جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في الصحيح ليعقوب بن يقطين (١) : « إذا أردت أن تتطوع يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار ، وستا قبل نصف النهار ، وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة » ‌بناء على إرادة الانبساط من الارتفاع فيه ، ولصحيح سعد بن سعد (٢) سأل الرضا عليه‌السلام « عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال؟ قال : ست ركعات بكرة ، وست بعد ذلك اثنتي عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ثمان عشر ركعة ، وركعتان بعد الزوال ، فهذه عشرون ركعة » ‌فإن البكرة وإن كانت أول اليوم من الفجر إلى طلوع الشمس أو تعم لكن كراهية التنفل بينهما وعند طلوع الشمس دعتهم إلى تفسيرها بالانبساط ، و‌قال الصادق عليه‌السلام في خبر مراد بن خارجة (٣) : « أما أنا فإذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صليت ست ركعات » ‌و‌قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٤) الذي حكاه في السرائر نقلا من كتاب حريز : « إن قدرت أن تصلي يوم الجمعة عشرين ركعة فافعل ست ركعات بعد طلوع الشمس » ‌ولما كره التنفل بعد العصر وتظافرت الأخبار (٥) بأن وقت صلاة العصر يوم الجمعة وقت الظهر في غيره ، وروي (٦) أن الأذان الثالث فيه بدعة ، وكان التنفل قبلها يؤدي إلى انفضاض الجماعة رجحوا هذا الخبر على ما تضمن التنفل بين الصلاتين أو بعدهما ، ولما تظافرت الأخبار (٧) بأن وقت الفريضة يوم الجمعة أول الزوال ، وأنه لا نافلة قبلها بعد الزوال لزمنا أن نحمل « بعد الزوال » في الخبر على احتمال نسبه في الذكرى إلى الأصحاب ، قال : « المشهور‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٠ ـ ٥ ـ ١٢ ـ ١٨

(٥) و (٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

٣٢١

صلاة ركعتين عند الزوال يستظهر بهما تحقق الزوال قاله الأصحاب » إلى آخره.

و‌قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن بن عجلان (١) : « إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين ، فإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة » ‌و‌سأل الكاظم عليه‌السلام أخوه علي بن جعفر (٢) في الصحيح « عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده فقال : قبل الأذان » ‌و‌قال الرضا عليه‌السلام للبزنطي (٣) كما في السرائر عن كتابه : « إذا قامت الشمس فصل ركعتين ، وإذا زالت فصل الفريضة ساعة تزول » ‌فما في الرياض ـ بعد أن حكى الاستدلال المزبور بالصحيح المذكور قال : وفي بعض هذه المقدمات لتصحيح الاستدلال به إشكال كدعوى الأكثرية على تقديم الركعتين على الزوال ، فإنه خيرة العماني خاصة كما يظهر من جماعة مدعين على استحباب تأخيرها عنه الشهرة ، والصحيحة المتقدمة بذلك صريحة ـ لا يخفى ما فيه خصوصا بعد قوة ما عرفت بالنسبة إلى الصحيحة ، والصحيحة المتقدمة بذلك صريحة ـ لا يخفى ما فيه خصوصا بعد قوة ما عرفت بالنسبة إلى الصحيحة ، وأما ما في‌ خبر سليمان بن خالد (٤) المحكي في السرائر عن كتاب البزنطي سأل الصادق عليه‌السلام « أيما أفضل أقدم الركعتين يوم الجمعة أو أصليهما بعد الفريضة؟ قال : صلهما بعد الفريضة » ‌فيترجح ما سمعت عليه من وجوه ، على أنه يجوز أن يكون سأله وقد زالت الشمس أو سأله عن فعلهما إذا تحقق الزوال وكان التأخير له أولى به أو متعينا لتقية أو غيرها.

وعلى كل حال فما عن الحسن بن أبي عقيل ـ من الصلاة إذا تعالت الشمس ما بينها وبين الزوال أربع عشرة ركعة وبين الفريضتين ستا كذلك فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا خاف الامام بالتنفل تأخير العصر عن وقت الظهر في‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١١ ـ ٢ ـ ١٦ ـ ١٤

٣٢٢

سائر الأيام صلى العصر بعد الفراغ من الجمعة وتنفل بعدها ست ركعات ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه كان ربما يجمع بين صلاة الجمعة والعصر ـ لا مستند لجميع ما ذكره بحيث يكون صالحا لمعارضة ما سمعت ، إذ هو‌ صحيح ابن يقطين (١) المتقدم الذي فيه مضافا إلى ما سمعت « وست بعد الجمعة » ‌و‌خبر البزنطي (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « ست في صدر النهار ، وست قبل الزوال ، وركعتان إذا زالت ، وست بعد الجمعة » وخبر أبي بصير في الجملة (٣) ، والجميع كما ترى لا يوافق جميع ما ذكره ، على أنه يمكن إرادة الانبساط من الارتفاع في الأول كما عرفته سابقا ، كما أنه يمكن إرادة ابن أبي عقيل الانبساط من التعالي ، فلا يكون مخالفا للأصحاب في ذلك ، بل ينحصر خلافه في وظيفة فعل الست بين الفرضين ، والأمر سهل بعد كون الحكم ندبيا.

وإلا فلو أخر النافلة أجمع إلى بعد الزوال جاز ، ولكن أفضل من ذلك تقديمها موزعا لها على حسب ما عرفت ، ويجوز غيره ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن حنظلة (٤) : « صلاة التطوع يوم الجمعة إن شئت من أول النهار وما تريد أن تصليه يوم الجمعة فإن شئت عجلته فصليته من أول النهار ، أي النهار شئت قبل أن تزول الشمس » كما عرفت وحينئذ فـ ان صلى بين الفرضين ست ركعات من النافلة جاز كما سمعته من ابن أبي عقيل والأخبار السابقة ، وعن ابن طاوس في جمال الأسبوع لعل ذلك لمن لا يقدر على تقديمها لعذر ، وأيده بأن الأدعية الواردة بينها على التأخير وردت الرواية انه يقولها مترسلا كعادة المستعجل بضرورات الأزمان ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ١٠ ـ ٦ ـ ١٨ ـ ٨

٣٢٣

وألفاظها مختصرة كأنها على قاعدة من ضاق الوقت عليه ، بل لا بأس بجعل ثمان بينهما كما تقدم في خبر سليمان بن خالد ، بل ظاهر ابن الجنيد أن ذلك هو الوظيفة كما سمعته سابقا ، وأن خلافه مع الأصحاب في ذلك وفي زيادة ركعتين ، إذ الضحوة في كلامه يمكن إرادة الانبساط منها.

قال في كشف اللثام : « الضحوة ما بعد طلوع الشمس قبل الضحى كما في العين والصحاح والديوان والمحيط وشمس العلوم وغيرها ، فلا يخالف المشهور إلا في زيادة ركعتين على العشرين ، وهي موجودة في خبر سعد بن سعد المتقدم ، وفيه أنهما بعد العصر ، ولا يأباه كلام أبي علي ، وأرسل الشيخ في المصباح (١) عن الرضا عليه‌السلام نحو ما رواه سعد ، وليس فيه هاتان الركعتان ، وفي تأخر ست عن الفريضة ، وستسمع جوازه ، ولكن‌ روى الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد ابن أبي نصر (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « النوافل يوم الجمعة ست ركعات بكرة ، وست ركعات ضحوة ، وركعتين إذا زالت الشمس ، وست ركعات بعد الجمعة » ‌وهو يعطي إما كون الضحوة بمعنى الضحى كما في المهذب ، أو بعده كما في المفصل والسامي ، أو فعل الست الأول قبل طلوع الشمس » انتهى لا يخلو بعضه من نظر.

وكيف كان فهل الجميع نافلة الظهرين ، أو الجميع نافلة اليوم ، أو الأربع نافلة اليوم : والباقية نافلة الظهرين؟ أوجه ، قطع ابن فهد في المحكي عنه بالثالث ، قال : « فلا يسقطها يعني الأربع السفر ، ولا يقضى » وعن فخر الإسلام في شرح الإرشاد « التخيير بين أن ينوي بالجميع نافلة الجمعة وأن ينويها بالأربع وينوي نافلة الظهر بثمان ونافلة العصر بثمان » قلت : الأولى الاقتصار على نية القربة من غير تعرض لشي‌ء من ذلك.ثم إن ظاهر النص والفتوى عموم استحباب فعل النافلة المزبورة لمن يصلي الجمعة‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٥ ـ ١٩

٣٢٤

أو الظهر ، و‌قال الرضا عليه‌السلام في خبر الفضل (١) : « إنما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الأيام » ‌لكن عن نهاية الأحكام « أن السر في العشرين أن الساقطة ركعتان ، فيستحب الإتيان ببدلهما ، والنافلة الراتبة ضعف الفرائض » ومقتضاه اختصاص ذلك بمن يصلي الجمعة ، اللهم إلا أن يريد به بيان أصل الحكمة فيه ، والله أعلم.

ومنها أن يباكر المصلي إلى المسجد الأعظم الذي تصلى فيه الجمعة : أي يكون فيه بكرة بلا خلاف أجده فيه ، لأنه مسارعة إلى الخير ، و‌قول أبي جعفر عليه‌السلام (٢) : « إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة وأقلام من ذهب ، فيجلسون على أبواب المساجد على كراس من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الإمام ، فإذا خرج الامام طووا صحفهم ولا يهبطون في شي‌ء من الأيام إلا يوم الجمعة » ‌وقال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن سنان (٣) : « إن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها ، وإنكم لتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة » ‌وفي‌ خبر جابر (٤) « إن أبا جعفر عليه‌السلام كان يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح ، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك ، وكان يقول : إن لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل رمضان على سائر الشهور » ‌و‌عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) « من غسل واغتسل وبكر وابتكر واستمع ولم بلغ كفر ذلك ما بين الجمعتين » ‌و‌عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) أيضا « من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٢

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٥) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٧٧ مع الاختلاف.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦.

٣٢٥

اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة » ‌وظاهره توزيع الزمان من الفجر أو طلوع الشمس إلى الزوال خمس حصص ، عبر عن كل حصة منها بساعة من غير فرق بين يوم الشتاء والصيف والخريف والربيع ، ولعل ذكر غسل الجنابة مما يؤيد إرادة طلوع الفجر الثاني ، لأنه هو الذي يغتسل من الجنابة في تلك الليلة عنده.

وفي المحكي عن التذكرة « المراد بالساعة الأولى هنا بعد الفجر ، لما فيه من المبادرة إلى الجامع المرغب فيه وإيقاع صلاة الصبح فيه ، ولأنه أول النهار » بل قد يظهر من نهاية الأحكام أنه لا خلاف فيه عندنا ، قال فيما حكي عنها : « الأقرب أنها يعني الساعات من طلوع الفجر الثاني ، لأنه أول اليوم شرعا ، وقال بعض الجمهور : من طلوع الشمس لأن أهل الحساب منه يحسبون اليوم ويقدرون الساعات ، وقال بعضهم : من وقت الزوال ، لأن الأمر بالحضور حينئذ يتوجه عليه ، وبعيد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الأمر فيه أعظم ، ولأن الرواح اسم للخروج بعد الزوال ، وليس بجيد ، لاشتمال الحضور قبل الزوال على الحضور حال الزوال وزيادة ، فزاد الثواب باعتباره ، وذكر الرواح لأنه خروج لأمر يؤتى به بعد الزوال ـ قال ـ وليس المراد من الساعات الأربع والعشرون التي ينقسم اليوم والليلة عليها ، وإنما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه ، إذ لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى السابق والمسبوق إذا جاءا في ساعة واحدة على التساوي ، ولاختلف الأمر باليوم الشاتي والصائف ، ولفاتت الجمعة إن جاء في الساعة الخامسة » وناقشه في كشف اللثام بأن الاختلاف والفوت على الساعة المستقيمة ، والأخبار منزلة على المعوجة ، وقد يستوي السابق‌

٣٢٦

والمسبوق في إدراك فضل من قرب بدنة مثلا وإن كان بدنة السابق أفضل واستحباب تأخير غسل الجمعة وإتيان الأهل في الجمعة ، وخبر جابر (١) قد يؤيد أن اعتبار الساعات من طلوع الشمس.

قلت : كأن مراده تنزيل أخبار الأربعة والعشرين على المعوجة ، فلا تنافي حينئذ حمل الساعات هنا عليها كما تخلية الفاضل ، لكن فيه أولا أنه لا دليل على أفضلية بدنة السابق في تلك الساعة ، وثانيا أنه لا يتم عليه ما هو ظاهر الخبر من حصر قسمة الزمان في الخمس ، فلعل ما ذكرناه من إرادة الحصص المزبورة أولى ، كما أن ما ذكره من التأييد للاعتبار من طلوع الشمس فيه ما لا يخفى ، ضرورة أن استحباب تأخير الغسل إلى ما قبل الزوال كما عرفته في محله ينافي بظاهره أصل استحباب التبكير كما سمعت الكلام فيه مفصلا في الأبحاث السالفة ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

وعلى كل حال فيستحب له التبكير أو إتيان المسجد بعد أن يحلق رأسه ويقص أظفاره أو حكها إن قصت يوم الخميس ويأخذ من شاربه لكن ليس شي‌ء منهما شرطا في استحبابه قطعا ، وقيد الأول في الرياض تبعا لكشف اللثام بالاعتياد حاكيا له عن التذكرة والنهاية ، قال في الثاني : وإلا غسل رأسه بالخطمي كذا في التذكرة ونهاية الأحكام ، وبالجملة يستحب تنظيف الرأس بالحلق أو بالغسل أو بهما ، والغسل بالخطمي كل جمعة أمان من البرص والجنون على ما في خبر ابن بكير (٢) عن الصادق عليه‌السلام ، وينفي الفقر ويزيد في الرزق إذا جامع قص الأظفار والشارب على ما في خبر محمد بن طلحة (٣) عنه عليه‌السلام ، وفي‌ خبر ابن سنان (٤) عنه عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٢

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٥.

٣٢٧

« إن من فعل الثلاثة يوم الجمعة كان كمن أعتق نسمة » ‌وفيه أولا أنه لم نقف على ما يدل على أصل استحباب الحلق فضلا عن أن يكون مقيدا بالاعتياد سوى ما قيل من دخوله تحت التزيين الذي هو مطلق كالفتاوى ، ونحوه إطلاق غسل الرأس بالخطمي من دون تقييد بعدم اعتياد الحلق ، نعم لا بأس بتقييده بالاحتياج اليه كقص الأظفار وأخذ الشارب المطهرين له المؤمنين له من الجذام ، ويزيدان في الرزق ، والشارب على ما في فقه اللغة للثعالبي « شعر الشفقة العليا » وعن مصباح الفيومي « الشعر الذي يسيل على الفم » والديوان « شاربا الرجل ناحيتا سبلته » وعن العين « الشاربان ما طال من ناحيتي السبلة ، ومنه سمي شارب السيف ، وبعض يسمي السبلة كلها شاربا واحدا ، وليس بصواب » ونحوه عن تهذيب اللغة ، وعن المحيط « الشاربان ما طال من ناحيتي السبلة » والأمر سهل بعد أن كفى العرف مئونة ذلك كله.

ومنها أن يكون على سكينة ووقار كما في النص (١) والفتوى ، والمراد بهما إما واحد هو التأني في الحركة إلى المسجد كما‌ روي (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، وأتوها تمشون وعليكم السكينة » ‌أو في الحركات ذلك اليوم كما احتمله في كشف اللثام ، وإن كان هو كما ترى ، أو المراد بأحدهما الاطمئنان ظاهرا وبالآخر قلبا ، أو التذلل والاستكانة ظاهرا وباطنا ، كل ذلك إما عند إتيان المسجد أو في اليوم كما‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر هشام بن الحكم (٣) « وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١ والباب ٤٧ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) صحيح البخاري ج ٢ ص ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

٣٢٨

وأن يكون متطيبا لابسا أفضل ثيابه وأفخرها وأنظفها وأن يدعو أمام توجهه إلى المسجد بالمأثور في‌ خبر أبي حمزة الثمالي (١) « اللهم من تهيأ وتعبأ » إلى آخره‌ وغيره وأن يكون الخطيب بليغا مراعيا لما يقتضيه الحال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد وعن الابتذال لتكون موعظته جالبة للقلوب مؤثرة فيها ، ويتوجه الناس إلى الإصغاء إليها ، وفي الذكرى « يستحب كونه بليغا بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد وبين البلاغة ، وهي بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل الممل » وعن دلائل الإعجاز « أنه لا معنى لها إلا وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها ، فما كانت دلالته أتم يترجمها في صورة هي أبهى وأزين وآنق وأعجب وأحق بأن يستولي على هوى النفوس ، وينال الحظ الأوفر من ميل القلوب ، وأولى بأن يطلق لسان الحامد ويطيل رغم الحاسد ـ قال ـ : ولا جهة لاستكمال هذه الخصال غير أن يأتي المعنى من الجهة التي هي أصلح لتأديته ، ويختار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأتم له وأخرى بأن يكسبه نيلا ، ويظهر به مزية » وعن نهاية الأحكام « بحيث لا يكون مؤلفة من الكلمات المتبدلة ، لأنها لا تؤثر في القلوب ، ولا من الكلمات الغريبة الوحشية ، لعدم انتفاع أكثر الناس بها ، بل تكون قريبة من الأفهام ناصة على التخويف والإنذار ».

وأن يكون مواظبا على الصلوات في أول أوقاتها وعلى الائتمار بما أمر به والانزجار عما نهي عنه ليكون له وقع في النفوس ، فتكون موعظته أوقع في القلوب.

ويكره له أي الخطيب الكلام في أثناء الخطبة بغيرها إذا لم يكن مفوتا لهيئتها وسالبا لصدق المراد شرعا منها ، وإلا حرم الاجتزاء بها ووجب استئناف غيرها وكأن وجه الكراهة ـ مضافا إلى انفصام نظام الخطبة الموجب للوهن في الإبلاغ‌

__________________

(١) التهذيب ج ٣ ص ١٤٢ ـ الرقم ٣١٦ من طبعة النجف.

٣٢٩

والإنذار والحمد والثناء ـ ضيق الوقت وانتظار المأمومين الذين يسأمون ولا يخلون غالبا عن حاجات ربما تفوت لطول المكث ، بل ربما قيل بالحرمة ، بل في الذكرى « الظاهر أن تحريم الكلام مشترك بين الخطيب والسامعين ، أو الكراهية إلا لضرورة » ونحو منه غيره ، بل كأنه مال إليه في الرياض ، ولعله للتنزيل منزلة الصلاة في الخبرين (١) السابقين وإن كان فيه ما عرفت كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا ، فلاحظ وتأمل ، ولا تغفل عما ذكرناه هناك من النصوص المشتملة على وقوع الكلام منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأثناء ، والله أعلم.

ويستحب أن يتعمم شاتيا كان أو قاضيا ، ويرتدي ببردة يمنية للخبر (٢) ولأن المعتم والمرتدي أو قر في النفوس ، واليمينية كبردة ضرب من برود اليمن ، والإضافة كما في شجر أراك ، وبخصوصها‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة (٣) : « ويرتدي ببردة يمنية أو عدني » ‌وأن يسلم على الناس أولا قبل الشروع في الخطبة لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في مرفوع عمر بن جميع (٤) : « من السنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس » ‌وإرسال الرواية غير قادح بعد العمل بها وكون الحكم استحبابيا ، وخصوصا بعد مشروعية مطلقه وشهادة الاعتبار هنا بحسنه ، فما عن الخلاف من عدم الاستحباب للأصل المقطوع بما عرفت في غير محله ، بل عن التذكرة ونهاية الأحكام « التسليم مرتين : مرة إذا دنا من المنبر سلم على من عنده ، لاستحباب التسليم لكل وارد ، وأخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود واستقبل الناس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤ والفقيه ج ١ ص ٢٦٩ ـ الرقم ١٢٢٨ المطبوع في النجف.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ وهو مرفوع عمرو بن جميع.

٣٣٠

فسلم عليهم بأجمعهم » قال : ولا يسقط بالتسليم الأول ، لأنه مختص بالقريب من المنبر والثاني عام ، وعلى كل شق يجب رده ، لأنه تحية كما هو واضح.

وأن يكون معتمدا على شي‌ء من قوس أو عصا أو سيف أو نحو ذلك ، للنصوص (١) والاعتبار وأن يسلم أولا وأن يجلس أمام الخطبة على المستراح وهو الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة ، وذلك ليستريح من تعب المسير والصعود ولأنه لا فائدة لقيامه حال الأذان ، وللتأسي ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر عبد الله بن ميمون (٢) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذن » ‌ولا ينافيه‌ حسن حريز عن محمد بن مسلم (٣) « يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب » ‌هذا.

وقد تقدم الكلام مفصلا في بحث القراءة فيما يتعلق بقوله هنا وإذا سبق لسان الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى الجمعة ، وكذا في الثانية يعدل إلى سورة المنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة الجحد والتوحيد وكذا في قوله : ويستحب الجهر بالظهر في يوم الجمعة فلاحظ وتأمل.

ومن يصلي ظهرا منفردا ولا تجب عليه الجمعة فالأفضل إيقاعها في المسجد الأعظم للعمومات ، وخصوص تبكير جعفر عليه‌السلام (٤) وإذا لم يكن إمام الجمعة ممن يقتدى به جاز أن يقدم المأموم صلاته على الإمام لأن‌ أبا جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ٣ ص ٢٠٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ وفيه « كان أبو جعفر (ع) يبكر. إلخ » كما تقدم في ص ٣٢٥.

٣٣١

سأل أبا بكر الحضرمي (١) عما يصنعه يوم الجمعة؟ فقال : « أصلي في منزلي ثم أخرج فأصلي معهم ، فقال عليه‌السلام : كذلك أصنع أنا » ‌ولو صلى معه ركعتين بنية الظهر الرباعية وأتمهما بعد تسليم الامام ظهرا كان أفضل كما كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يفعله على ما في صحيح حمران (٢) وفعله أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما في حسن زرارة (٣) وفي‌ صحيح حمران (٤) أيضا عن الصادق عليه‌السلام « إن في كتاب علي عليه‌السلام إذا صلوا الجمعة فصلوا معهم ، ولا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين أخريين ، قال : فأكون قد صليت أربعا لنفسي لم أقتد بهم فقال : نعم » ‌لكن قد يناقش في ثبوت الأفضلية من ذلك كله ، إلا أن الأمر سهل بعد التسامح ، وقد تقدم الكلام سابقا عند البحث في وجوب الجمعة في جواز الاقتداء بهم فيها تقية والاعتداد بها ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم بأحكامه ، وله الشكر على توفيقه وإنعامه.

( الفصل الثاني في صلاة العيدين )

الفطر والأضحى من العود وإن كان الجمع أعياد على غير قياس ردا لجمع الأشياء إلى أصولها ، للزوم الياء في مفردة ، وللفرق بين جمعه وجمع عود الخشب‌ وعلى كل حال فـ النظر يقع فيها وفي سننها ، وهي واجبة على الأعيان إجماعا منا بقسميه ، بل لعل المحكي منه متواتر كالنصوص (٥) بل فيها ما يظهر (٦) منه أنه المراد من قوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣ ـ ٥ ـ ١

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤ ولكنه لا يطابق لما ذكره في الجواهر.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة العيد.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٤ وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ٥٥٩ وتفسير ابن جزي ج ٤ ص ٢٢٠.

٣٣٢

تعالى (١) ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) وقوله تعالى (٢) ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) ويؤيده إطلاق اسم الفريضة عليها في جملة (٣) منها ، إلا أنه قد ينافيه‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٤) : « صلاة العيدين مع الإمام سنة » ‌الذي حمله الشيخ على إرادة ما علم وجوبه من السنة لا من القرآن ، اللهم إلا أن يقال ذلك من السنة أيضا باعتبار عدم صراحة القرآن فيه بحيث لا يحتاج إلى السنة ، فان ذلك المسمى بالفريضة في مقابل السنة ، والأمر سهل.

وكيف كان فلا ريب في أصل الوجوب ، نعم هو مع وجود الامام عليه‌السلام بالشرائط المعتبرة في الجمعة بلا خلاف أجده فيه فيما عدا الخطبة ، بل في جامع المقاصد « أنه اتفاقي للأصحاب » وفي الانتصار « الإجماع على وجوبهما على كل من وجبت عليه صلاة الجمعة وبتلك الشروط » ونحوه عن الناصرية ، وفي الخلاف « الإجماع على أنها فرض على الأعيان ، ولا تسقط إلا عمن تسقط عنه الجمعة » وفيه أيضا « العدد شرط في وجوب صلاة العيد ، وكذلك جميع شرائط الجمعة ، دليلنا إجماع الفرقة ، وأيضا فإذا ثبت أنه فرض وجب اعتبار العدد فيها ، لأن كل من قال بذلك اعتبر العدد ، وليس في الأمة من فرق بينهما » وفي المعتبر « صلاة العيدين فريضة على الأعيان مع شرائط الجمعة ، وهو مذهب علمائنا أجمع » وفيه أيضا « ويشترط في وجوبها شروط الجمعة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاها مع شرائط الجمعة ، فيقف الوجوب على صورة فعله ، ولأن كل من قال بوجوبها على الأعيان اشترط ذلك » إلى آخره. قيل : ونحوه التذكرة ونهاية الأحكام ، وعن المنتهى « لا خلاف فيه بين علمائنا ».

__________________

(١) سورة الأعلى ـ الآية ١٤ و ١٥.

(٢) سورة الكوثر ـ الآية ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة العيد ٠ ـ ٢

٣٣٣

مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) في العيدين : « إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة » ‌وإلى المعتبرة (٢) المستفيضة القريبة من التواتر بل المتواترة في اعتبار الامام والجماعة فيها ، وجملة (٣) منها وإن نكرت الامام وقابلت الجماعة بالواحدة بحيث يستشعر منها كون المراد من الامام فيها مطلق إمام الجماعة لكن جملة أخرى (٤) منها عرفته باللام ، فيظهر أن المقصود فيها من التنكير ليس ما ذكر ، وإلا لما عرف ، وحينئذ فيحمل على ما هو عند الإطلاق والتجرد عن القرينة متبادر ، ومقابلة الوحدة بالجماعة ليس فيها ذلك الاشعار المعتد به ، سيما على القول بمنع اعتبار الجماعة فيها مع فقد الشرائط ، مع أنه على تقدير تسليمه معارض بظاهر‌ الموثق (٥) عن الصادق عليه‌السلام بل صريحه « قلت له : متى تذبح؟ قال : إذا انصرف الامام ، قلت : فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال : إذا استقلت الشمس ، وقال : لا بأس أن تصلي وحدك ، ولا صلاة إلا مع إمام » ‌على أنك قد عرفت في الجمعة ما يظهر منه أن المراد بالإمام في أمثال هذه المقامات المعصوم عليه‌السلام أو نائبه ، فلاحظ وتأمل.

كما أنك عرفت ما يقضي باشتراطه في الجمعة والعيد من دعاء الصحيفة السجادية (٦) وغيره ، بل قد عرفت ما يقضي باتحاد الجمعة والعيد ، وانه اعتبر ما اعتبر في الأولى لأنها عيد ، وأنه لاتحادهما استغنى بحضور العيد عنها عند اجتماعهما كما ستعرف أيضا ، بل لا يخفي‌ ظهور الصحيح ـ (٧) « قال الناس لأمير المؤمنين عليه‌السلام : لو أمرت من يصلي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٦.

(٦) ص ٢٧٧ ـ رقم الدعاء ٤٨.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ لكن رواه عن الدعائم.

٣٣٤

بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد قال : أكره أن استن سنة لم يستنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ‌وفي الرياض ونحوه المروي في البحار عن كتاب عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام ، وعن كتاب المجالس عن رفاعة (٢) عنه عليه‌السلام ، وخبر محمد بن مسلم (٣) عن الباقر عليه‌السلام ـ في أن صلاة العيد بنصب الامام وإذنه ، وإلا لما استأذنوه ، كما أنه لا يخفي ظهورها في اعتبار الوحدة فيها على حسب ما سمعته في الجمعة ، مضافا إلى الإجماع المزبور على ذلك ، فما عن تذكرة الفاضل ونهايته من التوقف فيه بل كأنه مال إليه في المدارك لا يخلو من نظر.

نعم قد يتجه ما ذكره الشهيد ومن تأخر عنه كما قيل من أن هذا الشرط إنما يعتبر مع وجوب الصلاتين ، فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمتنع التعدد اقتصارا في تقييد الإطلاق المقتضي للصحة على المتيقن ، واستظهارا مما دل (٤) على جوازها فرادى من النصوص مع انتفاء الجماعة أنه لا يعتبر في المندوب منها ما يعتبر في الواجب ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

وقد تلخص من ذلك كله اعتبار ما عدا الخطبتين في العيد كالجمعة من السلطان أو نائبه والعدد والجماعة والاتحاد ، إلا أنه قد يفرق بينهما في الأول بأن المختار في الجمعة كما عرفت اشتراط ذلك في العينية ، أما التخيير فلا ، إلا أنه لما كان غير متصور في العيد باعتبار عدم فرد آخر لم يكن له وجه سوى جواز الترك ، بل عن روض الجنان أنه لا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب ، وإن كان ما في الجمعة من‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٦.

(٢) البحار ج ١٨ ص ٨٥٩ من طبعة الكمباني لكن رواه عن المحاسن.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة العيد.

٣٣٥

الدليل يتمشى هنا ، إلا أنه يحتاج إلى القائل ، ولعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا بخلاف الجمعة أن الواجب الثابت في الجمعة إنما هو التخيير كما مر ، أما العيني فهو منتف بالإجماع ، والتخييري في العيد غير متصور ، إذ ليس معها فرد آخر يخير بينها وبينه ، فلو وجبت لوجبت عينا ، وهو خلاف الإجماع ، لكن ومع ذلك كله وسوس سبطه في المدارك في ذلك وتبعه عليه غيره ، وناقش فيما دل على اشتراط الإمام في الوجوب إلى أن قال : « لا منافاة بين كون الوجوب في الجمعة تخييريا وفي العيد عينيا إذا اقتضته الأدلة ، وبالجملة فتخصيص الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه التمحلات لا يخلو من إشكال ، وما ادعوه من الإجماع فغير صالح للتخصيص ، لما بيناه غير مرة من أن الإجماع إنما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الامام عليه‌السلام في أقوال المجمعين ، وهو غير متحقق هنا ، ومع ذلك فالخروج عن كلام الأصحاب مشكل ، واتباعهم بغير دليل أشكل » وهو كما ترى.

وأما الثاني فقد سمعت صحيح الحلبي (١) المكتفي فيه بالخمسة ، لكن عن ابن أبي عقيل ذهب إلى اشتراط السبعة هنا مع أنه اكتفي في الجمعة بالخمسة ، والظاهر أنه رواه ، لأنه قال في المحكي عنه : لو كان إلى القياس لمكانا جميعا سواء ، لكنه تعبد من الخالق سبحانه ، ولم نقف على روايته ، والاعتماد على المشهور للصحيح المزبور المعتضد بإطلاق أدلة الوجوب وغيره.

وأما الثالث فستعرف الكلام فيه ، كما أنك عرفت الكلام في الرابع ، والأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في الخطبتين ، وظاهر المتن وغيره ممن اعتبر فيها شرائط الجمعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٣٦

وجوبهما لها أيضا ، بل قد سمعت معقد إجماع الخلاف وغيره مما لم يستثن فيه الخطبتان كما هو ظاهر عبارة الأكثر ، قال في كشف اللثام : إنه نص الشيخ في المبسوط والجمل والاقتصاد والحلبيان والكيدري وبنو حمزة وإدريس وسعيد والمحقق في كتبه مع استحبابه لهما في المعتبر على اشتراط وجوب صلاة العيد بشروط صلاة الجمعة مع نصهم على كون الخطبتين من شروطها ، وفي المبسوط والجامع النص على الاشتراط بهما هنا أيضا ونص ابن زهرة والقاضي في المهذب على اشتراطها بالممكن فيها ، وفي الكشف أيضا قبل ذلك ويجب الخطبتان بعدها إن وجبت كما في المراسم والوسيلة والسرائر وجمل العلم والعمل وشرحه للقاضي ، وفيه أنهما واجبتان عندنا ، وفي التذكرة واجبتان كما قلنا للأمر وهو للوجوب ، وقال الجمهور بالاستحباب ، وفي الرياض لم نقف على مصرح بالندب سوى ما في المعتبر والنزهة ، وعن مصابيح الظلام لم أجد قائلا بالاستحباب غير ما نقل عن المعتبر ، وفي‌ خبر ابن يقطين (١) عن العبد الصالح عليه‌السلام « تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة» ‌وفي‌ خبر سليمان بن خالد (٢) عن الصادق عليه‌السلام « كبر ست تكبيرات واركع بالسابعة ، ثم قم في الثانية فاقرأ ثم كبر أربعا واركع بالخامسة ، والخطبة بعد الصلاة » ‌وفي‌ مضمر معاوية (٣) « سألته عن صلاة العيدين فقال : ركعتان ـ إلى أن قال ـ : والخطبة بعد الصلاة ، وإنما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان ، وإذا خطب الامام فليقعد بين الخطبتين قليلا » ‌وفي‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام في صلاة العيدين « الصلاة قبل الخطبتين بعد القراءة سبع في الأولى وخمس في الأخيرة ، وكان أول من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٨ ـ ٩

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٢

٣٣٧

للصلاة » ‌وفي‌ خبر أبي الصباح الكناني (١) عن الصادق عليه‌السلام « والخطبة في العيدين بعد الصلاة » ‌وفي‌ خبر العلل والعيون (٢) عن الرضا عليه‌السلام « إنما جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أول الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم تكون في الشهور والسنة كثيرا ، وإذا كثر على الناس ملوا وتركوا ولم يقيموا عليها وتفرقوا عنه ، وأما العيد إنما هو في السنة مرتين ، والناس فيه أرغب ، فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم » ‌وفي‌ خبر محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « المواعظ والتذكر يوم الأضحى والفطر بعد الصلاة » ‌و‌قال زرارة (٤) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أدركت الامام على الخطبة فقال له : تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم تقوم فتصلي ، قلت : القضاء أول صلاتي أو آخرها؟ قال : لا بل أولها ، وليس ذلك إلا في هذه الصلاة ، قلت : فما أدركت مع الامام وما قضيت؟ فقال : أما ما أدركت من الفريضة فهو أول صلاتك ، وما قضيت فآخرها » ‌إلى غير ذلك مما لا أمر فيه صريح بالخطبتين ، ولذا قال في كشف اللثام : لم أظفر بالأمر في خبر ، ولكن رأيت‌ فيما قد ينسب إلى الرضا عليه‌السلام (٥) « لا تكون إلا بإمام وخطبة » ‌وفيه أن ظهور الأمر في النصوص المزبورة ولو بعد الانجبار بما سمعت كاف.

لكن في الدروس « أن المشهور الاستحباب » وفي الذكرى « أنه المشهور في ظاهر الأصحاب » وفي البيان « أكثر الأصحاب لم يصرحوا بوجوب الخطبتين » وفي المعتبر « أن على استحبابهما الإجماع وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة والتابعين » إلا أنه يمكن ـ بل لعله الظاهر بقرينة عدم التصريح بالاستحباب ممن تقدمه عدا النزهة ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١١ ـ ١٢ ـ ٥

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٣٨

بل قد عرفت التصريح والظهور بخلافه ، وعدم دلالة الفعل على الندب ، لأن المحكي عنهم الخطبة لا تركها ـ إرادة شرعيتهما والرجحان من معقد الإجماع لا الاستحباب بالمعنى الأخص كما اعترف به في كشف اللثام ، لكن دعوى الشهيد الشهرة المزبورة لا تخلو من غرابة ، اللهم إلا أن يكون قد نزل عبارة الأصحاب اشتراط ما يشترط في الجمعة في العيد على ما عدا الخطبة كما هو مقتضى التدبر في عبارة المعتبر منهم ، بل ما حكوه من الإجماع على عدم وجوب حضورها واستماعها يومي إلى ذلك ، قال في المحكي عن المنتهى : « لا يجب على المأمومين استماعهما ولا حضورهما بغير خلاف » والتذكرة « إجماعا » والتحرير « الإجماع على عدم وجوب الاستماع » إلى غير ذلك.

مضافا إلى‌ صحيح الحلبي (١) « ان الجمعة والعيد اجتمعا في زمن أمير المؤمنين عليه‌السلام فخطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد والجمعة » ‌وإلى استبعاد توقف صحة السابق عليها ، ضرورة أن الغالب في الشرائط السبق أو الاقتران ، ولعله لذا كان خيرة العلامة في القواعد وجوبهما تعبدا لا شرطا ، إلا أنه لا يخفي عليك ما في الجميع ، وأنه لا صلاحية له لمعارضة ما سمعت مما يدل على الوجوب والشرطية من النصوص التي ذكرتهما في الكيفية وغيرها ، وأومأت إلى أنهما في العيد كالخطبتين في الجمعة ، بل ربما تقدم في بحث الجمعة ما يومي إلى أن الخطبتين في الجمعة لأنها عيد ، فلاحظ وتأمل ، وعدم وجوب الاستماع لا ينافي الوجوب كما هو مذهب البعض في الجمعة ، على أنه يمكن منعه كالحضور بالنسبة إلى البعض ، نعم عدم الوجوب مسلم بالنسبة إلى الجميع ، أما البعض فلا فيكون الوجوب حينئذ كفائيا وإن كان شرطيا ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « إنا نخطب ، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٢) كنز العمال ـ ج ٤ ص ٣١٥ ـ الرقم ٦٤١٣ و ٦٤٣٠.

٣٣٩

غير ثابت من طرقنا المعتبرة ، نعم‌ عن ولد الشيخ أنه رواه في مجالسه بسنده إلى ابن جريح عن عطا عن عبد الله بن السائب (١) قال : « حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عيد فلما قضى صلاته قال » ‌إلى آخره. مع إمكان إرادة عدم حبس الجميع كما أومى إليه في خبر العلل (٢).

كما أن عدم وجوبهما مسلم لو صليت فرادى ، لعدم تعقل الخطبة حينئذ ، بل يمكن أن يكون كالفرادى لو صليت جماعة بواحد ونحوه ، بل وبالعدد في مثل هذا الزمان أو غيره مما لا تكون واجبة فيه ، فان احتمال وجوب الخطبتين حينئذ شرطا بعيد ، فينحصر البحث حينئذ في وجوبهما حال وجوب الصلاة ، وقد عرفت قوة القول به ، وأن عدم وجوب الاستماع لا يدل على عدم وجوبهما ، بل عن الأستاذ الأكبر « ليس دلالته إلا من انحصار الغرض منها فيه ، وهو كما ينافي الوجوب ينافي الاستحباب ، وكما لم يقل أحد بالوجوب الشرطي : أي إن استمعوا وجب لم يقل أحد بالاستحباب كذلك ودفع ذلك بجريان العادة في استماع الخطبة ولو من العدد في أمثال هذه المقامات وأن مثله كاف في الندب يجري نحوه على الوجوب ، بل لعل ذلك هو السبب في عدم تعرض النصوص له والأمر به ـ إلى أن قال ـ : الظاهر من الفقهاء والأخبار اتحاد الجمعة والعيدين ، ومعهما كيف يقال بعدم وجوب الاستماع بمجرد دعوى العلامة الإجماع عليه ويرد بذلك على سائر الفقهاء » إلى آخره. وهو ظاهر أو صريح فيما ذكرناه ، ونحوه عن غيره ممن تأخر ، بل عن التقي أنه قال : « وليصغوا إلى خطبته » وظاهره الوجوب.

وكيف كان فكيفية الخطبة كما في الجمعة ، وفي المعتبر عليه العلماء لا أعرف فيه خلافا ، إلا أن الأولى المحافظة مع ذلك على المأثور ، ففي الفقيه (٣) « خطب أمير المؤمنين‌

__________________

(١) البحار ـ ج ١٨ ـ ص ٨٦٠ من طبعة الكمباني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٢.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٣٢٥ ـ الرقم ١٤٨٦ المطبوع في النجف.

٣٤٠