جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما ستقف على كلامه ، وعن الصدوق وأبي الصلاح وابن البراج في المهذب التفصيل بين المؤبد والمنقطع ، فمنعوه في الأول مطلقا وأجازوه في الثاني على بعض الوجوه ، ولكن اختلفوا في شرط الجواز فجعله الصدوق اختلاف الأرباب كما تضمنه حديث علي بن مهزيار الوارد في الباب أو أحد الأمرين من اختلاف الأرباب وكون البيع خيرا لأصحابه كما يقتضيه إيراده لما تضمن الثاني أيضا مع ضمانه العمل بما يورده في صدر كتابه ، وظاهر أبي الصلاح أن الجواز يتبع شرط الواقف فيجوز للموقوف عليهم بيع الوقف إذا جعل الواقف ذلك إليهم ، ونص على الجواز إذا جعل إليهم البيع عند الحاجة أو خراب الوقف ، واشترط ابن البراج في جواز بيعه أن يكون بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه معها أصلح لهم ، أو حصول الخوف من هلاكه أو فساده أو وقوع خلاف يؤدي إلى الفساد على تقدير بقائه ، قال : فان لم يحصل شي‌ء من ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه ، وقال المفيد : ليس لأرباب الوقف بان يتصرفوا ببيع أو هبة ولا يغيروا شيئا من شروطه إلا ان يخرب الوقف ، ولا يوجد من يراعيه بعمارة عن سلطان وغيره أو يحصل بحيث لا يجدى نفعا فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه ، وكذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله ، ولا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات ، وقال الشيخ في النهاية : ولا يجوز بيع الوقف ولا هبته ولا الصدقة به إلا أن يخاف على الوقف هلاكه أو فساده ، أو كان بأرباب الوقف حاجة ضرورية كان معها بيع الوقف أصلح لهم وأعود عليهم ، أو يخاف وقوع خلاف بينهم فيؤدي ذلك إلى وقوع فساد بينهم فحينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه بينهم على‌

٣٦١

ما يستحقونه من الوقف ، وفي المبسوط وإنما يملك أي الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا ، وهو أنه إذا خيف على الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة ولا يقدرون على القيام به ، فحينئذ يجوز لهم بيعه ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه وعند المخالف لا يجوز بيعه على وجه ، وفي الخلاف إذا خرب ولا يرجى عوده في أصحابنا من قال : بجواز بيعه ، وإذا لم يختل لم يجز بيعه ، واحتج على ذلك بالاخبار ، وقال المرتضى في الانتصار : مما انفردت به الإمامية القول بان الوقف متى حصل الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه ، وأن أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة ، واحتج على ذلك باتفاق الإمامية ، ثم أورد خلاف ابن الجنيد ، وأجاب بأنه لا اعتبار به ، وقد نقدمه إجماع الطائفة وتأخر عنه ، وإنما عول ابن الجنيد في ذلك على ظنون له وحسبان واخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها ، قال : فأما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدة فقرهم فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه ، لأنه إنما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض فيه ولم يبق منفعة فيه الا من الوجه الذي ذكرناه ، وقال سلار : ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم من ان يبقى ويبقوا على الحال التي وقف فيها أو تغير الحال فان لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ولا تغيير شي‌ء من أحواله ، وإن تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على أي وجه كان أو يلحق الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو انفع لهم ، وقال ابن حمزة : ولا يجوز بيعه إلا بأحد الشرطين الخوف من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكن معه القيام ،

٣٦٢

وقال ابن زهرة : يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار لا يجدي نفعا وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجة شديدة ودعتهم الضرورة إلى بيعه ، بدليل إجماع الطائفة ، ولأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا لم تبق له منفعة إلا من الوجه الذي ذكرناه جاز ، وقال ابن سعيد : في جامع المقاصد فان خيف خرابه وكان بهم حاجة شديدة أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح فيه الأنفس جاز بيعه ، وفي النزهة لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه أو تؤدى المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم ، ويكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ، وبيع الوقف أصلح لهم.

وقد سمعت عبارة المصنف هنا وقال في كتاب الوقف : ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم قيل يجوز ، والوجه المنع وفي النافع لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه ولا بيعه إلا أن يقع خلف يؤدي إلى فساده على تردد ، وقال العلامة في المختلف : الوجه أنه يجوز بيعه مع خرابه وعدم التمكن من عمارته أو مع خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد لا يمكن استدراكه مع بقائه ، وفي التذكرة في كتاب البيع لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه التأبيد نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوزه أكثر علمائنا ، وفي كتاب الوقف والوجه ان ان يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها إفساد لا يمكن استدراكه مع بقائه ، وفي التحرير في كتاب البيع لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا ولو أدى بقاؤه إلى خرابه جاز بيعه ، وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين‌

٣٦٣

أربابه مع بقائه على خلاف ، وفي الوقف لا يجوز بيع الوقف بحال ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ولم يجز بيعها ، ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا (١) قال : ولو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية كدار انهدمت وعادت مواتا ولم يتمكن من عمارتها ويشتري بثمنه ما يكون وقفا كان وجها.

وفي القواعد لا يصح بيع الوقف إلا أن يؤدي بقائه إلى خرابه لخلف أربابه ويكون البيع أعود ، في الوقف ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم لم يجز بيعه على رأى ، وفي الإرشاد في البيع لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب أو يؤدي إلى الخلف بين أربابه على راى وفي الوقف ولا يجوز بيع الوقف إلا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف يخشى به الخراب ، وعن التلخيص يجوز عند وقوع الخلف المؤدي إلى الخراب وبدونه لا يجوز ، وقال الشهيد في غاية المراد : يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد بالاختلاف ، وإذا كان البيع أعود مع الحاجة وفي الدروس في كتاب الوقف ولا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف من خرابه أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده ، وجوز المفيد بيعه إذا كان انفع من بقائه ، والمرتضى إذا دعتهم حاجة شديدة ، والصدوق وابن البراج جواز بيع غير المؤبد ، وسد ابن إدريس الباب ، وهو نادر مع قوته ، وفي اللمعة في كتاب البيع لا يصح بيع الوقف ولو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف بين أربابه ، فالمشهور الجواز.

وقال السيوري في التنقيح والحق أنه في صورة لا يجوز البيع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٦.

٣٦٤

للمحبوس عليهم ، اللهم إلا إذا اتفقوا مع الحابس ، وأما المؤبد فلا يجوز بيعه قطعا في صورة كونه أنفع ، أما إذا آل الأمر إلى الخراب لأجل الاختلاف بحيث يعطل ولا ينتفع به أصلا فيجوز بيعه ، وقال الصيمري في غاية المرام : في كتاب البيع أجاز المفيد والسيد بيعه إذا كان أنفع لأرباب الوقف ، والمصنف اشترط في الجواز حصول الخراب مع إبقائه ، واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، واختار في كتاب الوقف ما اختاره المصنف ، وفي تلخيص الخلاف واعلم أن لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعددة أشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف وفتنة وخشي خرابه ، ولا يمكن سد الفتنة بدون بيعه وهو قول الشيخين واختاره نجم الدين والعلامة وقال الحلي : ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف فخشي خرابه جاز بيعه ، وقال الكركي في كنز الفوائد : وحواشي التحرير والمعتمد جواز البيع في ثلاثة مواضع أحدها ما إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به كحصير المسجد إذا رث وجذعه إذا انكسر فيجوز البيع ، ثانيها ما إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال والنفوس ، ثالثها ما إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، ولم يكن لهم ما يكفيهم من غلة وغيرها.

وقال الشهيد الثاني في الروضة : والأقوى في المسألة ما دلت عليه‌ صحيحة علي بن مهزيار (١) عن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام من بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد ، وعلله عليه‌السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس » وظاهر أن خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك ، قال : ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه ، وإن احتاج إلى بيعه أرباب الوقف ولم يكفهم غلته ، أو كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٦.

٣٦٥

أعود أو غير ذلك مما قيل ، لعدم دليل صالح عليه ، وفي المسالك في كتابي الوقف والبيع نحو من ذلك ، هذا مجموع ما وقفنا عليه من عبارات الأصحاب أو حكيت لنا ، وقد تبين منها أنهم ما بين مانع من بيع الوقف مطلقا ، ومجوز له في الجملة ، ومتوقف عن الحكم كالفاضلين والشهيد في النافع وظاهر التحرير واللمعة ، وإن الأكثر على جواز البيع في الجملة ، لكن كلامهم في تعيين محل الجواز والسبب المجوز على ما ترى من الاختلاف الشديد الذي قلما اتفق مثله في شي‌ء من المسائل ، حتى انفرد كل منهم بقول ، بل صارت كل عبارة لهم قولا مستقلا ، وخالف الواحد منهم نفسه في الكتاب الواحد ، فذهب في كتاب البيع إلى شي‌ء وخالفه في الوقف إلى آخر ، وربما اتفق لبعضهم الاختلاف في المقام الواحد ما بين أول كلامه وآخره ، وليس المراد عدم اشتراك الأقوال في شي‌ء من الأسباب أو الافراد ، لحصوله في أكثرها كما يأتي التنبيه عليه ، بل عدم التوافق بين القولين منها أو أكثر في تمام القول نفيا وإثباتا ، وإن كان ذلك قد يتوهم في بعضها كالمراسم مع الانتصار والوسيلة مع المبسوط ، إذ بعد النظر تتبين المخالفة فيها أيضا من بعض الوجوه والذي يدور عليه أقوال المجوزين من مشترك ومختص اثنى عشر أمرا.

الأول كون الوقف منقطعا غير مؤبد كما في الفقيه والكافي والمهذب على اختلاف بينها فيما يجوز منه على ما سبق بيانه ، الثاني عكس الأول وهو أن يكون مؤبدا غير منقطع وهو قول السيوري حيث أجاز بيع المؤبد خاصة ، إذا آل امره إلى الخراب لاختلاف الأرباب بحيث يعطل ولا ينتفع به ، الثالث الضرورة الداعية إلى ثمن الوقف على ما في المقنعة والانتصار والنهاية والمراسم والغنية وكنز الفوائد وحواشي التحرير ، الرابع صيرورة الوقف بحيث لا يجدي نفعا كما في المقنعة‌

٣٦٦

والمراسم ومحتمل الانتصار ، الخامس خراب الوقف مع عدم وجود عامر له كما في المقنعة والخلاف والمختلف ووقف التذكرة وظاهر الانتصار السادس تأدية بقائه إلى خرابه مطلقا كما في ظاهر التحرير في كتاب البيع ، أو لوقوع الخلف بين أربابه كما عن تلخيص المرام ، السابع خشية الخراب للوقف إما مطلقا كما في النهاية وغاية المرام أو لوجود الحاجة الشديدة المانعة عن عمارته كما في ظاهر المبسوط والوسيلة والجامع أو لوقوع الخلف بين أربابه كما في المعالم ووقف الشرائع والقواعد والإرشاد ، الثامن وقوع الخلف الشديد بين أرباب الوقف مطلقا على ما في الروضة والمسالك أو بشرط التأدية إلى الفساد مطلقا كما ، في الدروس وغاية المراد وكنز الفوائد وحواشي التحرير ، التاسع الخراب مع الخلف بين الأرباب كما في بيع الإرشاد ، العاشر التأدية إلى الخراب لخلف الأرباب مع كون البيع أعود كما في بيع الشرائع والقواعد ، الحادي عشر الخوف من الخراب معللا بالخلف مع الأعودية كما في بيع التذكرة.

الثاني عشر صيرورته بحيث لا يجدي نفعا مع خشية خرابه كما في الغنية ، وحكى الشهيد في الدروس وغاية المراد عن المفيد جواز بيع الوقف إذا كان البيع أعود على الموقوف عليهم وانفع لهم وتبعه عليه جملة المتأخرين ، ولكن لم نتحقق ذلك من كلامه وعبارته المنقولة خالية عنه بل قاضية بخلافه ، حيث اشترط فيها الضرورة ، ومقتضاه عدم جواز البيع بمجرد كونه أعود ، والعلامة على ما قيل لم ينقل عنه في المختلف ولا في التذكرة إلا ما سبق من كلامه المتضمن لجواز البيع في ثلاثة مواضع ، أحدها الضرورة ، نعم ذكر المفيد رحمه‌الله قبل كلامه المنقول ، جواز رجوع الواقف في الوقف إذا أحدث الموقوف‌

٣٦٧

عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم ، والتقرب إلى الله بصلتهم أو كان تغيير الشرط في الوقف إلى غيره أرد عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله ، والعلامة في المختلف حكى ذلك عنه في مسألة سابقه على هذه المسألة ، وليس في ذلك حديث البيع ولا تغيير الموقوف عليهم للوقف والشهيد رحمه‌الله في غاية المراد ضم هذين الأمرين إلى الأسباب الثلاثة التي جوز المفيد معها بيع الوقف ، ونسب جواز بيع الوقف في ذلك كله إليه ، على وجه يؤذن بكون ذلك كلاما واحدا مسوقا لبيان جواز البيع ، والرجوع إلى المقنعة قاض بخلافه ، وكذا النظر في الأمر الأول من هذين الأمرين وهو احداث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم ، فإنه لا يصلح أن يكون سببا لبيع الموقوف عليه بل لرجوع الواقف ، واما الثاني فهو وإن صلح لها إلا أن ضمه إلى ما لا يصلح لها قرينة على عدم ارادتها ، وجواز رجوع الواقف فيه بنقض الوقف لا يقتضي جواز البيع من الموقوف عليه لا لفظا ولا معنى ، فينبغي أن يلحظ ذلك اللهم إلا أن يكون المراد جواز البيع ، ولو من الواقف بعد نقض الوقف وإبطاله.

وكيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتضمنة لجواز بيع الوقف في الجملة عدة روايات منها ما رواه المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة بطرق متعددة أكثرها‌ صحيح عن علي بن مهزيار (١) « قال : كتبت إلى ابى جعفر الثاني عليه‌السلام ان فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ، وسأل عن رأيك في بيع حصتك من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٥ و ٦.

٣٦٨

الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقوفة ، فكتب إلى أعلم فلانا أنى آمره أن يبيع حصتي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إلى وإن ذلك رأيي إنشاء الله تعالى ، ويقومها على نفسه إن كان ذلك أرفق له ، قال : وكتبت إليه ان رجلا ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فان كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل انسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته ، فكتب إلى بخطه وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف فإنه ربما جاء الاختلاف تلف الأنفس والأموال ، » ومنها‌ ما رواه المشايخ أيضا في الحسن والصحيح (١) عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر ابن حيان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقف غلة له على قرابته من أبيه وقرابته من أمه واوصى الرجل ولعقبه ليس بينه وبينه قرابة ثلاثمائة درهم في كل سنة ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمه فقال : جائز للذي اوصى له بذلك ، قلت : أرأيت ان لم يخرج من غلة تلك الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم ، فقال : أليس في وصيته ان يعطي الذي أوصى له من الغلة ثلاثمائة درهم ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وأمه؟ قلت : نعم قال : ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفي الموصى له ثلاثمائة درهم ، ثم لهم ما يبقى بعد ذلك ، قلت : أرأيت إن مات الذي أوصى له؟ قال : إن مات كانت الثلاثمأة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم ، فان انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كان الثلاثمأة درهم لقرابة الميت يرد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٨ وفيه اختلاف يسير.

٣٦٩

إلى ما يخرج من الوقف ، ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا وبقت الغلة ، قلت : وللورثة قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة حينئذ ، قال : نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا ».

ومنها‌ ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري (١) « عن صاحب الزمان (ع) أنه كتب إليه روى عن الصادق عليه‌السلام خبر مأثور ، إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه ، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز ، إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب عليه‌السلام إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه ، وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إنشاء الله » ومنها‌ ما رواه الشيخ والصدوق (٢) بإسنادهما عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الفرج عن علي بن معبد « قال : كتب إليه محمد بن أحمد ابن إبراهيم بن محمد في سنة ثلاث وثلاثين ومأتين يسأل عن رجل مات وخلف امرأة وبنين وبنات وخلف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ثم هو حر بعد العشر السنين فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام وهم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك جعلني الله فداك ، فكتب لا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٧.

٣٧٠

يبيعوه إلى ميقات شرطه إلا أن يكونوا مضطرين إلى ذلك فهو جائز لهم »

ومنها‌ ما رواه الشيخ بإسناده (١) عن محمد بن علي بن محبوب عن ابى طاهر ابن حمزة « قال : كتب إليه وعن محمد بن عيسى العبيدي قال : كتب احمد بن حمزة إلى ابى الحسن عليه‌السلام مدين وقف ثم مات صاحبه وعليه دين لا يفي‌ء بماله ، فكتب عليه‌السلام يباع وقفه في الدين » ورواه الصدوق بإسناده الثاني (٢) هذه جملة أخبار الجواز وإن قل من تعرض لها جميعها ، ولكن الأول هو العمدة ومنه اختلفت إفهامهم واضطربت أقوالهم ، فحمله الصدوق ومن وافقه على المنقطع ، وأجروا المؤبد على أصله ، والشيخ في كتابي الأخبار على الرخصة في البيع مع تأدية البقاء إلى الضرر والاختلاف وخراب الوقف ، ووافقه جماعة في أصل الحمل ، وإن خالفوه في بعض القيود وآخرون على خلاف التأدية ، إلى ذلك أو بعضه واكتفى بعضهم بوقوع الخلف الشديد ولم يشترط التأدية إلى الفساد ولا الخوف منها.

الحق أن الرواية مع أنها مكاتبة ، لا دلالة فيها على جواز بيع الوقف مطلقا خصوصا المؤبد ، أما صدرها المتضمن بيع حصة الإمام فالأمر فيه ظاهر ، لأن القبض شرط في الوقف ، وهو غير متحقق في حصته عليه‌السلام بالفرض ، وحمله على توكيل الواقف على قبضه عنه قبل بيعه لا دليل عليه ، كما لا دلالة في الحديث على القبول ، وامره ببيع حقه من الضيعة ليس نصا فيه ، لاحتمال قبوله على غير جهة الوقف ، ومن الجائز علمه بتفويض أمر تلك الحصة إليه ، بل كونها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الاستيلاد الحديث ١.

٣٧١

من الخمس الثابت له بأصل الشرع ، كما احتمله العلامة المجلسي رحمه‌الله فيما حكي من حواشيه على التهذيب ، فيكون تصرف الواقف فيها بالوقف فضولا باطلا لعدم الإجازة أو لعدم جوازه ، أو لعدم جواز وقف مال الشخص على نفسه ، ثم على تقدير تحقق الشرط فمقتضى ذلك جواز بيع المنقطع دون المؤبد ، وحمله على كونه وقفا على إمام المسلمين مع كونه خلاف الظاهر ، يقتضي جواز بيع المؤبد من دون شرط ، ولا قائل به إلا أن اختلاف أرباب الحصص الباقية على ما هو المفروض في آخر الرواية ، هو المجوز لبيع هذه الحصة وإمعان النظر في هذا الحديث يأبى ذلك ، وظاهر الحديث الثاني يدفعه ، وأما عجز الرواية المتضمن لجواز بيع حصة غير الامام من الضيعة ، وهو محل النظر فيها فظاهره الانقطاع كما فهمه الصدوق ومن تبعه ، إذ لا تعرض فيها لذكر الأعقاب فلا يصح التمسك بها في جواز بيع المؤبد كما فعله الأكثر ، ومع ذلك فليس فيها ما يدل على تحقق الإقباض ولا حصول القبض بالفعل ، فيحتمل أن يكون تجويز بيعه لعدم تمامية الوقف كما نبه عليه فخر المحققين ، أو لكون الوقف فيه بمعنى الوصية كما ذكره بعض المتأخرين ، أو أن المراد منه الإيقاف لا الوقف بمعنى أنه أوقفه لان يوقفه الوقف الشرعي ، وربما يومي إليه أو إلى عدم تمامية الوقف تضمنه لجواز بيع الواقف ، كما يقتضيه ظاهر الجواب وصريح السؤال إذ لو كان وقفا تاما لانقطع تصرف الواقف فيه ببيع وغيره ، وإن للموقوف عليه بيعه في بعض الوجوه على المشهور ، ومن هذا يعلم عدم تعلق الحديث بالمدعى ، فان المقصود بيع الموقوف عليه ، ومدلول الحديث بيع الواقف وهو خلاف المقصود.

وأما الخبر الثاني فهو مع أنه مكاتبة أيضا لا دلالة فيه على المؤبد‌

٣٧٢

ضرورة عدم ذكر ما يقتضي التأبيد فيه ، ولو سلم فاشتراط رضاء الكل يقضي عدم جواز البيع ، ضرورة عدم إمكان حصوله بعد فرض كونه مؤبد لتجدد الموقوف عليهم ، آنا فآنا على أن المذكور شرطا في السؤال لم يتعرض له في الجواب ، الظاهر في الاكتفاء في جواز البيع بعد رضى الكل بكون البيع خيرا لهم ، فلا بعد أن يكون المراد من هذا الخبر ما تسمعه من خبر الاحتجاج ، بل ربما يومي إليه ذكره في سؤاله الدال على ما ذكرناه من كفاية ذلك في جواز البيع ، دون المذكور في السؤال الذي قد سمعت التعبير به ممن عرفت.

والظاهر أن المراد بما أجاب به روحي له الفداء من عدم جواز بيع ما كان من الوقف على إمام المسلمين الكناية عن المؤبد منه ، كما أن المراد بالثاني المنقطع ، على معنى أن لكل من الموقوف عليه منهم بيع ما يقدر على بيعه وهو ماله من استحقاق المنفعة ، فله حينئذ نقلد يصلح أو غيره ، وللجميع نقل ذلك أيضا ، لا أن المراد بيع نفس العين الموقوفة ، ولذا عدل عليه‌السلام عن التعبير عن ذلك بما سمعته من العبارة خصوصا بعد إن لم يكن لهم ملكا تاما ، ولذا يعود إلى الواقف بعد انقراضهم ، وليس مطلق الملك كاف في البيع ، فان المرهون مملوك ولا يباع ، فلعل المراد من ملكهم إياه استحقاق النماء والمنفعة لا ملك البيع ، بل قد يناقش في أصل انتقاله إليهم ، وإن استحقوا المنفعة ، وحينئذ لم يكن وجه لبيعهم إياه ، نعم قد يقال بجواز بيع الواقف له كالعين المستأجرة ، وأما خبر الغلام فمن المعلوم ارادة نقل ذلك الحق لهم منه ، وليس هو من الوقف قطعا ، كما أن المراد من الخبر الآخر الموصى بوقفه أو المنجز له في مرض موته ، والفرض استغراق دينه فهو خارج عما نحن فيه ، فليس في الحقيقة مدرك للمسألة ، إلا ما ذكرناه‌

٣٧٣

أولا ومنه يعلم عدم توجه القول بشراء وقف آخر بثمن الوقف ، كما في بعض العبارات ، بل منه يعلم النظر في كثير من الكلمات والله العالم‌ ولا يصح أيضا بيع أم الولد فعلا أو تقديرا بان كانت حبلى ذكرا كان الولد أو أنثى أو خنثى ، والمراد بها من حملت من مولاها وهي في ملكه ، فلا يثبت في علوق الزوجة والموطوئة بشبهة وإن ملكها بعد ، وعن الخلاف وموضع من المبسوط يثبت إذا ملكها سواء كان الولد حرا أو رقا ، وعن موضع آخر منه شرط ، كون الولد حرا ، والأقوى عدم الثبوت بذلك ، كما عن ابن مارد روايته ، وكذا لا يثبت بعلوقها من المكاتب المشروط إذا عجز ، ولو ادى ثبت ، نعم لا يمنع تحريم الوطء بالعارض كالصوم والحيض والرهن من نفوذ الاستيلاد ، وأما التحريم بتزويج أو رضاع ، بناء على عدم الانعتاق به فعن المبسوط نفوذه ، ولكنه مشكل مع علمه بالتحريم ليتوجه الحد عليه ، فلا يلحقه النسب ولا بد مع الاشتباه من شهادة أربع نساء من ذوات خبرة بأن ذلك مبدأ آدمي ولو مضغة.

أما النطفة فلا ، خلافا لما عن بعض ، والفائدة في إبطال التصرفات السابقة على الوضع بالبيع وشبهه ، لا في استبتاع الحرية لزوالها بموت الولد فضلا عن عدم تمامه ، وعلى كل حال فلا يجوز بيعها ولا الصلح ولا غيره من وجوه النقل إجماعا بقسميه ، ونصوصا (١) في‌ صحيح زرارة (٢) « عن أبي جعفر عليه‌السلام سألته عن أم الولد ، قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب الاستيلاء و ٢٤ من أبواب بيع الحيوان.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٣.

٣٧٤

انها تباع وتوهب وتورث وحدها حد الأمة » والصحيح عن وهب بن عبد ربه (١) « عن الصادق عليه‌السلام في رجل زوج أم ولد له عبدا له ثم مات السيد قال : لا خيار لها على العبد هي مملوكة للورثة » من الشواذ التي يجب طرحها ، وإن حكي عن الصدوق العمل به ، أو تأويلها بإرادة من كان لها ولد مجازا ، كما عساه يومي إليه‌ صحيح زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « أم الولد حدها حد الأمة إذا لم يكن لها ولد » على أن الخبر الثاني رواه الشيخ في رجل زوج عبدا له من أم ولد له ولا ولد لها من السيد ثم مات السيد إلى آخره ولا إشكال فيه حينئذ ضرورة مساواة حكمها لغيره إذا مات ولدها في حياة سيدها

ولذا قال : المصنف لا يصح بيعها ما لم يمت ولدها ، بلا خلاف أجده فيه ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص التي منها ما سمعت ، وإلى عموم تسليط الناس على أموالهم (٣) المقتصر في الخروج عنه على أم الولد التي لا تشمل الفرض حقيقة كما هو واضح نعم لو كان له ولد ففي قيامه مقامه مطلقا وعدمه كذلك ، والتفصيل بين كونه وارثا وعدمه وجوه ، بل الأخيران منها قولان ، أو يكن البيع في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها بأن لم يكن عنده ما يزيد على مستثنيات الدين كما في الحدائق ، فيجوز حينئذ بيعها خلافا للمرتضى فمنع على ما حكي عنه من بيعها مطلقا ، ولا ريب في ضعفه بل الظاهر انه مسبوق بالإجماع وملحوق به ولكن في اشتراط موت المالك مع ذلك كما عن ابن حمزة تردد من إطلاق جواز بيعها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الاستيلاد الحديث ١.

(٣) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

٣٧٥

فيه من غير اشتراط للموت ، في‌ صحيح عمر بن يزيد (١) « عن أبي الحسن عليه‌السلام سألته عن أم الولد تباع في الدين ، قال : نعم في ثمن رقتبها » ومن الاقتصار على موضع الوفاق وهو موت المولى ، وإن كان لا يخفى عليك ما في الثاني بعد إطلاق الصحيح السابق ، المعتضد بعموم تسلط الناس الشامل للفرض ، فيكفي حينئذ في الجواز عدم الدليل على المنع ، من إجماع وغيره حتى إطلاق نهي عن البيع ولو سلم فهو مقيد بما عرفت.

فما عن المقدس الأردبيلي وتلميذه في شرح النافع من المناقشة في ذلك بعد أن حكيا عن ثاني الشهيدين الاستدلال على عدم الاشتراط بإطلاق النص بأنه لا إطلاق في النص ، يقتضي جواز بيعها في حال الحياة كما ترى ، وكأنهما لم يعثرا على الصحيح المزبور كما اعترف بذلك أولهما ، نعم قد يقال : أن الإطلاق المزبور يمكن تقييده بصحيح عمر بن يزيد الآخر (٢) « قال : قلت للصادق عليه‌السلام : أو قال : قلت : لأبي إبراهيم عليه‌السلام أسألك؟ فقال : سل فقلت : بم باع أمير المؤمنين عليه‌السلام أمهات الأولاد قال : في فكاك رقابهن ، قلت : وكيف ذاك فقال : أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها ، وبيعت فادى ثمنها قلت : فيبعن فيما سوى ذلك من أبواب الدين ووجوهه؟ قال : لا » ضرورة ظهور قوله ولم يدع في حال الموت كظهوره في اعتبار ذلك في الجواز ، خصوصا بعد أن كان ذلك منها في بيان الكيفية المسؤول عنها ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

٣٧٦

الظاهر في إرادة القيدية ، بل هو صريح ذيله الشامل للدين حال الحياة فإنه من أبواب الدين ووجوهه التي هي غير المذكورة فيه.

وبذلك يظهر لك قوة اعتبار الموت في الجواز ، وحينئذ لا وجه لاعتبار الإعسار المفسر بما سمعت ، ضرورة عدم الفرق بين المستثنيات وغيرها في الدين ، فيكون المعتبر حينئذ عدم شي‌ء غيرها يؤدي عنه كما في الصحيح ، بل منه يستفاد عدم جواز بيعها في غير ثمنها من الدين فما عن بعضهم من جوازه فيما إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وإن لم يكن ثمنا لها ، معللا ذلك بأنه إنما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها ولا نصيب له مع استغراق الدين ، فلا تعتق فتصرف فيه لا يخلو من نظر ، خصوصا على القول بأن التركة تنتقل إلى الوارث وإن كان الدين مستغرقا ، إلا أنه مخير في جهات القضاء ، فان المتجه بناء على ذلك انعتاقها بانعتاق الشقص الذي ملكه ولدها وليس للدين تعلق بها بعد أن منع الشارع عن بيعها في جميع وجوه الدين وأبوابه ، ولا ينافي ذلك‌ ما عن يونس (١) « في أم ولد ليس لها ولد ، مات ولدها ومات عنها صاحبها ولم يعتقها هل يحل لأحد تزويجها قال : لا ، هي أمة لا يحل لأحد تزويجها الا بعتق من الورثة فإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد ، وإذا ملكها فقد عتقت بملك ولدها لها وإن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها وتستسعى في بقية ثمنها » وإن كان مفهومه يقتضي نفيها عن الولد بمطلق وجود الدين ، لكنه مقطوع قاصر عن مقاومة الصحيح السابق ، فيجب تنزيله على إرادة ما كان في ثمن رقبتها من الدين.

ومن ذلك يعلم النظر أيضا في جواز بيعها في كفن سيدها إذا لم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب الاستيلاد الحديث ٣.

٣٧٧

يخلف سواها ، ولم يمكن بيع بعضها فيه والا اقتصر عليه ، باعتبار أولويته من الدين الذي فرض جواز بيعها فيه ، إذ قد عرفت عدم جوازه في غير ثمن رقبتها ، ودعوى الأولوية منه ممنوعة ، لاحتمال ابتنائه على حكمه خاصة كما هو واضح ، وهل يعتبر في جواز بيعها في ثمنها توقف وفائه على بيعها أجمع حينئذ ، فإن أمكن ذلك ببعضها اقتصر عليه أو يكفي فيه توقف الوفاء في الجملة وجهان ، هذا وقد الحق في الصورة المستثناة ما إذا جنت على غير مولاها ، قال : في الروضة فيدفع ثمنها في الجناية أو رقبتها ان رضى المجني عليه ، ولو كانت الجناية على مولاها لم يجز لانه لم يثبت له على ماله مال ، وفيه ان التعارض من وجه ، ولا دليل على الترجيح ، بل لعله للثاني باعتبار اقتصار النص والفتوى على الجواز فيما عرفت ، فيتجه حينئذ القول في الجناية الموجبة للمال التزام المولى به من غير ثمنها ، كما في الدروس وعن المبسوط أرش جنايتها على سيدها بلا خلاف إلا من أبى ثور ، فإنه جعلها تتبع به بعد العتق.

نعم فيها عن الشيخ أيضا أنها كالقن إن لم يفدها السيد ، وعن كتاب الاستيلاد من المبسوط أنه يتعلق الأرش برقبتها بلا خلاف ، ويتخير بين البيع والفداء ، وكذا حكي فيها عن خلافه ، وعن المختلف أن الشيخ غفل عما في الديات من المبسوط من عدم التعلق برقبتها ، وجنح إليه لأنه منع من بيعها باحباله ، ولم تبلغ حالة يتعلق الأرش بذمتها ، فصار كالمتلف لمحل الأرش فلزمه الضمان ، كما لو قتل عبده الجاني ، قلت : في‌ الصحيح عن مسمع (١) « عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات الحديث ٢.

٣٧٨

جنايتها في حقوق الناس على سيدها ، وحق الله في بدنها » واحتمال حمله على أن له الفداء مخالف للظاهر » ولو جنت على جماعة ولما يضمن السيد ، فعليه بناء على اعتبار الضمان في التزامه ، فعليه أقل الأمرين من قيمتها والأرش ، وان ضمن للاول فعن ظاهر المبسوط أنه لا ضمان عليه ، بعد إذا كان قيمتها ، بل يشاركه من بعده فيما أخذ ولتحقيق ذلك محل آخر ، والمراد هنا بيان عدم بيعها في جنايتها ، بل المتجه التزام المولى بها أو الاستتباع به بعد العتق ، بل لو قيل أنه للمجنى عليه استرقاقها ، أمكن ان يقال أنها لا تزيد على رقية المالك الأول لها ، لأنها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الأول.

لا يقال ان أم الولد لا يبيعها مولاها أبو الولد ، أما إذا فرض انتقالها إلى غيره لم يكن لعدم جواز بيعه لها وجه ، لعموم تسلط الناس على أموالهم (١) مع عدم المانع بالنسبة إليه ، لأنا نقول : يمكن دعوى ظهور الأدلة خصوصا صحيح ابن يزيد المتقدم في عدم بيع أم الولد مطلقا ، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه للإلحاق بالصورة المنصوصة ما إذا كان ولدها غير وارث ، لكونه قاتلا أو كافرا معللا ذلك بأنها لا تنعتق بموت مولاها حينئذ ، إذ لا نصيب لولدها ، إذ المراد إن كان أن لمولاها حينئذ البيع ، ففيه بعد تسليم صورة صحيحة لذلك ، انه يمكن منع كون العلة فيها ذلك ، ضرورة كون المانع أنها ذات ولد ، وإن كان المراد جواز بيع الوارث لها ، ففيه ما عرفت من انتقالها إليهم على حسب ما كانت عند الأول ، إذ لا يزيد الفرع على أصله ، وكذلك قد يناقش أيضا فيما ذكر أيضا من الصورة الملحقة ، ما إذا عجز مولاها عن نفقتها ولم يمكن بيع بعضها ، والا وجب الاقتصار فيما خالف الأصل‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

٣٧٩

على موضع الضرورة ، ضرورة أن ذلك لا يقتضي تقييد دليل المنع ، إذ النفقة حينئذ تجب على المسلمين كفاية أو في بيت المال كالحر العاجز عنها ، وكالمملوك الموقوف كما هو واضح ، وما إذا مات قريبها ولا وارث له سواها لتعتق وترثه ، وهو تعجيل عتق أولى بالحكم من إبقائها لتعتق بعد وفاة مولاها ، إذ لا يخفى عليك أنه مجرد اعتبار ، وليس بالأولى من القول بإلزام مولاها بالعتق ، ثم دفع قيمتها إليه بسبب فوات ماله عليه ، وما إذا كان علوقه بعد الارتهان ، أو بعد التفليس تقديما لهما لسبقهما على حق الاستيلاد ، وفيه أن التعارض من وجه ، مع بناء العتق على التغليب ، والنهي عن بيعها في غير ثمنها من جميع وجوه الدين وضروبه ، مضافا إلى دعوى انصراف تخصيص النهي غيره في باب التعارض من وجه ، وإلى ظهور بعض النصوص الواردة في نحو ذلك ، فيما تقدم من المباحث السابقة الظاهرة في تقديم دليل التحريم على دليل التحليل كما أومئ إليه عليه‌السلام في نكاح الامرأة في الدبر (١) لقوله « إنه أحلته آية وحرمته أخرى فنحن لا نفعله » وبذلك يظهر لك النظر أيضا في كثير من الصور الملحقة كبيعها على من تنعتق عليه ، فإنه في قوة العتق ، فيكون تعجيل خير يستفاد من مفهوم الموافقة ، حيث أن المنع من البيع لأجل العتق ، إذ قد عرفت أنه ليس في شي‌ء من النصوص التعليل بذلك ، ولعله المستنبطة غير حجة كالاستحسان ، وكذا الكلام في جواز بيعها بشرط العتق لما تقدم ، فان لم يف المشتري بالشرط فسخ البيع وجوبا ، فان لم يفسخ المولى احتمل انفساخه بنفسه ، وفسخ الحاكم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٣ من أبواب مقدمات النكاح ولكن ليس فيها انه أحلته آية وحرمته أخرى وهذه العبارة موجودة في باب ٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ في نكاح الجارية الحبلى.

٣٨٠