جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من النصوص (١) للمعهودية في الذهن نحو جاء القاضي ، بل لا يخفى على من اعتبر لسان المخالفين المعتبر عندهم النصب الآن انسياق الامام معرفا ومنكرا إلى ذلك ، بل‌ موثق سماعة (٢) في العيد كالصريح في ذلك ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى يذبح؟ قال : إذا انصرف الامام ، قلت : فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال : إذا استقبلت الشمس ، وقال : لا بأس أن تصلي وحدك ، ولا صلاة إلا مع إمام» ‌إذ قوله : « ليس فيها إمام » مع قوله : « إني أصلي بهم جماعة » واضح الدلالة على ما قلنا ، والظاهر أن ذكر الإمام في النصوص الواردة عنهم (ع) في زمن خفائهم مع تعارف نصب المخالفين في ذلك الوقت وعدم إمام منصوب منهم (ع) في زمن خفائهم مع تعارف نصب المخالفين في ذلك الوقت وعدم إمام منصوب منهم (ع) جمعا بين ما تتأدى به التقية والواقع اعتمادا على ما يذكرونه في صفات الامام عليه‌السلام المفقود غالبا في نصب المخالفين ، أو المراد بيان حكم الجمعة في الواقع المنوط بالإمام المعتبر ، فلا يقدح حينئذ التعبير بهذا اللفظ الموهم دفعا للتقية ، وعلى كل حال فانسياق لفظ الامام المنكر منه فضلا عن المعرف إلى ما ذكرنا بعد ملاحظة تعارف النصب في تلك الأزمنة مما لا ينكر ، وسبر نصوص المقام والعيدين المشتملة على لفظ الامام مع ملاحظة ما فيها مما يقتضي إرادة الإشارة به إلى شخص معين لا ما اتفق صيرورته إماما المختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأمكنة أعدل شاهد على المقام.

ولعل من ذلك‌ صحيح زرارة (٣) المروي في الفقيه والأمالي وعقاب الأعمال وغيرها بطريقين عن أبي جعفر عليه‌السلام « صلاة الجمعة فريضة ، والاجتماع إليها مع الإمام فريضة ، فمن ترك ثلاث جمع ترك ثلاث فرائض ، ولا يترك ثلاث فرائض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٨.

١٦١

من غير عذر ولا علة إلا منافق » ‌إذ لا يخفى ظهوره فيما قلناه ، وأظهر منه فيه وفي الدلالة على المطلوب‌ صحيح محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال : نعم يصلون أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب بهم » ‌وفي‌ خبر الفضل بن عبد الملك (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات ، فان كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر ، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين » ‌إذ الظاهر إرادة المنصوب لذلك ، لما عرفت من استبعاد عدم معرفتها ، وأنه يجب تعلمها على تقدير الوجوب العيني ، فتركه فسق لا يصلح معه لإمامة الجماعة أيضا ، وربما يومي لذلك أيضا إطلاق الأمر (٣) بالتجميع بوجود من يخطب ، مع أنه يعتبر فيه صفات أخر من العدالة ونحوها ، فما تركها إلا للإشارة بمن يخطب إلى المنصوب المتصف بذلك ، وعدم التمكن من النصب الشرعي عند صدور الخطاب المزبور لا ينافي بيان الحكم في نفسه بمثل هذه العبارة الجامعة بين الواقع وتأدية التقية ، ومثله كثير في النصوص ، وإن كان المراد من الخبرين أنهم يصلون أربعا إذا لم يكن لهم منصوب من قبل الجائرين يخطب بهم كان وجه الدلالة فيه واضحا ، كوضوح الجمع بينه وبين‌ موثق ابن بكير (٤) وغيره بالتخيير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم الصلاة أيصلون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال : نعم إذا لم يخافوا » ‌إذ لا ينكر ظهوره في الرخصة دون العزيمة ، وأن المراد بالجماعة الجمعة كما في غيره من نصوص المقام ، وحاصل المراد حينئذ أنه إذا لم يكن لهم منصوب من الجائرين يجمع بهم الصلاة جاز لهم التجميع بدونه إذا لم يخافوا ، ولعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

١٦٢

السؤال عن خصوص القرى من جهة عدم وجود المنصوب فيها غالبا ، بل المحكي عن أبي حنيفة أنه كان لا يرى إقامة الجمعة إلا في الأمصار.

ومنها النصوص (١) المستفيضة الدالة على سقوط الجمعة على من بعد عنها بفرسخين أو من إن صلى الغداة عند أهله لم يدركها ، ضرورة ظهورها في أن للجمعة محلا مخصوصا معينا يجب السعي اليه على من كان دون هذه المسافة ، ويسقط عمن لم يكن كذلك ، كالسقوط عن الأعمى والامرأة ونحوهم سواء تمكنوا من عقد جمعة لهم أولا ، فإطلاق السقوط المزبور مناف للعينية قطعا ، ومن كان عنده نائب في هذه المسافة لم يصدق عليه البعد عنها بذلك ، إذ المراد البعد عن الجمعة في سائر الأطراف ومن جميع الجهات ، فلا تخصيص حينئذ على المختار ، بخلافه على تقدير العينية ، بل لا ينبغي بناء عليها هذا التكليف الشاق على جملة من الناس ، بل هو مفوت للفرض ، وحامل لهم على العقوق ، مع أنهم غير مكلفين به ، لا مكان إقامة الجمعة عندهم ، نعم ينبغي مراعاة البعد عنها بفرسخ لعدم انعقاد جمعتين في الأقل منه ، بل إذا لم تكن هي منصب شخص مخصوص مكلف بإقامتها لم يعقل وجوب السعي المزبور ، إذ لم يعلم حصولها جامعة للشرائط فيما بين فرسخين اللهم إلا أن يرسل الشخص الصالح للإمامة إلى جميع من كان دون الفرسخين من جميع جهاته أني أريد أن أصلي الجمعة فاسعوا إليها ، وهو كما ترى.

ونحوه حمل النصوص المزبورة على إرادة بيان سقوط فرض الجمعة عمن علم بها وكان بينها وبينه فرسخان ولم يمكنه إقامة الجمعة عنده لاختلال بعض شرائطها ، إذ لا يخفى على من له أدنى معرفة وإنصاف أن المنساق من هذه النصوص خصوصا بعد ما سمعت من تعارف النصب للجمعة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده سقوط وجوب السعي عمن بعد عن هذه الجمعة المعقودة من الامام أو نائبه بمقدار المسافة المزبورة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

١٦٣

وأنه ينتقل فرضه إلى الأربع ركعات ولو كان فيهم الصالح للإمامة ، كما هو واضح بأدنى تأمل وضوح‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) : « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا تجب على أقل من خمسة ، منهم الامام وقاضيه والمدعي حقا والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام » ‌في إرادة إمام الأصل عليه‌السلام أو الأعم منه ونائبه لا إمام الجماعة ، والقطع بعدم خصوصية المذكورين في الوجوب وإن حكي عن ظاهر الصدوق الفتوى به لا ينافي اعتبارها في الإمام الذي قد عرفت الدليل عليه ، فيكون المراد الوجوب على سبعة أحدهم الامام على جهة الشرطية ، لأنه في مساق بيانها فلا يرد أنه لا ينافي الوجوب على غيرهم أيضا ، كما أن التخيير من جهة السبعة والخمسة جمعا بين النصوص لا ينافي اعتبار الامام مع كل منهما ، بل لعل‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر طلحة بن زيد (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود » ‌مشعر أيضا باشتراط الجمعة بظهور السلطنة المقتضي لإقامة الحدود ، وأن المراد منه الكناية بذلك عن ذلك ، وتخصيص المصر لأن الغالب تنصيب الامام فيه.

وأوضح منه إشعار‌ المروي في العيون عن الرضا عليه‌السلام في خبر العلل (٣) : « فان قال : فلم صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الامام ركعتين ، وإذا كان بغير إمام ركعتين ركعتين قيل لعلل شتى : منها أن الإنسان يتخطى إلى الجمعة من بعد ، فأحب الله عز وجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا اليه ، ومنها أن الامام يحبسهم للخطبة وهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٩ وليس في الوسائل والتهذيب والاستبصار والفقيه لفظة « من خمسة » بل فيها « على أقل منهم » إلى آخره.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٢٥ منها ـ الحديث ٦.

١٦٤

منتظرون للصلاة ، ومن انتظر الصلاة فهو في صلاته في حكم التمام ، ومنها أن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله ، ومنها أن الجمعة ، عيد ، وصلاة العيد ركعتان ولم تقصر لمكان الخطبتين ، فان قال : فلم جعل الخطبة؟ قيل : لأن الجمعة مشهد عام ، فأراد أن يكون للإمام سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة ، وترهيبهم من المعصية ، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم ، ويخبرهم بما ورد عليه من الآفاق من الأهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة ، فإن قال : فلم جعل الخطبتين؟ قيل : لأن يكون واحدة للثناء والتمجيد والتقديس لله تعالى ، والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه وما فيه الصلاح والفساد » ‌وذيله كالصريح في أنه غير إمام الجماعة ، بل رواه في الوسائل عن العلل بعد قوله عليه‌السلام : « والمنفعة » بزيادة « ولا يكون الصائر في الصلاة منفصلا ، وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة » وهو نص في المطلوب.

هذا كله مضافا إلى ترك الشيعة الرواة وغيرهم لها لما خفي السلطان ، واحتمال أن ذلك للتقية يدفعه أن الشيعة قد تجاهروا بما ينافي التقية في أمور كثيرة حتى أنهم عليهم‌السلام تأذوا منهم بذلك ، و‌قالوا (ع) : « إنه ما قتلتنا إلا شيعتنا » (١) ‌ولو أن هذه الفريضة مما تجب عينا كانت أولى بذلك من غيرها ، على أن الظاهر إن لم يكن المتيقن حصول الترك منهم حال عدم التقية ، كما يومي اليه‌ صحيح زرارة (٢) قال : « حثنا أبو عبد الله عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نغدوا عليه ، فقلت : نغدوا عليك فقال : لا ، إنما عنيت عندكم » ‌إذ لا يخفى ظهوره في استمرار زرارة على الترك ، بل ظاهر لفظ الحث أنه لم يكن ذلك من أبي عبد الله عليه‌السلام بعنوان الوجوب ، كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

١٦٥

أن انتقال زرارة من المبالغة في الحث إلى إرادة الغدو عليه ظاهر في معروفية اعتبار الامام فيها قبل أن يقول (ع) له : « إنما أردت عندكم » فحينئذ دلالة الصحيح المزبور على المطلوب واضحة حتى لو كان المراد منه وإن كان بعيدا الحث على حضور جماعة المخالفين بقرينة أن من عادته عليه‌السلام الحث على أمثال ذلك لا الحث على ما لا ينافي التقية خصوصا في مثل الجمعة التي هي من مناصب السلطان ، إلا أن زرارة وغيره من الشيعة ربما كانوا يتجنبونها معهم لأنها ليست صلاة في الحقيقة فظن من حثه على صلاة الجمعة إرادة فعلها معه ، فأجابه الإمام عليه‌السلام بأنه « إنما أردت عندكم » وموثق ابن بكير (١) قال : « حدثني زرارة عن عبد الملك عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال له : مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى ، قال : فقلت : كيف أصنع؟ قال : صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة » ‌إذ هو واضح الدلالة على استمرار تركها سواء كان ذلك منه تشكيا له وتأسفا حيث أنه لم يتمكن من صلاتها لعدم تمكن إمامه عليه‌السلام ولذا قال له عليه‌السلام : « كيف أصنع؟ » متحيرا مما علم أنه لا تفعل بدونه عليه‌السلام ومما صدر منه من هذا الكلام ، فأذن له لذلك في صلاتها جماعة منهم ولو مرة ، ولما لم يعنه إماما علم إرادة الرخصة مطلقا ، أو يكون المراد كما هو الظاهر توبيخا له على عدم فعلها ، فقال له عليه‌السلام السائل : « كيف أصنع؟ » مبدئا عذره بأنه ما أدري كيف أصنع لاشتراطها بالسلطان ، والوقت وقت تقية فأجابه عليه‌السلام بالأمر بصلاتها جماعة معهم ، فيكون إذنا منه بذلك ، ولذا اكتفى به في رفع حيرته ، أو يكون المراد بفعلها في جماعة العامة على نحو ما سمعته من صحيح زرارة (٢).

وعلى كل حال فدلالته على المطلوب واضحة ، بل قد ينقدح منهما على الأخير أنه مما يلزم القائل بالعينية وجوب حضورها مع العامة ، لأن الفرض المعين إذا لم يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

١٦٦

فعله إلا على وجه التقية تعين فعله ، لأنها دين ولا يجوز تركه ، واحتمال دفعه بأنه لم يشرع الائتمام بتقية ـ ولذا أمر بالقراءة معهم وإنما يوهمهم أنه مؤتم بهم ، والمفروض أن من شروطها الائتمام ، ويؤيده ما ورد (١) من كيفية صلاة الجمعة معهم بإضافة ركعتين إلى الركعتين حتى تكون ظهرا ، وحينئذ من صلى معهم جمعة ولم يمكنه فعلها ظهرا لم يجتز بها عن الظهر ـ يدفعه منع عدم مشروعية الائتمام تقية الذي هو المتابعة في الأفعال وإن كان يجب عليه القراءة مع التمكن ، إذ هو أعم من عدمه ، ولعل استفاضة النصوص (٢) بعدم الائتمام بهم يراد به عدم تحمل القراءة ، بل فيها أمارات لذلك ، بل هو مقتضى الجمع بينها وبين ما دل (٣) على الصلاة خلفهم ، بل وهذه النصوص بناء على إرادة جماعة المنافقين ، إذ الأمر مقتض للاجزاء مؤيدا بإطلاق ما دل على أنها دين من غير فرق بين الجمعة وغيرها ، وما في النصوص من إضافة الركعتين مبني على إمكان الفعل لا على وجه التقية ، بل لا يبعد حمله على الندب مع التمكن منه أيضا ، فحينئذ يقرأ معهم في الجمعة وتسقط عنه الظهر بذلك ، لكن الانصاف عدم خلوه من الاشكال.

وكيف كان فترك الرواة لها أوضح شي‌ء فيما قلناه ، كوضوح ما رواه‌ الصدوق في أماليه بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام والشيخ في مصباحه عن هشام (٤) عنه عليه‌السلام على ما قيل : إنه قال : « أحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا إلا ويتمتع ولو مرة واحدة ، وأن يصلي الجمعة ولو مرة » ‌في عدم الوجوب العيني أيضا ، خصوصا مع جعله كالمتعة ، بل قيل يشعر به أيضا‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر حماد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المتعة ـ الحديث ٧ من كتاب النكاح.

١٦٧

ابن عيسى (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ليس لأحد ذلك غيره » ‌وإن كان فيه ما فيه.

نعم قد يقال بإشعار الآية (٢) به ضرورة كون النداء إلى صلاة الجمعة لا يكون ظاهرا في سائر الأطراف إلا مع ظهور أمر السلطان ، لا أن المراد وجوب السعي إليها مع التخفي في عقدها والتخافت في فعلها ، فليس المراد حينئذ إلا ما ذكرنا ، ودعوى إرادة مطلق النداء كائنا ما كان خرج منه ما خرج وبقي الباقي يدفعها القطع بعدم إرادة الإطلاق على هذا الوجه ، ومن ذلك ما في الاستدلال بها على الوجوب العيني ، مع أنه قد يقال بعد الأعضاء عما ذكرنا أنها إنما تدل على وجوب السعي إليها مع العقد لا إيجاب العقد أيضا الذي يدعيه القائل بالوجوب العيني ، بل قد يقال لا يتم الاستدلال بها بناء على إجمال العبادة وشرطية ما شك فيه ، إذ لم يثبت صلاة للجمعة إلا مع المعصوم (ع) ونائبه بل قد يقال إنه خطاب للمشافهين ونداء لهم ، ولفظ الماضي فيهم ، وحكم غيرهم إنما يثبت بالإجماع ونحوه ، ولا إجماع هنا على المشاركة ، بل قد عرفته على خلافها ، وإطلاق الخطاب بالنسبة إليهم يمكن لأنهم محروزون للشرط لا لعدم شرطيته ، وكذا لا يتم بناء على إرادة الرسول من الذكر فيها كما هو مذكور في‌ أخبار (٣) كثيرة عن أهل البيت عليهم‌السلام « إن الذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن أهل الذكر معاشر أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ‌بل في كشف اللثام أنه أظهر من احتمال إرادة الخطبة أو الصلاة ، بل فيه أنك لا تضع إلى ما يدعى من إجماع المفسرين على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

١٦٨

إرادة أحدهما ، خصوصا إذا كنت إماميا تعلم أنه لا إجماع إلا قول المعصوم ، ثم قال : « مع أن الصلاة في يوم الجمعة بإطلاقها تعم الثنائية والرباعية بل الظهر وغيرها ، والسعي يعم الاجتماع وغيره » وإن كان فيه ما فيه.

ومع الإغضاء عن ذلك كله قد يقال : إن المراد من الآية أصل وجوب السعي إلى الجمعة من غير تعرض لذكر الشرائط أو أنه منصرف إطلاقها إلى الفرد الشائع في ذلك الزمان ، وقد عرفت أنه الامام ومنصوبه ، بل في كشف اللثام ما حاصله « أن الآية تجدي لو عمل بها أحد من الإمامية على إطلاقها ، وليس كذلك ضرورة من المذهب فلا قائل منا بأن منادي « يزيد » وأضرا به إذا نادى إلى صلاة الجمعة وجب علينا السعي وإن لم نتقه ، ولا منادي أحد من فساق المؤمنين ، فليس معنى الآية إلا أنه إذا نادى لها مناد بحق فاسعوا إليها وكون المنادي أذن ( باذن خ ل ) الامام له بخصوصه مناديا بحق ممنوع فلا يعلم الوجوب فضلا عن العيني ، وبعبارة أخرى إنما تدل الآية على وجوب السعي إذا نودي للصلاة لا على وجوب النداء ، ومن المعلوم ضرورة من العقل والدين أنه إنما يجب السعي إذا جاز النداء ، وفي أنه هل يجوز النداء لغير المعصوم ومن نصبه؟ كلام ».

قلت : كأنه يرجع إلى الدور ، لتوقف وجوب السعي على مشروعية النداء ، ومشروعيته موقوف على مشروعية الجمعة ، وإن أبيت عن ذلك كله فهي مقيدة بما عرفت من الإجماع وغيره كإطلاق النصوص (١) في وجوبها ، وأنه يجب على كل أحد أن يشهدها إلا الخمسة أو التسعة ، بل قد عرفت إيماء ما اشتمل منها على استثناء من كان على فرسخين إلى المطلوب ، بل هو الظاهر أيضا من وجوب مشاهدتها ، بل قد يقال ليس المراد من هذه النصوص ما يحتاج إلى التقييد ، بل المراد منها مطلق الوجوب الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

١٦٩

هو من الضروريات التي يكفر منكرها ، نحو قولهم الزكاة واجبة والحج واجب وغيرهما مما يراد منه بعد إحراز شرائطه ، كما يومي اليه أنه لم يتعرض فيها لذكر ما هو شرط عند الخصم أيضا ، ودعوى الخروج بالدليل وإلا فالمراد الإطلاق كما ترى خارج عن الاعتدال في الفهم ، ولقد تجشم في كشف اللثام هنا في الجواب عن إطلاق النصوص والآية بما هو إن تم غير محتاج اليه ، فلاحظ وتأمل.

وقد ظهر لك من ذلك كله بطلان العمدة في شبهة العينية ، إذ هي بعد الآية إطلاق‌ صحيح محمد بن مسلم وزرارة (١) « إن الله عز وجل فرض في كل سبعة أيام خمسة وثلاثين صلاة ، منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة ».و‌ زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة ، وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة » ‌إلى آخره و‌صحيحه الآخر (٣) قال للباقر عليه‌السلام : على من تجب الجمعة؟ قال : « تجب على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم » وصحيحه الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ، وذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٤ لكن رواه عن أبى بصير ومحمد بن مسلم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

١٧٠

سنة إلى يوم القيامة » وصحيح منصور (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ، فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم ، والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة » ‌و‌صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات بغير علة طبع الله على قلبه» وصحيح زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام و‌حسني زرارة (٤) ومحمد بن مسلم (٥) عن الصادق والباقر عليهما‌السلام « إنها تجب على من كان منها على فرسخين » وصحيحي زرارة (٦) وموثق ابن بكير (٧) ومفهوم صحيح ابن مسلم (٨) وخبر الفضل بن عبد الملك (٩) المتقدمة آنفا ، و‌صحيح عمر بن يزيد (١٠) « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة ، وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصا ، وليقعد قعدة بين الخطبتين » ‌إلى آخره. و‌قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته (١١) « والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي » ‌إلى آخره والنبوي (١٢) « الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة » ‌و‌آخر (١٣) « من ترك ثلاث جمع متهاونا بها‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٧ وذيله في الباب ١ منها ـ الحديث ١٦.

(٢) و (١١) و (١٢) و (١٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ١٥ـ ٦ ـ ٢٤ ـ ٢٥

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٨ والباب ٥ منها ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٨) و (٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٢

(١٠) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ١٦ منها ـ الحديث ٢.

١٧١

طبع الله على قلبه » ‌و‌قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) أيضا : « من ترك ثلاث جمع متعمدا من غير علة طبع الله على قلبه » ‌و‌قال (ص) (٢) : « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين » ‌و‌قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا (٣) « إن الله فرض عليكم الجمعة ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا ولا حج له ، ألا ولا صوم له ، ألا ولا بر له ، حتى يتوب » ‌و‌حسن ابن مسلم أو صحيحه (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إن الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشارة لهم وتوبيخا للمنافقين ، ولا ينبغي تركها ، فمن تركها متعمدا فلا صلاة له ».

ونحو ذلك من النصوص المسطورة في محالها التي هي بين ضعيف لا جابر له وبين مطلق قد عرفت الحال فيه وأنه غير مراد منه طلب الفعل من المخاطب الذي من المعلوم عدم تمكنه من الفعل حال صدور تلك الإطلاقات ، وربما كان المراد منها التعريض بالمانعين من إقامتها مع تمكنهم من الشرط ، لأن الإمام بين أظهرهم وقد أعرضوا عنه وقصروا يده ، وزرارة الذي هو العمدة في رواية هذه المطلقات هو الذي حثه أبو عبد الله عليه‌السلام على فعلها المشعر بأنه كان مستمرا على الترك ، كما عرفته سابقا ، مضافا إلى ما فيها من استثناء من كان منها على فرسخين ، وقد عرفت دلالته على المطلوب ، بل يمكن إرادة الجماعة الخاصة من قوله عليه‌السلام فيها : « في جماعة » أبهمها للتقية أو لعلم السامع ، بل ربما كان تنكيره مشعرا بذلك ، بل ليس معناه سوى أنه فرضها الله في الجملة في جماعة أي الاجتماع فيها في الجملة مفروض ، وهو حق مجمع عليه ، كما أن جملة‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٨

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣ مع الاختلاف.

١٧٢

منها يمكن إرادة وجوب الاجتماع منها بعد عقدها كما يشعر به لفظ الشهادة والإتيان والحضور ونحو ذلك ، بل هو المراد من وجوب الجمعة في كثير من النصوص ، وهو الذي توعد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وورد النهي المؤكد عنه ، بل هو المراد عند التأمل من‌ قوله (ع) : « صلاة الجمعة فريضة ، والاجتماع إليها مع الإمام فريضة » ‌والمراد من وجوبها على السبعة المخصوصين ، لأنهم حاضرون وغيرهم يجب عليه السعي لحضورها.

وبين ما هو مراد منه الرخصة في الفعل ، لأنه في مقام توهم الحظر ، كصحيح الحث (١) وصحيح إمامة البعض (٢) وصحيح عبد الملك (٣) وموثق ابن بكير (٤) الظاهر سؤاله في الرخصة ، كظهور المفهوم في صحيح ابن مسلم (٥) الذي هو في الحقيقة رفع الوجوب مع وجود من يخطب ، وصحيح منصور (٦) الذي قد اعترف الخصم بإرادة التخيير منه باعتبار معارضته بأخبار السبع (٧) بل ظاهر مساواته بين الخمس فما زاد إرادة التخيير في الجميع ، لظهور اتحاد الطلب في الجميع ، نحو المروي عن‌ الكشي في كتاب الرجال عن ابن مسلم (٨) عن محمد بن علي عن جده عليهما‌السلام « إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا » وخبر هشام (٩) المروي عن مصباح الشيخ المتقدم سابقا وصحيح عمر بن يزيد (١٠) لا تصريح فيه بالإمام ، وعلى تقدير إرادة الصالح منه للجماعة أمكن حمله على الرخصة كغيره مما عرفت فيه ذلك باعتبار توهم الحظر ، والتوعد على ترك‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ٢

(٢) و (٦) و (٧) و (٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤ـ ٧ ـ ٠ ـ ١١

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المتعة ـ الحديث ٧ من كتاب النكاح.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

١٧٣

الجمعة بغير علة لا شاهد فيه ، إذ ليس أعظم من قصور يد السلطان علة ، ولعله المراد بالعمد في حسن ابن مسلم (١) كما أن‌ النبوي (٢) المزبور قد زيد فيه « وله إمام عادل » بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « موتي » ‌في المروي عن الأمالي وعقاب الأعمال ، ولعله حينئذ دال على المطلوب بناء على ما عرفت ، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ومن مضحكات المقام دعوى بعض المحدثين تواتر النصوص بالوجوب العيني وأنها تبلغ مأتي رواية ، وقد تصدى والد المجلسي إلى جمعها في رسالة مستقلة قد أجاد في ترتيبها ، لكن العمدة من نصوصها ما أشرنا إليها ، وكثير منها لا دلالة فيها على ذلك بوجه من الوجوه ، نعم قد اشتملت على لفظ الجمعة وعلى بيان كيفيتها كما لا يخفى على من لاحظها ، وأغرب من ذلك دعوى بعض مصنفي الرسائل في المسألة كالكاشاني وغيره الإجماع على الوجوب العيني ، مع أن متعمدهم في هذا الخلاف ثاني الشهيدين في رسالته في المسألة التي قد يظن صدورها منه في حال صغره ، لما فيها من الجرأة التي ليست من عادته على أساطين المذهب وكفلاء أيتام آل محمد عليهم‌السلام وحفاظ الشريعة ، ولما فيها من الاضطراب والحشو الكثير ، ولمخالفتها لما في باقي كتبه من الوجوب التخييري ونسأل الله أن يتجاوز له عما وقع فيها وعما ترتب عليها من ضلال جماعة من الناس ، فإنه قد بذل جهده في تصفح عبارات الأصحاب ، فما وجد إلا ظاهر مقنعة المفيد وكتاب الاشراف له وأبي الفتح الكراجكي وأبي الصلاح ، وربما نسب أيضا إلى الشيخ في الخلاف والنهاية والتهذيب ، وإلى الصدوق في المقنع والأمالي ، وإلى الشيخ عماد الدين الطبرسي ، وبذلك نسبوه إلى أكثر المتقدمين وإلى إجماع الأصحاب ، وقد سمعت عبارة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) لم تجده فيما أشار إليه ـ قده ـ وانما رواه في المستدرك في الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٩ عن تفسير أبى الفتوح.

١٧٤

الخلاف والنهاية ، وأما المفيد فإنه وإن أوهمت عبارته ذلك لكن من المحتمل قويا إرادة صفات النائب مما ذكره ، وأنه ترك اشتراط النيابة لمعلوميته ، كما أنه ترك ذكر العدالة في أوصافه لذلك أيضا ، بل قيل : انه كاد يكون ذكره كالمستدرك ، خصوصا بعد نقل الإجماع من تلامذته كالسيد والشيخ وعدم إشارتهم إلى خلافه.

بل قال هو في إرشاده في باب ذكر طرف من الدلائل على إمامة القائم عليه‌السلام : « من ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كل زمان ، لاستحالة خلو المكلفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وحاجة الكل من ذوي النقصان إلى مؤدب للجناة مقوم للعصاة ـ إلى أن قال ـ : مقيم للحمود حام عن بيضة الإسلام جامع للناس في الجمعات والأعياد » وظاهره أن ذلك من خواصه كالعصمة والكمال ، وقال فيها في باب صلاة العيدين : « وهذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام ، سنة على الانفراد عند عدم حضور الامام » وفي باب الأمر بالمعروف ـ بعد أن ذكر أن إقامة الحدود إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى ، وهم أئمة الهداة من آل محمد عليهم‌السلام ومن نصبوه لذلك من الأمراء والحكام ، وقد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان وأكثر في ذلك ـ قال : « وللفقهاء من شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس وصلاة الأعياد والاستسقاء والخسوف والكسوف إذا تمكنوا من ذلك » وظاهره أن ذلك كله من مناصب الأئمة ، وأنهم عليهم‌السلام أذنوا فيه ، بل قال في المقام : « فرضنا وفقك الله الاجتماع على ما قدمناه إلا أنه بشريطة حضور إمام على صفات يتقدم الجماعة » ويمكن أن يريد بالإمام المنصوب إماما ولو بالنصب العام ، فيوافق القائل بانعقادها مع المجتهد.

١٧٥

وأما أبو الصلاح فقد قيل : إن المنقول عنه في الإيضاح وغاية المراد والمهذب البارع والروض والمقاصد العلية والمقتصر والجواهر المضيئة استحباب الاجتماع في زمن الغيبة ، بل نقل عنه الفاضل العميدي في تخليص التلخيص والشهيد في البيان والفاضل المقداد المنع من جوازها كابن إدريس ، على أن التأمل في العبارة التي نقلها عنه الخصم يقضي بأن أقصاها الانعقاد الذي يجامع القول بالتخيير ، نعم ظاهره وجوب السعي بعد انعقادها ، فالتخيير حينئذ في العقد خاصة كما هو أحد القولين بين أهل التخيير ، بل قيل : انه أشهرهما.

وأما أبو الفتح فقد يريد بالإمام في كلامه المنصوب ولو بالعموم ، والصدوق رحمه‌الله وان قال في الأمالي : « والجماعة يوم الجمعة فريضة واجبة ، وفي سائر الأيام سنة » وفي المقنع « أن صليت الظهر مع الامام يوم الجمعة بخطبة صليت ركعتين ، وان صليت بغير خطبة صليتها أربعا » ولم يذكر شيئا من الشرائط لكن قال في الهداية : « إذا اجتمع يوم الجمعة سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم ـ ثم قال ـ : والسبعة الذين ذكرناهم هم الامام والمؤذن والقاضي والمدعي حقا والمدعى عليه والشاهدان » وهو ظاهر في المشهور ، بل لعل كلامه في الأولين كذلك ، والشيخ عماد الدين الطبرسي في كتابه المسمى بنهج العرفان إلى هداية الايمان بعد نقل الخلاف بين المسلمين في شرط وجوب الجمعة إنما قال : « ان الإمامية أكثر إيجابا للجمعة من الجمهور ، ومع ذلك يشنعون عليهم بتركها حيث أنهم لم يجوز والائتمام بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة الصحيحة » وهي كما ترى لا صراحة فيها بل ولا ظهور ، وكفى بهذا المذهب شناعة احتياج أصحابه في تصحيحه الى دعوى التواتر ، وأخرى إلى الإجماع نسأل الله العفو عن أئمتها ، وقد بان لك بحمد الله فسادهما معا.

١٧٦

وأوضح منهما فسادا الاستدلال بالاستصحاب : أي وجوب الجمعة حال حضور الإمام أو نائبه ثابت بإجماع المسلمين فيستصحب إلى زمن الغيبة وإن فقد الشرط المدعى إلى أن يحصل الدليل الناقل عن ذلك الحكم ، وهو منتف ، وفيه مضافا إلى ما عرفت من الإجماع على اشتراط الوجوب به حال الحضور ، حتى أن الشهيد الثاني الذي هو عمدة الخصوم سلم ذلك فيه ، فالاستصحاب وقاعدة المشاركة تقتضي السقوط حينئذ ، لانتفاء الشرط أولا ، وأنه لا يصلح لنفي الشرطية في الصحة بناء على إجمال العبادة إن كان المراد به ذلك ، كأصالة عدم الشرطية ، وثانيا أن الحكم قد تعلق بالحاضرين الواجدين للشرط ، فاستصحابه بحيث يثبت الحكم على غيرهم غير معقول ، وإن أريد به أن مقتضى الاستصحاب ثبوته في حق الحاضرين على تقدير فقدهم الشرط ففيه أنه لا معنى لاستصحاب الحكم المتعلق بهم المحتمل لكونه مشروطا عندهم ، ونفي الشرطية بالنسبة إليهم بإطلاق الأدلة خروج عن التمسك بالاستصحاب ، ومع الإغضاء عن ذلك فقد عرفت ما لا يصلح الاستصحاب لمعارضة بعضه فضلا عن جميعه.

وأوضح من ذلك فسادا ما في رسالة ثاني الشهيدين من الاستدلال له بأصالة الجواز ، قال : « فانا لم نجد على التحريم دليلا صالحا كما سنبينه ، والأصل جواز هذا الفعل بالمعنى الأعم المقابل للتحريم الشامل لما عدا الحرام من الأقسام الخمسة ، ثم الإباحة من الأمور الأربعة منتفية بالإجماع ، على أن العبادة لا تكون متساوية الطرفين ، وكذا الكراهة بمعنى مرجوحية أحد الطرفين مطلقا من غير منع من النقيض ، فبقي من مدلول هذا الأصل الوجوب والاستحباب ، فالثابت منهما أحدهما ، لأن الاستحباب أيضا منتف بالإجماع ، على أنها لا تقع مستحبة بالمعني المتعارف ، بل متى شرعت وجبت ، فانحصر أمر الجواز في الوجوب ، وهو المطلوب » وهو من غرائب الكلام يقبح بالإنسان التصدي لبيان بطلانه ، لبيان بطلانه ، بل هذا منه مما يؤيد ما ذكرنا من وقوع هذه الرسالة منه في‌

١٧٧

صغر سنه ، وأوضح منه تأييدا ما ذكره فيها أيضا من الاستدلال بأن القول بالوجوب على هذا الوجه قول أكثر المسلمين لا يخرج منه إلا الشاذ النادر من أصحابنا على وجه لا يقدح في تحقق دعوى كونه إجماعا أو يكاد ، فإن جملة مذاهب المسلمين ممن يخالفنا يقول بذلك ، أما غير الحنفية فظاهر ، لأنهم لا يعتبرون في وجوبها إذن الامام ، وأما الحنيفة فإنهم وإن شرطوا إذنه لكنهم يقولون : إنه مع تعذرها يسقط اعتبارها ، وهذا أغرب من سابقه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون من هذه المصيبة العظيمة.

ولقد وقفت على جملة من الرسائل المصنفة في المسألة نسجوا فيها على منوان هذه الرسالة ، وقد أكثروا فيها من السب والشتم خصوصا رسالة الكاشاني التي سماها بالشهاب الثاقب ورجوم الشياطين ، ولو لا أنه آية (١) في كتاب الله لقابلناه بمثله ، لكن لا يبعد أن تكون هذه الرسالة وما شابهها من كتب الضلال التي يجب إتلافها ، اللهم إلا أن يرجح بقاءها أنها أشنع شي‌ء على مصنفيها لما فيها من مخالفة الواقع في النقل وغيره ، بل فيها ما يدل على أنهم ليسوا من أهل العلم كي يعتد بكلامهم ويعتني بشأنهم ، ولو أن الشهيد يعلم وقوع هذه البلوى ما احتمل الوجوب في الذكرى معترفا بأن عمل الطائفة على خلافه ومن ذلك ينبغي أن يترك الإنسان ذكر بعض الاحتمالات في المسائل القطعية ولو معلقا له على فقد القاطع ، فإنه ربما كان ضلالا لغيره ، ونسأل الله تعالى أن يكون ما صدر من هؤلاء من شدة المبالغة في الوجوب ، حتى حكي عن بعضهم أنه لا يحتاط في فعل الظهر معها ناشئا من حب الرئاسة والسلطنة والوظائف التي تجعل له في بلاد العجم ، وإن كان قد يومي اليه أن أكثر الذاهبين إلى ذلك من أهل هذه النواحي ، ولقد قيل : إن بعضهم كان يبالغ في حرمتها حال قصور يده ولما ظهرت له كلمة بالغ في وجوبها ، بل يحكى عنهم‌

__________________

(١) سورة النحل ـ الآية ١٢٧.

١٧٨

أشياء كثيرة في أمثال ذلك ، منها أنه قد ورد علينا في أيام كتابة المسألة من هو في غاية الوثاقة من أصحابنا ممن تشرف بزيارة سيدنا ومولانا الرضا عليه‌السلام فأخبرنا بوقوع فتنة عظيمة في أصبهان على مسجد خاص لفعل صلاة الجمعة ، وكل محلة انتصرت لإمامها ، وكان ما كان ، والله العالم ، نسأل الله العفو والعافية والستر في الدنيا والآخرة وما أبرئ نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، ولولا خوف الملل وكون المسألة من الواضحات لنقلنا أكثر كلماتهم في هذه الرسائل ، وأوقفناك على ما فيها من الفضائح والمعايب ، ولكن الله ستار يحب الستر ، على أنه كفانا مؤنة ذلك كله الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك وشرح المفاتيح ورسالته في المسألة ، فإنه أكثر وأجاد جزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

نعم الإنصاف أنه كما أفرط هؤلاء في الدعوى المزبورة أفرط آخرون في الحرمة وأنه لا يجوز لأحد عقدها في زمن الغيبة كما هو المحكي عن ابن إدريس وسلار والطبرسي والتوني وظاهر المرتضى ، بل قيل : إنه يلوح من جمل الشيخ والوسيلة والغنية ، بل نسبه جماعة إلى الشيخ في الخلاف والشهيد في الذكرى وإن كان العيان لا يطابق بعض النقل المزبور ، نعم اختاره بعض متأخري المتأخرين منهم الفاضل الأصبهاني في كشفه ، وقد أطنب في الاستدلال عليه وإن كان حاصله يرجع إلى ما ذكروه من انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، وبأن الظهر ثابتة بيقين فلا تسقط بفعل غيرها ، وبأنه على تقدير عدمه يلزم الوجوب العيني ، لأنه ظاهر الأدلة السابقة ، وهو باطل بالإجماع ، ومرجع الأول والثاني إلى معلومية اشتراط كل عبادة بإذن الشارع ضرورة من الدين ومن العقل ، وكون الإمامة من مناصب الامام عليه‌السلام فلا يتصرف فيه أحد ، ولا ينوب منابه فيه إلا بإذنه ضرورة من الدين ومن العقل ، والإجماع فعلا وقولا مع ذلك على توقف الإمامة هنا بخصوصه عند ظهوره على الاذن فيها خصوصا أو عموما ، بل خصوصا ولا إذن‌

١٧٩

الآن كما عرفت ، ولا دليل على الفرق بين الظهور والغيبة حتى يشترط الاذن عند الظهور دون الغيبة ، وما يتوهم من أن الفقهاء مأذونون لاذنهم في القضاء والفتيا وهما أعظم فظاهر الفساد ، للزوم تعطل الأحكام وتحير الناس في أمور معاشهم ومعادهم وظهور الفساد فيهم واستمراره إن لم يقضوا أو يفتوا ، ولا كذا الجمعة إذا تركت ، وأيضا إن لم يقضوا ويفتوا لم يحكموا بما أنزل الله وكتموا العلم وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحرمة الجميع مقطوعة ضرورة من الدين ، وإن صلوا الجمعة قاموا مقام الامام وأخذوا منصبه من غير إذنه ، وإن سلمنا الاذن في بعض الأخبار فهو مظنون كما حصل في سائر الجماعات ، وجواز الأخذ به هنا ممنوع لأنه أخذ لمنصب الامام وائتمام بمن أخذه ، فما لم يحصل القطع بالاذن كما حصل في سائر الإجماعات لم يجز شي‌ء منهما كسائر مناصبه ، ولأنه لا ضرورة تدعو اليه كما تدعو الضرورة إلى اتباع الظن في أكثر المسائل ، للاتفاق على وجوب الظهر إذا لم يحصل الإذن لأحد في إمامة الجمعة ، فما لم يقطع به يصلي الظهر تحرزا عن غصب منصب الامام والاقتداء بغاصبه وفعل عبادة غير مشروعة ، خصوصا وظاهر الأصحاب وصريح الفاضل الإجماع على أن الجمعة إنما تجب في الغيبة تخييرا ، ففعلها مردد بين الجواز والحرمة ، وكل أمر تردد بينهما وجب الاجتناب عنه حتى يعلم الجواز ، وهو ضروري عقلا ودينا ، وغاية الأمر أن يتردد فعلها بين الوجوب عينا والحرمة ، والواجب في كل أمر كذلك أيضا الاجتناب ، لأن الأصل عدم الوجوب ، والناس في سعة مما لا يعلمون ، فالتارك لاحتمال الحرمة والجهل بالموجوب معذور ، بخلاف الفاعل لاحتمال الوجوب أو ظنه مع احتمال الحرمة.

لا يقال : الأربع ركعات أيضا مترددة بين الوجوب والحرمة إن قلنا بتعين الجمعة ركعتين لا التخيير بينهما ، لأنا نقول : نعم ولكنا مضطرون إلى فعل أحدهما متحيرون إذن في الترجيح ، فاما أن يتأمل حتى نرجح إحداهما أو نأتي بهما جميعا ، وإذا تأملنا‌

١٨٠