جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( المقدمة السابعة في الأذان والإقامة )

الأذان لغة الاعلام وإن فسر بالنداء المستلزم له في قوله تعالى (١) ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ ) من « أذن يؤذن » وقد يمد للتعدية كقراءة المد في قوله تعالى (٢) : ( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ ) أي من ورائكم ، أو من « آذن » بالمد فيكون أصله الإئذان كالأمان بمعنى الايمان والعطاء بمعنى الإعطاء ، أو من « أذن يؤذن » بالتضعيف بمعنى التأذين كسلام بمعنى التسليم وكلام بمعنى التكليم ، والإقامة مصدر أقام بالمكان ، والتاء عوض من عين الفعل ، لأن أصله إقوام مصدر أقام الشي‌ء بمعنى أدامه ، ومنه ( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) (٣) وشرعا الأقوال المخصوصة التي هي وحي من الله تعالى بالضرورة من مذهبنا ، وقال ابن أبي عقيل : إن الشيعة أجمعت على أن الصادق عليه‌السلام لعن قوما زعموا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الأذان من عبد الله بن زيد ، فقال (٤) : « ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد » معرضا‌

__________________

(١) سورة الحج ـ الآية ٢٨.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٢٧٩.

(٣) سورة المائدة ـ الآية ٦٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

٢

بذلك لما أطبق عليه العامة العمياء من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذه من رؤيا عبد الله بن زيد في منامه.

وعلى كل حال فهما من السنن الأكيدة للصلاة حتى ورد في‌ موثق عمار (١) « لا صلاة إلا بأذان وإقامة » كما أن الأذان منهما يشرع أيضا للاعلام بدخول الوقت بل عن ظاهر جماعة وصريح آخرين أن أصل شرعيته ذلك ، وان شرعيته في القضاء للنص (٢) وإن كان قد يناقش فيه بأن النصوص (٣) مستفيضة أو متواترة في الدلالة على أن شرعيته للصلاة أيضا مع قطع النظر عن الاعلام ، كما أنها ظاهرة في ندبه للاعلام مع قطع النظر عن الصلاة ، كما تسمع جملة من النصوص في تضاعيف الباب دالة على ذلك ، فالأولى حينئذ جعل الأصل في مشروعيته الصلاة والاعلام كما صرح به العلامة الطباطبائي بقوله :

وما له الأذان بالأصل رسم

شيئان : إعلام وفرض قد علم

وان استحب هو أو مع الإقامة في مواضع أخر تعرفها فيما يأتي إن شاء الله ، فما عساه يظهر من حواشي الشهيد ـ من أنه انما هو مشروع للصلاة خاصة ، والاعلام تابع وليس بلازم ـ لا يخلو من نظر ، قال : « هو عند العامة من سنن الصلاة والاعلام بدخول الوقت ، وعندنا هو من سنن الصلاة ومقدماتها المستحبة ، والاعلام تابع وليس بلازم ، وتظهر الفائدة في القضاء وفي أذان المرأة ، فعلى قولهم : لا يؤذن القاضي ولا المرأة ، لأنه للإعلام ، وعلى قولنا : يؤذنان وتسر المرأة به » وهو كما ترى ، نعم لا ارتباط لأحدهما بالآخر ، فلا تتوقف الفائدة المزبورة على تابعية الاعلام ، ولعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

٣

مراده الرد على ما حكاه عن العامة بعد أن فهم منهم اعتبار الاجتماع فيهما ، وإلا فمن المستبعد إنكاره مشروعية الأذان للإعلام مستقلا عن الصلاة مع جريان السيرة القطعية به واستفادته من المستفيض من النصوص ، كصحيح معاوية بن وهب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أذن في مصر من أمصار المسلمين وجبت له الجنة » وغيره من الأخبار (٢) الواردة في مدح المؤذنين المحرمة لحومهم على النار السابقين إلى الجنة ، بل هم فيها على المسك الأذفر ، وان من أذن منهم سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة ولا ذنب له ، وان للمؤذن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله ، بل المؤذن المحتسب كالشاهر سيفه في سبيل الله المقاتل بين الصفين ، إلى غير ذلك مما جاء في الثواب المعد لهم مما يبهر العقول ، وحمل ذلك كله على مؤذني الصلاة في الجماعات في المساجد ونحوها لا داعي إليه بل مقطوع بعدمه ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في ذكره أحكام كل من الإعلامي والصلاتي باستقلاله ، فلا يعتبر في الأول الاتصال بالصلاة ، بل ولا نية القربة الصرفة ، بل ولا ترك الأجرة على إشكال ، ولا اللحن والتغيير في احتمال ، وانه لا يجوز أن يؤخر عن أول الوقت بخلاف الثاني إلى أن قال :

فافترق الأمر ان في الأحكام

فرقا خلا عن وصمة الإبهام

وقد تسمع فيما يأتي مزيد تحقيق لذلك إن شاء الله ، والله الموفق.

وكيف كان فـ ( النظر ) والبحث في الأذان والإقامة يقع في أربعة أشياء‌ الأول فيما يؤذن له ويقام‌ وهما أي الأذان والإقامة مشروعان للفرائض الخمس بإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١ وفي الوسائل « من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

٤

المسلمين ، بل لعله من ضروريات الدين والمشهور بين المتأخرين ، بل لعل عليه عامتهم انهما مستحبان في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء للمنفرد والجامع للرجل والمرأة لكن يشترط أن تسر المرأة ، وقيل والقائل السيد في الجمل ، والمفيد في المقنعة وكتاب أحكام النساء ، والشيخ في النهاية والمبسوط ، بل في كشف اللثام سائر كتبه عدا الخلاف ، وابن حمزة في الوسيلة ، والقاضي في المهذب وشرح الجمل ، وابن زهرة في الغنية ، وأبو الصلاح في الكافي ، والكيدري في الإصباح هما شرطان في الجماعة إلا أنه فيما عدا الأخيرين قيدوه بالرجال ، بل لعله المراد من إطلاقهما أيضا ، بل وإطلاق المصباح أن بهما تنعقد الجماعة خصوصا مع عدم تعارف انعقاد جماعة خاصة للنساء ، بل ربما قيل بعدم مشروعيتها لهن كما تسمعه مفصلا في بحث الجماعة ، فيتفق الجميع حينئذ ، ولذا نسبه القاضي إلى أكثر الأصحاب ، بل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه.

ولكن مع ذلك الأول أظهر للأصل واستصحاب حال عدم اعتبارهما الثابت قبل نزول جبرئيل بهما كما تسمعه من بعض النصوص (١) وإطلاق دليلي الجماعة والصلاة ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر الحسن بن زياد (٢) : « إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة » وصحيح علي بن رئاب (٣) المروي عن قرب الاسناد للحميري انه سأله فقال : « تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد تجزينا إقامة بغير أذان قال : نعم » متمما بما عن المختلف من الإجماع المركب على استحبابهما أو وجوبهما ، وأن القول بوجوب الإقامة خاصة خرق للإجماع المركب ومعتضدا بما ستعرفه من إطلاق دليل استحباب الأذان بل والإقامة الظاهر في تناول الجماعة التي كانت من المتعارف في ذلك الزمان ، بل لعل الانفراد كان من النادر متمما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٠.

٥

ما يحتاج منه إلى ذلك بالإجماع المزبور.

بل إن أراد المشترط المذكور الاشتراط حتى مع سماع أذان الجار ، وسماع الإمام أذان غيره ، وللمؤتم في فرضين بفرض واحد للإمام ، وللجامع بين الفرضين وفي الظلمة والريح والمطر كانت النصوص الدالة على سقوط الأذان والإقامة في هذه الأحوال حجة عليه ، ففي‌ خبر أبي مريم الأنصاري (١) ان الباقر عليه‌السلام أم قوما بلا أذان ولا إقامة فسئل عن ذلك فقال : « إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » وخبر‌ عمر بن خالد (٢) عن الباقر عليه‌السلام « انه سمع إقامة جاره فقال : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، فقال : يجزيكم أذان جاركم ».

وقد دلت النصوص (٣) المقبولة عند الأصحاب على جواز ايتمام المسافر في ظهره وعصره بظهر الامام ، ومغربه وعشائه بعشاء الامام ، وفي‌ صحيح أبي عبيدة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء ثم انصرفوا » وفي‌ صحيح رهط منهم الفضيل وزرارة (٥) عن الباقر عليه‌السلام أيضا « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين » إلى غير ذلك من النصوص التي إن لم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣ وروى في الوسائل عن عمرو بن خالد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ و ٦ والباب ٥٣ ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

٦

يلتزم تقييد دعواه بها كانت حجة عليه ، بل لا يبعد انقداح الاستحباب من هذا التسامح فيها ، بل قد يظهر من خصوص الأولين أن الحاضرين لم يكن معلوما عندهم الوجوب ، ولذا ما بادروا جميعهم إلى السؤال والاستفسار ، بل قد يشم أيضا من نصوص (١) الصف والصفين ندب الأذان أيضا باعتبار ظهورها في أن من صلى بإقامة بلا أذان صلى معه صف من الملائكة ، ولولا أن صلاته قابلة للايتمام لم يؤتم به الملائكة.

بل إن أراد هذا المشترط بطلان صلاة من أراد الائتمام بالمتلبس في صلاته منفردا حتى يؤذن ويقيم ، أو لا يجزيه أيضا ذلك باعتبار عدمهما ممن أراد الائتمام به إذا فرض أن صلاته كانت بدونهما ، أو باعتبار أن ما وقع منه سابقا لا بعنوان الجماعة لا يجتزى به كانت السيرة القطعية والنصوص حجة عليه أيضا ، خصوصا إذا ضم مع ذلك بطلان صلاة الإمام بمجرد عروض الائتمام به في أثناء صلاته ، بل من المستبعد جدا التزام ذلك حتى قبل التلبس ، إذ لا تنقص حينئذ صلاة الإمام عن صلاة المنفرد ، ونية الإمامة غير لازمة ، وإن وقعت باطلة غير قادحة في صحة الصلاة ، إلى غير ذلك مما لا يخفى بأدنى تأمل وضوح فساد التزامه أو استبعاده ، بل كفى بإجمال موضوع هذا الدعوى في بطلانها ، بل لعل فيها إجمالا من جهة أخرى ، وهي أنه لم يعلم إرادة الوجوب التعبدي أو الشرطي.

بل يمكن إرادة المشترط أن ذلك شرط في فضيلة الجماعة لا صحتها المستلزمة لبطلان الصلاة ، قال في الدروس : « من أوجب الأذان في الجماعة لم يرد أنه شرط في الصحة بل في ثواب الجماعة ، وكان مراده ما يشمل الإقامة من الأذان » فيوافق حينئذ ما عن المهذب البارع وكشف الالتباس وحاشية الميسي من أن من أوجبهما في الجماعة أراد أنهما شرط في ثوابها لا في صحتها ، بل عن المبسوط الذي هو أحد ما نسب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

٧

اليه الوجوب ، بل لعله العمدة أنه بعد نصه على وجوبهما في الجماعة قال ما نصه : « ومتى صليت جماعة بغير أذان ولا إقامة لم تحصل فضيلة الجماعة ، والصلاة ماضية » بل لعله المراد أيضا مما عن النهاية من أن من تركهما فلا جماعة له ، والمصباح « بهما تنعقد الجماعة » ومثله نقل عن الكافي.

بل لعل المراد عدم فضيلة الجماعة المشتملة عليهما ، وإلا ففيها فضل أيضا ، لإطلاق دليل استحباب الجماعة الذي لم يصلح ما هنا لتقييده ، إذ هو ليس إلا‌ خبر أبي بصير (١) سأل أحدهما (ع) « أيجزي أذان واحد؟ قال : إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلا الفجر والمغرب ، فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات » المعلوم ضعف سنده ، ولا جابر يعتد به محقق ، خصوصا وقد سمعت غير مرة احتمال عدم تحكيم المقيد على المطلق في المندوبات ، بل يحمل على إرادة المستحب في المستحب.

وأضعف من ذلك الاستدلال به على الوجوب التعبدي أو الشرطي ، ضرورة ظهوره في إرادة الاجزاء في الفضل والندب بقرينة ما ستعرف من ثبوت استحبابهما للمنفرد ، مع أنه عبر فيه بالأجزاء أيضا ، بل لعل قوله عليه‌السلام فيه : « فإنه ينبغي » إلى آخره. مشعر بإرادة ذلك منه كالتعليل ، واحتمال إرادة أقل الواجب منه بالنسبة إلى الجماعة دون غيرها يدفعه أنه قد وقع منه عليه‌السلام جوابا لسؤال واحد عبر فيه بلفظ الاجزاء ، فمن المستبعد بل الممنوع بعد مراعاة مطابقة الجواب للسؤال إرادة ذلك منه ، خصوصا وظهور لفظ الاجزاء في الواجب انما هو من جهة‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٧ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١ وذيله في الباب ٦ منها ـ الحديث ٧.

٨

ـ غلبة الاستعمال ونحوها ، فبأدنى قرينة يرتفع الوثوق بإرادة ذلك فضلا عما سمعته مما ذكرناه من أدلة الندب التي يمكن دعوى القطع بملاحظتها أن المراد منه ذلك ، بل وعن‌ موثق عمار (١) « سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ فقال : لا ولكن يؤذن ويقيم » خصوصا بعد تضمن خبر أبي مريم (٢) وعمر بن خالد (٣) السابقين الاجتزاء بسماع الإمام أذان الغير من الجار وغيره ، فأذانه أولى ، ونية الفرادى والجماعة لا مدخلية لها ، ولا استفصال في الخبر أن الامام هو الذي أذن سابقا أو لا ، مضافا إلى ما سمعته من أدلة الندب السابقة.

فلا ريب حينئذ في إرادة ذلك من نفي الجواز ، ومفهوم‌ صحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام « ان أباه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن » لا يقتضي سوى فعل الأذان منه الذي هو أعم من الوجوب ، فلا يعارض أدلة الندب حينئذ ، كما أنه مما ذكرنا يعلم المراد من مفهوم‌ صحيح ابن سنان (٥) « يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان » وأنه نفي الاجزاء في الفضل والندب ، ودعوى أن الجماعة هيئة متلقاة من الشرع فيقتصر فيها على المتيقن يدفعها منع انحصار المتيقن فيه أولا ، ومنع وجوب مراعاته بعد ظهور الأدلة ولو الإطلاق منها في الأعم.

فظهر حينئذ أنه لا مناص عن القول بعدم الوجوب تعبدا أو شرطا في صلاة الامام والمأموم أو المأموم خاصة كباقي شرائط الجماعة.

وأولى من ذلك بذلك جماعة النساء بناء على انعقاد جماعة لهن ، للشك في جريان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

٩

قاعدة الاشتراك هنا ، خصوصا بعد أن‌ سأل عبد الله بن سنان (١) الصادق عليه‌السلام « عن المرأة تؤذن للصلاة فقال عليه‌السلام ـ في جوابه ولم يستفصل ـ : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وزرارة (٢) في الصحيح أيضا الباقر عليه‌السلام « النساء عليهن أذان فقال : إذا شهدت الشهادتين فحسبها » وجميل بن دراج (٣) الصادق عليه‌السلام في الصحيح أيضا « عن المرأة عليها أذان وإقامة فقال : لا » ونحوه في‌ وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام المروي عن العلل (٤) بل قال أبو مريم الأنصاري (٥) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إقامة المرأة أن تكبر وتشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا (ص) عبده ورسوله » وأرسل في الفقيه (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة » ومن هنا قيد من عرفت بجماعة الرجال ، والمتجه على المختار الفرق بينهما بالتأكد وعدمه في الجماعة وغيرها ، كما أن المتجه تفاوت الأذان والإقامة في التأكد وعدمه من حيث الجماعة ، لظاهر النصوص السابقة التي منها ما يظهر منه أن الأذان لأجل اجتماع المأمومين ، وإلا فلو كانوا حاضرين مجتمعين لم يشرع ، بل ستعرف تفاوتهما في ذلك في الفرادى أيضا. ولو كان الامام رجلا والمأمومون نساء ففي إلحاق ذلك بجماعة الرجال أو النساء وجهان ، أقواهما الثاني على تقدير الوجوب ، للأصل مع خروج الفرض عن مقتضى الدليلين ، بل وعلى المختار أيضا بالنسبة إلى تأكد الجماعة وعدمه ، فتأمل هذا.

ومن الغريب اقتصار المصنف هنا على نقل القول بالوجوب للجماعة خاصة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧ وروى في الوسائل عن الفقيه.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

١٠

بين الأقوال مع أن القول بوجوب الإقامة في جميع الصلوات أقوى منه قطعا ، وقد ذهب اليه المرتضى والحسن بن عيسى والكاتب كما قيل ، بل صرح الحسن منهم ببطلان صلاة من تركها عمدا ، كما أن المرتضى والكاتب على ما قيل صرحا بتقييد ذلك بالرجال نظرا إلى النصوص المزبورة ، ولعله مراد الحسن أيضا استبعادا لارتكابه طرح النصوص السابقة بقاعدة الاشتراك ونحوها.

وعلى كل حال فقد مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين كالمجلسي والأستاذ الأكبر والمحدث البحراني ، بل جزم به الأخير ، بل في منظومة الطباطبائي :

والقول بالوجوب فيهما وفي

جماعة وللرجال ضعف

ولا كذا الوجوب في الإقامة

عليهم للنص ذي السلامة

لذاك أفتى بالوجوب السيد

وأنه لو لا الشذوذ جيد

كل ذلك لاستفاضة النصوص في الدلالة على وجوبها في الفرائض ، بل قد يدعى تواترها على اختلاف كيفية الدلالة فيها ، منها ما تقدم من التعبير باجزاء الإقامة المشعر بكونه أقل المجزي من الواجب ، ومنها ما تسمعه إن شاء الله عن قريب ، ومنها ما يأتي إن شاء الله في من دخل (١) في الصلاة مع نسيان الإقامة ، ومنها ما دل (٢) على أن الإقامة من الصلاة وأنه يحرم بعدها الكلام.

ولا معارض لذلك فيها سوى‌ صحيح زرارة أو خبره (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال : فليمض في صلاته ، فإنما الأذان سنة » بناء على إرادة الندب من السنة فيه ، وما يشمل الإقامة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١١

من الأذان فيه ليطابق السؤال ، ولإطلاق لفظ الأذان عليهما في جملة من النصوص (١) أو على ما تسمعه من المختلف من الإجماع المركب ، إلا أنه قد يمنع الأول ويراد الواجب بالسنة ، فيكون التعليل موافقا لما ورد في غيره من النصوص (٢) المتضمنة لعدم إعادة الصلاة بنسيان القراءة والتشهد وغيرهما معللا ذلك فيها بأنها انما وجبت في السنة بخلاف نسيان الركوع والسجود ونحوهما مما دل على وجوبهما الكتاب.

اللهم إلا أن يقال : إنه مسلم فيما دخل في الصلاة من الأجزاء لا ما كان خارجا عنها مما هو كالشرائط ، فإنه لا فرق في إعادة الصلاة بنسيانه بين ما وجب بالسنة والكتاب ، فلا يتم التعليل حينئذ إلا مع إرادة الندب منه ، أو يقال : إن إرادة الوجوب بالسنة إن كان محتملا فهو في الإقامة دون الأذان المجمع على استحبابه في غير الفجر والمغرب والجماعة ، فلا محيص عن إرادة الندب حينئذ ، واحتمال كون المراد هنا من كونه سنة الثبوت بالسنة وجوبا أو ندبا ـ وكلاهما مشتركان في عدم إعادة الصلاة بنسيانهما وإن كان لا خصوصية في ذلك للندب السني ـ خلاف المتعارف من إطلاق لفظ السنة بلا قرينة.

وقد يناقش في الأول بمنع خروجهما أولا خصوصا الإقامة التي ورد فيها أنها من الصلاة ، وثانيا منع حصر الفرق بذلك في الأجزاء ، وفيهما معا خصوصا الأولى ما لا يخفى ، نعم قد يقال : إنه يكفي في رفع الدلالة اشتراك هذا اللفظ في المعنيين وتردده بين الأمرين ، وتعيين إرادة الندب منه بالشهرة ليس بأولى من تعيين المعنى الثاني جمعا بينه وئ بين باقي النصوص الدالة على الوجوب ، وفيه أيضا نظر واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧ و ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ من كتاب الصلاة.

١٢

وسوى ما في المدارك من خلو صحيح حماد (١) المتضمن تعليم الصلاة عنهما ، ولو كانت واجبة أو هي مع الأذان لذكر فيه ذلك ، وفيه أنه كما لا يخفى على من لاحظه انما هو في ذكر المندوبات وتعليمها ، وانها هي المراد من الحدود فيه واشتماله على الركوع والسجود ونحوهما انما هو لذكر المندوبات فيهما ، فلعل عدم ذكرهما فيه حينئذ مما يشعر بوجوبهما ، وإن كان الإنصاف أنه لا إشعار فيه بالوجوب ولا بالندب ، لأنه بصدد بيان المندوبات الخفية في نفس الأمر ، وهما على كل حال مع خروجهما عنها معروفان لا خفاء فيهما على الأقل من حماد فضلا عنه.

وسوى‌ خبر أبي بصير (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف يعيد صلاته قال : لا يعيدها ولا يعود لمثلها » بتقريب أن النهي عن العود يقضي بإرادة ما يشمل تعمد الترك من النسيان ، وفيه أنه يمكن إرادة النهي بذلك عن التفريط والتساهل المؤديين للنسيان غالبا.

وسوى تظافر النصوص في الدلالة على استحباب الأذان ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الرحمن (٣) : « يجزي في السفر إقامة بغير أذان » وسأله الحلبي (٤) في الصحيح « عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : نعم لا بأس به » إلى غير ذلك مما مر ويمر بك بعضه متمما ذلك بالإجماع المركب المحكي في المختلف الذي أذعن له جماعة ممن تأخر عنه ، بل ربما كان هو العمدة عند بعضهم في ثبوت المطلوب ، قال فيه : « إن علماءنا على قولين : أحدهما أن الأذان والإقامة سنتان في جميع المواطن ، والثاني أنهما واجبان في بعض الصلوات » فالقول باستحباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

١٣

الأذان مطلقا ووجوب الإقامة في بعضها خرق للإجماع ، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة « أن الأذان من وكيد السنن إجماعا » ونهاية الأحكام « ليس الأذان من فروض الأعيان إجماعا ولا من فروض الكفاية عند أكثر علمائنا » والخلاف « من فاتته صلوات يستحب له أن يؤذن ويقيم لكل صلاة إجماعا » متمما بعدم القول بالفصل بين الفوائت والحواضر ، والتذكرة « يستحب الأذان والإقامة للفوائت من الخمس كما يستحب للحاضرة عند علمائنا ».

وفيه أولا منع حصول الظن من مثل هذا الإجماع في مثل هذا المقام كما لا يخفى على من له أدنى درية ، خصوصا على التحقيق في أن طريقه في هذا الزمان ليس إلا الاتفاق الكاشف عن الرأي ، وإلا فلا قطع بدخول شخص إمام الزمان عليه‌السلام أو غيره ، بل القطع بعدم دخوله حاصل ، وكذا لا ظن بالإجماعات المزبورة المحتملة لإرادة أصل المشروعية ، أو في الجملة أو عند القائلين بالندب أو غير ذلك مما سيقت لبيانه ، لا ما نحن فيه من وجوبه لخصوص الفجر والمغرب المعلوم تحقق الخلاف فيهما كالجماعة ، فلا حظ وتأمل ، وثانيا منع ثبوت استحباب الأذان مطلقا كي يلزم منه ذلك ، لوجوب الخروج عن الإطلاقات المزبورة بما دل من النصوص (١) على وجوبه في الفجر والمغرب الذي حكي عن المرتضى والكاتب والحسن الجزم به مصرحا الأخير منهم بالبطلان مع الترك ، وربما كان مراد الأولين أيضا استبعادا للوجوب التعبدي بعد ظهور الدليل في الشرطي ، قيل وزاد الأول الجمعة ، ولعله لازم الأخيرين بعد إيجابهما له في الجماعة كما عرفت الواجبة فيها ، كما حكي عنه التقييد بالرجال ، وربما كان مراد الأخيرين أيضا ، لما سمعته من نصوص (٢) النساء التي لا ريب في رجحانها على قاعدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

١٤

الاشتراك ، فتخص حينئذ بها ، بل وعلى نصوص الوجوب فيهما ، وإن كان التعارض في بعضها من وجه ، بل ربما نقل التصريح بالتقييد عن الكاتب منهما ، لكن حكى بعض الناس عن المرتضى التصريح بالتعميم للرجال والنساء ولم نتحققه ، بل المتحقق خلافه.

وعلى كل حال فمما يدل على الوجوب فيهما‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة ، وتفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان » والصادق عليه‌السلام في صحيح صفوان (٢) المروي عن العلل : « الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى ، ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر ، لأنه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر ، ويجزئك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل » وقوله عليه‌السلام أيضا للصباح بن سيابة (٣) : « لا تدع الأذان في الصلوات كلها ، فان تركته فلا تتركه في الفجر والمغرب ، فإنه ليس فيهما تقصير » وقوله عليه‌السلام في موثق سماعة (٤) : « لا تصل الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة ، ورخص في سائر الصلوات بالإقامة ، والأذان أفضل » وقوله عليه‌السلام أيضا في الصحيح عن ابن سنان (٥) : « يجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب » إلى غير ذلك ، فيقيد بها حينئذ إطلاق تلك الأدلة ، فلا يتم حينئذ استحباب الأذان مطلقا كي يتجه الإجماع المركب.

لكن قد يدفع ذلك بالمنع من صلاحية هذه النصوص لتقييد تلك الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا باعتبار ندرة الخلاف وانقراضه ، بل لعلها إجماع بملاحظة السيرة القطعية وكون الحكم مما تعم به البلية ، ومن المستبعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٤.

١٥

بل الممتنع خفاء الحكم فيه ، ورفع اليد عن ذلك بما سمعته من النصوص كما ترى ، خصوصا مع ضعف سند بعض نصوص التقييد ولا جابر ، والتعبير بلفظ « ينبغي » في خبر أبي بصير السابق (١) وخبر عمر بن يزيد (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال : ليس به بأس ، وما أحب أن يعتاد » وإمكان دعوى ظهور خبر الصباح منها في إرادة الكراهة من النهي الثاني ، أو بيان شدة التأكد بقرينة النهي الأول الذي هو بعض منه ، بل لا ينكر ظهور مثل هذا التعبير في ذلك عرفا ، بل لعل قول الباقر عليه‌السلام : « أدنى ما يجزي » إلى آخره ظاهر أيضا في إرادة الاجزاء في الفضل والندب ، ضرورة تقابله بالأكثر المراد منه ذلك قطعا ، بل هو المراد من اللابدية في صحيح صفوان كما يومي اليه التعليل بعدم التقصير الذي لا مدخلية له في تقصير الأذان بمعنى الاقتصار منه على الإقامة ، كما‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن (٣) : « يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة ، يجزي إقامة واحدة » بل يومي اليه أيضا الأفضلية في ذيله المشعرة بأن غيره ذو فضل ، وليس هو حينئذ إلا الندب ، ولذا جعله بعضهم من أدلة الندب ، ومثله موثق سماعة.

وبالجملة الخروج عن الإطلاقات المزبورة بمثل هذه النصوص كما ترى ، فلا ريب حينئذ في استحبابه فيهما كغيرهما من الفرائض التي لا نجد خلافا في عدم وجوبه فيها ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أن النصوص عموما وخصوصا مستفيضة فيه ، إلا أنه فيهما مؤكد للنصوص المذكورة ، فحينئذ يتم الإجماع المزبور من هذه الجهة ، بل قد عرفت إمكان دعوى البسيط منه ، إذ المخالف في الإقامة فيهما هو المخالف في الإقامة للجميع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

١٦

وهو نادر منقرض أيضا قد استقر المذهب فتوى وعملا على خلافه ، وبه حينئذ تقوى دلالة ما عرفت من النصوص عليه ، مضافا إلى الأصل حتى على القول بإجمال العبادة المقتضي لاعتبار المشكوك فيها ، ضرورة ظهور النصوص في حدوث الأذان والإقامة ، وأن الصلاة كانت بدونهما ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح منصور بن حازم (١) : « لما هبط جبرائيل عليه‌السلام بالأذان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان رأسه في حجر علي عليه‌السلام فأذن جبرائيل عليه‌السلام وأقام ، فلما انتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي ، سمعت قال : نعم ، قال : حفظت قال : نعم ، قال : ادع بلالا فعلمه ».

فيتجه حينئذ بناء عليه التمسك باستصحاب عدم اعتبار ذلك في صحتها ، على أنه لا يخفى ظهور هذا الصحيح في الندب أيضا باعتبار الاقتصار فيه على الأمر بتعليم بلال ، وعدم المبادرة منه ومن علي عليه‌السلام إلى بيان الوجوب للناس ، خصوصا وقد عرف بينهم خلو الصلاة عن ذلك ، كما أنه لا يخفى ظهور النصوص ـ (٢) المستفيضة أو المتواترة المروية من طرق الخاصة والعامة المتضمنة لبيان أن من صلى بأذان وإقامة صلى معه صفان من الملائكة ، ومن صلى بإقامة صلى معه صف ، وفي بعضها (٣) « ان حد الصف ما بين المشرق والمغرب » وفي آخر (٤) « ان أقله ما بين المشرق والمغرب ، وأكثره ما بين السماء والأرض » ـ فيه أيضا ، لكن في‌ خبر ابن أبي ليلى (٥) عن علي عليه‌السلام المروي عن ثواب الأعمال « ان من صلى بإقامة صلى خلفه ملك » ولعل المراد منه الجنس ، فلا ينافي الصف منهم ، كما يشهد له‌ قول الصادق عليه‌السلام في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

١٧

خبر المفضل بن عمر (١) المروي عن ثواب الأعمال أيضا انه : « من صلى بإقامة صلى خلفه ملك صفا واحدا » نعم قد ينافيه‌ قول الرضا عليه‌السلام في خبر العباس بن هلال (٢) : « من أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة ، وإن أقام بغير أذان صلى عن يمينه واحد وعن شماله واحد ، ثم قال : اغتنم الصفين » وخبر أبي ذر (٣) المروي عن المجالس مسندا اليه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قي يعني قفراء فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى أمر الله الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه ، يركعون لركوعه ، ويسجدون لسجوده ، ويؤمنون على دعائه ، يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه » والأمر سهل.

وعلى كل حال فلا ريب في ظهورها في المطلوب أولا باعتبار اشتمالها على الترغيب الذي تعارف استعماله في المندوبات بخلاف الواجبات التي يضم فيها معه الترهيب أيضا ، بل من هذا ينقدح قوة أخرى للقول بالندب ، لخلو النصوص كافة عن ذلك. وثانيا أنها صريحة أو كالصريحة في استحباب الأذان ، ضرورة ظهور قوله عليه‌السلام : « من صلى بإقامة » بعد قوله عليه‌السلام : « من صلى بأذان » في الاذن بتركه ، خصوصا مع الأمر باغتنام الصفين ، ومنه يظهر إرادة الندب أيضا في الخطاب الثاني ، إذ هما كالعبارة الواحدة ، بل من المستبعد أو الممتنع التعبير بنحو ذلك مع الاختلاف في الوجوب والندب. وثالثا أنه لا ينكر ظهورها في أن عدم الإقامة انما يؤثر عدم ايتمام الملائكة ، ولا دليل على اشتراط صحة الصلاة بذلك ، بل إطلاق الأدلة يقتضي خلافه ، فيكون المراد من مفهوم الشرط حينئذ أن من صلى بدونهما صلى وحده كما رواه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢ وفي النسخة الأصلية مفضل بن عمرو والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

١٨

العامة في نصوصهم ، بل قيل : إنهم رووا أيضا نصوصا أخر صريحة في ندبهما ، مضافا إلى ما عن فقه الرضا عليه‌السلام (١) انهما من السنن اللازمة وليستا بفريضة.

كل ذلك مع أن أكثر نصوص (٢) وجوب الإقامة انما هو للتعبير فيها بلفظ الاجزاء والرخصة ونحوهما مما هو ظاهر في الوجوب ، وفيه أولا منع ذلك في زمانهم عليهم‌السلام ، بل المراد منه فيه الاكتفاء الشامل للندب والوجوب كما لا يخفى على المتتبع نصوصهم عليهم‌السلام. وثانيا في خصوص المقام المعبر فيه تارة بهما وأخرى بلفظ الاكتفاء ، بل لا يخفى على المتأمل في النصوص هنا كثرة التعبير بلفظ الاجزاء في معلوم الندبية ، وما ذاك إلا لشدة تأكد الندب المقتضية لنحو هذا التعبير ، وإلا فمقتضاه أنه هو أقل المجزي وأكثره الفرد الآخر ، وليس هنا إلا الأذان معها ، والفرض أنه مندوب ، فيتعين إرادة أنه الأكثر إجزاء في الفضل ، فيكون الأقل أيضا كذلك ، كما أن لفظ الرخصة يقتضي كون الأصل الأذان معها أيضا ، ومن المعلوم أن أصالته إنما هي في تمام الفضل لا في الوجوب ، فتتبعه الرخصة حينئذ ، لا أقل من أن يتعين إرادة ذلك هنا بما سمعته من شواهد الندب من الشهرة العظيمة أو الإجماع وغيرها.

ومنه يظهر ضعف القول بالوجوب جدا ، ضرورة كون معظم أدلته ذلك ، وإلا فالأمر بالإقامة على وجه يظهر منه الوجوب قليل في النصوص ، ففي‌ خبر علي بن جعفر (٣) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (ع) « عن المؤذن يحدث في أذانه وفي إقامته فقال : إن كان الحدث في الأذان فلا بأس ، وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة » وهو كما ترى في بيان شرطية الطهارة لا بيان وجوبها ، كالأمر بها عند نسيانها في جملة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

١٩

من النصوص (١) المختلفة في تقييد ذلك بما قبل الركوع أو القراءة أو غيرهما ، ضرورة كون المراد منه الرخصة ، لأنه في مقام توهم الحظر ، ولذا أمر في جملة (٢) منها بالأذان معها عند فرض السؤال عن نسيانهما ، فلاحظ وتأمل ، بل قيل : إن شدة اختلاف هذه النصوص في الإعادة وعدمها وفي تقييدها بما قبل الركوع وعدمه وغير ذلك مما يومي إلى الندب ، كايماء ما دل (٣) على إجزاء طاق طاق في الإقامة أو مع الأذان في السفر أو مطلقا ، إذ القائل بالوجوب ظاهره الإطلاق.

بل قد يومي اليه أيضا ما سمعته من نصوص (٤) نفي كونهما على النساء المشعر بكونهما على الرجال ، ومن المعلوم إرادة تأكد الندب من علاوة الأذان عليهم ، فالإقامة كذلك ، لأنهما بلفظ واحد ، بل ذكر جملة من المندوبات معهما فيه إيماء آخر ، إلى غير ذلك مما تومئ اليه النصوص منجبرا بالشهرة العظيمة ، وقول الصادق عليه‌السلام لأبي هارون المكفوف (٥) : « يا أبا هارون الإقامة من الصلاة ، فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تؤم بيدك » ـ مع أنه معارض بنفي البأس عن الكلام بعدها في غيره من النصوص (٦) ـ يراد منه شدة التأكيد في عدم فعل شي‌ء من منافيات الصلاة بعدها ، لا أنه بعض منها حقيقة ، ضرورة معلومية أن افتتاح الصلاة التكبير واختتامها التسليم ، ولذا كانت النية عنده لا عندها كما هو واضح لا يحتاج إلى مزيد إطناب ، على أن بعضية الصلاة أعم من الوجوب ، فان كثيرا من المندوبات كالقنوت ونحوه بعضها : أي بعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣ و ٦ و ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩ و ١٠ و ١٣.

٢٠