جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كونهم كالنسب في ذلك ، بل في التذكرة وغيرها تسرية الحكم إلى كل شراء يستعقب العتق ، كما لو قال : لمسلم أعتق عبدك المسلم عنى ، أو اشتر من أقر بحريته وهو كذلك ، بناء على أن المدرك للحكم المزبور ما عرفت ، بل الظاهر كون الحكم كذلك في مشروط العتق على وجه يحصل بمجرد القبول ، بناء على صحة اشتراط نحو ذلك.

بل ربما ظهر من الشهيدين إلحاق مشروطة على معنى أن يعتقه بعد العقد ، فإن وفى ، وإلا أجبر على قول ، أو فسخ البائع العقد على القول الآخر ، لكن في محكي النهاية الإحكام أنه كما اشتراه مطلقا ، لأن العتق لم يحصل عقيب الشراء ، وفيه ان ذلك لا ينافي نفي السبيل الظاهر في السلطنة عليه ، كغيره من الأملاك كما لا ينافي استدامة الملك ، بل والملك بالإرث بعد ان كان الحكم فيه الجبر على بيعه أو عتقه ، والتفريق وبينه وبينه ، والظاهر أن بحكم المسلم ولده وإن بلغ مجنونا ، كما أن بحكم الكافر ولده كذلك للتبعية ، فلا يباع حينئذ ولد العبد المسلم للكافر ولا لولده ويجبر على بيعه منهما بإسلام أبيه أو جده أو غيرهما ممن يتبعه في الإسلام كالأم ، من غير فرق بين كونهما حرين أو عبدين للمالك أو غيره ، لكن في القواعد وهل يباع الطفل بإسلام أبيه الحر أو العبد لغير مالكه إشكال ، وإسلام الجد أقوى إشكالا ، وكأنه للإشكال في التبعية ، خصوصا في الجد وخصوصا مع بقاء الأب على الكفر ، فيبقى حينئذ ما دل على بقاء الملك بحاله ، ويضعف بأن دليلها شامل لذلك

بل لعله من أظهر أفرادها ، بل لعل‌ قوله : « كل مولود يولد على الفطرة ، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه » (١) كاف في ذلك بناء على إرادة التبعية في اليهودية من قوله يهودانه ، ضرورة ظهوره‌

__________________

(١) البحار ج ٣ ص ٢٨١ الطبع الحديث.

٣٤١

حينئذ في أن الولد على الإسلام لولا التبعية المقتضية للكفر ، فمع انتفاعها بإسلام الأب مثلا يبقى عليه حينئذ فضلا عما دل على التبعية فيه أيضا من قوله تعالى ( أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (١) وغيره كمرسل الصدوق (٢) « قال : علي عليه‌السلام إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام فان أبى قتل » وقوة الإشكال في الجد يدفعها معلومية التبعية للأشرف المتحقق فيه في الفرض وإن كان هو أبعد من الأب رتبة كما هو واضح ، بل قد يقال بإلحاق إسلام السابي بإسلام أحدهما ، فيقهر على بيعه حينئذ لو ارتد ، لما دل على التبعية في الإسلام به ، فظهر حينئذ من ذلك التبعية في الإسلام والكفر فيمن عرفت ، فيجري عليه حكمها ، نعم لا يجرى حكم الإسلام في المعذور لفسحة النظر أو لبعده عن محل المعرفة والله اعلم.

ولو أسلمت أم ولده بيعت عليه أيضا وفاقا للمحكي عن المبسوط وابن إدريس والشهيدين بل في الأول لا تعتق عليه وتباع عليه عندنا ترجيحا لما دل على ذلك من إطلاق النص المعتضد بنفي السبيل ، وبظاهر الإجماع في محكي المبسوط وما دل على احترام المسلم وتعظيمه ، بل قد يشعر نفي السبيل عليه ، بأن ذلك كالعقلي لا يقبل التخصيص ، وعلى ما دل على منع بيع أمهات الأولاد ، الذي يمكن دعوى ظهوره في غير المقام ، مضافا إلى عروض التخصيص له في أفراده الظاهرة ، بخلاف دليل المقام ، خلافا لما يحكى عن بعض العامة من أنها لا تقر في يده ولا يمكن من وطئها واستخدامها ، وتكون عند امرأة مسلمة ، ويؤمر بالإنفاق عليها ما دام ولدها باقيا ، فإذا مات ولدها قومت عليه واعطي ثمنها‌

__________________

(١) سورة الطور الآية ٢١.

(٢) الوسائل الباب ٧٠ من أبواب كتاب العتق الحديث ١.

٣٤٢

وإن مات هو قومت على ولدها وأعطي ثمنها.

وإن اختاره الشيخ منا ، في محكي خلافه مستدلا عليه بإجماع الفرقة على أن المملوك إذا أسلم في يد كافر قوم عليه ، وهذه قد ولدت فلا يمكن تقويمها ما دام ولدها باقيا ، فأخرنا تقويمها إلى موت أحدهما لكنه كما ترى ، ترجيح لما دل على النهي عن بيع أمهات الأولاد على ما هنا ، وقد عرفت أن الأمر بالعكس ، والإيضاح من وجوب دفع القيمة من الزكاة أو من بيت المال ومع عدمهما يجب عتقها ، والمختلف من أنها تستسعى ، جمعا بين عموم النهي عن بيع أمهات الأولاد وبقاء السبيل ، وفي القواعد ولو أسلمت أم ولده لم يجبر على العتق ، لأنه تخسير وفي البيع نظر فان منعناه استكسبت في يد الغير ، ولا يخفى عليك ما في الجميع ، عدا احتمال فكها على وجه تكون به حرة ، مع وصول ثمنها لمولاها جمعا بين الحقوق أجمع ، وستسمع إنشاء الله بعض الكلام في ذلك في بحث أم الولد والله اعلم ، هذا كله في شرائط البيع المتعلقة بالمتعاقدين.

ومنها ما يتعلق بالمبيع وقد ذكرنا بعضها في الباب الأول كالطهارة في غير ما استثنى وغيرها مما سمعته في شرائط التكسب الشامل للبيع وغيره ونزيدها هنا شروطا أخر‌ الأول أن يكون مملوكا بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه والنصوص واضحة الدلالة عليه بل‌ في المرسل « لا بيع إلا في ملك » (١) فلا يصح حينئذ بيع الحر الذي هو مقابل للملوك وما لا منفعة معتدا بها غالبا فيه كالخنافس والعقارب والديدان وغيرها من الحشرات والفضلات المنفصلة عن الإنسان كشعره وظفره ورطوباته عدا اللبن لعدم‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٦٥.

٣٤٣

صلاحيتها للتملك ، باعتبار عدم المنفعة المعتد بها غالبا فيها ، حتى تندرج بذلك في الأموال وتشملها أدلة الحيازة وغيرها ، فلا تدخل حينئذ في ملك أحد بحال ، بخلاف اللبن الذي يعظم الانتفاع به ، نعم قد يلحق به شعر النساء والرجال ليوضع موضع القرامل ، والحصى للدواء كما احتمله بعض مشايخنا ، وأما ما لا نفع فيه فلا إشكال في عدم ملكيته وعدم ماليته لما عرفت ، مضافا إلى ما في شرح الأستاد من الاستدلال على ذلك بما يفهم من الأخبار وكلام الأصحاب ، بل ظاهر الكتاب (١) من أن جميع المعاملات وغيرها إنما شرعت لمصالح الناس وفوائدهم الدنيوية والأخروية مما تسمى مصلحة وفائدة عرفا ، على أن الشك في دليل الصحة قاض بالفساد ، مضافا إلى الإجماع والأخبار عامة خاصة

لكن قال : في مقام آخر أيضا أن المراتب تختلف ، فمنه ما لا يعقل فيه ملك ، ومنه ما لا يعقل فيه سوى التمليك المجاني ، فإن المدار على رفع السفه ، وتختلف أحواله باختلاف محاله ، وفي المصابيح الظاهر في هذه الأشياء انتفاء الملكية فيمتنع بيعها ، ولو ثبت إمكان الملكية فلا ريب في انتفاء المالية ، وعلى كل حال فالحكم فيها ظاهر والظاهر اتفاق الفقهاء على عدم صحة بيع نحوها ، قلت : إن تم الإجماع على ذلك وعلى عدم قابليتها للتملك فذاك ، وإلا أمكن المناقشة فيها في حال وجود المنفعة المعتد بها لها ، فان دليل الحيازة وعمومات العقود عموما وخصوصا شاملة لها ، وأنه لا سفه في ذلك ، وعدم عدها مالا في العرف حال عدم الاحتياج لها ، كعدم اتخاذها لتوقع حاجتها بخلاف عقاقير الأدوية التي يحتاج إليها نادرا لا ينافي ذلك ، ضرورة‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ٢٩.

٣٤٤

كونها حينئذ كالعلق ودود القز والدرنوح والجند التي صرح بعضهم بجواز بيعها للانتفاع بها ، ويمكن حمل كلام المصرح بالمنع من البيع على كون ذلك حال عدم المنفعة ، كما يومي إليه تفريع بعضهم له عليه على أنه لو سلم ففي خصوص البيع.

اما الصلح بناء على حصول حق اختصاص له بها إذا حازها فالظاهر جوازه ، إذ لا ريب في تحقق الظلم بانتزاعها منه قهرا ، هذا وفي القواعد في تعداد شرائط المعقود عليه وصلاحيته للتملك ، فلا يقع العقد على حبة حنطة لقلته ، وربما ظهر منها عدم الملكية لمثل ذلك ، بل عدم الصلاحية ، وليس كذلك لأن ملك الكثير منها يستلزم ملك القليل إذ المجموع ليس إلا عبارة عن الاجزاء المجتمعة ، ومن المحال أن يملك الكل ولا يملك الجزء ، على أنه لو سلم عدم ملكية الحبة بالفعل فلا ريب أنها صالحة للملك ولو بانضمامها مع الغير ، فلا يصح تفريع بطلان بيعها على اشتراط الصلاحية وعدم صلاحيتها للملك منفردة ، أي بشرط الانفراد لا يستلزم نفي صلاحيتها له مع الإطلاق ، كما هو الظاهر من العقد عليها لو وقع ، وبمثل هذا يعلم أن اعتبار الصلاحية لا يصلح احترازا عن المباحات قبل الحيازة ، لأنها صالحة لأن تملك وعدم صلاحيتها للملك بشرط عدم الحيازة ، لا ينافي صلاحيتها له معها ومن هنا فرعه المصنف على الملك فعلا فقال : عاطفا له على ما تقدم.

ولا ما يشترك المسلمون بل وغيرهم فيه ، قبل حيازته كالكلاء والماء والسموك والوحوش قبل اصطيادها لعدم حصول الملك قبلها ، فهو أجود من تعبير القواعد بالنسبة إلى ذلك ، بل قد يقال اشتراط الصلاحية للملك ظاهرا ، يقتضي اشتراط عدم الملكية بالفعل إذ لا يصدق على المملوك أنه صالح للملك ، فيلزم بطلان بيع جميع‌

٣٤٥

المملوكات وفساده ظاهر ، ولكن يمكن الجواب بأن المراد من صلاحية التملك صلاحيته له على وجه المعاوضة ، وعلى طريق نقل الملك بالقوة القريبة من الفعل ، وحبة الحنطة وإن كانت مملوكة بالفعل ، لكنها لا تصلح لأن تملك بالمعاوضة ، فإنها لقلتها لا تعد مالا ، ولا تصلح لأن تقابل بالأعواض ، وصلاحية الملك بالعارض لا تنافي تحقق الملكية الأصلية الثابتة لمالكها بالفعل ، فلا نقض بالمملوك.

وأما المباح قبل الحيازة فهو وإن كان قابلا لأن يملك بالحيازة فيملك بعقد المعاوضة ، غير أن المراد بالصلاحية كما عرفت القوة القريبة من الفعل ، وهي منتفية فيه ، وبمثله يجاب عن النقض بملك الغير فإنه وإن كان صالحا لأن يملك فينقل بعقد المعاوضة ، لكن المتبادر الصلاحية الحاصلة بعد الملك ، فلا نقض إلا أن الجميع كما ترى ، بل قد عرفت فيما تقدم ، ما يعرف منه الإشكال في إطلاق منع بيع الحبة والحبتين ، ضرورة كون المسلم منه في حال مخصوص ، أما لو فرض أن لها نفعا معتدا به وكان الأمر منحصرا في الحبة المخصوصة للموضع في الفخ ونحوه فلا دليل على عدم صحة البيع حينئذ ، بل ظاهر الأدلة يقتضي خلافه ، ولذا قال : في شرح الأستاد حيث أن المنع كدليله مبني على لزوم العبث والسفه ، وعدم الحكمة الباعثة على شرع العقود المرشد إليها خبر التحف وغيره (١) وعلى حصول الشك في الدخول تحت أدلة العقود عموما وخصوصا دار المنع عليها ، فمتى ارتفعت لعارض فزال المانع عادة لا بالنسبة إلى خصوص المتعاقدين ارتفع المنع ، ولو خصهما المانع قوى الجواز ، ولو حصل الاختلاف بحسب البلدان أو الأقاليم اعطى كل حكمه ، ولو كان المتعاقدان كل من جانب قوى المنع وهو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

٣٤٦

جيد ، بل يمكن تنزيل إطلاق المنع على ما ذكرنا وإلا كان مشكلا.

وأشكل من هذا ما في التذكرة من أنه لا يجب لها شي‌ء إذا أتلفها متلف لعدم المالية لها إذ فيه من ذوات الأمثال فالمتجه ضمانها بمثلها ، وإلا لاستلزم عدم ضمان متلف حبات كثيرة على الانفراد ، بل يستلزم عدم ضمان المد من الحنطة مثلا إذا كان لعدة ملاك لكل واحد حبة مثلا ، اللهم إلا أن يتجشم الفرق ، نعم قد يقال بعدم ضمان من أتلف شيئا من القيمي بحيث لا يمكن تقويمه مع أنه يمكن القول بضمانه أيضا ، وإن ضعف ما يقابله من القيمة ، اللهم إلا أن يقال بعدم عد مثل ذلك مالا متقوما في العادة ، بحيث يندرج في أدلة الضمان وفيه منع ، ضرورة شمول الأدلة له كشمول أدلة الملك والغصب له ، فإنه قد حكي عن ثاني المحققين الإجماع على بقاء ملكية القليل ، وعلى حرمة غصبه ، بل قد يمنع بلوغ الخسة إلى حد الخروج بها عن الملكية ومن هنا قال الأستاد في شرحه : الخسة الناشئة عن القلة قد تمنع من مطلق التمليك ، وقد يخص التعويض وأما مانعيتها للملك فلا وجه له إلا إذا زالت عن ربقة الانتفاع منفردة ومنضمة في جميع الأحوال ، وحصوله في غاية الاشكال والأمر في ذلك كله سهل.

وأما الأرض المأخوذة عنوة وقهرا من يد الكفار بإذن إمام الأصل المعمورة وقت الفتح فهي للمسلمين كافة ، إجماعا محكيا عن الخلاف والتذكرة وهي إن لم يكن محصلا ، من غير فرق بين الغانمين وغيرهم ، ولا بين الموجودين وقت الفتح وغيرهم ، ونصوصا مستفيضة كصحيح الحلبي (١) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد ما منزلته فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٤.

٣٤٧

بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد ، فقلت : الشراء من الدهاقين؟ فقال : لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها قلت : فإن أخذها منه؟ قال : يرد عليه رأس ماله وله أن يأكل من غلتها بما عمل » وخبر أبي الربيع الشامي (١) « عنه أيضا لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هو في‌ء للمسلمين » وخبر ابن شريح (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الأرض من ارض الخراج فكرهه وقال : إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له : فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها ، فقال : لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك » بناء على إرادة ما يشمل المفتوحة عنوة منه ، وخبر أبي بردة ابن رجا (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : ومن يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين قلت : يبيعها الذي يبيعها هي في يده قال : ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم ، قال : لا بأس اشتر حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ، ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

ومن هنا صرح في محكي المبسوط أنه لا يصح التصرف ببيع فيها وشراء ولا هبة ولا معاوضة ولا تمليك ولا إجارة ولا ارث ولا يصح أن تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا ، إي بلا إذن من الولي بل قيل أن مثل ذلك ما في النهاية ، والغنية والنافع والتذكرة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٣٤٨

في موضع منها والقواعد في الجهاد والإرشاد وموضع من التحرير وهي بل هو ظاهر المراسم والوسيلة لما عرفته من الشركة التي تمنع استقلال أحد منهم بالتصرف المزبور ، سيما مع عدم تميز حصة أحد منهم ، بل لا يمكن تمييزها فلا طريق حينئذ إلى قسمتها بينهم ، إلا بتصرف الولي العام بها ، وأخذ الخراج منها وصرفه فيما يعود مصلحته إليهم من الجهاد ، ونحوه ، نعم يمكن أن يكون لولي المسلمين بيع شي‌ء منها مثلا لمصلحتهم على إشكال فيه ، لاحتمال كون حكمها شرعا بقائها وصرف خراجها كالوقف ، ونحوه لكن مع ذلك قيل كما عن السرائر والمختلف وحواشي الشهيد واللمعة والروضة وموضع آخر من التذكرة والتحرير يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرف فيها ونسبه بعض إلى جمع من المتأخرين ، بل آخر إلى المشهور بينهم ، بل عن حواشي الشهيد التصريح بكونها جزء مبيع ، قال : إذا بيعت تبعا للآثار ، يجوز أن تكون مجهولة والأولى أنها جزء المبيع ، فلا بد من العلم بها أيضا وفيه أنه مناف لما عرفته من الأدلة السابقة القاضية بملكيتها للمسلمين على كل حال ، ولمعلومية بناء الملك على الدوام والتأبيد دون الدوران مدار الآثار بل قيل : إن الملك مناف لترتب الخراج عليها ، كل ذلك مع عدم الدليل الصالح إذ هو إن كان إجماعا فمن الواضح فساده ، بل لعل خلافه أقرب مظنة منه ، خصوصا بعد ظهور كلام بعض من ذكر ذلك كابن إدريس وغيره في إرادة بيع الآثار خاصة دون الأرض بل يمكن دعوى صراحته فيه ، وإن كان هو السيرة على معاملتها معاملة الأملاك بالوقف والبيع والهبة ونحوها ، ففيه منع تحقق السيرة على وجه تفيد ملكية رقبة الأرض مطلقا بالآثار المزبورة ، سيما بعد ملاحظة فتوى العلماء الذين هم حفاظ الشريعة ، وإن كان هو قوله لا بأس‌

٣٤٩

اشتر حقه منها ، ففيه أولا ان الظاهر إرادة حق الأولوية منه ، بتجوز إرادة مطلق النقل ولو بالصلح ونحوه من الشراء فيه ، وثانيا أنه بعد التسليم دال على شراء نفس الآثار دون الأرض ، وإن كان هو بعض النصوص الدالة على شراء أرض الخراج في الجملة كصحيح ابن مسلم (١) الآتي وغيره ففيه منع إرادة المفتوحة عنوة ، لعدم انحصار الخراج بها ، ضرورة كون أرض الجزية منه ، فإنها تسمى أيضا بأرض الخراج ، وإن كانت ملكا لأربابها ، ولعل منها الأرض المسؤول عنها في خبر ابن شريح السابق بقرينة قوله فيه إنما أرض الخراج للمسلمين ، لاحتمال كونه باعتبار رجوع الخراج للمسلمين ، وعلى كل حال فمن ذلك وغيره مما يظهر بالتأمل يظهر لك فساد القول المزبور ، وكذا القول بالتفصيل بين زماني الغيبة والحضور ، فينفذ بيعها وغيره في الأول دون الثاني ، كما هو خيرة الدروس قال : لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن الإمام ، سواء كان بالوقف أو بالبيع أو غيرهما ، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك ، وأطلق في المبسوط ان التصرف فيها لا ينفذ وقال : ابن إدريس إنما يباع تحجيرنا وبنائنا وتصرفنا في نفس الأرض ، وفيه أنه لا دليل على التفصيل المزبور ، بل ظاهر النصوص المزبورة الواردة في زمن قصور اليد الذي هو بحكم الغيبة خلافه ، ومن هنا قال : في مقام آخر لا يجوز بيع المفتوحة عنوة ولا بيع ما فيها من بناء أو شجر وقت الفتح ، نعم لو جدد فيها شيئا من ذلك جاز بيعه ، وربما قيل ببيعها تبعا لإثارة وروى أبو بريدة جواز بيع أرض الخراج من صاحب اليد والخراج على المشتري ، وفي رواية إسماعيل بن الفضل إيماء إليه لكن فيه أيضا أنك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٣٥٠

قد عرفت عدم دلالة خبر أبي بريدة على ذلك ، وأما‌ خبر إسماعيل (١) « فهو سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اكترى أرضا من أرض أهل الذمة من الخراج وأهلها كارهون وإنما تقبلها من السلطان لعجز أهلها عنها أو غير عجز فقال : إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها إلا أن يضاروا وإن أعطيتهم شيئا فسخت أنفس أهلها لكم فخذوها قال : وسألته عن رجل اشترى أرضا من ارض الخراج فبنى بها أو لم يبن بها غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤسهم قال : شارطهم؟ فما أخذ بعد الشرط فهو حلال » وفيه أنه يمكن إرادة أرض الجزية من الخراج أو غير ذلك من مطلق النقل ولو بالصلح من الشراء فيه ، بناء على أن له حق اختصاص بإحياء ونحوه ، على انه قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه كغيره مما دل على شراء أرض الخراج في الجملة ، نحو‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) « سأله رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل وأهل الأرض يقولون هي لنا ، وأهل البستان يقولون هي أرضنا فقال : لا تشترها إلا برضاء أهلها » وخبر حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) « رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل مسلم اشترى أرضا من أرض الخراج فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : له ما لنا ، وعليه ما علينا مسلما كان أو كافرا ، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم » على أنه لا دلالة في أولهما على كونها من أرض الخراج ، وقد ظهر من ذلك كله فساده أيضا كسابقه نعم يقوى في النظر أن الأرض المفتوحة عنوة يختص بها من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ٧١ من أبواب جهاد العدو الحديث ٦.

٣٥١

أحياها من المسلمين ، ويكون أحق بها من غيره ، وعليه خراج المسلمين بل قد يقوي في النظر عدم اعتبار الاذن في إحيائها زمن الغيبة من حاكم الشرع أو حاكم الجور ، قال : أبو الحسن عليه‌السلام (١) « والأرضون التي أخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من النصف والثلث والثلثين وعلى قدر ما يكون لهم خلاصا ولا يضرهم » ولعل ذلك وغيره من النصوص المذكورة هنا وفي باب الخمس وإحياء الموات وغيرها دالة على الاذن منهم عليهم‌السلام في ذلك ، فلا حاجة إلى تحصيلها الان من الحاكم وإن كان هو الأحوط.

وكيف كان ففي التذكرة وظاهر الدروس ومحكي الحواشي والإيضاح في بيع بيوت مكة تردد من أنها مسجد لقوله تعالى (٢) ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) إلى آخره والمفروض انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسرى به من بيت خديجة أو من شعب أبي طالب ومن قوله تعالى أيضا (٣) ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ )‌ وخبر عبد الله بن عمر بن العاص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « مكة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجر بيوتها » والإجماع المحكي عن الخلاف وهو خيرته في المحكي عن مبسوطة واللمعة بل عن فخر‌

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٥٣٦.

(٢) سورة الإسراء الآية ١.

(٣) سورة الحج الآية ٢٥.

(٤) سنن بيهقي ج ٥ ص ٣٤.

٣٥٢

المحققين نسبته الي كثير ، ومن قاعدة تسلط الناس على أموالهم (١) وغيرها مما يقتضي ذلك ، مؤيدا ببيع عقيل رباع أبي طالب وجملة من الصحابة منازلهم (٢) كاضافتها إليهم في قوله تعالى (٣) ( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ) مضافا إلى قصور ما سمعته عن معارضتها ، ضرورة انتفاء حقيقة المسجدية عنها ، ومجاز الشرف والمجاورة ونحوهما ممكن ، كضرورة عدم إرادة ذلك من التسوية المزبورة ، وقصور الخبر المذكور عن إفادة ذلك خصوصا مع عدم كونه من طرقنا ، وموافق لما عن أبي حنيفة ومالك والثوري وأبي عبيد وحينئذ فقول الفاضلين المروي المنع إن أرادا الإشارة إلى ذلك كان كما ترى وإن أرادا غيره ففيه أنا لم نقف على ذلك في شي‌ء من طرقنا ، والإجماع المزبور مظنون الخطأ.

ومن هنا كان المتجه الجواز كما هو خيرة جماعة بل في المسالك انه المشهور ، بل ينبغي القطع به ، إذا كانت الحجارة من غير الحرم ، نعم بناء على أنها جميعها من المفتوحة عنوة ، كما صرح به بعضهم ويشهد له تسمية أهلها الطلقاء ، بل في شرح الأستاد دعوى شهادة السير والتواريخ بذلك ، بل عن المبسوط أن ظاهر المذهب ذلك ، بل قيل عن الخلاف الإجماع عليه ، أو خصوص أعاليها ، كما عن أخر جرى البحث السابق في أرضها ، كما أنه بناء على أنها من المفتوحة صلحا ، كما عن بعضهم جرى عليها حينئذ حكم ذلك ، وبالجملة لا خصوصية لمكة من هذه الحيثية ، وأما إجارة بيوتها فمقتضى ما سمعته من أدلة منع البيع منعها أيضا‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٣ الطبع الحديث.

(٢) الإمتاع والاسماع للمقريزي ج ١ ص ٣٨١.

(٣) سورة الحشر الآية ٨.

٣٥٣

كما جزم به الشيخ أيضا فما في التذكرة من التردد في الأول دون الإجارة في غير محله ، لاشتراكهما في الأدلة المزبورة التي قد عرفت ضعفها ومن هنا كانت الإجارة عندنا كالبيع في الجواز.

نعم قد يقال لا ينبغي لأهل مكة منع خصوص الحاج عن سكناها لما عن السرائر من الإجماع على ذلك ، وأن الأخبار به متواترة (١) أو متلقاة بالقبول ، وإن كان في سقوط الأجرة حينئذ نظر بل منع ، جمعا بين الحقين ، حتى لو قيل بحرمة منعهم كما عن بعضهم الجزم به بل يمكن إرادته من لفظ لا ينبغي في معقد إجماع السرائر وغيره ، بل جزم بإرادة ذلك منه الأستاد في شرحه ، بشهادة فحوى الكلام واقتضاء المقام وعلى كل حال ، فلا دلالة في ذلك على عدم الملك ، ضرورة عدم المانع من وجوب الإسكان للحاج من المالك الحقيقي ، للمالك الصوري ، بل ربما كان فيه دلالة على الملك وإلا لم يخص الحاج بذلك ، ثم إن الظاهر كون الخلاف المزبور في غير مواضع النسك أما بقاعه فحكمها حكم المساجد بالنسبة إلى عدم جواز البيع والإجارة ونحوهما كما اعترف به في التذكرة ، بل ربما استظهر منه نفي الخلاف فيه بين المسلمين.

أما ماء البئر في الأرض المباحة فهو ملك لمن استنبطه وكذا ماء النهر لمن حفره كنفس البئر والنهر مع النية ، بناء على اعتبارها في نحو ذلك ، ضرورة كون المقام منه بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل ظاهر غير واحد الإجماع عليه ، مضافا إلى عموم الحيازة والاحياء (٢) فله حينئذ البيع وغيره كما في سائر الأملاك ، ولا يجب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها.

(٢) الوسائل الباب ١ من إحياء الموات.

٣٥٤

عليه بذله لأحد ، وإن كان فاضلا عنه ومحتاجة الغير لشربه وشرب ماشيته احتياجا لم يخش معه التلف ، وإلا لم يمكن حينئذ فرق بين البئر وغيرها‌ والنبوي العامي « الناس شركاء في ثلاث ، النار والماء والكلاء » (١) يراد منه ما كان مباحا منها لا المملوك ولو بالحيازة ، كما أن المراد من‌ الآخر (٢) « نهى عن بيع فضل الماء » نوع من الكراهة.

ومثله أي الماء المستنبط كل ما يظهر في الأرض المملوكة من المعادن فهي لمالكها تبعا لها كالنبات الكائن فيها ، ونحوه مما كان من أجزائها ، ضرورة عدم بطلان الملكية باستحالة العين من حقيقة إلى أخرى ، لعدم دورانها على الحقيقة الأولى ، من حيث كونها كذلك كي تنعدم بانعدامها ، بل لا يبعد التبعية في الملك لما يخلق فيها مما يلحق باجزائها ، وإن لم يكن هو منها ، وربما كان في قول المصنف تبعا لها إيماء إلى ذلك ، بناء على أن بعض المعادن المتكونة في الأرض من ذلك ، نعم ما كان فيها ولم يكن من اجزائها كالمطر ونحوه باق على الإباحة ، لكل من يحوزه ، بل لا اختصاص على الظاهر للمالك به ، كما هو واضح ، بل قد يشم من التبعية المذكورة في المتن رائحة الحكم ، بعموم تبعية ذلك ونحوه للأرض في الملكية والإباحة وحينئذ فالموجود في الأراضي المملوكة للمسلمين هو ملك لهم ليس لغيرهم حيازته ، كما أن الموجود فيما هو ملك للإمام عليه‌السلام منها ملك له لا يملكه أحد إلا من أذنوا عليهم‌السلام له ، والظاهر اختصاصها بشيعتهم ، وحينئذ فحيازة غيرهم لذلك لا تفيد ملكا له ، اللهم إلا أن‌

__________________

(١) المستدرك ج ٣ ص ١٥٠.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب إحياء الموات الحديث ١ ـ ٣.

٣٥٥

يقال أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار على معاملة ذلك معاملة المباحات الأصلية ، وكذا ما في الأراضي المفتوحة عنوة من حشيش وغيره من غير توقف على إذن حاكم جور أو شرع ، وما ذلك إلا لبقاء نحو ذلك في أمثال هذه الأراضي على الإباحة الأصلية ، فلا تتبع حينئذ الأراضي ، أو أنها وإن تبعتها إلا أن الاذن ممن له الإذن متحققة في تملك من يحوزها على حسب المباحات الأصلية ، بل قد يدعى نحو ذلك فيما كان من الأنفال منها من قصب الآجام ونحوه ، وإن لم أجد لذلك كله تحقيقا في كلماتهم ، وربما يرزق الله تعالى شأنه فيما يأتي زيادة توضيح لذلك والله العالم.

الثاني ان يكون الملك طلقا أي تاما كما أبدله به في القواعد إلا أنه لم نجد شيئا منهما في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص واستفادته مما ورد في الأماكن المخصوصة كالوقف (١) وأم الولد (٢) ونحوهما على وجه يتعدى منه إلى غيره لا يخلو من إشكال ، ضرورة كونه ان كان المراد به عدم تعلق حق الغير به ، فهو منقوض بما ثبت جواز بيعه مما هو كذلك من بيع العبد الجاني ، والمبيع في زمن الخيار على أحد الوجرة ، وتركة المديون كذلك أيضا وغيرها ، وإن أريد به ما جاز لمالكه جميع أنواع التصرفات به فهو واضح من الأول فسادا فان منذور عدم تصرف الخاص لا ينافي جواز البيع قطعا ، وإن جعل مرجعه إلى كل ما ثبت عدم جواز بيعه مما تعلق به حق الغير ، لم يوافق ذكره بعنوان الشرطية العامة ، وكذا إن أريد به عدم تزلزل الملك ، فان من المعلوم جواز بيع الموهوب ونحوه ، ومثل ذلك قد وقع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب بيع الحيوان.

٣٥٦

لهم في شرائط الزكاة ، وذكرنا فيه هناك نحوا من ذلك فلاحظ وتأمل ، فإن المقام متقارب ، خصوصا بعد ذكرهم بعد ذلك اشتراط القدرة على التسليم ، نحو ذكرهم هناك اشتراط التمكن من التصرف ، مع اشتراط التمام ، وإن كان هما غير متلازمين فان المغضوب والمفقود والآبق ونحوها مملوكة ملكا تاما إلا أنه غير متمكن من التصرف فيها ولا مقدور على تسليمها ، والأمر في هذا سهل بعد معلومية كون مقتضى العمومات جواز البيع لكل عين مملوكة ، إلا ما خرج بالدليل مما تعلق به حق للغير على وجه ينافيه البيع مثلا ، وعلى الفقيه انتقاد الحقوق المتعلقة بالنسبة إلى المنافاة المزبورة وعدمها ، ولا دليل على أن مطلق تعلق حق الغير مناف بل لعل الدليل على خلافه وعلى كل حال فمما فرعه المصنف وغيره على ذلك عدم جواز بيع الوقف فإنه بعد ان ذكر الشرط المزبور.

قال فلا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلى خرابه لاختلاف بين أربابه ويكون البيع عليهم أعود على الأظهر ونحوه الفاضل في القواعد ، والدليل على الحكم في المستثنى منه واضح ، فان النصوص يمكن دعوى تواترها في عدم جواز بيع الوقف وهبته ونحوهما منها خصوص‌ بعض المعتبرة (١) « فيمن اشترى أرضا وقفا بجهالة لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى من أوقفت عليه قلت : لا أعرف لها ربا ، قال : تصدق بغلتها » ومنها النصوص الواردة فيما وقع منهم عليهم‌السلام من الوقوف المشتملة على صريح النهي عن البيع (٢) ونحوه بل يكفي فيه‌ قولهم « الوقوف على حسب ما يقفها أهلها » (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات.

(٢) الوسائل الباب ٦ و ١٠ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ١ و ٢.

٣٥٧

إذ من الواضح إرادة الواقف من الوقف تأبيد حبس العين وإطلاق المنفعة ، وبذلك كان من الصدقة الجارية ، التي ورد الحث عليها (١) وانها من التي لا ينقطع عمل ابن آدم منها بعد موته ، بل الظاهر أن التأبيد المزبور من مقتضيات الوقف ومقوماته ، كما أن نفي المعاوضات على الأعيان مأخوذ فيه ابتدأ ، خصوصا بعد ملاحظة تعلق حق الأعقاب به ، بل يمكن دعوى ضرورية ذلك من أعوام المتشرعة ، فضلا عن علمائهم ، ومن هنا اتفق الأصحاب على أن الأصل فيه المنع ، وإن اختلفوا فيما خرج عنه بالدليل ، أو بزعمه بل في السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز بيعه إذا كان مؤبدا ، ونزل خلاف الأصحاب في المنقطع منه ، ولعله لما عرفت ، بل منه يعلم عدم جواز الانقطاع في الوقف ، وأنه إن وقع منقطعا يبطل أو يقع حبسا كما تعرفه في محله إنشاء الله خلافا لبعضهم فجوزه وقفا ، كما يأتي تحقيقه إنشاء الله في محله والذي يقوى في نظر بعد إمعانه ، أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه ، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من المتضاد ، نعم إذا بطأ الوقف اتجه حينئذ جواز البيع ، والظاهر تحقق البطلان فيما لو خرب الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتد بها منه في إتلافه ، كالحصير والجذع ونحوهما مما لا منفعة معتد بها فيه إلا باحراقه مثلا ، وكالحيوان بعد ذبحه مثلا وغير ذلك ، ووجه البطلان حينئذ فقدان شرط الصحة في الابتداء المراعى في الاستدامة بحسب الظاهر ، وهو كون العين ينتفع بها مع بقائها ، كما أنه قد يقال بالبطلان أيضا في انعدام عنوان الوقف فيما لو وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية ، فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك ، فإنه وإن لم تبطل منفعتها أصلا لإمكان الانتفاع بها دارا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات.

٣٥٨

مثلا لكن ليس من عنوان الوقف واحتمال بقاء نفس العرصة على الوقف باعتبار انها جزء الموقوف وهي باقية ، وخراب غيرها وإن اقتضى بطلانه فيها ، يدفعه أن العرصة كانت جزء من الموقوف من حيث كونه بستانا لا مطلقا ، فهي حينئذ جزء عنوان الموقوف الذي قد فرض فواته ، ولو فرض إرادة وقفها لتكون بستانا أو غيرها لم يكن إشكال في بقاء وقفها لعدم ذهاب عنوان الوقف ، لكنه خلاف الفرض ، وكذا لو وقف نخلة للانتفاع بثمرتها فانكسرت ، فإنه وإن أمكن الانتفاع بالجذع بتسقيف ونحوه ، لكنه ليس من عنوان الوقف ، وربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية ، من أنه لو أوصى بدار فانهدمت قبل موت الموصى بطلت الوصية ، لانتفاء موضوعها ، نعم لو لم تكن الدارية والبستانية مثلا عنوانا للوقف ، وإن قارنت وقفه ، بل كان المراد الانتفاع به في كل وقت على حسب ما يقبله ، لم يبطل الوقف بتغير أحواله ، ثم على فرض بطلان الوقف بذلك ، فهل يعود للواقف وورثته كالوقف المنقطع ، أو للموقوف عليه وورثته ، وجهان ، ينشأن من الخروج عن ملك الواقف ودخوله في ملك الموقوف عليه بالوقف ، وإنما منعه من التصرف بغير الانتفاع المنافي لبقاء العين في الملك ما دام قابلا لتلك المنفعة ، فمع فرض ذهابها وبطلان الوقف بذلك ، يبقى مملوكا له من غير منع يتصرف به كيف يشاء ، ومن أن خروجه عن ملكه كان على الوجه المذكور لا مطلقا ، فمع فرض بطلان ذلك الوجه يعود إلى ملك المالك ، ولعل الأول لا يخلو من قوة ، بل يشهد له ما تسمعه من النص (١) والفتوى المجوزة لبيعه للموقوف عليهم ، وهل يبطل الوقف أيضا بتأدية بقائه وقفا ، إلى خرابه للاختلاف بين الأرباب أو لغير ذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات.

٣٥٩

على وجه يعلم فساده وخرابه عما هو عليه ، وجهان ، ينشأن من اعتبار الطمأنينة بالانتفاع مع بقاء العين ، فمع فرض ذلك لا تكون العين مما يطمئن بالانتفاع بها ، مع بقائها ومن أن العين قابلة للانتفاع فعلا ، والبطلان إنما يحصل بالخراب التحقيقي لا التقديري قبل زمانه ، ولعل الأول لا يخلو من قوة ، لما تسمعه من النص والفتوى ، وهل يبطل باستلزامه مفسدة أعظم من مصلحة وقفه كقتل الأنفس ونهب الأموال وهتك الأعراض ونحو ذلك ، وجهان من ظاهر الصحيح الاتي (١) ومن أن نحو ذلك لا يقتضي تغيير الأسباب الشرعية عن مقتضياتها ، ولا ريب في أن الثاني أقوى بحسب القواعد ، اللهم إلا أن يدعي ظهور الصحيح في ذلك ، فيكون خارجا عنها به ، خصوصا بعد العمل به ، وأما بيع الوقف لشدة حاجة أهله ، أو لكون البيع أعود لهم أو نحو ذلك ، فلا ريب في مخالفته للقواعد الشرعية ، بل لما هو كالمعلوم من الشرع من أن الوقف مبني على عدم ذلك كله ، ومما ذكرنا تعرف الوجه في كلام جملة من الأصحاب ، فإنه قد وقع الاختلاف بينهم في هذه المسألة على وجه لم نعثر على نظيره في مسألة من مسائل الوقف ، كما لا يخفى على من لاحظ ما حكاه الشهيد وغيره عنهم في غاية المراد وغيرها ، فعن ابني الجنيد والبراج في جواهر الفقه إطلاق المنع من بيعه ، وعن ابن إدريس التصريح بعموم المنع في المؤبد والمنقطع ، ولو مع خرابه ، أو وقوع خلف بين أربابه ونزل خلاف الأصحاب على الثاني ، وقال : في الأول لا يجوز بيعه بغير خلاف ، وعن فخر المحققين أنه لا يصح بيع الوقف بحال ، والشهيد في الدروس قوى المنع مطلقا بعد اختيار الجواز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٦.

٣٦٠