جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

( كتاب الزكاة‌ )

التي هي لغة الطهارة ، ومنه ( أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً ) (١) ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها ) (٢) ( ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ) (٣) والنمو ، ومنه ( ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) (٤) لأولوية التأسيس من التأكيد ، وعن الشهيد أنها قد تطلق على العمل الصالح ، قلت : لعل منه ( وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ) (٥) ( خَيْراً مِنْهُ زَكاةً ) (٦) ( مِنْ لَدُنّا وَزَكاةً ) (٧) إلا أن الظاهر كون ذلك على جهة المجاز ، وشرعا على وجه الحقيقة بناء على الأصح من ثبوتها مطلقا ، أو فيها وفي أختها وما شابههما ، أو علي جهة المجاز الشرعي اسم لحق يجب‌

__________________

(١) سورة الكهف ـ الآية ٧٣.

(٢) سورة الشمس ـ الآية ٩.

(٣) سورة النور ـ الآية ٢١.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ٢٣٢.

(٥) سورة مريم (ع) ـ الآية ٣٢.

(٦) سورة الكهف ـ الآية ٨٠.

(٧) سورة مريم (ع) ـ الآية ١٤.

٢

في المال يعتبر في وجوبه النصاب كما في المعتبر والتذكرة ، أو صدقة مقدرة بأصل الشرع ابتداء كما في المسالك وكذا الدروس ، أو صدقة متعلقة بنصاب بالأصالة كما في كنز العرفان ، أو قدر معين يثبت في المال أو في الذمة للطهارة والنماء كما في البيان ، وقيل : إنها إخراج بعض المال لينمو الباقي بالبركات ، وتزيد لصاحبه الدرجات ، ويطهر المال من الحرام ، وصاحبه من المذام ، إلى غير ذلك من تعريفاتهم التي لا فائدة مهمة في استقصائها ، وإطالة الكلام في نقضها طردا وعكسا بعد أن لم يكن هذا الاختلاف منهم اختلافا في معناها شرعا ، ولا أن المراد منه كشف تمام المعنى الجديد ، وإنما المقصود به كشفها في الجملة ، وهو حاصل بكل منها ، وإن كان أولاها ما في الدروس والمسالك لسلامته من أكثر ما قيل أو يقال ، لكن ينبغي أن يعلم أن ما عدا الأخير منها دال على كونها اسما لنفس الحق ، والأخير على أنها الإخراج كالمحكي عن تعريف المبسوط أيضا ، ويؤيده قولهم : يستحب الزكاة وتجب إلا أن يكون على تقدير مضاف ، ولعله الأظهر كما هو مفاد أكثر التعريفات.

وكيف كان فظاهر المعتبر وغيره ممن ذكر مناسبة النقل أنها منقولة من المعنيين ولعله لا بأس به في النقل التعييني ، أما التعيني المسبوق بالمجاز فقد يشكل بأن المعهود في التجوز ملاحظة العلاقة بين معنى واحد حقيقي ومجازي لا معنيين ، واحتمال أن المعنى هنا أيضا واحد ـ لأن الزكاة النمو ، وإرادة الطهارة منها باعتبار كونها سببا للنمو ، فهو من باب إطلاق اسم المسبب على السبب ـ خلاف الظاهر ، بل المقطوع به من ملاحظة كلماتهم.

نعم قد يحتمل كون المراد من ذكر المناسبتين إرادة بيان قابلية النقل من كل منهما كما يومي إليه ما في البيان ، لا أنها منقولة منهما معا ، لكن فيه أيضا أنه خلاف الظاهر من كلماتهم ، فليس حينئذ إلا التزام جواز مثل هذا التجوز ، لصدق كونه‌

٣

استعمالا للفظ في غير ما وضع له للعلاقة ، سواء كانت بين المعنى الواحد أو الأزيد.

وعلى كل حال ففي المعتبر وكذا التذكرة سمي أي ذلك الحق المخصوص زكاة لأنه به يزداد الثواب ، ويطهر المال من حق المسلمين ، ومؤديها من الإثم ، وفيه أنه ينبغي ملاحظة المناسبة بين المعنيين مع قطع النظر عن وجوبها ومشروعيتها ، فيقال في مناسبة الطهارة أنها تطهر المال مما فيه من الشبه الواقعية ، حتى‌ ورد (١) « أن من أخرج زكاة ماله ووضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله » وتطهر النفس من الأخلاق الردية كالبخل والشح والقساوة ونحوها ، و‌عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « من أدى ما افترضه الله عليه فهو أسخى الناس » وقال الصادق عليه‌السلام (٣) : « أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا ، وأسخى الناس من أدى زكاة ماله » وفي مناسبة النمو إنها تورث بركة في المال وتنمية كما هي العادة في كل شي‌ء نظيف مما هو مبني على النمو ، وفي الخبر (٤) « الصدقة تزيد في المال » وفي آخر (٥) « الصدقة تقضي الدين ، وتخلف البركة » قال في البيان : « هي مصدر زكى إذا نما ، فان إخراجها يوجب بركة في المال وتنمية ، وللنفس فضيلة الكرم ، أو من زكى بمعنى طهر ، فإنها تطهر المال من الخبث ، والنفس من البخل » وفي المسالك الزكاة لغة الطهارة والنمو ، سميت بذلك الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوزار المتعلقة بسبب تعلق حق الله به ، أو للنفوس من أوساخ الأخلاق الرذيلة من البخل وترك مواساة المحتاج وغيرهما ، ولما كان المطهر من شأنه أن يزيل الأوساخ ويصحبها كالماء للنجاسة كانت الزكاة محرمة على بني هاشم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ٨ من كتاب الزكاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ١ من كتاب الزكاة.

٤

تشريفا لهم ، ولذا‌ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إنما هذا المال من الصدقة أوساخ الناس » وفي رواية (٢) « غسالات أيدي الناس » ووجه نسبتها إلى الأيدي في هذا الخبر أن الأموال المعطاة في الأكثر إنما تكون بها وتمر عليها ، وأما أخذها من جهة النمو فلأنها تنمي الثواب وتزيده ، وكذلك تزيد المال وإن ظنه الجاهل أنه نقص ، وقد‌ قال عليه‌السلام (٣) : « إن الصدقة تزيد في المال » وعن الصادق عليه‌السلام (٤) « إن الصدقة تقضي الدين وتخلف البركة ».

وفي كنز العرفان « إن قلت الطهارة من أي شي‌ء وكذا النماء في أي شي‌ء قلت : أما الطهارة فمن إثم المنع ، أو نقول إذا لم يخرج الزكاة يبقى حق الفقراء في المال فإذا حمله شحه على منعه فقد ارتكب التصرف في الحرام والاتصاف برذيلة البخل ، فإذا أخرجها فقد طهر ماله من الحرام ونفسه من رذيلة البخل ، وأما النماء ففي البركة والثواب » ولعل مراده ومراد المحقق وغيره من النماء في الثواب أن الزكاة توجب مضاعفة للحسنات ، لقوله تعالى (٥) ( وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) أي الذين يجعلون حسناتهم مضاعفة في زيادة الأجر والثواب ، والأظهر إرادة الاضعاف في ثواب الزكاة لا غيرها ، لاندراجها في قوله تعالى (٦) ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ ) وفي قوله (٧) ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) وقوله (٨) :

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ ص ٢٨٥ ـ الرقم ٤٧٠٣.

(٢) كنز العمال ج ٣ ص ٢٨٥ ـ الرقم ٤٧٠١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ٨ من كتاب الزكاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ١ من كتاب الزكاة.

(٥) سورة الروم ـ الآية ٣٨.

(٦) سورة الحديد ـ الآية ١١.

(٧) سورة البقرة ـ الآية ٢٦٣.

(٨) سورة الانعام ـ الآية ١٦١.

٥

( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) والأمر في ذلك كله سهل.

ثم ليعلم أن الزكاة أخت الصلاة ، وقد قرنهما الله تعالى في كتابه مشعرا بعدم قيام الصلاة ممن لم يؤد الزكاة‌ (١) « وصلاة فريضة خير من عشرين حجة ، وحجة خير من بيت مملو ذهبا ينفقه في بر حتى ينفد ، فلا أفلح من ضيع عشرين بيتا من ذهب بخمسة وعشرين درهما ، فان من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي » (٢) « وبينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد إذ قال : قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر ، فقال : اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون » (٣) بل‌ « من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم وسأل الرجعة عند الموت (٤) وهو قوله تعالى (٥) ( رَبِّ ارْجِعُونِ )‌ إلى آخره‌ و « ليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا » (٦) بل‌ « ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده الله تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة » (٧) بل « مانع الزكاة يطوق بحية قرعا تأكل من دماغه وذلك قوله تعالى (٨) ( سَيُطَوَّقُونَ ). إلى آخره » (٩) ، بل‌ « ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من النار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب وذلك قوله تعالى ( سَيُطَوَّقُونَ ) » (١٠) وخصوصا مانع زكاة النقدين‌ فان الله يحبسه يوم القيامة بقاع قفر وسلط عليه شجاعا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٧.

(٥) سورة المؤمنون ـ الآية ١٠١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٣.

(٨) سورة آل عمران ـ الآية ١٧٦.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٥.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

٦

أقرع ـ أي ثعبانا لا شعر في رأسه لكثرة سمه ـ يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل ، ثم يصير طوقا في عنقه ، وذلك قوله تعالى ( سَيُطَوَّقُونَ ) وما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله تعالى يوم القيامة بقاع قرقر تطأه كل ذات ظلف بظلفها وتنهشه كل ذات ناب بنابها ، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه الله ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة (١) « وإن الله يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة أي قدرها ، معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير ، هؤلاء الذين أعطاهم الله فمنعوا حق الله في أموالهم » (٢) و « ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بتضييع الزكاة ، ولا يصاد من الطير إلا ما ضيع تسبيحه » (٣) و « إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة للفقراء ، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقير محتاجا ، ولاستغنى بما فرض الله له ، وأن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء ، وحقيق على الله أن يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله وأقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق أنه ما ضاع مال في بر أو بحر إلا بترك الزكاة وما صيد صيد في بر ولا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم ، وأن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا ، وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ، ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله » (٤).

وأما فضلها فعظيم ويكفيك فيه ما ورد في فضل الصدقة الشاملة لها من‌ « أن الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

٧

يربيها لصاحبها كما يربي الرجل فصيله ، فيأتي بها يوم القيامة مثل أحد » (١) و « أنها تدفع ميتة السوء » (٢) و « تفك من لحى سبعمائة شيطان ، ولا شي‌ء أثقل على الشيطان منها على المؤمن ، وتقع في يد الرب قبل أن تقع في يد العبد » (٣) و « صدقة الليل تطفئ غضب الرب ، وتمحو الذنب العظيم ، وتهون الحساب ، وصدقة النهار تنمي المال وتزيد في العمر » (٤) إلى غير ذلك ، بل لعل رجحان الصدقة في الجملة من الضروريات بل العقل مستقل في ثبوته.

ثم إن الظاهر عدم وجوب شي‌ء في المال ابتداء غير الزكاة والخمس ، بل لا خلاف محقق أجده في غير الضغث بعد الضغث كما ستسمع الكلام فيه ، للأصل والعموم والسيرة القطعية التي هي أقوى من الإجماع ، بل يمكن دعوى الضرورة فيه ، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد من النصوص (٥) في فرض الزكاة ، وأنه لو علم الله عدم سد حاجة الفقراء بها لافترض غيرها ، ونحوها مما سيمر عليك بعضها في تضاعيف المباحث.

نعم يستحب مؤكدا الإنفاق مما أنعم الله به عليه ، بل ينبغي أن يلزم نفسه بشي‌ء معلوم على حسب وسعه وطاقته ينفقه في كل يوم أو في كل أسبوع أو في كل شهر ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٦) أو حسنه : « عليكم في أموالكم غير الزكاة ، فقلت : وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال : سبحان الله أما تسمع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ٧ من كتاب الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ٢ من كتاب الزكاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ١٢ من كتاب الزكاة مع الاختلاف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصدقة ـ الحديث ٢ من كتاب الزكاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

٨

الله عز وجل يقول في كتابه ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (١) قلت : فما ذا الحق المعلوم؟ فقال : هو الشي‌ء يعمله الرجل في ماله فيعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يداوم عليه » وقال في خبره الآخر (٢) : « أترون أن ما في المال زكاة وحدها ما افترض الله في المال غير الزكاة أكثر فيعطى منه القرابة والمفترض يسألك » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر سماعة بن مهران (٣) : « لكن الله فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة ، فقال : والذين في أموالهم حق معلوم والحق المعلوم غير الزكاة هو شي‌ء يفرضه الرجل على نفسه وماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته ووسعته ، فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم ، وإن شاء في كل جمعة ، وإن شاء في كل شهر ـ إلى أن قال ـ : ومما فرض الله في المال غير الزكاة قوله عز وجل (٤) ( الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) ومن أدى ما افترض الله عليه فقد قضى ما عليه وأدى شكر ما أنعم الله به عليه إذا هو حمده على ما أنعم الله عليه فيه مما فضله من السعة على غيره ، ولما وفقه لأداء ما فرض الله عز وجل عليه وأعانه عليه » وسأله عليه‌السلام ابن سنان (٥) « في كم تجب الزكاة من المال؟ فقال : الزكاة الظاهرة أم الباطنة؟ فقال : ما هما؟ فقال : أما الظاهرة ففي كل ألف خمسة وعشرون ، وأما الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك » وفي المروي (٦) عن تفسير العياشي « سألته عن قول الله عز وجل ( الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ )

__________________

(١) سورة المعارج ـ الآية ٢٤ و ٢٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤ مع الاختلاف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢ مع الاختلاف.

(٤) سورة الرعد ـ الآية ٢١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٩ وفي الوسائل عن محمد بن سنان عن المفضل قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجل. إلخ.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٧.

٩

فقال : هو مما فرض الله في المال غير الزكاة ، ومن أدى ما فرض الله عليه فقد قضى ما عليه » وفي‌ خبر القاسم بن عبد الرحمن (١) عن الباقر عليه‌السلام « أن رجلا جاء إلى أبيه فقال. أخبرني عن قوله تعالى ( الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) فقال له : الحق المعلوم الشي‌ء يخرجه من ماله ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين قال : إذا لم يكن من الزكاة ولا من الصدقة فما هو؟ قال : هو الشي‌ء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر وإن شاء أقل على قدر ما يملك يصل به رحما ، أو يقوي به ضعيفا ، ويحمل به كلا ، أو يصل به أخا له في الله في نائبة تنوبه ».

ومن فهم الوجوب من هذه النصوص أو بعضها أو احتمله فليعلم أنه ليس على شي‌ء ، وأنه ممن لا يجوز له التعرض لفهم كلامهم عليهم‌السلام وإفتاء الناس بما يحصل لديه منه ، والصدوق رحمه‌الله في الفقيه إنما عبر بمضمون كلامهم عليهم‌السلام فقال : « قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) والحق المعلوم غير الزكاة ، وهو شي‌ء يفرضه الرجل على نفسه أنه في ماله ونفسه يجب أن يفرضه على قدر طاقته » فمراده مرادهم عليهم‌السلام ، فما عن الذخيرة من أن ظاهر هذه العبارة الوجوب في غير محله كما هو واضح.

بل لعل الحال في الضغث بعد الضغث كذلك خصوصا بعد الأصل والعمومات سيما‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر معمر بن يحيى (٢) : « لا يسأل الله عز وجل عبداً عن صلاة بعد الفريضة ، ولا عن صدقة بعد الزكاة ، ولا عن صوم بعد شهر رمضان » وبعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية بن مترع (٣) « في الزرع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١٦ من كتاب الصوم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٢ لكن رواه عن معاوية بن شريح وهو الصحيح لأنه لم يوجد أثر لمعاوية بن مترع في كتب التراجم أصلا والموجود فيها هو معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي.

١٠

حقان حق تؤخذ به وحق تعطيه ، أما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر ، وأما الذي تعطيه فقول الله عز وجل (١) ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) يعني من حضرك الشي‌ء ، ولا أعلم إلا أنه قال : الضغث ثم الضغث حتى تفرغ » وصحيح شعيب العقرقوفي (٢) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله (٣) ( وَآتُوا ) فقال : الضغث من السنبل ، والكف من التمر إذا حوصره ، قال : وسألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله البيت؟ قال : لا ، هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله في بيته » وحسن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير (٤) عن الباقر عليه‌السلام في الآية ، قال : « هذا من الصدقة يعطي المسكين القبضة بعد القبضة ، ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة ، ويعطي الحارس أجرا معلوما ، ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إياه » وحسن أبي بصير (٥) عن الصادق عليه‌السلام « لا تصرم بالليل ، ولا تحصد بالليل ، ولا تضح بالليل ، ولا تبذر بالليل ، فإنك إن لم تفعل لم يأتك القانع ، وهو من يقنع بما أعطيته ، والمعتر ، وهو الذي يمر بك فيسألك ، وإن حصدت بالليل لم يأتك السؤال وهو قوله عز وجل ( وَآتُوا حَقَّهُ ) يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدت ، وإذا خرج فالحفنة بعد الحفنة ، وكذلك عند الصرام ، ولا تبذر بالليل ، لأنك تعطي من البذر كما تعطي من الحصاد » وفي المروي‌

__________________

(١) سورة الانعام ـ الآية ١٤٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٤ وفي الوسائل‌ « من التمر إذا خرص ».

(٣) سورة الانعام ـ الآية ١٤٢.

(٤) فروع الكافي ج ١ ص ٥٦٥ الطبع الحديث « باب الحصاد والجذاذ » الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١ مع الاختلاف.

١١

عن تفسير علي بن إبراهيم في الصحيح عن مسعد بن سعد (١) عن الرضا عليه‌السلام « إن لم يحضر المساكين وهو يحصد قال : ليس عليه شي‌ء » فان عدم التقدير وعدم الوجوب لو لم يحضروا ، وعدم المؤاخذة به والتشبيه بالبذر الذي لم يقل أحد بوجوب الإعطاء منه والاختلاف في الغاية وغير ذلك مشعر بعدم الوجوب كما نسب إلى أكثر العلماء في محكي التذكرة ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل لا مخالف صريح أجده إلا الشيخ في محكي الخلاف ، إذ الصدوق وإن عنون له باباً لكن لا صراحة فيه بالوجوب ولا ظهور ، وأوضح منه في العدم الكافي ، بل ربما استظهر منه موافقة الأصحاب كالمقنعة ، نعم في الانتصار بعد أن اختار الاستحباب قال : ولو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت وإن لم يكن مقدرا بل موكولا إلى اختيار المعطي لم يكن بعيدا من الصواب.

فمن الغريب بعد ذلك دعوى الشيخ إجماع الطائفة وأخبارهم على الوجوب ، خصوصا بعد عدم اشتهاره مع عموم البلوى به ، بل السيرة المستمرة على عدمه ، والآية لا مانع من حملها على الندب بناء على عدم إرادة الزكاة منها كما أومأ إليه بعض النصوص (٢) بقرينة النهي عن الإسراف الذي لا وجه له في الزكاة المقدرة ، وظهور يوم حصاده ، وغير ذلك ، ولفظ الحق لا ينافي إرادة الندب كما هو واضح ، بل لعل الإطناب في ذلك من تضييع العمر بالواضحات ، ضرورة استقرار الإجماع الآن على عدم الوجوب ، ووسوسة بعض المتأخرين المجبولة طباعهم على حب الخلاف غير قادحة والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٥ عن سعد بن سعد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٢.

١٢

وكيف كان ف فيه قسمان :

( الأول في زكاة المال )

التي وجوبها في الجملة من الضروريات المستغنية عن الاستدلال بالآيات والروايات فيدخل منكره من المسلمين في المليين أو الفطريين على حسب غيره من إنكار الضروري الذي قد أفرغنا الكلام في وجه الكفر بإنكاره في أحكام النجاسات من كتاب الطهارة فلاحظ وتأمل ، بل في‌ خبر أبان بن تغلب (١) عن الصادق عليه‌السلام « دمان في الإسلام حلال من الله لا يقضى فيهما حتى يبعث قائمنا أهل البيت (ع) ، فإذا بعثه الله حكم فيهما بحكم الله : الزاني المحصن يرجمه ، ومانع الزكاة يضرب عنقه » وقال أيضا في خبر أبي بصير (٢) : « من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا » وقال أيضا في خبره الآخر (٣) : « الزكاة ليس يحمد صاحبها ، إنما هو شي‌ء ظاهر ، إنما هو شي‌ء حقن بها دمه ، وسمي مسلما » ونحوه موثقة سماعة (٤) بل‌ في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) لعلي عليه‌السلام « كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة ـ وعد منهم ـ مانع الزكاة » إلى غير ذلك مما يجب حمل ما فيه من الكفر على إرادة المبالغة أو على إرادة الترك استحلالا ، وأما ما أومأ إليه بعضها من قتال مانعي الزكاة مع وجودها عندهم فهو على مقتضى الضوابط في غاصبي الأموال بناء على أن الزكاة في العين بل وإن قلنا بالذمة ، ولذا صرح به هنا غير واحد من الأصحاب ، بل لعله من معقد إجماع التذكرة ، لكن الأولى مباشرة الإمام عليه‌السلام أو نائبه لذلك ، وإن كان قد يقوى جواز مباشرة غيره له أيضاً من الآمر بالمعروف الذي هو هنا المقاتلة مع التوقف عليها ، بل لعله واجب مع التمكن ولتحقيق ذلك محل آخر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٧.

١٣

إنما النظر الآن فيمن تجب عليه الزكاة وما تجب فيه ، ومن تصرف اليه ، أما الأول فتجب الزكاة على البالغ العاقل الحر المالك المتمكن من التصرف بلا خلاف ولا إشكال ، إنما الكلام في نفيها عن غيره‌ ( فـ ) نقول : لا خلاف محقق في أن البلوغ يعتبر في زكاة الذهب والفضة بل هو معتبر فيهما إجماعا بقسميه بل المحكي منه مستفيض أو متواتر كالنصوص (١) وإن كان الموضوع في كثير منها اليتيم إلا أن الإجماع بقسميه أيضا على عدم الفرق بينه وبين غيره ، مضافا إلى‌ خبر محمد ابن الفضيل (٢) عن الرضا عليه‌السلام « في صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم الزكاة فقال : لا يجب على مالهم حتى يعمل به ، فإذا عمل به وجبت الزكاة ، أما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه » وترك الاستفصال في‌ صحيح يونس بن يعقوب (٣) : « أرسلت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أن لي إخوة صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ فقال : إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة ، قلت : فما لم تجب عليهم الصلاة قال : إذا اتجر به فزكه » فلا إشكال حينئذ فيه من هذه الجهة.

كما أنه لا إشكال في أن المنساق من النصوص (٤) والفتاوى الدالة على اعتبار الحول كون مبدئه تحقق البلوغ ، فلا وجوب لما مضى من الأحوال قبله ، ولا للحول الذي بلغ في آخره ، للأصل وغيره ، وخبر أبي بصير (٥) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ليس على مال اليتيم زكاة « يب » وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٣ و ١١.

١٤

أو زرع زكاة « ش » (١) وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك ، فإذا أدرك فإنما عليه زكاة واحدة ، ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس » والظاهر إرادة معنى الواو من « ثم » كما رواه الشيخ به بدلها ، ثم إنه إن جعلنا مفعول الإدراك فيه المدلول عليه بما مضى وما بقي تخلصا من اتحاد معنى الغاية والبداية كان حينئذ دالا على المطلوب من وجهين ، وإن جعلنا الإدراك فيه الرشد كان النفي الأول كافيا ، بل لو أعرضنا عن هذا الخبر لإجماله كان غيره مما عرفت كافيا ، فلا وجه لما عن بعض متأخري المتأخرين من أن المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة على الصبي حتى يبلغ ، وهو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه ، إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف ، واللام في قوله : « فليس عليه » إلى آخره غير واضحة الدلالة على المعنى الشامل للسنة الناقصة ، بل المتبادر منه خلافه ، وكذا‌ قوله عليه‌السلام : « ولا عليه » إلى آخره غير واضح في إثبات الفرض المذكور ، بل قد نقول في قوله « فإذا » إلى آخره دلالة على خلاف ذلك ، إذ هو كما ترى ، مضافا إلى ما تسمعه إن شاء الله في تضاعيف المباحث ، وفي البحث عن اشتراط الحول مما يظهر منه صحة ما ذكرنا من اعتبار الحول عند ابتداء البلوغ فيما يعتبر فيه الحول ، كما أنه يعتبر عند التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول وكذا غيره من الشرائط.

وعلى كل حال فلا وجوب قبل البلوغ نعم إذا اتجر له من اليه النظر استحب له إخراج الزكاة من ماله أي الطفل ولا يجب بلا خلاف محقق أجده فيه ، بل في المعتبر ومحكي المنتهى ونهاية الأحكام وظاهر الغنية الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، إذ ما في المقنعة ـ من أنه لا زكاة عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صامت أموال‌

__________________

(١) لا يخفى أن ما بين لفظة « يب » وحرف « ش » مما اختص به الشيخ قده في روايته عن أبي بصير وأما البقية فاشترك الشيخ والكليني قدس‌سرهما في نقلها عن أبي بصير.

١٥

الأطفال والمجانين من الدراهم والدنانير إلا أن يتجر الولي لهم أو القيم عليهم بها ، فان اتجر بها وحركها وجب عليه إخراج الزكاة منها ، فإذا أفادت ريحا فهو لأربابها ، وإن حصل فيها ضرر ( خسران خ ل ) ضمنه المتجر لهم بها ، وعلى غلاتهم وأنعامهم الزكاة إذا بلغ كل واحد من هذين الجنسين الحد الذي يجب فيه الزكاة ، وليس يجري ذلك مجرى الأموال الصامتة على ما جاء عن الصادقين عليهم‌السلام ـ يمكن حمله على إرادة الندب كما عن التهذيب ، بل يشهد له تصريحه في باب زكاة أمتعة التجارة بأنها سنة مؤكدة فيها على المأثور عن الصادقين عليهم‌السلام ، واحتمال الفرق بين التجارة بمال الطفل وغيره كما ترى ، وأولى بالحمل على ذلك ما عن الصدوقين من أنه ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به ، فان اتجر به فعليه الزكاة ، فصح لنا حينئذ نفي تحقق الخلاف في المسألة ، اللهم إلا أن يدعى أن ظاهر القائلين بوجوبها في مال التجارة عدم الفرق بين الأطفال والبالغين ، فيكون الوجوب حينئذ قولا لجماعة ، لكن فيه بحث أو منع.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى عدم الوجوب ، للأصل وإطلاق نفيها عن اليتيم في خبر أبي بصير (١) وخبر محمد بن القاسم (٢) وصحيح محمد بن مسلم (٣) وصحيح زرارة (٤) وصحيحهما (٥) الوارد في الغلات وغيرها ، بل في‌ خبر مروان ابن مسلم (٦) عن أبي الحسن عن أبيه عليهما‌السلام منها ما يومي إلى حمل ما دل على الوجوب على التقية لأنه قال : « كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ، ليس عليه زكاة ».

فاحتمال تقييد الجميع بخبر أبي العطارد الحناط (٧) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام مال اليتيم يكون عندي فأتجر به ، قال : إذا حركته فعليك زكاته » وخبر سعيد السمان (٨)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٣ و ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

١٦

« سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به ، فان اتجر به فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتجر به » وخبر أبي شعبة (١) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن مال اليتيم فقال : لا زكاة عليه إلا أن يعمله » وصحيح محمد بن مسلم (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل على مال اليتيم زكاة؟ قال : لا إلا أن يتجر أو يعمل به » وصحيح يونس بن يعقوب (٣) وخبر محمد بن الفضيل (٤) المتقدمين آنفا ـ بعد الأعضاء عما في سند بعضها ، وموهونية الجميع بما عرفت من عدم تحقق القائل بالوجوب ، وعدم ظهور بعضها في الوجوب المصطلح ، ضرورة دلالة بعضها على ثبوت الزكاة فيها في هذا الحال الذي هو أعم من الوجوب وغيره ، وكذا ما دل منها على أن الزكاة على المال حينئذ ، ضرورة إمكان منع دلالته على الوجوب ، وأن المراد منه معنى فيها ـ كما ترى مخالف لمذاق الفقاهة ، خصوصا بعد ما تعرف إن شاء الله من عدم الوجوب في مال التجارة على البالغ فضلا عن مال الطفل ، وما أبعد احتمال الوجوب أو القول به من القول بعدم المشروعية أصلا ، كما صرح به الحلي في مكاسب السرائر ، وتبعه سيد المدارك ، لكن الإنصاف أنه إفراط ، إذ التصرف في مال الغير وإن كان حراما وخصوصا مال اليتامى لكن لا مناص عن القول بالندب هنا بعد الإجماع المحكي عليه في المعتبر ومحكي المنتهى والنهاية وظاهر الغنية المعتضد بالتتبع ، وبالنصوص المزبورة المعتبر سند بعضها المحمولة على ذلك الذي هو أولى من التقية ، فيكون إذنا من المالك الحقيقي ، بل الظاهر عدم الفرق في استحباب زكاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١٠ عن أحمد ابن عمر بن أبي شعبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٤.

١٧

ماله مع التجارة بين النقدين وغيرهما ، لإطلاق النصوص المزبورة ، ودعوى انصرافها إلى النقدين ممنوعة ، كما أنه أفرط هو وبعض من تقدمه في دعوى كون الخسران على المتجر لهم إذا حصل ، وإن كان ربما يشهد له خبر السمان (١) إلا أنه لا مجال للقول به والخروج عن قاعدة الإحسان وقاعدة من كان الربح له فالخسران عليه ، وغير ذلك ، فيجب حينئذ حمله على ما لا ينافيها.

وعلى كل حال فالتحقيق ما ذكرنا من استحباب الزكاة في مال الطفل إذا اتجر به له فأما إن ضمنه وأدخله في ملكه بناقل شرعي كالقرض واتجر لنفسه وفرض جواز ذلك له بأن كان مليا وفيه مصلحة لليتيم أو كان أبا أو جدا بناء على عدم (٢) اعتبار الملائة فيهما كان الربح له سواء ابتاع بعينه أو بالذمة وأداه لأنه نماء ملكه وتستحب الزكاة له حينئذ لأنه كغيره من أموال التجارة بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك إلا في أصل جواز افتراض الولي مال الطفل ، فان ظاهر ابن إدريس منعه ، ولا ريب في ضعفه كما بيناه في محله.

والمراد بالملائة ما ذكره‌ الصادق عليه‌السلام في خبر سالم (٣) قال : « سألته فقلت : أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتجر به قال : إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي‌ء غرمه وإلا فلا يتعرض لمال اليتيم » بل وصحيح ربعي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل عنده مال اليتيم فقال : إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمس ماله ، وإن هو اتجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن » وخبر منصور الصيقل (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مال اليتيم يعمل به فقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٢) ليس في النسخة الأصلية لفظة « عدم » والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤ من كتاب التجارة لكن روى عن أسباط بن سالم.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٣ من كتاب التجارة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٧.

١٨

إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح ، وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام ، وأنت ضامن للمال ».

ولعله اليه يرجع ما في المسالك من أن المراد بالملائة أن يكون للمتصرف مال بقدر ما للطفل فاضلا عن المستثنيات في الدين ، وهو قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة ، وأشكله في المدارك بأنه قد لا يحصل معه الغرض المطلوب من الملائة ، قلت : قد عرفت خلو النصوص عن هذا اللفظ ، وإنما المعتبر ما سمعت ، وربما يكفي عنها وضع الرهن ولو من غيره على المال ، بل قد يقال بكفاية الجاه والاعتبار عن المال فعلا ، وإن كان لا يخلو من إشكال ، لاحتمال عروض الموت ونحوه ، ثم من المعلوم عدم اعتبار اليقين بوجود مال له لو تلف مال الطفل ، بل يكفي الاطمئنان العادي بذلك كما هو واضح.

وكيف كان فقد استثنى جماعة بل في المدارك نسبته إلى المتأخرين الأب والجد مما يعتبر فيه الملائة ، فيجوز حينئذ افتراضهما وإن كانا معسرين ، بل عن مجمع البرهان كأنه لا خلاف فيه ، ولم أجد له شاهدا بالخصوص في النصوص ، نعم قد يشهد له في الجملة إطلاق ما ورد (١) من جواز تقويم الأب جارية ولده على نفسه ثم يطأها ، وخبر سعيد بن يسار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أيحج الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم ، قلت : حجة الإسلام وينفق منه ، قال : نعم بالمعروف ويحج منه وينفق منه إن مال الولد لوالده ، وليس للولد أن ينفق من مال والده إلا باذنه » وخبر ابن أبي يعفور (٣) « في الرجل يكون لولده مال فأحب أن يأخذ منه قال : فليأخذ » وخبر أبي حمزة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل : أنت ومالك لأبيك ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : ما أحب أن يأخذ من مال ابنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٨ من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢ من كتاب التجارة.

١٩

إلا ما احتاج ، إن ( اللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) » وخبر محمد بن مسلم (١) « سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه قال : يأكل منه من غير إسراف إذا اضطر اليه ، فقلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل أتاه فقال له : أنت ومالك لأبيك ، فقال : إنما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي فأخبره أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه فقال له : أنت ومالك لأبيك ولم يكن عند الرجل شي‌ء » وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الرجل يأكل من مال ولده قال : لا إلا أن يضطر إليه فليأكل منه بالمعروف ».

إلا أن الجميع كما ترى لا يجسر به على مثل هذا الحكم ، وخصوصا في الجد المندرج في قوله تعالى (٣) ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) إذ الظاهر صدقه بفقد الأب وإن كان الجد موجودا ، ودعوى شمول لفظ الأب في هذه النصوص للجد واضحة المنع ، كل ذا مع أن المحكي عن القدماء إطلاق اعتبار المصلحة في التصرف في مال الطفل من غير فرق بين الأب والجد وغيرهما ، بل عن المبسوط « من يلي أمر الصغير والمجنون خمسة : الأب والجد ووصي الأب والجد والامام ومن يأمره ، فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا على وجه الاحتياط والحظ للصغير المولى عليه ، لأنهم نصبوا لذلك ، فإذا تصرف على وجه لا حظ فيه كان باطلا » نعم حكي عن الشيخ أنه جوز للوالد الاستقراض من مال الولد لحجة الإسلام ، ولعله لخبر سعيد المتقدم ، وأنه نص على المنع للحج المندوب ، وبالجملة فالتوقف في الحكم المزبور في محله ، خصوصا مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٩ وهو خبر الحسين ابن أبي العلاء مع الاختلاف في صدر الرواية أيضا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٦ من كتاب التجارة.

(٣) سورة الأنعام ـ الآية ١٥٣.

٢٠