جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لا أن المراد منه التوقيت على حسب ( لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) بل لعل التأمل في حكمة الشرع وطريقته في الموقتات يورث القطع هنا بعدم إرادة التوقيت الذي يسقط الفعل بقصوره عنه ، ضرورة منافاة ذلك لغرض الوجوب وحكمته بضرب مثل هذه الأوقات القصيرة التي لا تسع الفعل المحتاج إلى مقدمات بالنسبة إلى غالب المكلفين في غالب الأوقات ، ولو أراده الشارع لم يكن ليكتفي بهذه التعبيرات عنه ، بل ظاهر الإطلاقات والتعليلات يقضي بخلافه ، بل وكذا‌ قوله عليه‌السلام في الحسن السابق (١) : « وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي » ‌إذ هو وإن ذكرنا فيه ما سمعته لكن الإنصاف أن المتجه على التوقيت استئناف الصلاة من رأس ، وسعة الوقت في الواقع لا تجدي في صحة الفعل المعتبر فيه وقوعه فيه ، وإدراك الركعة إنما يثمر لو أدركها فعلا لا سعتها ، والخبر في الإتمام مطلق ، بل لا يخفى ما فيه من الإغراء بفساد الفعل بالأمر بالتطويل فيه لو كان الوقت معتبرا فيه ، والاعتماد على الاستصحاب في نحو المقام الذي ينبغي شدة المحافظة فيه على الوقت تحصيلا للبراءة من الشغل مناف للجزم ، بل يظهر من جماعة عدم الالتفات إليه في رفع الإشكال الذي أورده بعض متأخري المتأخرين على قولهم : « لو قصر زمانها عن أقل الواجب سقطت ، وتجب مع اتساع الزمان بعلم أو ظن غالب من رصدي أو غيره » بأنه بعد تسليم اعتبار الرصدي ونحوه يشكل الأمر لو فرض عدم الرصدي كما هو الغالب ، فلم يعلم حينئذ تحقق شرط الوجوب من أصله ، مع أنه حكي الإجماع على أن أول الكسوف أول الصلاة ، بل هو معلوم قطعا ، ضرورة أنه على تقدير الالتفات إلى الاستصحاب المزبور يرتفع الاشكال من أصله ، ولا يحتاج إلى تكلف إنكار الفرض المزبور لغلبة حصول الظن بالسعة من العادة ونحوها ، مع أنه كما ترى ، وربما يقال : إن الاستصحاب لا يصلح لتحقيق شرط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٦.

٤٢١

الوجوب الذي هو السعة ، فإن استصحاب بقاء الكسوف لا يقضي بصدق وقوع الفعل فيه ، بل هو في الحقيقة كاستصحاب ركوع الإمام إلى حال ركوع المأموم ، فيشرع له الائتمام مع الشك ، بل إن لم يظهر له الخلاف ينبغي له الحكم بانعقاد جماعته ، وهو معلوم البطلان في محله ، فكذلك المقام ، لكن الإنصاف أنه من الواضح جريان الاستصحاب في صحة الاقدام ، نعم يعارضه أصالة عدم التحمل لو شك بعد ذلك في أنه أدركه أولا على أنا في غنية عن ذلك كله بظهور النصوص في الأمر بالفعل بمجرد ظهور الكسوف من غير اشتراط بشي‌ء آخر ، ثم لو ظهر بعد ذلك القصور انكشف عدم التكليف بناء على التوقيت ، لعدم جواز الأمر عندنا مع علم الآمر بانتفاء الشرط ، وتقدم في الجمعة ماله نفع في المقام.

نعم قد يستفاد من إطلاق النصوص المزبورة وعدم تعرضها لانكشاف عدم التكليف في حال من الأحوال بل قد عرفت الأمر بالإتمام فيها لو انجلى قبل الفراغ عدم التوقيت المزبور ، وقد اعترف غير واحد من الأساطين بما ذكرنا ، وأن النصوص ظاهرة في التسبيب ، بل عن العلامة المجلسي رحمه‌الله وغيره الجزم به ، وقد أطال في بطلان استدلال صاحب المدارك على التوقيت بقوله عليه‌السلام : « حتى يسكن » ‌في الصحيح المزبور ، كما أن الأستاذ الأكبر أطال في الذب عنه وفي إثبات التوقيت المزبور ، إلا أن التحقيق والانصاف عدم ظهور الصحيح المزبور في ذلك ، فلا معارض حينئذ لا طلاق الأدلة كما سمعته في غير الكسوفين من الآيات ، ولو سلم فينبغي الاقتصار في توقيته على ما لو امتد لا أنه مطلقا بحيث يسقط التكليف به مع القصور ، إذ هو جرأة عظيمة في تقييد تلك الإطلاقات بلا مقتض ولا شاهد ، خصوصا في غير الكسوفين من الآيات ومن العجيب دعوى بعض متفقهة العصر القطع بالتوقيت المزبور والإجماع على ذلك ، وقد عرفت عدم كون المسألة من القطعيات عندهم حتى من المصنف الذي هو أول من‌

٤٢٢

ذكر السقوط بالقصور تفريعا على التوقيت ، فقد سمعت ما حكاه عن إيماء معتبرة في البيان ولولا مخافة المخالفة لأمكن دعوى القطع من النصوص بخلاف التوقيت بالمعنى الذي ذكروه ، كما أنه لولا خوف الإطالة لأكثرنا من الشواهد على ذلك.

وعلى كل حال فنفيه في الزلزلة ونحوها مما لا ينبغي الشك فيه ، وقد سمعت من الذكرى ما ظاهره الإجماع ، بل عن المقاصد العلية والنجيبية الإجماع على أن وقت الصلاة فيها طول العمر ، وأنها لا تسقط بقصر الوقت عن قدر الصلاة ، لكن ينبغي أن يعلم أن المراد من التوقيت طول العمر بيان مخالفتها لما ذكروه في الخسوفين من التوقيت بمقداره بحيث يكون قضاء فيما بعده لا أن المراد التوسعة فيها بمعنى أن للمكلف التأخير عمدا طول العمر كالأوامر المطلقة ، ضرورة أنه لو سلم التحديد بذلك في الأوامر المطلقة لا بالوصول إلى حد التهاون كان في المقام ممنوعا ، لمنافاته لما سمعته من الفورية التي كادت تكون صريح الأدلة ، خصوصا في الزلزلة ، وخصوصا خبر الديلمي (١) منها ، بل لا نعرف فيه خلافا بينهم ، بل ظاهر الذكرى وغيرها اتفاق الأصحاب عليه ، قال في الذكرى : « إن حكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا يريدون به التوسعة ، فإن الظاهر وجوب الأمر على الفور ، بل على معنى نية الأداء وإن أخل بالفور لعذر وغيره » ونحوه في المحكي عن غيرها ، فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في ذلك تبعا لظاهر المحكي عن المسالك حيث بنى الفورية فيها على القول باقتضاء الأمر إياها ، وإلا فلا ، وفيه ما لا يخفى.

نعم ربما أشكل قولهم : « تصلى بنية الأداء مطلقا » بأن ذلك من توابع التوقيت الذي يتصور فيه القضاء لا فيما لم يكن كذلك كالزلزلة الموقتة بطول العمر ولو بالمعنى الذي لا ينافي الفورية ، وقد يدفع بأن المراد من الأداء هنا بيان عدم القضاء فيها أي‌

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٤٣ ـ الرقم ١٥١٧ المطبوع في النجف.

٤٢٣

أن الأوقات كلها على حد سواء في الفعل ، وكون ذلك في سائر الأوامر المطلقة لا في خصوصها لا ينافي ذكرهم هنا بالخصوص في مقابل التوقيت في الكسوفين ، أو في مقابل ما سمعته من نهاية الفاضل من أن لها أداء وقضاء ، أو لدفع تخيل التوقيت من الفورية المستفادة من النصوص ، أو لغير ذلك ، بل في فوائد الشرائع والمحكي عن الغريبة وإرشاد الجعفرية إنما كانت هذه الصلاة أداء لأن الإجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة والتأقيت يوجب نية الأداء ، ثم قال في الأول : « ولما كان وقتها لا يسعها وامتنع فعلها فيه وجب المصير إلى كون ما بعده صالحا لا لإيقاعها فيه حذرا من التكليف بالمحال ، وبقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل ، وروعي فيها الفورية من حيث أن فعلها خارج وقت السبب إنما كان بحسب الضرورة ، فاقتصر في التأخير على قدرها ، وفي ذلك جمع بين القواعد المتضادة ، وهي تأقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها ، واعتبار سعة الوقت لفعل العبادة » ونحوه المحكي عن تلميذه في الغرية ، قال : « حكم الأصحاب بالفورية محافظة على الوقت المعين وما يقرب منه بحسب الإمكان ، وحكموا بوجوب نية الأداء وفاء لحق التوقيت ، وحيث عرفت عدم أولوية زمان على زمان آخر ثبت الأداء في تمام المدة المذكورة ، فأثبتوا من كل واحدة من القواعد حكما لا ينافي بقية الأحكام » وإن كان لا يخفى عليك ما في ذلك كله ، بل ما فيه من التوقيت المزبور الذي اعتبر فيه من الخارج قدر ما يكمل فيه الصلاة اقتصارا على موضع الضرورة ، بل وما فيه من الإجماع على التوقيت أيضا إنما يناسب ما ذكرناه من التوقيت بحال حصول السبب لا أنه ممتد بامتداد طول العمر ، فالوجوب حينئذ في بعض الأحوال في غيره من القضاء أو كالقضاء في الاحتياج إلى أمر جديد ، وبدونه يسقط ، ولعله هو المتجه في النصوص التي لا يستريب من تأملها في إرادة حصول الفعل عند حصول الزلزلة ولو قيدا لا توقيتا‌

٤٢٤

وربما يؤيده التسوية في النصوص بين صلوات الآيات كلها تصريحا وتلويحا بجمعها في جزاء واحد ونحوه. فيجري فيها حينئذ ما سمعته سابقا ، كما أنه منه يقوى احتمال الفورية في صلاة الكسوفين وغيرهما من الآيات بأول حصول الآية لا أنه موسع ما دام السبب فتأمل جيدا ، فان المقام حقيق به ، ولذا طال بنا الكلام حتى أنه ربما كان من الاطناب الممل ، وربما يأتي في مطاوي الأبحاث الآتية ما له تعلق في المقام ، والله أعلم.

وكيف كان فـ من لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت الذي هو تمام الانجلاء أو الأخذ فيه على القولين ولم يكن القرص محترقا لم يجب الفضاء على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل كادت تكون إجماعا خصوصا بين المتأخرين منهم ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا عدا المفيد ، بل عن شرح جمل العلم والعمل للقاضي الإجماع عليه ، للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة بعد ظهوره في العالم ، كظهور غيره في التقييد بحال السبب ، خصوصا على القول بالتوقيت الذي لا ريب في احتياج القضاء معه إلى أمر جديد ، والمعتضد بما سمعت من الإجماع المؤيد بما عرفت من الشهرة العظيمة ، وبصحيح ابني مسلم ويسار (١) قالا : « قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم ، وإذا أمسى فعلم؟ قال : إن كان القرصان احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه » ‌و‌صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك القضاء ، وإن لم تحترق كلها فليس عليك قضاء » ‌و‌خبر حريز (٣) « إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك فان كان احترق كله فعليك القضاء ، وإن لم يكن احترق كله فلا قضاء عليك » ‌بل وبإطلاق أخبار نفي القضاء ، كخبر عبيد الله الحلبي (٤) سأل الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ١ ـ ٢ ـ ٤ ـ ٩

٤٢٥

« عن صلاة الكسوف تقتضي إذا فاتتنا قال : ليس فيها قضاء ، وقد كان في أيدينا أنها تقضى » وصحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه عليه‌السلام « عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال : إذا فاتتك فليس عليك قضاء » ‌وخبر البزنطي المروي (٢) عن مستطرفات السرائر سأل الرضا عليه‌السلام « عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال : إذا فاتتك فليس عليك قضاء » ‌إلى غير ذلك من النصوص المقيد إطلاقها بما إذا لم يحترق وإذا لم يكن عالما بالكسوف ، لما عرفت وتعرف ، كإطلاق بعض النصوص الآمرة بالقضاء ، كمرسل حريز (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل » ‌وخبر أبي بصير (٤) « سألته عن صلاة الكسوف قال : عشر ركعات ـ إلى أن قال ـ : فإذا غفلها أو كان نائما فليقضها ». ولعله إليهما أشار في المحكي عن الجمل والمصباح ، وروي وجوب القضاء على كل حال ، أو إلى‌ عموم (٥) « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » ‌و‌حسن زرارة وصحيحه (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سئل « عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال : يقضيها إذا ذكرها ».

لكن لا يخفى عليك أن مثله لا يعارض تلك النصوص المعتبرة المصرحة بالتفصيل المعمول بها بين الأصحاب ، بل قد يدعى عدم شمول لفظ الفوات له بدعوى ظهوره في‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ٧ـ ١١ ـ ٥ ـ ٦

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

٤٢٦

تحقق سبب الوجوب ، وليس ، إذ الثابت من مجموع الأدلة أن من تتمة السبب فيه في صورة عدم الاحتراق العلم به ، فيكون النصوص المتضمنة عدم القضاء على الجاهل كاشفة عن عدم تحقق سبب الوجوب لا أنها مخصصة لعموم قضاء الفائتة ، بل في كشف اللثام « أن فوت الصلاة قد يستظهر منه فوت صلاة وجبت عليه ، ولا وجوب لها إذا جهل الكسوف » وإن كان فيه ما لا يخفى إن لم يرد ما ذكرنا ، كما أن ما في غيره من منع تناول لفظ الفريضة ونحوه لصلاة الكسوف بل هو مختص باليومية كذلك أيضا ، فالأوجه في الرد ما قلناه ، والمناقشة فيه بمنع ظهور النصوص في دخول العلم في السبب ـ بل هو كغيره من الموقتات التي يتوقف إرادة الامتثال من المكلف بها على العلم ، لقبح تكليف الغافل ، لا أن السبب مركب منه لينتفي بانتفائه لإطلاق الأدلة كباقي الموقتات ـ يدفعها أنه لا يخفى على من لاحظ تلك الإطلاقات انسياق دخول العلم به في التسبيب ، خصوصا نحو خبر عمارة (١) ومرسل المقنعة (٢) المعلق فيهما وجوب الصلاة على رؤية الكسوف التي هي كناية عن العلم به ، فمنها مع هذه النصوص النافية للقضاء على الجاهل يقوى في الذهن دخوله في السبب ، فيخرج حينئذ عن موضوع قضاء الفائتة المأمور بقضائها ، مع أنه أولى من ارتكاب التخصيص الذي هو مجاز أيضا ، لا أقل من الشك في السببية بدونه ، والأصل عدمها.

ومن ذلك كله يظهر أنه لا فرق في سقوط القضاء بين عدم العلم به أصلا وبين العلم به في وقت يقصر عن فعل الصلاة بناء على التوقيت فيها ، لعدم تحقق السبب فيهما معا ، فلا يشمله عموم « من فاتته » ضرورة اعتبار سعة الوقت فيه أيضا بعد العلم ، لأنه هو مبدأ سبب الخطاب ، فيبقى على أصالة عدم القضاء المحتاج إلى أمر جديد ، إذ دعوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٥.

٤٢٧

اندراجه فيما دل على وجوبه على العالم به وإن كان الوقت قاصرا ليس بأولى من اندراجه فيما دل على سقوطه عن غير العالم به بسبب قصور الوقت ، كما هو واضح.

وكيف كان فمن ذلك كله يظهر لك ضعف المحكي عن الصدوقين وأبي علي والمفيد والمرتضى في الانتصار والجمل وأجوبة المسائل المصرية والشيخ في الخلاف والقاضي والحلبي وابن إدريس وغيرهم من القول بالقضاء مطلقا ، بل في الانتصار والخلاف والسرائر الإجماع عليه ، ولعله الحجة بعد عموم « من فاتته » وإطلاق مرسل حريز (١) وخبر أبي بصير (٢) ومرسل (٣) الجمل ، فما صدر من بعضهم من أنه لم نعثر له على دليل في غير محله ، لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت ، بل لم نتحقق شيئا من هذه الإجماعات ، إذ ليس في الانتصار سوى « مما انفردت به الإمامية القول بوجوب صلاة الكسوف والخسوف ، ويذهبون إلى أن من فاتته هذه الصلاة وجب عليه قضاؤها وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، والحجة الإجماع » وهو ـ مع أنه في صدد بيان متفرد الإمامية من القول بالوجوب أداء وقضاء ولو في الجملة في مقابل العامة ـ قد عرفت عدم صدق الفوات على محل الفرض ، وفي مفتاح الكرامة « أن الموجود في جمل السيد والمحكي عن أجوبة مسائله خلاف الحكاية المزبورة ، وليس في الخلاف سوى من ترك صلاة الكسوف كان عليه قضاؤها ، وإن احترق القرص كله وتركها متعمدا كان عليه الغسل وقضاء الصلاة ، ولم يوافق على ذلك أحد من الفقهاء ، دليلنا إجماع الفرقة ، ومرسل حريز (٤) إلى آخره. وظاهر فعل الترك فيه غير محل الفرض أيضا ، وليس فيما حكي لنا من عبارة السرائر سوى الاستدلال على وجوب القضاء في احتراق بعض القرص‌

__________________

(١) و (٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ٥ ـ ٦ ـ ٥

(٣) المتقدم في ص ٤٢٦.

٤٢٨

على الناسي بالإجماع على أن من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها ، ولا ظهور فيه فضلا عن الصراحة في الإجماع فيما نحن فيه ، وكذا المحكي من عبارة ابن الجنيد لا صراحة فيه قال : « إن قضاءه إذا احترق القرص كله ألزم منه إذا احترق بعضه » بل قيل : إن ظاهره عدم الوجوب على التقديرين ، وفي المحكي عن الهداية « أن من فاتته فعليه أن يقتضيها » وقد عرفت المراد بالفوات ، وفي مفتاح الكرامة أني لم أجد في المقنع الذي عندي لا في المقام ولا في باب الغسل ما حكي عنه « إذا انكسفت الشمس والقمر ولم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت ، وإن احترق القرص كله فصلها بغسل ، وإن احترق بعضه فصلها بغيره ».

وقد أطنب في الحدائق في بيان عدم مخالفة عبارة رسالة علي بن بابويه للمشهور ، لأنها كعبارة الفقه الرضوي (١) التي لا بد من حملها على إرادة التفصيل بالاحتراق وعدمه في التارك عمدا ، وإلا لزم التدافع بين عباراته ، فقل الخلاف حينئذ ، على أن المفيد منهم قد انفرد بتفصيل آخر لم نر له أثرا في النصوص والفتاوى ، قال : إذا احترق القرص كله ولم يكن علمت به حتى أصبحت صليت الكسوف جماعة ، وإذا احترق بعضه وتعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى » نعم يحكى عن ابن بابويه ذلك في الأداء لقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٢) : « إذا انكسف الشمس والقمر فانكسف كلهما فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم ، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزي الرجل يصلي وحده » ‌لكن لعله بناء على كون القضاء كالأداء ، وفيه مع ضعفه من وجوه أنه لا دلالة في الخبر المزبور على الوجوب ، بل ظاهره خلافه كما هو واضح إلا أنه ومع ذلك كله فالقضاء أحوط ، بل عن النفلية والقواعد الملية استحبابه ، بل ربما‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٢٩

كان ظاهر ما سمعته من عبارة أبي علي.

ولعله لحمل بعض ما عرفت من أدلة الوجوب على الندب ، وإلا فليس في النصوص ما يدل عليه بالخصوص ، ضرورة ظهورها في نفي القضاء مع الجهل إلا أن يكون القرص قد احترق كله فإنه لا إشكال حينئذ في القضاء ، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه ، بل عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه ، لكن قد يشعر نسبته في غير واحد من كتب الأساطين إلى الأكثر ونحوه بوجوده فيه ، ولعلهم فهموه من إغفال جماعة من الأصحاب ذكره ، ومن عبارة ابن الجنيد ، والحجة له حينئذ إطلاق ما سمعته وغيره من النصوص في نفي القضاء مع أصالة البراءة ، وإن كان يدفعها النصوص المفصلة المعتضدة بمحكي الإجماع أو محصله ، وبغير ذلك مما لا يخفى ، والله أعلم.

وأما الكلام في غير الكسوف من الآيات مما هو موقت عندهم فالظاهر أنه لا يجب القضاء وفاقا للفاضل والشهيد والكركي وغيرهم ، بل في بيان الثاني منهم القطع به الذي يجري مجرى الإجماع ، بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا ، بل لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك والمحكي عن الروض ، نعم عن نهاية الأحكام وغيرها احتمال الوجوب ، بل قواه بعضهم ونفى البعد عنه آخر ، ولعله لعموم قضاء الفوائت أو إطلاق دليل وجوبها ، لكن فيه أنه بعد تسليم الشمول يجب الخروج عنهما بفحوى سقوطه في الكسوف الذي هو أقوى في الوجوب قطعا ، وبما يظهر من النصوص التي سمعت بعضها من كون الكسوف وغيره من الآيات على حد سواء في الوجوب والكيفية وغيرهما ، بل قد عرفت التصريح بالتسوية في بعضها ، على أنه يكفي فيها نظمها في النصوص معها بعبارة واحدة ، واشتراكها معها في علقة وجوب الصلاة لها ، ونحو ذلك مما لا يخفى على من رزقه الله معرفة اللسان ، وليس في دليل وجوبها إطلاق يتناول المقام على فرض التوقيت ، بل وعلى فرض التسبيب أيضا ، لما عرفت سابقا من اختصاص تلك الأخبار‌

٤٣٠

بالتسبيبية بالنسبة إلى من علم بها حينها كما اعترف به هنا في كشف اللثام.

وعلى كل حال فلا فوات حينئذ مع فرض الجهل ، لعدم حصول السبب الذي يتوقف عليه صدق الفوات ، ومن ذلك يعلم أنه لا فرق بين الزلزلة وغيرها ، ضرورة اختصاص السبب فيها بالعلم بها حينه ، ولا يقدح في ذلك قول الأصحاب أن وقتها العمر إذ ليس المراد منه التوسعة مطلقا ، بل المراد الصحة فيه لا على جهة القضاء ولو في بعض الأحوال ، كما لو علم بالسبب فأهمل عصيانا مثلا في مقابلة الكسوف التي لها حالتا أداء وقضاء ، ويومي إلى ذلك عدم الخلاف هنا كما عرفت في السقوط بين الأصحاب الذين هم أهل العبارة الأولى مع شدة القرب بينهما ، بل ربما كانتا متصلتين ، فمن الغريب ميل الأستاذ الأكبر إلى الوجوب مستندا إلى الاتفاق المزبور ، وإلى إطلاق أخبار الوجوب التي قد عرفت أنه لا إشكال في ظهورها في السببية الخاصة للفعل حال حصول السبب ، ضرورة كون المنساق من تلك النصوص اتحاد جميع هذه الأسباب في كيفية تسبيبها وكيفية سببها ، بل قد سمعت التصريح بالتسوية في بعضها ، مضافا إلى جمع جملة منها بجزاء واحد ، إلى غير ذلك ، فما عن نهاية الأحكام ـ من احتمال الوجوب قويا في خصوص الزلزلة ، بل ربما مال اليه بعض من تأخر عنه ، واحتياط فيه آخر ، بل جزم به الأستاذ الأكبر ـ لا يخلو من نظر ، وأولى منه بذلك ما عن حاشيته على هامش البيان أنه إذا جاءت الزلزلة في بلد وقامت البينة بها في بلد آخر وجب قضاؤها ، ضرورة اختصاص السبب فيها وفي غيرها من الآيات في مكان حصول الآية التي أريد بها التخويف لمن أصابتهم لا مطلقا ، نعم لا يبعد إلحاق المتصل بذلك المكان مما يعد معه كالمكان الواحد باعتبار شدة اتصاله وكونه من توابعه ولواحقه ، كما هو واضح لا يحتاج إلى زيادة كلام.

هذا كله مع الجهل بحصول السبب وأما مع العلم والتفريط أو النسيان فـ يجب القضاء في الجميع بلا خلاف أجده في الكسوفين مع الاحتراق والترك عمدا‌

٤٣١

بل في المحكي عن المنتهى الإجماع عليه ، كما أنه مندرج في معقد إجماع الانتصار والخلاف والغنية ، وهو الحجة بعد فحوى النصوص المتقدمة في الجاهل ، ومرسل الجمل والمصباح (١) ومرسل حريز (٢) وخبر أبي بصير (٣) السابقة ، وعمومات القضاء للفوائت ، وفحوى ما تسمعه في الناسي ، بل لعل موثق عمار (٤) منه شامل لما نحن فيه بناء على إرادة التكاسل من غلبة العينين فيه كما تسمعه من الشيخ ، وبذلك كله يخرج عن إطلاق نفي القضاء في النصوص التي تقدم بعضها ، كما أنه يخرج عنها وعن الأصل أيضا بالمرسلين وخبر أبي بصير المعتضدة بعموم قضاء الفوائت وفحوى ما دل عليه في الناسي والتارك عمدا وإن لم يحترق القرص ، ولا يقدح في ذلك كون التعارض بينها من وجه ، بل قد يدعى ظهور نصوص النفي باعتبار اشتمالها على لفظ الفوات ونحوه فيه ، مع أنها صحيحة السند معتضدة بالأصل ، لموهونية ذلك كله بالشهرة العظيمة ، بل في المحكي عن السرائر نفي الخلاف ، بل يشمله إطلاق معقد إجماع الخلاف ، بل قيل والانتصار والغنية ، بل لم أجد فيه خلافا سوى إطلاق نفي القضاء باحتراق البعض في المحكي من المصريات الثالثة والمصباح وجمل العلم والعمل والتهذيب والاستبصار ، مع أن ما وصل إلينا من عبارة الأخيرين ينافي هذه الحكاية ، قال : إذا احترق القرص كله يجب القضاء على من فاتته صلاة الكسوف ، وإن لم يحترق كله وفاتته لم يكن عليه قضاء ، ولا ينافي هذا‌ ما رواه عمار (٥) من قوله عليه‌السلام : « إنما يلزم القضاء على من أعلم فلم يصل حتى فاتته » ‌لأن الوجه في هذه الرواية أن نحملها على أنه إذا احترق بعض القرص وتوانى عن الصلاة‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٤٢٦.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٥ ـ ٦

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١٠.

٤٣٢

فحينئذ لزمه قضاؤها ، ونحن إنما أسقطنا القضاء عمن لم يعلم باحتراق بعض القرص أصلا بل ، ربما يكشف ذلك منه المراد بغيره من العبارات ، لاتحاد لسان القدماء غالبا ، فما في المدارك من الميل إلى عدم القضاء في غير محله.

وكذا يجب الخروج عنها وعن الأصل في الناسي مع الاحتراق بفحوى نصوص الجاهل (١) وخبر أبي بصير السابق (٢) ومرسل الجمل والمصباح (٣) وعمومات قضاء الفوائت المدعى في المحكي عن السرائر هنا الإجماع عليها ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في موثق عمار (٤) : « وإن أعلمك أحد وأنت قائم فعلمت ثم غلبتك عيناك فلم تصل فعليك قضاؤها » ‌بناء على أن المراد من الناسي في الفتوى الكناية عمن تعقبه العذر بعد العلم من نسيان أو نوم ، والمفهوم من ( في خ ل ) ذيل‌ المرسل (٥) في الكافي أو فحواه قال بعد أن روى صحيح زرارة : وفي رواية أخرى « إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلي فعليه القضاء ، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه ، هذا إذا لم يحترق كله » ‌ضرورة رجحانها عليهما بالشهرة العظيمة ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل ربما ادعي اندراجه في معقد إجماع الانتصار والخلاف والغنية وإن كان فيه ما فيه ، بل لا يبعد رجحانها عليهما في احتراق البعض أيضا ، وإن خالف فيه المبسوط والنهاية والمهذب والوسيلة والجامع والاقتصاد والكندري وإن مال إليه في المدارك ، ولعله لترجيح الإطلاق المزبور بكثرة العدد وصحة السند والأصل ومساواة الناسي للجاهل في الغفلة ، إلا أن ذلك كله في جنب الشهرة العظيمة ـ بل ربما ادعي اندراجه أيضا في معقد الإجماعات الثلاثة ، وإن كان في ما فيه ، مضافا إلى دعوى ظهور الإطلاق المزبور في العمد الذي قد عرفت الحال فيه‌

__________________

(١) و (٢) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ٠ ـ ٦ ـ ١٠ ـ ٣

(٣) المتقدم في ص ٤٢٦.

٤٣٣

وإلى أولوية حمله على غير الجاهل بأن فيه إبقاء لأخبار قضاء ناسي الصلاة على عمومها ، وأخبار قضاء تارك هذه الصلاة على عمومها فيما لا يعارضها نص ، وعدم طرح مرسل الكافي المزبور ـ كما ترى ، خصوصا مع مخالفته للاحتياط.

والظاهر أن يحكم الناسي من تبين له بطلان صلاته بعد خروج الوقت بفقد شرط أو جزاء أو وجود مانع ، لعموم قضاء الفوائت ، كما أنه له لم أجد خلافا بين الأصحاب في القضاء على التارك عمدا أو نسيانا في غير الكسوفين من الآيات ، بل ولا ذكره أحد ممن تعرض للحكم هنا كالفاضلين والشهيدين والكركي وغيرهم ، نعم نسبة بعضهم الحكم هنا إلى الأكثر ، والآخر إلى المشهور قد تقضي بوجوده ، وعلى تقديره فلعله للشك في شمول عموم قضاء الفوائت له بدعوى ظهوره في اليومية ، ولذا لم يحكموا بالوجوب على الجاهل ، له ، لكن قد عرفت ما في ذلك من المنع ، فتأمل بعض متأخري المتأخرين فيه حينئذ في غير محله ، خصوصا بعد ما قدمناه سابقا في مسألة الجهل من استفادة التسوية بين الكسوف وباقي الآيات في كيفية التسبيب والمسبب من النصوص والفتاوى ، فتأمل جيدا.

وأما الثاني أي الماهية فهي ركعتان كما في بعض النصوص ، كخبري ابن سنان (١) والقداح (٢) وكثير من كتب الأصحاب لما ستعرف في أحكام الخلل إن شاء الله من أن الركعة شرعا تنتهي برفع الرأس من السجدة الأخيرة وإن تخلل بين ذلك ما تخلل ، ولذا اجتزي فيها بالفاتحة مرة واحدة والتسميع في الخامس والعاشر كغيرها من الركعات ، بل في جامع المقاصد القطع بكون كل منهما ركعة واحدة ، إلا أنها خرجت عن الغالب من حكم الوحدة في أمور كتعدد الركوع والفاتحة إذا تعددت السورة‌

__________________

(١) الذكرى ـ الأمر الثامن من النظر الثاني من الفصل الثالث من الركن الثالث من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

٤٣٤

ونحوهما مما ستعرفه للدليل ، وتعدد القنوتات مع أنك ستسمع الاجتزاء بقنوت واحد في العاشرة لا يقضي بكونها ركعات ، فإنه قد يتعدد في ركعة كما في صلاة العيد وغيرها وحينئذ فالركوعات كسائر الأفعال في أن الشك فيها كالشك فيها لأصل الصحة والبراءة من الإعادة وتعارف ما سمعت من لفظ الركعة ، فلا يدخل في حكم الشك فيها بل يبقى داخلا في حكم الشك في الأفعال الشاملة لذلك قطعا ، ولعله لا خلاف في ذلك وإن اشتهر التعبير عنها بأنها عشر ركعات في النصوص وكتب القدماء ، بل في كشف اللثام أنها عبارة الأكثر من الأخبار والأصحاب ، إذ هو وإن كان خلاف الغالب من التعبير بالشرعي دون اللغوي إلا أنه يمكن أن يكون وجه ترجيح الثاني على الأول هنا التعريض به لرد العامة ، كما أومأ إليه في الانتصار والمحكي عن الناصريات ، وإن كان قد اعترض في الثانية على تعبير الناصر بالركعتين ، وقال : « العبارة الصحيحة أن يقال هذه الصلاة عشر ركعات وأربع سجدات » فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فـ كيفيتها المقطوع باجزائها نصا وفتوى هي أن يحرم مقارنا للنية ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه ، فإن كان لم يتم السورة قرأ من حيث قطع ، وإن كان أتم قرأ الحمد ثانيا ثم قرأ سورة حتى يتم خمسا على هذا الترتيب ، ثم يركع ويسجد سجدتين ، ثم يقوم ويقرأ الحمد وسورة معتمدا بترتيبه الأول ويتشهد ويسلم بل الإجماع بقسميه عليها إذا كان قد أتم سورة في كل من الركعتين محافظا في الأفعال والأقوال على جميع ما عرفته في الفريضة ، بل المحكي منهما خصوصا على العشر ركوعات فيها مستفيض أو متواتر كالنصوص ، فما في‌ خبر أبي البختري (١) عن الصادق عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام صلى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات وأربع ركعات قام فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم قرأ ثم ركع ثم قام فدعا مثل ركعتين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

٤٣٥

ثم سجد سجدتين ، ثم قام ففعل مثل ما فعل في الأولى في قراءته وقيامه وركوعه وسجوده سواء » ‌وخبر يونس بن يعقوب (١) عنه عليه‌السلام أنه قال : « انكسف القمر وخرج أبي وخرجت معه إلى المسجد الحرام فصلى ثمان ركعات كما يصلي ركعة وسجدتين » ‌يجب طرحه لمخالفته المقطوع به ، أو حمله كما في كشف اللثام على غير صلاة الكسوف أو التقية كما في غيره أيضا ، وإن كنت لم أعثر على من حكي عنه ما في الخبر الثاني منهم ، إذ المحكي عن أبي حنيفة والنخعي والثوري ركعتان كالصبح ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق ما في الخبر الأول ، وابن المنذر ست ركعات وأربع سجدات ، فلعل الأولى حمله على إرادة بيان الزائد من الركوعات ، وهو ثمان ، فالمراد أنه قد زاد في كل منهما أربع ركوعات وصلاها كما يصلى ركعة وسجدتين أي لم يجعل سجودا بعد كل من الأربع ، بل قد يحتمل ذلك أيضا في الأول على إرادة زيادة الأربع في كل من الركعتين ، ولا ينافيه التفصيل المحتمل فيه أنه لم يتعرضه تماما اتكالا على الاجمال ، ويكون الغرض منه بيان إرادة الركوع خاصة من الركعات لا المتعارفة.

وعلى كل حال فالأمر سهل بعد ما عرفت من الإجماع أو الضرورة من المذهب على الكيفية المزبورة ، بل لا أجد خلافا في تعيينها إلا من الحلي ، فلم يوجب إعادة الحمد بعد إكمال السورة ، ويمكن أن يكون قد سبقه الإجماع ولحقه ، فهو من الشذوذ والندرة بمكان ، خصوصا وقد استفاضت النصوص بخلافه إن لم تكن قد تواترت ، ففي‌ صحيح الرهط (٢) عنهما أو عن أحدهما عليهما‌السلام إلى أن قال : « قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرقها بينها قال : أجزأه أم القرآن في أول مرة ، فإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب ». وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ٥ ـ ١ ـ ٦

٤٣٦

عن أبي جعفر عليه‌السلام إلى أن قال : « قلت : كيف القراءة فيها فقال : إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، فان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب ». وصحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلى أن قال : « وإن شئت قرأت سورة في كل ركعة ، وإن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة ، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى ». وفي المروي (٢) عن جامع البزنطي « سألت الرضا عليه‌السلام عن القراءة في صلاة الكسوف وهل يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب؟ فقال : إذا ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختم السورة » ‌ومثله خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن كتابه وقرب الاسناد للحميري.

فمن الغريب إعراضه عن ذلك كله ، خصوصا مع عدم حجة له تعارض شيئا منه إذ هي معلومية وحدة الفاتحة للركعة التي بعد تسليمها يجب الخروج عنها بما سمعت كالأصول و‌خبر عبد الله بن سنان (٤) عن الصادق عليه‌السلام الذي لم يعرف إلا من الذكرى ، بل لم يروه عنها من عادته النقل عنها كالبحار والوسائل والوافي كما قيل ، قال : « انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى ركعتين قام في الأولى فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ، ثم رفع رأسه فقرأ سورة فركع ، فعل ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٧.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١٣.

(٤) قد تقدمت الإشارة إلى موضعه في ص ٤٣٤.

٤٣٧

خمس مرات قبل أن يسجد سجدتين » ‌إلى آخره. مع أنه لم يذكر فيه الفاتحة أصلا ، فيعلم أن المراد منه بيان الكيفية لا من حيث قراءة الفاتحة ، كما هو واضح ، وإطلاق‌ خبر أبي بصير (١) « قلت : فمن لم يحسن يس وأشباهها؟ قال : فليقرأ ستين آية في كل ركعة ، فإذا رفع رأسه من الركوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب » ‌الذي يجب تنزيله على غيره مما سمعت.

فظهر حينئذ أنه لا إشكال في وجوب إعادة الفاتحة إذا أكمل سورة وبدأ بأخرى أما إذا قرأ من حيث نقص فلا وجوب قطعا للأصل والنصوص السابقة ، بل صريح كشف اللثام والحدائق عدم الجواز ، وربما كان ظاهر المقنع والهداية والنهاية والوسيلة والإرشاد والتحرير والدروس ، بل لعله الأقوى للنهي عنه في أكثر النصوص السابقة وأصالة عدم المشروعية ، ومعلومية وحدة الفاتحة في الركعة ، واحتمال إرادة نفي الوجوب من النهي ـ لأنه في مقام توهمه باعتبار كون كل قيام ركعة فيقرأ فيها الفاتحة ـ لا داعي له ولفظ الاجزاء في صحيح الحلبي (٢) لا يكفي في صرف تلك الأدلة ، بل لعل الأولى إرادة ما لا ينافي النهي منه ، فما عن صريح السرائر ـ من الجواز كظاهر « لا يلزمه » في المحكي عن المبسوط وجامع الشرائع والمنتهى « ولا يحتاج » في غيرها ـ لا يخلو من نظر ، بل يمكن إرجاع ما عدا السرائر إلى المختار ، فينحصر الخلاف فيها كالمسألة السابقة.

ثم إن ظاهر المصنف وجماعة تعين القراءة عليه في القيام المتعقب من حيث قطع كما صرح به غير واحد من متأخري المتأخرين ، ولعله كذلك للصحيح (٣) السابق الذي لا يعارضه إطلاق غيره كصحيح الحلبي (٤) ونحوه ، خصوصا مع تأيده بإشعار‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢ ـ ٧ ـ ٦ ـ ٧

٤٣٨

خبري البزنطي (١) وعلي بن جعفر (٢) و‌خبر الدعائم (٣) « روينا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه رخص في تبعيض السورة في صلاة الكسوف ، وذلك أن يقرأ ببعض السورة ثم يركع ويرجع إلى الموضع الذي وقف عليه فيقرأ منه ، قال عليه‌السلام : فإن قرأ بعض السورة لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا في أولها ، وإذا قرأ السورة في كل ركعة كان أفضل » ‌فلا داعي ولا شاهد للجمع بين النصوص بالتخيير بين ذلك وبين القراءة من أي موضع شاء منها متقدما أو متأخرا ورفضها وقراءة غيرها كما وقع من الشهيدين ، بل ربما زاد بعضهم إعادة المقر وأو بعضه ، إذ مرجع ذلك إلى إرادة الرخصة من الأمر المذكور لدفع توهم الحظر الناشئ من احتمال الركعة ، فلا يجزي البعض الباقي ، وهو كما ترى مجرد احتمال لا يترك الظهور له ، إذ المثمر العلم بسوقه لذلك لا احتماله خصوصا بعد أن فهم خروجها عن حكم الركعة بتبعيض السورة في سابقتها ، فلا توهم يحتاج إلى دفعه ، ولعله لذلك لا تنساق الرخصة هنا من الأمر المزبور كغيره من الأوامر في مقام توهم الحظر ، نحو ( إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) (٤) بل المنساق هنا خلافه من التفصيل بين قراءة السورة كملا وبعضها فيتعين الفاتحة في الأول لوجوب استئناف قراءة السورة عليه ، بخلاف الثاني لأنه يتعين عليه القراءة من حيث نقص ، فيسقط إعادة الفاتحة حينئذ المشروطة في غير الأول من ركوعات الركعة باستئناف سورة ، فاتجه حينئذ عطف النهي عن قراءة الفاتحة على جواب الشرط ، بخلافه على القول بالتخيير بناء على وجوب قراءة الفاتحة عند استئناف سورة وإن لم يكمل الأولى ، إذ لا ترتب لعدم قراءة الفاتحة حينئذ على النقصان.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٣.

(٤) سورة المائدة ـ الآية ٣.

٤٣٩

وبذلك ظهر لك ضعف المحكي عن المبسوط وغيره من التخيير بين الأول والأخير وإن كان هو أقرب من السابق باعتبار إرادة الوجوب من الأمر ، إلا أن فيه أيضا خروجا عن ظاهره من التعيين إلى التخيير بلا مقتض ، إذ لا أمر في هذا الحال بقراءة السورة كي يجمع بينهما بالتخيير ، كما أنه لا دليل على تقييد الأمر بالقراءة من حيث قطع بما إذا اختار التبعيض.

كما أنه ظهر لك حينئذ سقوط البحث عن عدم إعادة الفاتحة وإعادتها إن لم يختر القراءة من حيث قطع حتى لو ابتدأ بسورة ولو أخرى غير المقروة أولا الذي منشأه التردد في كون الموجب لها ختم الأولى كما هو مقتضى صحيحي البزنطي (١) وعلي بن جعفر (٢) أو قراءة سورة أخرى كما هو مقتضى إطلاق صحيح الحلبي (٣) أو القراءة من غير موضع القطع لظهور صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (٤) في اشتراط سقوط الفاتحة بالقراءة من حيث قطع ، مع احتمال إرادة ذلك أيضا من الأخرى في صحيح الحلبي (٥) على معنى قراءة أخرى ، فتجب حينئذ باختيار غيره مطلقا ، ضرورة أن لا موضوع للبحث من أصله على المختار ، وإن كان الأقوى بناء على غيره عدم الإعادة أيضا مطلقا حتى لو ابتدأ بسورة أخرى ، فضلا عن قراءة البعض من غير موضع القطع ، أو إعادة ما قرأ من السورة ، لوجوب تقييد إطلاق صحيح الحلبي (٦) بالصحيحين الآخرين (٧)

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١٣.

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٧ ـ ٦

(٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٧

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١٣ وهما صحيحا البزنطي وعلى بن جعفر (ع).

٤٤٠