جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المروي عن الكشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) عن مولانا الرضا عليه‌السلام « أن لله تعالى بأبواب الظلمة ، من نور الله به البرهان ، ومكن له في البلاد ، ليدفع عن أوليائه ، ويصلح الله تعالى به أمور المسلمين ، لأنهم صلحاء المؤمنين ، إلى أن قال ( أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) ، أولئك أمناء الله في أرضه ، أولئك نور الله في رعيتهم ، يوم القيامة يزهر نورهم لأهل السموات كما تزهر الكواكب الزهرية لأهل الأرض ، أولئك من نورهم نور يوم القيامة ، تضي‌ء منهم القيامة خلقوا والله للجنة وخلقت الجنة لهم ، فهنيئا لهم ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله قال : قلت : بما ذا جعلني الله فداك قال : تكون معهم ، فتسرنا بإدخال السرور على المؤمن من شيعتنا ، فكن منهم يا محمد » ومن هنا جمع بعض متأخري المتأخرين بينها بحمل نصوص المنع على الدخول في أعمالهم ، حبا للرئاسة وجمع المال ونحوهما ، وحمل غيرها على مزج ذلك بفعل بعض الطاعات وقضاء حوائج المؤمنين ونحو ذلك ، مما فيه خلط بين العمل الصالح والسي‌ء ، وهذا الذي ورد فيه أن هذا بهذا (٢) ونحوه ، وحمل نصوص الترغيب على الدخول فيه بمجرد ما ذكر من الطاعات ، وفعل الخير من تفريج الكربة عن بعض المؤمنين ، وإعانة ملهوفهم ، وقضاء حوائجهم ونحو ذلك ، وفي الرياض وهو جمع حسن وإن أبى عنه بعض ما مر من الروايات.

قلت : مع أنه لا شاهد عليه أيضا ، والأحسن منه الجمع بحمل النصوص المنع على الولاية على المحرمات ، أو الممزوجة بالحرام والحلال‌

__________________

(١) جامع الرواة ج ٢ ص ٦٩.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٥.

١٦١

ونصوص الجواز على الولاية على المباح ، كجباية الخراج (١) ونحوه مما جوز الشارع معاملة الجائر فيه معاملة العادل ، بل ستسمع إنشاء الله فيما يأتي أن المشهور بين الأصحاب وجوب معاملته بالنسبة إلى ذلك ، فالولاية منه حينئذ على ذلك نحوه كالتناول من يده والتقبل منه ونحو ذلك ، ولا تشريع فيه بعد فرض اعتقاد الداخل كالمتناول ، أثم الجائر في ذلك وأنه غاصب ظالم ، وأن الدخول والتناول ونحوهما إنما كان بالاذن من الامام العادل في زمن الغيبة ، وقصور اليد رأفة على المؤمنين ورفعا للضيق والحرج في هذا الزمان ، ونحوه من أزمنة التقية.

وأما نصوص الترغيب فعلى الدخول للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، (٢) وحفظ أنفس المؤمنين ، وأموالهم وأعراضهم ، وإدخال السرور عليهم ، نعم لا يخلو الثاني منها عن الكراهة باعتبار كونه كالإعانة لهم والدخول في زمرتهم ، بل هو شبه تولي المؤمن الكافر ، ولما في القرب إليهم من المخاطرة على الدنيا والآخرة كما أومى إليه‌ خبر ابن مهاجر (٣) « قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فلان يقرئك السلام وفلان وفلان قال : وعليهم‌السلام قلت : يسألونك الدعاء قال : وما لهم؟ قلت : حبسهم أبو جعفر فقال : وما لهم وما له؟ فقلت : استعملهم فحبسهم ، فقال : ما لهم وما له؟ ألم أنههم ألم أنههم ألم أنههم؟ هم النار هم النار هم النار ثم قال : اللهم اخدع عنهم سلطانهم ، قال : فانصرفنا من مكة فسألنا عنهم؟ فإذا قد اخرجوا بعد الكلام بثلاثة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب أمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(٣) الوسائل الباب ٤٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

١٦٢

أيام » بل في‌ المروي عن مستطرفات السرائر (١) من كتاب مسائل الرجال « عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه‌السلام ان محمد ابن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة؟ فقال : ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر ، فالله قابل العذر ، وما خلا ذلك فمكروه ولا محالة قليله خير من كثيره إلى أن قال : فكتبت إليه في جواب ذلك أعلمه أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوه ، وانبساط اليد في التشفي منهم بشي‌ء أتقرب به إليهم فأجاب من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا وثوابا ».

وهذا أحسن ما يقال في الجمع بين النصوص في المقام ، خصوصا بعد انصراف نصوص المنع إلى ما هو الغالب ، من عدم تخلص الداخل في ولاية شي‌ء من أعمالهم عن المحرم كما عرفت إيماء النصوص إليه ولو بإكراههم له على ذلك ، إذ قد يقال أنه لا يجديه هذا الإكراه في رفع الإثم عنه بعد أن كان دخوله في الولاية التي اقتضت ذلك باختياره الذي به يندرج في باب ما بالاختيار لا ينافي الاختيار ، والقدرة على على سبب قدرة على المسبب ، ولعل ذلك أولى من الجمع بما أومى إليه المصنف من حمل نصوص المنع على عدم الأمن من اعتماد المحرم ، والجواز على الأمن ، والاستحباب على الأمر بالمعروف مع ذلك ، إذ لم نجد في شي‌ء من النصوص التصريح باعتبار الأمن في الجواز والقواعد لا تقتضيه ، ضرورة عدم حرمة الشي‌ء باحتمال الوقوع في المحرم ، اللهم إلا أن يريد بالأمن ما قلناه من الولايات على المباحات ونحوها ، مما لم يعتمد فيها فعلا محرما ، ولا يكره عليه والأمر سهل بعد وضوح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

١٦٣

المقصود ، والله أعلم.

وكيف كان فقد ظهر لك الوجه في قول المصنف وغيره ولو آمن ذلك أي اعتماد ما يحرم وقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحب ت الولاية من الجائر ، لكن في المسالك أن مقتضى ذلك وجوبها حينئذ للمقدمة ، ثم قال : ولعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب وعموم النهي عن الدخول معهم ، وتسويد الاسم في ديوانهم (١) فإذا لم يبلغ حد المنع ، فلا أقل من الحكم بعدم الوجوب ولا يخفى ما في هذا التوجيه ، قلت : لم يحك عن أحد التعبير بالوجوب إلا عن الحلي في سرائره ، ووجهه ما سمعته آنفا ، وفي الولاية من العادل ، اللهم إلا أن يقال ولو بمعونة كلام الأصحاب ، بناء على حرمة الولاية في نفسها ، أنه تعارض ما دل على الأمر بالمعروف ، وما دل على حرمة الولاية من الجائر ولو من وجه ، فيجمع بينهما بالتخيير المقتضى للجواز ، رفعا لقيد المنع من الفعل مما دل على الحرمة ، وأما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه في خبر محمد بن إسماعيل (٢) وغيره الذي هو أيضا شاهد الجمع ، خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى المشهور ، وبذلك يرتفع حينئذ إشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الأخص في مقدمة الواجب ، ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة ، إذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب.

نعم هو متجه بناء على قلناه من حلية الولاية السالمة عن المحرم ولذا كان المتجه بناء عليه الوجوب ، لثبوت الجواز مع عدم الأمر بالمعروف فلا معارضة حينئذ لما يقتضي وجوبه ، اللهم إلا أن يقال : أيضا بعدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

(٢) جامع الرواة ج ٢ ص ٦٩.

١٦٤

وجوبه في خصوص هذا الفرد أيضا ، للنصوص المزبورة التي جعلت شاهدا للجمع على التقدير الأول ، المعتضد بفتوى المعظم ، ولعل ذلك أولى من القول بعدم وجوب المقدمة هنا ، لأنها من مقدمات القدرة المشروط بها التكليف ، لما عرفت من فساده في الولاية من العادل إذا توقف الأمر بالمعروف عليها ، والأمر في ذلك سهل هذا كله في الولاية من الجائر اختيارا.

وأما لو أكره بإلزام من يخشى من التخلف عن إلزامه ، جاز له الدخول حينئذ في الولاية التي يحرم عليه الدخول فيها اختيارا ، بلا خلاف نصا (١) وفتوى بل الإجماع بقسميه عليه دفعا للضرر اليسير الصالح لإسقاط التكليف ، لكن على كراهية ومرجوحية ، فالأولى حينئذ تحمله وعدم قبولها لما عرفت من المفاسد المترتبة عليها ، نعم تزول الكراهة لدفع الضرر الكثير كالنفس أو المال جميعه أو الخوف كذلك على بعض المؤمنين وتمام تحقيق ذلك في المسألة.

الخامسة وهي إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول والعمل بما يأمره من المحرمات ، كظلم الغير ونحوه مقتصرا على مقدار ما تندفع به الضرورة ، مقدما للاسهل فالأسهل ، مع عدم القدرة شرعا على التفصي والتخلص من ذلك ، إلا في الدماء المحرمة فإنه لا تقية فيها بخلاف ما إذا كان مختارا في الولاية ابتداء أو استدامة ، فإنه لا يجوز له العمل حينئذ بما يأمره من المحرمات لأنه قادر حينئذ على التفصي ، بل لو كان مختارا في الابتداء عالما باشتمالها على المحرمات التي لا بد له من اعتمادها بعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٨ من أبواب ما يكتسب به.

١٦٥

قبولها لم يجز له أيضا ، وإن أكرهه الجائر بل يجب عليه تحمل ضرر التخلف عن أمره في وجه قوي ، اقتصادا في أدلة المكره على المتيقن (١) والمراد بالقدرة ، القدرة الشرعية التي تناط بها الواجبات والمحرمات المطلقة ، وهي الخالية عن الضرر الذي لا يتحمل في النفس والمال والعرض دون الأعم منها ومن المشتملة على ذلك مما هي قدرة عقلا وعرفا ، فالمراد حينئذ من عدم القدرة في المتن هو المراد من الإكراه ، لا أن المراد الفرق بين الولاية والعمل بما يأمره ، فيكفي في إباحة الأولى الإكراه الذي يجامع القدرة على التخلص ، بخلاف الثاني فإنه لا يكفي فيه إلا عدم القدرة إذ هو حينئذ كما ترى لا وجه له ، ضرورة عدم الفرق في الأدلة.

وما في شرح الأستاد مازجا به عبارة القواعد من أنه لو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية الخالية عن النفع والضرر كره له الولاية حينئذ ودفع اليسير لتسلطه على ماله ، وأما العمل بما يأمره في ضرر الخلق فلا يجوز إلا مع الضرر المعتبر دون غيره ، لا بد من حمله على إرادة الولاية المحللة ، وإلا فلا فرق في المحرم منها والعمل بما يأمره في الضرر المبيح لهما كما عرفته وتعرفه ، وبذلك كله تعرف حينئذ سقوط ما أطنب به في المسالك من المناقشة في عبارة المصنف ، كما ظهر لك أيضا أنه لا فرق في الإكراه المسوغ للدخول في الولاية المحرمة ، والإكراه المسوغ للعمل بما يأمره من فعل المحرمات في ولاية كان أو غيره ، إن ليس هو إلا الإلزام والإلجاء من المتسلط الذي يخشى منه على النفس والمال والعرض أو أحدها على وجه لا يتحمل عادة ، فمجرد الخوف على النفس مثلا ، لا يجدي في جواز ظلم الغير مثلا للدفع عن النفس من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

١٦٦

دون إلزام وإلجاء إلى ذلك ، ضرورة حرمة الضرار في الإسلام ، (١) وحرمة دفع الظلم عنك بظلم غيرك ، بل هو كذلك لو ألزمه الجائر بشي‌ء مخصوص من المال مثلا منه أو من غيره ممن هو غير محصور فإنه لم يلجئه إلى ظلم غيره ليكون مكرها بذلك ، فيرتفع عنه التكليف كما رفع من المخطئ والناسي ، بل قد يقال بعد تحقق الإكراه لو خيره في ذلك بينه وبين شخص مخصوص ، بل إنما يتحقق الإكراه في ذلك ونحوه بأمره بظلم الشخص المخصوص وإلجائه إلى ذلك ، فإنه حينئذ بعد صدق الإكراه عليه بسبب خوفه لو تخلف عن الأمر من الضرر والذي لا يتحمل ، يجوز له العمل بما يأمر. ، للأصل ورفع القلم عن المكره (٢) واخبار التقية ، (٣) وانها في كل شي‌ء يضطر إليه الإنسان ، والإجماع بقسميه ، والنصوص الخاصة في المقام (٤) التي كادت تكون متواترة ، مضافا إلى انصراف ما دل على الحرمة على غير الحال المفروض ، ولا يجب عليه تحمل الضرر في رفع الإكراه مقدمة لتجنب ظلم الغير ضرورة معلومية سقوط وجوب المقدمة بالعسر والحرج والمشقة والضرر في سائر التكاليف الشرعية المطلقة فيسقط حينئذ وجوب ذيها فلا يجب عليه حينئذ نقل نفسه من موضوع الإكراه إلى موضوع الاختيار بما يضر بحاله ضررا لا يتحمل ، خصوصا وقد صار بالإكراه كالآلة للمكره ، بل ليس هو حينئذ إلا كالأجنبي الذي يستطيع رفع الظلم عن مؤمن ، بما يضر بحاله من مال أو نفس أو عرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ و ٤ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب الأمر والنهي.

(٤) الوسائل الباب ٤٨ من أبواب ما يكتسب به.

١٦٧

وبذلك انكشف الغبار عن المسألة التي ربما أشكل على بعض الناس مدركها ، حتى تعجب من دعوى جواز إضرار الغير في نفسه بالجرح ونحوه وعرضه وماله ، دفعا للضرر اليسير في نفسه وعرضه وماله ، وتخيل أن المسألة من باب التعادل والتراجيح فالتزم الموازنة بين ما يظلم به وما يخشاه من الظلم عليه ، وهو كما ترى ، لما عرفت من أن بناء المسألة على ما لو ألزمه الجائر بالظلم ، وكان لا يستطيع رفع إكراهه له والجاه إياه إلى ذلك والتخلف عن أمره ، إلا بتحمل ضرر لا يتحمل في نفسه أو ماله أو عرضه ، وأن مدركها واضح على هذا التقدير ، من غير فرق في المال بين البعض والجميع ، فما في التحرير من اعتبار جميع المال غير واضح ، نعم لو تمكن من التخلف عن الأمر ، بما لا يضر بحاله وجب عليه ، بل لم يكن مكرها حينئذ ، ولقدرته على عدم الامتثال بلا ضرورة ، كما أنه لا بأس بجواز تحمل الضرر المالي في دفع الإكراه ، ولعموم تسليط الناس على أموالهم (١) أما البدن كالجرح ونحوه ، والعرض كالفسق بالأهل ونحوه ، فالظاهر حرمة تحمله لذلك ، وقد أوى إليه في الجملة الشهيد في الدروس.

ومنه يعلم ما في شرح الأستاد من أن الأحوط مراعاة التعادل بين ما يخاف على الناس ، وبين ما يخافه على نفسه ، وإن كان الأقوى عدم وجوبها ، ضرورة تزاحم الاحتياط حينئذ في بعض الصور ثم قال : وينبغي إمعان النظر فيما يغتفر بالخوف على أحد الثلثة متعلقا به أو ببعض المؤمنين من التعدي على الغير مع المماثلة أو المخالفة في الأفعال أو الرتب مع المعادلة وعدمها ثم فيما يغتفر به الخروج عن الشرع فيما يتعلق بأصل أو فرع ، فإن المسألة طويلة الذيل كثيرة الأقسام ، والقول‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

١٦٨

بالفرق بين الابتداء والعروض اتفاقا في الصور غير بعيد.

قلت : لا يخفى عليك تنقيح ذلك كله بعد ما عرفت موضوع المسئلة ومدركها ، كما أنه لا يخفى عليك عدم جواز ظلم الغير ، بأمر الجائر الذي يخشى من تخلفه ظلما علي بعض آخر دون نفس المكره وماله وعرضه ، ضرورة عدم مشروعية رفع الظلم عن مؤمن بظلم مؤمن آخر ، وكون ذلك قد يقتضي التقية في بعض الأحوال ، لا يستلزم اقتضائه في الفرض ، وكذا لا يخفى عليك أن المراد بالإكراه هنا ، أعم من التقية التي هي دين في العبادات ، لمعلومية عدم الفرق هنا بين وقوع الإكراه من الموافق في المذهب والمخالف بعد فرض تسلطه على النفس والعرض والمال ، نعم استثنى المصنف وغيره من ذلك على كل حال الدماء المحترمة بالايمان بل لا خلاف أجده فيه بالنسبة إلى القتل ظلما بل الإجماع بقسميه عليه‌ وللصحيح (١) « إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم ، فلا تقية » ونحوه الموثق (٢) بل قيل : أن ظاهر الإطلاق يشمل الجراح أيضا ، كما عن الشيخ أيضا إلا أن لزوم الاقتصار في الخروج عن العمومات المجوزة لفعل المحرمات بالإكراه على المتيقن المتبادر من الإطلاق وهو القتل ، يقتضي المصير إلى جواز الجرح الذي لم يبلغ حده ، كما هو الأشهر ، بل لعله المشهور ، بل ينبغي القطع بجوازه ، إذا كان الخوف بتركه على النفس.

نعم الأحوط اجتنابه حيث لا يعارضه الاحتياط من جانب آخر ، كما أنه كذلك بالنسبة إلى إلحاق المسلم بالمؤمن ، وإن أطلق المصنف وغيره بل في النافع التعبير بالمسلم لكن في الرياض وهل المسلم يشمل المخالف أم يخص المؤمن إشكال ، والاحتياط يقتضي المصير إلى الأول‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من أبواب الأمر والنهي ١.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من أبواب الأمر والنهي ٢.

١٦٩

إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال ، وسيما القليل منه خاصة وأما إذا كان على النفس المؤمنة فإشكال ، ولا يبعد المصير حينئذ إلى الثاني فليس شي‌ء يوازي دم المؤمن ، كما يستفاد من النصوص المعتبرة (١) قلت : بل فيها أن ألف مخالف لا يوازن دم مؤمن ، فلا ريب في أن المتجه المصير إليه ، بل وكذلك الخوف على العرض بل والمال كما لا يخفى على من أحاط بما دل على هو أن نفوسهم عند الله ، على أن ظاهر الصحيح المزبور دم المؤمن ، ضرورة أنه هو الذي شرعت التقية لحفظه هذا ، ويقوى كما في شرح الأستاد عدم لحوق الحمل قبل ولوج الروح ، وأما الفرق بين الصحيح والمريض ولو حال السياق والشيخ والشاب والمرأة والرجل فلا معنى له ، وربما احتمل الفرق بين مستحق القتل بزنا أو لواط أو غيره ، بل ومستحق القصاص إلا أنه كما ترى لا مستند له قاطعا للعذر وإن كان ستسمع في القصاص ما يصلح أن يكون وجها له ولا فرق في القتل بين المباشرة والتسبيب كالإفتاء ونحوه لإطلاق الأدلة والله أعلم.

المسألة السادسة جوائز السلطان الجائر وعماله إن علمت حراما بعينها فهي حرام بلا خلاف ولا إشكال لا يجوز تملكها ، والتصرف بها وقبولها ، وإلا فهي حلال مطلقا وإن علم أن في ماله محرما بلا خلاف ولا إشكال أيضا ، كما اعترف به في الحدائق والرياض بل في المصابيح الإجماع عليه ، للأصل والمعتبرة المستفيضة (٢) كصحيح أبي ولاد « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما ترى في الرجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم وأنا أمر به وأنزل عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

١٧٠

فيعطيني ويحسن إلى ، وربما أمرني بالدراهم والكسوة وقد ضاق صدري من ذلك ، فقال لي : خذ وكل لك المهنأ وعليه الوزر » وصحيح أبي المعزى (١) « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، فقال : أصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال : نعم وحج بها » ونحوه خبر محمد بن هشام أو غيره (٢) عنه أيضا‌ وصحيح محمد بن مسلم وزرارة (٣) « قالا سمعنا يقول جوائز السلطان ليس بها بأس » إلى غير ذلك من النصوص مضافا إلى السيرة القطعية ، والعمل المستمر من العلماء وغيرهم في سائر الأعصار والأمصار ، وإلى‌ ما روى (٤) من قبول الحسن والحسين والصادق والكاظم عليهم‌السلام جوائز معاوية والرشيد‌ وإلى ما دل من النصوص المستفيضة أو المتواترة (٥) على جواز معاملتهم ، وبيعهم والابتياع منهم ، وأنه لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه.

وخبر الحميري المروي (٦) عن الاحتجاج « أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده لا يتورع من أخذه ربما نزلت في قرية وهو فيها ، أو أدخل منزله وقد حضر طعامه فيدعوني إليه فان لم أكل من طعامه عاداني ، فهل يجوز لي أن آكل وأتصدق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة وإن أهدى هذا الوكيل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ديات النفس الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٠ ـ ١٤.

(٥) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٥.

١٧١

إلى رجل آخر فيدعوني إلى أن أنال منها وأنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده ، فهل علي منه شي‌ء؟ إذا أنا نلت منها فأجاب عليه‌السلام إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه ، واقبل بره وإلا فلا » محمول على معلوم الحرمة أو على الكراهة أو غير ذلك ، لما عرفته من معلومية إباحة ما في أيدي الجائرين وغيرهم مما لم تعلم حرمته.

بل لعل ذلك ونحوه من الضروريات التي لا تحتاج إلى إثبات ، ولولاه لم يمكن لمؤمن التعيش في أمثال هذه الأزمنة ، والعلم بأن في ماله محرما غير قادح ، فضلا عما لم يعلم ، وإن علمت أنه يأخذ الأموال ظلما ، فالظالم حينئذ بعد ملاحظة صنفه من كل ذي مال مختلط حرامه بحلاله ، كالعشار والسارق والمربي والمرتشي ، ومن لم يخرج الحقوق ونحوهم ، وملاحظة ما تحت أيديهم من الأموال يندرج في غير المحصور من الشبهة الذي سقط التكليف باجتنابه ، من باب المقدمة للعسر والحرج المنفيين آية (١) ورواية (٢) ولا يقدح في ذلك أن كل واحد منهم لو لاحظته بخصوصه كان من الشبهة المحصورة ضرورة عدم الخصوصية عقلا وشرعا لآحادهم ، فليس هم حينئذ إلا صنفا واحدا مندرجا في غير المحصور ، لما عرفت والحصر في أفراده غير مجد إذ أقصاه تعدد الشبهة المحصورة ، حتى صارت غير محصورة فيجري عليها حكم عدم وجوب الاجتناب ، إنما الكلام في أن ذلك يقتضي خروج ما في أيديهم وتحت تصرفهم وإن علم اشتماله على محرم عن حكم الشبهة المحصورة ، فيجوز المقاصة منه والأكل للمارة (٣) والتصرف بالفحوى ونحو ذلك حتى يعلم الحرام منه بعينه فيترك ، أو يختص ذلك بما إذا حصل تصرف خاص‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب الماء المطلق الحديث ١٤.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب بيع الثمار.

١٧٢

منهم كإعطاء وبيع وإذن ونحو ذلك ، مما يحتمل فيه القصد إلى الحلال فلا تجوز المقاصة وأضرابها ، ويجوز الأخذ مع مقارنة أحد تلك الأفعال المحمولة على الصحة شرعا ، من غير فرق بين ما كان في صندوق فيه غصب أو كيس كذلك أو دار أو غيرها ، ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور عنده احتمالان.

ظاهر الأستاد في شرحه الثاني منهما ، قال : ولو لم يعلم كونها أي الجوائز غصبا جاز أخذها من الجائر مطلقا ، للإجماع والأخبار ومن غيره ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور لقضاء اليد وأصالة الصحة ، فيجوز الأخذ حينئذ وإن جابها من دار أو دكان أو صندوق فيه غصب أو أشار إلى معين من جملة كذلك ، ولا يعلم حصوله في المدفوع والمعين إلا أن التجنب مع الانحصار من شيم الأبرار وتختلف مراتب الرجحان باختلافه ، ولو أشار إلى مبهم منها قوى المنع كالأخذ للمقاصة ، والأكل للمارة لو جاز ، وللدخول تحت رفع الجناح إلا بعلاج ، عملا بالأصل في غير محل النص ، والظاهر إرادته من الإطلاق في الجائر بالنسبة إلى كونه سلطانا أو عاملا أو عشارا ، لا أن المراد وإن علم إقدامه على المشتبه المحصور ، حتى يكون الاشتراط في كلامه مختصا بغير الجائر ، بل الظاهر تعميمه لهما كما يقضي به التأمل لتمام كلامه ، ويمكن أن يريد اختصاص الجائر بهذا الحكم ، وهو جواز التناول منه وإن علم إقدامه على المشتبه المحصور كما هو مقتضى حال الجائر ، للنصوص وغيرها مما ستعرفه ، وعلى كل حال فوجهه ما أشار إليه ، ويحتمل الأول بل ربما أوهمه التقييد بالعين في المتن والنافع ومحكي نهاية الأحكام والدروس والكفاية ومعقد إجماع المصابيح ، وفي المسالك التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها ، وان علم أن في ماله مظالم كما هو مقتضى حال الظالم ، ولا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام‌

١٧٣

في وجوب اجتناب الجميع ، للنص على ذلك.

وقد يستفاد من استناده إلى النص اختصاص الجائر بهذا الحكم ، وعن ابن إدريس أنه قال : إذا كان يعلم أن فيها شيئا مغصوبا إلا أنه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها على جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه ، وقبول صلته لأنها صارت بمنزلة المستهلكة ، لأنه غير قادر على ردها ، قيل ونحو ذلك عبارة النهاية وأحسن ما ينزل عليه كلامهما إرادة عدم وجوب الاجتناب ، لعدم جريان حكم الشبهة المحصورة فيه ، فيرجع حينئذ إلى الاحتمال الأول ، الذي قد يؤيد مضافا إلى إطلاق النص والفتوى ومعقد الإجماع والسيرة بأنه لا مدخلية للدفع ونحوه في الإباحة ، إذ ليس هو إلا لحمل فعل المسلم على الوجه الصحيح ، وهو جار في غيره من الأموال التي تحت يده ، المشتركة جميعا في تصرفه بها تصرف الملاك في أملاكهم ، على أنه قد يفرض دفعه فيما يعلم كونه على وجه محرم ، لدوران المدفوع بين كونه من الخراج الذي يحل لنا تناوله منه وإن أثم هو بدفعه ، وبين كونه من مظالمه التي ظلم بها العباد ، مع اندراجه في النص والفتوى وغيرهما مما دل على حلية جوازه وما في يده ، فلا مناص حينئذ عن القول بجريان حكم الأملاك على جميع ما في يده وإن علم فيها محرم حتى يعلم الحرام منه بعينه فيدعه ، وأنه كالمشتبه غير المحصور في ذلك ، من غير فرق بين المقاصة وغيرها ، كما أنه لا فرق بين الجائر وغيره من ذي المال المختلط لما عرفته من اتحاد المدرك في الجميع.

نعم قد يفرق بين الجائر وغيره باختصاصه بجواز الآخذ منه وإن علم اختلاط ماله اختلاطا موجبا للاجتناب في غيره ، وإخراج الخمس لو أريد تحليله ، وذلك لما عرفته من الأدلة بخصوصه على جواز التناول‌

١٧٤

منه والمعاملة معه ، مع أن الغالب في حاله خصوصا المخالف منهم عدم الفرق عندهم بين الحلال والحرام ، ومعاملة الجميع معاملة واحدة في التصرف وفي غيره ، فيمكن أن يكون المالك الحقيقي قد رخص فيما في يده من الأموال وإن كانت مختلطة ، رأفة بهم باعتبار ما علمه من حالهم في زمن الغيبة ، وشدة حاجتهم إلى مخالطة هؤلاء ، الذين لم يفرقوا بين الحلال والحرام ، بل لا يسعهم التجنب عنهم ، وبيان التنزه عن أموالهم ، التي هي بالنسبة إلينا بحكم مجهول المالك ، فلا بأس بإذن الشارع الذي هو المالك الحقيقي في تناولها.

ولعل على ذلك يحمل كلام السرائر المتقدم وغيرها ، بل لعل إليه الإشارة بقوله‌ « لك المهنأ وعليه الوزر » (١) مضافا إلى بعض النصوص الدالة على شراء ما يؤخذ من الطعام خراجا ، وإن علم جورهم فيه وتعديهم على الرعية به (٢) بل يمكن إرادة من قيد بالعين كالمصنف وغيره ذلك أيضا ، على معنى أن الجوائز مثلا حلال إلا إذا علم كونها حراما بعينها ، من غير فرق بين كونها من المال المختلط أو غيره ، فان الاختلاط لا يقتضي الحرمة بعينها ، بل لعله هو الوجه في ذكرهم الجائر بالخصوص.

بل ربما يومي إليه ما تعرفه من ذكرهم إخراج الخمس منه لو أريد حليته الصرفة ، لكن في شرح الأستاد جوائز الظالم إن علمت علما يقينا غصبا أو مأخوذة بغير حق على أي نحو كان متميزة أو ممتزجة أو في ضمن محصور حرمت عقلا وشرعا وكتابا وسنة وإجماعا ، وما ورد مما ظاهره إباحة القسم الثاني ، معارض بما هو أقوى منه ، وربما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به.

١٧٥

يؤيده الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن ، وهو المأخوذ من يد الجائر مع عدم العلم بحاله أنه من مخلوط أو من مشتبه محصور أو من حلال محض أو حرام كذلك ، وحينئذ يكون الجائر كغيره في الحكم المزبور ، وإنما ذكر بالخصوص لتعرض النصوص له بالخصوص ، ولا ريب في أنه أحوط كما أنه لا ريب في استحباب التنزه عن جوائزهم ، لأنا لا نصيب من دنياهم شيئا وإلا أصابوا من ديننا مثله ، وفي‌ المروي عن العيون في حديث (١) « ان الرشيد بعث إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام بخلع وحملات ومال فقال : لا حاجة لي بذلك إذا كان فيه حقوق الأمة فقال : له ابن الربيع ناشدتك الله أن لا تردها فيغتاظ فقال : اعمل بها ما أحببت (٢) وفي خبر آخر « أن الرشيد أمر أن تحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال عليه‌السلام : لو لا أني أرى من أزوجه بها من عزاب آل أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها » ولعله على ذلك (٣) يحمل قبول الحسن والحسين عليه‌السلام جوائز معاوية ، أو لأن الأرض وما فيها ، لهم أو لبيان أصل الجواز أو لغير مما لا ينافي صدورهم منهم كراهته ، التي قد يرفعها أيضا إخراج الخمس لمعلومية كونها لاختلاط ماله ، والخمس يطهر المختلط ، وفي الموثق (٤) « سئل أبا عبد الله عليه‌السلام عن عمل السلطان يخرج فيه رجل فقال : لا ، إلا أن لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١١.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٣ و ١٤.

(٤) الوسائل الباب ٤٨ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

١٧٦

حيلة ، فإن صار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت (ع) » كما أنه أيضا يرفعها أيضا اقترانها بمرجحات تقتضي قبولها على حسب غيرها من المكروهات ، بل قيل : لا كراهة في قبولها مع الاخبار بأنها من الحلال والأمر في ذلك كله سهل.

وكيف كان فان علم كونها بعينها حراما وقبضها بعد العلم أو قبله أعادها على المالك بلا خلاف ولا إشكال حتى لو احتاج إلى أجرة بذلها ، لأنه بحكم الغاصب بالنسبة إلى ذلك وإن كان لا إثم عليه مع العلم بعد القبض ، بل له الرجوع بها على الدافع له باعتبار غروره وإن جهله بعينه وكان بين محصورين ، تخلص منهم بصلح ونحوه ، وإن لم يكن بين محصورين ، بل كان في غير محصور وحصل الياس من معرفته ، أو تعذر الوصول إليه تصدق بها عنه كما في غيرها من أقسام مجهول المالك الذي حكمه ذلك نصا وفتوى ، لأنه أقرب طرق الإيصال.

ودعوى أن ما نحن فيه بحكم اللقطة التي هي المال الضائع من صاحبه واضحة الفساد ، كدعوى أن حكمه تعيين حفظه والوصية به أو التخيير بين ذلك والتصدق به ، بل كأن ذلك اجتهاد في مقابلة النص والفتوى ، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد في قصة الشاب الذي كان من عمال بني أمية ، ثم جاء إلى الصادق عليه‌السلام نادما فأمره بالصدقة بجميع ما كان عنده وضمن له على الله الجنة ففعل ووفى له (١) : نعم ينبغي أن يعزم على الضمان لو ظهر صاحبه ، فلم يختر الصدقة لكن لا يحتسب بذلك من ديونه ، ما دام صاحبه غير ظاهر ، ولو أراد السلامة من ذلك سلمه إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب ، فالايصال إليه بمنزلة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

١٧٧

الوصول إلى المالك ، وإنما لا يتعين ذلك وإن كان ربما تخيل لإطلاق الأمر بالتصدق الظاهر في كون المراد حكمه ذلك ، لا أنه إنشاء إذن منه ، كظهوره في أن المتصدق من كان بيده المال أو وكيله ، إلا أنه للجمع بينه وبين ما دل على ولاية الحاكم ، مخير بين الأمرين الذين ليس له التراخي عن فعل أحدهما ، نعم قد يقال بوجوب الرجوع للحاكم فيما لو كان في ذمته مال مجهول المالك باعتبار توقف تشخيصه على قبضه ، لأنه بمنزلة المالك.

وعلى كل حال فالصدقة على أهل الحق ، ولا فرق في المتصدق عنه بين كونه منهم أو من غيرهم ، وإن كان لم ينتفع بها إلا هم ، وربما احتمل اجراء حكم مذهبه فيه ، والأقوى ما عرفت هذا.

وقد ظهر لك أنه لا يجوز إعادتها أي الجائزة على غير مالكها مع الإمكان فلو فعل كان ضامنا بلا خلاف ولا إشكال بل هو كذلك لو أخذها الظالم أو غيره قهرا ، بعد إن كان قبضها باختياره عالما بغصبها ، ضرورة كونه حينئذ غاصبا ، لأن يده عادية فلا يجديه القهر في رفع الضمان عنه كالغاصب ، بل لعله كذلك حتى لو قبضها جاهلا بغصبها ثم علم بعد ذلك ، وفاقا للأستاد في شرحه لأن يده فرع يد الغاصب التي هي يد ضمان ، وجهله إنما ينفعه في رفع الإثم ، وفي الرجوع باعتبار غروره.

نعم لو وصل إليه من غير يد الغاصب وفروعها ، كما لو أطارته الريح منه إليه ، اتجه عدم ضمانه ، لأنه حينئذ بمنزلة الأمانة في يده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط ، بخلاف الأول الذي هو في الحقيقة يد الغاصب باعتبار الفرعية عليها ولو جهلا ، كما يشهد لذلك اتفاقهم ظاهرا في باب الغصب على ضمان الأيدي المتعاقبة على المغصوب ، من‌

١٧٨

غير فرق بين العلم والجهل ، وإن رجع المغرور منهم على من غره ، أو رجع عليه المالك ، وكذا الكلام فيما لو تلفت منه بغير تفريط ، إذ هو كالأخذ منه قهرا هذا ، ولكن في المسالك في المقام أن الأجود عدم الضمان في الأخير ، لأن يده يد أمانة ، لأن الفرض عدم علمه بالغصب حتى قبضها فتستصحب ، كما لو تلفت بغير تفريط فلا يضمن بالأخذ منه قهرا ، ووافقه العلامة الطباطبائي في مصابيحه ، لكنه كما ترى.

نعم لو كان قد قبضه من أول الأمر بعنوان الاستفادة والإرجاع إلى مالكه اتجه حينئذ عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط ، لأن يده حينئذ يد أمانة ، لا من فروع يد الغاصب المعامل نفسه معاملة المالك ، ولأنه حينئذ محسن لا سبيل عليه ، وفرق واضح بين هذا القبض وبين القبض بعنوان قبول الهبة ، وإثبات يد المدفوع إليه بدل يد الدافع ، فليست هي حينئذ إلا يد الدافع ، الذي قد فرض كونه غاصبا ، وإن كان المدفوع إليه جاهلا وعزم على إرجاعها على مالكها بمجرد علمه بالغصب ، لكن قد سبقت ذلك يد الضمان ، فلا يجديه هذا العزم في رفعه ، ولا في تحقيق كونها يد أمانة كما هو واضح بأدنى تأمل هذا.

ولا يخفى عليك حكمها في يد الظالم من الأخذ منه قهرا مع الإمكان إن بقيت في يده وعوضها مع التلف ويقاص بها من أمواله ، من غير فرق في ذلك بين موته وحياته ، وبين كونها معلومة المالك ومجهولته ، لأنها بحكم الديون ، لكن في شرح الأستاد أن ما في يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون ، في التقديم على الوصايا والمواريث لعدم انصراف الدين إليه ، وإن كان منه وبقاء عموم الوصية والمواريث على حاله ، والسيرة المأخوذة يدا بيد من مبدء الإسلام إلى يومنا هذا فعلى ذلك لو أوصى بها بعد التلف خرجت من الثلث ، وما كان منها‌

١٧٩

باقيا يجب رده ، ولو امتنعوا منه حل الحلال وحرم الحرام ، وفيه مع أنه لم نجد له موافقا عليه منع واضح ، خصوصا بعد معلومية المغصوب منه ، ودعوى عدم الانصراف ، كدعوى السيرة المجدية ممنوعتان أشد المنع ، وما في التحرير من أن الأفضل للمظلوم عدم أخذه ما ظلم به وإن تمكن منه أجنبي عن ذلك ، ويمكن أن يكون وجهه مراعاة التقية والله أعلم.

المسألة السابعة لا خلاف أجده في أن ما يأخذه أو يحول عليه أو يصالح عليه السلطان الجائر من الغلات في زمن الغيبة ونحوها في قصور اليد من المؤمنين والمخالفين ، باسم المقاسمة التي هي قسم أيضا من الخراج الذي هو بمعنى الأجرة والطسق أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض من المنتفعين بالأراضي التي مرجع التصرف فيها الامام العدل حال بسط اليد ، باعتبار ولايته عن المسلمين ، من غير فرق بين الدراهم والغلات وغيرهما ، يكون خراجا مبرء الذمة من كان عليه كما لو أخذه السلطان العادل ، من غير فرق بين قسمة الموجود ، وبين القبض ما كان منه في الذمة ، كما أنه لا خلاف معتد به في جواز شرائه منه وقبول هبته ، ونحو ذلك مما يقع على المملوك حقيقة وعن جامع المقاصد أن عليه في شرائه منه إجماع فقهاء الإمامية ، والاخبار المتواترة (١).

وفي مصابيح العلامة الطباطبائي أن عليه إجماع علمائنا ، وروايات أصحابنا وفي قاطعة اللجاج الإجماع مكررا على ذلك ، وفي المسالك أذن أئمتنا عليهم‌السلام في تناوله وأطبق عليه علمائنا ، ولا نعلم فيه مخالفا ، وفي محكي التنقيح وتعليق الإرشاد الإجماع عليه أي شراؤه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ و ٥٢ و ٥٣ من أبواب ما يكتسب به.

١٨٠