جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الملاحظة المزبورة ، فلا ريب أن الأقوى ما ذكرنا بالنسبة إلى الحيثية المزبورة.

نعم الظاهر خروج المقيم ومن في حكمه وكثير السفر والعاصي بسفره ونحوهم عن المسافر شرعا لا عرفا ، فتجب الجمعة عليهم ، وفي المتردد ثلاثين وجهان ، لكن عن صريح جماعة أن المراد بالحضر ما قابل السفر الشرعي فيدخل فيه ناوي الإقامة عشرا والمقيم ثلاثين يوما ، وعن المنتهى الإجماع عليه ، وعنه أيضا لم أقف على قول لعلمائنا على اشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة ، إلا أنه قرب الاشتراط ، كما عن نهاية الأحكام والذكرى وجامع المقاصد وكشف الالتباس والميسية والروض وغيرها أن في حكم الحضر سفر العاصي وكثير السفر ، وفي التذكرة لو نوى الإقامة عشرا تنعقد به عندنا قولا واحدا ، ولا يخفى عليك أن المدار في السقوط السفر الشرعي ، وفي الوجوب ما يقطع حكمه من حضر ونحوه كما يعرف ذلك مفصلا في بحث المسافر.

وفي التذكرة وعن المنتهى نسبة السلامة من العمى إلى علمائنا ، والمعتبر والذكرى إلى الأصحاب ، وعن مصابيح الظلام الإجماع عليه ، ولا يقدح فيه عدم ذكره في المراسم كما قيل ، كما أنه لا فرق في إطلاق النص والفتوى بين ما يشق معه الحضور وعدمه كما صرح به بعضهم ، وفي المعتبر وعن المنتهى ومصابيح الظلام الإجماع على السلامة من المرض ، ولا ينافيه عدم ذكره في المحكي عن المراسم والألفية واللمعة والموجز الحاوي وكشف الالتباس ، كما أن مقتضى الإطلاق ما صرح به في التذكرة وغيرها من عدم الفرق فيه بين ما يشق الحضور معه مشقة لا تتحمل عادة وعدمه ، وزيادة المرض بالحضور أم لا ، لكن عن إشارة السبق « المرض المانع من الحركة » نحو ما عن فوائد الشرائع وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية وشرح نجيب الدين « المرض الذي يتعذر معه الحضور » وعن المسالك والروض والميسية « المشقة التي لا يحتمل مثلها عادة أو خوف زيادة مرض أو بطء برء » والجميع كما ترى تقييدا للنص وغيره بلا دليل ، اللهم إلا أن يدعى أنه‌

٢٦١

المتبادر من المريض.

وأما العرج فعن المنتهى وظاهر الغنية الإجماع عليه ، لكن في التذكرة تقييد معقد الإجماع بما إذا بلغ حد الإقعاد ، بل عن صريح جماعة وظاهر آخرين أنه إذا لم يكن مقعدا يجب عليه الحضور ، لكن في التذكرة وعن نهاية الأحكام « أن الوجه السقوط مع المشقة ، والعدم بدونها » وعن فوائد الشرائع والروضة وعن غيرها « العرج البالغ حد الإقعاد ، أو مشقة السعي إليها بحيث لا يتحمل مثله عادة » وفي المعتبر نسبة اشتراطه إلى الشيخ ، ثم قال : « إن كان يريد به المقعد فهو أعذر من المريض ، لأنه ممنوع من السعي فلا يتناوله الأمر بالسعي ، وإن لم يرد ذلك فهو في موضع المنع » واستحسنه في المحكي عن التنقيح ، لكن قال في مفتاح الكرامة : إن اقتصاره على نسبته للشيخ لا وجه له ، لأنه قد ذكره المفيد فيما عندنا من نسخ المقنعة ، وقد ذكر ذلك أيضا عن نسخها في كشف اللثام ، فقول المحقق والفاضل والشهيد وغيرهم أنه لم يذكره المفيد يجوز أن يكون توهما من التهذيب ، وقد ذكره صاحب الوسيلة والغنية والسرائر وإشارة السبق وجامع الشرائع وظاهر الغنية الإجماع عليه ، نعم لم يذكره الصدوق في الهداية والسيد في الجمل والديلمي في المراسم وصاحب المعالم في رسالته وتلميذه ، ولعله أدرج في المفاتيح والماحوزية تحت قولهما ، كل ما يؤدى معه التكليف إلى الحرج ، و‌عن مصباح السيد أنه قال : « وقد روي (١) أن العرج عذر ».

قلت : خلاصة الكلام فيما لا إطلاق نص فيه أنه إن حصل ما يصلح لسقوط التكليف من ضرر أو مشقة لا تتحمل ونحوها مما يندرج به تحت العسر والحرج أو أهمية واجب آخر مع التعارض ونحوها توجه السقوط ، وإلا فلا ، وأما احتمال كون المدار على مطلق صدق العذر وإن لم يصل إلى ذلك بدعوى ظهور فحوى إطلاق الأعذار‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٦٢

المنصوبة في ذلك ففيه ما لا يخفى ، خصوصا بعد تأكيد وجوب صلاة الجمعة بما سمعت في الكتاب والسنة ، ومن ذلك ظهر لك ما عن المبسوط يجوز ترك الجمعة لعذر في نفسه أو أهله أو قرابته أو أخيه في الدين ، مثله أن يكون مريضا يهتم بمراعاته أو ميتا يقوم على دفنه وتجهيزه ، أو ما يقوم مقامه وإن قيل إن نحوه ما في المختلف والتذكرة ونهاية الأحكام والموجز والدروس والذكرى وكشف الالتباس والمسالك والروض وغيرها ، بل عن المنتهى ونهاية الأحكام وكشف الالتباس « لو مرض له قريب وخاف موته جاز له الاعتناء وترك الجمعة ، ولو لم يكن قريبا وكان معتنيا به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه » بل في الأخيرتين « لا فرق في المريض بين قريبه أو ضيفه أو زوجته أو عبده مع الحاجة إليه » نعم عن المنتهى « لو كان عليه دين يمنعه الحضور وهو غير متمكن سقطت عنه ، ولو تمكن لم يكن عذرا ، ولو كان عليه حد قذف أو شراب أو غيرهما لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله وترك الجمعة » لكن عن نهاية الأحكام وكشف الالتباس والروض والمسالك « لو كان عليه حد قصاص يرجو بالاستتار الصلح جاز الاستتار وترك الجمعة » وعنها أيضا « إذا اشتغل بجهاز ميت أو مريض ، أو حبس بباطل أو حق عجز عنه ، أو خاف على نفسه أو ماله أو بعض اخوانه لو حضر ظالما أو لصا أو مطرا أو وحلا شديدا أو حرا أو بردا شديدين أو ضربا أو شتما » قيل : ونحو ذلك وإن لم يذكر فيها الجميع التذكرة وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية والروض والمسالك والموجز ومجمع البرهان ، وعن إرشاد الجعفرية « لا فرق في المال بين الجليل والحقير » وفي الذكرى « أن من له خبزا يخاف احتراقه كذلك » و‌عن السرائر روي (١) « أن من يخاف ظلما يجري على نفسه أو ماله هو أيضا معذور في الإخلال بها وكذلك من كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل الوالد ومن يجري مجراه من ذوي‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٣ ص ١٨٥.

٢٦٣

الحرمات الأكيدة يسعه أن يتأخر عنها » ‌ونحوه عن السيد ، وعن ابن الجنيد « من كان في حق لزمه القيام بها كجهاز الميت أو تعليل الوالد أو من يجب حقه ولا يسعه التأخر عنه » إلى غير ذلك ، وقد عرفت الضابطة.

نعم قد يخرج من ذلك المطر ، لما في‌ صحيح عبد الرحمن (١) « لا بأس أن تدع الجمعة في المطر » ‌وفي التذكرة « لا خلاف فيه » وبه صرح الشهيد وغيره ، قيل : وألحق به الفاضل ومن تأخر عنه الوحل ، وعن المنتهى « أن السقوط مع المطر المانع والوحل الذي يشق معه المشي قول أكثر أهل العلم » وأما سقوطها عن الكبير الذي يتعذر عليه حضورها أو يتعسر أو يشق مشقة لا تتحمل عادة فهو من الواضحات المستغنية عن صريح إجماع التذكرة على سقوطها عن الذي لا حراك به ، كظاهر المحكي عن الغنية ، بل وإجماع مصابيح الظلام على اللهم الذي فسره في المحكي عن الكركي بالشيخ الفاني ، وفي المقاصد العلية بالشيخ الكبير العاجز عن الحضور ، أو الذي يمكنه ذلك بمشقة شديدة لا يتحمل مثلها عادة ، إنما الكلام في الكبير الذي لم يبلغ ذلك ، فان مقتضى إطلاق النص ومعقد ظاهر إجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى السقوط ، لكن قيل : إن في الجمل والعقود والمبسوط والوسيلة والغنية والسرائر وإشارة السبق ونهاية الأحكام التقييد بالذي لا حراك به ، وفي المراسم وجامع الشرائع والتبصرة وكفاية الطالبين لابن المتوج والبيان والألفية واللمعة نحو ما في الكتاب ، وفي التحرير والقواعد والموجز وكشف الالتباس وشرح نجيب الدين « البالغ حد العجز » وفي الإرشاد « المزمن » وفي الذكرى والميسية والروض والشافية وغيرها « البالغ حد العجز أو المشقة الشديدة بواسطة الكبر » ولم أعرف الوجه في التقييد بذلك في خصوص هذا العذر مع أن النصوص أطلقت فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٦٤

كغيره من الأعذار ، فالمتجه التقييد فيها جميعها أو الإطلاق ، وأن المعتبر وجودها لما فيه من الحرج على الصنف ، فلا يجدي قدرة بعض الأشخاص ، ولعله لذا حكي عن الصدوق في الهداية والسيد في الجمل والمفيد في المقنعة والشيخ في النهاية الإطلاق من دون تقييد بما سمعت ، ووجهه ما عرفت ، وفي كشف اللثام « أنه لم يذكره ابن سعيد ولا الحلبي صريحا ، وإنما ذكرا السليم وقد يبعد شموله للسلامة منها » قلت : قد حكى غيره عن الجامع أنه ذكره كما سمعت ، على أنه لا بعد فيه مع إرادة المقعد ونحوه من الشيخ ، إذ لا ريب في عدم صدق السليم عليه ، والله أعلم.

وكذا يعتبر أن لا يكون بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين فان كان سقطت إجماعا بقسميه ونصوصا ، وهي الحجة على ما عن الحسن من وجوب الحضور على من إذا غدا من أهله بعد صلاة الغداة أدرك الجمعة الذي يرجع اليه أو يقرب منه ما عن ابن الجنيد من وجوب السعي على من يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج نهاره إن لم يرجعها إليهما بإرادة مقدار الفرسخين فما دون من ذلك ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام (١) : « الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ، وذلك سنة إلى يوم القيامة » ‌المراد منه ذلك بشهادة‌ قوله عليه‌السلام في حسن ابن مسلم (٢) مع زرارة ، وأرسله عنه (ع) في دعائم الإسلام (٣) : « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين إذا كان الامام عدلا » ‌الظاهر في سقوطها عمن زاد على ذلك كما صرح به‌ الرضا عليه‌السلام في المروي (٤) عن العلل والعيون « إنما تجب الجمعة على من كان منها‌

__________________

(١) و (٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٥ ـ ٤

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٦٥

على فرسخين لا أكثر من ذلك ، لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا وبريد جائيا ، والبريد أربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير ، وذلك أنه يجي‌ء فرسخين ويذهب فرسخين » ‌و‌الصادق عليه‌السلام في حسن ابن مسلم (١) « تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين ، فإذا زاد على ذلك فليس عليه شي‌ء » ‌ورواه في المعتبر والذكرى عنه ، وعن حريز عن الصادق عليه‌السلام ، وربما كان النهار تسع ساعات والمشي على تؤدة ، إذ من المعلوم عدم الدواب عند جميعهم ، وإن أبيت عن ذلك كله فحمله على الندب متعين ، لقوة المعارض الذي منه ما سمعت من الصحيح والحسن مضافا إلى غيرهما مما ستعرف.

إنما البحث في الوجوب على من كان على رأس فرسخين ، فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة بل لا أجد فيها خلافا بين المتأخرين الوجوب ، بل في الخلاف والغنية وشرح نجيب الدين وظاهر المنتهى وكشف الحق الإجماع عليه ، وهو مع الصحيحين والمرسل وخبر العلل والعيون والإطلاقات الحجة على ما عن الصدوق وابن حمزة من العدم واختصاص الوجوب على من كان دونهما ، بل عن أمالي الأول منهما أنه من دين الإمامية ، لما مضى من‌ قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة وحسنه (٢) « وضعها عن تسعة ـ إلى قوله عليه‌السلام ومن كان على رأس فرسخين » وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخطبة (٣) مثل ذلك ، ولا يخفى ضعفه عن المقاومة من وجوه ، فيمكن حمله ـ كفتوى الصدوق سيما مع وصفه بدين الإمامية ولم نجد له موافقا إلا ابن حمزة ، وأما ابن إدريس فالمحكي عن سرائره مضطرب ، بل هو إلى المشهور أقرب منه إلى غيره ـ على إرادة الزائد من الفرسخين ، سيما والكون عليهما من غير زيادة ونقيصة من الأفراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٦

٢٦٦

النادرة التي لا يحمل عليها الإطلاق ، لا أقل من الشك فيشمله إطلاق ما دل على وجوب الجمعة ، والأمر سهل ، هذا.

وفي الروضة في شرح قوله في اللمعة : « وتسقط عمن بعد بأزيد من فرسخين » قال : « والحال أنه يتعذر عليه إقامتها عنده أو فيما دون فرسخ ، قيل : وقضية ذلك أنه لا يجب عليه السعي في تحصيل الجمعة أزيد من فرسخ ، أما لو كانت متعددة قائمة لزمه الحضور إلى فرسخين ، وهذا التفصيل ليس له أثر في كتب الأصحاب ، والموافق له أن يقول أو فيما دون أزيد من فرسخين » قلت : يمكن أن يريد التعذر عنده أو فيما دون فرسخ من مكانه الذي هو فيه بالنسبة إلى الجمعة المعقودة ، ضرورة أن تمكنه من عقده في الأزيد من ذلك موجب لعقد الجمعتين في الأقل من فرسخ ، وهو غير جائز ، فسقوط السعي عنه حينئذ إلى الجمعة المعقودة لكون المفروض بعده عنها بأزيد من فرسخين ، وسقوط غيرها عنه لتعذره عليه بحيث لا ينعقد جمعتان في أقل من فرسخ ، بل ينبغي الجزم بإرادته ذلك وإن قصرت عبارته ، إذ احتمال عدم وجوب العقد في الزائد عن فرسخ مع أنه مما لا نص ولا فتوى به وعدم انعقاد الجمعتين في الأقل من فرسخ لا يقتضيه قطعا ، فتأمل جيدا.

وكيف كان ففي التذكرة وعن نهاية الأحكام وكشف الالتباس وظاهر إشارة السبق تحديد البعد المزبور من منزله والجامع لا بين البلدين ، بل عن الأولين فلو كان بين البلدين أقل من فرسخين وبين منزله والجامع أزيد من فرسخين فالأقرب السقوط لأنه المفهوم من كلام الباقر والصادق عليهما‌السلام ، قلت : يمكن أن يكون المدار على مكان البدن ومكان المصلين فعلا لا البلدين ولا المنزل ولا الجامع ونحوه ، وانسياق الوطن من النصوص إنما هو لغلبة كونه فيه ، ولعل ذلك هو الظاهر من المتن وغيره ممن عبر كعبارته ، بل هو الظاهر من النصوص ، قال في كشف اللثام : وإنما تعتبر المسافة‌

٢٦٧

بين الموضع الذي هو فيه وموضع الصلاة ، لا البلدين ولا مكانه والجامع كما في التذكرة ونهاية الأحكام ، فلو كان بينه وبين بعض الجماعة أقل من فرسخين وبينه وبين الآخرين أزيد وجب عليه الحضور ، فإنه المفهوم من كونه منها على رأس فرسخين أو أكثر ، وهو جيد جدا ، بل قد يؤيده ما ستعرف من الإجماع على وجوبها عينا على البعيد بالقدر المزبور لو كان حاضرا ، وما هو إلا لعدم صدق البعد المزبور ، ولو كان المعتبر الوطن كان كغيره من ذوي الأعذار الذين ستسمع الخلاف فيهم لو كانوا حاضرين ، بل كان المتجه وجوب الجمعة على من كان موطنه غير بعيد عنها بالبعد المزبور لكن كان هو بعيدا بأزيد من فرسخين وإن كثر ما لم يكن مسافرا ، وهو معلوم البطلان ، والله أعلم وكل هؤلاء عدا المجنون ومن لم تكن عبادته من الصبيان شرعية إذا اتفق منهم أو تكلفوا الحضور للجمعة المنعقدة بغيرهم صحت منهم وأجزأتهم عن الظهر بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل في المحكي عن المنتهى « لا خلاف في إجزائها للمسافر والعبد » وفي كشف اللثام « لا خلاف في جواز صلاة النساء الجمعة إذا أمن الافتتان والافتضاح وأذن لهن من عليهن استئذانه وإذا صلينها كانت أحد الواجبين تخييرا » بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، مضافا إلى ما تسمعه من الإجماعات وغيرها مما يدل على الوجوب والانعقاد المستلزمين للاجزاء ضرورة ، و‌قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر سماعة (١) المروي عن الأمالي وثواب الأعمال والمجالس « أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها أعطاه الله عز وجل أجر مائة جمعة للمقيم » ‌وقد حكي الإجماع على عدم وقوع الجمعة مندوبة ، بل متى جازت أجزأت وكانت أحد الفردين ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، كما أنه يمكن القطع به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

٢٦٨

من ملاحظة النصوص ، و‌قال أبو الحسن عليه‌السلام في خبر أبي همام (١) : « إذا صلت المرأة في المسجد مع الامام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها ، وإن صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصل في بيتها أربعا أفضل » ‌والنقصان بالصاد كالصريح في الاجزاء ، وفي المحكي عن نهاية الأحكام أن صلاة الجمعة أكمل في المعنى وإن كانت أقصر في الصورة ، فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر لهم فلأن يجزي أصحاب العذر أولى ، وأخبار السقوط (٢) عن هؤلاء المتقدمة سابقا إن قلنا إن ظاهرها الرخصة في الترك على وجه يجوز لهم الفعل كانت حينئذ دالة على المطلوب لا منافية له ، وإن قلنا إنها مع ضم بعضها إلى بعض وخبر حفص (٣) واتفاق الأصحاب وغير ذلك ظاهرة في إرادة سقوط السعي إليها لا الجمعة نفسها فالاطلاقات حينئذ دالة على وجوبها عينا فضلا عن إجزائها ، على أنه لو سلم ظهورها في سقوط نفس الجمعة عنهم على وجه لا يندرجون في إطلاقات الوجوب في هذا الحال كان الإجماع المزبور كافيا في إثبات المشروعية ، على أن الإطلاقات غير منحصرة فيما يدل على الوجوب المنافي للسقوط المزبور ، بل فيها ما لا ينافيه كما لا يخفى على من لاحظها.

ومن ذلك كله يظهر لك ضعف ما في كشف اللثام من احتمال العزيمة في السقوط المذكور فيما عدا البعيد منهم ، وما في المدارك من أن ظاهر المصنف في المعتبر عدم جواز الجمعة للمرأة ، وهو متجه لولا رواية أبي همام المتقدمة ، على أن ما نسبه إلى ظاهر المعتبر لم نتحققه ، بل لعل الظاهر خلافه ، وإنما فيه نفي الوجوب عليها كما لا يخفى على من لاحظه ، نعم قد يحتمل ذلك في خصوص المسافر ، لقول الصادق عليه‌السلام في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٦٩

صحيح ربعي والفضيل (١) : « ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا أضحى » ‌و‌في صحيح ابن مسلم (٢) « صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة » ‌و‌في صحيحه (٣) أيضا « سألته عن صلاة الجمعة في السفر فقال : يصنعون كما يصنعون في الظهر في غير يوم الجمعة ولا يجهر الامام فيها بالقراءة ، وإنما يجهر إذا كانت خطبة » ‌ونحوه صحيح جميل (٤) لكن يمكن إرادة الرخصة من الأمر الوارد في مقام توهم الحظر ونفي التعيين من الصحيح الأول ، وإرادة عقد جمعة للمسافرين بناء على عدم جوازه كما ستسمع لا دخولهم تبعا ، والحمل على التقية بقرينة النهي عن الجهر وغير ذلك.

وعلى كل حال فلا ينبغي التأمل في أصل المشروعية ، بل الأقوى الوجوب عينا على المكلفين منهم لو حضروها مطلقا وفاقا لصريح التهذيب والنهاية والكافي والغنية والسرائر ونهاية الأحكام وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل هو كالصريح ممن علق الوجوب على حضورهم ، ضرورة إرادة الوجوب عينا ، إذ احتمال التخييري كما في كشف اللثام دفعا لاحتمال العزيمة وعدم الانعقاد في غاية الضعف ، بل واضح الفساد ، ضرورة ثبوت ذلك لهم قبل الحضور ، فلا ريب حينئذ في أن ذلك هو المشهور ، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه ، وفي التذكرة « ولا يشترط أي في العدد الصحة ولا زوال الموانع من المطر والخوف ، فلو حضر المريض أو المحبوس لعذر المطر أو الخوف وجبت عليهم وانعقدت إجماعا » وفي المدارك « لا خلاف في وجوبها على البعيد مع الحضور » وفي المحكي عن المنتهى « أنه تجب على المريض وتنعقد به إذا حضر عند أكثر أهل العلم » وفيه أيضا « أنه لا خلاف فيه في الأعرج ، وكذا من بعد بأزيد من فرسخين » وفي جامع المقاصد « لو حضر أحد هؤلاء في موضع إقامة الجمعة وجبت عليه وانعقدت به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٦ ـ ٩ ـ ٨

٢٧٠

بحيث يعتبر في العدد بغير خلاف في غير المسافر » لكن قال : « وينبغي أن يستثنى المريض إذا شق عليه الانتظار مشقة شديدة ، ولو لزم زيادة المرض فبطريق أولى ، وكذا الهم » ثم حكى الخلاف في الانعقاد في العبد ، كما أنه بعد بأوراق جزم بعدم الوجوب على المرأة أيضا ، وفي المفاتيح « الذين وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها كما ورد النص في بعضهم معللا ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك فيما سوى المرأة » وفي الرياض « أما وجوبها على من عدا الصبي والمجنون والمرأة فهو المشهور على الظاهر المصرح به في كلام بعض » وعن ظاهر الغنية الإجماع عليه مطلقا كما هو ظاهر الإيضاح وشرح القواعد للمحقق الثاني لكن فيمن عدا العبد والمسافر ، والمنتهى في المريض خاصة ، وصريحه في الأعرج ، وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعت ، بل لا أجد فيه خلافا محققا معتدا به فيما عدا المرأة والمسافر والعبد ، وما عن مهذب القاضي « ويجب صلاتها على العقلاء من هؤلاء إذا دخلوا فيها وتجزيهم إذا دخلوا فيها وصلوها عن صلاة الظهر » وفي شرح جمل العلم والعمل له أيضا « وجميع من ذكرنا سقوطها عنهم فأولوا العقد إذا دخلوا فيها وجبت عليهم بالدخول فيها وأجزأتهم صلاتها عن صلاة الظهر » يمكن إرادته الحضور من الدخول فيها لا نفس الفعل وإن احتمله في كشف اللثام.

وأما ما عن المبسوط والإصباح من أنهم إن حضروا الجمعة وتم بهم العدد وجبت عليهم فظاهر الدلالة على المطلوب ، ضرورة أولوية الوجوب عليهم مع الانعقاد بغيرهم منه ، ومن هنا يعلم أن مراده بما حكي عنه أيضا فيه من أن أقسام الناس في الجمعة خمسة:من تجب عليه وتنعقد به ، وهو الذكر الحر البالغ العاقل الصحيح السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها الحاضر ومن هو بحكمه ، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون ، ومن‌

٢٧١

تنعقد به ولا تجب عليه ، وهو المريض والأعمى والأعرج ومن كان على أكثر من فرسخين ، ومن تجب عليه ولا تنعقد به ، وهو الكافر لأنه مخاطب بالفروع عندنا ، ومن اختلف فيه عدم وجوب السعي إليها لا عدم وجوبها عينا لو حضروها ، خصوصا بقرينة ذكره من كان على أكثر من فرسخين الذي لا تأمل في الوجوب عليه مع الحضور بل لعله خارج عن موضوع المستثنى بناء على ما سمعت من إرادة مكانه لا رحله ، بل لا خلاف معتد به محقق أجده في المرأة من غير المصنف وأول الشهيدين وثاني المحققين وبعض من تأخر عنهم ، بل المصرح به أو كالمصرح به في التهذيب والنهاية والكافي والغنية والإشارة والسرائر والتحرير والمنتهى الوجوب عليها لو حضرت على ما حكي عن بعضها ، بل هو ظاهر غيرها أيضا ، بل هو من معقد إجماع الغنية أيضا ، بل في كشف اللثام عن معتبر المصنف وتذكرة الفاضل التردد فيه لا الخلاف ، لكن الذي وجدته في الأول بعد أن حكى عن الشيخ الاحتجاج على الوجوب الشامل للمرأة بخبر حفص (١) الذي ستسمعه ، قال : وما تضمنه من الوجوب على المرأة مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار ، فلا عبرة بالرواية ، إلا أنه من الغرائب ، ضرورة أن العكس مظنة اتفاق فقهاء الأمصار لا عدم الوجوب ، ويقرب منه ما في المدارك من أن الحق انتفاء الوجوب العيني قطعا بالنسبة إلى كل من سقط عنه الحضور ، وأما الوجوب التخييري فهو تابع لجواز الفعل ، فمتى ثبت الجواز ثبت الوجوب ، ومتى انتفى انتفى ، ونحوهما ما عن مبسوط الشيخ من نفي الخلاف عن عدم الوجوب على المسافر والعبد مع أنا لم نجد موافقا له على ذلك سوى ما عن الوسيلة والإصباح مع احتمالهما عدم وجوب الحضور ، ولعله مراده بقرينة نفي الخلاف ، خصوصا وهو ممن قد صرح بالوجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٧٢

عليهما في التهذيب والنهاية على ما حكي عن أولهما كالكافي والسرائر والغنية والإرشاد والتلخيص والنافع وشرحه والجامع وغيرها على ما حكي عن بعضها.

ومن ذلك كله بان لك ضعف الخلاف في الجميع ، فما في فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد ـ من أن أكثر الأصحاب على عدم وجوبها على المسافر والإجماع على عدمه في العبد ـ من الغرائب ، بل مما ذكرنا يظهر لك الخلل في جملة من المصنفات ، بل منه بان لك أنه لا وجه للقدح في الاستدلال بخبر حفص على المطلوب بالجهالة في سنده بعد انجباره بما عرفت ، مع أن حفصا وإن كان عامي المذهب لكن له كتاب معتمد « ست » وعن الشيخ في العدة « أنه عملت الطائفة بما رواه حفص عن أئمتنا ولم ينكروه ، ولم يكن عندهم خلافه ، بل أمارات متعددة تشهد بصحة الخبر المزبور » ‌قال فيه : « سمعت بعض مواليهم يسأل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة والعبد والمسافر؟ فقال ابن أبي ليلى : لا تجب الجمعة على واحد منهم ولا الخائف ، فقال الرجل : فما تقول إن حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها معه هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال : نعم ، فقال له الرجل : فكيف يجزي ما لم يفرضه الله عليه عما فرضه الله عليه؟ وقد قلت : إن الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه أن يصلي أربعا ، ويلزمك فيه معنى أن الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه ركعتان ، مع ما يلزمك أن من دخل فيما لم يفرضه الله عليه لم يجز عنه مما فرضه الله عليه ، فما كان عند ابن أبي ليلى فيها جواب وطلب اليه أن يفسرها له فأبى ، ثم سألته أنا عن ذلك ففسرها لي ، فقال : الجواب عن ذلك أن الله عز وجل فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها ، فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول ، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم ، فقلت : عمن هذا؟ فقال : عن مولانا أبي عبد الله عليه‌السلام ».بل منه يعلم أن المراد سقوط السعي من نصوص الرخصة وإن عبر في بعضها‌

٢٧٣

بسقوط الجمعة إلا أن المراد منه عدم الوجوب عينا في هذا الحال ، فلا يجب عليهم السعي بل هو مقتضى ضم بعضها إلى بعض واشتمالها على من كان على رأس فرسخين ، واحتمال أن المراد الرخصة مطلقا المقتضية للتخيير ولو حال الحضور يدفعه اشتمال أكثرها على المجنون الذي لا يصلح فيه ذلك ، نعم يجامع غيره في صدق عدم وجوب السعي ، وحينئذ فإطلاق ما دل على وجوب الجمعة صالح لتناول هذه الأفراد في حال الحضور ، على أنه لو كان المراد سقوطها مطلقا أمكن الإشكال في أصل الاجزاء إلا بدعوى ظهور نصوص السقوط في ذلك ، أو دعوى الاستناد إلى إطلاقات لا تقتضي الوجوب ، ولا داعي إلى هذا التكلف ، وفي‌ قرب الاسناد للحميري عن عبد الله بن الحسن عن جده عن علي ابن جعفر (١) أنه سأل أخاه عليه‌السلام « عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال؟ فقال : نعم » وخبر أبي همام (٢) المتقدم يراد منه أفضلية اختيار الصلاة في البيت ، فلا ينافي الوجوب العيني لو حضرت ، ونصوص المسافر السابقة لا بد من حملها على ما إذا لم يكن قد حضر الجمعة أيضا ، فاتضح بحمد الله وجه الوجوب عينا على الجميع عدا الصبي والمجنون.

بل قد يقال بالوجوب الشرطي في الأول بمعنى أنه لا يشرع منه صلاة الظهر ، لأن الثابت في حقه ما يصح من البالغ في ذلك الحال ، والفرض عدم صحة غير الجمعة ، نعم سقط عنه السعي إليها بالنصوص ، فيشرع منه الظهر كغيره من البالغين ممن تسقط عنهم مع عدم الحضور ، أما معه فليس من البالغ من تسقط عنه ، كما أنه ليس في الأدلة ما يقضي بمشروعية الظهر له في هذا الحال ، وأخبار السقوط أعم من ذلك كما عرفت ، أما الانعقاد بهم ففي كشف اللثام « كأنه لا خلاف فيه فيمن عدا المسافر والعبد والمرأة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٧٤

وغير المكلف إلا الهرم الذي لا حراك به ، فلم يعد في شي‌ء من المبسوط والوسيلة والإصباح ممن تنعقد بهم مع تعرضهم لعدم الوجوب عليه ـ إلى أن قال ـ : ولعلهم أدرجوه في المريض أو جعلوا صلاته لأنه لا حراك به مما لا عبرة بها لعدم الركوع والسجود فيها إلا إيماء » وفي المدارك « اتفق الأصحاب على الانعقاد بالعبد ( بالبعيد خ ل ) والمريض والأعمى والمحبوس بعذر المطر ونحوه مع الحضور كما نقله جماعة » وفي التذكرة وعن المنتهى ما سمعته ، وفي الخلاف « تنعقد بالمريض بلا خلاف » وفي الرياض « لا خلاف ظاهرا في انعقادها فيمن عدا العبد والمسافر » وفي ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع على الانعقاد بالمسافر والعبد ، وفي الذكرى « الظاهر أن الاتفاق واقع على صحتها بجماعة المسافرين وإجزائها عن الظهر » ولعله الظاهر من كشف اللثام أيضا.

قلت : قد صرح بانعقادها بالمسافر والعبد ، مضافا إلى ما عرفت في الخلاف والسرائر والمعتبر والمنتهى والإرشاد والتلخيص وغيرها على ما حكي عن بعضها ، وهو الأقوى ، خصوصا بناء على أن الساقط عنهم السعي إليها لا الجمعة مطلقا ، فيشملهم حينئذ نصوص الانعقاد بالسبعة ونحوهم ، بل مقتضاها حينئذ تعين العقد عليهم ، إلا أنه قد يقوى في النظر تخييرهم في ذلك للأصل ، وظهور خبر حفص في حضور الجمعة المنعقدة بغيرهم ، وظهور نص السبعة مثلا في إرادته من حيث العدد لا أي عدد كان ، بل قد ينقدح من ذلك الإشكال في أصل العقد بهم ، لعدم دليل صالح عليه ، والوجوب حال الحضور أعم من العقد.

وكيف كان فأصل العقد بهم على التخيير أو التعيين جائز ، خلافا للمبسوط والوسيلة والإصباح والمختلف كما حكي عنها ، بل عن الأول نفي الخلاف عنه ولعله للأصل المقطوع بالإطلاق ، ولأن الاعتداد بالعبد يوجب التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، وهو قبيح ، ولا فارق من الأصحاب بينه وبين المسافر لتساويهما في العلة ، مع أنها لو‌

٢٧٥

انعقدت بالمسافر لزم تعينها عليه ، لأن العدد إن اجتمعوا مسافرين انعقدت بهم ، وإذا انعقدت وجبت ، والإجماع على خلافه ، كما أنها لو انعقدت بالعبد لانعقدت بهم منفردين ، ولأنهما ليسا من أهل فرضها كالصبي : فلا تنعقد به ، والأول مع أنه لا يتم مع الاذن يمكن منع اعتبارها في الفرائض ، فللعبد صلاة الفريضة أول وقتها أينما أدركته إذا لم تخل بحق للمولى ، ولم ينهه ، والانعقاد أعم من الوجوب عينا الذي يمكن تسليم الإجماع على نفيه فيهما ، أما عدم الجواز منفردين فمنعه واضح ، بل قد عرفت ظهور الاتفاق من الذكرى وكشف اللثام عليه مؤيدا بما عساه يظهر من الأصحاب ، إذ لا فرق بين إتمام العدد بهم وبين كونهم تمام العدد ، فما أطنب به الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح من عدم الجواز للمسافرين منفردين لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فلا تلازم بين الانعقاد بهم والوجوب عينا ، نعم ربما ادعي لزوم الوجوب عينا للانعقاد مع أنه لا يخلو من نظر أيضا ، ضرورة إمكان اختصاصه بحضور الجمعة المعقودة بغيرهم ، لصدق حضور الجمعة حينئذ كالامرأة ، فإنه يجب عليها عينا لو حضرت ولا تنعقد بها ، والفرق بينهما وبين الصبي واضح ، إذ هما من أهل وجوبها إذا حضرا ، بخلافه لعدم التكليف ، وخلاصة البحث أنه منصوص الوضع عن هؤلاء المتقدمين ، منها ما تضمن نفى السعي ونحوه ، ومنها ما تضمن سقوط الجمعة ، ولا تنافي بينهما ، بل الأول منهما لازم للثاني ، نعم كان المتجه السقوط عنهم مطلقا وإن حضروا عملا بالإطلاق ، إلا أن خبر حفص وما سمعته سابقا ظهر منه بقاء هذا الحال مندرجا تحت إطلاق الأدلة ، أما غيره من الأحوال فعلى إطلاق السقوط ، ومنه حينئذ عقدهم الجمعة بأنفسهم ، فلا دليل حينئذ على وجوبه عليهم ، ضرورة تقييد إطلاق الوجوب بما دل على السقوط ، بل لولا ظهور الاتفاق المتقدم المتمم بعدم القول ( القائل خ ل ) بالفصل وبعض الإطلاقات الدالة على المشروعية كقوله : « إني لأحب » ونحوه ،

٢٧٦

واحتمال استفادة الرخصة من أخبار السقوط وغير ذلك مما سمعته سابقا لأشكل الحكم بالجواز فضلا عن الوجوب عينا كما في المدارك ، بل جزم بعدمه الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في جماعة المسافرين مؤيدا له بالنصوص السابقة المتضمنة أن صلاة السفر الظهر التي قد عرفت المراد منها ، إلا أنه لا يخفى ضعفه.

كما أنه لا يخفى عدم الفرق بين إتمام العدد بهم وبين كونهم بعض العدد إلا في الوجوب عينا على الحاضر معهم من غير ذوي الأعذار مع الاتفاق على العقد ، ولكن ومع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه ، بل هو كاللازم ، إذ من المحتمل عكس الاستدلال السابق بدعوى تحكيم إطلاق ما دل على وجوب الجمعة خرج منه ما احتاج إلى السعي ، فيبقى غيره تحت الإطلاق المزبور ، فيجب مع حضور المعقودة أو مع التمكن من العقد ، فتأمل جيدا.

ولو حضر ذووا الأعذار ثم تباعدوا ففي صحة الظهر منهم قبل فوات الجمعة كما إذا لم يحضروا إشكال ، أقواه السقوط وإن أثموا ، ثم لا ريب في صدق حضور الجمعة إذا وجدوا بعد العقد بل وفي حال الشروع بالإقامة بل وفي حال الشروع بالخطبتين بل وعند التهيؤ ، بل قد يقوى ذلك وإن كان قبل الزوال بيسير ، والمدار فيه على العرف ومع الشك فإطلاق السقوط محكم كما عرفت ، فتأمل جيدا.

هذا كله في غير المرأة والصبي للإجماع على عدم الانعقاد بالأولى في التذكرة وغيرها ، بل يمكن تحصيله مع اختصاص الرهط والنفر والقوم بل والخمسة والسبعة لتذكير المميز في نصوص العقد بغيرها ، لكن في كشف اللثام « في نسخة للغنية عندنا وقد قرأها المحقق الطوسي على الشيخ معين الدين المصري وتنعقد بحضور من لم يلزمه من المكلفين كالنساء ، وكتب المصري على الحاشية الصواب إلا النساء » قلت : كما هو الموجود فيما حضرني من نسختها ، وأما الصبي ففي كشف اللثام كأنه لا خلاف في عدم‌

٢٧٧

انعقاد جمعة البالغين به وبالمجنون عندنا ، وعن الشافعي قول بالانعقاد بالصبي المميز ، وفي المبسوط نفي الخلاف عن العدم منا ومن العامة ، قلت : وإن قلنا بشرعية عيادة الصبي وانعقاد الجماعة في غيرها به ، إلا أنه لا يخفى انسياق نصوص من تنعقد به إلى غيره ، كما هو واضح ، نعم قد يقال على إشكال بانعقاد جمعة لغير البالغين في مثل أزمنة التخيير ، لعموم ما دل على مشروعية سائر عبادات البالغين ، ومنها الجمعة ، والإجماع إنما هو على عدم انعقاد جمعة البالغين ، به بأن يكون مكملا للعدد ، فتأمل جيدا ، اللهم إلا أن يكون الأطفال يشاركون البالغين في عباداتهم ما لم تشترط بشرط لا يمكن حصوله لغير البالغين كالعدالة التي هي شرط في الإمامة ، ووقوعها في غير الجمعة إن ثبت بإجماع ونحوه وإلا كان ممنوعا ، والاستناد فيه إلى بعض النصوص الظاهرة (١) في جواز إمامة غير البالغ استناد إلى المؤل الذي هو غير حجة ، ضرورة ظهورها في إمامته للبالغين وعلى كل حال بناء على الجواز اعتبار ما يشبه العدالة في إمامة الطفل بأن يكون متجنبا كبائر البالغين والإصرار على صغائرهم وكل ما يجب على الولي منعه منه مما فيه فساد النظام وجه قوي ، والله أعلم.

ومن ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف جوابا للشرط السابق وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم سوى من خرج عن التكليف والمرأة ، وفي العبد تردد وما له وعليه ووجه تردده سواء كان في العقد أو الوجوب أو فيهما.

كما أنه بان لك منه من تجب عليه وتنعقد به ، ومن تجب عليه ولا تنعقد به ، وبالعكس لكن بمعنى عدم وجوب الحضور ، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وأما من تجب عليه ولا تنعقد به إذا حضر فـ الكافر والملحق به ، فإنها لم تصح منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبة عليه عندنا كما هو واضح ، وأوضح منه عندنا ما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣ و ٨.

٢٧٨

المتن وغيره من أنها تجب أي الجمعة على أهل السواد أي القرى كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشرائط إذ لا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أن النصوص دالة عليه عموما وخصوصا ، كخبر الفضل بن عبد الملك (١) عن الصادق عليه‌السلام ، ومفهوم قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر ابن مسلم (٢) وغيرهما من النصوص المتقدمة في الأبحاث السابقة ، وكأن ذكر المصنف وغيره له لخلاف أبي حنيفة فيه الذي اتقى منه‌ الصادق عليه‌السلام في ضعيف حفص بن غياث (٣) « ليس على أهل القرى جمعة ، ولا خروج في العيدين » ‌كضعيف طلحة بن زيد (٤) عنه عن أبيه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام « لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود » ‌وفي كشف اللثام « احتمال الأول أنه ليس عليهم ذلك ، لأن العامة يرون السقوط عنهم فالعامة من أهل القرى لا يفعلون ، وليس على المؤمنين منهم تقية » قلت : وأولى منه احتمال كون ذلك لفقد اجتماع الشرائط التي منها وجود النائب الذي لم يتعارف وجوده في كل قرية قرية « واحتمال الثاني أن الجمعة لا تقبل أولا تكمل إذا أخل بإقامة الحدود » قلت : وأولى منه إرادة الكناية بذلك عن ظهور اليد والسلطنة ، والأمر سهل بعد ما عرفت.

وكذا تجب على ساكني الخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين مستكملين الشرائط للعموم المعتضد بظاهر الفتاوى التي يمكن تحصيل الإجماع منها سوى ما عن المبسوط « لا تجب على البادية لأنه لا دليل عليه ، ولو قلنا إنها تجب عليهم إذا حضر العدد لكان قويا » وما استظهره الفاضل والشهيد من ابن أبي عقيل كما قيل « إن الجمعة فرض على المؤمنين حضورها مع الإمام في المطر الذي هو فيه ، وحضورها مع أمرائه‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ ـ ١ ـ ٤ ـ ٣

٢٧٩

في الأمصار والقرى النائية عنه » مع أنه لا ظهور معتد به في عبارة الثاني منهما في شرطية المصر والقرية ، والأول بعد تسليم الظهور متردد كما حكاه عنه في كشف اللثام ، قال :من عدم الدليل ومن عموم الأخبار ، وهو كما ترى ، ضرورة أن العموم أحد الأدلة.

والخيم جمع خيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر كما عن الصحاح والمصباح ، وعن ابن الأعرابي « الخيمة عند العرب لا تكون من ثياب ، بل من أربعة أعواد ثم تسقف بالثمام (١) ، والجمع خيمات وخيم » وعن القاموس « الخيمة كل بيت مستدير أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام ويستظل بها في الحر ، وكل بيت بني من عيدان الشجر » وكيف كان فالظاهر إرادة الأعم ، كما أن الظاهر إرادة عدم السفر ونحوه من القطن في المتن الذي عبر عنه غيره بالاستيطان ، بل نسب إلى قطع الأكثر ، لكن في التذكرة « لا يشترط استيطانهم شتاء وصيفا في منزل واحد » ولعله ليس خلافا ، فالأولى إناطة وجوب الجمعة عليهم بصلاتهم تماما ، فتأمل ، وفي التذكرة « ولو استوطنوا منزلا ثم سافروا عنه إلى مسافة بعد عشرة أيام فصاعدا لم تجب عليهم الجمعة في المسافة والمقصد معا ، ولو أقاموا دون عشرة أيام ثم سافروا عنه إلى المسافة فالوجه وجوبها عليهم في المسافة والمقصد لوجوب الإتمام عليهم » وإن كان فيه إشكال ينشأ من مفهوم الاستيطان هل المراد منه المقام أو ما يجب فيه التمام ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكيف كان‌ف هنا مسائل ،الأولى من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة للأصل ، ولاشتراط الحرية ، واستصحاب السقوط والتكليف بالظهر بل لو هاياه مولاه لم تجب عليه الجمعة ولو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر الأشهر بل المشهور كما عن الجواهر المضيئة ، وقول أكثر أهل العلم كما عن المنتهى ، بل اقتصر غير واحد على‌

__________________

(١) بالثاء المثلثة هو ورق الشجر.

٢٨٠