جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المحكية ، ومنه مع ظهور جميع نصوص المقام يعلم وجوب الرد لا جوازه بالمعنى الأخص وإن عبر به المصنف وغيره حتى قال في التنقيح : « الأكثر على أنه إي الرد جائز ، وليس في عباراتهم ما يشعر بالوجوب » وفي كشف اللثام « لم يتعرض غير المصنف للوجوب » وفي الذكرى « ظاهر الأصحاب مجرد الجواز » بل الظاهر أنهم أرادوا بيان شرعيته في مقابلة من أنكرها من العامة ، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد كما اعترف به غير واحد ، ولقد أجاد في المسالك في قوله : « إن كل من قال بالجواز قال بالوجوب » وفي مجمع البرهان « كأنه على تقدير الجواز يجب كما يفهم من عباراتهم وأدلتهم كالآية الشريفة (١) ونحوها » إلى آخره ، على أن الوجوب في معقد إجماع الانتصار وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمحكي من شرح المفاتيح ومعقد نفي الخلاف في الحدائق والمحكي من الذخيرة ، وعن كشف الالتباس « يجب عليه الرد لفظا عند علمائنا وإن كان المسلم صبيا أو أجنبية يحل نكاحها » وهو أيضا ظاهر عبارة المبسوط والخلاف وصريح الفاضل وأكثر من تأخر عنه أو جميعهم.

إنما البحث في كيفية الرد ، والمشهور نقلا وتحصيلا أنه بالمثل ، بل في المدارك وعن غيرها أنه قطع بذلك الأصحاب ، بل في الانتصار والخلاف الإجماع عليه ، بل لا أجد في ذلك خلافا إلا من الحلي ، فجوزه بعليكم السلام فضلا عن غيرها كما ستعرف ومال اليه الفاضل في المختلف كما قيل ، والأردبيلي في مجمعه ، ولا ريب في ضعفه لما عرفت ولصحيح ابن مسلم (٢) قال : « دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك فقال : السلام عليك ، فقلت : كيف أصبحت فسكت ، فلما انصرف قلت : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال : نعم مثل ما قيل له » ‌و‌صحيح‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ٨٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

١٠١

منصور بن حازم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلي قال : تردد عليه خفيا كما قال » ‌بل‌ موثق سماعة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة قال : يرد بقوله : سلام عليكم ولا يقول : وعليكم السلام ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قائما يصلي فمر به عمار ابن ياسر فسلم عليه فرد عليه هكذا ».

والمناقشة في سنده ضعيفة كما حررناه في الأصول كالمناقشة في متنه بأن مقتضاه تعين الصيغة المزبورة وإن كانت التحية بغيرها ، وهو مناف لاعتبار المثل ، ضرورة عدم مدخلية ذلك فيما نحن فيه من عدم جواز الرد بعليكم السلام ، مع أنه يمكن تنزيل الموثق على إرادة بيان ذلك ، فيكون ذكره لخصوص سلام عليكم مبنيا على الغالب المتعارف من كون التحية سلام عليكم ، فيكون ذلك حينئذ مثلها ، ومعارضة ذلك باحتمال تنزيل خبري المثل على خصوص هذه الصيغة للتعارف المزبور مؤيدا بأنها صيغة قرآنية فترجح على غيرها باحتمال عدم منافاتها الصلاة لأنها قرآن لا ينافيه إرادة الرد منه يدفعه ـ مع وضوح أولوية الأول منه من وجوه ـ ما تضمنه صدر الصحيح الأول من الفعل ، وما تسمعه من الصحيح الآخر (٣).

ومنه يعلم ما في المحكي عن المعتبر من أنه لو سلم عليه بغير « سلام عليكم » لم يجز الرد ، ولو دعا له وكان مستحقا وقصد الدعاء لا الرد لم أمنع منه ، والمنتهى والتحرير من التردد فيه ، ضرورة ظهوره أو صراحته في وجوب الرد فضلا عن جوازه وإن لم يكن بالصيغة المزبورة كما هو مقتضى إطلاق غيره من النصوص ومعقد الإجماع ، فلا محيص حينئذ عن تنزيل الموثق المزبور على ذلك كجملة من عبارات الأصحاب خصوصا نحو‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٣ ـ ٢ـ ٥

١٠٢

عبارة المتن المذكور فيها الصيغة المزبورة مثالا للمثل ، وكصحيح ابن مسلم الآخر (١) أيضا المروي في الفقيه ، قال : « سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يسلم على القول في الصلاة فقال : إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه ، تقول :السلام عليك وأشر بأصابعك » ‌فإنه يجب أيضا أن يراد منه تعيين القول المزبور إذا كانت التحية كذلك ، فيخرج بذلك عن إطلاق ما دل (٢) على جواز الجواب بغير المثل في غير الصلاة حتى الأحسن فضلا عن غيره ، واحتمال تنزيل الخبرين المزبورين على إرادة وجوب المثل بالنسبة إلى الأدنى لا الأحسن تهجس بلا شاهد ، بل هو اجتهاد في مقابلة النص.

فما وقع من المدارك تبعا لأستاذه من جواز الجواب بالأحسن في غير محله ، كالمحكي عن الحلي من جواز الجواب بكل من سلام عليكم أو السلام عليكم أو عليكم السلام بأي صيغة كانت التحية منها ، إذ فيه طرح الأدلة السابقة بلا مستند صالح لذلك ، مع أنه قد يمنع عليه أيضا كون الأخيرة من صيغ ابتداء التحية ، بل هي ردها ، والمعروف في ابتدائها السلام وسلام عليك والسلام وسلام عليكم ، والأولى هي التي سلم بها محمد ابن مسلم على أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح السابق وأجابه هو بها ، فمن الغريب تركها وإثبات عليكم السلام ، وإن كان ربما تبعه على الثاني بعض الناس ، بل ربما نسب إلى ظاهر الأصحاب إلا أنا لم نتحققه كما اعترف به في المحكي من الذخيرة ، بل في التذكرة « لو قال : عليك السلام لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب » ونحوه ما عن الموجز وكشفه ، وبه جزم في الحدائق ، وهو الموافق للوارد في النصوص ، و‌في النبوي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

١٠٣

العامي (١) « أنه قال لمن قال له : عليك السلام يا رسول الله : لا تقل : عليك السلام تحية الموتى إذا سلمت ، فقل : سلام عليك يقول الراد : عليك السلام » ‌وإطلاق التحية والسلام منزل على المتعارف ، فقل : سلام عليك يقول الراد : عليك السلام » وإطلاق التحية والسلام منزل على المتعارف منه ، وهو الصيغ الأربع المذكورة عندنا دون غيرها ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الرد ونحوه من أحكام التحية ، هذا.

ولكن الإنصاف أن المسألة لا تخلو من إشكال ، لا طلاق أدلة التحية والسلام من غير تقييد في النصوص وإن كان الذي وقع غير الصيغة المزبورة ، فإن ذلك لا يصلح مقيدا للمطلق ، قال في المحكي عن القاموس : « التحية السلام » وفي المغرب « حياه بمعنى أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية ، هذا أصلها ثم سمي ما حيي به من سلام ونحوه تحية ، قال الله تعالى (٢) ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) وحقيقة حييت فلانا أي قلت : حياك الله أي عمرك الله » وعن الطبرسي التحية السلام ، قال : حيي يحيي تحية إذا سلم ، إلى غير ذلك مما هو ظاهر في كون التحية مطلق السلام ، على أن النصوص ظاهرة في وجوب رد السلام ، وهذا منه لصدق السلام عليه قطعا ، ودعوى التعارف المزبور على وجه تنصرف هذه الإطلاقات جميعها إلى الصيغ المزبورة يمكن منعها ، وحينئذ لو سلم بها وجب الرد بمثلها للنصوص السابقة التي لا ينافيها الموثق المزبور بعد تنزيله على ما عرفت فاحتمال عدم جوابها وإن كانت تحية لظهور النصوص في المقام في جواب غيرها من التحية أو وجوب جوابها بالعكس لا طلاق الأدلة السابقة لا يخلو من ضعف كما عرفت.

ومن ذلك يعلم حينئذ وجه تردد الخراساني في وجوب رد سلاما وسلام وسلامي‌

__________________

(١) سنن أبى داود ـ ج ٢ ص ٦٤٤ المطبوعة عام ١٣٧١ كتاب الأدب باب « كراهية أن يقول : وعليك السلام » مع زيادة في الجواهر.

(٢) سورة الأحزاب ـ الآية ٤٣.

١٠٤

والسلام ونحوها ، بل عن ابن إدريس الجزم بعدم وجوب الرد بغير ما سمعته منه ، وتبعه في ذلك في الحدائق ، إلا أنه حصر وجوب الرد في الأربعة التي ذكرناها ، قال : لأنه القدر المعلوم من الأخبار ، والحكم باشتغال الذمة يحتاج إلى دليل قاطع ، وليس فليس ، وصدق التحية عرفا مقيد بالأخبار ، إذ الحكم شرعي لا عرفي ليكون مناطه العرف ، قلت : لم أجد في النصوص ما يقتضي التقييد ، والحكم الشرعي معلق على التحية والسلام الصادقين على ذلك عرفا كما عرفت.

نعم لو كانت التحية بلفظ الصباح والمساء ونحوهما مما ليس بسلام اتجه عدم وجوب الرد ، للأصل وعدم صدق التحية والسلام ، ولو رد عليه بلفظ السلام ونحوه مع قصد الدعاء جاز ، بل وإن ضم اليه مع ذلك قصد الرد ، لعدم خروجه به عن القصد الأول ، أما لو قصد الرد خاصة بطلت صلاته ، خلافا لمحتمل البيان وظاهر المسالك ، قال فيها : « ولو قال : سلام عليك جاز الرد بمثله والمعهود أي سلام عليكم ، ولو سلم بغير ذلك كما لو عكس أو عرف السلام أو غير ذلك لم يتعين الرد بلفظ السلام ، وهل يجوز إجابته؟ قيل : لا إلا أن يقصد الدعاء ويكون مستحقا ، والأجود الرد عليه بالدعاء أو بالسلام المعهود ، لكونه تحية عرفا كتحية الصباح والمساء » وفيه نظر من وجوه ، أحدها ما عرفته من عدم وجوب رد التحية بالصباح والمساء وفيه نظر من وجوه ، أحدها ما عرفته من عدم وجوب رد التحية بالصباح والمساء الذي لا دليل عليه بعد أن عرفت أن المراد من التحية السلام ، ثانيها حصره وجوب الرد بلفظ السلام في الصيغتين المزبورتين ، إذ هو مناف لإطلاق النصوص والفتاوى ، بل وصريح صحيح محمد بن مسلم (١) السابق المشتمل على التسليم بالمعرف ، ثالثها ما سمعته من البحث في التحية بعليكم السلام التي أشار إليها بالعكس ، رابعها قد يمنع عليه التخيير في رد سلام عليك بين المثل والسلام المعهود ، لظهور المثل بخلافه ، وما عن الروض ـ من أنه لا يقدح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

١٠٥

فيه زيادة الميم في عليكم في الجواب لمن حذفه ، لأنه أزيد دون العكس ـ يدفعه ما سمعته من أن الواجب المثل دون الأدنى والأحسن ، والجواز في غير الصلاة لا يستلزم الجواز فيها بعد حرمة القياس عندنا ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد بالمثل في النص والفتوى الكناية عن عدم جواز خصوص عليكم السلام ، وإلا فكل الصيغ يجوز إبدال بعضها ببعض ، إذ الكل متماثلة في تقديم المبتدأ ، بل لعل ذلك هو ظاهر عبارة الفاضل في القواعد لا طلاقه الرد بغير عليكم السلام ، بل لعله هو مقتضى التأمل في عبارات الأصحاب ، ضرورة ظهورها في أن محط النظر عدم جواز عليكم السلام ، فيكون ذكر بعضهم لخصوص سلام عليكم مثالا لنحوه من الصيغ وتأكيدا في عدم جواز العكس.

ثم المعلوم بلا خلاف أجده كما اعترف به في الحدائق نصا وفتوى بل في التذكرة الإجماع عليه كفائية وجوب الرد لا عينيته ، وعليه السيرة القاطعة بمعنى أنه يجزي الرد من واحد ممن هو داخل في السلام لا أنه يجزي غيره ، بل في الحدائق « وكذا استحباب الابتداء به كفاية لا عينا » ولعله لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن بكير (١) : « إذا مرت الجماعة بقوم أجزأ عنهم أن يسلم واحد منهم ، وإذا سلم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم » ‌وقد يشكل بأن مقتضاه حينئذ سقوط الاستحباب حينئذ للثاني والثالث ، وهو مناف لما دل على الحث على السلام ، فيمكن أن يراد من الاجزاء في الخبر المزبور سقوط شدة التأكد لا أصل الاستحباب ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالظاهر وجوب الرد لعدم التلازم بين سقوط استحبابه وبين عدم (٢) كونه تحية يجب ردها وإن لم يكن ذلك مستحبا ، ومنه يعلم وجوب رده لو اقترن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) ليس في النسخة الأصلية لفظة « عدم » والصحيح ما أثبتناه أو تبديل لفظة « التلازم » بكلمة « التنافي » كما لا يخفى على المتأمل.

١٠٦

بما يفسد استحبابه من رياء ونحوه ، بل يمكن دعوى وجوب رده وإن كان ملحونا بما لا ينافي صدق اسم السلام عليه لصدق التحية ، نعم لا تعتبر المثلية هنا ، بل لا تجوز بل يرده عليه صحيحا ، لكن قال في المحكي من شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر : « لو سلم عليه سلاما ملحونا فالأحوط الرد بصورة الآية أي قاصدا مع ذلك القرآنية » وفيه إشعار بالتردد في الحكم ، ووجه واضح.

وكيف كان فهل يسقط وجوب الرد برد الصبي المميز؟ الظاهر العدم وإن قلنا بشرعية عبادته ، وفاقا للمدارك وخلافا لغيره ، للأصل السالم عن معارض دليل الكفائية الذي يجب فيه الاقتصار على المتيقن ، وهو قيام فعل المكلف عن غيره ، مضافا إلى قاعدة عدم الاجتزاء بالمستحب عن الواجب ، وإلى ظاهر الأمر بالرد في الآية والرواية الذي لم يمتثل أبدا ، ضرورة ظهوره في الوجوب الذي لا يشمل الصبي ، وشرعية عباداته على القول بها لا يقتضي اندراجه في هذه الأوامر كما هو واضح ، فما عساه يظهر من جماعة منهم الشهيد من بناء المسألة على الشرعية والتمرينية في غير محله ، إلا أن الجميع متفقون على عدم السقوط على القول بتمرينية فعله ، مع أنه ينبغي القطع بذلك ، فما عساه يظهر من مجمع البرهان من السقوط على التقدير المزبور غريب ، نعم قد يقال بوجوب رده لو سلم وإن قلنا بالتمرينية ، لصدق اسم التحية الذي لا يتوقف على ترتب الثواب كما عرفت ، فتشمله حينئذ أدلتها آية ورواية ، اللهم إلا أن يدعى انسياق الذهن منها إلى غير ذلك بناء على التمرينية التي لا تقصر عن أفعال البهائم (١) والمجانين والحيوانات المعلمة ، بخلاف ما لو قلنا بشرعيتها فإنها حينئذ تكون معتبرة في النظر تستأهل الرد ، ولعله لما ذكرناه أولا أو للبناء على شرعية أفعاله لم أجد مخالفا هنا في وجوب الرد إلا ما يحكى عن فوائد الشرائع ، ولا ريب أن الأحوط حال الصلاة ضم قصد الدعائية أو القرآنية للرد.

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « عنها أفعال البهائم ».

١٠٧

ولو سقط وجوب الرد على المسلم بقيام الغير فالأحوط إن لم يكن الأقوى عدم الرد من المصلي ، اقتصارا فيما كان الأصل عدم جوازه في الصلاة كما أومأنا إليه سابقا على المتيقن ، خصوصا إذا كان بصيغة التسليم المحلل ، واستحباب الرد بغير الصلاة لا يستلزم ذلك فيها ، وإلا لجاز ابتداء التحية فيها ، ودعوى شمول الأدلة في حيز المنع ، ضرورة ظهور الأدلة في وجوب الرد المقتضي لكون مفروضها غير ذلك كالمنع لدعوى شمول ما دل على استحباب الرد بعد السقوط لحال الصلاة ، بل هي أوضح منعا ، إذ هي على فرض تسليمها ليست بأزيد من إطلاقات استحباب التحية التي لم تسق إلا لبيان ذلك في حد ذاته لا من حيث مانع الصلاة ونحوه ، فما في الذكرى من الجواز بل والاستحباب في أحد الوجهين بل استجود الجواز والاستحباب في المحكي من الروض لا يخلو من نظر ، فتأمل.

والظاهر وجوب إسماع الرد في الصلاة كغير الصلاة الذي لا أجد فيه خلافا إلا من المقدس الأردبيلي ، ولا ريب في ضعفه ، لأصالة عدم البراءة بدونه ، لاحتمال أو ظهور توقف صدق الرد عليه ، خصوصا بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن القداح (١) : « إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه ولا يقول سلمت ولم يردوا علي ، ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم ، وإذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم : سلمت فلم يردوا علي ـ ثم قال ـ : كان علي عليه‌السلام يقول : لا تغضبوا ولا تغضبوا ، أفشوا السلام وأطيبوا الكلام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلا عليهم قوله تعالى (٢) ( السَّلامُ الْمُؤْمِنُ ) » ‌إلى آخره. وبعد‌ قوله عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ وذيله في الباب ٣٤ منها ـ الحديث ٣.

(٢) سورة الحشر ـ الآية ٢٣.

١٠٨

في خبر عبد الله بن المفضل (١) : « كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شرّه وكانوا إذا ردوا عليه أمن من شرّهم ، وإذا لم يسلم لم يأمنوا ، وإن لم يردوا على المسلم لم يأمن من شرّهم ، وذلك خلق في العرب » ‌وبعد ظهور الحكمة في إسماع الرد وغير ذلك مما لا يحتاج إلى تقرير.

أما في الصلاة فلا ريب في انسياق رد غير الصلاة من الأمر بالرد فيها ، وقد أسمع أبو جعفر عليه‌السلام الرد فيها محمد بن مسلم (٢) لكن في صحيح منصور بن حازم (٣) السابق الأمر بالرد عليه خفيا ، وأصرح منه‌ موثق عمار (٤) « إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك » ‌ولم أجد من عمل بهما من أصحابنا إلا المصنف في المعتبر حيث حملهما على الجواز ، وفيه مع أنه ليس عملا بهما أنه مخالف للمنساق إلى الذهن من غيرهما من النصوص وللفتاوى ، والأولى حملهما على الجهر المنهي عنه في الصلاة ، وهو المبالغة في رفع الصوت ، ضرورة الاكتفاء بالإسماع تحقيقا أو تقديرا إذا فرض المانع ، أو على التقية ، لأن المشهور بين العامة عدم الرد نطقا بل بالإشارة ، وعليه يحمل‌ خبر علي بن جعفر (٥) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يرد؟ قال : نعم فيشير إليه بإصبعه » ‌أو على خبر محمد بن مسلم السابق المشتمل على القول مع الإشارة للتفهيم إذا فرض بعده بحيث يحتاج إلى زيادة العلو في الصوت ، أو على غير ذلك مما يحمل عليه الخبران المزبوران ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١٣ وفي الوسائل عن عبد الله بن الفضل الهاشمي.

(٢) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة الحديث ١ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٧

١٠٩

على أن المحكي عن أبي حنيفة عدم الرد نطقا وإشارة ، فلعل الأمر فيهما بالإخفات تقية منه وحفظا لأصحابهم عليهم‌السلام من أصحابه ، فلا ريب في اقتضاء صناعة الفقه طرح الخبرين المزبورين ، أو حملهما على ما عرفت في مقابلة ما سمعت ، خصوصا ولم يعمل بظاهر هما أحد حتى المصنف ، لأنه قال بالجواز لا الوجوب كما هو ظاهر هما ، فهما شاذان معارضان بصحيح ابن مسلم وغيره من النصوص المعتضدة بفتاوى الأصحاب ، وبأصالة الشغل وغيره مما عرفت ، فوسوسة الأردبيلي رحمه‌الله في ذلك حتى في غير الصلاة قائلا : إنه لم يعثر لهم على دليل من إجماع أو غيره في غير محلها.

ولا فرق في وجوب الاسماع بين كون المسلم من وراء ستر وحائط وعدمه ، لإطلاق الأدلة المزبورة ، قال في التذكرة : « لو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال :

السلام عليك أو كتب وسلم فيه أو أرسل رسولا فقال : سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسالة قال بعض الشافعية : يجب عليه الجواب ، والوجه أنه إن سمع النداء وجب الجواب وإلا فلا » وهو جيد ، ضرورة عدم صدق التحية على الكتابة التي هي النقوش بل ولا على الرسالة التي هي نقل السلام لا الاستنابة من الرسول في التحية ، إذ الثانية لا ريب في أنها تحية بخلاف الأولى ، و‌خبر أبي كهمس (١) ـ « قلت للصادق عليه‌السلام : عبد الله بن يعفور يقرؤك السلام فقال : عليك وعليه السلام إذا أتيت عبد الله فأقرأه السلام وقل له » ‌ـ لا دلالة فيه على وجوب قول ذلك عند تبليغ الرسالة فضلا عن وجوب إرسال رد سلام له عوض سلامه ، نعم‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٢) : « رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ، والبادي بالسلام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ وفي الوسائل « عبد الله بن أبى يعفور يقرؤك » إلخ وهو الصحيح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

١١٠

أولى بالله ورسوله (ص) » ‌« وربما مال اليه بعض المحدثين ، خصوصا مع إمكان تأييده بما عن الشافعي من أن مثله تحية الغالب عرفا ، فتشمله الآية ، لكنك خبير أنه بمثله لا يخرج عن السيرة القطعية ، وظهور عدم صدق التحية والأصول العقلية ، فلا بد حينئذ من حمله على إرادة شدة التأكد مراعاة لمكارم الأخلاق وجزاء الإحسان بالإحسان.

ثم الظاهر من الأدلة والفتاوى ـ بل عن مصابيح الظاهر اتفاق الأصحاب عليه ـ فورية الراد وتعجيله لكن على الوجه المتعارف في رد التحية لا المقارنة الحكمية من غير فرق بين الصلاة وغيرها ، نعم لو تركه فيها واشتغل بالقراءة ونحوها من الأذكار الواجبة أو المندوبة في وجه اتجه البطلان بناء على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن مثله من الأضداد على وجه يقتضي الفساد إن قلنا بأن التعمد لا فساد الجزء في الصلاة يستلزم بطلان الكل بحيث لا يجزي بعد إعادته على الوجه الصحيح ، لثبوت التشريع المقتضي للبطلان ، أو لأنه في مثل الفرض نحو كلام الآدميين في البطلان ، أما لو ترك الرد ولم يشتغل حال الخطاب به بشي‌ء من أضداده حتى مضى زمانه فلا بطلان ، لعدم المقتضي كما هو واضح ، إذ الظاهر أن الرد ليس من الواجبات التي تبقى في ذمة المكلف بعد تقصيره في الأداء في تلك الحال وإن كان ذلك هو المختار في الواجبات الفورية ، لكن التي يستفاد فوريتها من الأوامر مثلا ولو بالقرينة بخلاف ما نحن فيه ، فان فوريته من كيفية رد التحية عرفا ، فهي من أوصاف المأمور به وقيوده لا الأمر ، فعدم الوجوب حينئذ في ثاني الأزمنة وثالثها لانتفاء كيفية الرد عرفا ، وللأصل والسيرة القطعية. فما في مجمع البرهان ـ من أنه لو كان المسلم حاضرا وجب عليه الرد دائما ، ولو غاب وذهب يجب عليه الذهاب حتى يرد عليه عندهم على الظاهر ، فلا يجوز فعل الصلاة المنافي له بناء على مسألة الضد ـ غريب ، ومقتضاه كما صرح به هو أيضا بطلان الصلوات الأخر وغيرها من العبادات المنافية لذهابه للرد ، بل قال : إنه يمكن بطلانها أيضا مع‌

١١١

ترك الرد لو فرض عدم إمكان الوصول إلى المسلم أيضا ، لاحتمال وجوبه حينئذ في نفسه وإن لم يسمع ، إذ ذاك يجب مع إمكانه ، فلا يسقط حينئذ أصل الرد ، وهو كما ترى لا يستأهل ردا ، خصوصا في مثل الصلاة المشتغل فيها ، لا مكان القول بترجيح حرمة إبطالها على وجوب الرد المستلزم له ، ضرورة ظهور الأدلة في وجوبه مع إمكان الجمع ، أما لو فرض عصيان المكلف حتى احتاج الرد إلى الإبطال بالمشي ونحوه من المنافيات بناء على بقاء وجوبه فلا ، وليس هو من مسألة الضد بل هو من ترجيح مراعاة الحرمة على الوجوب ، وكذا لا يستأهل ردا احتمال البطلان مطلقا أي سواء اشتغل بضد أولا ، ولعله مقتضى إطلاق البطلان في التحرير ، إذ لا وجه له إلا دعوى ظهور النصوص في وجوب الرد في الصلاة ، فيكون كسائر ما يجب فيها من الستر والاستقبال ونحوهما ، ولا ينافيه وجوبه قبلها ، إذ هو فهم عرفي من اللفظ كالمحرم قبل الصلاة لو فرض مجي‌ء نهي به ، نحو لا تنظر إلى الأجنبية في الصلاة ، وفيه أنه لا شك في ظهور الأدلة في إرادة أن الصلاة لا تمنع وجوب الرد لا أنه من واجبات الصلاة ، فلاحظ وتأمل.

ثم إنه لا يبعد أولوية ترك السلام على المصلي خصوصا مع حصول الاضطراب له باستحضار كيفية الجواب ، وربما يقع في شك في أنه سلم بحيث يجب الجواب أو لا وغير ذلك ، وللنهي في خبر الخصال المتقدم (١) و‌المروي (٢) عن‌قرب الاسناد عن الصادق عليه‌السلام « كنت أسمع أبي عليه‌السلام يقول : إذا دخلت المسجد والقوم يصلون فلا تسلم عليهم وسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل على صلاتك ، وإذا دخلت على قوم جلوس فسلم عليهم » ‌ولا داعي إلى حملهما على التقية ، لمنع جمهور العامة من الرد نطقا ، بل عن أبي حنيفة المنع من الإشارة بالإصبع أيضا ، إذ لا معارض لهما إلا إطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢.

١١٢

ما دل على استحباب الابتداء بالسلام ، ويجب الخروج عنها بهما ، مع أن أقصى ذلك التأخر إلى الفراغ من الصلاة لا سقوط السلام أصلا ، و‌ما أرسله في الذكرى (١) عن الباقر عليه‌السلام « إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم ، وإذا سلم عليك فاردد فإني أفعله ، وإن عمار بن ياسر مر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يصلي فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه‌السلام » ‌ويمكن حمله على الاستحباب الذي لا ينافي الكراهة ، وكيف كان فالأمر في الكراهة خصوصا مثل هذه الكراهة سهل ، هذا.

وقد ظهر لك مما قدمنا سابقا أن رد السلام في الصلاة مستثنى من حرمة كلام الآدميين للأدلة السابقة ، فلا حاجة حينئذ إلى ضم قصد القرآنية معه ، ولا يتعين بالصيغة المذكورة فيه ، بل لا يجوز بناء على مراعاة المثلية لو فرض وقوع السلام بصيغة غيرها ، وما عساه يظهر من بعض أدلة الأصحاب على تعين ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) في الرد لو فرض كون السلام ـ بها ـ من أنها قرآن ، بل عن المنتهى والمعتبر « لا يقال : السلام من كلام الناس فلا ينطق به في الصلاة ، لأنا نقول : لا نسلم أنه من كلام الناس ، لأن القرآن يتضمن مثل هذا اللفظ ، ولو قيل : إذا قصد به رد السلام خرج عن القرآن قلنا : لا نسلم لأنه باعتبار نظمه قرآن وباعتبار قصد رد السلام يكون ردا » ونحوه عن المرتضى في الانتصار ـ إنما وقع في مقابلة العامة الذين يحرمون الرد نطفا لذلك ، ولا زالوا يذكرون في مقابلة العامة ما لا يلتزمون به على المختار كما لا يخفى على الخبير الممارس ، على أنه يمكن إرادتهما إثبات صورة ما من الرد خارجة عن كلام الآدميين كي يتوجه الرد على الشافعي وأبي حنيفة المانعين من ذلك لذلك ، نعم قد يقال : لا مانع من ضم قصد الرد مع القرآنية لعدم التنافي بينهما كما أشرنا إليه سابقا ، لا أن ذلك واجب بحيث يتعين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٣.

١١٣

الرد بها على كل حال.

ثم لا يخفى أن المستفاد من قوله تعالى (١) ( قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ ) وغيره والنصوص والفتاوى تحقق الرد في الصلاة بنحو سلام عليكم وغيرها من الصيغ ، والظاهر مشاركة حال غير الصلاة لها في ذلك ، خلافا للمحدث البحراني في حدائقه فأوجب تقديم الظرف في غير الصلاة في الجواب مدعيا أن ذلك هو صريح الأخبار الكثيرة ، وفيه أن وقوع ذلك فيها لا يقتضي الحصر ، بل لعله أحد الأفراد ، وليس في النصوص ما يقتضي ذلك كما لا يخفى على من لاحظها ، بل في‌حسنة زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا سلم عليكم مسلم فقولوا : سلام عليكم ، فإذا سلم عليكم كافر فقولوا : عليك » ‌وما في الحدائق ـ من أن الغرض من هذه الرواية إنما هو بيان الفرق بين الرد على المسلم والكافر بأن الكافر يقتصر عليه بقوله : عليك من غير زيادة إردافه بالتسليم عليه ، بخلاف المسلم فإنه يردفها بالتسليم ـ لا داعي له ، ودعوى أن سياقه يشهد بذلك إذ هو (٣) ‌« دخل رجل يهودي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعائشة عنده فقال : السام عليك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليك ، فدخل آخر فقال : مثل ذلك فرد عليه كما رد على صاحبه ، ثم دخل آخر فقال : مثل ذلك فرد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما رد على صاحبيه ، فغضبت عائشة فقالت : عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء ، إن الرفق لم يوضع على شي‌ء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه ، فقالت : يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم : السام عليك فقال : أما سمعت‌

__________________

(١) سورة هود (ع) ـ الآية ٧٢.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٤ من كتاب الحج.

١١٤

ما رددت عليهم فقلت : عليكم » ‌إلى آخر ما تقدم يمكن منعها بالنسبة إلى ذلك.

نعم الغالب في الجواب الصيغة المزبورة لا أنه لا يصح الجواب إلا بها ، وعليه ينزل ما في التذكرة « وصيغة الجواب وعليكم السلام ، ولو قال : وعليك السلام جاز ، ولو ترك حرف العطف وقال : عليكم السلام فهو جواب خلافا للشافعية ، فلو تلاقى اثنان فسلم كل واحد منهما على الآخر وجب على كل واحد منهما جواب الآخر ، ولا يحصل الجواب بالسلام وإن ترتب السلامان » وكذا ما عن السيد علي خان في رياض السالكين قال : والغالب في كلامهم أن يقولوا للميت والغائب : عليه‌السلام وللحاضر السلام عليك ، ووجهه أن المسلم على القوم يتوقع الجواب بأن يقال له : عليك السلام ، فلما كان الميت والغالب لا يتوقع منهما جواب جعلوا السلام عليهما كالجواب ».

ومن ذلك كله بان لك أنه لا وجه لطرح الخبر المزبور أو تأويله ، خصوصا مع موافقة ما اشتمل عليه من غير ما نحن فيه لغيره من النصوص ، ففي‌ خبر غياث بن إبراهيم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم » ‌وفي‌ موثق سماعة (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اليهودي والنصراني والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس كيف ينبغي أن يرد عليهم؟ قال : يقول : عليكم » ‌وفي‌الآخر (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك » ‌وبه صرح العلامة في التذكرة قال : « ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء ولو سلم عليه ذمي رد بغير السلام بأن يقول : هداك الله أو أنعم صباحك أو أطال الله بقاءك ، ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله : وعليك » قلت : لكن لم أجد‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ ـ ٦ ـ ٣من كتاب الحج.

١١٥

ما ذكره من التخيير فيما حضرني من النصوص ، نعم في‌ خبر محمد بن عرفة (١) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أدعو لليهودي والنصراني؟ قال : تقول : بارك الله لك في دنياك » ‌وهو ليس في رد السلام ، على أن ما ذكر فيه من قوله : « وعليك » بإثبات الواو لم أجده إلا في خبر غياث ، والموجود في غيره بدونها ، والمعنى حينئذ متجه على تقدير قولهم ما في حسن زرارة (٢) المتقدم ، لأن الحاصل حينئذ السام أي الموت والهلاك عليكم ، أما مع الواو فيشكل بأن مقتضاه المشاركة والتقرير على ما قالوا ، فيكون المعنى علينا وعليكم ، اللهم إلا أن تحمل على الاستئناف لا العطف ، أو يقال : إنها له ، ونمنع الاقتضاء المزبور بل أقصاها العطف على كلام ونحن نجاب في دعائنا وهم لا يجابون في دعائهم ، أو يحمل خبر غياث بقرينة أنه عامي بتري على الموافق لرواياتهم ، وقد قيل : إن الأصح والأكثر فيها إثبات الواو بخلاف نصوصنا.

وكيف كان فظاهر الأمر في النصوص السابقة وجوب الرد بذلك كما نقل عن ابن عباس والشعبي وقتادة من العامة مستدلين عليه بالآية قائلين : أن الأحسن فيها للمسلمين وردها لأهل الكتاب ، وفيه أنه لا شاهد على ذلك ، بل ظاهر الآية اتحاد الموضوع فيها ، وحينئذ تختص بالمسلمين للإجماع كما قيل على عدم جواز الجواب بالأحسن لغيرهم ، فتحمل النصوص المزبورة حينئذ على الرخصة ، أو يقال : إن ذلك ليس ردا حقيقة بل هو شي‌ء موهم للرد شرع لتأليف القلوب ، كما أنه يجب حمل ما في‌ خبر زرارة (٣) عن الصادق عليه‌السلام « تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٤ ـ ٢ من كتاب الحج.

١١٦

على أنه ليس ردا ، بل هو من قبيل قوله عز وجل (١) ( سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) وقوله (٢) ( وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) أي لم يقصد به التحية ، بل المراد منه المباعدة والمتاركة ، قال الطبرسي فيما حكي عنه في تفسير الآية : الأخيرة : « أمرنا وأمركم سلام أي متاركة ـ وفي تفسير الآية الأولى ـ توديع وحجز على ألطف الوجوه ، وهو سلام متاركة ومباعدة عن الجعابي ومسلم ، وقيل : هذا سلام إكرام وبر مقابل جفوة أبيه بأيسر تأدية لحق الأبوة ، أي هجرتك على وجه جليل من غير عقوق » إلى آخره.وحينئذ لو سلم عليه أحد منهم في الصلاة لم يجز جوابهم بقصد الرد بمثل ما سلموا وإن ذكر مثل قوله : سلام بقصد القرآنية أمكن جوازه.

كما أنه لا يجوز الجواب أيضا لو سلمت عليه وهو في الصلاة امرأة أجنبية بناء على حرمة سماع صوتها كما هو المشهور على ما في الحدائق ، فتكون تحيتها حينئذ محرمة لا تستأهل الجواب ، اللهم إلا أن يقال : يجب جوابها لا طلاق أدلة التحية وإن حرمت وفيه نظر ظاهر ، ونحوه العكس بمعنى لو سلم عليها أجنبي وهي في الصلاة لحرمة الرد حينئذ عليها بحيث تسمعه ، ويؤيده في الجملة‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر غياث (٣) : « لا تسلم على المرأة » ‌واحتمال وجوبه عليها خفيا لا دليل عليه ، وقال في التذكرة : « ولو سلم رجل على امرأة وبالعكس فان كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزا خارجة عن مظنة الفتنة ثبت استحقاق الجواب ، وإلا فلا » ومقتضاه وجوب الرد على المحرم ، ولعله لإطلاق بعض الأدلة وأصالة الاشتراك ، كما أن مقتضاه اختصاص الحرمة في الأجنبية بذات الفتنة ، ولعله‌ للصحيح (٤) عن الصادق عليه‌السلام « كان رسول الله‌

__________________

(١) سورة مريم (ع) ـ الآية ٤٨.

(٢) سورة الزخرف ـ الآية ٨٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣١ ـ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

١١٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلم على النساء ويرددن عليه ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ، ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر » ‌بل هو بناء على حمل الكراهة فيه على غير الحرمة ظاهر في الأعم من ذلك ، كما هو مقتضى صدره ، ومنه وغيره مع الأصل والسيرة جزم جماعة من متأخري المتأخرين بعدم حرمة سماع صوتها ، ولتحقيق ذلك محل آخر وعليه فتحيتها ردا وابتداء كالرجل ، لا صلاة الاشتراك ، لكن في‌ خبر الساباطي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال :المرأة تقول : عليكم السلام ، والرجل يقول : السلام عليكم » ‌وهو من المؤيدات في الجملة لما سبق من صدق التحية بذلك ، إلا أن الظاهر حمله على الوظيفة لا التعين.

ومن آداب السلام أن القليل يبدأون الكثير ، والراكب يبدأ الماشي ، وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير ، وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال ، لخبر عنبسة بن مصعب (٢) وفي‌ مرسل ابن بكير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، وإذا لقيت جماعة جماعة سلم الأقل على الأكثر ، وإذا لقي واحد جماعة سلم الواحد على الجماعة » ‌ولا بأس بالجميع ، وربما ذكر لذلك علل مناسبة ونكت حسنة لا بأس بها بعد ورد النص بها ، والله أعلم.

المسألة الثالثة لا خلاف في أنه يجوز أن يدعو المصلي بكل دعاء يتضمن تسبيحا أو تحميدا أو طلب شي‌ء مباح من أمور الدنيا والآخرة قائما وقاعدا وراكعا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ ـ ٤ من كتاب الحج.

١١٨

وساجدا بل الإجماع بقسميه عليه كما تقدم في مطاوي المباحث السابقة كالقنوت بالفارسية وغيره شطر من أدلته بالخصوص ، وإن كان مطلق ما دل على الدعاء من الكتاب والسنة كافيا في ثبوته ، ضرورة شموله لجميع الأحوال التي منها حال الصلاة التي هي ذكر ودعاء وتسبيح وتهليل وقرآن ، ودعوى أن الأصل عدم جواز تخلل غير الصلاة في أثناء الصلاة باعتبار أنها أفعال قد اعتبر فيها الهيئة اللازمة للاتصال الذي ينافيه تخلل غير الصلاة ممنوعة ، بل الأصل جواز كل ما لم يثبت منعه من الشارع فيها ولا يكون سببا لمحو اسمها كما بيناه في محله ، على أن النصوص بالخصوص والإجماع بقسميه قد كفانا مؤنة ذلك ، ففي‌ صحيح ابن مهزيار (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يتكلم بالفريضة بكل شي‌ء يناجي ربه قال : نعم » ‌و‌قال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) : « كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الصلاة » ‌و‌قال عليه‌السلام أيضا في مرسل حماد بن عيسى (٣) : « كلما كلمت به الله في صلاة الفريضة فلا بأس به » ‌و‌قال أبو جعفر عليه‌السلام للشحام (٤) : « ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد » ‌وفي‌ الصحيح عن ابن مسلم (٥) قال : « صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد وقد كانت ضلت ناقة لهم : اللهم رد على فلان ناقته ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبرته فقال : وفعل قلت : نعم ، فسكت قلت : أفيعيد الصلاة؟ قال : لا » ‌والمراد الاستفهام عن فعل الله بعد الدعاء لا التعجب من أبي بصير ، أو ذلك لمكان أنه لم يخش من الإنكار عليه الذي يكون بسببه الدعاء بنحو ذلك مرجوحا ، كما عساه يومي اليه ما في‌ خبر علي ابن جعفر (٦) المروي عن قرب الاسناد أنه سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣

(٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤ ـ ١ ـ ٥

١١٩

يقول في صلاته : اللهم رد علي ما لي وولدي هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : لا يفعل ذلك أحب إلى » ‌مع احتماله الأمر بالفعل و « لا » نفي للقطع ، وهو على الأول فضلا عن الثاني دال على المطلوب أي جواز الدعاء فيها ، وفي المنتهى أنه ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام إنهما دعيا على أقوام ولأقوام قائمين ، وفي الذكرى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى آخرين بأعيانهم ، كما‌ روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعباس بن ربيعة والمستضعفين من المؤمنين (١) واشدد وطأتك على مضر » (٢) ورعل وزكوان » ‌و « قنت أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى وعمرو بن العاص ومعاوية وأبي الأعور وأشياعهم (٣) » قاله ابن أبي عقيل‌، وفي‌ خبر عبد الرحمن ابن سيابة (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدعو وأنا ساجد فقال : نعم ادع للدنيا والآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة ».

إلى غير ذلك من النصوص ، خصوصا المتضمنة للصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرها من الدعوات ، كصحيح ابن سنان (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الصلاة المكتوبة إما راكعا وإما ساجدا فيصلي عليه وهو على تلك الحال فقال : نعم إن الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير والتسبيح‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٧ ص ٨٢ الرقم ٦٩٥ وفيه « عياش بن أبي ربيعة ».

(٢) البحار ج ١٧ ص ٢٣ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٩.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١٢٠