عليه‌السلام أيضا في حديث : « ليس شي‌ء ( يؤكل منه خ ) مكلب إلا الكلب ».

وفي خبر زرارة (٣) عنه عليه‌السلام أيضا في حديث إنه قال : « وأما خلاف الكلاب مما يصيده الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته ، لأن الله عز وجل قال ( مُكَلِّبِينَ ) ، فما كان خلاف الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل ، إلا أن تدرك ذكاته » وغيرها من النصوص.

خلافا لابن أبي عقيل الذي استقر الإجماع بعده ، بل لعله كذلك قبله ، فأباح صيد غير الكلب من السباع المعلمة غير جوارح الطير ، كالفهد والنمر وغيرهما وإن لم تدرك ذكاته ، ولم أجد له دليلا على ذلك ، فضلا عن كونه مقاوما لما عرفت.

وحينئذ ( فلو اصطاد بغيره كالفهد والنمر أو غيرهما من السباع لم يحل منه ) وإن كانت معلمة ( إلا ما يدرك ذكاته).

( وكذا لو اصطاد بالبازي والعقاب والباشق وغير ذلك من جوارح الطير معلما كان أو غير معلم ) نعم في جملة من النصوص حل الصيد بجوارح الطير كالباز والصقر.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

٩

كخبر أبي مريم الأنصاري (١) قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الصقورة والبزاة من الجوارح هي؟ قال : نعم هي بمنزلة الكلاب ».

وخبر عبد الله بن خالد بن نصر المدائني (٢) « ( أسألك خ ) جعلت فداك البازي إذا أمسك صيده وقد سمي عليه فقتل الصيد هل يحل أكله؟ فكتب عليه‌السلام بخطه وخاتمه : إذا سميت ( سميته خ ل ) أكلته » وغيرهما.

إلا أنها معارضة بغيرها من النصوص (٣) الدالة على العدم ، وأنه لا يحل من ذلك إلا ما أدركت ذكاته ، بل يمكن دعوى القطع بها خصوصا بعد الاعراض عن هذه والعمل بتلك على وجه لم ينسب إلى أحد منا القول بذلك ، فالمتجه حينئذ طرحها أو تأويلها بما لا ينافي تلك النصوص ، أو حملها على التقية ، كما صرح به في بعض النصوص أيضا.

قال أبان بن تغلب (٤) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال ، وكان يتقيهم ، وأنا لا أتقيهم ، وهو حرام ما قتل ».

وقال الحلبي (٥) : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أبي يفتي وكنا نفتي نحن ونخاف في صيد البزاة والصقور ، فأما الآن فلا نخاف ، ولا نحل صيدها إلا أن تدرك ذكاته ، وأنه لفي كتاب الله ، إن الله قال : ( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) ، فسمى الكلاب ».

وفي أخرى (٦) كون الفهد كالكلب في حل ما قتله ، وظاهرها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣ مع اختلاف في اللفظ ، وذكره بعينه في الاستبصار ج ٤ ص ٧٣ ـ الرقم ٢٦٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الصيد.

١٠

اختصاص الحل فيهما ، وهو لا يقول به ، بل ربما احتمل كون الفهد من الكلب موضوعا بناء على أنه ـ كما عن القاموس ـ كل سبع ، بل مقتضاه إدراج غيره فيه أيضا ، لكن المعروف لغة وعرفا خلافه ، ضرورة كون الكلب عبارة عن الحيوان المخصوص النابح ، كما اعترف به بعض أهل اللغة.

وحينئذ فليس في شي‌ء من النصوص على كثرتها ما يوافق ما ذكره ابن أبي عقيل ونصوص التسوية بين الفهد والكلب لا بد من طرحها أو حملها على التقية أو غير ذلك مما لا ينافي. وبذلك كله ظهر لك أنه لا إشكال بحمد الله في المسألة.

نعم لا فرق في الكلاب بين السلوقي وغيره والكردي وغيره والأسود وغيره ، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد ، فحرم صيد الكلب الأسود البهيم لقول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقتله » الذي ينبغي حمله على الكراهة ، لضعفه عن مقاومة عموم الكتاب والسنة وإجماع الأصحاب على حل صيد الكلب المعلم مطلقا ، والمخالف شاذ معلوم النسب ، مسبوق بالإجماع وملحوق به ، فلا عبرة بخلافه ، نحو ما سمعته من ابن أبي عقيل ، والله العالم. هذا كله في صيد الحيوان.

( و ) أما الصيد بغيره من الجمادات فـ ( يجوز الصيد ( الاصطياد خ ل ) بالسيف والرمح والسهام وكل ما فيه نصل ) بلا خلاف على ما حكاه بعض ، بل عن آخر دعوى الإجماع عليه وإن كان قد يناقش الأول بأن المحكي عن الديلمي اشتراط التذكية في الصيد بالثلاثة وإن قال

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

١١

في الرياض : « إن عبارته المحكية عنه في المختلف توهم ذلك ( وإن أوهمتها خ ل ) إلا أنها كالصريحة في الموافقة للأصحاب في ( من خ ل ) الإباحة بدون التذكية ، لكن مع الكراهة ».

إلا أن عبارته هذه : « الصيد على ضربين : أحدهما يؤخذ بمعلم الكلاب أو الفهد أو الصقر أو البازي أو النشاب أو الرمح أو السيف أو المعراض أو الحبالة أو الشبك ، والآخر ما يصاد بالبندق والحجارة والخشب ، والأول كله إذا لحق منه ذكاته حل إلا ما يقتله معلم الكلاب فإنه حل أيضا ، فإن أكل منه الكلب نادرا حل ، وإن اعتاد الأكل لم يحل منه إلا ما يذكى ، والثاني لا يؤكل إلا ما يلحق ذكاته ، وهو بخلاف الأول ، لأنه يكره ، وقد روي تحريم ما يصاد بقسي البندق (١) وقد روي (٢) جواز أكل ما قتل بسيف أو سهم أو رمح إذا سمى القاتل ».

وأولها وآخرها ظاهر في صدق الحكاية عنه ، كما اعترف به في المختلف ، نعم قوله : « بخلاف الأول ، لأنه يكره » يخالفها ، لكنه يقتضي خلافا آخر لم يحك عنه ، وهو كراهة ما يقتل بالقسم الأول الذي منه الحبالة والشبك والصقر والبازي ، وكيف كان فعبارته غير نقية.

وبأن المحكي عن أبي الصلاح (٣) أنه لا يحل اصطياد الطير بغير النشاب حيث عد في الكافي قتل صيد الطير بغير النشاب من المحرمات ، ونحوه ابن زهرة ، بل ادعى الإجماع على ذلك ، قال : « ولا يحل أكل ما قتل من صيد الطير بغير النشاب ولا به إذا لم يكن فيه حديد بدليل ما قدمناه » وأشار بذلك إلى الإجماع وطريقة الاحتياط ، قال : « وما عدا الطير من

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد.

(٣) هذه الجملة عطف على قوله ( قده ) المتقدم في ص ١١ : « بأن المحكي عن الديلمي ».

١٢

صيد البر يحل ما قتل منه بسائر السلاح وإن قتله بالعقر في غير الحلق واللبة من بدنه بلا خلاف » بل ربما حكي ذلك أيضا عن ابن إدريس وإن كنا لم نتحققه.

نعم لا ريب في ضعف الجميع ومخالفتها لعموم النص والفتوى من غير معارض قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر محمد بن قيس (١) : « من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء ». وعن الصدوق روايته بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

وقال عليه‌السلام أيضا في صحيح ابن مسلم (٣) : « كل من الصيد ما قتل السيف والرمح والسهم ».

وفي صحيح الحلبي (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه بالرمح أو يرميه بالسهم فيقتله وقد سمى حين فعل ، فقال : كل ، لا بأس به ».

وفي خبر علي بن جعفر (٥) عن أخيه موسى عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف وقطعه نصفين ، هل يحل أكله؟ قال : نعم إذا سمى » وقال أيضا (٦) : « سألته عن رجل لحق صيدا أو حمارا فضربه بالسيف فصرعه أيؤكل؟ فقال : إذا أدرك ذكاته أكل ، وإن مات قبل أن يغيب عنه أكله » إلى

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٢) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٢٠٤ ـ الرقم ٩٣٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٥.

١٣

غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك جملة منها.

نعم لا فرق بين أنواع آلات الصيد ( الاصطياد خ ل ) من الثلاثة وغيرها مما يدخل تحت اسم السلاح كالخنجر والسكين وغيرهما مما فيه نصل حتى العصا الصغيرة التي في طرفها حديدة محددة.

بل الظاهر دخول ما يتجدد من أنواع السلاح إذا كان بالوصف المذكور الذي يقطع بحدة أو يشاك به ، وإن احتمل الأردبيلي الاختصاص بالرمح المتعارف والسهم كذلك إلا أن الظاهر خلافه.

بل قد يحتمل القول بحل الصيد بآلات الحديد كالمخيط والشك (١) والسفود وإن لم يستعمل سلاحا في العادة ، لقوة الظن بإرادة ما يشمل ذلك من النصوص المزبورة ، بل صحيح حريز (٢) منها شامل لغير ذلك قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أيؤكل؟ فقال : إن كان يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل ، وذلك إذا كان قد سمى ».

اللهم إلا أن يكون المراد منه الرمية بالسهم ، بل لعله الظاهر ، وحينئذ فلا دليل على حل الصيد بها خصوصا بعد أصالة عدم التذكية وقول الباقر عليه‌السلام (٣) : « من جرح صيدا بسلاح » في الخبر السابق الظاهر في كون ذلك شرطا ، بل المتجه جعل المدار على ذلك.

نعم في الكفاية « في حل الصيد في مثل الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب هذه الأعصار تردد ، ولو قيل بالحل لم يكن بعيدا لعموم

_________________

(١) جاء في هامش المخطوط تفسيرا للشك هكذا « هو المسمى بالفارسية : دوك ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

١٤

أدلة الحل ، ودخوله تحت عموم قول أبي جعفر عليه‌السلام (١) : « من قتل صيدا بسلاح » الحديث. وأخبار البندقة مصروفة إلى المعروف في ذلك الزمان. ويؤيده ما ورد في الحديث (٢) « أنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين ».

وفيه أنها غير نوع السلاح المتعارف ، بل هي إن لم تدخل في البنادق السابقة فلا إشكال في اقتضاء فحوى النصوص المستفيضة (٣) المتضمنة للنهي عن أكل ما يقتل بها وبالحجر اتحادها معها في الحكم ، وإطلاق اسم السلاح عليها باعتبار أنها آلة يقتل بها ـ كالعمود من حديد والعصا ونحوهما ـ لا يقتضي إثبات الحكم المزبور ، خصوصا بعد أصالة عدم التذكية ، بل في الرياض أصالة الحرمة المستفادة من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الدالة عليها في الصيد الذي لم يعلم إزهاق روحه بالآلة المعتبرة وإن كانت له جارحة.

منها الصحيحان (٤) « عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟ قال : إن كان يعلم أن رميته هي التي قتله فليأكل » ونحوهما الموثق (٥) بزيادة « وإلا فلا يأكل منه ».

وفي الصحيح (٦) « صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا يدري من قتله ، قال : لا تطعمه » وإن كان قد يناقش بأن أقصاها الدلالة على عدم الحل مع الشك في تحقق التذكية المعلومة ، لا الدلالة على عدم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ وفيه « من جرح صيدا ... ».

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٤٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ و ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

١٥

حصولها بمثل الصيد بغير السلاح المعهود.

وبالجملة قد عرفت أن مقتضى قول الباقر عليه‌السلام (١) : « من جرح صيدا بسلاح » الى آخره اعتبار الجرح بالسلاح في الحل ، والظاهر إرادة السلاح المعهود.

نعم لا بأس بما يتجدد من نوعه وإن اختلفت الهيئة ، ولكن هو إما قاطع بحدة أو شاك به ، بخلاف مثل بندق التفنك وعمود الحديد غير المحدد ، إلا أن الظاهر عدم اعتبار كونه ذا نصل ، كما عساه يظهر من المصنف وغيره ، بل يكفي فيه كونه مصنوعا قاطعا بنفسه أو شاكا كذلك مما هو سلاح وإن لم يتلبس بعود ونحوه.

وهل يعتبر كونه من الحديد أو يكفي فيه غيره كالذهب والفضة؟ الظاهر الثاني مع فرض عده سلاحا عرفا واتخاذه على نوع السلاح المعهود من القطع بحدة أو الوخز به ، لكن ستعرف اعتبار الحديد مع الاختيار في الذبح والنحر وإجزاء غيره مع عدمه ولو خشبة أو عظما ، بل والسن والظفر على الأصح وإن كانا متصلين إلا أنه لم يثبت اتحاد هذا النوع من التذكية مع النوع الآخر في ذلك ، ولذلك اكتفي فيه بالمعراض والسهم وإن لم يكن فيه حديدا ذا خرق مع الاختيار ولم يجز فيها.

نعم قد يقال : إن المعهود من السلاح الحديد ، فتصرف اليه الإطلاقات ، ويبقى غيره على أصالة عدم التذكية إلا إذا خرق ، إلحاقا له بالمعراض ونحوه مما ثبت بالأدلة ، ولا ريب في أنه أحوط ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لو أصاب معترضا ) السهم أو الرمح أو غيرهما مما هو سلاح ( فقتل حل ) بلا خلاف أجده فيه نصا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

١٦

وفتوى قال الحلبي في الصحيح (١) : « سألت الصادق عليه‌السلام عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله ، وقد كان سمى حين رمى ولم تصبه الحديدة ، قال : إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فإذا أراده فليأكله » وعن الكليني روايته « فإذا رآه فليأكله ».

وعلى كل حال هو دال على المقصود وإن كان الثاني موافقا لخبره الآخر عنه عليه‌السلام أيضا (٢) قال : « سألته عن الصيد يصيبه السهم معترضا ولم يصبه بحديدة ، وقد سمى حين رمى ، قال : يأكل إذا أصابه وهو يراه ، وعن صيد المعراض ، قال : إن لم يكن له نبل غيره وكان قد سمى حين رمى فليأكل منه ، وإن كان له نبل غيره فلا ».

( و ) كذا لا خلاف في أنه ( يؤكل ما قتله المعراض (بالمعراض خ ل) ) الذي هو ـ كما قيل ـ خشبة لا نصل فيها إلا أنها محددة الرأس ثقيلة الوسط ( إذا خرق اللحم ، وكذا السهم الذي لا نصل فيه إذا كان حادا فخرق اللحم ) قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي عبيدة (٣) : « إذا رميت بالمعراض فخرق فكل ، فان لم يخرق واعترض فلا تأكل ».

نعم في جملة من النصوص تفصيل في المعراض وغيره مما لا نصل فيه ، لكن لم أجد قائلا به ، منها ما سمعته في خبر الحلبي السابق (٤) ونحوه ما في صحيحه الآخر عنه عليه‌السلام أيضا (٥) « أنه سئل عما صرع المعراض من الصيد ، فقال : إن لم يكن له نبل غير المعراض وذكر اسم الله عليه فليأكل ما قتل ، وإن كان له نبل غيره فلا ».

وفي خبر زرارة وإسماعيل الجعفي (٦) أنهما سألا أبا جعفر

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٥.

١٧

« عما قتل المعراض ، قال : لا بأس إذا كان هو مرماتك أو صنعته لذلك ».

وفي خبر زرارة (١) « أنه سمع أبا جعفر عليه‌السلام يقول : فيما قتل المعراض لا بأس به إذا كان إنما يصنع لذلك ».

قال : « وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس » (٢).

وفي المرسل عن علي عليه‌السلام (٣) « في رجل له نبال ليس فيها حديد ، وهي عيدان كلها ، فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا فيقتله ، ويذكر اسم الله وإن لم يخرج دم ، وهي نبالة معلومة فيأكل منه إذا ذكر اسم الله عز وجل ».

والجميع كما ترى لا أجد أحدا من الأصحاب اعتبر ما فيها ، فالمتجه حينئذ تنزيله على ما اتفقت عليه كلمة الأصحاب مما سمعته ، وهو الحل باعتراض ذي النصل وإن لم تصبه الحديدة ، وبخرق غيره إذا لم يكن فيه نصل ، أو طرحه أو غير ذلك ، على أن متن الأخير منها كما سمعت غير نقي ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف نصا وفتوى كتابا (٤) وسنة (٥) في أنه ( يشترط في الكلب لإباحة ما يقتله أن يكون معلما ) بل هو

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٧. وظاهر العبارة هنا أن هذا من تتمة الخبر السابق ، والضمير في « قال » يرجع إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، إلا أن الأمر ليس كذلك ، بل هو مرسل مستقل كما جعل بينهما فصلا في الفقيه ج ٣ ص ٢٠٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٦.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٣ ـ من أبواب الصيد.

١٨

مجمع عليه ، والمرجع في صدق ذلك الى العرف.

( و ) لا ريب في أنه ( يتحقق ذلك ) عرفا ( بشروط ثلاثة : ) الأول ( أن يسترسل إذا أرسله ) بمعنى أنه متى أغراه بالصيد هاج عليه إذا لم يكن له مانع.

( و ) الثاني ( أن ينزجر بزجره (إذا زجره خ ل) ) كما أطلقه غير واحد ، إلا أنه يمكن تنزيله على ما في التحرير والدروس بل والمسالك من تقييده بما إذا لم يكن بعد إرساله على الصيد ، فلا يقدح عدم انزجاره بعده ، لأنه من الفروض النادرة ، بل قل ما يتحقق التعليم بهذا الوجه ، فلو كان معتبرا لزم سقوط الانتفاع بصيده ، مضافا إلى عدم منافاة مثل ذلك للتعليم عرفا.

( و ) الثالث ( أن لا يأكل ما يمسكه ) على وجه الغلبة والاعتياد ( فإن أكل نادرا لم يقدح في إباحة ما يقتله ) كما هو المشهور بين الأصحاب القدماء والمتأخرين ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، بل في المختلف بعد أن حكى عن الصدوقين وابن أبي عقيل حل صيد الكلب أكل منه أو لم يأكل قال : « وهذا ليس مشهورا على إطلاقه ، لأن عند علمائنا أنه إن كان يعتاد أكل الصيد لم يجز أكل ما يقتله وإن أكل نادرا جاز » بل في الدروس احتمال تنزيل كلام المخالف على الندرة ، وحينئذ فيرتفع الخلاف في المسألة.

وكيف كان فقد احتج للتحريم بالأصل وعدم صدق اسم المعلم مع اعتياد الأكل ، وقوله تعالى (١) ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) ولا يتحقق الإمساك علينا مع اعتياد الأكل كما يكشف عن ذلك صحيحة

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

١٩

رفاعة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب يقتل ، فقال : كل ، فقلت : أكل منه ، فقال : إذا أكل منه فلم يمسك عليك ، وإنما أمسك على نفسه ».

وخبر محمد (٢) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عما قتل الكلب والفهد؟ فقال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : الكلب والفهد سواء ، فإذا هو أخذه فأمسكه فمات وهو معه فكل ، فإنه أمسك عليك ، وإذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه » وهما حجة أخرى أيضا.

مضافا إلى موثق سماعة بن مهران (٣) قال : « سألته عما أمسك عليه الكلب المعلم للصيد ، وهو قول الله ( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ ) (٤) قال : لا بأس أن تأكلوا مما أمسك الكلب ما لم يأكل الكلب منه ، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه ».

لكن في مقابل ذلك نصوص كثيرة (٥) فيها الصحيح وغيره دالة على الحل وإن أكل ثلثه أو نصفه أو ثلثيه ، بل في بعضها ما يدل على أن القول بالحرمة قول العامة.

قال حكم بن حكيم الصيرفي (٦) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في الكلب يصيد فيقتله؟ قال : لا بأس بأكله ، قلت : إنهم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٨ عن أحمد بن محمد كما في التهذيب ج ٩ ص ٢٨ ـ الرقم ١١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٦.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٢٠