جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

سبيله وعبده حتى أتاه اليقين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما كثيرا ، أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه ، واليه يصير غدا معادها ، وبيده فناؤها وفناؤكم ، وتصرم أيامكم وفناء آجالكم وانقطاع مدتكم ، فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عن من كان قبلكم ، فاجعلوا عباد الله اجتهاد كم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل ، فإنها داره عمل ، والآخرة دار القرار والجزاء ، فتجافوا عنها ، فان المغتر من اغتر بها ، لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها أن تكونوا كما قال الله تعالى ( كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ ) الآية (١) مع أنه لم يصب امرئ منكم في هذه الدنيا خيره إلا أورثته غيره ، ولا يصبح فيها في جناح أمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة أو تغير نعمة أو زوال عافية ، مع أن الموت من وراء ذلك وهو المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل ، تجزى كل نفس بما عملت ، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، فاتقوا الله تعالى وسارعوا إلى رضوان الله ، والعمل بطاعته ، والتقرب اليه بكل ما فيه الرضا ، فإنه قريب مجيب ، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه ، وإن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى ( إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٢) أستعيذه بالله من الشيطان الرجيم ، ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) ـ ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وتحنن على‌

__________________

(١) سورة يونس عليه‌السلام ـ الآية ٢٥.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٢٠٣.

(٣) سورة الأحزاب ـ الآية ٥٦.

٢٢١

محمد وآل محمد ، وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة ، اللهم اجعل محمدا وآل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفا يوم القيامة ، وأقربهم منك مقعدا ، وأوجههم عندك يوم القيامة جاها ، وأفضلهم عندك منزلة ونصيبا ، اللهم أعط محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشرف المقام وحباء السلام وشفاعة الإسلام ، اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكثين ولا نادمين ولا مبدلين إله الحق آمين ثم جلس قليلا ، ثم قام فقال : الحمد لله أحق من خشي وحمد ، وأفضل من اتقي وعبد ، وأولى من عظم ومجد ، نحمده لعظيم غنائه وجزيل عطائه وتظاهر نعمائه وحسن بلائه ، ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه ، ولا يهمد سناؤه ، ولا يوهن عراؤه ، ونعوذ بالله من سوء كل الريب وظلم الفتن ، ونستغفره من مكاسب الذنوب ، ونستعصمه من مساوي الأعمال ومكاره الآمال والهجوم في الأهوال ومشاركة أهل الريب والرضا بما يعمل الفجار في الأرض بغير الحق ، اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم تقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم وأدخل عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان ، واغفر للأحياء من المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك وصدقوا رسلك ، وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك واقتدوا بنبيك ، وسنوا سنتك ، وأحلوا حلالك ، وحرموا حرامك ، وخافوا عقابك ورجوا ثوابك ، ووالوا أوليائك ، وعادوا أعدائك ، اللهم اقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم ، وأدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين إله الحق آمين ».

والثانية (١) « الحمد لله الولي الحميد الحكيم المجيد الفعال لما يريد علام الغيوب ، وخالق الخلق ، ومنزل القطر ، ومدبر أمر الدنيا والآخرة ، ووارث السماوات والأرض‌

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٢٧٥ ـ الرقم ١٢٦٢ من طبعة النجف.

٢٢٢

الذي عظم شأنه ، فلا شي‌ء مثله ، تواضع كل شي‌ء لعظمته ، وذل كل شي‌ء لعزته ، واستسلم كل شي‌ء لقدرته ، وقر كل شي‌ء قراره لهيبته ، وخضع كل شي‌ء لملكته (١) وربوبيته الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه ، وأن تقوم الساعة إلا بأمره وأن يحدث في السماوات والأرض شي‌ء إلا بعلمه ، نحمده على ما كان ، ونستعينه من أمرنا على ما يكون ، ونستغفره ونستهديه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ملك الملوك ، وسيد السادات ، وجبار الأرض والسماوات ، القهار الكبير المتعال ، ذو الجلال والإكرام ، ديان يوم الدين ، رب آبائنا الأولين ، ونشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، أرسله بالحق داعيا إلى الحق ، وشاهدا على الخلق ، فبلغ رسالات ربه كما أمره لا متعديا ولا مقصرا ، وجاهد في الله أعداءه لا وانيا ولا ناكلا ونصح له في عباده صابرا محتسبا ، فقبضه الله اليه وقد رضي عمله ، وتقبل سعيه ، وغفر ذنبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه الأيام الخالية ، وبالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تكونوا تحبون تركها ، والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها ، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا فكأن قد قطعوه ، وأفضوا إلى علم فكأن قد بلغوه ، وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها ، وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه ، وطالب حثيث في الدنيا يحدوه حتى يفارقها ، فلا تتنافسوا في عز الدنيا وفخرها ، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها ، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها ، فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع ، وإن زينتها ونعيمها إلى زوال ، وإن ضرها وبؤسها إلى نفاد ، وكل مدة منها إلى منتهى وكل حي منها إلى فناء وبلاء ، أو ليس لكم في آثار الأولين وفي آبائكم الماضين معتبر‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية وفي هامشها « لملكوته » وفي الفقيه « لمملكته » والجميع بمعنى العز والسلطنة.

٢٢٣

وتبصرة إن كنتم تعقلون ، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون ، وإلى الخلف الباقين منكم لا يقفون قال الله تبارك وتعالى ( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (١) وقال ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ ) (٢) أولستم ترون إلى أهل الدنيا وهم يصبحون ويمسون على أحوال شتى ، فميت يبكي ، وآخر يعزى ، وصريع يتلوى ، وعائد ومعود ، وآخر بنفسه يجود ، وطالب الدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضين يمضي الباقي ، والحمد لله رب العالمين رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ، ورب العرش العظيم الذي يبقى ويفنى ما سواه ، واليه يؤول الخلق ويرجع الأمر ، ألا أن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا ، وهو سيد أيامكم ، وأفضل أعيادكم ، وقد أمركم الله في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره ، فلتعظم رغبتكم فيه ، ولتخلص نيتكم فيه ، وأكثروا فيه التضرع والدعاء ومسألة الرحمة والغفران ، فان الله عز وجل يستجيب لكل مؤمن دعاه ، ويورد النار من عصاه وكل مستكبر عن عبادته ، قال الله عز وجل ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) (٣) وفيه ساعة مباركة لا يسأل الله عبد مؤمن فيها شيئا إلا أعطاه ، والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين ، غفر الله لي ولكم سالف ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا ، وعصمنا وإياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا ، إن‌

__________________

(١) سورة الأنبياء (ع) ـ الآية ٩٥.

(٢) سورة آل عمران ـ الآية ١٨٢.

(٣) سورة المؤمن ـ الآية ٦٢.

٢٢٤

أحسن الحديث وأبلغ المواعظ كتاب الله عز وجل ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو الفتاح العليم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يبدأ بعد الحمد بقل هو الله أحد أو بقل يا أيها الكافرون أو بإذا زلزلت الأرض زلزالها أو بألهاكم التكاثر أو بالعصر ، وكان مما يدوم عليه قل هو الله أحد ، ثم يجلس جلسة خفيفة ، ثم يقوم فيقول : الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله وسلامه ومغفرته ورضوانه ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك صلاة نامية تامة زاكية ترفع بها درجته ، وتبين بها فضله ، وصل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ، ويجحدون آياتك ، ويكذبون رسلك ، اللهم خالف بين كلمتهم ، وألق الرعب في قلوبهم ، وأنزل عليهم رجزك ونقمتك وبأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين ، اللهم انصر جيوش المسلمين وسراياهم ومرابطيهم في مشارق الأرض ومغاربها إنك على كل شي‌ء قدير ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، اللهم اجعل التقوى زادهم ، والايمان والحكمة في قلوبهم ، وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم ، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم اليه ، إله الحق وخالق الخلق ، اللهم اغفر لمن توفي من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، ولمن هو لا حق بهم من بعدهم منهم ، إنك أنت العزيز الحكيم ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) اذكروا الله يذكركم فإنه ذاكر لمن ذكره ، واسألوا الله من رحمته وفضله فإنه لا يخيب عليه داع دعاه ، ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ».

__________________

(١) سورة النحل ـ الآية ٩٠.

٢٢٥

وكيف كان ففي المبسوط والنهاية والخلاف والمعتبر والذخيرة والكفاية والشافية والمنظومة على ما عن بعضها أنه يجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت بل ربما حكي عن الناهلي ، بل قيل : إنه يلوح أو يظهر من الآبي والشهيدين ، قلت : في ذكري أولهما بل في الخلاف الإجماع عليه ، بل في الأولين أنه ينبغي ، بل في الوسيلة يجب ، بل في كشف اللثام أنه يحتمله الإصباح والمهذب والمقنعة وفقه القرآن للراوندي ، قلت : لعل احتمالها إرادة الجواز أظهر خصوصا في مثل المقنعة التي هي نصب عين الشيخ ، مع أنه ادعى الإجماع كما عرفت ، وقيل والقائل المعظم في الذكرى ، والأشهر في التذكرة ، والمشهور فيما عن الروض لا يصح إلا بعد الزوال بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه ، وفي المحكي عن السرائر هو الذي تقتضيه أصول المذهب ، ويعضده الاعتبار والعمل في جميع الأعصار ، وحاشية المدارك للأستاذ الأكبر أنه الموافق لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، لأنهما بعد الأذان للصلاة كتابا (١) بل وسنة كخبر حريز عن ابن مسلم (٢) أنه سأله عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب » وموثق سماعة (٣) المتقدم ، ولا أذان للصلاة قبل وقتها ، وقد عرفت أن وقت هذه الصلاة الزوال ، كما عرفت سابقا أنه لا أذان قبل الوقت وإن جاز قبل الفجر أذان ، ولبدليتهما عن الركعتين ، ولتظافر النصوص (٤) باستحباب ركعتين عند الزوال أو الشك فيه قبل الفريضة ، ولا يكونان بين الخطبتين والصلاة اتفاقا فهما قبلهما ، وللاحتياط وللتأسي.لكن قد يمنع وجوب إيقاعهما بعد الأذان ، والآية غير دالة عليه قطعا ، بل‌

__________________

(١) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣ ـ ٢

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

٢٢٦

الظاهر الاتفاق على عدم الوجوب ، وبه يخرج عن ظاهر الخبرين المضمر أولهما ، بل جزم في الذخيرة بمنع عدم مشروعية الأذان هنا قبل الزوال وإن أطنب في الحدائق في رده ، كما أنه يمنع ظهور أدلة البدلية فيما يشمل ما نحن فيه ، والحكم بأنه في صلاة حالهما لعله لأنه لانتظار الصلاة ، ومن انتظرها كان بحكم المصلي كما صرح به في خبر العيون (١) واستحباب الركعتين بعد فرض تسليم الاتفاق المزبور يمكن تقييده بما إذا لم يخطب قبل الزوال ، بل ربما احتمل كونه ليس تقييدا ، وأنه بتقديم الخطبتين اختار الترك ، وعلى كل حال إنما يصلح ردا للقائل بوجوبه أو استحبابه في وجه لا جوازه ، فتأمل ، والاحتياط ليس بواجب عندنا ، والمروي في‌ صحيح ابن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام الذي قد يظهر من المقنعة شهرته أو معلوميته عكس ذلك ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظل الأول فيقول جبرائيل : يا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل ».

بل قد يظهر منه دلالة النصوص (٣) الموقتة لصلاة الجمعة أو الظهر يوم الجمعة بالزوال ، ضرورة كون المراد منها نفس الركعتين ، ولعله هذا قال المصنف : إنه أشهر في الروايات ، وتأويل الصلاة بها وما في معناها أعني الخطبة لكونها بدلا عن الركعتين خلاف الظاهر ، كتأويل ما في الصحيح (٤) بالتأهب لها كما في التذكرة ، وتأويل الظل الأول بأول الفي‌ء كما عن المنتهى ، وتأويله بما قبل المثل من الفي‌ء والزوال بالزوال عن المثل كما عن المختلف مع أن الأخير كما في الذكرى وكشف اللثام وغيرهما يستلزم إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها عنده ، قلت : إلا أن يأول الزوال بالقرب منه ، أو يريد مثل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

(٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

٢٢٧

الباقي من الظل الأول لا ذي الظل ، لكن على كل حال هو خلاف ظاهر الخبر المزبور إن لم يكن صريحه ، خصوصا ما فيه من إخبار جبرئيل عليه‌السلام ، ولا ينافيه ما في صدره من قدر الشرك ، إذ لعل زوال الشمس الذي هو ميلها عن دائرة نصف النهار لا يتحقق إلا بذلك ، والظاهر إرادة عرض الشراك ، إذ هو المناسب حينئذ لاخبار مثل جبرئيل بالزوال ، فتأمل.

وكيف كان فقد ظهر أن الأول أظهر وإن كان خلاف الأشهر ، خصوصا بعد اعتضاده بالإجماع المزبور ، اللهم إلا أن يقال : المراد من الصحيح أنه كان عليه‌السلام إذا أراد تطويل الخطبة للإنذار والإبشار والتبليغ والتذكير كان يشرع فيها قبل الزوال ولم ينوها خطبة الصلاة ، حتى إذا زالت الشمس كان بالواجب منها للصلاة ثم ينزل فيصلي وقد زالت بقدر شراك ، ولا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخر مقدماتها عنه ، بل هو من الشيوع بمكان ، وخصوصا الخطبة التي هي الجزء منها ، لكن لا داعي إلى شي‌ء من ذلك ، نعم لا ريب في عدم وجوب ذلك لمعارضة التأسي بما سمعت من الأدلة السابقة التي سيقت لنفي الجواز ، وقد عرفت ما فيه إلا أنه لا ينكر ظهورها في نفي الوجوب ، مضافا إلى إطلاق الأدلة ، والله أعلم.

والمشهور نقلا وتحصيلا أنه يجب أن تكون الخطبة مقدمة على الصلاة شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الإجماع معها ، بل في كشف اللثام استظهار دعواه ، كما في المحكي عن المنتهى نفي العلم بالمخالف فيه ، بل عن مجمع البرهان نفي الخلاف للسيرة القطعية والتأسي بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعلوم بالنصوص (١) والسيرة القطعية على وجه يقتضي الوجوب ، مضافا إلى مضمر ابن مسلم وموثق سماعة المتقدمين وغيرهما من النصوص المشتملة على بيان الكيفية التي هي إن لم تدل على الشرطية فلا ريب في استفادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة والمستدرك الباب ١٣ منها.

٢٢٨

كون المعروف منها ذلك بحيث تنصرف إليه الإطلاقات ، فلا مقتضي حينئذ لصحة غيره.ومن العجيب اعتبار الصدوق في الفقيه والمقنع والهداية والعيون والعلل تأخيرهما في الصحة‌ مرسلا (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان » ‌وعليه نزل نصوص التقديم ، وهو من العجائب ، ويمكن كون أصل الخبر قدم الصلاة على الخطبة أو العيد بدل الجمعة كما هو المعروف بدعته فيه ، أو كان العيد يوم الجمعة فعبر به عنه أو غير ذلك مما لا ينكر ارتكابه في مثل الخبر المزبور ، لشذوذه ومخالفته المعلوم من المذهب بل الضروري منه بل من الدين.

بل قد عرفت أن الواجب التقديم فضلا عن الجواز وأنه شرط مع ذلك فلو بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة لما سمعته ، وما عن بعض متأخري المتأخرين من التوقف في الشرطية أو فيها وفي الوجوب إن لم يكن إجماعا في غير محله قطعا ، بل لا فرق كما في جامع المقاصد بين العامد والناسي ، نعم قد يقال بالاجتزاء خصوصا في الناسي بإعادة الصلاة فقط بعد الخطبتين مع بقاء الوقت ، ضرورة حصول الترتيب به ، مع أنه يمكن منعه في العامد المشرع في ابتداء النية ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ويجب أن يكون الخطيب قائما وقت إيراده مع القدرة إجماعا في الخلاف والتذكرة وجامع المقاصد والغرية وإرشاد الجعفرية والروض وظاهر كشف الحق والمدارك على ما عن بعضها إن لم يكن محصلا ، واستدل عليه جماعة ي‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « إن أول من خطب وهو جالس معاوية ـ إلى أن قال ـ : الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل بين الخطبتين » ‌وفيه نظر ، والأولى الاستدلال عليه بالبدلية عن الركعتين ، وبإطلاق الأمر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٢٩

بالقيام في موثق سماعة ومضمر ابن مسلم السابقين وغيرهما ، وبإطلاق الأمر بالجلوس بين الخطبتين في صحيح عمر بن يزيد (١) وغيره من النصوص ، إذ الأصل في الواجب كونه مطلقا ، ولا يتم حينئذ إلا بالقيام ، فيجب فيها جميعها ، لعدم القول بالفصل ، على أنه المنساق من الجلوس بينهما ، وب‌ خبر أبي بصير (٢) أنه سأل « عن الجمعة كيف يخطب الامام؟ قال : يخطب قائما ، إن الله يقول ( وَتَرَكُوكَ قائِماً ) » (٣) ‌بل قد يستفاد منه حينئذ هنا صحة الاستدلال على الوجوب بالتأسي ، ومن المعلوم أن فعله عليه‌السلام وفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام والحسن والصحابة القيام فيهما.

نعم قد يتوقف في وجوب الطمأنينة فيه وإن صرح جماعة به ، بل في الحدائق قالوا ، لكن دليلها منحصر في البدلية المزبورة ، وشمولها لنحو ذلك محل نظر ، ولم يثبت استدامة النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) عليها بل ربما كان الظن بخلافها إذا طالت الخطبة بالوعظ ونحوه.

أما مع العجز ولو بمستند فقد صرح جماعة بجواز الجلوس حينئذ ، بل هو المشهور على الظاهر بل قيل : إن ظاهر هم الإجماع عليه ، بل ربما ظهر ذلك أيضا من المدارك فيما تسمعه ، بل عن الشيخ نجيب الدين أن شيخه المدقق صاحب المعالم ادعى الإجماع على ذلك ، وكأنه كذلك مع تعذر الاستخلاف ، كما أنه الأقوى مطلقا ، لظهور ما دل على الشرطية في حال الاختيار ، فيبقى الإطلاق حينئذ سالما ، ولأنه قد يشعر به صحيح عمر بن يزيد (٤) السابق باعتبار عدم الإنكار فيه على معاوية ، وذكره حكم الخطبة في حال القيام الذي قد يشعر بأن لها حالا آخر غيره ، وهو ما حكاه عن معاوية ، ولأولوية الصلاة منهما في اعتبار القيام وقد قام الجلوس مقامه مع العجز ، بل مقتضى بدليتهما عن الركعتين‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ ـ ٣

(٣) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ وهو صحيح معاوية.

٢٣٠

الأخيرتين جريان ذلك فيهما ، بل يجري جميع ما عرفته في الصلاة من التجدد في الأثناء ومن قيام الاضطجاع ونحو ذلك فيهما ، اللهم إلا أن يفرق بأن اللازم هنا مراعاة بدليتهما عن ركعتي الإمام ، فلا يجوز حينئذ الجلوس فيهما ، بل يتعين حينئذ الاستخلاف ، ولعله لذا جعل الاستنابة أولى في المحكي عن نهاية الأحكام والموجز وكشفه وإن جوز فيها الجلوس ، وجامع المقاصد والغرية وإرشاد الجعفرية أحوط ، بل في التذكرة هل يجب الاستنابة حينئذ؟ إشكال ، لكن لا ريب أن الأقوى الأول لما عرفت ، مع عدم ثبوت البدلية على الوجه المزبور ، نعم لا ريب أن الاستخلاف أحوط لكن فيهما وفي الصلاة ، وإن كان الأقوى جوازه فيهما فقط مع الاضطرار ، لعدم ما يصلح للشرطية المقتضية لسقوط الجمعة وتقييد الإطلاقات ، أما مع الاختيار فيشك في حصول البراءة بعد ظهور موارد النصوص في الاتحاد ، فلا وثوق ولا اطمئنان بإرادة مثله من الإطلاق ، وليس ذا من التقييد كي ينافي ما سمعته حال الاضطرار ، كما أن ظهور المورد في النصوص في الاتحاد ليس تقييدا ليحمل عليه إطلاق غيرهما كما توهمه في الحدائق ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع في مقامات عديدة تقع من الأصحاب ، وربما شدد النكير عليهم غفلة عن حقيقة الحال في الإطلاقات وكيفية إفادتها.

وقد اعترف الفاضل في المحكي عن منتهاه هنا بظهور عبارات الأصحاب في اتحاد المتولي للخطبة والإمامة ، قال : « الذي يظهر من عبارات الأصحاب أن المتولي للخطبة هو الامام ، فلا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر ، ولم أقف فيه على نص صريح لهم ، لكن الأقرب ذلك إلا لضرورة » وقال في الذكرى : « لو غاير الامام الخطيب ففي الجواز نظر ، من مخالفته لما عليه السلف ، ومن انفصال كل عن الأخرى ، ولأن غاية الخطبتين أن يكونا كركعتين ، ويجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة ، وذهب الراوندي في أحكام القرآن إلى الأول ، ولعله الأقرب إلا لضرورة » وكأنه أشار‌

٢٣١

بالوجه الثاني من النظر إلى ما عن نهاية الفاضل من جواز التعدد ، وعن الجعفرية وإرشادها موافقته عليه ، وفي جامع المقاصد أن فيه قوة للأمرين المزبورين ، وفيه أن الانفصال أعم من جواز الاستخلاف ، كما أن عدمه أعم من عدم جوازه ، ضرورة إمكان القول به حتى على عدم الانفصال ، لعدم توجه الخطاب بالجمعة إلى واحد بخصوصه بل إلى مجموع العدد ، فالعمدة حينئذ في نفي الشرطية الإطلاقات التي عرفت ضعف التعويل عليها في الفرض ، خصوصا بعد ما سمعته من المنتهى ، وعن المصابيح أن المشهور المنع ، وجواز الاقتداء بإمامين في صلاة الجمعة يمكن منعه في الاختيار أيضا ، ولو سلم فهو الدليل بخصوصه لا لمثل هذه الإطلاقات التي لا يجسر في البراءة عن الشغل بها ، وأولى منه منعا التعدد في نفس الخطبة وإن كان مقتضى ما ذكروه من التعليل جوازه أيضا ، فتأمل جيدا ، هذا.

وفي المدارك أنه « لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاة من علم به من المأمومين ، أما من لم يعلم بحاله فقد قطع الأصحاب بصحة صلاته وإن رأوه جالسا ، بناء على الظاهر من أن قعوده للعجز وإن تجدد العلم بعد الصلاة كما لو بان أن الامام محدث ، وهو مشكل لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وخروج المحدث بنص خاص لا يقتضي إلحاق غيره به » ونحوه عن مصابيح الظلام ، قلت : يمكن أن يستفاد مما ورد في المحدث وغيره أن المعتبر في صحة صلاة المأموم صحة صلاة الإمام ظاهرا ، فلا يقدح حينئذ تبين فسادها بعد ذلك ، لاقتضاء الأمر الاجزاء ، وهو الأقوى ، واحتمال أن البطلان هنا لفوات الشرط بالنسبة إلى المأمومين لاعتبار صحة الخطبة في صلاتهم لا في صلاة الإمام خاصة يدفعه أن الظاهر عدم زيادة مدخليتها في صلاتهم عن مدخلية صلاته فيها ، فإذا اجتزي بالظاهر فيها ففي الخطبة بطريق أولى ، على أن اقتضاء الأمر الإجزاء هنا لا ينكر ،

٢٣٢

لظهور الأدلة في البناء على الظاهر هنا في كل ما يتعلق بالغير ، فمن الغريب عدم تمسك سيد المدارك به في المقام ، مع أن مذهبه في الاجزاء معلوم في تخيل الأمر ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكيف كان في جب الفصل بين الخطبتين بجلسة على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه ، كما أن في المحكي عن المنتهى « هو الظاهر من عبارات الأصحاب والأخبار » وكشف الرموز « أن كلام الأصحاب يدل على الوجوب » والرياض « الأشهر بل عليه عامة من تأخر مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحا بين الطائفة » قلت : ولعله كذلك إذ لم أجد إلا ما في النهاية وعن المهذب من أنه ينبغي ، وفي النافع وعن التنقيح التردد ، وأن الوجوب أحوط ، وفي المعتبر احتمال الاستحباب ، لأن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه للاستراحة ، ونحوه عن المنتهى ، لكن قد يريد الأولان الوجوب من اللفظ المزبور ، بل هو مراد الأول قطعا ، لأنه عطفه على معلوم الوجوب ، وعطف عليه ما هو كذلك فقال : وينبغي أن يخطب الخطبتين ويفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة ، والدليل غير منحصر بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كي يناقش فيه بما عرفت ، وبأنه أعم من الوجوب ، واشتراط التأسي بمعرفة الوجه وإدخاله في الكيفية ونحو ذلك مما يمكن دفعه ، بل هو الأمر به في النصوص المستفيضة التي تقدم شطر منها ، واحتمال إرادة مطلق الفصل من الجلوس فيها كما عساه يومي اليه صحيح معاوية (١) لا ينافي ظهور كونه بالجلوس من غيره ، فلا إشكال حينئذ في شرطيته فضلا عن وجوبه.

بل الظاهر المصنف وغيره وجوب أن تكون الجلسة خفيفة وهو كذلك إذا فات بالطول التوالي المعتبر الذي يمكن استفادته من النص والفتوى ، فتبطل الخطبة الماضية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

٢٣٣

حينئذ قطعا ، والتردد فيه من ثاني الشهيدين في المحكي عن روضة في غير محله ، بل قد يقال بوجوب الخفة وإن لم يفت الموالاة لظاهر صحيح معاوية في المقام وخبره في العيد (١) وصحيح محمد بن مسلم (٢) المشتمل على الخطبة وغيرها وإن اختلفت في التعبير بالقليل والهنيئة والخفيفة وقدر الفصل ونحو ذلك ، وفي حسن ابن مسلم (٣) تقديرها بمقدار قراءة قل هو الله أحد ، وظاهر جماعة حمله على الندب ، وهو كذلك ، لا جزاء الأقل وصدق الخفة بالأزيد ، وعلى كل حال فوجوب الخفة متجه ، لكن في الروض أنه لو أطالها بما لا يخل بالموالاة لم يضر ، وهو لا يخلو من وجه ، وفي وجوب الطمأنينة في هذا الجلوس ما سمعته في القيام وإن صرح به في المدارك أيضا ، كما أنه عن جماعة أنه لا يتكلم حاله ، للنهي عنه في الصحيح المزبور ، لكن المحتمل كما في المدارك وغيرها إرادة النهي عن التكلم بشي‌ء من الخطبة حاله ، وطريق الاحتياط غير خفي.

ولو عجز عن القعود فعن جماعة أنه يفصل بسكتة ، وفي التذكرة فإن قدر على الاضطجاع فإشكال ، أقربه الفصل بالسكتة أيضا مع احتمال الفضل بالضجعة ، قلت :

كان منشأه بدلية الاضطجاع عن الجلوس في الصلاة ، وهو كما ترى تخريج ، كما أنه قد يناقش في تعيين السكتة بأنه لا دليل عليه ، فالمتجه وجوب ما يحصل به الفصل به أو بغيره كما أومأ اليه صحيح معاوية المتقدم سابقا ، ومنه يعلم ما في المحكي عن المنتهى ونهاية الأحكام والموجز وكشفه والروض وغيرها من أنه لو خطب جالسا تعين الفصل بالسكتة ، وفي التذكرة احتمال الضجعة ، وضعفه في المدارك ، ونفاها في المحكي عن النهاية ، وقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة العبد ـ الحديث ١.

(٢) فروع الكافي ـ ج ١ ص ٤٢٢ من الطبع الحديث « باب تهيئة الإمام للجمعة وخطبته والإنصات » ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

٢٣٤

عرفت قوة كون المدار على ما يتحقق به الفصل ، والله أعلم.

وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد ينشأ من التأسي المعتضد بالعمل في سائر الأعصار كما عن نهاية الأحكام ، والاحتياط في البراءة عن الشغل اليقيني ، ووجوب الموالاة بينهما وبين الصلاة ، وكونهما ذكرا هو شرط في الصلاة ، وبدليتهما من الركعتين فيكونان بحكمهما ، ولوجوب الطهارة عند فعلهما بقدرهما فكذا في بدلهما ، و‌مرسل الفقيه (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « لا كلام والامام يخطب ، ولا التفات إلا كما يحل في الصلاة ، وإنما جعلت الجمعة ركعتين لأجل الخطبتين ، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة حتى ينزل الامام » ‌ورواه في كشف اللثام عن الصدوق « فهما » لكن لم نتحققه (٢) وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٣) « إنما جعلت الجمعة ركعتين لأجل الخطبتين ، فهي صلاة حتى ينزل الامام » ‌لعود الضمير عليهما وإن أفرد للمطابقة للخبر ، وتعذر الحقيقة يوجب إرادة المماثلة في الأحكام أو الظاهرة إلا ما أخرجه الدليل ، ومن الأصل بناء على جريانه في نحو ذلك ، والإطلاق ، وكونهما ذكرا ، وذكر الله حسن على كل حال ، مع ضعف ما تقدم كما ستعرف.

ومن هنا قال المصنف هنا وفي النافع والمعتبر الأشبه أنها غير شرط وفاقا للسرائر وكشف الرموز والقواعد والمختلف والتبصرة والذخيرة والشافية وظاهر تركه في النهاية والجملين والغنية والإشارة والمراسم على ما حكي عن بعضها لما عرفت ، وعدم وجوب التأسي فيما لم يعلم وجهه ووجود الإطلاقات ، والأمر بالصلاة كصلاته‌

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٢٦٩ ـ الرقم ٢٢٨ : من طبعة النجف.

(٢) روى في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ عن الفقيه والمقنع بلفظ « فهما صلاة » ولكن الموجود في الفقيه والمقنع « فهي صلاة ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

٢٣٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزل على كيفية نفس الصلاة ، والعمل بعد تسليمه أعم من الوجوب فضلا عن الشرطية ، والاحتياط معارض بأصالة البراءة حتى على القول بالوضع للصحيح في وجه ، على أن الإطلاق كاف ، مع أن التحقيق الوضع للأعم خصوصا في الفساد من جهة الشرط ، على أن الخطبة ليست عبادة في وجه ، وليست مجملة بل لا حقيقة شرعية فيها ، فيصح التمسك حينئذ بإطلاقها وإن كانت هي شرطا للصلاة الصحيحة المجملة لو قلنا به كما حقق ذلك كله في محله ، ووجوب الموالاة بعد تسليمه لا يدل على الشرطية ضرورة إمكان فرضها مع عدم الخلل بها فيما لو بقي من غسله مثلا جزء من جانبه الأيسر أو كان فرضه التيمم أو نحو ذلك مما لا تفوت به الموالاة ، واشتراط شرط الصلاة والمقدم عليها بالطهارة ممنوع وإن كان ذكرا ، كمنع اقتضاء البدلية ذلك ، والطهارة إنما تجب بقدر الركعتين عند فعلهما ، والمرسل غير حجة عندنا ، مع أنه يحتمل كالصحيح إرادة تنزيلهما منزلة الصلاة لنزولهما ( لتنزلهما خ ل ) منزلة الركعتين وحكم الصلاة في الثواب بالنسبة إلى الحاضرين ، كما كشفه‌ الرضا عليه‌السلام في المروي عنه (١) في العلل والعيون بسند معتبر قال : « إنما صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الامام ركعتين وإذا كانت بغير إمام ركعتين وركعتين لأن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد ، فأحب الله عز وجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا اليه ، ولأن الإمام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ، ومن انتظر الصلاة فهو في الصلاة ».وإرادة معاملة الحاضرين لهما معاملة الصلاة في التوجه وعدم الكلام كما أومأ إليه‌ أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما أرسله عنه في الدعائم (٢) قال : « يستقبل الناس الامام عند الخطبة بوجوههم ، ويصغون اليه ولا يتكلمون بل يستمعون فهم في الصلاة » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

(٢) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٢٠ المطبوعة بمصر عام ١٣٧٠.

٢٣٦

وربما كان في مرسل الفقيه (١) إيماء إلى ذلك أيضا ، بل يقوى الظن بقرينة ما سمعته من الخبرين (٢) أن الخبر (٣) والصحيح (٤) « فهم في صلاة حتى ينزل الامام » ‌والتحريف من النساخ.وحينئذ لا بد من إرادة ذلك ونحوه ، لأنه لا قائل باشتراط الطهارة بالنسبة إليهم كما اعترف به ثاني الشهيدين ، قال في المحكي من مسالكه : « ظاهر الأصحاب أنها :أي الطهارة مختصة بالخطيب دون المأمومين » والروض « لم أقف على قائل بوجوبها على المأموم » بل عن جماعة نقل ذلك عنه ساكتين عليه ، بل قد يناقش فيه على النسخة المزبورة أيضا بنحو ذلك ، ضرورة ظهور كون المراد بقرينة قوله : « حتى ينزل الامام » الحكم بكونها صلاة بالنسبة للمأمومين ، وقد عرفت عدم الاشتراط بالنسبة إليهم ، بل في كشف اللثام تبعا للمختلف احتمال كون الفاء تعليلية : أي قامت الخطبتان مقام الركعتين لأنهما صلاة : أي دعاء كما أنهما دعاه ، قال : « وحمل الصلاة على الدعاء الذي هو معناه الحقيقي لغة أولى من حملها على المجاز الشرعي الذي هو التشبيه بالصلاة » وإن كان قد يناقش فيه بأن الدعاء في لسان المتشرعة مجاز شرعي أيضا.

نعم قد يحتمل فيهما التشبيه في اقتضائهما وجوب الركعتين خاصة بقرينة التفريع فان قيامهما مقام ركعتين لا يستلزم أزيد من ذلك ، بل في المختلف « كما يحتمل عود الضمير إلى الخطبتين لمكان القرب كذا يحتمل عوده إلى الجمعة لأجل الوحدة ، وتكون الفائدة في التقييد بنزول الامام أن الجمعة إنما تكون صلاة معتدا بها مع الخطبة ، وإنما تحصل الخطبة بنزول الامام ، فالحكم بكونها صلاة إنما يتم مع نزول الامام » وأشكله‌

__________________

(١) و (٣) الفقيه ج ١ ص ٢٦٩ ـ الرقم ١٢٢٨ المطبوع في النجف.

(٢) المتقدمين في ص ٢٣٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

٢٣٧

الشهيد في المحكي عن غاية المراد بأن « حتى » للغاية ، ولا معنى للغاية هنا ، ولو قيل بأن « حتى » تعليلية مثل أسلمت حتى أدخل الجنة كان وجها ، وبأن الحكم على الجمعة بالصلاة تأكيد وعلى الخطبتين تأسيس ، والحمل عليه أولى ، وبأن صدر الحديث ظاهر في الحكم على الخطبتين لأنه تعليل لقصر الجمعة على الركعتين مع أنها بدل.

وفي كشف اللثام « قد توجه الغاية بكون المعنى فهي صلاة حتى ينزل ، ثم هي صلاة حتى يسلم ، أي صلاة الجمعة صلاة الظهر انقسمت قسمين ، فأحدهما الخطبتان والآخر الركعتان ، فإنما يدل على نزول الخطبتين منزلة الركعتين ، وهو لا يقتضي اشتراطهما بما يشترطان به ، وحينئذ يكون الأول تأسيسا أيضا ، ولا يخالف الظاهر » قلت : لكن لا ينطبق على ما ذكره المختلف من فائدة التقييد ، ضرورة ظهوره في كون القيد للجمعة على معنى أن فريضة الجمعة إلى نزول الامام تكون صلاة وقبله خطبتين ، إلا أن هذا لما كان من قبيل بيان الواضحات ذكر الفائدة المزبورة للتقييد المذكور التي مرجعها إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي العباس (١) : « لا جمعة إلا بخطبة ، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين » ‌وبه يندفع التأكيد ومخالفتة الظاهر ، ومن الغريب قوله : « ولو قيل » إلى آخره ، ضرورة عدم انطباق ما نحن فيه على ما ذكره من المثال.

وكيف كان فلا ريب في ضعف الظن بإرادة المساواة في الأحكام ، ويؤيده عدم تعرضهم لباقي ما يعتبر في الصلاة من الأحكام الكثيرة فيها ، بل في المعتبر ـ بعد منع البدلية واحتمال أن التخفيف لمكان التطويل ـ قال : « ثم من المعلوم أنه ليس حكمهما حكم الركعتين بدلالة سقوط اعتبار القبلة ، وعدم اشتراط طهارة الثوب ، وعدم البطلان بكلام المتخاطب في أثنائها ، وعدم افتقار إلى التسليم » وظاهره أن ذلك كله من المسلمات ، لكن في كشف اللثام « أن ما جعلها من المسلمات لا نعرفها كذلك إلا الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٩.

٢٣٨

والأخير » قلت : لم نعرف أحدا ممن تقدم على المصنف اشترط شيئا منها ، وإطلاق اشتراط الطهارة في الخلاف والمحكي عن المبسوط والإصباح ووجوبها في الوسيلة منصرف إلى الطهارة الحدثية ، لأنها هي الحقيقة المتشرعية أو الشرعية كما نص على وجوبها في الذكرى والدروس ، لكن في التذكرة عن الشيخ اشتراط الطهارة من الحدث والخبث ، وعن النهاية شرط بعض علمائنا طهارة الحدث والبدن والثوب والمكان من الخبث اتباعا لما جرت السنة عليه في الأعصار ، إلا أنه لم نتحققه ، نعم في المنتهى والبيان والميسية والمسالك والروضة على ما عن بعضها وجوب الطهارة من الخبث ، وهو صريح المنظومة وشرح المفاتيح أو كصريحهما ، وفي المفاتيح عن جامع الشرائع والإيضاح وحواشي الشهيد والموجز وكشفه ورسالة صاحب المعالم وشرحها والماحوذية ووجوب الطهارة من دون تنصيص على الشرطية ولا على الخبث ، وقد عرفت انصراف إطلاقها إلى الحدث.وقد بان لك كله ندرة القائل باشتراط الطهارة من الخبث وإن كان هو مقتضى دليلهم ، بل مقتضاه إثبات أحكام كثيرة ، خصوصا إذا جعلوا حكمها حكم الصلاة بالنسبة إلى المأمومين أيضا ، كما أنه بأن القائل باعتبارها مع ضعف دليله.

أما الكلام فلم أجد من أبطل الخطبة به في الأثناء ، بل ربما كان في خبر العلل والعيون (١) شهادة على عدمه باعتبار اشتماله على بيان الحكمة في الجمعة من أن الامام يخبرهم بما ورد عليه من الآفاق وبما يريده منهم ونحو ذلك ، هذا.

وفي التذكرة فإن خطب في المسجد شرطت الطهارة من الخبث والحدث الأكبر إجماعا » وكذا ما عن إرشاد الجعفرية ، ومرادهما المتعدي أو مطلقا بناء على ما عرفته في كتاب الطهارة ، وعلى كل حال فالشرط إما للكون في المسجد كما في المعتبر ، أو للخطبة‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل ـ في ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٢٥ منها ـ الحديث ٦.

٢٣٩

لأنه مأمور بالخروج ، والخطبة ضده ، لكون اللبث شرطها ، لكونها صلاة كما في الخبر (١) ولكنه لا يكون إجماعيا للخلاف في كونها صلاة بمعنى شبهها من كل وجه ، وللخلاف في النهي عن ضد المأمور به ، على أن حرمة شرطها الذي هو ليس عبادة لا يقضي بفسادها ، إلا أن يدعى أن الشرط المحلل منه ، وفيه منع ، فتأمل جيدا.

ولو أحدث بعد الفراغ منهما قبل الصلاة استخلف كما عن المبسوط والمنتهى ، بل عن الأخير وكذا لو أحدث في أثنائها كما هو الشأن لو أحدث في الصلاة ، ولا يخلو الإطلاق من نظر ، والله أعلم.

ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا كما صرح به الفاضل والشهيدان والعليان على ما حكي عن الميسي منهما وغيرهم ، لأنه المتيقن في براءة الذمة من الشغل اليقيني بعد الشك في تناول الإطلاقات لغيره ، لمعهودية الاستماع في سائر الأعصار والأمصار فضلا عن خصوص النبي وآله ( صلوات الله عليهم أجمعين ) وقد‌ روي (٢) « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر جيش » ‌بل يمكن منع صدق الخطبة بدونه ، بل هو كذلك في الوعظ منها الذي هو أحد واجباتها ، بل لا ينكر ظهور « خطبهم » و « يخطب بهم » في النصوص السابقة فيه ، ولإمكان دعوى دلالة وجوب الاستماع على القول به عليه ، ولغير ذلك.

لكن مع هذا كله قال المصنف وتبعه غيره وفيه تردد لضعف هذه الأدلة عن قطع الأصل والإطلاقات ، إلا أنه كما ترى ، نعم قد يقال بعدم الظهور فيها بحيث تسقط الجمعة بتعذره لصمم في العدد أو لمانع من ريح ونحوه ، ولم يمكن تحصيل مكان لا مانع فيه ، فيبقى إطلاق الوجوب بحاله نحو ما سمعته فيما لو سمعوا ولم يفهموا ، قال في‌

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٣ ص ١١.

(٢) صحيح مسلم ج ٣ ص ١١.

٢٤٠