جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من كر حنطة مثلا ، كما يجوز بيع القفيز منه بلا خلاف ولا إشكال فيه للعمومات ، بل وكذا يجوز عندهم لو كان المبيع من متساوي الأجزاء من أصل مجهول كبيع مكول من صبرة مجهولة القدر إلا أنها معلومة الاشتمال عليه ، بل ربما جوز بعضهم بيع ذلك منها مع عدم العلم ، باشتمالها وإن تسلط على الخيار حينئذ للتبعيض ، وستسمع الكلام فيه إنشاء الله ، ولعل الوجه فيما ذكره الأصحاب صدق الجهالة متى كان المبيع الكلي على البدل ، دون ما لم يكن كذلك من الكلي وإن وجب على البائع دفع واحد على البدل ، فإنه لا جهالة فيه ، بل لعل الكلي من صبرة مثلا أولى في صدق المعلومية من الكلي غير المعين ، إذ هو كلما ازداد توصيفا ازداد تعريفا ، ومن ذلك ظهر الفرق بين بيع الصاع من الصبرة وبين صاع من الصيعان المتشخصة كما أومأ إليه الفاضل في القواعد فيما سمعته من قوله : ولو فرق الصيعان إلخ.

نعم لو قصد بيع صاع منها على نحو الصاع من الصبرة صح وإن كانت مفرقة كما أنه لو فرض قصد بيع أحد الأصواع من الصبرة مشخصا لها بأحد المشخصات على نحو الصيعان المتفرقة بطل وإن كانت مجتمعة ، فالاجتماع والافتراق في كلامه إنما ذكر لغلبة إرادة الواحد على البدل منها في الثاني ، وإرادة الكلي منها في الأول ، ولعل ذلك كله ينافيه خبر الأطنان (١) ، ضرورة عدم كون مورد عقد البيع فيه الكلي البدلي ، وإنما مورده العشرة آلاف طن من الثلاثين ألفا ، نحو الصاع من الصبرة ، ولذا قال في الدروس ولو باعه صاعا من صبرة متماثل الأجزاء صح ، وكذا عشرة أطنان من القصب المتماثل إلى آخره ، فجعلهما من باب واحد ، نعم لو أن الثلاثين مقسومة ثلاثة أجزاء كل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٤٢١

جزء منها عشرة معينة فاشترى واحدة منها على البدل ، كان المتجه فيه حينئذ البطلان نحو ما سمعته في الصاع من الصيعان المتشخصة ، فضلا عن الشاة من الشياه الموجودة ، والعبد من عبيد مخصوصين ، وبالجملة المدار في الصحة والبطلان على متعلق نفس عقد البيع ، فان كان الكلي البدلي بطل لصدق الجهالة عرفا ، وإن كان المطلق صح لصدق المعلومية ، بل قد عرفت أنه أولى بذلك من الكلي غير المعين في صبرة ، ضرورة زيادته عليه بوصف كونه من هذه الصبرة فتأمل ، هذا.

ولكن الانصاف عدم دليل صالح للفرق بين الصاع عن الصبرة وبين الصاع في الصيعان المتمايزة ، بل ولا بين العبد من العبيد المفروض تساويهم في الصفات التي تلاحظ في البيع على وجه ترفع الجهالة ، ويصح انتزاع كلي منها موصوف بهذه الصفات ، يكون موردا للبيع في الذمة ، ودعوى أنه يغتفر في بيع الكلي في الذمة ما لا يغتفر في بيع الكلي في الخارج خالية عن الدليل ، بل مقتضى العمومات الصحة بعد صدق المعلومية عرفا بنحو ذلك ، اللهم إلا أن يكون إجماعا والله العالم.

بقي الكلام في الذراع من الأرض والثوب ويمكن أن يكون الوجه فيما ذكروه ، أنه لمكان اختلاف الأفراد فيهما اختلافا فاحشا لا يصح بيع الكلي فيهما ، لعدم إمكان ضبطه على وجه ترتفع به الجهالة ، ولذا لو عينهما من طرف خاص صح ، لكون المبيع فيهما مشخصا لا كليا ، والرضا بالذراع من هذا الثوب أو هذه الأرض المعلومين لدى المشتري لا يصير المبيع نفسه معلوما ، بل أقصاه الرضا بأي ذراع كان من هذا الثوب أو من هذه الأرض ، وهو غير كاف في صحة البيع المعتبر فيه شرعا معلومية المبيع نفسه ، وإلا لجاز بيع المجهول بالتراضي كما هو واضح ، نعم يتجه الصحة لو فرض إمكان الضبط بالوصف الرافع للجهالة‌

٤٢٢

عرفا ، ضرورة كونه حينئذ كالصاع من الصبرة ، وكيف كان فقد بان لك الحال في أطراف المسألة ، حتى حكم الصاع من الصبرة ، وأنه من الكلي المضمون فيها لا المشاع ، للصحيح المزبور ، وإن كان لولاه لأمكن ذلك مؤيدا بما تسمعه منهم في بيع الثمار ، من تنزيل الثنيا إذا كانت أرطالا معلومة على ذلك ، وما تقدم من تنزيل شاة الزكاة على ذلك ، وغيرهما مما يفهم منه أن الأصل في ملك الكلي في الخارج الإشاعة ، اللهم إلا أن يفرق بين البيع وغيره ، باعتبار القبض في لزومه وإيجابه على البائع ، فمع فرض وجود فرد يتحقق فيه المبيع يجب عليه دفعه للمشتري ، إذ هو حينئذ شبه الكلي في الذمة بالنسبة إلى ذلك ، ومن هنا لو فرض حصول القبض من المشتري ، ولو بأن قبض الصبرة أجمع بإذن البائع كان مشاعا معه قطعا ، كالقطع بها مع فرض تواطئهما على إرادة الإشاعة وإن ذكر الصاع لتقديرها وإن لم يقبض فالتالف حينئذ عليهما ، بل بان لك أيضا الوجه في جميع أقسام الصبرة ، وذلك لأنها اما أن تكون معلومة أو مجهولة فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع ، وبيع جزء منها معلوم مشاع كثلث وربع ، وبيع مقدار معين كقفيز تشتمل عليه ، وبيعها أجمع كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز منها بكذا ، فإنه غير جائز لجهالة قدر المبيع الذي هو القفزان ، كما أن البيع باطل في المجهولة في الأقسام كلها ، إلا الثالث الذي قد عرفت الحال فيه ، خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخ فجوز بعتكها كل قفيز بدرهم ، ولا ريب في ضعفه للجهالة.

نعم وجه الصحة في الثالث ظاهر ، بل قد عرفت القول بالصحة مع عدم العلم باشتمالها عليه ، وإن كان فيه أن الجهل بوجود مقدار المبيع من أعظم أفراد الغرر ، بل هو من بيع المجهول ، وإلا لجاز شراء كل صبرة بتخمينها بمقدار معين ، خصوصا إذا كان على وجه يعلم‌

٤٢٣

عدم زيادتها عليه ، بل هي مساوية أو ناقصة مع الجبر بالخيار على التقدير الثاني للتبعض ، وكأنه معلوم الفساد عندهم ، نعم لو فرض طمأنينته باشتمالها عليه أمكن الصحة ، ومن هنا قال في الروضة : لو قيل : بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها بل ظاهره ذلك ، حتى لو بان العدم وإن تسلط على الخيار للتبعيض وتسمع تمام التحقيق فيه عند تعرض المصنف للنقص في صورة القطع إذ لا فرق بينهما بالنسبة إلى ذلك ، بل تسمع غير ذلك مما دخل في المقام فلاحظ وتأمل جيدا والله العالم.

وكيف كان فـ ( إذا تعذر عد ما يجب عده جاز أن يعتبر بمكيال ويؤخذ بحسابه ) بلا خلاف ، للصحيح عن ابن مسكان والحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « انه سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك من العدد قال : لا بأس ، » بل الظاهر الاكتفاء بالتعسر كما عبر به غير واحد من الأصحاب ، بل قد يقال بعدم اعتبار شي‌ء منهما في ذلك ، لصدق المعلومية ، واندفاع الغرر الذي لا ينافيه الاختلاف اليسير بذلك ، نحو اختلاف المكاييل والموازين والاندار للظروف ، بل قد سمعت خبر عبد الملك المشتمل على شراء مأة راوية من الزيت بوزن واحد منها (٢) ثم قياس الباقي من غير ذكر للتعذر والتعسر لا ينافيه ذكر عدم الاستطاعة في سؤال هذا الخبر دون جوابه ، فيكون ذلك أحد الطرق التي يرتفع بها الغرر والجهالة ، نحو أخبار المخبر ، لأن ذلك مستثنى من قاعدة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٤٢٤

الجهالة والغرر للتعذر أو التعسر.

نعم قد يستفاد من الخبر الأول عدم جواز بيع المعدود كيلا ، ولعله كذلك لعدم ارتفاع الغرر به حينئذ ، بل ووزنا أيضا كالموزن كيلا أو عدا والمكيل وزنا أو عدا ، وفي محكي السرائر نفى الخلاف في منع بيع الموزون كيلا ، فضلا عن بيعه أو المكيل عدا ، لكن عن بعضهم جواز بيع كل من المكيل والموزون بكل منهما ، لحصول الانضباط بهما ول‌ خبر وهب (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهما‌السلام قال : « لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن » وبه افتى الشهيد في سلم الدروس قال : ولو أسلم في الكيل وزنا وبالعكس فالوجه الصحة ، لرواية وهب عن الصادق عليه‌السلام ، وعن آخر جواز كل من المكيل والمعدود بالوزن دون العكس لأنه الأصل والأقوى في رفع الغرر ، وإنما عدل إلى الكيل تسهيلا ، والكل كما ترى ، وخبر وهب مع ضعفه واحتماله إرادة نفي البأس عن سلف كل منهما في كل منهما على جهة الثمنية والمثمنية ، بل عن بعضهم الجزم بذلك مؤيدا بإيراد الشيخ لها في باب اسلاف السمن بالزيت ، قاصر عن معارضة قاعدة الغرر والجهالة المؤيدة بالعقل والنقل ، ودعوى أصالة الوزن في دفع الغرر واضحة المنع ، ضرورة عدم اندفاع شي‌ء منه في مقام لا يعرف فيه إلا الكيل كالعكس كما هو واضح.

نعم في شرح الأستاد تقييد ذلك بما إذا لم يعلم حاله زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلا جاز بيعه على الحال السابق ولو علم تغييره عادة ، للإجماع المنقول فما كان جزافا يبقى على جوازه جزافا ، وما كان اختباره بنحو ، يبقى على اختباره ، وإن استلزم الغرر على إشكال ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب السلف الحديث ١.

٤٢٥

خصوص الحنطة والشعير بجواز اعتبار الوزن فيهما وإن كانا مكيلين في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإجماع المنقول ، وحينئذ فالمرجع إلى العادة مشروط بجهل الحال في زمانه بالمرة ، أو العلم بالتقدير والجهل بالخصوصية ومع فقدهما فلا يلحظ في الأول سوى حصول الغرر وعدمه ، وأما في الثاني فقيل : يقدم الوزن ، لأصالته ، وقيل : الكيل لغلبته وقيل : يتخير ، والظاهر أن حاله كحال ما قبله ، وكأنه تبع بذلك ما في الحدائق فإنه بعد أن حكى عن تصريح الأصحاب بأن المراد بالمكيل والموزون ما ثبت في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيها ، فكل ما كان مكيلا في بلد أو موزونا فيه يباع كذلك ، وإلا فلا ، وحكي عن الأردبيلي المناقشة في ذلك باحتمال إرادة المتعارف عرفا عاما ، أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة إلى كل بلد بلد نحو المأكول والملبوس ، فيما يسجد عليه ، والظاهر هو الأخير قال : في الرد عليه ان الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الاخبار الحمل على عرفهم عليهم‌السلام ، فكل ما علم كونه مكيلا أو موزونا في زمنهم عليهم‌السلام وجب ، اجراء الحكم عليه بذلك في الأزمنة المتأخرة وما لم يعلم فهو بناء على قواعدهم يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكروه من التفصيل إلى أن قال وأماما يفهم من كلامه من الرجوع إلى العرف العام مطلقا ، وإن علم كونه مكيلا أو موزونا أو علم عدمه في زمنهم عليهم‌السلام فالظاهر أنه بعيد ، مخالف لما صرح به الأصحاب في غير موضع من تقديم العرف الخاص أعني عرفهم عليهم‌السلام على العرف العام أو عرف كل بلد ، وبالجملة فمحل الاشكال فيما يجهل حاله في زمنهم من كون العرف العام لا انضباط له ، فان لكل قطر عرفا وعادة والأحكام متحدة لا اختلاف فيها وإلا تناط بالأمور الغير المنضبطة.

٤٢٦

ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغرائب ضرورة خروج ما نحن فيه عن مسألة معاني الألفاظ ، فإن المكيل والموزون لا اختلاف في معناه في عرفنا وعرفهم ، وان اختلفت أفراده فيهما فرب مكيل وموزون في ذلك الزمان ليس كذلك في هذا الزمان وبالعكس ، وهو ليس اختلافا في المعنى وهو واضح ، كوضوح كون المراد أن ما يباع كيلا أو وزنا مثلا على وجه يكون معتبرا في إرادة كميته الملحوظة في البيع واختلاف الثمن باختلافها ، بل مع عدم اعتبار عدمها عد من شراء الجزاف ، لا يجوز بيعه إلا كذلك للغرر والجهالة ، كما أومئ إليه في‌ صحيح الحلبي السابق (١) بقوله « ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة ، هذا مما يكره من بيع الطعام ، » بناء على ما ذكرنا في تفسيره من عدم جواز بيع المسمى باسم المكيل مجازفة ، بل منه ومن النهي عن البيع بصاع غير صاع المصر وغير ذلك ، مضافا إلى القواعد يظهر كون المدار في المكيل والموزون والمعدود على المسمى بذلك ، من حيث تعارف بيعه بأحد الاعتبارات أو بها على وجه يعد بيعه بدونها بيع مجهول وغرر ، فيدور الحكم حينئذ مدار ذلك ، وإن اختلف باختلاف الأقطار والأمصار والأزمنة ، وليس ذلك من اختلاف الأحكام الشرعية نفسها ، بل هو من اختلاف موضوعاتها وعنوانها التي تدور مداره ، كما هو الضابط في كل عنوان حكم وموضوعه إذا كان من هذا القبيل ، ودعوى الإجماع هنا على كون المدار على زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الوجه الذي عرفته غريبة ، فاني لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون إجماعا.

نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا كما تسمعه في محله لا أنه كذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٤٢٧

أيضا بالنظر إلى الجهالة والعلم والغرر ، وعدمه الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رفع شي‌ء من ذلك ، وإثباته واحتمال جوزاه مع الغرر والجهالة بما لا يعرفه أحد من الفقهاء ، بل ظاهر كلام من وقفنا عليه منهم عدمه ، بل لا يبعد القول بعدم اعتبار الكيل والوزن في زمانه عليه‌السلام ، مع فرض تعارف عدمه فيما تعقبه من الأزمنة ، وإن أثموا بذلك من أول الأمر حيث أقدموا على البيع فاسدا ، لكنه تعارف ذلك ذلك بحيث ساوى ما يباع جزافا ، ضرورة عدم صدق الجهالة والغرر ، لتوقف تحققهما على اعتبار العلم بالكمية وملاحظتها حتى يقال ان ذلك بدونها مجهول وفيه غرر ، بخلاف ما لو كان جزافا في زمانه عليه‌السلام ، ولكن تعارف اعتبار الوزن مثلا فيه فان بيعه بدون ذلك من الغرر والجهالة قطعا ، نعم لا عبرة بالعادة الناشئة عن التسامح في الدين والاقدام على المعاينة ، فإن مثله لا يكون عادة ضرورة كون الكمية ملاحظة لهم لكن يفعلون ذلك تسامحا.

وربما اشتبه الحال على بعض الناس من الفرق بين العادتين ، ولا إشكال مع اتفاق العادة أما مع اختلافها ، فالمتجه جريان حكم كل قطر على عادته ، بل لا يبعد صحة المعاملة بين شخصين من أهل قطر تعارف الجزاف فيما بينهم ، وإن وقع ذلك منهما في البلد التي تعارف فيها الكيل وبالعكس ، إنما الإشكال مع اختلاف المتعاقدين ، ولا ريب في الصحة مع ملاحظة الاعتبار الجامع لهما. والأقوى الفساد مع عدمه لأن الجهالة بالنسبة إلى أحدهما كافية في فساد العقد ، من غير فرق في ذلك بين وقوع المعاملة في بلد الاعتبار أو بلد الجزاف أو في مكان خارج عنهما ، ضرورة عدم اندفاع الجهالة بالبلد ، فينبغي حينئذ لهما‌

٤٢٨

التخلص بمعاملة لا تقدح فيها الجهالة كالهبة المعوضة ونحوها ، ومن ذلك كله يعرف ما في شرح الأستاد حيث قال : ثم الرجوع إلى العادة مع اتفاقها اتفاقي ، ولو اختلف فلكل بلد حكمه ، كما هو المشهور وهل يراد بلد العقد أو المتعاقدين الأقوى الأول ، ولو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما ، ولو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم ، أو ذو الاختبار على ذي الجزاف ، أو البائع في مبيعه ، والمشتري في ثمنه ، أو يبني على الإقراع مع الاختلاف ، وما اتفق عليه مع الاتفاق أو التخيير ، ولعله الأقوى ، ويجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان ، والاولى التخلص بإيقاع المعاملة بنوع لا تفسده الجهالة ، من صلح أو هبة معوضة أو معاطاة ونحوها ، ولو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي ، فالأقوى التخيير ، ومع الاختصاص بجمع قليل إشكال إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل والإحاطة بما ذكرناه.

وكيف كان فلا خلاف معتد به في أنه يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا بل في التذكرة الإجماع عليه ، وظاهره من أهل العلم ، وهو الحجة بعد العمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر والجهالة ، بعد فرض تعارف بيعها كذلك وإن بيعت أيضا بالذرع لكن ذلك لا يقتضي الغرر والجهالة بدونه لكن مع ذلك ، قال المصنف وإن مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك وتعذر إدراكه بالمشاهدة ، ولعله لما في الدروس من أنه يظهر من الخلاف المنع وفي غيرها عن الحلبي ذلك أيضا أو أنه لم يرد بذلك الإشارة إلى خلاف ، بل لتأكد الوضوح ، كما في المسالك وإلا فتفاوت الأغراض لا يقتضي الغرر والجهالة بعد فرض التعارف ، نعم الظاهر اعتبار المشاهدة الرافعة للغرر ، فلا يكفي مشاهدته مطويا إلا مع تقليبه على وجه يوجب معرفته ،

٤٢٩

كما لو كان غير متفاوت ولا منقوش نقشا يختلف ، ويخفى في مطاويه وكذا البسط والزوالي ونحوها ، لكن مع ذلك في شرح الأستاد بعد أن ذكر ما عليه الأصحاب قال : والحق ان قاعدة الغرر مثبتة لا يسوغ هدمها إلا بأقوى منها وانى لنا بذلك ، فيدور الحكم مدارها ، فما كان من الثياب مخيطا يطلب وصفه لا ذرعه ، ومن الأرض يطلب فسحته ، ومن البهائم يطلب هيئة اجتماعها لا عددها ، لا يتوقف بيعها على ذرع أو عدد ، وما بنى على المداقة فلا بد من ذلك فيه ، ولا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة ان البناء وعدمه لا مدخلية له في ذلك ، كما أن تفاوت الأغراض كذلك أيضا ، وإنما المدار على صدق المعلومية وعدم الغرر ، والظاهر تحققهما كما عرفت ، وإن اتفق بيعهما بالأذرع ، لكن ذلك لا يقتضي اعتباره كما هو واضح والله العالم.

وعلى كل حال فإذا شاهد ما يكفي فيه المشاهدة من أرض أو ثوب أو حيوان أو غيرها على وجه يرتفع الغرر والجهالة عنه لها وأراد شراؤه بعد ذلك ، كفته تلك المشاهدة أي المبيع عن ذكر وصفه ولو غاب وقت الابتياع بلا خلاف أجده بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، للعمومات السالمة عن المعارض ، خلافا لما عن بعض العامة فاعتبر الرؤية وقت البيع ، ولا ريب في فساده إلا أن تمضي مدة جرت العادة بتغير مثل هذا المبيع فيها ، فيبطل حينئذ لتحقق الجهالة والغرر ، وإن لم يكن كذلك فلا بطلان لما عرفت وإن احتمل التغير بل لو ظنه كفى البناء على الأول على الأقوى للأصل الكافي في دفع الجهالة والغرر عند البيع ، ولكن يثبت له الخيار ان ثبت التغير بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ،

٤٣٠

لقاعدة الضرر (١) وغيرها ، فما عن بعضهم من عدم الخيار لقاعدة للزوم ، وآخر من احتمال الفساد إلحاقا لتبدل الوصف بتبدل الحقيقة واضح الفساد ، نعم لو فرض أنه تغير بعض ما لم يشاهده من الأوصاف التي لا تعتبر في صحة البيع مشاهدتها فلا خيار ، لقاعدة اللزوم ، فإن الرؤية لا تزيد على الأوصاف المشترطة المقتصر في الخيار على تخلف واحد منها لا غيرها ، كما لا خيار على الظاهر بالتغير المتسامح فيه ، ولا ينقص الثمن نقصانا معتدا به ، لعدم الضرر حينئذ ، بل ولا بالتغير إلى الكمال في تلك الصفات أو إلى ما هو أجود منها لذلك أيضا ، مع احتماله وإن لم يكن ضرر من حيث المالية إلا أنه قد يكون يتخلف الغرض.

نعم يتجه الخيار مع ذلك للبائع أيضا لقاعدة الضرر وإذا اختلفا فيه فقال المشتري ليس هو على ما رأيته ، وقال البائع هو هو ، فالقول قول المبتاع مع يمينه على المشهور ، لأصالة بقاء يده على الثمن ، كما في الدروس وأصالة عدم وصول الحق إليه كما في غيرها ، نحو دعوى عدم وصول الأجزاء المتصلة من المبيع إليه ، من غير فرق بين طول المدة وقصرها ، والاستعداد للتغير وعدمه ، ونحو ذلك من الأسباب الموجبة للظن بصدق البائع ، ضرورة عدم معارضة ذلك للأصل الشرعي السابق ، لكن مع هذا فيه تردد من ذلك من مخالفته لأصالة اللزوم وعدم التغير ، وصدق المنكر على البائع الذي يترك لو ترك ، ولعله لذا قيل أن القول قول البائع بيمينه ، وهو لا يخلو من قوة لانقطاع الأصلين السابقين بما عرفت ، مما هو كالوارد عليه على أن اليد على الثمن كانت يد أمانة للعقد ، المقتضي كون المبيع ملكا للمشتري ، فعليه إثبات زيادة حقه على ذلك ، ومع قطع النظر عن ذلك كله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٤ و ٥.

٤٣١

فالمدعي عرفا هو المشتري ، بل لا يبعد ذلك أيضا لو اتفقا على تغيره ، واختلفا في تقدمه على البيع المعلوم تاريخه ، وتأخره ما لم تشهد القرائن الموجبة للعلم بأحدهما ، لأصالة تأخر الحادث ، بناء على المشهور من جريانها في نحو ذلك ، بل ينبغي الجزم به لو فرض الاختلاف بعد القبض المحمول على الصحة ، مؤيدا بأن الغالب عدم قبض صاحب الحق غير حقه ، كما أن الظاهر ذلك أيضا لو فرض اتفاقهما على التغير بعد العقد قبل القبض بما لا يرجع إلى تعيب ونحوه ، بناء على عدم كون ذلك من ضمان البائع ، وإلا لكان موجبا للخيار ، حتى بعد القبض في زمان الضمان كالعيب الحادث في الثلاثة ، اللهم إلا أن يجعل أوصاف المبيع مثل أجزائه ، وإن لم يتعيب بالمتخلف منها ، فتكون حينئذ أوصافه المعتبرة فيه من حيث كونه مبيعا مضمونة على البائع قبل القبض ، وينزل التالف منها منزلة تلف بعض أجزاء المبيع المعلوم ضمانها على البائع قبل القبض ، وأنها من قاعدة تلف كل مبيع تلف قبل قبضه ، إلا أن المتجه على هذا التقدير عدم الفرق في ضمانها بين سبقها على القبض ولحوقها له ، ما دام في ضمان البائع كأجزاء المبيع وما يحدث فيه من عيب ، لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من المنافاة لقاعدة اللزوم ، وعدم وضوح الاندراج في عموم‌ « كل مبيع تلف قبل قبضه » (١) ولا فيما دل على كونه من ضمان البائع في الثلاثة (٢) ونحوها فان لم يكن إجماعا ، كان للنظر فيه مجال ، وقد يأتي لذلك تتمة إنشاء الله فيما بعده ، كما أنه يأتي البحث في خيار تخلف الوصف إنشاء الله ، هذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب الخيار.

٤٣٢

ولكن قد يقال أن مراد المشهور فيما ذكروه من تقديم قول المبتاع فيما لو اتفقا على سبق التغير في المبيع على وجه يوجب الخيار لو كان المشتري جاهلا فادعى هو أني لا أعلم بذلك ، وادعى البائع عليه أنك قد رأيته ورضيت به ، ولا ريب في أن القول قول المشتري حينئذ ، لأصالة عدم العلم به ، ولإطلاق ما دل على ثبوت الخيار بنحو ذلك (١) حتى يعلم المسقط من العلم به أو اشتراط الإسقاط أو نحو ذلك ، ولعل التردد من المصنف فيه للتردد في أصالة ثبوت الخيار بذلك حتى يعلم ، وعدمها على معنى أنه لا يحكم بإيجابه الخيار حتى يعلم جهل المشتري به لأصالة اللزوم ، ولا ريب في أن الأقوى الأول ، والله العالم.

وعلى كل حال فان كان المراد مما يراد شراؤه الطعم أو الريح مثلا وكان أنواعا متعددة يختلف الثمن باختلافها ، وقد شاهد مثلا ما له مدخلية في ذلك ولم يبق غيرهما ، فلا بد من اختباره بالذوق أو الشم لرفع الجهالة والغرر إذا فرض توقف ارتفاعهما عليه ، وفي‌ خبر محمد بن العيص (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى ما يذاق يذوقه قبل أن يشتري؟ قال : نعم فليذقه ولا يذوقن ما لا يشتري » كما أن ما يراد لونه مثلا لا بد من رؤيته في رفعهما ، ضرورة معلومية كل شي‌ء بحسبه ، نعم يجوز شراؤه من دون ذلك بالوصف القائم مقام الاختبار كما يقوم مقام الرؤية من غير فرق ، بين حضور العين وغيبتها ، وعدالة الواصف وفسقه ، ولذا صح أن يشتري الأعمى الأعيان المرئية به بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، عدا ما في محكي السرائر من قوة احتمال عدم جواز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب الخيار.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٤٣٣

بيع العين الحاضرة بالوصف ، وفيه عدم الفرق بعد فرض الجواز به ، لكونه صالحا لرفع الجهالة والغرر ، بل لعل الحاضر بالوصف ، وفيه عدم الفرق بعد فرض الجواز به ، لكونه صالحا لرفع الجهالة والغرر ، بل لعل الحاضر أولى من الغائب لزيادة العلم بالخصوص على الغيبة ، ومن هنا قال في المختلف : أنه في غاية الضعف ، بل هو رحمه‌الله قد جعل المعتمد بعد ذلك خلافه.

وإنما الكلام في أنه هل يصح شراؤه من غير اختبار ولا وصف بعد مشاهدته وارتفاع الجهالة عنه ، من جهة القوام واللون ونحوهما ولم يبق إلا الطعم والشم فيجوز بيعه وشراؤه ، بناء على أن الأصل فيه الصحة والسلامة فيه تردد وخلاف ، فعن الشيخين كل شي‌ء من المطعوم والمشروب يمكن للإنسان اختباره بغير الإفساد له ، كالأدهان الطيبة المستخبرة بالشم وصنوف الطيب والحلاوات والحموضات ، فإنه لا يجوز بيعه بغير اختبار له ، فان بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح ، والمتبايعان فيه بالخيار ، فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس ، وعن سلار ما يختبر بالذوق أو الشم إذا لم يفسده الاختبار ، إذا بيع من غير اختبار لم ينعقد البيع ، وعن أبي الصلاح من شرط صحة بيع الحاضرة اختبار ما يصح اختباره وذوقه أو مشاهدته ، وعن أبي البراج لا يجوز بيعه إلا بعد أن يختبر ، فان بيع شي‌ء منه من غير الاختبار له كان المشتري مخيرا في رده على البائع ، وعن ابن حمزة كل ما أمكن اختباره من غير إفساده لم يصح بيعه من غير اختبار.

ولكن الأولى والأقوى عند ابن إدريس والمصنف ومن تأخر عنهما الجواز للعمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر المرتفع بأصل السلامة ، وبالسيرة القاطعة فإن كثيرا من الصفات لا تظهر‌

٤٣٤

إلا بعد ضرب من التصرفات ، فيلزم الفساد في أكثر المعاملات ، فإنه إذا لم يكف أصل الصحة في المذوق والمشموم لم يكف في غيرها من الحيوانات ونحوها ، مع أن الاطلاع على العيوب كثيرا ما يتوقف على التصرف الكثير في الزمان الطويل ، وخبر ابن العيص بعد الإغماض عن سنده إنما يراد منه المنع من ذوق مال الغير بغير إذنه إلا مع الفحوى بإرادة الشراء ، كما أنه يمكن إرادة نفي اللزوم من نفي الصحة في كلام من عرفت ، بقرينة إثباتهم الخيار فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف وتكون اتفاقية ، إذ لا إشكال في أن له الخيار بين الرد والأرش ان خرج معيبا ، كما في غيره من أفراد المبيع المعيب الذي حكمه ذلك ، وأنه يتعين عليه الأرض مع إحداث حدث فيه كما تعرفه إنشاء الله في محله مفصلا.

ويتساوى في ذلك الأعمى والبصير بلا إشكال للعموم ، بل ولا خلاف إلا من سلار فخير الاعمى بين الأمرين حتى مع الأحداث ، ولا ريب في فساده ، للإطلاق المقتضي لسقوط الرد به ، هذا ولكن الانصاف عدم خلو أصل المسألة عن الإشكال ، ضرورة عدم صلاحية أصل السلامة لرفع الغرر والجهالة الحاصلة بتعدد أفراد السالم ، والرضا بأي فرد كان منها لا يكفي في صحة البيع المعتبر فيه شرعا معلومية متعلقة ، لا الرضاء به كائنا ما كان ، وليس كل وصف له مدخلية في رفع الجهالة والغرر عن المبيع عدمه عيب ، حتى يكفي فيه أصل الصحة والسلامة ، كما أن إثبات الخيار لا يصلح الفساد الحاصل بالغرر والجهالة وإلا لجاز شراء كل مجهول بشرط الخيار ، وكلمات الأصحاب السابقة التي لم تشتمل على إثبات الخيار ، كعبارة سلار وأبي الصلاح وابن حمزة لا قرينة على إرادة نفي الصحة فيها ، بل ما ذكر فيها الخيار لم‌

٤٣٥

يعلم إرادة خيار العيب منها ، بل يمكن إرادة خيار تخلف الوصف ، بمعنى أنه يجوز بيعه بالوصف مع عدم الاعتبار ، ويثبت حينئذ الخيار بتخلفه ، قال ابن إدريس : فيما حكي عنه قد « روى أنه لا يجوز بيعه بغير اختبار ، فان بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح » ، والمتبايعان فيه بالخيار ، فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس ، وهذه الرواية يمكن العمل بها على بعض الوجوه ، وهو أن البائع لم يصفه فإذا لم يصفه يكون البيع غير صحيح ، لأنه ما يعرف بمشاهدته طعمه فلا بد من وصفه ، فاما إذا وصفه فالبيع صحيح ، ويعتبر فيه ما اعتبرناه في بيع خيار الرؤية ، لأنه لا يمكن معرفته إلا بالطعم ، فان وجد طعمه أو ريحه كما وصف البائع له فلا خيار له ، وإن وجده بخلاف وصف بايعه كأن بالخيار ، ولا دليل على بطلان هذا العقد إلى آخره ، وهو صريح فيما ذكرناه من إرادة خيار الوصف.

ودعوى ان المذوق والمشموم له حد مضبوط عرفا متى تخلف عنه كان عيبا ، ولذا اكتفى بأصل السلامة فيه فيجوز الاعتماد على مقتضى طبعه ، إذ ليس المراد بأصل شرط العلم بالمبيع أن ترتفع الجهالة عنه بكل وجه ، فإن رؤية ظاهر الصبرة ونحوها كاف مع احتمال المخالفة ، وكذا البيع بالوصف واضحة المنع بشهادة الوجدان ، كدعوى أن المراد بخبر العيص جواز الذوق لا وجوبه في صحة البيع الذي هو ظاهر الأمر به ، ولا ينافيه النهي عن ذوق ما لم يشتره ، وإن أفاد حكما آخر غير ذلك ، والاعتماد على أصل السلامة إنما هو فيما زاد على رفع الغرر والجهالة ، وتحقق المعلومية المعتبرة في صحة البيع كالعيوب الباطنة ونحوها ، ولو سلم ففي كل ما يكون فقده عيبا ، وإن كان له دخل في المعلومية ، أما الأوصاف التي تختلف بها الأفراد الصحيحة فلا مدخلية‌

٤٣٦

لأصل السلامة فيها قطعا ، ومن ذلك ينقدح لك ان التحقيق في المسألة هو جواز البيع في كل ما كان أصل السلامة كافيا في تحقق وصف كونه معلوما ، وفي رفع الغرر والجهالة عنه وعدمه فيما لم يكن كذلك من مختلف الأوصاف التي تختلف الأثمان باختلافها ، فإن أصل السلامة خصوصا التعبدي منه لا مدخلية له في رفع الجهالة الناشئة من ذلك ، وكذا الكلام في غير المطعوم والمشموم من المشاهد والملموس ونحوهما من أفراد المبيع الذي قد عرفت غير مرة اعتبار المعلومية ، ولو شرعا باستصحاب وأصل سلامة وإخبار بائع وغير ذلك مما ثبت شرعا الاكتفاء به في صحة بيعه.

وأما ما يؤدي اختباره إلى إفساده كالجوز والبطيخ والبيض فان شراءه جائز مع جهالة ما في بطونه للسيرة من غير فرق بين شرط الصحة أو البراءة من العيوب وعدمها ولكن يثبت للمشتري الأرش بالاختبار مع العيب دون الرد لأنه قد أحدث فيه حدثا وقد عرفت وتعرف سقوط الرد بالعيب به ، نعم ان لم يكن لمكسوره قيمة أصلا رجع بالثمن كله وإن اختلف فيه أيضا عبارات الأصحاب فعن المفيد ما لا يمكن اختباره إلا بإفساده كالبيض الذي لا يعرف جيده من رديه إلا بعد كسره ، فابتياعه جائز بشرط الصحة ، فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ، وكذا عن سلار وقال الشيخ : فيما حكي عنه ابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب ، وكذا عن أبي الصلاح وابن حمزة وقال ابن البراج : في المحكي عنه وأما ما لم يمكن اختباره إلا بإفساده فلا يجوز بيعه إلا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب ، فان باع بخلاف ذلك لم يكن البيع صحيحا ، وفي المختلف هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين‌

٤٣٧

في العقد ، إما الصحة أو البراءة من العيوب وليس بجيد ، بل الأولى انعقاد البيع سواء شرط أحدهما أو خلا عنهما أو شرط العيب ، والظاهر أنه إنما صار إلى هذا الإيهام من عبارة الشيخين حيث قالا : أنه جائز على شرط الصحة أو بشرط الصحة ، ومقصودهما أن البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز ، لا ان جوازه مشروط بالصحة أو البراءة ، قلت : لا إشكال في تحقق الجهالة والغرر في هذا البيع ، وعدم كفاية أصل السلامة في رفعهما لاختلاف أفراد السالم من العيب اختلافا فاحشا لكن للسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار على بيعه ، قلنا : بجوازه واستثنائه من دليل الجهالة والغرر ، وإلا فاشتراط الصحة والبراءة من العيوب لا ترفع الجهالة والغرر قطعا له ، وإنما يفيدان سقوط خيار العيب وتأكد تحققه ، وهذا أعم من ذلك قطعا على أن البراءة من العيب تفيد سقوط الخيار إذا كان لمكسوره قيمة ، وإلا فالظاهر الرجوع بالثمن وإن تبرأ من العيب ، لبطلان البيع حينئذ المقتضي لرجوع الثمن إلى مالكه ، وإلا كان أكل مال بالباطل لكون الثمن حينئذ بلا مثمن مقابل له.

ومن هنا قال في الدروس : وما يقصد طعمه وريحه الأولى اعتباره أو وصفه ، ولو خلا عنهما صح وتخير مع العيب ، وكذا ما يفسد بالاختبار كالجوز والبيض والبطيخ ، ويثبت الأرش مع التصرف فيما له بقية ، ولو لم يكن له بقية بطل البيع من حينه ، ويحتمل من أصله فمؤنة نقله على المشتري على الأول ، وعلى البائع على الثاني ، ويسترد الثمن على التقديرين ، وظاهر الجماعة بطلان البيع من أصله ، إلى أن قال : ولو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره المعيب صح عند الشيخ وأتباعه ، ويشكل بأنه أكل مال بالباطل إذ لا عوض هنا لكن ربما تسمع وجهه‌

٤٣٨

فيما يأتي إنشاء الله تعالى ، كما أن وجه البطلان من حينه يمكن أن يكون صحة البيع السابقة باعتبار أن هذا المال مبنى ماليته على الاحتمال فتبطل ماليته حينئذ عند بطلان الاحتمال ، لا أنه محتمل المالية فيبين بطلان الاحتمال ، فينكشف بطلان البيع ، ولأن ذلك من المبيع المعيب إلا أن أرشه مستوعب للثمن كله ، فكما أن البطلان من الحين حيث يكون له قيمة ، فكذلك إذا لم يكن له قيمة لكونهما معا من المبيع المعيب ، وإن اختلفا باستيعاب الأرش الثمن أجمع هنا دون الأول ، ولأنه لما كان مضمونا على البائع من حيث العيب ففي الفرض حينئذ كتلف المبيع قبل قبضه في الانفساخ من حينه ، بل قد يقال : بناء على أن الأرش شي‌ء أوجبه الشارع بسبب العيب ، لا أنه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من الثمن ، ولذا يسقط بالإسقاط ولا يتعين على البائع الإعطاء من نفس الثمن ، ومعلومية عدم تقسيط أجزاء الثمن على اجزاء المثمن من يد أو رأس أو نحوهما ، أن المتجه حينئذ عدم انفساخ البيع ، وإن استحق المشتري على البائع المستوعب ، بل يتجه أيضا سقوطه بالتبري من العيوب ، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب ذلك ، وليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع ، حتى يكون شرطا باطلا ، إذ الثمن متحقق جار على حسب معاملة العقلاء ، ولم يعلم اعتبار زيادة على ذلك في البيع ، فمع فرض رضاه بذلك يكون قادما على بذل ماله على هذا النحو.

نعم لو لم يشترط البراءة وانكشف عدم القيمة لمكسورة استحق الرجوع بالأرش المستوعب ، ولعله لذا لم يعبروا ببطلان البيع وإن ذكر المصنف وغيره الرجوع بالثمن كله ، وفهم منه في المسالك بل وغيرها بطلان البيع ، لكن قد يمنع لعدم خروجه عن المالية ، وإن لم يكن له‌

٤٣٩

قيمة وهو أعم من بطلان البيع وأما ما ذكره من المؤنة ففي المسالك الذي يظهر أنها على المشتري مطلقا ، لعدم المقتضي لرجوعه بها ، وإن كان الفعل في ملك غيره ، وفي شرح الأستاد لو قيل : بتغريم البائع مطلقا لم يكن بعيدا لصدور الضرر من قبله ، والمضرور يرجع على من ضره إلا إذا اشترط عدمه ، وعذره الدافع للعصيان لا يندفع به الضمان قلت : لا وجه للرجوع بها بناء على الفسخ من حينه ، ضرورة كونه ناقلا لملكه فلا يرجع بما غرمه له عليه كما في كل أفراد الخيار ، نعم قد يتجه ذلك لو كان البطلان من أصله ، لقاعدة الغرور ، وهو الذي نظره أول الشهيدين ، والله العالم.

وكيف كان فقد ظهر لك بقاعدة الغرور والجهالة انه لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا مقدورا على تسليمه لجهالته وإن ضم إليه القصب أو غيره على الأصح لأن ضم المعلوم إلى المجهول لا يصيره معلوما ، وكذا اللبن في الضرع ولو ضم إليه ما يحتلب منه فضلا عن غيره ، وكذا الجلود والأصواف والأوبار والشعر على الأنعام ولو ضم إليه غيره ، وكذا ما في بطونها وكذا إذا ضمهما أي ما على ظهورها وما في بطونها وكذا ما يلقح الفحل وكذا غير ذلك مما فيه الغرر والجهالة ، عدا الصوف والوبر والشعر على الظهور فإنه قد يمنع الغرر والجهالة فيها مع المشاهدة ، والوزن فيها لو كان فهو بعد الجز لا قبله كالثمرة ، ولذا أفتى به المفيد وغيره من المتأخرين ، بل لعله مشهور ، وأما غير ذلك فقد خالف فيه الشيخ في النهاية وابنا حمزة والبراج فيما حكي عنهما ، قال : فيها لا يجوز بيع ما في الآجام من السمك لان ذلك مجهول ، فان كان فيها شي‌ء من‌

٤٤٠