جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولذلك كله قال : في الرياض ان عليه الإجماع المستفيض ، ضرورة عدم استقامة تعيش الإنسان بدون نماء الأراضي والغرس فيها ، والفرض أن جميعها بأيديهم ، قلت بل لا ينكر حصول القطع به بملاحظة السيرة القطعية من العوام والعلماء في سائر الأعصار والأمصار في الدولة الأموية والعباسية وما تأخر عنهما ، وملاحظة العسر والحرج والضرر في التكليف باجتنابه بل هو شبه التكليف بما لا يطاق ، وملاحظة النصوص التي يمكن دعوى تواترها ، المفرقة في أبواب الخمس (١) والزكاة (٢) والجهاد (٣) وإحياء الموات (٤) والمقام (٥) بل والمسألة السابقة (٦) إذ من المعلوم كون جل جوائزهم من الخراج ، خصوصا ما كان يرسله معاوية إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام وخصوصا ما كان يجبيه أبو بكر وعمر وعثمان ويفرقه في الصحابة.

بل لعله المسألة من الضروريات التي لا يحتاج في إثباتها إلى الاستدلال بالروايات ، ولعل وقوع ذلك من المحقق الكركي وغيره ممن تأخر عنه ، لغفلة بعض من عاصره عن ذلك ، منهم الشيخ إبراهيم بن سليمان الجبلي أصلا الحلي مسكنا ، فادعى تحريمه ، وربما تبعه المقدس الأردبيلي حتى احتاج إلى عمل رسالة في المسألة ، أكثر فيها من الشكوى والتظلم منهم ، ومن دعواهم العلم ، وانهم ليسوا من أهله ، وسماه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ و ١٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب أحكام زكاة الغلات.

(٣) الوسائل الباب ٧١ و ٧٢ من أبواب جهاد العدو.

(٤) الوسائل الباب ١ و٣ من أبواب إحياء الموات.

(٥) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به.

١٨١

بقاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج ، كما أنه يحكى عن الشيخ إبراهيم المزبور عمل رسالة أيضا بعكسها ، وأنه أساء الأدب فيها مع المحقق المذكور ، ولنعم ما يحكى عن المجلسي من القول فيهما بعد أن اثنى عليهما في كل شجر نار واستمجد المزح والعقار وهذا وشبهه ، هو الذي دعى إلى التطويل في المسألة وإلا فهي أوضح من ذلك ، وكم مسألة ضرورية صارت نظرية ، بسبق الشبهة إلى بعض الأوهام ، ومن الغريب استنادهم في ذلك إلى كونه ظالما غاصبا آثما في القبض والدفع وغير ذلك من تصرفاته ، فكيف يتصور حل التناول منه.

إذ لا يخفى عليك أنه لا ينافي الإذن ممن له الأمر في حل التناول منه ، وإن حرم هو عليه الدفع وغيره من التصرفات ، فلو أجاز جائزة مثلا من الخراج ملكها المجاز ، وإن أثم المجيز بإجازته بل لو باع منه شيئا ملكه المشتري وإن أثم البائع في دفعه لعدم سلطنة له في الإقباض فتترتب الآثار حينئذ بالإجازة لنا من أئمتنا عليهم‌السلام الذين هم ولاة الأمر ، وهي لا تنافي الإثم بالنسبة إلى الجائر ، كما لا ينافي إجازة المالك عقد الغاصب ، بقاء الإثم عليه في غصبه ، فمن الغريب الاعراض عما عرفت مما يفيد بعضه اليقين بذلك ، فضلا عن جميعه ، لهذه الشبهة التي كادت تكون من الاجتهاد في مقابلة النص أو في مقابلة الضرورة التي قد عرفت ، وكان منشأها أن الأئمة عليهم‌السلام لما علموا انتفاء تسلط سلطان العدل ، إلى زمن القائم عليه‌السلام ، وعلموا أن للمسلمين حقوقا في الأراضي المفتوحة عنوة ، وعلموا أنه لا يتيسر لهم الوصول إلى حقوقهم ، في تلك المدة المتطاولة ، إلا بالتوسل والتوصل إلى السلاطين والأمراء ، حكموا بجواز الأخذ منهم ، إذ في تحريم ذلك حرج وغضاضة عليهم ، وتفويت لحقوقهم بالكلية ، بل قد عرفت أنه لا يمكن التعيش‌

١٨٢

مع إطلاق تحريم التعرض له ، هذا كله مضافا إلى النصوص في المقام كخبر الحذاء (١) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن الرجل يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها ، وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال : فقال : ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك ، لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه ، قيل فما ترى في مصدق يجيئنا القاسم فيأخذ صدقات أغنامنا ، فنقول : بعناها فيبيعنا إياها ، فما ترى في شرائها منه؟ فقال : إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس فقيل : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ، ويأخذ حظه ، فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال : إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك ، فلا بأس بشرائه منه بغير كيل »

والمناقشة في الدلالة أولا بمنعها على إباحة الخراج والمقاسمة ، فإن غايتها الدلالة على حكم الزكاة خاصة ، وثانيا بانتفائها أيضا للإجمال في الجواب ، عن إباحتها بقوله : لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه المحتمل لأن يراد منه الكناية عن عدم إباحتها ، بناء على معلومية حرمتها إجماعا ، وبكون المنشأ في الإجمال هو التقية ، وثالثا باحتمال كون المصدق من قبل العدل ، ورابعا باحتمال الشراء فيه ، الاستنقاء لا المعاملة الحقيقية ، بناء على كون متعلقها فيه صدقات المشترين خاصة ، مدفوعة بظهور لفظ القاسم في كون المأخوذ مال المقاسمة سيما في مقابلة لفظ المصدق مع مضي السؤال عن حكم المسؤول ، عن حكمه هنا في الصدر المشعر بل الظاهر أنه غير الأول ، ويتم الباقي بعدم القول بالفصل ، وبانتفاء الاجمال بعد تعلق السؤال ، بخصوص إبل الصدقة ، ووجوب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٥.

١٨٣

مطابقة الجواب له ، وإرجاع ضميره إليه ، ولا ينافيه تعليق الإباحة وتحديدها بعدم معلومية الحرمة ، بعد تضمن السؤال إياها فيما زاد على الصدقة المفروضة ، فيكون حاصل الجواب حل شراء الصدقة إذا لم تعلم فيها الزيادة المحرمة ، التي تضمنها السؤال ، لإمكان كونها معزولة

وسياق الرواية يأبى عن حمل الإجمال فيها لو كان على التقية والثالث والرابع يبعدهما غاية ، سيما الأول بملاحظة حال الأئمة عليهم‌السلام ويدفع الثاني مضافا إلى البعد الماضي بأن صدرها كالصريح في كون المبيع غير المشتري ، كما أن المناقشة فيها باختصاصها بالشراء ، يدفعها ما عرفته من عدم الفرق بينه وبين غيره عند الأصحاب ، بل عن جامع المقاصد لا فرق بين قبض الجائر لها وإحالته بها إجماعا ، وفي الرياض ويستفاد من النصوص صريحا في بعض وإطلاقا أو عموما في آخر ما ذكره الأصحاب من غير خلاف ، يظهر من عدم الفرق في الحكم بين الشراء وغيره من سائر المعاوضات والمعاملات ، وقبض الجائر أو وكيله لها وعدمه ، فلو وهبها أو احاله بها وقبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول ، لان دليل الإباحة شامل لهذه الصور المفروضة ، وعلى ذلك يحمل الشراء والأخذ في العبارة وغيرها ، من كلام جماعة ويؤيد العموم ما اتخذ دليلا في أصل المسألة من استلزام عدم الإباحة العسر والحرج على الشيعة المنفيين آية (١) ورواية (٢) قلت : فما عن السيد العميد في شرح النافع من‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب الماء المطلق الحديث ١٤ والمضاف الحديث ٥.

١٨٤

أنه إنما يحل بعد قبض السلطان أو نائبه ولذا قال المصنف : يأخذه واضح الفساد ، كالمحكي عنه أيضا من عدم جواز شراء غير المقاسمة ، وأنه لا يجوز الضمان من الجائر وقد عرفت وتعرف أيضا تطابق النصوص والفتاوى على خلائه ومعاقد الإجماعات.

ومنها‌ الحسن (١) « ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطي الناس » ثم قال : للراوي لم تركت عطاؤك؟ قال : مخافة على ديني قال : ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطاك أما علم ان لك في بيت المال نصيبا » وهو مع حسنه واحتمال صحته واضح الدلالة ، من حيث تجويزها أولا لشباب الشيعة أخذ ما يعطى الحاكم الناس المعينين له ، ومن جملة ما يعطونه وجوه الخراج والمقاسمة وثانيا للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماعهما فيه لندرة الزكوات فان لها أربابا مخصوصة يعطون من دون إحراز لها فيه فاحتمالها فيه ضعيف ، وأضعف منه احتمال الوجوه الموصى بها أو المنذورة للشيعة ، فالمناقشة في الدلالة بما مر ضعيفة ، ومنها‌ الموثق (٢) « عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم فقال : يشتري منه ما لم يظلم فيه أحدا » وترك الاستفصال عما يشترى منه يفيد العموم ولجميع أفراد السؤال التي منها مفروض البحث ولا ينافيه القيد لاشتراطه فيه إجماعا.

وليس المراد من الظلم مطلقة ، كيف لا والعامل لا ينفك عنه مطلقا ، فالمراد منه الظلم الزائد على المتعارف عرفا ، وهو المستند في الشرط الذي قدمناه تبعا لأصحابنا ، وبالوجه في دلالته يعلم الوجه في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ٥٣ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

١٨٥

دلالة إطلاق النصوص المعتبرة ، بجواز الشراء من الظلمة من دون استفصال ، وتقييد بما يخرج عن مفروض المسئلة.

منها‌ الصحيح (١) « اشترى من العامل الشي‌ء وأنا أعلم انه يظلم فقال : اشتر منه » والمرسل كالصحيح (٢) « اشترى الطعام فيجيئني من يتظلم يقول : ظلمني فقال : اشتره » وينبغي تقييد الظلم فيها بعد العلم بوقوعه على المبيع ، أو بعدم زيادته عن متعارفة ولو وقع عليه ، ويكون نسبته إلى الحاكم حينئذ من حيث عدم استحقاقه لمثله ، وعلى هذا فهما ظاهران فيما ذكره الأصحاب ، من جواز الأخذ من المالك ولو تظلم أو أظهر عدم الرضا ، ومنها النصوص الدالة على جواز قبالة الخراج والجزية.

كصحيح إسماعيل بن فضل (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصايد والسمك والطير وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون أيشتريه ويتقبل به في أي زمان يشتريه ويتقبل منه فقال : إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره وتقبل به » والموثق (٤) « عنه أيضا في الرجل يتقبل بجزية رؤس الرجال ، وبخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري ولعله لا يكون » بأدنى تفاوت بل ظاهرهما أن غرض السائل متعلق بالسؤال من حيث أنه لا يدري يكون من ذلك شي‌ء أم لا ، ولهذا لم يذكر خراج الأرض فكأن أصل الجواز من حيث كون ذلك خراجا أمر مسلم عندهم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤ وذيله.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤ وذيله.

١٨٦

والصحيح (١) عنه أيضا أنه قال : في حديث « لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث قال : نعم لا بأس به وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر والخبر هو النصف » وهو كالصريح في أن حكم تصرف الجائر في هذه الأراضي حكم تصرف الامام العادل.

وصحيح (٢) إسماعيل بن الفضل « سألته عن رجل استأجر من السلطان أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ثم أجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر فله ذلك ، قال : نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك قال : وسئلته عن رجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماه أو بطعام معلوم فيؤجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي‌ء معلوم فيكون له فيما استأجره من السلطان ولا ينقص شيئا أو يؤاجر تلك الأرض قطعا قطعا على أن يعطيهم البذر والنفقة فيكون له في ذلك فضل على إجارته وله تربية الأرض أو ليست له فقال : إذا استأجرت أرضا فأنفقت شيئا أو زرعت فلا بأس بما ذكرت » وخبر الفيض بن المختار (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أؤاجرها أكرتي على أن ما أخرجه الله تعالى منها من كل شي‌ء لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان قال : لا بأس به ، كذلك أعامل أكرتي.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من أبواب أحكام المزارعة ذكر صدره في ذيل حديث ٣ وذيله في باب ٨ حديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ٣ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ٥.

١٨٧

وفي خبر (١) زرارة « اشترى ضريس بن عبد الملك واخوه من هبيرة أرزا بثلثمائة قال : فقلت له ويلك ويلك أو ويحك أنظر إلى خمس هذا المال فابعث به إليه واحتبس الباقي فأبى علي ، قال : فادى المال وقدم هؤلاء فذهب أمر بني أمية قال : فقلت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : مبادرة للجواب هو له هو له فقلت : له إنه قد أداها فعض على إصبعه » إلى غير ذلك من النصوص التي لا يمكن استقصاؤها.

مضافا إلى نصوص الجوائز (٢) التي تقدمت سابقا الشاملة بإطلاقها لما كان من الخراج وغيره ، بل الغالب كونه منه ، وإلى فحوى التعليل بطيب الولادة فيما ورد من النصوص المتواترة في تحليل حقهم من الخمس الذي في أيدي المخالفين ، بل فيها ما يقتضي التحليل مطلقا من غير فرق بين ما كان عينه لهم وبين ما كان لهم ولاية التصرف فيه من الخراج ، وغيره‌ قال : أبو جعفر عليه‌السلام في خبر الثمالي (٣) المروي في المقنعة « من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال ، وما حرمناه من ذلك فهو حرام ، والناس يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك ».

ونحوه عن‌ الصادق عليه‌السلام في خبر داود الرقي (٤) وخبر المعلى ابن خنيس (٥) « قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام ما لكم من هذه الأرض فتبسم ، ثم قال : إن الله بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ٧.

(٥) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ١٧.

١٨٨

الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت أو استقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدونا منه شي‌ء ، إلا ما غصب عليه وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه ، يعني ما بين السماء والأرض ، ثم تلا هذه الآية ( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) ، المغصوبين عليها ( خالِصَةً ) لهم ( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) بلا غصب ».

وقال أيضا في صحيح (١) الفضلاء « قال : أمير المؤمنين عليه‌السلام هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا وان شيعتنا من ذلك وآباؤهم في حل » وخبر أبي خديجة (٢) « قال رجل وأنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال له رجل ليس يسألك أن يتعرض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه ، فقال : هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحي ، وما توالد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة ، وما لأحد عندنا عهد ، ولا لأحد عندنا ميثاق » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب من وجوه المذكورة في باب الخمس ، وغيره من أبواب الفقه المشتمل بعضها على إباحة الفي‌ء ، والخمس الذي يكون في أيدي المخالفين.

ومنها يعلم أن الأذن في ذلك للشيعة خاصته دون غيرهم ، وليس هو من الأحكام الشرعية التي لا فرق فيها بين المؤمن وغيره بل هو من الاذن والرخصة التي ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن ، مع قطع النظر عن النصوص المخصوصة ، ومن الغريب ما سمعته سابقا من احتمال حله للسلطان ، لأنه كالجعل له على حماية بيضة الإسلام ، إذ هو كما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

١٨٩

ترى يمكن كونه مخالفا للضرورة من المذهب ، من حرمته عليه لأنه غاصب ظالم.

بل قد عرفت أن الأقوى ذلك أيضا بالنسبة إلى المخالفين لما في سمعت ، فما في شرح الأستاد من الإشكال في ذلك في غير محله فيعامل حينئذ ما وقع في أيديهم من ذلك معاملته في يد السلطان وعماله من كونه حلالا للمتناول من الشيعة وحراما على غيره ، نعم ظاهر الاذن عدم الفرق بين الأخذ مما قبضه منه بيده بهبة أو شراء أو غيرهما وبين أخذه ممن في ذمته بأمره ، بتحويل أو غيره وأنه معامل في ذلك معاملة سلطان العدل ، بل ربما كان الظاهر معاملته فيه معاملة الملاك في أملاكهم فكل تصرف منه فيه على حسب تصرفه في أملاكه قد أذن لنا أئمتنا عليهم‌السلام في إجراء الحكم عليه كما عرفت وتعرف إنشاء الله.

إنما الكلام في اختصاص الاذن المزبور إذا كان السلطان من المخالفين ، أو يعمه والموافق قال : في المسالك الظاهر ان الحكم مختص بالجائر المخالف للحق نظرا إلى معتقدة واستحقاقه ذلك عندهم ، فلو كان مؤمنا لم يحل أخذ ما يأخذه منها ، لاعترافه بكونه ظالما فيه ، وإنما المرجع إلى رأي الحاكم الشرعي ، مع احتمال الجواز مطلقا نظرا إلى إطلاق النص والفتوى ، ووجه التقييد أصالة المنع إلا ما أخرجه الدليل وتناوله للمخالف متحقق والمسئول عنه الأئمة إذا كان مخالفا للحق ، فيبقى الباقي وإن وجد مطلقا فالقرائن دالة على إرادة المخالف منه التفاتا إلى الواقع ، والغالب.

وفيه مضافا إلى ما اعترف به من اقتضاء إطلاق النص والفتوى العموم أن الإباحة إنما هي لرفع الحرج والضرر ، وتوصل الشيعة إلى حقوقهم الثابتة في بيت مال المسلمين كما يشعر به الحسن السابق ، فلا‌

١٩٠

تختص حينئذ بالمخالف واعتقاده الإباحة جهلا غير مؤثر في جواز الأخذ منه ولو أثر لمكان تأثيره في تسويغه بالنسبة إليه أولى واختصاص السؤال لا يوجب تخصيص الجواب ، مع فرض عمومه على أن أكثر النصوص خالية عن السؤال أو السؤال المخصوص ، وتحقق القرينة الصارفة عن إرادة العموم غير معلوم ، أو معلوم عدمه.

ولقد أجاد الأستاد في شرحه في تفسيره الجائر بالمتغلب بجنوده ، واتباعه ذا طبل أو جمعة ، أو عيدا ولا فرعا أو أصيلا مؤمنا أو مخالفا مستحلا أو لا محتجا عليه بالعموم في الروايات ، وأكثر العبارات وبعض منقول الإجماعات نعم يتجه اتساع المملكة والامتناع بسلطانه على غيره والاتخاذ لاحوال السلطنة وأوضاعها ، على وجه يلحقه باسم السلطان ، فلا يجرى الحكم على خصوص بعض الممتنعين ، اعتبارا بماء أو جدار أو نحو ذلك على سلطان مملكتهم من غير فرق بين المخالف وغيره أيضا ، كما أنه لا يجري على من ادعى سلطانا بلا شوكة ، كبعض سلاطين الهند ومن كان من ذرية ذوي الشوكة من السلاطين ، ضرورة عدم مدخلية النسب في ذلك ، وكان من خص الحكم بالمخالف نظرا إلى أن مستند الحكم في جواز التناول منه ، ما ورد من النصوص بإلزامهم بما الزموا به أنفسهم من الإرث بالعصبة وغيره (١) وأنهم في ذلك معاملون معاملة أهل الذمة الذين يجوز تناول ثمن الخمر والخنزير منهم نظرا إلى كونه حلالا في مذهبهم (٢) ومقتضاه اختصاص الجواز فيما فعله الجائر موافقا لمذهبه دون غيره.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١ ـ ٣.

١٩١

وفيه ما عرفت من كون مستند الجواز إذن من له الأمر في ذلك كله ، من غير فرق بين من كان منه على وفق مذهبه وأن لنا المهنأ وعليه الوزر كما سمعته سابقا في نصوص جوائزهم (١) وحينئذ لا فرق في أخذ الخراج منه بين القليل والكثير ، وبين ما كان منه موافقا لمصرفه الموظف له وعدمه ، وإن قال : بعض مشايخنا لعل الحكمة في ترتب الأحكام المزبورة على ما يتناول منه لزوم فساد النظام والضيق على أهل الإسلام والتجري على ما يخالف التقية ، وإن قوة الجائر فيها دفع الفساد عن العباد بحفظ بيضة الإسلام ، ورفع قطاع الطريق والسراق ، وحقن الدماء وحفظ الإعراض إلى غير ذلك ، فيكون صرفا في مصالح المسلمين وإن كان على يد من لم يكن أهلا لأمره المؤمنين مما عساه يتوهم منه الاقتصار في الاذن على ما كان موافقا للمصرف الشرعي مؤيدا بأصالة عدمها في غيره.

لكن قد عرفت إطلاق النص والفتوى ، على وجه لا فرق فيه بين الافراد السابقة وغيرها ، والتعليل في بعض النصوص السابقة بأن له نصيبا في بيت المال ، لا يقتضي اشتراط جواز الأخذ بذلك ، وفي رسالة الكركي هل يكون الأخذ حلالا مطلقا حتى لمن لم يكن مستحقا للزكاة ، ولا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الامام عليه‌السلام أو إنما يكون حلالا بشرط الاستحقاق ، حتى أن غير المستحق يجب عليه صرف ذلك إلى مستحقه ، إطلاق الاخبار وكلام الأصحاب يقتضي الأول ، وتعليلهم بأن للآخذ نصيبا في بيت المال ، وأن هذا حق الله مشعر بالثاني ، وللتوقف فيه مجال ، وإن كان ظاهر كلامهم الأول لأن دفع الضرر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به.

١٩٢

لا يكون إلا بالأكل مطلقا قلت : لا مجال للتوقف ، بعد ما عرفت من إطلاق النص والفتوى بالأذن الموافق لسهولة الملة ورفع الحرج عن الشيعة الذين لهم المهنأ وعليه الوزر.

نعم ليس لمن عليه الخراج أو غيره خيانته بالسرقة منه أو الامتناع عن تسليمه إذا لم يكن هو من مصارفه وإن تمكن من التقية لأصالة عدم إباحته له ، وتحقق الاذن فيما تناوله من يده ، لا يقتضي تحققها في ذلك فيبقى حينئذ أصالة شغل ذمته به بحالها ، ضرورة كون الخراج كاجرة الأرض قد استحقه المسلمون منه بمجرد انتفاعه بالأرض وما في‌ خبر أبي بصير (١) « سألت أحدهما عليهما‌السلام عن شراء السرقة والخيانة فقال : لا إلا أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك » وخبر سماعة (٢) « سألته عن شراء الخيانة والسرقة فقال : إذا عرفت أنه كذلك فلا إلا أن يكون شيئا اشتريته من العامل » محمول على ارادة جواز الشراء من السلطان وعامله وإن كانا خائنين سارقين لأموال المسلمين فيكون حينئذ كباقي النصوص الدالة على جواز الشراء منهم.

إلا أن المراد جواز شراء السرقة من مال السلطان مع احتماله ، كما فهمه الكاشاني معللا له بأنه ليس للسلطان ، وإنما هو في‌ء للمسلمين لانه ناصب « وقد مضى‌ « خذ مال الناصب أينما وجدت وابعث إلينا بالخمس » (٣) فخمسة للإمام عليه‌السلام والباقي لمن وجده من المسلمين ، والامام قد أذن بشراء عينه ، والبائع هو الواجد ، فإنه لا يختلف من وجه إذا كان من مال الخراج ونحوه ، ولم يناف التقية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٦.

١٩٣

كما ستعرف.

وخبر علي بن يقطين (١) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال : إن كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة ، ولذا كان على يجبيها منهم علانية ، ويردها عليهم في السر » محمول على غير الخراج أو يكون ذلك إذنا من الامام عليه‌السلام رد الخراج إليهم ، أو لأن عليا كان من عمالهم في الظاهر فإعطاؤه كاعطائهم في الجواز أو نحو ذلك كما أومى إليه الكركي في رسالته قال : يمكن أن يكون المراد به ، ما يحصل عليهم من وجوه الظلم المحرمة ، ويمكن أن يراد به وجوه الخراج والزكوات والمقاسمات ، إلا أنها وإن كانت حقا عليهم ، فليست حقا للجائر ، فلا يكون جمعها لأجله إلا عند الضرورة ، ثم قال : وما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم علي بن هلال وقال : ظني أنه بغير واسطة بل بالمشافهة أنه لا يجوز لمن عليه الخراج والمقاسمة سرقته وجحوده ولا منعه ولا شيئا منه لأن ذلك حق عليه.

قلت : وكذا من عاصرناه من المشايخ خصوصا الأستاد الأكبر قال : في شرحه على القواعد ويقوي حرمة سرقة الحصة وخيانتها والامتناع عن تسليمها ، أو عن تسليم ثمنها إلى الجائر ، وإن حرمت عليه ، ودخل تسليمها في الإعانة على الإثم في البداية أو الغاية ، لنص الأصحاب على ذلك ، ودعوى الإجماع فيه وجعلها من الجعل له ، على حماية بيضة الإسلام ، فتحل له ، لم يقم عليه دليل إلى آخره ولا يخفى عليك أن ذلك كله لما عرفته من أن الخراج أجرة الأرض وقد استحقه المسلمون على التصرف بالأرض ، بمجرد انتفاعه بها ، فان كانت يد الشرع مبسوطة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٨.

١٩٤

دفعه إلى ولي المسلمين ، وإلا دفعه إلى الجائر مع قضاء التقية به ، فلو فرض عدمها في بعض الأحوال والأمكنة والأزمنة ، ولو بالنسبة إلى بعض الخراج دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم‌السلام في زمن الغيبة على كل ما كان لهم توليته في حال قصور اليد وبسطها ، حتى الحد في وجه قوي ، فضلا عن قبض الزكوات والأخماس والولايات على الصبيان والمجانين وغيرهم ، كما لا يخفى على من لاحظ كلام الأصحاب القدماء والمتأخرين ، في باب الأمر بالمعروف والقضاء والزكاة وغيرها من أبواب الفقه ، ومن الغريب دعوى بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص جواز الدفع في الخراج ونحوه بالجائر ملاحظة للتقية الزمانية وأن الأصل عدم الاذن منهم عليهم‌السلام في الدفع إلى غيره ، ولاقتصار النص في المقام ونظائره على بيان حكمه في يد الجائر.

وفيه أولا أنه كغيره من الأحكام التي شرعت للتقية ، المعلوم كونها دائرة مدارها فمع فرض عدمها في حال أو في زمان أو مكان لا ينبغي التأمل في عدم جواز مراعاتها أو كون الزمان زمانها لا يقتضي ذلك وإن فرض عدمها في بعض الأحوال كما هو واضح ، بل هو من الضروريات علما وعملا ، وثانيا أن أقصاها جواز الدفع ، أما وجوبه على وجه بحيث لا يجزى لو دفعه إلى حاكم الشرع المنصوب من قبلهم فغير معلوم ، بل معلوم خلافه ، ولإطلاق ما دل على ولايته من النص (١) والفتوى ، والظاهر أن اقتصار الأصحاب في المقام على بيان حكمه في يد الجائر ، لمعلومية حاله في يد الفقيه الذي يده كيد الامام ، وقد اتكلوا في بيان ذلك على ما ذكروه في غير المقام ، من أن منصبه منصب الامام وإنما المراد لهم بيان حكمه في يد الجائر ، التي هي مظنة المنع باعتبار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١ و ٩.

١٩٥

كونها غاصبة وظالمة ، بل قد عرفت توهم غير واحد من متأخري المتأخرين ذلك مع هذا التصريح منهم.

ولعل هذا بعد التأمل مما يقطع به الفقيه بأدنى نظر وتأمل ، قال : الكركي في رسالته بعد ما ادعى الإجماع على جواز تناوله من يد الجائر فإن قلت : فهل يجوز أن يتولى من له النيابة حال الغيبة ذلك عن الفقيه الجامع للشرائط قلت لا نعرف للأصحاب في ذلك تصريحا ولكن من جوز للفقهاء في حال الغيبة تولي استيفاء الحدود وغير ذلك من توابع منصب الإمامة ، فينبغي تجويزه هذا بطريق أولى لأن هذا أقل منه خطرا لا سيما والمستحقون لذلك موجودون في كل عصر ، إذ ليس هو مقصورا على الغزاة والمجاهدين كما سيأتي ، ومن تأمل في كتب كبراء علمائنا مثل السيد الشريف ، وعلم المحققين نصير الملة والدين. وبحر العلوم جمال الملة والدين ، وغيرهم نظر متأمل منصف ، لم يعترضه شك في أنهم كانوا يسلكون هذا المنهج ويتجوزون هذا السبيل ، وما كانوا يودعون كنههم الا ما يعتقدون صحته ، قلت : قد عرفت أنه لا ينبغي الشك في الحكم المزبور فله حينئذ تسليم الخراج له إذا لم تكن تقية تنافيه ، بل الظاهر تعميمه لعدم ثبوت الاذن في التسليم للجائز في هذا الحال ، ولما تسمعه‌ في الصحيح « لا تعطوا بني أمية ما استطعتم » (١) وعن ملا فيض المراد من عدم حل المنع والسرقة عدمهما ممن اشتراها من الجائر وأما الجائر فيجوز ذلك بالنسبة إليه ، قلت : بل قد عرفت وجوبه إذا لم يناف التقية.

هذا ولكن في شرح الأستاد بعد أن ذكر الحكمة التي قدمناها في ترتب الاحكام على ما في يد الجائر قال : ومع عدم السلطان الجائر ، فالمرجع إليه الفقيه المأمون فيما يتعلق بأمور المسلمين ، والقول بجواز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب مستحقين الزكاة الحديث ٣.

١٩٦

أخذ الجميع للمؤمنين فيما يكتسبونه بزراعتهم عند عدم تسلط الجائر هو الأقوى على نحو ما سيجي‌ء تفصيله لظاهر الأخبار ، وظاهرة ترتب ولاية الفقيه على عدم السلطان الجائر ، كما أن ظاهره سقوط الخراج عن المؤمنين حينئذ ، وفيهما معا منع واضح ، وإن كان ربما يشهد للثاني منهما في الجملة نصوص التحليل (١) وما‌ ورد أيضا (٢) من « أن الأرض كلها لنا ، وأنه قد أبحنا ذلك لشيعتنا ، إلى ظهور قائمنا فيأخذ طسقها من الشيعة ويتركها في أيديهم كما أنه يأخذ الأرض جميعا من أيدي أعدائهم » إلا أن ذلك مطرح عند الأصحاب ، بالنسبة إلى ذلك ، وربما كان المراد منها خصوص الموات الذي هو لهم من الأنفال ، أو غير ذلك دون الأراضي الخراجية التي للمسلمين فان خراجها غير ساقط عمن انتفع بها ، ولذا جاز تناوله من يد الجائر فإن قضت التقية بتسليمه للجائر دفعه إليه ، وبرئت ذمته وإلا دفعه إلى حاكم الشرع صرفه في مصارفه ، ودعوى عدم الولاية لحاكم الشرع مع السلطان الجائر ، وإن لم تقض التقية بالدفع إليه واضحة المنع ، كما عرفته فيما تقدم ، مضافا إلى أنه لا شك في أن للإمام حال قصور يده ذلك ، كما صرح به في بعض النصوص ، وكلما كان له صار لنائبه المنصوب من قبله.

وما في ذيل‌ خبر عبد العزيز بن نافع (٣) « قال : طلبنا الاذن على أبي عبد الله عليه‌السلام فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين فدخلت أنا ورجل معي فقلت : للرجل أحب أن تحل باب المسألة فقال : نعم ، فقال له : جعلت فداك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ١٢ و ـ ٣ من أبواب إحياء الموات الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ١٨.

١٩٧

ان أبي كان ممن سباه بنو أمية ، وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا ولا يحللوا ، ولم يكن لهم مما في أيديهم قليل ولا كثير ، وإنما ذلك لكم فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما كان يفسد علي عقلي ما أنا فيه ، فقال له : أنت في حل مما كان من ذلك وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك قال : فقمنا وخرجنا فسبقنا معتب إلى النفر القعود الذين ينتظرون إذن أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال لهم : قد ظفر عبد العزيز ابن نافع بشي‌ء ما ظفر بمثله أحد قط ، قيل له : وما ذاك ففسره لهم ، فقام اثنان فدخلا على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أحدهما جعلت فداك إن أبي كان من سبايا بني أمية ، وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم من ذلك قليل ولا كثير ، وأنا أحب أن تجعلني من ذلك في حل ، فقال : ذلك إلينا وما ذلك إلينا ما لنا أن نحل ولا نحرم ، فخرج الرجلان وغضب أبو عبد الله عليه‌السلام فلم يدخل عليه أحد في تلك الليلة إلا بدأه أبو عبد الله عليه‌السلام فقال : ألا تعجبون من فلان يجيئني فيستحلني مما صنعت بنو أمية كأنه يرى ذلك إلينا ولم ينتفع أحد في تلك الليلة بقليل ولا كثير إلا الأولين فإنهما عنيا بحاجتهما » محمول على التقية بقرينة ما في صدره ، وقد سمعت خبر ضريس (١) وغيره مما يدل على ذلك ، بل كان المسألة ليست محل شك ، كما قد عرفت أنه لا شك في أن ليس لأحد الامتناع من أداء الخراج بل الظاهر ذلك ولو كان من عليه الخراج من جملة مصارفه ، أما مع التقية فواضح ، وأما مع عدمها فلا بد له من الاستيذان من حاكم الشرع ، لعدم ثبوت التحليل له من الأئمة عليهم‌السلام على وجه لا يحتاج معه إلى مراجعة منصوبهم ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ٣.

١٩٨

كان هو محتملا إلا أن الأحوط إن لم يكن الأقوى ما قلناه.

وكيف كان فالخراج والمقاسمة ليس لهما مقدار معين في الشرع ، بلا خلاف أجده فيه بل هو راجع إلى نظر الامام عليه‌السلام على حسب ما تقتضيه مصلحة جميع المسلمين بحسب الأزمنة والأمكنة ، والأحوال التي تختلف معها الرغبات وغيرها من المنتفعين بالأرض ، أو بخراجها كما فعله أمير المؤمنين في أيام خلافته (١) وقال : أبو الحسن الأول عليه‌السلام في حديث (٢) « والأرض التي أخذت عنوة بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها ، على صلح ما يصالحهم عليه الوالي على قدر طاقتهم من الخراج ، النصف والثلث والثلثان ، وعلى قدر ما يكون لهم صلحا ولا يضر بهم » بل في رسالة الكركي الإجماع على ذلك ، وحينئذ فالخراج مقاسمة كان أو غيره ، أجرة الأرض على حسب مقتضى المصلحة الجامعة بين الطرفين.

وإلى ذلك يرجع ما قيل من أن الخراج ما ينص به الجائر ، قل أو كثر ما لم يصل إلى حد الظلم ، وحينئذ فمتى زاد الجائر على ذلك كان حراما تناوله منه ، وإن سماه باسم الخراج ، ضرورة كونه ظلما وإن كان هو حلالا في مذهبه وإن كان لا يعتبر فيها الاتفاق بين السلطان والرعية على الأقوى ، خلافا لما عن بعضهم من اعتبار ذلك ، وهو بعيد الوجه والوقوع كما اعترف به في ذلك المسالك وغيرها فما عن السيد العميد من أنه يصح بشرط أن يأخذ الجائر بقدر ما يأخذ سلطان الحق لا أزيد إلا مع رضا المالك ، وإن زاد ولم يرض المالك حرم الجميع إن أراد به القول المزبور كان واضح الضعف ، وإلا فهو راجع إلى ما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب زكاة الفلاة.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٥٣٩ الحديث ٤.

١٩٩

قلناه غير أن قوله أخيرا حرم الجميع فيه ما لا يخفى.

نعم لو أخذه من مخالف مثله على وجه يحل في مذهبه حل لنا ، وإن حرم في مذهبنا إلزاما لهم بما الزموا به أنفسهم (١) ، بل وكذا لو كان حلالا في مذهبنا حراما في مذهبهم ، ولو خفف الخراج على بعض المؤمنين ، نفذ تخفيفه كما لو رفع يدا عن أصل الخراج ، لأنه أحل تصرفاته التي سمعت الاذن بها لنا ، مع احتمال الرجوع بها حينئذ إلى الحاكم الشرعي ، لما عرفت من كون الخراج أجرة أرض ثبتت للمسلمين ، عوض الانتفاع فان غصبه الجائر وأخذه ، أسقط الشارع إعادته إرفاقا ، أما إذا لم يكن غصب وجب تسليمه إلى ولي الأمر أو نائبه ، وليس هذا كتصرفاته في الخراج ، على من لم يكن في ذمته ، ضرورة كونها حينئذ من الغصب بخلاف الفرض فإنه لا غصب ، ولعل ذلك لا يخلو من قوة ، وهل يجري الحكم فيما يضربه الجائر من الخراج على ما يختص بالإمام ، لأنه من الأنفال كموات الأرض يحتمل ذلك عملا بإطلاق النص والفتوى ، ويقوى في النفس العدم لعدم ثبوت الاذن منهم عليهم‌السلام في ذلك بعد كون المنساق من الإطلاق المزبور غيره ، بل إطلاق‌ قولهم : « من أحيى أرضا ميتة فهي له » يقتضي العدم بل يقتضي عدم وجوب الرجوع به إلى نائب الغيبة أيضا.

وأما مصرف الخراج لو وقع في يد الحاكم فالمتجه قصره على المصالح العامة للمسلمين ، كبناء القناطر وحفظ الطرق ، واعانة المجتهدين ، ونحو ذلك قال : الكركي في رسالته قد ذكر أصحابنا في مصرف الخراج أن الامام يجعل منه أرزاق الغزاة والولاة والحكام وسائر وجوه الولايات ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد الحديث ٥.

٢٠٠