جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يناسب أصولنا ، وربما يؤيده بما يظهر من النصوص (١) أن الجمعة ظهر عوض الركعتان فيها بالخطبتين ، وإلا فهي هي ، وكأنه أومأ إلى ذلك في الروضة بالنسبة المزبورة ، بل قد يظهر من الدروس والبيان وكذا الروضة أن التحديد بالمثل مبني على خروج وقت الظهر اختيارا به ، وبأنها لو فاتت قبل ذلك فاما أن يتضيق كما يقوله ابن حمزة والحلبيان وفيه من العسر مالا يخفى مع أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وإما أن يمتد إلى وقت كالمثل ولا دليل عليه ، فلم يبق إلا حمل المضيقات على التأكيد في المبادرة ، وبغير ذلك مما لا يخفى ، لكن ومع ذلك فمراعاة التضييق أحوط وأولى ، والله أعلم.

ولو خرج الوقت وهو متلبس فيها أتمها جمعة كما صرح به جماعة ، بل نسبه في البيان إلى كثير ، والمحكي عن الذخيرة إلى الشيخ وجماعة ، بل في المحكي عن نهاية الأحكام صحت الجمعة عندنا ، بل قيل : إن الإجماع ظاهر كشف الحق ، وظاهر الجميع ما هو صريح القواعد والمحكي عن نهاية الأحكام والألفية وموضع من التذكرة من عدم الفرق في ذلك بين الركعة وغيرها ، فيكفي حينئذ في إتمامها جمعة التلبس فيها في الوقت ولو بتكبيرة ، ولعله كما في كشف اللثام لأنها استجمعت الشرائط وانعقدت جمعة بلا خلاف ، فوجب إتمامها للنهي عن إبطال العمل ، وصحت جمعة كما إذا انفضت الجماعة في الأثناء ، وفيه أن التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه ، لامتناع التكليف بالمحال ، ولا يشرع فعله في خارجه إلا أن يثبت من الشارع شرعية فعله خارج الوقت ومن ثم ذهب جماعة إلى اشتراط ذلك بإدراك الركعة ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى المعظم ، كما عن الجعفرية وإرشادها نسبته إلى المشهور ، وفي الذكرى وغيرها أنه المناسب لأصول مذهبنا ، قلت : أول من صرح بذلك الفاضل في بعض كتبه ، وتبعه من تأخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

١٤١

عنه ،لعموم (١) « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله » ‌و‌خصوص (٢) « من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة » ‌في وجه ، فالجمعة حينئذ كغيرها من الفرائض في ذلك ، لعدم دليل يخصها من بينها ، فالقول بالإدراك ولو بالتلبس بالتكبير ـ كالقول بإبطالها مطلقا وإن أدرك ركعة كما حكاه في الذكرى عن بعضهم ـ لا شاهد له بل هو خلاف ذلك العموم ، نعم قد يقال بعدم إجزاء الركعة لو كان ذلك ابتداء الوجوب ، بناء على اشتراط التمكن من تمام الواجب أجزاء شروطا في ابتداء الوجوب كما تقدم البحث في ذلك في الصغر والحيض وغيرهما من موانع التكليف إذا ارتفعت ولم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة ، فلاحظ وتأمل ، ولا فرق في الحكم المزبور في المتن وغيره أي إماما كان أو مأموما انفرد بانفضاض المأمومين أو سبق الإمام أولا ، وسيأتي التعرض لذلك في الجملة فيما يأتي.

وتفوت الجمعة بفوات الوقت ثم لا تقضى جمعة إجماعا بقسميه ، وبه يخص (٣) عموم من « فاتته » بل في المدارك أنه إجماع أهل العلم ، قال : ويدل عليه‌ قوله عليه‌السلام في حسنة الحلبي (٤) : « فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا » ‌وفي‌ صحيحة عبد الرحمن العزرمي (٥) « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى وأجهر بها ، فإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا » ‌وفيه أن الفوات هنا من حيث الجماعة لا من حيث الوقت.

وكيف كان فيصلي الظهر حينئذ أداء إن كان قد بقي وقتها ، وقضاء إن خرج وما في بعض العبارات إنما تقضى ظهرا فالمراد به أنه تفعل وظيفة الوقت ظهرا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦ ـ ٣ ـ ٥

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

١٤٢

ولعل هذا هو مراد من أجاب عن ذلك بإرادة القضاء بالمعنى اللغوي ، وهو الإتيان بالفعل ، أو بإرادة المجاز لأنها لما أجزأت عنها أشبهت القضاء ، والأمر في ذلك سهل بعد وضوح المراد ، والله أعلم.

ولو وجبت الجمعة عليه عينا فصلى الظهر كانت صلاته باطلة لعدم الأمر بها ، ولم تسقط عنه الجمعة بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل في المحكي عن التذكرة والمنتهى وجامع المقاصد وظاهر المعتبر الإجماع عليه ، للأصل بلا معارض ، فما عن أبي حنيفة وصاحبيه من السقوط غلط قطعا ، بل وجب عليه السعي حينئذ فإن أدركها وإلا أعاد الظهر ولم يجتز بالأولى لما عرفت ، من غير فرق بين العمد والنسيان ، ولا بين أن يظهر في نفس الأمر عدم الوجوب أو لم يظهر بل بقي الحال مجملا ، نعم لو صلى الظهر ناسيا وظهر بعد الفراغ أو في الأثناء عدم التمكن من الجمعة قبل الشروع في العمل أو حال التلبس به أمكن القول بالإجزاء ، لموافقة الأمر واقعا وعدم التشريع ، ولو لم يكن شرائط الجمعة مجتمعة لكن يرجو اجتماعها قبل خروج الوقت فهل يجوز له تعجيل الظهر بعد ذلك أم يجب الصبر إلى أن يظهر الحال؟ وجهان كما في جامع المقاصد والمدارك لكن في الأخير أن أجودهما الثاني ، لأن الواجب بالأصل الجمعة ، وإنما يشرع فعل الظهر إذا علم عدم التمكن من الجمعة في الوقت ، قلت : لعل وجه الأول الاكتفاء بأصالة عدم الاجتماع ، وعليه حينئذ يتجه الاجتزاء بها إذا لم تتم ، أما إذا اجتمعت ففي الاجتزاء بها حينئذ وجهان ، أقواهما العدم ، والظاهر عدم الفرق في الرجاء المزبور بين ظن الإدراك واحتماله ، لعدم ما يدل هنا على اعتبار الظن ، وحديث تعبد المرء بظنه لا جابر له هنا ، لكن في جامع المقاصد قبل الفرع المزبور أنه لو ظن إدراكها فصلى الظهر ثم تبين أنه في وقت فعل الظهر لم يكن بحيث يدرك الجمعة وجب إعادة الظهر أيضا لكونه حينئذ متعبدا بظنه ، فكان المتعين عليه فعل الجمعة على حسب ظنه ، ولو ظن عدم الإدراك ففي جواز‌

١٤٣

المبادرة إلى الظهر بمجرد الظن تردد ينشأ من التعبد بالظن ، وأصالة البقاء ، وهو كما ترى ، والأمر سهل.

وكيف كان فـ لو تيقن المكلف بالجمعة أن الوقت يتسع لأقل الواجب من الخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة عدم اعتبار المسنون ونحوه ، بل في جامع المقاصد « ينبغي الوجوب فيما لو شك في الإدراك وعدمه ، لأصالة بقاء الوقت واستصحاب وجوب الفعل » وأشكله في المدارك بأن الواجب الموقت يعتبر وقوعه في الوقت ، فمع الشك فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل والاستصحاب هنا إنما يفيد ظن البقاء ، وهو غير كاف في ذلك ، قلت : لا إشكال في الاكتفاء به بناء على حجيته ، نعم قد يشكل جريانه فيما لو شك في سعة المقدار المعلوم من الوقت للفعل وعدمه ، وإن كان يقوى أن له الدخول في العمل مع احتمال السعة ، لا طلاق الأدلة واستصحاب بقاء الخطاب الذي لا يقطعه إلا العلم بالقصور ، والسعة لو سلم أنها شرط فهي شرط للصحة واقعا لا العلم بها سابقا على العمل ، فيدخل حينئذ في العمل ، فان طابق امتثل ، وإن قصر انتقل إلى الظهر مثلا ، وإن شك فالأقوى عدم الامتثال ، بل قد يقال بذلك أيضا في ابتداء التكليف لصغر أو جنون أو نحوهما ، لكن لا لاستصحاب الخطاب بل لا طلاق الأمر بالفعل الذي لا يقيده ما دل على التوقيت بعد تنزيله على إرادة بيان صحة الفعل فيه لا بيان شرطية التكليف به حتى يكون الشك فيه شكا في الخطاب ، فتأمل جيدا ، أما لو شك في بقاء سعة الوقت فالأقوى جريان الاستصحاب ، والاجتزاء بما يقع منه إذا لم يظهر وقوعه في خارج الوقت ، وربما يشير الى بعض ما ذكرنا ما في الدروس وعن الموجز « أنه يجب الدخول فيها إذا علم أو ظن أو شك في سعة الوقت » وعن الميسية « أنه يجب الشروع متى احتمل ذلك ،

١٤٤

فان طابق صحت ، وإلا فلا » فتأمل جيدا.

لكن في المتن وإن تيقن أو غلب على ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك فقد فاتت الجمعة ويصلي ظهرا وفيه ما عرفت من أنه لا جابر هنا لتعبدية المرء بظنه ، فإلحاقه باليقين حينئذ محل للنظر ، بل المنع كما سمعته مفصلا ، كما أنه قد يناقش في ذلك من أصله أولا بأنه مناف لما سبق من أن من تلبس بالجمعة في الوقت يجب عليه إتمامها ، فإنه يقتضي بإطلاقه جواز الشروع فيها مع ضيق الوقت ، وثانيا بأن إطلاق ما دل على تنزيل الركعة منزلة الجميع شامل للمقام ، فيكفي حينئذ سعة الوقت للخطبتين وركعة كما جزم به الشهيدان وأبو العباس والميسي ، واستحسنه في المنتهى على ما حكي عن بعضهم ، بل عن نهاية الأحكام عدم الفرق بين المسألة السابقة والمقام فاكتفى هنا أيضا بإدراك التكبير مع الخطبتين ، وقال : صحت الجمعة عندنا ، وإن كان فيه منع واضح لعدم الدليل الصالح لإخراج الجمعة عن غيرها من الموقتات في الحكم المزبور ، بل ظاهر الأصحاب هنا خلافه بل في التذكرة « لا يجزي في المقام الركعة خلافا لأحمد » وظاهره الاتفاق فيه بيننا ، وكأنه في محله ، لأني لم أعرف من اجتزى بإدراكها مع الخطبتين قبل الشهيد ومن عرفت ولعله لما دل على عدم قضاء الجمعة المقتضي بظاهره عدم الفرق بين الكل والبعض ، كغيره مما دل على أن من لم يدرك الجمعة صلى ظهرا الصادق بعدم الإدراك كملا ، إذ هو وإن كان يعارضه عموم قوله (ع) : « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله » إلا أنه يرجح عليه بما عرفت من الشهرة العظيمة ، بل ربما ظهر من التذكرة الإجماع عليه واحتمال عدم المعارضة بناء على أن مثله ليس قضاء يدفعه أنه لا ريب في كونه منه حقيقة ضرورة وقوعه خارج الوقت ، وهو القضاء حقيقة ، إلا أن الشارع نزله منزلة الوقت فالبحث حينئذ في شمول هذا التنزيل للمقام الذي نهي عن القضاء فيه ، وبه يفرق بينه وبين غيره من الموقتات ، ودعوى الاستناد إلى خصوص ما ورد من أن « من أدرك‌

١٤٥

ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة » يدفعها ظهور هذه النصوص في إرادة إدراك جماعة الجمعة لا ما يشملها والوقت كما هو واضح بأدنى تأمل.

فظهر حينئذ من ذلك كله أنه لا بد من اتساع الوقت لكل ما يجب في الجمعة من الخطبة والركعتين في وجوبها ، ولا يكفي الركعة فضلا عن غيرها ، خصوصا إذا كان ذلك ابتداء تكليف كالبلوغ وزوال الجنون ونحوهما الذي قد عرفت البحث فيه فيما تقدم من المباحث السابقة في الموقتات فضلا عن المقام ، نعم كان مقتضى ذلك كله عدم الصحة في المسألة السابقة وإن أدرك ركعة فضلا عن التلبس بها ولو بتكبيرة الإحرام ، ويمكن استنادهم فيها إلى دليل خاص لم نعثر عليه ، لا ما ذكر لهم من أن المراد بها من دخل في الجمعة بتخيل سعة الوقت فبان له الضيق عن الجميع أو عن الأكثر من ركعة على القولين السابقين ، فيتمها حينئذ جمعة ، لأنه نواها كذلك ، وقد نهي عن إبطال العمل ، إذ هو كما ترى ، ضرورة أنه عليه يكون بطلانا للعمل لا إبطالا له ، كما يظهر لك في باقي الموقتات ، فلا بد أن يكون المستند لهم أمر آخر غير حديث « من أدرك » إلى آخره. كما يومي اليه (١) عدم اعتبار الأكثر الركعة في الإدراك ، بل اكتفوا فيه بالتلبس ، فان تم الدليل عليه من إجماع أو ظواهر نصوص كان هو المتبع ، وإلا كان للنظر فيه مجال ، إلا أنه قد ظهر لك من ذلك كله عدم التناقض بين المسألتين ، لأن موضوع الأولى من دخل بتخيل السعة بخلاف المقام ، فالبحث في الدليل شي‌ء والتناقض شي‌ء آخر ، والذي ذكرناه في الأول دون الثاني ، فتأمل جيدا ولاحظ ما أطنب به في جامع المقاصد ، فان رجع إلى ما قلناه كان جيدا ، وإلا كان النظر فيه من وجوه لا تخفى.

هذا كله في غير المأموم ، أما هو فلا إشكال في عدم اعتبار سعة الوقت للخطبة فيه ، كما يومي اليه قوله فأما لو لم يحضر الخطبة في أول الصلاة وأدرك مع الامام‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « يومي إليهم » والصحيح ما أثبتناه.

١٤٦

ركعة قبل الشروع في ركوعها بأن دخل في الصلاة قبل تكبير الامام لركوعه صلى جمعة بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص به ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الفضل بن عبد الملك (١) : « من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة » ‌وفي‌ صحيح العزرمي (٢) « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى وأجهر فيها ، فإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا » ‌و‌سأله عليه‌السلام الحلبي (٣) أيضا « عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة فقال : يصلي ركعتين ، فان فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا ، وقال : إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع » ‌بل ذيله دال على المطلوب ، ضرورة ظهوره في إدراك الصلاة التي هي الجمعة بإدراك الركعة لا الصلاة جماعة وإن لم تكن جمعة.

ومنه يتضح حينئذ دلالة جملة من النصوص في المسألة الآتية المشتملة على إدراك الصلاة بإدراك الركعة ، إذ احتمال إرادة إدراك الصلاة جماعة وإن لم تكن جمعة مخالف لظاهرها بلا داع ، بل الداعي إلى خلافه حاصل ، إذ يصدق على من كان مخاطبا بالجمعة أنه متمكن منها إذا كان بحيث يدرك ركعة منها للنصوص المزبورة الدالة على إدراك الصلاة بإدراك الركعة ، فهي حينئذ دالة على المطلوب من غير حاجة إلى نصوص إدراك الجمعة بإدراك الركعة ، كما احتاج إلى ذلك جملة من النصوص في المسألة الآتية المتضمنة إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعا ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، وعلى كل حال فقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٤) : « لا يكون الجمعة إلا لمن أدرك الخطبتين » ‌

قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه ، خصوصا بعد موافقته لمذهب عمر‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٦ـ ٥ـ ٣ ـ ٧

١٤٧

ابن الخطاب وعطا وطاوس ومجاهد ، فلا بأس بحمله على نفي الكمال أو على إرادة نفي حقيقتها التي هي الركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين ، فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة وإن أجزأه ما أدركه ، بل لعل هذا معنى سائر الأخبار ، فلا إشكال حينئذ في إدراك الجمعة بذلك.

وكذا لو أدرك الإمام راكعا في الثانية على قول مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، بل فيه والمحكي عن المنتهى الإجماع أيضا على أنه يستحب للإمام إذا أحس بداخل أن يطيل ركوعه حتى يلحق به ، مضافا إلى النصوص (١) المستفيضة في ذلك منضمة إلى النصوص (٢) المستفيضة جدا في إدراك الركعة والصلاة بإدراك الإمام راكعا : أي يشاركه في الركوع ، فهي حينئذ منضمة إلى ما تقدم مما دل (٣) على إدراك الجمعة بإدراك الركعة كافية في إثبات المطلوب بل لا بأس حينئذ على الحلي في دعوى تواتر الأخبار بذلك في المحكي عن سرائره ، كما أنه لا بأس على مدعي الإجماع في المقام ، إذ لم يحك الخلاف فيه إلا عن المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية وكتابي الأخبار والقاضي ، مع أني لم أجده فيما حضرني من نسخة المقنعة ، بل في مفتاح الكرامة أنه ليس له فيما حضرني من نسخها عين ولا أثر ، وكأنهم توهموه من عبارة التهذيب ، ومن لحظه عرف أن ما توهموه منه من كلام الشيخ لا من كلام المفيد ، وإلا لقال الشيخ : « قال الشيخ » قلت : بل يؤيده حصر الخلاف في ذلك في الشيخ في المحكي عن السرائر وغيره ، بل عن مجمع البرهان أن الشيخ في بحث تطويل الإمام في الركوع ليلحق المأموم قد عدل عن ذلك ، فلا مخالف في المسألة ، قلت : قال في المحكي عن تهذيبه بعد ذكر الأخبار الدالة على الجواز والمنع :

__________________

(١) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

١٤٨

« إن الامام إذا صلى بقوم فركع ودخل أقوام فليطل الركوع حتى يلحق الناس الصلاة ومقدار ذلك أن يكون ضعفي ركوعه » واستدل عليه برواية جابر (١) مضافا إلى ما سمعته منه في الخلاف المتأخر تصنيفه عن التهذيب ، بل عن الراوندي في الرائع أنه قال :كلام الشيخ في النهاية « من أدرك تكبيرة الركوع فقد أدرك الركعة » لا يدل على الخلاف على ما ظنه بعض الناس ، فإنه دليل الخطاب ، وهو فاسد ، وإن كان فيه ما فيه كما أوضحناه في بحث الجماعة.

وكيف كان فلا ريب في ضعفه وإن كان تشهد له جملة من النصوص حتى أنه لها نفى بعده عن الصواب في المحكي عن التذكرة والنهاية وتردد فيه في المحكي عن كشف الرموز ، بل لعله ظاهر تنكير القول في المتن ، لكن قد أوضحنا في الجماعة قصورها عن المقاومة ، كما أوضحنا هناك جملة من المباحث المذكورة في المقام التي منها قول المصنف وغيره هنا بل في المحكي عن المنتهى الإجماع عليه ولو كبر وركع ثم شك هل كان الامام راكعا أو رافعا لم يكن له جمعة وصلى الظهر فلاحظ وتأمل.

نعم ينبغي أن يعلم أن ما احتمله في المدارك والذخيرة ـ من الفرق بين الجمعة وغيرها فلا تدرك الأولى بإدراك الإمام راكعا بخلاف غيرها لحسن الحلبي (٢) المتقدم سابقا ـ من متفرداتهما ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، وما عن كشف الرموز ـ من أن الشيخ فرق بين الجمعة والجماعة فذهب في الخلاف والمبسوط إلى أنه يدرك الجماعة بإدراكه راكعا ، وفي النهاية والاستبصار والمبسوط في الجمعة إلى أنه لا يدرك ـ يرده ملاحظة كلام الشيخ ، فلاحظ وتأمل ، كما أنه ينبغي أن يعلم أن المحكي عن غاية المرام تقييد إدراك الجمعة بإدراك الركعة بما إذا كان الوقت باقيا ، أما مع خروج الوقت مثل أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

١٤٩

يتلبس الامام ولم يبق من الوقت غير قدر ركعة ويصلي الثانية في غير الوقت فإنه لا يدرك المأموم الجمعة ما لم يلحقه في الأولى ولو في قوس الركوع ، وهو جيد ، إذ احتمال الإدراك فيه أيضا عملا بعموم‌ « من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة » ‌مناف لدليل التوقيت ، ودعوى أن التعارض بينهما من وجه ينفيها ظهور سوق الخبر المزبور لبيان الإدراك من حيث الجماعة ، فلا ينافي ما دل على البطلان حينئذ من فقدان شرط آخر ، بل قد يشكل بذلك أيضا الصحة فيما فرضه أخيرا ، بناء على ما تقدم سابقا من اشتراط سعة الوقت لتمام الفعل ، واختصاص من أدرك ركعة من الوقت بغير الجمعة ، وأن ما ورد فيها بالخصوص من حيث إدراك الجماعة بالركوع خاصة لا الوقت المتوقف على إدراك الركعة تامة برفع الرأس من السجدة الأخيرة ، ودعوى أن ما ذكروه من اعتبار سعة الوقت سابقا خاص في غير المأموم بقرينة اعتبار سعته للخطبتين التي من المعلوم عدمها في المأموم ، فتصح صلاته جمعة بإدراك الركعة الأولى قطعا وإن تقدمت الخطبتان وضاق الوقت إلا عن الركعتين يدفعها أن العبرة بما يقتضيه الدليل ، وإن كان ما ذكروه سابقا خاصا في غير المأموم الذي لا يلزم من عدم اعتبار إدراكه الخطبتين عدم اعتبار سعة الوقت لتمام الركعتين بالنسبة إليه ، كما هو واضح ، بل هو كالإمام الذي لم يدرك الخطبتين بناء على عدم اشتراط الخطيب والامام ، فيعتبر فيه سعة الوقت لتمام الركعتين كما عرفت وإن وقع الخطبتان قبله.

وعلى كل حال فيجوز استخلاف المسبوق وإن لم يحضر الخطبة ، للأصل وإطلاق الأخبار في الجماعة ، وعن ظاهر الذكرى الاتفاق عليه ، كما أنه لا يجوز له الانفراد اختيارا قبل فراغ الامام لاشتراط الجماعة ، وإن استشكله في المحكي عن نهاية الأحكام ، نعم ما حكي عنها أيضا من الجواز لعذر لا يخلو من وجه ، لما ستسمعه في انفراد المزاحم في سجود الأولى.

١٥٠

ثم الجمعة لا تجب أو لا تصح إلا بشروط‌ الأول السلطان العادل أو من نصبه بالخصوص لها خاصة أو مع غيرها من مناصبه ، فبدونهما تسقط عينا أو مشروعية على اختلاف القولين المشتركين في عدم وجوب عقدها حينئذ عينا بلا خلاف أجده بين الأساطين من علماء المؤمنين بل المسلمين عدا الشافعي فلم يعتبرهما ، بل هو من ضروريات فقه الإمامية إن لم يكن مذهبهم ، بل يعرفه المخالف لهم منهم كما نسبه جماعة منهم إليهم على ما قيل فضلا عن المؤالف ، قال في الخلاف : « من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من يأمره الإمام بذلك من قاض أو أمير ونحو ذلك ، ومتى أقيمت بغير أمره لم تصح ـ إلى أن قال ـ : فان قيل : أليس قد رويتم فيما مضى من كتبكم أنه يجوز لأهل القرايا والسواد والمؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذين تنعقد بهم أن يصلوا الجمعة قلنا : ذلك مأذون فيه مرغب فيه ، فجرى ذلك مجرى أن ينصب الامام من يصلي بهم ، وأيضا عليه إجماع الفرقة ، فإنهم لا يختلفون أن من شرط الجمعة الإمام أو من أمره ، وروى محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « يجب الجمعة على سبعة » ‌ـ إلى آخر الخبر الآتي ـ وأيضا فإنه إجماع ، فإنه من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى وقتنا هذا ما أقام الجمعة إلا الخلفاء والأمراء ومن ولي الصلاة ، فعلم أن ذلك من إجماع أهل الأعصار ، ولو انعقدت بالرعية لصلوها كذلك » وهي كما ترى صريحة في نفي العينية بدونهما ، فلا يضر احتمالها الوجوب التخييري أو توقف المشروعية على ذلك ، وإن كان الظاهر إرادته الأول ، لأن مثله يعبر عنه بالجواز ، ولأنه الظاهر من باقي كتبه ، ففي المحكي عن مبسوطة أنه اشترط في أول الباب السلطان العادل أو من يأمره ، ثم قال بعد ذلك : « ولا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان الغيبة بحيث لا ضرر عليهم فيصلون بخطبتين ، فان لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة ظهرا أربع ركعات » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٩.

١٥١

وفي نهايته باب الجمعة وأحكامها « الاجتماع في صلاة الجماعة فريضة إذا حصلت شرائطه ، ومن شرائطه أن يكون هناك إمام عادل أو من نصبه الإمام للصلاة بالناس ـ إلى أن قال في آخر الباب ـ : ولا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان الغيبة بحيث لا ضرر عليهم فيصلوا جماعة بخطبتين ، فان لم يتمكن من الخطبة جاز لهم أن يصلوا جماعة لكنهم يصلون أربع ركعات » وقال في باب الأمر بالمعروف منها أيضا : « ويجوز لفقهاء الحق أن يجمعوا بالناس الصلوات كلها وصلاة الجمعة والعيدين ويخطبون الخطبتين ، ويصلون بهم صلاة الكسوف ما لم يخافوا في ذلك ضررا ، فان خافوا في ذلك الضرر لم يجز لهم التعرض لذلك على حال » ولا يخفى صراحة كلامه في نفي الوجوب العيني عقدا وظهوره في نفيه اجتماعا بانتفاء الشرط المزبور ، وأن جوازه في زمن الغيبة رخصة لا عزيمة لا في العقد ولا في الاجتماع بعد العقد ، فان وجوبها عينا بالشرط المزبور له معنيان : الأول وجوب الحضور على كل مكلف إذا عقدها أحدهما أو علم أنه اجتمعت الشرائط عنده وأنه يعقدها كما دل عليه الكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع إلا على من سقطت عنه بالنص (٣) والإجماع ، والثاني وجوب عقدها عليهما عينا إذا اجتمعت سائر الشرائط ، وفي كشف اللثام « أن ظاهر الشيخ ومن بعده الاتفاق عليه ، ويؤيده وجوب الحضور على من كان على رأس فرسخين كما ستعرف ، وللعامة قول بالعدم » قلت : يدل عليه أيضا تواتر النصوص (٤) بإطلاق وجوبها وأنها فريضة لا يعذر فيها أحد إلا من ستعرف ، بل لعل وجوبها من الضروريات ، بل ادعاه بعضهم ، ولا بأس به. وكيف كان فمن الغريب دعوى بعض المتفقهة أن الشيخ ممن يقول بوجوبها عينا‌

__________________

(١) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ٠ـ ١ـ ١

١٥٢

مدعيا عليه الإجماع ، وفي الغنية وكذا المحكي عن القاضي « يجب الاجتماع في صلاة الجمعة بشرط الامام العادل أو من نصبه وجرى مجراه بالإجماع » وذكر الواو فيه بدل « أو » دليل على أنه ليس قسما ثالثا ، وعليه فالمراد به المجتهد ، أما احتمال إرادة سائر الناس من جهة إذنهم (ع) لهم كما سمعته من عبارة الخلاف فمقطوع بفساده عند التأمل ، فلا ريب في دلالته حينئذ على نفي العينية ، وعن السرائر نفي الخلاف عن اشتراط انعقادها بذلك وأن إجماع أهل الأعصار عليه ، وفي المعتبر السلطان العادل أو نائبه شرط وجوب الجمعة ، وهو قول علمائنا ، وقال أبو حنيفة : يشترط وجود إمام وإن كان جائرا وقال الشافعي : لا يشترط ، ورده بأن معتمدنا فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان يعين الإمامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعين للقضاء ، وكما لا يصح للإنسان أن ينصب نفسه قاضيا من دون إذن الامام كذا إمامة الجمعة ، وليس هذا قياسا بل استدلال بالعمل المستمر في الأعصار ، فمخالفته خرق للإجماع ، ثم قال في اللواحق : « المسألة الخامسة لو لم يكن إمام الأصل ظاهرا سقط الوجوب ، ولم يسقط الاستحباب وصليت جمعة إذا أمكن الاجتماع والخطبتان ، وبه قال الشيخ في الخلاف والمبسوط وأنكره سلار » إلى آخره وقال فيه في موضع آخر : « لو كان السلطان جائرا ونصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة ، وأطبق الجمهور على الوجوب ، لنا أنا بينا أن الامام العادل أو من نصبه شرط الوجوب ، والتقدير عدم ذلك الشرط ، أما الاستحباب فلما بيناه من الاذن مع عدمه » وفي التذكرة يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع ، للإجماع على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إلى قوله في المعتبر كذا إمامة الجمعة ، وقال أيضا فيها بعد ذلك بمسافة : « وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة؟ أطبق علماؤنا على عدم الوجوب ، واختلفوا في استحباب إقامتها فالمشهور ذلك ، وقال ابن إدريس وسلار : لا يجوز » إلى آخره. وقال فيها أيضا بعد‌

١٥٣

ذلك : « ولو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة على الأقوى ، ولا تجب لفوات الشرط وهو الامام ومن نصبه ، وأطبق الجمهور على الوجوب » وفي التحرير « أن من شرائط الجمعة الإمام العادل أو من نصبه ، فلو لم يكن الامام ظاهرا ولا نائب له سقط الوجوب إجماعا ، وهل يجوز الاجتماع مع إمكان الخطبة؟ قولان » وعن نهاية الأحكام ومجمع البرهان ، وفي الذكرى « وشروطها سبعة : الشرط الأول السلطان العادل ، وهو الإمام أو نائبه إجماعا لما مر ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعين لإمامة الجمعة ، ويشترط في النائب أمور تسعة ـ إلى أن قال ـ : التاسع إذن الامام له كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين عليه‌السلام بعده ، وعليه إطباق الإمامية ، هذا مع حضور الامام عليه‌السلام وأما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان ـ ثم قال ـ : إن عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار والأمصار » وفي المحكي عن التنقيح « مبنى الخلاف أن حضور الامام عليه‌السلام هل هو شرط في ماهية الجمعة ومشروعيتها أم في وجوبها ، فابن إدريس على الأول ، وباقي الأصحاب على الثاني » وهو كما ترى كالصريح في دعوى الإجماع على نفي العينية ، وفي كنز العرفان له أيضا « السلطان أو نائبه شرط في وجوبها وهو إجماع علمائنا ـ إلى أن قال ـ : ومعتمد أصحابنا فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان يعين لإقامة الجمعة وكذا الخلفاء كما يعينون القضاة ، ورواياتنا عن أهل البيت عليهم‌السلام متظافرة بذلك ».

وعن رسالة الكركي « أجمع علماؤنا الإمامية طبقة بعد طبقة من عصر أئمتنا إلى عصرنا هذا على انتفاء الوجوب العيني في زمان الغيبة » وقال في جامعه : يشترط لوجوب الجمعة السلطان العادل ، وهو الامام عليه‌السلام أو نائبه عموما أو في الجمعة بإجماعنا ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قوله في المعتبر كذا إمامة الجمعة ، وقال‌

١٥٤

فيه أيضا : « الوجوب الحتمي في حال الغيبة منتف بالإجماع » وقال ولده في حاشية الإرشاد : « لا خلاف بين علمائنا في اشتراط وجوبها بالإمام أو نائبه عموما أو في صلاة الجمعة ، وقد نقل ذلك أجلاء فقهائنا ، ويدل عليه عمل الإمامية في جميع الأعصار ، وربما توهم بعض أهل هذا الزمان أن من الأصحاب من ذهب إلى وجوب الجمعة عينا مع غيبة الإمام عليه‌السلام ، وكذا إلى عدم اشتراطها بنائب الغيبة عند عدم ظهوره عليه‌السلام مستندا في ذلك إلى عبارات مطلقة ، وهو خطأ فاحش ، لتكرر نقل الإجماع على انتفائه والإطلاق في مثل ذلك للاعتماد على ما عرف في المذهب واشتهر حتى صار التقييد به في كل عبارة مما يعد مستدركا » وفي الروضة « والحاصل أنه مع حضور الامام عليه‌السلام لا تنعقد الجمعة إلا به أو بنائية الخاص ، وهو المنصوب للجمعة أو لما هو أعم منها ، وبدونه تسقط ، وهو موضع وفاق » ونحوه عن الروض ، وفيها أيضا « ربما عبروا عن حكمها حال الغيبة بالجواز تارة ، وبالاستحباب أخرى نظرا إلى إجماعهم على عدم وجوبها حينئذ عينا ، وإنما تجب على تقديره تخييرا » وفيها أيضا « لولا دعواهم الإجماع على عدم الوجوب العيني حينئذ لكان القول به في غاية القوة » وفيها أيضا « أنه ربما قيل بالوجوب حال الغيبة وإن لم يجمعها فقيه » وظاهره عدم تحقق قائل بذلك عنده ، وعن المقاصد العلية « الإجماع على أن ذلك شرط الوجوب العيني أو مع حضور الامام عليه‌السلام » وفي آيات أحكام الجواد « الإجماع على عدم الوجوب عينا في زمن الغيبة » وفي كشف اللثام « لا تجب عينا إجماعا كما هو ظاهر الأصحاب » وفيه أيضا « لم يقل أحد منا بتعين الجمعة في الغيبة » وعن الداماد « أجمع علماؤنا على أن النداء المشروط به وجوب السعي لا بد أن يكون من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام أو من يأذن له وينصبه لها ، وعلى ذلك إطباق الإمامية » وعن رسالته في المسألة « أطبق الأصحاب على نقل الإجماع على عدم الوجوب عينا ».

١٥٥

بل ربما يظهر من غير واحد الاستدلال على بطلان بعض ما يلزم الوجوب العيني بأنه مستلزم للباطل فيكون باطلا ، وهو صريح في معلومية بطلانه ، كصراحة حصرهم الخلاف في الجواز والحرمة في ذلك أيضا ، خصوصا مع جعلهم الاحتياط في الترك ، ضرورة أنه لا يتم مع قيام احتمال الوجوب ، وفي شرح المفاتيح وكشف الأستاذ وعن غيرهما « الإجماع متواترا على نفي العينية » بل في الأول « أن الناقلين قد يزيدون عن عدد الأربعين » كما أن في الثاني « كونه فوق التواتر » ولعله كذلك ، وهي كما ترى لا فرق فيها بين زمن الحضور والغيبة ، بل صريح بعضها الثاني ، وذكرهم الخلاف في زمن الغيبة في الجواز والحرمة لا ينافيه الإجماع على اشتراط العينية كما صرح به فيما سمعته من التذكرة وغيرها ، بل لا ينافيه أيضا على تقدير إرادة اشتراط الصحة به أيضا بعد تنزيله على حال الظهور بقرينة ما ذكروه حال الغيبة.

وكيف كان فلا ريب في الإجماع المزبور ، بل يمكن تحصيله من تتبع نقلته فضلا عن الفتاوى المجردة عنه ، كما أنه يمكن تحصيل نتيجته : أي القطع باشتراط ذلك في الغيبة مع قطع النظر عنه من عدة أمور :

منها السيرة التي أشار إليها أساطين المذهب ووافقتها فتاواهم وإجماعاتهم ، واعترف بها المخالف في المقام ، ولم يسعه إنكارها مع شدة حرصه على إنكار أدلة الشرطية ويشهد لها أيضا ما في أيدي المخالفين الآن الذي لم يعده أحد أنه من بدعهم ومخترعاتهم مع أنهم حصروا مبتدعاتهم في الفروع والأصول ولم يتركوا لهم شيئا إلا ذكروه حتى الأذان الثاني لعثمان في الجمعة ، وأنه لو كانت تصلى في ذلك الوقت مع غير النائب في رأس كل فرسخ لشاع وذاع وصار معلوما عند الأطفال فضلا عن العلماء الماهرين أمناء الله في أرضه ، فلا ريب حينئذ في أنها مأخوذة لهم يدا عن يد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنه لا ريب في دلالتها على الشرطية مع عدم صدور ما يدل منهم عليهم‌السلام على‌

١٥٦

نفيها ، كما صدر منهم نفيها بالنسبة إلى تعيين أئمة الجماعة والمؤذنين بحيث علم عدم اعتبار التعيين ، وصار كالضروري بل ضروري ، فاستدامة الفعل مع الخلو عن ذلك كالنص في الشرطية ، وإلا كان إغراء بالجهل وقصورا في التبليغ بل مخالفة لما يوحى إليهم ، والاعتماد على إطلاق وجوبها مع صدور ذلك منهم الذي هو كأقوالهم في الحجية كما ترى على أن من المعلوم عدم استغراق النواب الخلق كافة ، كمعلومية كثرة عوارض النواب من الموت والجنون والفسق ونحوها ، فمع فرض كون الجمعة ما صليت في ذلك الزمان إلا مع المعصوم أو نائبه كما سمعته من الشيخ وغيره ممن حكى هذه السيرة لا بد أن تكون غير واجبة على الأعيان ، لعدم التمكن من ذلك في سائر الأطراف وفي سائر الأحوال كما هو معلوم بأدنى تأمل ، نعم هو متوجه على اشتراط الوجوب بذلك ، فمع فقده انتقل إلى الظهر حينئذ ، على أن ظاهر المصنف وغيره ممن حكى هذه السيرة إرادة كون التعيين منهم عليهم‌السلام على وجه عدم الجواز بدونه كتعيين القضاة (١) ولا إشكال حينئذ في دلالته على ذلك ، وربما يؤيده تنزيل الشهيد في رسالته الإجماع على الاشتراط حال الحضور ، فمن الغريب بعد ذلك كله مناقشة الشهيد وأتباعه في دلالة الفعل المزبور بعد تسليمه على الشرطية ، وكأنه فر من قبح إنكار كون فعلهم يوجب (٢) التعيين إلى ما هو أقبح منه ، وأقبح منهما دعوى شرطيته في حال الظهور بحيث يسقط الفرض عمن لم يتمكن منه ، وعدمها في حال الغيبة فتجب وإن لم يتمكن من الشرط ، كما هو واضح ، وأقبح من الجميع ما وقع منهم من أن هذا التعيين منهم عليهم‌السلام إنما كان لرفع التنازع والتنافس والتخاصم ، خصوصا مع التوظيف لأهلها ولنحو ذلك من المفاسد‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية « القضاء » ولعل الصحيح ما أثبتناه.

(٢) حرر كلمة « يوجب » في هامش النسخة الأصلية بعنوان التصحيح وهناك عبارة مرقومة بقلم المصنف « قده » وهي قوله : « الظاهر أن هذا التصحيح غير صحيح ـ حسن ـ ».

١٥٧

المترتبة على عدم التعيين ، ولو تأملوا لوجدوا أن ذلك دليل الشرطية ، ضرورة أن هذا وشبهه من أعظم ما يحتاج الناس فيه إلى الامام ، بل قد يخشى من الشك فيه الشك في الامام والعياذ بالله.

ومنها ما دل على أن الجمعة من مناصب الإمامة كالقضاء والحدود ، كقوله في دعائم الإسلام (١) : « روينا عن علي عليه‌السلام أنه قال : لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلا للإمام أو من يقيمه الامام » ‌و‌المروي عن كتاب الأشعثيات « أن الجمعة والحكومة الامام المسلمين » ‌وفي‌ رسالة الفاضل بن عصفور روي مرسلا عنهم عليهم‌السلام « أن الجمعة لنا ، والجماعة لشيعتنا » ‌وكذا‌ روي عنهم عليهم‌السلام « لنا الخمس ولنا الأنفال ولنا الجمعة ولنا صفو المال » ‌و‌النبوي المشهور « أربع للولاة : الفي‌ء والحدود والصدقات والجمعة » ‌وفي‌ الصحيفة (٢) المعلوم أنها من السجاد عليه‌السلام في دعاء يوم الجمعة وثاني العيدين « اللهم إن هذا المقام مقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتم بها قد ابتزوها (٣) وأنت المقدر لذلك ـ إلى أن قال ـ : حتى عاد صفوتك وخلفائك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا ـ إلى أن قال ـ : اللهم العن أعداءهم من الأولين والآخرين ومن رضي بفعالهم وأشياعهم لعنا وبيلا » ‌وفيه مواضع للدلالة على المطلوب ، ومن مضحكات المقام تجشم إرادة الأعم منهم عليهم‌السلام ومن أئمة الجماعة من الدعاء المزبور ، كتجشم إرادة خصوصا العيد من الفقرة المزبورة ، مع أنه بعد تسليمه يتجه الاستدلال بالإجماع بقسميه والنصوص على اتحادهما في اعتبار عينيتهما بذلك ، و‌قال الباقر‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

(٢) ص ٢٨١ ـ رقم الدعاء ٤٨.

(٣) الأصل « ابتزوهموها » متعد إلى مفعولين في حاشية سيد على خان ( منه رحمه‌الله ).

١٥٨

عليه‌السلام في خبر عبد الله بن دينار (١) الذي رواه الكليني والشيخ والصدوق مرسلا ومسندا في العلل وغيرها : « يا عبد الله ما من يوم عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا ويجدد الله لآل محمد عليه وعليهم‌السلام فيه حزنا ، قال : قلت : ولم؟ قال : إنهم يرون حقهم في أيدي غيرهم » ‌والجمعة إن لم تكن عيدا موضوعا فهي كذلك حكما ، وقد‌ سأل الحلبي (٢) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا في يوم الجمعة فقال : اجتمعا في زمان علي عليه‌السلام فقال : من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت ، ومن قعد فلا يضره ، وخطب عليه‌السلام خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة » ‌و‌قال (ع) أيضا في خبر سلمة (٣) : « اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فخطب الناس فقال : هذا يوم اجتمع فيه عيدان ، فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل ، فمن لم يفعل فان له رخصة يعني من كان متنحيا » ‌وفي‌ خبر إسحاق بن عمار (٤) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا ، فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف فقد أذنت له » ‌مضافا إلى ظهور إسناد الاذن له في كون الاجتماع من حقوقه ، وفي علل الفضل بن شاذان (٥) عن الرضا عليه‌السلام تعليل الركعتين لصلاة الجمعة بأنها عيد ، وصلاة العيد ركعتان ، إلى غير ذلك مما يدل على مساواة الجمعة للعيد في ذلك ، وحينئذ تتكثر الأدلة على الشرط المزبور بملاحظة ما دل عليه في العيد من الإجماع والنصوص ، ولعله بذا تبلغ سبعين إجماعا أو أزيد ، كما أن به تزيد النصوص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

١٥٩

الدالة على ذلك حينئذ على التواتر ، فلاحظ وتأمل.

ومنها‌ موثق سماعة (١) فيما حضرني من نسخة الكافي « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال : أما مع الامام فركعتان ، وأما من يصلي وحده فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة » ‌لكن‌ رواه في الوافي وغيره عنه عليه‌السلام بعد قوله : ركعات « بمنزلة الظهر » ‌يعني إذا كان إمام يخطب ، فأما إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة ، ورواه في الفقيه إلى قوله : « ركعات » إلا أنه‌ أرسل فيه (٢) عن الباقر عليه‌السلام « إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة لمكان الخطبتين مع الامام ، فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيام » ‌وعلى كل حال فهو كالصريح في مغايرة إمام الجمعة لإمام الجماعة ، ولا فارق إلا النصب المزبور ، إذا احتمال كونه لا يحسن الخطبة التي هي التحميد والصلاة على النبي وآله ( عليهم الصلاة والسلام ) ويا أيها الناس اتقوا الله وقراءة سورة إن قلنا به في غاية البعد ، خصوصا في ذلك الزمان الذي لا يحتاج فيه إلى تعلم العربية ونحوها ، مع أنه إمام جماعة وأكثر ذلك يقوله في الصلاة الواجبة ، بل كان الواجب عليه تعلم ذلك ، بل قد يقال بناء على الوجوب العيني بوجوب تعلم الناس الواجب من الخطبة ، ومن كشف الله له الغطاء ونور بصيرته وعلم أن المتعارف في ذلك الزمان النصب لإمامة الجمعة بل لا تصلى بدونه يفهم أن المنساق هنا من لفظ الامام ما هو الأعم من إمام الأصل عليه‌السلام ومنصوبه ، لا إمام الجماعة الذي هو غير معين ، ولم يعلم من يختارونه للتقدم منهم ، بل لعل التعريف فيه في جملة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ـ ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ـ ١.

١٦٠