جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عليه‌السلام يوم الفطر فقال ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) ، لا نشرك بالله شيئا ، ولا نتخذ من دونه وليا و ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) ، وله الحمد في الدنيا والآخرة ، وهو الحكيم الخبير ، ( يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها ، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها ، وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) ، كذلك الله ( لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) ، والحمد لله الذي ( يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ ، إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ، اللهم ارحمنا برحمتك وأعممنا بمغفرتك ، إنك أنت العلي الكبير ، والحمد لله الذي لا مقنوط من رحمته ، ولا مخلو من نعمته ، ولا مؤيس من روحه ، ولا مستنكف من عبادته الذي بكلمته قامت السماوات السبع ، واستقرت الأرض المهاد ، وثبتت الجبال الرواسي ، وجرت الرياح اللواقح ، وسار في جو السماء السحاب ، وقامت على حدودها البحار ، وهو إله لها ، وقاهر يذل له المتعززون ، ويتضاءل له المتكبرون ، ويدين له طوعا وكرها العالمون ، نحمده كما حمد نفسه وكما هو أهله ، ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يعلم ما تخفى النفوس ، وما تجن البحار ، وما توارى منه ظلمة ، ولا تغيب عنه غائبة ، وما تسقط ورقة من شجرة ولا حبة في ظلمة إلا يعلمها ، لا إله إلا هو ، ( وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) ، ويعلم ما يعمل العاملون ، وأي مجرى يجرون ، وإلى أي منقلب ينقلبون ، ونستهدي الله بالهدي ، ونشهد أن محمدا عبده ونبيه ورسوله إلى خلقه وأمينه على وحيه ، وأنه قد بلغ رسالات ربه ، وجاهد في الله الحائدين عنه العادلين به ، وعبد الله حتى أتاه اليقين صلى الله على محمد وآله ، أوصيكم بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة ، ولا تنفد منه رحمة ، ولا يستغني العباد عنه ، ولا يجزي أنعمه الأعمال ، الذي رغب في التقوى ، وزهد في الدنيا ، وحذر المعاصي ، وتعزز بالبقاء ، وذلل خلقه بالموت والفناء ، والموت غاية المخلوقين ، وسبيل العالمين ، ومعقود بنواصي‌

٣٤١

الباقين ، ولا يعجزه إباق الهاربين ، وعند حلوله يأسر أهل الهوى ، يهدم كل لذة ، ويزيل كل نعمة ، ويقطع كل بهجة ، والدنيا دار كتب الله لها الفناء ولأهلها منها الجلاء فأكثرهم ينوي بقاءها ، ويعظم بناءها ، وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب ، والتبست بقلب الناظر ، وتضني ذو الثروة الضعيف ، ويحتويها الخائف الوجل ، فارتحلوا منها يرحمكم الله بأحسن ما بحضرتكم ، ولا تطلبوا منها أكثر من القليل ، ولا تسألوا منها فوق الكفاف ، وارضوا منها باليسير ، ولا تمدن أعينكم منها إلى ما متع المترفون به ، واستهينوا بها ولا توطنوها ، وأضروا بأنفسكم منها ، وإياكم والتنعم والتلهي والفاكهات ، فان في ذلك غفلة واغترار ، ألا إن الدنيا قد تنكرت وأدبرت واحلولت وآذنت بوداع ، ألا وإن الآخرة قد رحلت فأقبلت وأشرفت وآذنت باطلاع ، ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار ، ألا فلا تائب من خطيئة قبل يوم منيته ، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه وفقره ، جعلنا الله وإياكم ممن يخافه ويرجو ثوابه ألا إن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا ، وجعلكم له أهلا ، فاذكروا الله يذكركم ، وادعوه يستجب لكم ، وأدوا فطرتكم فإنها سنة نبيكم ، وفريضة واجبة من ربكم ، فليؤدها كل امرئ منكم عن نفسه وعن عياله كلهم ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم وحرهم ومملوكهم عن كل إنسان منهم صاعا من بر ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، وأطيعوا الله فيما فرض عليكم وأمركم به من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم وأطيعوا الله فيما نهاكم عنه من قذف المحصنة وإيتاء الفاحشة وشرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان وشهادة الزور والفرار من الزحف ، عصمنا الله وإياكم بالتقوى ، وجعل الآخرة خيرا لنا ولكم من الأولى ، إن أحسن الحديث وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله العزيز الحكيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قُلْ هُوَ اللهُ

٣٤٢

أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) ، ثم يجلس جلسة كجلسة العجلان ، ثم يقوم بالخطبة التي كتبناها في آخر خطبة يوم الجمعة بعد جلوسه وقيامه ».

وخطب عليه‌السلام في عيد الأضحى (١) فقال : « الله أكبر الله أكبر الله أكبر زنة عرشه، ورضى نفسه ، وعدد قطر سمائه وبحاره ، له الأسماء الحسنى ، والحمد لله حتى يرضى ، وهو العزيز الغفور ، الله أكبر الله أكبر كبيرا متكبرا ، وإلها متفززا ، ورحيما متحننا ، يعفو بعد القدرة ، ولا يقنط من رحمته إلا الضالون ، الله أكبر كبيرا ، ولا إله إلا الله كثيرا ، وسبحان الله حنانا قديرا ، والحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونشهد أن لا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله ، من يطع الله ورسوله لقد اهتدى وفاز فوزا عظيما ، ( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً ) بعيدا و ( خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً ) ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وكثرة ذكر الموت ، والزهد في الدنيا التي لم يمنع بها من كان فيها قبلكم ، ولن تبقى لأحد من بعدكم ، وسبيلكم فيها سبيل الماضين ، ألا ترون أنها قد تصرمت وآذنت بانقضاء ، وتنكر معروفها وأدبرت جذا ، فهي تخبر بالفناء ، وساكنها يحدا بالموت ، فقد أمر منها ما كان حلوا ، وكدر منها ما كان صفوا ، فلم يبق منها إلا سملة كسملة الإداوة ، وجرعة كجرعة الإناء ، ولو يتمززها الصديان لم تنقع غلته ، فأزمعوا عباد الله بالرحيل من هذه الدار المقدور على أهلها الزوال الممنوع أهلها من الحياة ، المذللة أنفسهم بالموت ، فما حي يطمع في البقاء ، ولا نفس إلا مذعنة بالمنون ، فلا يغلبنكم الأمل ، ولا يطل عليكم الأمد ، ولا تغتروا فيها بالآمال ، وتعبدوا الله أيام الحياة ، فو الله لو حننتم حنين الواله العجلان ، ودعوتم بمثل دعاء الأنام وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان ، وخرجتم إلى الله عز وجل عن الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده ، أو غفران سيئة أحصتها كتبته ، وحفظتها رسله لكان‌

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٢٨ ـ الرقم ١٤٨٧ المطبوع في النجف.

٣٤٣

قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه ، وأتخوف عليكم من أليم عقابه ، وبالله لو انماثت قلوبكم انمياثا ، وسالت عيونكم من رغبة اليه ورهبة منه دما ، ثم عمرتم في الدنيا ما كانت الدنيا باقية ما جزت أعمالكم لو لم تبقوا شيئا من جهدكم لنعمه العظام عليكم ، وهداه إياكم إلى الايمان ما كنتم لتستحقوا أبد الدهر ما الدهر قائم بأعمالكم جنته ولا رحمته ، ولكن برحمته ترحمون ، وبهداه تهتدون ، وبهما إلى جنته تصيرون ، جعلنا الله وإياكم برحمته من التائبين العابدين ، وإن هذا يوم حرمته عظيمة ، وبركته مأمولة ، والمغفرة فيه مرجوة ، فأكثروا ذكر الله تعالى ، واستغفروه وتوبوا إليه ، إنه هو التواب الرحيم ، ومن ضحى منكم بجذع من المعز فإنه لا يجزي عنه ، والجذع من الضأن يجزي ، ومن تمام الأضحية استشراف عينها وأذنها ، وإذا سلمت العين والأذن تمت الأضحية ، وإن كانت عضباء القرن أو تجر برجلها إلى المنسك فلا تجزي ، وإذا ضحيتم فكلوا وأطعموا وأهدوا واحمدوا الله على ما رزقكم ( مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) ، و ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) وأحسنوا العبادة وأقيموا الشهادة ، وارغبوا فيما كتب عليكم وفرض من الجهاد والحج والصيام ، فان ثواب ذلك عظيم لا ينفد ، وتركه وبال لا يبيد ، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وأخيفوا الظالم وانصروا المظلوم ، وخذوا على يد المريب ، وأحسنوا إلى النساء وما ملكت أيمانكم ، وأصدقوا الحديث وأدوا الأمانة ، وكونوا قوامين بالحق ، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور ، إن أحسن الحديث ذكر الله ، وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) ، ويقرأ قل ( أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ، أو ( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ) ، أو ( وَالْعَصْرِ ) ، وكان مما يدوم عليه ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، وكان إذا قرأ إحدى هذه السور جلس جلسة كجلسة العجلان ثم ينهض ، وهو عليه‌السلام كان‌

٣٤٤

أول من حفظ عليه الجلسة بين الخطبتين ، ثم يخطب بالخطبة التي كتبناها بعد يوم الجمعة». والجلوس بين الخطبتين مستحب عند أكثر أهل العلم كما في المعتبر ، قال : روى ذلك محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « الصلاة قبل الخطبتين يخطب قائما ويجلس بينهما» ‌وهو كما ترى غير دال على الندب ، نعم ما سمعته في مرسل الفقيه من قوله : « وهو أول » إلى آخره يشعر بعدم معروفية الجلسة بينهما قبله.

وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله مساواة العيدين للجمعة في جميع هذه الأمور والظاهر أن منها أنهما لا تجبان على من لم تجب عليه الجمعة بلا خلاف معتد به أجده فيه ، كما اعترف به في الرياض حاكيا له عن الذخيرة ، بل فيه أيضا أنه حكى فيها كغيره التصريح بالإجماع عليه عن الخلاف والتذكرة ، وفي المحكي عن المنتهى الذكورة والعقل والحرية والحضور شروط فيها ، ولا نعرف فيه خلافا ، وقد سمعت معقد إجماع الخلاف على أن النصوص مستفيضة في سقوطها عن المسافر والمرأة والمريض ، ولا قائل بالفصل ، وفي المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٢) « ان صلاة العيد مثل صلاة الجمعة واجبة إلا على خمسة : المريض والمملوك والصبي والمسافر والمرأة » ‌قيل : وهو ظاهر بل نص في المطلوب بتمامه وإن أوهم في بادئ النظر من حيث مفهوم العدد خلافه ، كبعض الصحاح المتقدمة في الجمعة ، لكن يجري فيه التوجيه لإدراج من عدا الخمسة فيهم بنحو ما مرت فيه الإشارة ، وهو جيد على تقدير حجيته.

لكن في‌ صحيح سعد بن سعد (٣) أنه سأل الرضا عليه‌السلام « عن المسافر إلى مكة وغيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر والأضحى؟ قال : نعم إلا بمنى يوم النحر » ‌

__________________

(١) المعتبر ـ ص ٢١٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣.

٣٤٥

ويمكن إرادة الندب منه ، كالمروي عن‌ قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (١) أنه سأل أخاه عليه‌السلام « عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال؟ قال : نعم » ‌وفي الذكرى‌ روى أبو إسحاق إبراهيم الثقفي (٢) في كتابه بإسناده عن علي عليه‌السلام أنه قال : « لا تحبسوا النساء عن الخروج إلى العيدين فهو عليهن واجب » ‌بعد إرادة العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء فيه ، قال في المحكي عن المبسوط والسرائر : « لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء في صلاة الأعياد ليشهدن الصلاة ، ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن والجمال » قيل : ونحو منهما الإصباح ، وهو ظاهر المهذب ، ولا ينافيه‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٣) : « إنما رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء العواتق في الخروج للعيدين للتعرض للرزق » ‌إذ هو ظاهر أو نص في أن الرخصة لم تكن للخروج للصلاة ، لكن عن أبي علي « يخرج إليها النساء العواتق والعجائز » بل في الذكرى « أنه نقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدمائنا » وعلى كل حال فالظاهر استحباب صلاة العيدين لمن سقط عنه حضورها ، وفي المدارك نسبته إلى الأصحاب ، وقد عرفت حمل الصحيح (٤) وخبر قرب الاسناد (٥) عليه ، كما أنك ستسمع خبر منصور (٦) ولا قائل بالفرق ، والله أعلم.

وكيف كان فـ تجب جماعة مع الإمام أو منصوبه بلا خلاف أجده فيه ، بل بالإجماع صرح بعضهم ، مضافا إلى ما سمعت سابقا مما دل على اشتراطها بما اشترط‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٦ ـ ٥ ـ ١ ـ ٦

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣.

٣٤٦

في الجمعة ، وإلى‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « ولا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع إمام عادل » ‌وغيره من المعتبرة (٢) المستفيضة النافية للصلاة إلا مع إمام فلا يجوز التخلف إلا مع العذر المسوغ لذلك فيجوز حينئذ أن يصلي منفردا ندبا وكذا لو اختلت باقي الشرائط سقط الوجوب واستحب الإتيان بها جماعة ومرادي وبذلك افترقت عن الجمعة ، قال الصادق عليه‌السلام في موثق ابن سنان (٣) : « من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد ، وليصل في بيته وحده كما يصلي في جماعة » ‌وفي‌ خبر منصور (٤) « مرض أبي عليه‌السلام يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى » ‌إلى غير ذلك مما دل على مشروعية الصلاة له إذا فاتت الجماعة.

نعم يسقط عنه الوجوب بذلك قطعا لاشتراطه كما عرفت بالجماعة المخصوصة فينتفي بانتفائه ، وبه يحمل الأمر بها على الندب ، كصحيح الحلبي (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى عليه صلاة وحده فقال : نعم » ‌ولا يتعين عليه صلاة أربع ركعات وإن رواه‌ أبو البختري (٦) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا » ‌وقد حمله الشيخ فيما حكي عنه على الجواز والتخيير بين ركعتين كصلاة العيد وبين أربع كيف شاء ، وإن الأول أفضل.

وعلى كل حال فما عن العماني والمقنع ـ من المنع عن فعلها حينئذ مطلقا أو خصوص الانفراد على اختلاف النقل كاختلافه في خصوص فوت الجماعة أو عدم شي‌ء من الشرائط ـ في غاية الضعف وإن كان قد يشهد لهما‌ صحيح ابن مسلم (٧) سأل أحدهما‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ـ ١ ـ ٠ ـ

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٣ ـ ٢

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٤.

٣٤٧

عليهما‌السلام « عن الصلاة يوم الفطر والأضحى قال : ليس صلاة إلا مع إمام » ‌وما شابهه من النصوص المستفيضة الدالة على نفي الصلاة بدون الامام بناء على إرادة المعصوم أو نائبه منه ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر هارون بن حمزة الغنوي (١) : « الخروج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها ، قال : أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلي في بيته؟ قال : لا » ‌لكن يمكن إرادة نفي الوجوب من ذلك كله لا المشروعية ، بل هو متعين للجمع بينهما وبين ما سمعت من النصوص السابقة.

ثم إنه قد يتوهم من ظاهر المتن تعين الانفراد عليه ، وأنه لا يجوز لمن فاتته جماعة الوجوب الصلاة جماعة ندبا ، لكن الظاهر الجواز كمختل الشرائط على الأصح ، بل هو المشهور بين المتأخرين ، بل في الرياض أن عليه عامتهم ، بل قد يظهر من الحلي والراوندي الإجماع عليه كما ستعرف ، مضافا إلى‌ المروي في الإقبال (٢) عن محمد بن أبي قرة بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام أنه سئل « عن صلاة الأضحى والفطر فقال : صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة » ‌و‌مرسل ابن المغيرة (٣) عن بعض أصحابنا قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الفطر والأضحى فقال : صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة» ‌خلافا لظاهر المحكي عن المقنعة والتهذيب والمبسوط والناصرية وجمل العلم والعمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والجمل والعقود ، فلا يجوز إلا فرادى وعن الحلبي « أنه إن اختل شرط من شرائطها سقط فرض الصلاة ، وقبح الجمع فيها مع الاختلال ، وكان كل مكلف مندوبا إلى هذه الصلاة في منزله ، والإصحار بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٤٨

أفضل » وظاهره المنع أيضا ، وفي الرياض « أنه قواه من فضلاء المعاصرين جماعة » قلت : ولعله لموثق عمار (١) سأل الصادق عليه‌السلام « هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو البيت؟ فقال : لا يؤم بهن ولا يخرجن » وموثق سماعة (٢) المتقدم سابقا الذي أعرض فيه عما سأله عنه من الصلاة بهم جماعة حيث لا إمام وأجاب ببيان وقت الذبح ، وأردفه بقوله عليه‌السلام : « وإن صليت وحدك فلا بأس » ‌وللأمر بالوحدة فيما تقدم من‌المعتبرة (٣) « إذا فاتت الجماعة » ‌ولأنها حينئذ نافلة فلا تشرع الجماعة فيها ، ولأنه مقتضى الجمع بين ما دل على نفي الصلاة بلا إمام وبين ما دل على جوازها بدونه مما سمعت بحمل الأولى على إرادة نفيها جماعة من دون إمام الأصل أو منصوبه ، والثانية على الجواز فرادى ، وفيه أن الأول محتمل لإرادة بيان عدم تأكد صلاة العيد للأهل كما يومي اليه‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « ولا يخرجن » ‌أو محمول على وجوب خروج الرجل للصلاة لا من حيث عدم مشروعية الجماعة فيها ، والثاني ظاهر في الجواز ، فهو شاهد للمشروعية لا للعدم ، والأمر بالوحدة يراد منه ما يشمل جماعة غير إمام الأصل ومنصوبه كما هو المنساق في المقام ، بل مر نظيره في أخبار الجمعة ، لا أن المراد منه المنفرد المقابل لمطلق الجماعة ، بل لعل ذلك مراد من نسب إلى ظاهره المنع ممن تقدم من الأصحاب عدا الحلبي ، كما يومي اليه ما في المقنعة التي هي من جملة من نسب إليها المنع ، قال في كتاب الصلاة منها باب صلاة العيدين : « وهذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام ، سنة على الانفراد عند عدم حضور الإمام ، فإذا كان يوم العيد بعد طلوع الفجر اغتسلت ولبست أطهر ثيابك‌

__________________

(١) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة العيد.

٣٤٩

وتطيبت ومضيت إلى مجمع الناس من البلدة لصلاة العيد ـ إلى أن قال ـ : ومن فاتته صلاة العيدين في جماعة صلاها وحده كما يصلي في الجماعة ندبا مستحبا ـ ثم قال ـ : ولا بأس أن تصلي العيدين في بيتك عند عدم أمامها أو لعارض مع وجوده » إلى غير ذلك من العبارات التي يتوهم منها ما نسب إليها ، لكنه قال في باب الأمر بالمعروف منها : « وللفقهاء من شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس وصلوات الأعياد والاستسقاء والخسوف والكسوف إذا تمكنوا من ذلك وأمنوا فيه من معرة أهل الفساد » إلى آخره ، ولعل غيره أيضا كذلك ، وكون صلاة العيد نافلة مع فقد الشرائط لا يمنع مشروعية الجماعة فيها بعد أن كانت فريضة بالأصل ، على أن ذلك لا يعارض الدليل ، قال ابن إدريس فيما حكي عنه في الجواب عن هذا الأخير : بأن ذلك فيما لا يجب في وقت ، وهذه أصلها الوجوب ، وقال : وأيضا إجماع أصحابنا يدمر ما تعلق به ، وهو قولهم بأجمعهم يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا صلاة الأعياد ، وذكر أن مراد الأصحاب بفعلها على الانفراد انفرادها عن الشرائط لا يعدم الاجتماع ، وأنه اشتبه ذلك على الحلبي من قلة تأمله ، وهو حاصل ما ذكرناه ، لكن عن المختلف أن تأويل ابن إدريس بعيد ، وفي كشف اللثام الأولى أن يقال : إنهم إنما أرادوا الفرق بينها وبين صلاة الجمعة باستحباب صلاتها منفردة بخلاف صلاة الجمعة كما هو نص المراسم ، واحتاجوا إلى ذلك إذ شبهوها بها في الوجوب إذا اجتمعت الشرائط ، قال : قال القطب الراوندي : من أصحابنا من يذكر الجماعة في صلاة العيد سنة بلا خطبتين ، ثم قال : قال القطب الراوندي : الإمامية يصلون هاتين الصلاتين جماعة وعملهم حجة ، قلت : يدل على أنه لا يراهم يصلونها إلا مستحبين لها ، وفي المحكي عن المختلف بعد أن قوى القول بالمنع قال : إلا أن فعل الأصحاب في زماننا الجميع فيها.

قلت : مضافا إلى ما عرفت من عدم تحقق الخلاف إلا من الحلبي ، وهو نادر ،

٣٥٠

فلا وجه حينئذ بعد ذلك كله للمناقشة في المشهور بانحصار دليله في الخبرين (١) السابقين الذين هما بعد الإغماض عن سندهما غير واضحي الدلالة ، لقرب احتمال كون المراد بهما بيان أن صلاة العيدين ركعتان مطلقا صليت وجوبا في جماعة أو ندبا في غيرها ردا على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الامام ، مع أن التخيير المستفاد من إطلاقهما لو لم نقل بأن المراد بهما هذا مخالف للإجماع ، لانعقاده على اختصاصه على تقديره بصورة فقد الشرائط ، وإلا فمع اجتماعها تجب جماعة إجماعا ، فلا بد فيه من مخالفة للظاهر وهي كما يحتمل أن تكون ما ذكر كذا يحتمل أن تكون ما ذكرنا ، بل لعله أولى ، للنصوص المتقدمة الظاهرة في اعتبار الانفراد ، وعلى تقدير التساوي فهو موجب للتساقط فتجويز الجماعة في هذه الصلاة المندوبة في مفروض المسألة يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة ، بل إطلاق الأدلة على المنع عن الجماعة في النافلة أقوى حجة ، ودعوى الاختصاص بغير هذه ممنوعة ، إذ قد عرفت عدم انحصار الدليل فيهما ، كما أنه لا مجال للاحتمال المزبور بعد اعتضادهما بما سمعت ، وأن احتمال إرادة عدم الجماعة المخصوصة من الوحدة والانفراد لا مطلق الجماعة أولى من ذلك الاحتمال فيهما من وجوه ، وأن النفل العارضي لا يمنع الجماعة المشروعية بالأصل فيها كالفريضة المعادة احتياطا ، والله هو العالم بحقائق أحكامه.

وكيف كان فـ وقتها أي صلاة العيدين ما بين طلوع الشمس إلى الزوال على المشهور بين الأصحاب ، بل عن النهاية والتذكرة وجامع المقاصد الإجماع عليه ، كما عن المنتهى الإجماع على الفوات بالزوال ، وهو الحجة في الأخير ، مضافا إلى‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح محمد بن قيس (٢) : « إذا شهد عند الامام شاهدان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٤ والباب ٥ منها الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٥١

أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس ، فان شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد ، فصلى بهم » ‌ضرورة ظهور الجزء الأول من الشرطية بقرينة الثاني في الصلاة قبل الزوال ، وإلا للغى التفصيل كما هو واضح ، وعليه يحمل‌ مرفوع محمد بن أحمد (١) « إذا أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا وليخرجوا من الغد أول النهار إلى عيدهم » ‌لا طلاقه وتقييد الأول ، وأما‌ المروي عن دعائم الإسلام (٢) عن علي عليه‌السلام « في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى مضى وقت صلاة العيدين أول النهار فيشهد شهود عدول أنهم رأوا من ليلتهم الماضية قال : يفطرون ويخرجون من غد ، فيصلون صلاة العيد أول النهار » ‌فبعد الإغماض عن سنده مطرح ، لما تعرفه من عدم القضاء لهذه الصلاة ، ودعوى أن الاستدلال به من حيث التوقيت فيه بالأول وإن لم نقل بالقضاء يدفعها بعد الإغضاء عما فيها أنه يمكن حمل أول النهار فيه على ما قبل الزوال بقرينة ما مر من النص والإجماع ، فتوهم بعض الناس اختصاصه بالصدر غلط واضح قطعا ، خصوصا بعد ملاحظة الاستصحاب والإطلاق الذي فيه إضافة الصلاة إلى هذا اليوم المقتصر في تقييدهما على المتيقن بالإجماع ونحوه ، وأما أوله فهو وإن كان مقتضى الإضافة المزبورة المشروعية من طلوع الفجر بناء على أنه مبدأ اليوم ، إلا أن الإجماع السابق في الكتب السابقة أخرج عن ذلك ، مضافا إلى معلومية استحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس الذي قد يومي إلى عدم المشروعية فيه ، وإلى‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « ليس في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥.

٣٥٢

يوم الفطر ولا يوم الأضحى أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا » ‌ضرورة ظهور تنزيل الطلوع منزلة الأذان في مشروعية الفعل منه ، لأنه إعلام بدخول الوقت ، وقد يكون الخروج مستحبا ، فما في كشف اللثام من أن الشرطية قرينة على أن الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها ضعيف جدا ، سيما مع اختلاف زمان الخروج باختلاف المكان الذي يخرج اليه قربا وبعدا ، فلا يراد التوقيت له بذلك قطعا ، وإلا لجهل بسبب اختلاف زمانه أول وقت الصلاة ، بل لعل هذا الإجمال في وقت الخروج أكمل شاهد على إرادة دخول الوقت من ذلك ، وأن الأمر بالخروج لمعروفية الاجتماع لذلك في ذلك الزمان في الأمكنة المخصوصة.

ومنه يظهر دلالة‌ خبر زرارة (١) المروي عن الإقبال « لا تخرج من بيتك إلا بعد طلوع الشمس » ‌على المطلوب ، و‌قول الصادق عليه‌السلام فيما أسنده فيه عن أبي بصير المرادي (٢) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج بعد طلوع الشمس » وقول ياسر الخادم (٣) في حديث صلاة الرضا عليه‌السلام بمرو : « فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم » ‌فما عن النهاية والاقتصاد والمبسوط والكافي والغنية والوسيلة والإصباح وموضع من السرائر من أن وقتها انبساط الشمس لهذه النصوص لا ريب في ضعفه ، نعم في‌ موثق سماعة (٤) أنه سأل الصادق عليه‌السلام « متى يذبح؟ فقال :إذا انصرف الامام ، قال : إذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال : إذا استقلت الشمس » ‌وهو ـ مع احتماله لإرادة توقيت الذبح ، وظهوره على هذا التقدير في الفرق بين صلاة الامام وغيره مما لم يقل به أحد ـ قاصر عن معارضة ما عرفت من‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ ـ ١

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٦.

٣٥٣

وجوه ، على أنه يمكن أن يكون ذلك وقتا للفضل ، بل هو محتمل في كلام من عرفت ، قال القاضي في المحكي عنه من شرح فضل الأوقات من جمل العلم والعمل : إن وقتها ارتفاع الشمس ، ثم ذكر هنا وأما وقت هذه الصلاة فقدمناه فيما تقدم ذكره ، والذي ذكره أنه من طلوع الشمس إلى الزوال جائز ، ولعل غيره كذلك أيضا ، أو يكون مرادهم بيان الغالب فيما لو أريد الخروج إلى الجبانة ونحوها ، لا أن ذلك وقت مطلقا ، أو أن المراد من الانبساط ما يتحقق به طلوع الشمس ، ولذا قال في الذكرى بعد نقل القولين : وهما متقاربان.

وعلى كل حال فالخلاف من أصله غير متحقق ، كما أن المحكي عن الحسن من أن الوقت بعد طلوع الشمس ليس خلافا قطعا ، بل لعل ما في المقنعة أيضا كذلك أيضا ، قال : « فإذا كان بعد طلوع الفجر اغتسلت ولبست أطهر ثيابك وتطيبت ومضيت إلى مجمع الناس من البلد لصلاة العيد ، فإذا طلعت الشمس فاصبر هنيئة ثم قم إلى صلاتك » وفي كشف اللثام أنه قد يعطي المبادرة إليها قبل الانبساط ، لكن ما ذكره من الخروج قبل طلوعها وإن كان مما وافقه عليه الشيخ الطبرسي في المحكي عن ظاهر جوامع الجامع إذ قال : كان الطرقات في أيام السلف وقت السحر ، وبعد الفجر مغتصة ( معتضة خ ل ) بالمبكرين يوم الجمعة يمشون بالسرج ، وقيل أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة ، لكن يخالفه ما سمعته من الأخبار واستحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ، بل في الخلاف الإجماع على أن وقت الخروج بعد طلوع الشمس ، ونسبة التكبير إلى الشافعي ، هذا.

وفي المدارك أنه يستحب تأخير صلاة العيد في الفطر شيئا على الأضحى بإجماع العلماء ، لاستحباب الإفطار في الفطر قبل خروجه بخلاف الأضحى ، فإن الأفضل أن يكون إفطاره على شي‌ء مما يضحى به بعد الصلاة ، ولأن الأفضل إخراج الفطرة قبل‌

٣٥٤

الصلاة ، فاستحب تأخير الصلاة ليتسع الوقت لذلك ، وفي الأضحى تقديمها ليضحي بعدها ، فان وقتها بعد الصلاة ، والله أعلم.

وعلى كل حال لو فاتت لم تقض على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا سواء كانت واجبة أو مندوبة ، وفواتها عمدا كان أو نسيانا ، للأصل المعتضد بقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة وحسنه (١) : « من لم يصل مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ، ولا قضاء عليه » ‌السالم عن معارضة (٢) ‌« عموم من فاتته » ‌بعد تنزيله بالإجماع وغيره على اليومية أو على غيرها ، وصحيح محمد بن قيس (٣) ومرفوع محمد بن أحمد (٤) وخبر الدعائم (٥) المتقدمة سابقا التي اغتر بها جماعة من متأخري المتأخرين فمالوا إلى القول بمضمونها ـ مع أنها موافقة لما روته العامة (٦) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من أن ركبا شهدوا عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن يفطروا ، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم » ‌بل للمحكي عن الأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد ، ولذا حكي عن بعضهم حملها على التقية ، وفي كشف اللثام في الخبر الأول وكأنه حكاية لما يفعله العامة ، وفي الثاني أن الأمر بالخروج به للتقية ، على أن ظاهرها الأداء كما هو المحكي عن الشافعي لا القضاء ـ قد أعرض عنها الأصحاب ولم نعرف عاملا بها سوى ما يحكى عن ابن الجنيد ، وهو نادر يمكن دعوى الإجماع على خلافه ، بل قد حكي دعواه ، بل في الخلاف دعواه صريحا.

نعم في المقنعة « من أدرك الامام وهو يخطب فيجلس حتى يفرغ من خطبته ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٢

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٦) سنن البيهقي ج ٣ ص ٣١٦.

٣٥٥

يقوم فيصلي القضاء » وفي الوسيلة « إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل إلى الخطبة وجلس مستمعا لها » ويمكن إرادة الأداء من القضاء فيهما ، كما أنه يمكن إرادة ما قبل الزوال من‌ خبر زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام الموافق للمحكي عن الشافعي « قلت له : أدركت الامام على الخطبة قال : تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم يقوم فيصلي » ‌بل هو محتمل في المحكي عن ابن إدريس « ليس على من فاتته صلاة العيدين قضاء وإن استجب له أن يأتي بها منفردا » وأبي علي « من فاتته ولحق الخطبتين صلاها أربعا كالجمعة مفصولات » نحو المحكي عن علي بن بابويه إلا أنه قال : « يصليها بتسليمة » وفي المحكي عن التهذيب « من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء ويجوز له أن يصلي إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا من غير أن يقصد بهما القضاء » لكن لم أقف على مستند لأصل القضاء فضلا عن الأربع سوى‌ المرسل (٢) « من فاتته صلاة العيدين فليصل أربعا » ‌وهي غير منطبقة على ما سمعته من ابن إدريس ولا على الأخيرين ، لعدم التقييد بلحوق الخطبتين وعدم دلالتها على التسليمة أو التسليمتين وإن كان الظاهر الأول ، ولا على ما عن التهذيب ، لعدم التخيير فيها ، اللهم إلا أن يكون وجه جمع بينه وبين غيره ، مع احتمال هذه الأربع نافلة يستحب فعلها لمن فاتته ، فعن‌ ثواب الأعمال مسندا عن سليمان (٣) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صلى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن سبح اسم ربك الأعلى فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله ، وفي الركعة الثانية والشمس وضحاها فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس ، وفي الثالثة والضحى فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين ودهنهم ونظفهم ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ وهو خبر أبي البختري.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ وهو عن سلمان الفارسي.

٣٥٦

الرابعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة مستدبرة ».

لكن عن الصدوق « هذا لمن كان إمامه مخالفا فيصلي معه تقية ثم يصلي أربع ركعات للعيد ، فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه وإن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي حتى تزول الشمس » وفي كشف اللثام « يمكن عند التقية أن يكون نافلة ، وعند عدمها أن تصلى بعد الزوال » وفيه أيضا عن الهداية « وإن صليت بغير خطبة صليت أربعا بتسليمة واحدة » ونحوه عبارة أبيه ، واستدل لهما في المختلف على وحدة التسليم بأصل البراءة من التسليم وتكبير الافتتاح ، ولأبي علي بما‌ روي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من أن صلاة النهار مثنى مثنى » ‌خرجت الفرائض اليومية بالإجماع وبقي الباقي ، والجميع كما ترى.

وقد ظهر من ذلك كله أن استحباب القضاء الذي يتسامح فيه غير ثابت فضلا عن وجوبه ، كما هو صريح جماعة وظاهر أخرى ، نعم قد يقال بالندب في خصوص الثبوت بعد الزوال للأخبار المزبورة المعتضدة بقاعدة التسامح ، بل قبل : إن ظاهر الكليني العمل بها ، والأمر سهل.

وأما كيفيتها فقد عرفت أنها عند المشهور ركعتان على كل حال صليت جماعة أو فرادى ، فما في كشف اللثام ، عن علي بن بابويه من أنها عند اختلال الشرائط أربع بتسليمة ، وأبي علي بتسليمتين ، والشيخ التخيير للمنفرد بين الأربع والثنتين في غاية الضعف لا دليل عليه سوى ما سمعته سابقا على الحكاية السابقة عنهم من المرسل ونحوه ، وصورتهما أن يكبر للإحرام ثم يقرأ الحمد بلا خلاف أجده فيهما نصا وفتوى هنا ، مضافا إلى ما دل على نفي الصلاة بدون الفاتحة وأما السورة ففي‌

__________________

(١) سنن أبي داود ج ١ ص ٢٩٦.

٣٥٧

كشف اللثام أنه يأتي فيها الخلاف السابق ، قلت : لكن لم أجد هنا في شي‌ء من نصوص المقام وفتاواه ما يشهد للعدم ، بل ظاهر هما معا الوجوب ، بل في المدارك عن التذكرة إجماع الأصحاب على وجوب قراءة السورة مع الحمد وأنه لا يتعين سورة مخصوصة قلت ولكن اختلفوا في الأفضل ففي المتن أن يقرأ الأعلى في الأولى والغاشية في الثانية ، وفي كشف اللثام لا أعرف ما استند اليه ، قلت : ولا من وافقه عليه سوى ما حكاه هو في المعتبر عن ابن أبي عقيل ، إذ المحكي عن النهاية والمبسوط والإصباح ومختصره والفقيه والهداية والمراسم والسرائر والجامع الأعلى في الأولى والشمس في الثانية ، واختاره في النافع والقواعد وغيرهما ، لخبري إسماعيل الجعفي (١) وأبي الصباح الكناني (٢) عن الصادقين عليهما‌السلام ، وعن جمل العلم والعمل وشرحه والمقنعة والمهذب والكافي والغنية والمختلف والمنتهى وغيرها أنه يقرأ في الأولى الشمس وفي الثانية الغاشية ، بل في الخلاف أنه المستحب للإجماع وخبر معاوية بن عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، لكن هو في الكافي والتهذيب مضمر ، وقد يريد الإجماع على خلاف ما قاله الشافعي من قراءة « ق » في الأولى و « لقمان » في الثانية ، وإلا فمن المستبعد دعوى الإجماع في مقابلة من عرفت الذين من جملتهم هو في مبسوطة ونهايته ، وعن علي بن بابويه عكس ما في المتن ، وعن الحسن في الأولى الغاشية وفي الثانية الشمس وفي كشف اللثام أنه روي (٤) الوجهان عن الرضا عليه‌السلام في بعض الكتب ، قلت : وفي‌ صحيح جميل (٥) أنه سأله عليه‌السلام ما يقرأ فيها؟ فقال : « والشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما » ‌ولعل ذلك وجه جمع بين النصوص ،

__________________

(١) و (٣) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٠ ـ ٢ ـ ٤

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٤.

٣٥٨

وعلى كل حال فالخلاف في الأفضلية لا في أصل السورة ، والأمر سهل.

ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر الأشهر ، بل المشهور رواية وفتوى ، بل في الانتصار وظاهر الخلاف الإجماع عليه ، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن ابن الجنيد وظاهر الهداية من تقديم التكبيرات على القراءة ، نحو المحكي عن أبي حنيفة بل والشافعي وأحمد وإن زاد عليه بنحو ذلك في الركعة الثانية أيضا الذي من جهته حمل ما في‌ مضمر سماعة (١) « والتكبير ، في الركعة الأولى يكبر ستا ثم يقرأ ثم يكبر السابعة ثم يركع بها ، فتلك سبع تكبيرات ، ثم يقوم في الثانية فيقرأ ، فإذا فرغ من القراءة كبر أربعا ثم يكبر الخامسة ويركع بها » ‌و‌خبر إسماعيل بن سعد الأشعري (٢) عن الرضا عليه‌السلام « التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ، وفي الأخيرة خمس تكبيرات بعد القراءة » ‌و‌صحيح عبد الله بن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة ، وفي الأخيرة خمس بعد القراءة » ‌صحيح هشام (٤) عنه عليه‌السلام أيضا في صلاة العيدين ، قال : « تصل القراءة بالقراءة ، وقال : تبدأ بالتكبير في الأولى ثم تقرأ ثم تركع بالسابعة » ‌على التقية لإعراض الأصحاب عنها ، فلا تقاوم المشهور والمجمع عليه الذي رواه معاوية بن عمار (٥) ومحمد ابن مسلم (٦) وأبو بصير (٧) ويعقوب بن يقطين (٨) وإسماعيل الجعفي (٩) وغيرهم وما في المعتبر ـ من أن الحمل على التقية ليس بحسن ، فان ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه بعد أن ذكر في خطبته أنه لا يودعه إلا ما هو حجة له ، واختياره ابن الجنيد منا ، لكن الأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما بين الأصحاب بعد القراءة ـ كما ترى ، إذ ذكر ابن بابويه ذلك في كتابه بعد تسليم عدم عدوله عنه لا ينافي الحمل عليها وإن كان هو‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) و (٧) و (٨) و (٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٩ ـ ٢٠ ـ ١٨ ـ ١٦ ـ ٢ ـ ١١ ـ ٧ ـ ٨ ـ ١٠

٣٥٩

حجة عنده ، إذ قد يشتبه عليه الحال ، بل هو كثير كما لا يخفي على الخبير الممارس ، فالحمل على التقية لا ريب أنه متجه وأولى مما حكي عن المختلف من أنه لا خلاف في أن السابعة بعد القراءة ، لأنها للركوع ، وإذا احتمل الواحدة احتمل غيرها ، وهو أن يقضيها قبل القراءة ، فيحمل على تكبيرة الإحرام ، إذ هو مع أنه لا يتم في بعضها كما ترى ، ضرورة إمكان تغليب الأكثر على الأقل ، فيقال السبع قبل القراءة ويراد منه الست ، وأما إرادة الواحدة أي تكبيرة الإحرام منه فلا مجال لصحتها أصلا ، والله أعلم ومن الغرائب ما عن نسخة صحيحة من النفلية من أنه نقل عن ابن أبي عمير والمونسي الإجماع على تقديمه على القراءة في الأولى ، وعن نسخة أخرى مشروحة نقل ابن أبي عمير والمونسي الإجماع على تقديمه على القراءة في الأولى.

وعلى كل حال ثم يقنت بالمرسوم حتى يتم خمسا على المشهور في وجوب القنوت ، بل عن الانتصار الإجماع على وجوبه ، وهو الحجة بعد الأمر به ولو بالجملة الخبرية في بيان الكيفية في خبر علي بن أبي حمزة (١) ويعقوب بن يقطين (٢) وصحيح إسماعيل الجعفي (٣) وغيرها ، خلافا للخلاف والمصنف في المعتبر والكتاب فيما يأتي وابن سعيد والفاضل في التحرير ، للأصل المؤيد يخلو بعض نصوص الكيفية (٤) عنه ، وعدم نصوصية ما تعرض له فيها ، بل لم يعلم منها إرادة بيان الواجب من الصلاة من المندوب ، وخصوص‌ قوله عليه‌السلام في مضمر سماعة (٥) : « وينبغي أن يقنت بين كل تكبيرتين ، ويدعو الله » وفي بعض النسخ « وينبغي أن يتضرع » ‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣ ـ ٨ ـ ١٠ ـ٠ ـ

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٩.

٣٦٠