جواهر الكلام - ج ٢٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الثاني الذي هو أول من فتح باب عدم اشتراط الصيغة في الصحة ، وفرع عليه أن المعاطاة بيع ، بل مقتضاه أنها تلحق باسم كل معاملة قامت مقامها كما عرفته سابقا ، لكن قال في المحكي عنه في كتاب صيغ العقود في القرض : إنه لا يكفي الدفع على جهة القرض من غير لفظ في حصول الملك ، نعم يكون ذلك في القرض كالمعاطاة في البيع فيثمر إباحة التصرف ، فإذا تلف العين وجب العوض ، والذي ينساق إليه النظر أن المعاطاة في البيع تثمر ملكا متزلزلا ، ويستقر بذهاب إحدى العينين أو بعضها ، ومقتضى هذا أن النماء الحاصل في المبيع ، قبل تلف شي‌ء من العينين ، يجب أن يكون للمشتري ، بخلاف الدفع للقرض ، فإنه لا يثمر إلا محض الاذن في التصرف وإباحته ، فيجب أن يكون نماء العين للمقرض لبقائها على الملك ، وهو صريح في الفرق بين المعاطاة فيهما.

ولا يخفى عليك صعوبة إثبات ذلك عليه ضرورة اشتراك الجميع في الأدلة كما عرفته سابقا ، ولعل التحقيق بعد ذلك كله ، عدم تحقق شي‌ء من أحكام البيع على المعاطاة ، فضلا عن غيره من المعاملات اللازمة ، للاتفاق ظاهرا على اعتبار الصيغ في صحتها أو في مسماها ، كالاتفاق ظاهرا على جريان حكم البيع الفاسد على البيع مثلا بالصيغة الباطلة ، لعدم عربية ونحوها ولو أن المعاطاة بيع لاتجه صحته معاطاة لعدم التشخيص بإرادة العقد الذي هو بناء على كون المعاطاة بيعا ، شرط للزوم خارج عن حقيقته ، على أنه يمكن قصد ارادة البيع خاصة ، ولإمكان القطع بملاحظة النص والفتوى بكون البيع من حيث كونه بيعا بالنسبة إلى اللزوم وعدمه شيئا واحدا ، ولذا أطلق‌ عليه‌السلام

٢٤١

« البيعان بالخيار حتى يفترقا » (١) و « من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته » (٢) و « من اشترى حيوانا كان بالخيار إلى ثلاثة أيام » (٣) وغير ذلك مما لا يتم في بيع المعاطاة المفروض كونه جائزا بالذات ، الا بتكلف مستقبح يمكن القطع بفساده ، بل‌ قوله عليه‌السلام « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه » (٤) كالصريح في عدم تحقق البيع بالتقابض الذي هو في الحقيقة من أحكام البيع ، أو شرط في صحته في الصرف.

ولإطلاقهم تحقق البيع بإشارة الأخرس ونحوه على وجه يكون كالبيع بالصيغة من غير إشارة في شي‌ء من النص والفتوى إلى تبعيتها المشار إليه العقد أو المعاطاة ، ولفحوى ما تسمعه في النكاح بل والطلاق والظهار وغيرهما ، من الإيقاعات المعلوم عدم جريان المعاطاة فيها ، بل ربما قيل بشمول العقود لها ، بناء على إرادة مطلق الملزم من العقد فيها ولو من جانب ، بل قد يشهد له‌ ما في الدعائم قال : جعفر بن محمد عليهما‌السلام ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) في البيع والشراء والنكاح والحلف والصدقة (٥) بل يستفاد منه دليل آخر على ما نحن فيه ، ولغير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل من عدم صلاحية الفعل لإنشاء شي‌ء من المعاملات والإيقاعات ، بل والعقود الجائزة كالوكالة والوديعة والعارية ونحوها ، والاكتفاء بالفعل ونحوه مما يفيد الاذن لا يقتضي تحقق الوكالة مثلا ، أو الصحيح منها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٥) الدعائم ج ٢ ص ٢٦.

٢٤٢

به على وجه يلحقه الحكم الذي عنوانه مسماها.

ومن هنا يظهر لك السر في اعتنائهم بضبط الصيغ المخصوصة حتى في العقد الجائز ، واقتصارهم على الاكتفاء بالفعل في قبوله خاصة ، بل قد يقال بكون المراد من العقود المأمور بالوفاء بها ، البيع والصلح والإجارة ونحوها من المعاملات اللازمة أو الجائزة على وجه ذكرناه في غير المقام ، ولعله لذا سمعت عن جماعة بل قيل الأكثر تعريفها بالعقد نفسه ، وإن كان فيه أن ذلك لا يقتضي كونها عبارة عن العقد المسبب لحصولها فالبيع حينئذ أثره وسببه لا نفسه ، كما أوضحناه سابقا ، بل اتفاق قدماء الأصحاب ومتأخريهم حتى الكركي القائل بأن المعاطاة بيع على كون البيع النقل بالصيغة والانتقال بها أو نفس الصيغة الخاصة الدالة عليها ، كالصريح في عدم دخول المعاطاة في البيع ، ضرورة خروجها عن الجميع كما انه يمكن القطع به أيضا من خلو ما جاء في البيع كتابا وسنة ، عما ذكروه من الاحكام لها ، كاللزوم بالتلف للكل والبعض والتصرف ونحو ذلك ، بل لا يبعد اتحاد النكاح والطلاق والظهار وغيرها مع العقود ، في اعتبار الصيغ الخاصة على وجه لا تقوم مقامها المعاطاة ، وإطلاق اسم البيع من المتسامحين بالشرع وشيوعه فيما بينهم ، حتى أنه ربما تبعهم في ذلك غير المتسامح ، مع احتمال إرادة المبادلة أو رفع اليد منها ، كرفع يد البائع أو غير ذلك ، لا يصلح معارضا لما سمعت ، وكأنه هو الذي عن الكركي حتى وقع وأوقع غيره فيما سمعت ، نعم قد يقال بتحقق حكم الإباحة على ما في أيدي الناس

مما يسمونه بيعا ما لم نعلم منهم إنشاء البيعية والشرائية بالتقابض مثلا وإلا كان من البيع الفاسد نحو إنشاءه بالمنابذة ونحوها مما نهى‌

٢٤٣

الشارع عنه (١) ، وقال : « إنما يحلل ويحرم الكلام » (٢).‌

وأغرب من ذلك كله دعوى جريان المعاطاة في مورد جميع العقود جائزها ولازمها ، فيتحقق مسماها بها دون عقدها للإطلاق عرفا وفائدة العقد حينئذ اللزوم في اللازمة منها ولا فائدة له في غيره إذ هو كما ترى ، لا ينبغي صدورها ممن ذاق طعم الفقه ، والله هو الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد.

وكيف كان فقد ظهر لك أنه لا يكفي في عقد البيع ما عرفت من التقابض ونحوه ، بل وكذا مطلق اللفظ.

نعم لا خلاف ولا إشكال في انعقاده باللفظ العربي الصحيح الصريح الماضي المنجز ، المشتمل على الإيجاب من البائع والقبول المتأخر المتصل المطابق معنى من المشتري ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ونصوص الكتاب والسنة شاملة له ، أما مع فقد هذه القيود كلا أو بعضا فالقول فيه ما عرفت ، وما يأتي مفصلا ، ويتحقق إيجابه ببعت قطعا ، بل وبشريت على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك لاشتراك كل من لفظي البيع والشراء بين المعنيين ، فهما حينئذ من الأضداد كما عن كثير التصريح به ، بل في مصابيح الطباطبائي لا خلاف بينهم في وضعهما للمعنيين ، فيصح استعمال كل منهما حينئذ في الإيجاب والقبول على الحقيقة ، ولا يقدح الاشتراك وإلا لامتنع الإيجاب بالبيع ، ولا ظهورهما في أشهر معنييهما ، لوضوح القرينة المعينة لغيره ، وهي وقوع البيع من المشتري ، والشراء من البائع ، على إن استعمال الشراء في البيع كثير ، بل قيل إنه لم يرد في الكتاب العزيز غيره ( نحو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من عقد البيع وشروطه الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

٢٤٤

وَشَرَوْهُ ) (١) و ( الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ) (٢) و ( مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (٣) وكذا استعمال البيع في الشراء كثير أيضا‌ ومنه « البيعان بالخيار » (٤) و « لا يبع أحدكم على بيع أخيه » (٥) على المشهور في تفسيره كما ستعرفه في محله ، وغير ذلك من الشعر والنثر ، ودعوى هجر ذلك فيها في العرف المتأخر ممنوعة ، إذا أريد الهجر على وجه يكون مجازا ومسلمة ، ولكن لا يقدح إذا أريد بها غير ذلك ، فلا بأس باستعمال كل منهما حينئذ في الإيجاب والقبول

نعم الظاهر أن بعت في القبول تتعدى إلى مفعول واحد ، وشريت في الإيجاب إلى مفعولين ، كبعت فيه فلو قال البائع شريتك العين ، تعين للإيجاب من وجهين : أحدهما وقوع ذلك من البائع ، والثاني التعدية إلى مفعولين ، ولو قال شريتها فمن وجه واحد ، وكذا القبول لو قال المشتري بعتها أو بعت ، ولو وكل اثنين في بيع موصوف وابتياعه بثمن واحد ، فقال أحدهما للآخر بعت أو شريت وقال الآخر بعت وشريت ، فإن أوجبنا تقديم الإيجاب أو قال الأول بعت والثاني شريت ، كان بيعا حملا للعقد على الصحيح ، وللصيغتين على ظاهرهما وإلا احتمل ذلك مطلقا نظرا إلى الغالب من تقديم الإيجاب ، وإن لم يجب أو في غير صورة العكس فيبطل ، لتعارض الأمارتين أو يصح شراء ترجيحا لدلالة اللفظ وهو الأقرب.

__________________

(١) سورة يوسف الآية ٢٠.

(٢) سورة النساء الآية ٧٤.

(٣) سورة البقرة الآية ٢٠٧.

(٤) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٥) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٠.

٢٤٥

وأما ملكت فالأكثر بل المشهور على تحقق الإيجاب بها ، بل عن جامع المقاصد في تعريف البيع ، ما يشعر بالإجماع على صحة الإيجاب به في البيع ، ولعله لكونها حقيقة فيما يشمل البيع ، فاستعمالها فيه حينئذ حقيقة ، إذا لم يكن على جهة الخصوصية التي يكون استعمالها الكلي فيها مجازا ، ودعوى كونها حقيقة في التمليك مجانا واضحة المنع ، نعم قد يشكل ذلك باحتمال غير البيع ، وإن كان نصا في الإيجاب ، ولا يجدي ذكر العين والعوض ، لأن تمليكها به قد يكون بالهبة والصلح فلا يتعين بيعا ، لكن قد يدفعه التزام تقييده بالبيع فلا إشكال حينئذ ولعله بذلك يرتفع النزاع ، حملا لكلام المانع على الخالي من القيد ، والمجوز على خلافه ، ويحمل المنع على ما إذا استعمل فيه مجازا ، بملاحظة الخصوصية ، والمجاز لا ينعقد به العقد ، والجواز على استعماله على جهة الحقيقة ، وإن استفيدت الخصوصية من قيد آخر كما أنه يمكن دفع الاشكال المزبور أيضا ، بأن الأصل البيع في تمليك الأعيان بالعوض ، والإجارة في ملك المنافع به ، فيكفي حينئذ في صيرورته بيعا مجرد قصد التمليك من غير حاجة إلى قصد آخر فضلا عن القيد ، بخلاف ملك الصلح والهبة فإنه لا بد من قصدها.

ولعله على هذا يحمل ما عن المحقق الثاني ، من أن المفهوم من بعت وملكت معنى واحد ، إلا أن للنظر في هذا الأصل مجالا ، وعلى كل حال فالأقوى صحة الإيجاب بالتمليك مقيدا بالبيع ، بل في المصابيح تحققه بكل ما كان مثله من الألفاظ الموضوعة للقدر المشترك بين البيع وغيره ، نحو النقل والإمضاء بل الظاهر تحققه عند أدخلته في ملكك ، بل وبجعلته لك ، بناء على كون اللام حقيقة في الملك ، وأريد ذلك منها بالقرينة ، بناء على أنها للقدر المشترك بينه وبين الاختصاص ، ضرورة‌

٢٤٦

اشتراك الجميع في المعنى مع ملكت ، بل قيل إن ذلك هو مقتضى إطلاق الأكثر بل الكل ، فان الشيخ والديلمي والقاضي والطوسي والحلبيين وغيرهم اقتصروا على الإيجاب والقبول ، ولم يذكروا لفظا ، وذكره آخرون على سبيل التمثيل من غير حصر ، ففي التحرير الإيجاب ، للفظ الدال على النقل مثل بعتك أو ملكتك أو ما يقوم مقامهما ، والقبول ، اللفظ الدال على الرضا مثل قبلت واشتريت ونحوهما ، ونحوه الإرشاد واللمعة والروضة فيهما ، والجامعان وصيغ العقود في القبول ، والتبصرة والقواعد في الإيجاب ، وفي الأخير أنه كبعت واشتريت وملكت ، وهو كالصريح في عدم انحصاره الثلث ، وما يوهم الحصر من العبارات لا يثبت به الخلاف ، لظهور قصد التمثيل به كما مر ، والمدار على الصراحة المتحققة في الكل ، ولم تثبت من الأدلة اختصاص البيع بلفظ معين ، ولا من الأصحاب اشتراط أمر زائد على الصراحة.

فما في المسالك من اختلاف كلامهم في تحقيق ألفاظ البيع ، واحتمال القول باختصاصه بما يثبت شرعا من الألفاظ ليس بجيد ، وكذا ما في تعليق الإرشاد من التردد في رضيت بدل قبلت ، وإن كان بمعناه لاحتمال توقف النقل على الصيغة المعينة ، إذ لا اعتداد بهذا الاحتمال ولو توقف النقل على خصوص اللفظ المعين ، لزم الاقتصار على بعت واشتريت وقبلت ، ولم يجز غيره لعدم ثبوته بعينه من نص ولا إجماع ورضيت في القبول أظهر من ملكت وشريت ، وأقرب إلى مفهوم قبلت ، فكان أولى بالجواز منهما ، وحينئذ فالمتجه الصحة في الكل.

ولكن قد يقال أن اعتبار الأصحاب الصراحة كاف في اشتراط الدلالة على خصوص البيع وضعا في الإيجاب ، فلا يكفى ما دل عليه بالقرينة ، ولو قرينة الاشتراك المعنوي ، وإلا لكفى المجاز ، والاكتفاء‌

٢٤٧

بملكت للإجماع إن ثبت لا يقتضي بالتعدية إلى غيرها ، اللهم إلا أن يكون منشؤه الأصل المزبور. فيتعدى منها حينئذ إلى جميع ما كان بمعناها ، إلا أنه مع أن هذا الأصل محل للنظر والتأمل ، يقتضي اختصاصهما حينئذ وما ساواها في عقد البيع والإجارة ، بناء على أنها الأصل في تمليك المنافع ، في مقابلة البيع للأعيان ، لا التعدية إلى عقد كل عقد ، بالألفاظ المشتركة معنى ، التي لا دليل عليها ، خصوصا بعد انصراف الآية إلى أشخاص العقود المتعارفة لا أنواعها ، ومعلومية أن المعاملات شرعت لنظام أمر المعاش المطلوب لذاته ، ولتوقف أمر المعاد عليه ، وهي مثار الاختلاف ، ومنشأ التنازع والترافع ، فوجب ضبطها بالأمر الظاهر الكاشف صريحا عن المعاني المقصودة بها ، من العقد والحل والربط والفك ، وإلا لكان نقضا للغرض الداعي إلى وضع المعاملة ، وإثباتها في الشريعة ، والقيم بذلك البيان المعبر عما في ضمير الإنسان من الألفاظ الموضوعة لذلك ، دون غيرها مما لا يفهم إلا بالقرائن من الألفاظ المجازية ونحوها ، وللافعال والإشارات والكنايات والكتابات ونحو ذلك كما هو واضح.

ومن ذلك كله يظهر لك أن الاقتصار على الألفاظ الدالة وضعا هو الأولى وعلى كل حال فينعقد البيع بما ينعقد به في جميع أنواع البيع حتى التولية والسلم على خلاف يظهر من المسالك في الثاني ، ويقع كل منهما بلفظه المخصوص الآتي في محله إنشاء الله ، وفي انعقاد البيع بلفظ السلم قولان ، أشبههما العدم لأنه مجاز في مطلق البيع ، والعقود اللازمة لا تنعقد بالمجازات كما صرحوا به ، وللشك في الانعقاد بمثله ، فينتفي بالأصل وأجازه الفاضلان والشهيدان والمحقق الكركي ونسبه في المسالك‌

٢٤٨

إلى الأكثر ، لأنه لفظ معتبر في نوع من البيع ، فجاز استعماله في الجنس مجازا ، تبعا لقصد المتبايعين ووجود القرينة الصارفة عن الخصوصية ولانعقاده بالتمليك المستعمل شرعا استعمالا شائعا في الهبة المباينة له ، فانعقاده بالسلم الذي هو نوع منه أولى ولأنه إذا جاز في الموصوف المؤجل المحتمل للغرر وعدم إمكان التسليم ، فالحال المشاهد المقطوع بتسليمه أولى بالجواز وضعف الكل ظاهر ، وتخصيص هذا المجاز بالجواز تكلف بعيد ، خصوصا بعد إطلاقهم عدم انعقاد اللازم بالمجاز ، بل في مفتاح الكرامة الذي طفحت به عباراتهم في أبواب متفرقة كالسلم والنكاح أن العقود اللازمة لا تنعقد بالمجازات ، بل في المصابيح هنا ولا ينعقد بسائر المجازات كالهبة والصلح والإجارة والكتابة والخلع قولا واحدا ، ولا بالنكاح ولو كان المبيع أمة ، ولا بشي‌ء من الكنايات ، كالتسليم والتصريف والدفع والأخذ والإعطاء ونحو ذلك ، بل عن التذكرة ونهاية الأحكام ان من الكنايات جعلته لك وأدخلته في ملكك ، مع أن اللام محتملة للملك والاختصاص والإدخال في الملك بمعنى ملكتك ، وقد عرفت جواز العقد به.

نعم الظاهر عدم الفرق في عدم انعقاده بالمجاز بين القريب والبعيد فما عن المحقق الثاني من الجمع بين ما وقع لهم من إطلاق عدم العقد به ، ومن جواز عقده بلفظ السلم الذي هو مجاز في البيع كما عن الأكثر على ما عرفته بذلك في غير محله ، وليس هذا بأولى من كون القائل بذلك محجوجا بالإطلاق المزبور ، خصوصا بملاحظة ما عن الأكثر في باب النكاح ، من عدم جواز عقد الدائم بلفظ المتعة لكونه مجازا فيه ، وحقيقة في المنقطع ، مع أنه من المجاز القريب ، واشتراطهم الصراحة والدلالة بالوضع ونحو ذلك مما يعلم معه عدم الفرق بين‌

٢٤٩

المجاز القريب والبعيد ، مضافا إلى أن ذلك مقتضى الأصل ، ولم يثبت من إجماع أو غيره أن العقد بالمجاز من العقود المتعارفة كي يجب الوفاء به ، بل قد يشكل العقد بالألفاظ المتجدد وضعها للدلالة على البيع مثلا صريحا ، وإن كان القول به لا يخرج من قوة إذا فرض كونه من الألفاظ العربية ، لا نحو ما كان من المحرفات العامية.

ثم لا يخفى عليك جريان ما سمعته من الكلام في ألفاظ القبول ضرورة عدم الفرق بين ألفاظه وألفاظ الإيجاب في اعتبار الصراحة ونحوها كما عرفت ، وأما اعتبار العربية للقادر عليها ولو بالتعلم بلا مشقة ولا فوت غرض ، فهو مقتضى الأصل ، ضرورة عدم الدليل على الاكتفاء بغيرها ، بعد انصراف الآية وغيرها إلى العقد بالألفاظ العربية كغير المقام مما علق الشارع الحكم فيه على الألفاظ المنصرفة إلى العربية ، خصوصا بعد إن كان المخاطب والمخاطب عربيا ، وقد أرسل لسان قومه ، ولذا كان القرآن وغيره من الأدعية والأذكار الموظفة عربية ، ولم يرد منهم عليهم‌السلام شي‌ء منها بالفارسية في جميع الموظفات ، نعم لا بأس بالدعاء بالفارسية مثلا من حيث كونه دعاء ، وإن كان لا يجزى في شي‌ء مما وظفه الشارع كما هو واضح ، وعن المبسوط والتذكرة الإجماع على عدم الصحة بغير العربية مع القدرة في صيغ النكاح ، فما عن ابن حمزة من استحباب العربية فيجوز بغيرها لأنه من الألفاظ الصريحة المرادفة للعربية واضح الضعف بعد ما عرفت ، نعم الظاهر الاجتزاء بها للعاجز عنها حتى بالتعلم بلا مشقة ، لفحوى الاكتفاء بإشارة الأخرس مؤيدا ذلك ، بعدم العثور فيه على خلاف بين الأصحاب ، بل في كشف اللثام الذي قطع به الأصحاب أنه يجوز بغير العربية للعاجز عنها ولو بالتعلم بلا مشقة ولا فوت غرض مقصود ، بل الظاهر الاجتزاء‌

٢٥٠

بذلك وإن تمكن من التوكيل ، كما صرح به بعضهم للفحوى المزبورة فما عن بعضهم من اعتبار ذلك في الاجتزاء بها لا يخلو من نظر ، خصوصا بعد قول المصنف وغيره.

ويقوم مقام اللفظ الإشارة مع العذر من غير تقييد بالعجز عن التوكيل المتيسر غالبا ، ودعوى اختصاص ذلك في خصوص الأخرس كما ترى ، ضرورة عدم الفرق بين الجميع ، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بمدرك المسألة ، ولذا لم يجعل المصنف موضوع الحكم الأخرس كالقواعد والإرشاد ، بل في اللمعة والروضة تكفي الإشارة مع العجز عن النطق لخرس وغيره ، ولا تكفي مع القدرة وفي محكي التحرير لا تكفي الكتابة ولا الإشارة مع القدرة ، وتجزي الأخرس وشبهه الإشارة بل في المحكي عن كشف اللثام في كتاب النكاح لو عجز أشار بما يدل على القصد ، وهو مما قطع به الأصحاب ولم نجد من الأصحاب نصا فيمن عجز لإكراه ، بل في مفتاح الكرامة قد طفحت عباراتهم بأن العاجز عن النطق لمرض وشبهه كالأخرس ، بل لا يبعد أن المراد بالإشارة كل ما دل على المقصود غير اللفظ حتى الكتابة التي قد صرح في الاجتزاء بها حينئذ في محكي التحرير ونهاية الأحكام والدروس وغيرها ، نعم يعتبر وجود القرينة الدالة على إرادة العقد بها أو المعاطاة وبها يحصل الفرق بين المعاطاة والعقد في العاجز من غير فرق في القرينة المفهمة بين الإشارة بالإصبع وغيره ، وإن نص عليه في تلبية الأخرس ، وتشهده لكن الظاهر إرادة المثال منه من كل ما يؤدى به الأخرس مقصوده ، كما أن الظاهر القطع بعدم وجوب تحريك اللسان هنا ، وإن قيل به في القراءة ضرورة وضوح الفرق بين المقامين بالتعبد باللفظ ثم ، دون المقام فما في شرح الأستاد من أن الكتابة قاصرة عن الإشارة لا يخلو من نظر هذا.

٢٥١

ولكن قد سمعت سابقا إطلاق الأصحاب قيام الإشارة مقام العقد من غير إشارة إلى بيع المعاطاة ، وفيه إشارة إلى عدم كونها بيعا وعلى كل حال فالاجتزاء بغير العربية للعاجز عنها مساو لذلك أو أولى منه ، بل الظاهر الاجتزاء بالملحون مادة أو إعرابا للعاجز عن الصحيح ولو بالتعلم من غير مشقة ، كما اعترف به فخر المحققين فيما حكي عنه ، قال : إذا ألحن الموجب أو القابل في العقود فان قال : بعتك بفتح الباء أو زوجتك أو غير ذلك فإنه يصح إذا لم يكن عارفا ، أو كان عارفا وقصد الإيجاب ، ولو قال : جوزتك في النكاح لم يصح ، فان لم يتمكن من التعلم ولا أن يؤكل وعين هذا اللفظ صح ، وكذا في القبول وفي الطلاق لو عقد القاف كافا ، فإنه لسان ورد في اللغة فيصح ، وإن أمكنه النطق بغيره ، وإن كان في كلامه مواضع للنظر أيضا.

وأما الماضوية فقد قال : المصنف انه لا ينعقد إلا بلفظ الماضي فلو قال : اشتر أو ابتع أو أبيعك لم يصح وإن حصل القبول وكذا في طرف القبول مثل أن يقول بعني أو تبيعني لأن ذلك أشبه بالاستدعاء أو الاستعلام ، بل قيل أنه المشهور ولعله كذلك ، إذ هو المحكي عن الوسيلة والسرائر ونهاية الأحكام والإرشاد والمختلف والتذكرة والتحرير وشرح الإرشاد للفخر والدروس واللمعة والتنقيح وصيغ العقود وتعليق الإرشاد والروضة والمسالك ، بل عن التذكرة لو تقدم بلفظ الاستفهام فيقول تبيعني حينئذ ، لم يصح إجماعا لأنه ليس بقبول ولا استدعاء ، وعنهما أيضا لو قال أبيعك أو قال اشتر لم يقع إجماعا ، وهو الحجة بعد الأصل السالم عن معارضة الآية التي قد عرفت ارادة المتعارف من العقود منها ، وقد علم عدم العقد بذلك أو لم يعلم ، خصوصا بعد الشهرة والإجماع المزبورين ، وعدم معروفية النقل للإنشاء هنا لغير الماضي ،

٢٥٢

ولعله إلى ذلك أشار بقوله أشبه بالاستدعاء ، وإلا فمن المعلوم أن محل البحث ما لو أريد الإنشاء بها ، وما في بعض نصوص الآبق واللبن (١) من وقوع القبول بلفظ المضارع مقدما على الإيجاب لم يعلم منه وقوع العقد به ، ولا هو مساق لذلك ، بل المراد منه تعليم كيفية الشراء بالضم معه كما لا يخفى على من لاحظه ، فما عن الكامل من صحة قول المشتري بعني هذا بكذا فقال : البائع بعتك من غير أن يرد المشتري والمراد من صحة قول المشتري تبيعني بكذا ، وقال البائع بعتك واضح الضعف ، مضافا إلى ما فيه من تقديم القبول على الإيجاب الذي ستعرف الحال فيه ، وأما التنجيز فالظاهر أنه لا إشكال كما لا خلاف في عدم صحة غير المنجز ، بل عن تمهيد القواعد الإجماع على ذلك ، بل قيل انه يلوح من كشف اللثام سواء كان تعليقا على متوقع الحصول أو متيقنة ، لا لأن الإنشاء لا يقبله ، ضرورة قبول الأوامر ونحوها له بل الوصية والظهار ونحوهما ، بل لمنافاته ما دل على سببية العقد الظاهر في ترتب مسببه عليه حال وقوعه ، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين دون الشارع معارض لذلك ، بل هو شبه إثبات حكم شرعي من غير أهله ، وللشك في شمول الآية ونحوها له ، بل ربما قيل : بفساد المعلق صورة لا واقعا ، كقوله في النهار بعتك إن كان النهار موجودا ، ونحوه مما لا تأخير فيه لأثر العقد ، ولعله للشك المزبور ، وكأنه هو مبنى ما عن التذكرة ونهاية الأحكام من أنه لو علقه على مشية المشتري بأن قال : بعتك هذا بألف إن شئت فقال : اشتريت لم ينعقد ، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن النظر خصوصا بعد تصريح بعضهم بصحة قول المنكر إن كان مالي فقد بعتك وإن كانت زوجتي فهي طالق ، وأولى من ذلك إذا لم يكن شاكا بل كان جازما بأنه له ، وكون الزوجة زوجته ، وإنما ذكر التعليق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ و ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١ و ٢.

٢٥٣

صورة ، فلا ينافي قصد ترتب أثر العقد بحصوله ، كما إذا لم يعلق وإن كان شاكا في حصول الأثر الشرعي للشك في الشرط ، إلا أنه يكفيه قصد الأثر العرفي ، ويتبعه الشرعي إذا جمع الشرائط ، ومن هنا صح العقد مع من لا يرى صحة العقد كمتعة الذمية ونحوها والله هو العالم.

وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول فيه تردد وخلاف والأشهر كما قيل اشتراطه بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وإن كنا لم نتحققه ، بل في مفتاح الكرامة أنه وهم قطعا ، لأني تتبعت كتاب البيع فيه مسألة مسألة وغيره حتي النكاح فلم أجده ادعى ذلك ، للأصل وكون القبول اضافة : فلا يصح تقدمها على أحد المضافين ، وان القبول فرع الإيجاب.

لكن مع ذلسك الأشبه عدم الاشتراط إذا لم يكن بلفظ قبلت ونحوه ، مما لا معنى له مع التقديم ، ولذا كان ممنوعا بخلاف غيره فإنه يصح ، وفاقا للشهيدين في اللمعة والروضة والمسالك والحواشي والدروس والفاضل في النهاية والتحرير والكفاية ، ومجمع البرهان على ما حكي عن البعض ، بل قيل أنه ظاهر الغنية وغيرها ، ممن لم يتعرض فيه لهذا الشرط ، بل حكي عن القاضي أيضا ، لصدق اسم العقد ، بدليل صحته في النكاح الذي هو أشد احتياطا من المقام ، ولذا قيل : انه أولى منه بجواز ذلك ، وليس هو قياسا فتشمله الآية حينئذ ، على أن العوضية من الأمور الإضافية المتعاكسة فلا مزية لأحدهما بالاختصاص ، والإضافة والفرعية غير ظاهرتين في غير قبلت التي لا نزاع فيها ، وإلا لما صح في النكاح بل يمكن أن يقال : انه يصير المشتري موجبا والبائع قابلا ، أو يقال : أن تبعية القبول للإيجاب إنما هي على سبيل الفرض والتنزيل‌

٢٥٤

لا تبعية اللفظ اللفظ حتى يمتنع التقديم عقلا ولا القصد القصد ، فإنه ربما انعكس الأمر ، وإنما هي بأن يجعل القابل نفسه متناولا ما يلقى إليه من الموجب والموجب مناولا ، كما يقول السائل منشأ أنا راض بما تعطيني ، وقابل لما تمنحني فهو متناول قابل ، قدم إنشاؤه أو أخره كما هو واضح.

وأما الاتصال فعن جماعة منهم الفاضل في النهاية والشهيد والمقداد والمحقق أنه يشترط أن لا يتأخر القبول بحيث لا يعد جوابا ، ولا يضر تخلل آن ، أو تنفس ، أو سعال ، قلت : المدار في هذه الموالاة على العرف فإنه الحافظ للهيئة المتعارفة سابقا في العقد الذي نزلنا الآية عليه ، فان الظاهر عدم تغيرها ، ومن ذلك يعلم الحال في التطابق بين الإيجاب والقبول الذي قد صرح به غير واحد من الأصحاب ، لكن على معنى المطابقة بينهما بالنسبة إلى المبيع والثمن ، لا مطلق التطابق للاتقان على صحة الإيجاب ببعت والقبول باشتريت ، بل الظاهر صحة قبلت النكاح مثلا لإيجاب زوجتك ، كما عن جماعة التصريح به ، بل المراد المطابقة التي مع انتفائها ينتفي صدق القبول لذلك الإيجاب وبالعكس ، والظاهر أن من ذلك ما لو قال : بعتك هذين بألف فقال : قبلت أحدهما بخمسمائة. ضرورة تعلق الرضا بالمجموع ، وأولى من ذلك ما لو قال بعتكما العبدين بألف فقبل أحدهما بخمسمائة ، بل عن المبسوط أنه لم يجز إجماعا ، بل عنه أيضا انه لو قال قبلت نصف أحد العبدين بحصة من الثمن لم يصح إجماعا ، لأن حصته مجهولة ، بل الظاهر عدم الصحة لو قال قبلت نصفهما بنصف الثمن ، كما عن المبسوط التصريح به أيضا لما عرفت ، وعنه أيضا أنه لو قال : بعتكما هذين العبدين بألف هذا العبد منك وهذا العبد من الآخر فقبل أحدهما بخمسمائة لم يصح ،

٢٥٥

لأنه قبله بثمن لم يوجب له ، لأن الألف مقسومة على قدر القيمتين لا عددهما وهو إجماع ، قلت : وجهه واضح كما ذكره.

نعم لو قال : بعتكما هذين العبدين هذا العبد منك بخمسمائة وهذا الآخر منك صح لمعلومية ثمن كل منهما مع ظهور عدم ارادة اشتراط تمليك كل منهما بتمليك الآخر أما لو قال بعتكما هذا بألف فقال أحدهما : قبلت نصفه بنصف الثمن ، فالظاهر عدم الصحة ، كما في القواعد ومحكي المبسوط والخلاف والقاضي ونهاية الأحكام والتلخيص لظهور إرادة الاجتماع ، خلافا للفاضل في محكي المختلف والتذكرة فالصحة مع الخيار ، ولو قال بعتك هذا بألف ، فقال : قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة فالأقوى الصحة ، لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق من غير مخالفة ، مع احتمال البطلان ، ولو قال : بعتك بألف فقال : اشتريت بألف وخمسمائة فالأقوى الفساد لعدم المطابقة ، وربما احتمل الصحة إلى غير ذلك من الفروع التي مدارها ما عرفت.

وكيف كان فـ ( لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد ) لعدم تحقق بعض ما عرفته وتعرفه من شرائط الصحة لم يملكه بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، للأصل بعد فرض بطلان السبب الذي أريد الانتقال به ، وفرض عدم ارادة غيره من أسباب الملك ، حتى المعاطاة بناء على أنها منه ، ضرورة ظهور حال تعرضهما للعقد في إرادة الملك المترتب عليه ، وإن كان قدر منهما التقابض ، إلا أنه على كونه من مقتضيات ما أوقعاه من العقد وآثاره ، لا أنه إنشاء مستقل قصدا ترتب الأثر عليه ، نعم لو علم منهما ولو بالقرائن بعد ذكرهما العقد‌

٢٥٦

عدم إرادتهما ذلك ، بل قصد الإنشاء بتقابضهما ، وأراد حصول الملك أو الإباحة جرى عليه حكم المعاطاة ، وكان خارجا عما نحن فيه.

وبذلك ظهر الفرق بين البيع الفاسد والمعاطاة ، لكن قد عرفت سابقا أن قصد التملك العقدي غير مشخص ، مع فرض تحقق البيع بالمعاطاة التي منها الصيغة الملحونة مثلا ، على أن الأصحاب قد أطلقوا عدم الملك به ، وإن لم يكن قصد إلا إلى البيعية ، فهذا شاهد على عدم صحة بيع المعاطاة عندهم ، ومن هنا يتجه إطلاقهم عدم الملك مضافا إلى ما عرفته سابقا ، بل ظهر أيضا الوجه فيما ذكره المصنف وغيره من عدم الملك ، ضرورة عدم السبب المقتضى له ، فالأصل حينئذ بحاله بل وكان كل مما قبضه البائع والمشتري مضمونا عليه بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لعموم‌ « على اليد » (١) وتسلط الناس على أموالهم (٢) التي في أيدي غيرهم ، سواء كانت موجودة أو تالفة وغيره مما يقتضي الضمان باستيلاء اليد على مال الغير بغير إذن منه ، ولا من المالك الحقيقي ، إذا الثاني معلوم الانتفاء ، بما دل على الفساد كالنهي عن بيع الحصاة والمنابذة والملامسة (٣) والغرور (٤) ونحوها ، مما لا إشكال في ظهوره في عدم جريان آثار العقد الصحيح عليه من القبض والتصرف ونحوهما.

وأما الأول فلم يصدر منه إلا الاذن في ضمن إرادة التمليك بالعقد الصحيح. والفرض عدم حصوله فيرتفع المطلق بارتفاع المقيد ، لما تبين‌

__________________

(١) سنن بيهقي ج ٦ ص ٩٠ كنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧.

(٢) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١٣.

(٤) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

٢٥٧

في محله من عدم تحقق الجنس بدون فصله ، وعدم بقاء المطلق بعد ارتفاع القيد ، فأصالة الضمان المستفادة من عموم على اليد وغيره حينئذ بحالها ، على أن القبض من كل منهما قد كان على وجه الضمان بما دفعه إلى الأخر ، إلا أنه لما لم يتم ما ذكراه من العقد المخصوص المقتضي للضمان بما تراضيا عليه ، اتجه حينئذ ضمانه بالمثل أو القيمة وإقدامهما على المخصوص ، إنما كان على تقدير صحة ما ذكراه من السبب المقتضى له ، والفرض فساده ، ولذا أطلق المصنف وغيره الضمان على وجه يراد منه الضمان بالمثل أو القيمة ، بل لعله هو الظاهر من معاقد إجماعاتهم في المقام ، فضلا عن التصريح به من بعضهم ، بل في محكي السرائر ، أن البيع الفاسد عند المحصلين يجري الغصب في الضمان أو المعاطاة ، بناء على أنها للإباحة إنما كان ضمانها فيها تراضيا عليه للإجماع وإلا كان محلا للمنع ، على أن الفرق بينها وبين ما نحن فيه واضح بما عرفت.

بل منه يعلم عدم شمول‌ قوله عليه‌السلام « المؤمنون عند شروطهم » (١) لو سلم تناوله للمعاطاة ونحوها ، ولم نقل باختصاصه في العقد اللازم ونحوه ، وإلا كان وعدا ، ومن ذلك كله ظهر لك الوجه فيما ذكروه هنا في الاستدلال على الحكم المزبور من قاعدة كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفساده ، التي قد يظهر من بعضهم الإجماع عليها ، والمراد بها أنه كما يضمن المشتري مثلا بصحيحه لو فات في يده ، يعني يذهب من ماله ويلزم عليه إيصال الثمن إلى البائع ، كذلك يضمن بفاسده ويلزم عليه رد المبيع وإيصاله إلى البائع ، مع نمائه ، لأنه باق على ملكه فإذا تلف كان مضمونا عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

٢٥٨

كما أنه يظهر من إطلاقهم ومعقد إجماعهم ما صرح به شيخنا في شرحه والفاضل في الرياض من عدم الفرق فيما سمعته بين علمهما بالفساد وجهلهما وعلم أحدهما ، ضرورة اشتراك الجميع فيما ذكرناه ، لأن العلم بالفساد لا ينافي اختصاص ما صدر منهم من الاذن ، كما أنه لا ينافيه إيقاعهم التقابض ونحوه ، على أنه من مقتضيات العقد الفاسد المعامل معاملة الصحيح ، ولو للإبداع والتشريع ، وكذا لا ينافيه الجهل بالفساد إذ أقصاه في بعض الأحوال عدم الإثم ، وهو يجامع الضمان كما في إتلاف الساهي والنائم وغيرهما ، لا الاذن من المالك بذلك ، فالتوقف حينئذ في ضمان الجاهل مطلقا أو للعالم من بعض متأخري المتأخرين لشبهة كونه المسلط له على المال التي يأتي مثلها في العالمين ، وشبهة رجوع المغرور على من غره التي ينفيها فرض عدم وقوع غير نفس المعاملة منه ، والجهل بالحكم الشرعي لتقصير منه لا لغرور العالم له به كما هو واضح في غير محله ، ضرورة فرض عدم التسليط على كل حال ، وإنما هو على وجه مخصوص لم يحصل ، من غير فرق بين علمه وعدمه ، إذ لا منافاة في تعليق الاذن على ما يعلم المعلق انتفائه ، فظهر حينئذ أن القاعدة المزبورة لا ريب فيها على إطلاقها ، كما اعترف بذلك في الرياض وغيره.

نعم قد يتوقف فيما صرحوا به من مفهومها على وجه القاعدة أيضا ، وهو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، كالمال في الهبة والعارية ونحوهما ، إذ لا وجه له سوى أنهما قد أقدما على المجانية ، فلا ضمان لكنه كما ترى ، خصوصا بعد علم القابض بالفساد ، وجهل الدافع والاقدام المزبور إنما هو على فرض صحة العقد فلا إذن حينئذ إلا المقيدة به ، التي فرض ارتفاعها بارتفاعه ، نحو ما سمعته في القاعدة‌

٢٥٩

الأولى ، فيكون تصرف القابض في المال بلا إذن من المالك ، فيكون مضمونا عليه ، بقاعدة على اليد وغيرها ولا غرور من الدافع في أكثر أفرادها أو جميعها ، كي يتجه سقوط الضمان بقاعدة رجوع الغرور على من غره ، فالمتجه حينئذ ، بناء على ما سمعته سابقا الضمان مطلقا ، أو في أكثر أفرادها ، إلا أن يقوم إجماع على ذلك ، وتعرف إنشاء الله في العين المستأجرة وغيرها من محالها تمام الكلام في ذلك ، كما انك تعرف حكم الضمان فيما تقدم أنه بالقيمة يوم القبض ، أو يوم التلف أو غيرهما ، وحكم ما لو زادت قيمة العين بفعل المشتري المتضمن علينا أيضا كالصبغ ونحوه أو لا كالصنعة ، وحكم النماء وغير ذلك من الأحكام عند تعرض المصنف له ، فيما يأتي من أحكام البيع الفاسد ، ضرورة عدم اختصاص الحكم المزبور بما إذا كان الفساد من جهة العقد ، بل يعمه وغيره مما ستعرف هذا كله في نفس العقد.

وأما الشروط فمنها ما يتعلق بالمتعاقدين لهما ولغيرهما وهو البلوغ والعقل والاختيار فلا يصح بيع الصبي إذا لم يكن عاقلا بالغ العشر سنين ولا شراؤه بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ولو أذن له الولي قبل البيع أو بعده وكذا لو بلغ عشرا عاقلا على الأظهر الأشهر بل المشهور بل لا أجد فيه خلافا ، عدا ما يحكى عن الشيخ ولم نتحققه ، بل صرح في المحكي عن المبسوط والخلاف بعد صحة بيع الصبي وشراؤه أذن له الولي أو لم يأذن.

نعم قال في أولهما وروى انه « إذا بلغ عشر سنين وكان رشيدا كان جائز التصرف » (١) وظاهره عدم العمل بها فصح حينئذ للفقيه نفي الخلاف‌

__________________

(١) المبسوط ج ٢ ص ١٦٣ الطبع الحديث.

٢٦٠