جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

احتجبا ، والله إياهما حجبهما ، والأحسن في القمر خسف وفي الشمس كسفت ، ونحوه قال الجوهري إلا أنه جعل انكسفت الشمس من كلام العامة ، وفيه مع أن المحكي عن الهروي جوازه ما في الذكرى والمدارك من أن نصوص أئمة اللسان والإنسان مملوءة من هذا اللفظ ، كما أن الغالب فيها التعبير بلفظ الكسوف عن كسوفي القمر والشمس ، وعلى كل حال فالمدار في الوجوب تحقق المصداق المزبور من غير مدخلية لسببه من حيلولة الأرض أو بعض الكواكب وغيرها ، لا طلاق النصوص والفتاوى ، وعدم مدخلية شي‌ء من ذلك في المفهوم لغة وعرفا وشرعا ، نعم قد يتوقف في غير المنساق منه عرفا كانكساف الشمس ببعض الكواكب الذي لم يظهر إلا لبعض الناس ، لضعف الانطماس فيه ، فالأصول حينئذ بحالها ، فما في كشف اللثام ـ من أنه لا إشكال في وجوب الصلاة لهما وإن كان لحيلولة بعض الكواكب ـ جيد إن كان الحاصل والمتعارف مما يتحقق به صدق اسم الانكساف عرفا ، لكن قال : فان مناط وجوبها الإحساس بالانطماس ، فمن أحسن به كلا أو بعضا وجبت عليه الصلاة أحس به غيره أولا ، كان الانطماس على قول أهل الهيئة لحيلولة كوكب أو الأرض أو لغير ذلك ، وإذا حكم المنجمون بالانطماس بكوكب أو غيره ولم يحس به لم تجب الصلاة لعدم الوثوق بقولهم شرعا ، وإن أحس به بعض دون بعض فإنما تجب الصلاة على من أحس به ومن يثبت عنده بالبينة دون غيره من غير فرق في جميع ذلك بين أسباب الانطماس ، فلا وجه لما في التذكرة ونهاية الأحكام من الاستشكال في الكسف بشي‌ء من الكواكب ، من عدم التنصيص ، وأصالة البراءة وخفائه لعدم دلالة الحس عليه ، وإنما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به كالمنجم ، ومن كونه آية مخوفة ، وذلك لأن النصوص كلها تشمله ، والكلام في الوجوب لما يحس به لا ما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به ، ولا لما في الذكرى من منع كونه مخوفا ، فان المراد بالخوف ما خافه العامة غالبا وهم لا يشعرون بذلك ، وذلك لأن على صلاة‌

٤٠١

الكسوفين الإجماع والنصوص من غير اشتراط بالخوف ، نعم قد يتجه ما فيهما من الاستشكال في انكساف بعض الكواكب من عين ما ذكر ، والأقرب الوجوب فيه أيضا لكونه من الأخاويف لمن يحس به ، والمخوف ما يخافه معظم من يحس به لا معظم الناس مطلقا.

قلت : قال في التذكرة : « هل تجب هذه الصلاة في كسف الكواكب بعضها لبعض أو كسف أحد النيرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم : إنه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ من عدم التنصيص وخفائه ، والحس لا يدل عليه ، وإنما يستفاد من المنجمين الذين لا يوثق بهم ، ومن كونه آية مخوفة فيشارك النيرين في الحكم ، والأول أقوى » وقال في الذكرى : « لو كسف بعض الكواكب أو كسف الشمس ببعض الكواكب كما نقل أن الزهرة رئيت في جرم الشمس كاسفة لها فظاهر الخبر السابق في الآيات يقتضي الوجوب ، لأنها من الآيات » وقوى الفاضل عدمه ، لعدم النص وأصالة البراءة ، ومنع كون ذلك مخوفا ، فان المراد بالمخوف ما خافه العامة غالبا وهم لا يشعرون بذلك ، وفي المدارك بعد نقل ذلك عنهما قال : « والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما تضمنته الرواية (١) » ولا يخفى عليك محال النظر من ذلك كله ، خصوصا ما في كشف اللثام ، لما عرفت من انصراف إطلاق أدلة الكسوف إلى ما هو المتعارف منه كائنا ما كان سببه ، أما غيره فلا يدخل تحت الإطلاق المزبور ، بل ربما شك في صدق الاسم على بعض أفراده فضلا عن انصراف الإطلاق إليه ، نعم قد يتجه وجوب الصلاة له إذا كان يدخل تحت أخاويف السماء كما أشار إليه في الذكرى ، أو مسمى الآية بناء على الوجوب لهما كما ستعرف ، وكان الحاصل مما يتحقق به مسماهما ، فاطلاع بعض الناس حينئذ على انكساف النيرين ببعض الكواكب مثلا لا عبرة به من حيث الكسوف إذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

٤٠٢

كان من غير الأفراد المتعارفة ، أما من حيث كونه مخوفا أو آية فمبني على تحققهما ، والظاهر أن المعتبر في الأول منهما غالب الناس لا خصوص الجبان أو المنجم الذي غالبا يخاف من أكثر الاقترانات باعتبار ما خمنه وحدسه من أحكامها ، ولعله إليه أشار العلامة الطباطبائي بقوله :

والشرط في المخوف خوف انتشر

فليس للنادر فيه من أثر

إذ أمارات الخوف منها ما هو مجبول عليه طبائع الحيوانات فضلا عن الإنسان ، ومنها ما يعرفه خصوص الإنسان باعتبار وقوع الهلاك بأمثاله في سالف الأزمنة ، ومنها ما دلت عليه النصوص كالكسوف ، ففي المقنعة أنه‌ روي (١) عن الصادقين عليهما‌السلام « أن الله إذا أراد تخويف عباده وتجديد الزجر لخلقه كسف الشمس وخسف القمر ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله بالصلاة » ‌وفي‌ خبر عمارة (٢) عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام « ان الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة ، وافزعوا إلى مساجدكم » ‌وفي‌ المروي (٣) عن العلل والعيون عن علي بن الحسين عليهما‌السلام « أما أنه لا يفزع للآيتين ولا يرهب بهما إلا من كان من شيعتنا ، فإذا كان ذلك منهما فافزعوا إلى الله عز وجل وراجعوه » ‌وفي‌ خبر العيون الآخر بسنده إلى الفضل بن شاذان (٤) عن الرضا عليه‌السلام « إنما جعل للكسوف صلاة لأنه من آيات الله ، لا يدرى الرحمة ظهرت أم لعذاب ، فأحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى الله‌

__________________

(١) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ٥ ـ٤ ـ ٣

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ٤.

٤٠٣

عز وجل » واحتمال الأمر الرحمة والعذاب لا ينافي الخوف بل يحققه ، وفي‌ خبر ابن أبي يعفور (١) عن الصادق عليه‌السلام « كسوف الشمس أشد على الناس والبهائم » ‌إلى غير ذلك مما هو دال على هذا المعنى ، ولعل عدم خوف غالب سواد الناس من ذلك جهلا منهم أو لاعتياده ، نعم قد يقال : إنه ليس في شي‌ء من هذه النصوص ما يقضي باشتراط كون الصلاة له بالخوف منه بحيث لو علم كونه لرحمة لم تشرع الصلاة له حتى يعارض إطلاق ما دل على وجوب الصلاة ، به مع احتماله خصوصا بعد انصراف الإطلاق إلى ما لا يشمل النادر فضلا عن الإفراد الفرضية.

وعلى كل حال فما سمعته من كشف اللثام من وجوب الصلاة بالكسوف المزبور في غير محله ، لعدم انصراف الإطلاق إليه ، كما أن ما اعترض به على الشهيد أيضا كذلك ضرورة كون مراد الشهيد كما سمعت أن وجه العدم عدم انصراف إطلاق الكسوف إلى ما يشمله ، وعدم كونه من الآيات المخوفة حتى يندرج في غيره ، لا أن مراده اشتراط وجوب صلاة الكسوف بالخوف ، على أنك قد عرفت احتماله بل قوته ، أما انكساف النجوم على وجه يكون من الآيات المخوفة فلا إشكال في وجوب الصلاة لذلك لا لصدق الكسوف ، ضرورة اختصاص ذلك بالشمس والقمر ، واما إذا لم يكن كذلك بل كان كسوفها بقلة نورها بحيث لا يعرفه ولا يلتفت اليه إلا العارف المراقب لذلك فلا وجوب قطعا ، للأصل السالم عن المعارض بعد انصراف الكسوف والآيات والأخاويف إلى غيرها ، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر من كشف اللثام عدم الوثوق بقول المنجمين مطلقا ، ولعله لعدم ثبوته أو ثبوت عارف به غير الأئمة عليهم‌السلام ، لكن في الذكرى « أنه لو أخبر رصديان عدلان بمدة المكث أمكن العود إليهما أي دون الاستصحاب ، لأنه فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٣.

٤٠٤

موضوع المسألة فيما لو ستر الكسوف غيم مثلا ، فإنه يصلي أداء ـ ثم قال ـ : ولو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة العالم » قلت : ويؤيده ـ مضافا إلى معلومية الرجوع إلى أهل الخبرة في كل ما لهم خبرة فيه بناء على أن المقام منه ـ جريان العادة بصدقهم ، حتى أن المرتضى ومن تابعه مع شدة مبالغته في إنكار النجوم قال فيما حكي عنه : « إن الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها من باب الحساب وتسيير الكواكب ، وله أصول صحيحة وقواعد سديدة ، وليس كذلك ما يدعونه من تأثير الكواكب في الخير والشر والنفع والضر ، ولو لم يكن في الفرق إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات وما يجري مجراها فلا يكاد يبين فيها خطأ البتة ، وأن الخطأ الدائم المعهود في الأحكام الباقية حتى أن الصواب فيها عزيز ، وما يتفق فيها من الإصابة قد يتفق من المخمن أكثر منه ، فحمل أحد الأمرين على الآخر بهت وقلة دين » قلت : وهو كذلك ، فانا لم نعثر في زماننا على خطأ لهم في أصل الكسوف في الجملة ، بل ولا حكي لنا ، نعم قد يتوقف في مقدار المكث ، كما أنه قد يتوقف في تعيين الساعة التي يقع فيها الكسوف ، لما نجده من الاختلاف فيه بينهم ، وحينئذ تقل ثمرة الاعتماد عليهم إلا فيما اتفقوا عليه ، والله أعلم.

هذا كله في الكسوفين وأما الزلزلة فظاهر الذكرى كالمنظومة الإجماع عليه فيها ، بل في الخلاف والتذكرة الإجماع عليه صريحا ، بل ظاهر المتن عدم الخلاف فيه ، ولعله كذلك ، إذ اقتصار أبي الصلاح على الكسوفين وابني الجنيد وزهرة على المخوف السماوي والمبسوط على الكسوفين والرياح المخوفة والظلمة الشديدة لا صراحة فيه بالخلاف ، بل في الذكرى استظهار اندراجها في المخوف السماوي ، إذ لعل النسبة إلى السماء باعتبار كون البعض فيها ، أو المراد خالق السماء ، لا طلاق نسبته إلى الله تعالى كثيرا أو غير ذلك ، كما أن من المحتمل إرادة المثال مما في المبسوط ، وإلا كان محجوجا‌

٤٠٥

بالإجماعين المعتضدين بما عرفت ، وبخبر الديلمي (١) المجبور بما سمعت عن الصادق عليه‌السلام « إذا أراد الله أن يزلزل الأرض أمر الملك أن يحرك عروقها فتحرك بأهلها قلت : فإذا كان كذلك فما أصنع؟ قال : صل صلاة الكسوف » ‌و‌صحيح محمد ابن مسلم وبريد بن معاوية عن الباقرين عليهما‌السلام (٢) قالا : « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تخف أن يذهب وقت الفريضة » ‌والظاهر إرادة ما يشمل الزلزلة من الآيات المشار إليها ، ضرورة إرادة المتعارف منها ، بل قد يدعى كون المراد منه الآيات المشار إليها ، ضرورة إرادة المتعارف منها ، بل قد يدعى كون المراد منه الآيات المخوفة التي هي كالكسوف كما هو صريح الروضة وغيرها ، فيوافق حينئذ التعليل الذي عن علل الفضل (٣) بل وخبر عمارة (٤) الذي لا ريب في إرادة الصلاة من الفزع فيه إلى المساجد ولو بقرينة ورود مثله في الكسوف ، بل وما يستفاد من كثير من النصوص منها ما فرع فيها الصلاة للكسوفين على كونهما آيتين من آيات الله من أن مدار الصلاة على حدوث الآية التي لا إشكال في شمولها لها ، وإن كان الظاهر إرادة آيات الخوف والرعب لا مطلق الآيات ، ضرورة عدم وجوب الصلاة لحدوث كل آية وإن لم تكن منها ، فان آيات الله لا تتناهى ، فما عساه يظهر من المنظومة من التعميم حيث قال :

ومقتضى العموم في الرواية

فرض الصلاة عند كل آية

لا يخلو من إشكال ، مع احتمال إرادته آية الخوف كما هو المنساق من النصوص وما فيها من التعليل والترتيب بحيث لا يخفى على من له أدنى مسكة.

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٤٣ ـ الرقم ١٥١٧ المطبوع في النجف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

٤٠٦

ومن ذلك كله ظهر أن الأول في قول المصنف وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة أو ظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا ، بل يستحب ، وقيل : تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب هو الأقوى ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، بل مقتضى كثير من الفتاوى وما سمعته من الأدلة عدم الفرق بين أخاويف السماء وغيرها كالخسف ونحوه ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في تعميمه الصلاة بالكسوف والخسوف ورجفة الأرض والعاصف من الرياح والظلمة الشديدة والصاعقة والصيحة والهدة والنار التي تظهر في السماء أو غيرها ، إلى أن قال :

ونحو ذاك من أخاويف السماء

كما من النص الصحيح علما

وما يعد آية في العرف

منها ولو في الأرض مثل الخسف

بل لم أعرف القائل بالثاني وإن حكاه في المفاتيح أيضا ، أما الثالث فهو ظاهر المحكي عن المبسوط « صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر فرض واجب ، والرياح المخوفة والظلمة الشديدة تجب مثل ذلك » والنهاية « صلاة الكسوف والزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب » قيل : ونحوهما الجامع ، ولعل مراد الجميع المثال لا الاقتصار كالوسيلة والمحكي عن الجمل والعقود والمصباح ومختصره من أن الموجب أحد أربع : الكسوفين والزلزلة والريح المظلمة ، وفي الأول والثاني « الرياح السود المظلمة » وعن الاقتصاد « صلاة الكسوف واجبة عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل المتواترة والظلمة الشديدة » ونحوه الإصباح كما قيل ، لكن زيد فيه الرياح المخوفة ، وعن الهداية « إذا انكسف القمر أو الشمس أو زلزلت الأرض أو هبت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلوا » ونحوه المقنع كما قيل لكن زيد فيه حدوث ظلمة ، وفي النافع‌

٤٠٧

أن الموجب الكسوفان والزلزلة ، و‌في رواية (١) « تجب لأخاويف السماء » ‌إلى غير ذلك من العبارات التي قد يظهر الخلاف فيها باقتصارها ، خصوصا إذا كانت مثل عبارة النافع ، إلا أنه لا ريب في قوة التعميم ، وأنه أشهر بل المشهور ، لما عرفت ، ولصحيح محمد بن مسلم وزرارة (٢) قالا : قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال : كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن » ‌الذي لا ينافي ما دل على عموم الصلاة للآية المخوفة وإن كانت في الأرض كما عرفت ، و‌صحيح عبد الرحمن (٣) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف فقال عليه‌السلام : صلاتهما سواء » ‌« كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا هبت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغير وجهه واصفر ، وكان كالخائف الوجل حتى ينزل من السماء قطرة من مطر فيرجع اليه لونه ، ويقول : قد جاءتكم بالرحمة » (٤) ‌فإن المراد التسوية في الوجوب منه لا الكيفية ، لعدم ملائمة ما هو كالتعليل له من قوله : « كان » إلى آخره. بناء على أنه من تتمة الخبر لا أنه مرسل آخر للصدوق كما هو الظاهر وإن أوهمت بعض العبارات خلافه ، فيسقط الاشعار من جهته حينئذ ، ولأنه الموافق لظاهر‌ المروي (٥) عن دعائم الإسلام أيضا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « يصلى في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء » ‌على أنه‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ١ ـ ١ ـ ٢

(٤) الفقيه ج ١ ص ٣٤٥ ـ الرقم ١٥٢٨ المطبوع في النجف.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٠٨

لو أريد منه الكيفية خاصة لم يخل عن إشعار في الجملة ، كصحيح الرهط (١) الذين هم الفضيل وزرارة والعجلي ومحمد بن مسلم عنهما أو أحدهما عليهما‌السلام « ان صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات » ‌كل ذلك مضافا إلى ما سمعت في الزلزلة من التعليل وغيره ، والله أعلم.

وكيف كان فـ وقتها في الكسوف من حين ابتدائه بلا خلاف فيه بين العامة فضلا عن الخاصة إلى حين انتهاء انجلائه وفاقا لأكثر المتأخرين ومتأخريهم بل هو ظاهر المحكي عن التقي ، بل عن المنتهى أنه اللائح من كلام علم الهدى والحسن ، بل في البيان أنه ظاهر المرتضى ، بل نقله في الرياض عن الديلمي وإن كنا لم نتحققه ، وخلافا لجل السلف كما في المنظومة ، بل الأكثر من غير تقييد عن غيرها ، بل المعظم في الذكرى ، بل المشهور في جامع المقاصد وكثير ممن تأخر عنه ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، إلا أنه ومع ذلك فالأقوى الأول للأصل وإطلاق نصوص الوجوب بالكسوف والفعل حينه ، ضرورة صدقه إلى تمام الانجلاء منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح جميل (٢) وخبر محمد بن حمران (٣) : « وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » ‌وفي‌ المروي (٤) عن الدعائم سئل أي جعفر بن محمد عليهما‌السلام « عن الكسوف يكون والرجل نائم ـ إلى أن قال ـ : هل عليه أن يقضيها؟ فقال : لا قضاء في ذلك ، وإنما الصلاة في وقته ، فإذا انجلى لم يكن له صلاة » وموثق عمار (٥) « إن صليت الكسوف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٠٩

إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز » ‌كصحيح الرهط (١) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى صلاة كسوف الشمس والناس خلفه ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها » ‌إذ من الواضح إرادة ذهاب تمام الكسوف ، ولولا أنه وقت لم يجز إيقاع بعض الفعل فيه ، كما أن موثقه الآخر (٢) وغيره الآمر بالإعادة قبل الانجلاء الظاهر في التمام دال عليه ، إذ لو لا أنه وقت لم تشرع الإعادة فيه التي هي عبارة عن الفعل فيه زائدا على المرة ، وصحيح محمد بن مسلم وزرارة (٣) المتقدم سابقا في كل مخوف سماوي المراد منه على الظاهر بيان مشروعية الصلاة من ابتداء حصول الآية حتى تسكن ، نحو قوله تعالى (٤) ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) للقطع بعدم وجوب التطويل والتكرار ، فليس الغاية إلا بالنسبة إلى ذلك ، ولو أريد من « حتى » فيه التعليل كان وجه الدلالة فيه أنه إذا كان العلة فيه السكون فقبل حصوله تشرع الصلاة لوجود علتها ، بل منه ينقدح الاستدلال بالتعليل في النصوص السابقة ، ضرورة بقاء العلة التي هي كونه آية خوف إلى تمام الانجلاء ، إلى غير ذلك مما لا يخفى على من له أدنى دراية بلسان النصوص.

مضافا إلى ضعف ما يذكر للقول الآخر من الاحتياط المعارض بمثله ، ومن أن الصلاة لرد النور ، وهو حاصل بالأخذ في الانجلاء ، وفيه أنه لعلها لرده تماما ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١ وهو خبر معاوية بن عمار.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

(٤) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

٤١٠

صحيح حماد بن عثمان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ذكرنا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى » ‌الذي لا صراحة فيه بل ولا ظهور في إرادة تنزيل انجلاء البعض منزلة انجلاء الكل في سقوط الصلاة وعدم مشروعيتها ، خصوصا والذي كان يتذاكرون فيه غير الصلاة من الشدة لا السقوط الذي لم يعرف في النصوص ترتبه على الانجلاء وأنه من أحكامه كي ينساق من إطلاق المنزلة شموله.

فمن الغريب ارتكاب التأويل في أدلة القول الأول بأن المراد من الذهاب والانجلاء فيها الشروع فيه المنزل منزلته في الصحيح المزبور (٢) كما أن المطلق منها يقيد به ، أو أن التطويل والإعادة يجوزان فيما بعد الانجلاء الظاهر النصوص المزبورة ، بخلاف الابتداء ، كما لعله يقضي به إطلاق جوازهما من الجميع ، بل ظاهر الذكرى والبيان شرعية الإعادة عند الجميع ، كما تسمعه في مسألة الإعادة إن شاء الله ، أو الحمل على التقية لأنه كما قيل مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، إذ ذلك كله يمكن التزامه وارتكابه بعد قوة الدليل بحيث لا يصلح الأول لمعارضته ، ومخالفة العامة والشهرة القديمة ـ بل ربما ادعي الإجماع عليه قبل المحقق ، وإن كان فيه ما فيه بعد معارضتها بالشهرة المتأخرة ، واشتمال النصوص المزبورة على ما يقضي بالوجوب المخالف للعامة ـ لا تصلح سببا للمكافأة فضلا عن الترجيح.

وعلى كل حال فثمرة الخلاف في نية القضاء والأداء بناء على وجوب التعرض لهما في النية ، وفي سقوط التكليف وعدمه لو فرض علمه به حال الأخذ في الانجلاء ولم يكن قد احترق القرص بناء على عدم القضاء على الجاهل حتى خرج الوقت ، وفي سقوطه وعدمه أيضا بسعة الوقت للفعل وعدمه ، إذ من المعلوم عند العقلاء امتناع تكليف الحكيم‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٣.

٤١١

بفعل في وقت يقصر عنه ، ضرورة كونه من التكليف بالمحال ، ومن الغريب إنكار صاحب الحدائق هذه القاعدة على الأصحاب وأنه لا ينبغي معارضتها للسنة والكتاب ، وليتنا فهمنا ما يقول فضلا عن صحته ، ولعله يريد أن مقتضى إطلاق النصوص الوجوب مع قصور الوقت ، فيكشف ذلك عن عدم إرادة الشارع الفعل في الوقت المزبور إما مطلقا ، أو في الحال المخصوص ، وفيه أن ذلك خروج عن الموضوع ، فلا ينافي القاعدة بل يؤول البحث إلى أن ما نحن فيه من الموقت مطلقا بحيث يسقط التكليف مع قصور الوقت للقاعدة السابقة ، أو من الأسباب لا مدخلية للوقت فيه ، أو من الأول في حال السعة ، والثاني في حال القصور ، وظاهر من تعرض لهذا الفرع كالمصنف ومن تبعه الأول حتى أن الشهيد منهم في الذكرى جعل احتمال السببية في الكسوف كالزلزلة مرفوضا بين الأصحاب.

ومن هنا قال المصنف جازما به فان لم يتسع الوقت للصلاة المقتصر فيها على أقل الواجب لم تجب بلا خلاف أجده فيه بين من تأخر عنه إلا ممن ستسمع للقاعدة السابقة ، بل مقتضاها عدم الفرق في ذلك بين التلبس بالفعل وعدمه ، لاشتراكهما معا في مقتضى القاعدة السابقة كما صرح به في المدارك ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم إذا لم يكن قد أكمل ركعة ، والنهي عن إبطال العمل بعد انكشاف عدم كونه عملا بقصور الوقت لا محل له ، و‌قول الباقر عليه‌السلام في حسن زرارة ومحمد بن مسلم (١) : « وتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود ، فان فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي ، وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي » ‌قد لا يتناول محل الفرض الذي حصل فيه الانجلاء أو الأخذ فيه على القولين قبل حصول مسمى الركعة مع الاقتصار على أقل المجزي ، لا مورد الخبر المزبور المشتمل على جملة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٦.

٤١٢

المندوبات كالقنوت وتطويله ونحوهما المنبئ عن سعة الوقت واقعا لتمام الفعل واقعا فضلا عن الركعة ، فالمراد حينئذ أنه لو فعل ذلك معتمدا على الاستصحاب مثلا فانجلى قبل الفراغ أتم ما بقي ، لحصول التكليف الجامع للشرائط التي منها سعة الوقت واقعا.لأقل الواجب.

فما في الحدائق ـ من الاستدلال بالحسن المزبور والرضوي الذي لم تثبت صحة نسبته « إذا انجلى وأنت في الصلاة فخفف » على الفرق بين التلبس بالفعل بتخيل السعة وقبله ، فان الأول يتم وإن بان له القصور بخلاف الثاني ـ في غير محله ، ولعل ما في المحكي عن المنتهى ـ من أنه لو خرج الوقت في الكسوفين ولم يفرغ منها أتمها مستندا للخبر المزبور ـ مبني على أن محل فرضه نحو ما سمعته من مورد الخبر لا فيما نحن فيه ، سيما بعد انسياق غيره من مثل هذه العبارة وعدم إيمائه للفرق بين الابتداء والاستدامة بعد ، بل ربما قيل : إن مقتضى الجمع بين هذا الكلام منه وبين ما تسمعه منه من الإشكال في الوجوب مع قصور الوقت عن فعل أخف صلاة وجزمه بالوجوب مع إدراك ركعة يعين المصير إلى ذلك ، فيحمل حينئذ وجوب الإتمام على ما إذا كان الوقت واسعا وقد أدرك منه ركعة ، والعدم على غيره وإن كان في الأثناء ، فلاحظ وتأمل.

بل لعل ما عن المعتبر أيضا كذلك ، قال : « لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب ، وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد » وإن أبيت أو أبي كلامه الحمل على ذلك كان محلا للنظر ، لما عرفت من أن مقتضى القاعدة المزبورة عدم الفرق ، بل مقتضاها البطلان أيضا حتى لو وسع ركعة وفاقا للمشهور بين القائلين بالتوقيت المزبور ، إذ هو أيضا قاصر من تمام الفعل ، وهو الشرط في التكليف ، وتنزيل إدراك الركعة من الوقت منزلة إدراك الوقت كله بعد تسليم شموله لغير اليومية إنما هو مع فرض سعة الوقت إلا أن المكلف بسوء اختياره أو لعذر لم يدرك منه إلا ركعة ،

٤١٣

لا ما إذا لم يسع في نفسه إلا ركعة كما هو المفروض ، بل قوله عليه‌السلام فيه : « من الوقت » فضلا عن لفظ الإدراك كالصريح فيما ذكرنا ، فاحتمال تنزيل سعتها منزلة سعة الصلاة كما أن إدراكها كذلك في غير محله بعد حرمة القياس عندنا ، ودعوى إرادة الحصول من الإدراك لا اللحوق خاصة نحو أدرك حاجته أي حصلها ، وقوله وعاش حتى أدرك زمانه فيصدق حينئذ على الفرض كما ترى ، إذ لا ينكر ظهور الخبر المزبور في إرادة اللحوق ، بل‌ قوله عليه‌السلام : « فقد أدرك الوقت كله » ‌كالصريح في سبق الوقت الذي أدركه بالركعة ، فلا يصدق على ما إذا كان الوقت كله ركعة ، كما هو واضح.

ومن ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن المعتبر والمنتهى والتحرير ، قال في الأول : « لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب ، وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد » قال في المدارك : « وكأن منشأ التردد من قصور الوقت ومن عدم صراحة الروايات بالتوقيت ، لكن فرقه بين ما إذا ضاق الوقت عن إدراك ركعة وبين ما إذا وسع الوقت وقصر عن أخف الصلاة غير واضح » واستوجه العلامة في المنتهى وجوب الصلاة مع إدراك الركعة نظرا إلى أن إدراكها بمنزلة إدراك الصلاة وهو ضعيف جدا ، فان ذلك إنما يثبت في اليومية إذا أدرك ركعة من الوقت ، ومع قصور الوقت عن أخف الصلاة لا يتحقق التوقيت ، والعجب أنه رحمه‌الله قال بعد ذلك بغير فصل : السادس لو قصر الوقت عن أقل صلاة تمكن لم تجب على إشكال ، وهو رجوع من الجزم إلى التردد ، قلت : ومثله عن التحرير ، وقد تبعه على هذه المناقشة بعض من تأخر عنه كصاحب الحدائق ، ويمكن دفعها بجعل منشأ تردد المصنف التردد في شمول خبر إدراك الركعة للمفروض الذي هو على الظاهر سعة مقدار الركعة إلا أنه قاصر عن أخف الصلاة كما فهمه هو منه بقوله : « لكن فرقة » إلى آخره ، بل صرح به العلامة في التذكرة ، فإنه بعد نفيه الوجوب بالضيق عن الركعة كالمصنف قال : « ولو اتسع‌

٤١٤

لركعة وقصر عن أخف صلاة لم تجب » إلى آخره. لا أن منشأه التسبيب والتوقيت ، فحينئذ يتجه له الفرق بين ضيق الوقت عنها وبين ما وسعها وقصر عن أخف صلاة معها ، فلا وجوب في الأول سواء كان تضيقا أو قصورا بخلاف الثاني ، أما لو تضيق إلا عن ركعة لا أنه كان قاصرا فلا إشكال في الوجوب ، إذ احتمال اختصاص الخبر باليومية ضعيف جدا ، وأما العلامة فيمكن أن يكون كلامه الأول في التضيق الذي عرفت الوجوب بإدراك الركعة فيه لا القصور عما عداها من أخف باقي الصلاة الذي هو موضوع الكلام الثاني ، فتردده حينئذ كتردد المصنف ، ويمكن فرض كلامه الأول في الاستدامة لقوله : « أتم ما بقي » والثاني في الابتداء وإن كان قد عرفت ما فيه سابقا.

نعم في البيان والذكرى التردد من جهة احتمال السببية وإن اعترف في الأخير بكونه مرفوضا بين الأصحاب ، قال في الأول بعد أن ذكر التوقيت في الكسوف وما عدا الزلزلة : ويحتمل الوجوب بمجرد السبب وإن لم يسع الزمان في الكسوف وغيره وقد أومأ إليه في المعتبر : وقال في الثاني : هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع الوقت لجميعها أم يكفي ركعة بسجدتيها أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسمى ركعة لغة وشرعا في هذه الصلاة؟ احتمالات ، من تغليب السبب فلا يشترط شي‌ء من ذلك ، فيكون كالزلزلة إلا أن هذا الاحتمال مرفوض بين الأصحاب ، ومن إجرائها مجرى اليومية ، فتعتبر الركعة ، ومن خروج اليومية بالنص ، فلا يتعدى إلى غيرها ، وفيه أن إجراءها مجرى اليومية لا يقضي بالوجوب مع القصور إلا عن ركعة ، لما عرفت من معنى الخبر المزبور من غير فرق بين اليومية وغيرها ، وكيف كان فلا إشكال بناء على التوقيت في التفريع المزبور.

وكذا الرياح والأخاويف عدا الزلزلة إن قلنا بالوجوب فيها أو الاستحباب موقتة ، فتجب مع سعة الوقت لا مع قصوره وأما في الزلزلة فـ تجب‌

٤١٥

وإن لم يطل المكث وتصلى بنية الأداء وإن سكنت كما صرح بذلك كله غير واحد من الأصحاب ، بل عن المقاصد العلية والنجيبية الإجماع عليه ، كما أن في الذكرى نسبته إليهم مشعرا به أيضا ، قال فيها : وقت الأصحاب الزلزلة بطول العمر ، وصرحوا أنه لا يشترط فيها السعة ، فكان مجرد الوجود سببا في الوجوب ، وشك فيه الفاضل لمنافاته للقواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه ، وباقي الأخاويف عند الأصحاب يشترط فيه السعة ، ولا نرى وجها للتخصيص إلا قصر زمان الزلزلة غالبا ، قلت : لكن ينبغي حينئذ إلحاق غيرها من الآيات مما هو قصير الزمان غالبا كالصيحة ونحوها بها حينئذ ، فيكون المدار في التوقيت على ذلك وعدمه ، كما هو ظاهر التذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام ، قال : إن كل آية يقصر زمانها عن الصلاة غالبا كالزلزلة فوقت صلاتها العمر ، وهي أسباب لها لا أوقات ، لثبوت الوجوب لما مر ، وانتفاء التوقيت بالقصور لأن توقيت الفعل بما يقصر عنه من الوقت تكليف بالمحال ، وكل آية تمتد غالبا مقدار الصلاة فهي وقت لها ، فان اتفق القصور لم تجب الصلاة للأصل ، كما إذا قصر الكسوف عنها ، ويمكن أن يكون المدار في توقيتها وعدمه على السعة وعدمها من غير نظر للغلبة وعدمها ، فان اتسع ولو نادرا كانت موقتة ، وإلا كانت سببا كما عن المنتهى والتحرير التصريح به ، بل والدروس ، قال : ووقتها في الكسوف من الاحتراق إلى تمام الانجلاء ، وفي غيرها عند حصول السبب ، فان قصر الوقت سقطت في الكسوف ووجبت أداء في غيره ، وفي المحكي عن نهاية الأحكام احتمال التوقيت في الزلزلة لكن للابتداء ، فتجب المبادرة حينئذ إليها ويمتد الوقت مقدار الصلاة ثم تصير قضاء ، وفي كشف اللثام وهو قوي وإن استضعفه أي الفاضل ، لأن شرع الصلاة لاستدفاع العذاب ، ولعله يرجع اليه ما في الوسيلة في الزلزلة وغيرها ، قال : أول وقت‌

٤١٦

الرياح السود والزلازل أول ظهورها ، وليس لآخرها وقت معين ، بل ظاهر المحكي عن إشارة السبق التوقيت الذي يسقط الفعل بقصوره في الزلزلة فضلا عن غيرها ، قال :إن الصلاة لا تجب بشي‌ء من الزلزلة وهذه الآيات إذا لم تتسع لها.

قلت : ستسمع ما يدل على جميع ذلك أو بعضه في أثناء البحث ، والذي يقوى في النظر عدم الفرق بين الكسوف وغيرها من الآيات التي يتسع زمانها غالبا أولا ، وبين السعة للركعة وعدمه ، وبين الابتداء والأثناء في الوجوب بحصولها ، لا طلاق النصوص وظهورها منطوقا ومفهوما وتعليلا في ذلك من غير إشعار في شي‌ء منها على كثرتها بالسقوط في حال من الأحوال ، بل هي ظاهرة بخلافه كما لا يخفى على من تأمل فيها وفي جمعها الكسوف وغيره بجزاء واحد ، وفيما تضمنته من التسوية بينها جميعا في الصلاة ، بل ستعرف إيماء إطلاق نصوص التزاحم (١) مع اليومية ، ونصوص التطويل (٢) بقدر الكسوف ، والتطويل (٣) بالقراءة والركوع والسجود إلى ذلك ، فلاحظ وتأمل ودعوى الاجتزاء عن ذلك بذكر التوقيت فيها الذي من المعلوم عند كافة العقلاء ، سقوط الفعل معه إذا كان الوقت قاصرا لقاعدة امتناع التكليف بالمحال يدفعها أنه ليس في النصوص صراحة بل ولا ظهور يعتد به في التوقيت لها في جميع الأحوال بحيث يسقط الفعل بقصوره كي يلتزم تقييد تلك الإطلاقات به.

وصحيح جميل (٤) إنما هو مساق لبيان وقوع صلاة الكسوف في سائر الأوقات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢ والباب ٩ منها.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢ و ٦ الباب ٩ منها.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤١٧

وأنه لا كراهة أو منع في شي‌ء منها سواء في ذلك طلوع الشمس وغروبها ، فهو نحو‌ قوله عليه‌السلام (١) : « خمس صلوات يصلين على كل حال » ‌إلى آخره. ونحوه‌ خبر الدعائم (٢) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « سئل عن الكسوف يحدث بعد العصر أو في وقت تكره فيه الصلاة قال : يصلى بأي وقت كان الكسوف » ‌لا أن المراد منه تحديد زمان الصحة لصلاة الكسوف ، على أنه يصدق عرفا الصلاة في الساعة التي تنكسف فيها الشمس إذا بادر في الفعل حال الكسوف وإن ذهب الكسوف كما هو واضح بأدنى تأمل ، والمراد بخبر الدعائم السابق (٣) نفي القضاء عمن لم يعلم بالكسوف مثلا إلا بعد انجلائه لا ما إذا كان وقته قاصرا عن تمام الفعل ، ونفي القضاء فيه وفي غيره من النصوص (٤) في مثل هذا الحال كاثباته في بعض النصوص (٥) الآتية في حالة الاحتراق لا يستلزم التوقيت المزبور ، إذ هو ـ مع أن كون القضاء حقيقة في الفعل خارج الوقت اصطلاح حادث لا تحمل عليه النصوص ـ يكفي في صدقه اعتبارنا وجوب الابتداء بالفعل حين حصول الكسوف وإن لم يكن زمانه واسعا للفعل ، ولا نريد بنفي التوقيت المزبور أنه يجوز له الفعل في تمام العمر كي ينافي صدق القضاء ، بل المراد نفيه على وجه يستلزم سقوط الفعل بالقصور ، ويكفي فيه حينئذ وجوب الشروع حال الكسوف وإن انجلى قبل الفراغ ، ضرورة ظهور النصوص التي تقدم شطر منها في وجوب المبادرة المزبورة ، خصوصا ما اشتمل منها على الأمر بتذكر قيام الساعة ، والفزع إلى الصلاة والمبادرة إلى المساجد لها عند رؤية الكسوف الذي هو من آيات الله ، ولا يدرى الرحمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

٤١٨

ظهرت أم لعذاب ، ولذا كانت سببا للتخويف وتجديدا للزجر ، فأمر الناس بأن يفزعوا إلى خالقهم عند حصولها ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كقوم يونس ، بل خبر (١) الزلزلة كالصريح في الفورية المزبورة ، وكذا صحيح محمد بن مسلم وبريد بن معاوية (٢) عن الباقر عليه‌السلام المشتمل على الأمر بالصلاة للكسوف أو بعض الآيات ما لم تخف ذهاب وقت الفريضة ، ضرورة ابتناء ذلك على تضيق صلاة الكسوف ، وإلا لم تعارض واجبا مضيقا صلاة أو غيرها ، كما أنها لا ينبغي صلاتها على الراحلة ونحوها مما يفوت بعض الواجبات فيها ، مع أن‌ علي بن الفضل الواسطي (٣) كتب إلى الرضا عليه‌السلام « إذا انكسف الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول فكتب اليه صل على مركبك الذي أنت عليه » ‌ولولا تضيقها ما جاز صلاتها عليه ، إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في ذلك ، بل لعلها ظاهرة في التوقيت بمعنى وجوب الشروع في الفعل حال حصول الآية لا الفورية بمعنى إن لم يفعل المكلف في أول الأزمنة وجب الفعل في ثانيها إذ ذاك إن قلنا به فهو في الفور الحاصل من مجرد الأمر ولو من القرينة بخلاف ما نحن فيه المستفاد من الأدلة كما عرفت وجوب الشروع في الفعل عند حصول السبب ، ولو لا ما تسمعه من الأدلة على وجوب الفعل في ثاني الأزمان على من علم وأهمل أو نسي كان المتجه السقوط كالجاهل بحصول السبب حتى خرج بحيث لم يصدق الفعل عنده ، لأصالة البراءة بعد ظهور الأدلة في وجوب الفعل حاله ، فأشبه الموقت من هذه الجهة حتى استحق اسم القضاء ، واحتاج في ثبوت الوجوب عليه في الأزمنة المتأخرة إلى فرض جديد.ومما يومي إلى ذلك اتفاقهم ظاهرا في الزلزلة على كونها من باب الأسباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

٤١٩

وأنها ليست من الموقت المحدد بداية ونهاية مع حكمهم بالسقوط في الجاهل ، واحتياجهم إلى الدليل كعمومات القضاء ونحوها في إثبات الوجوب على المهمل والناسي ، فعلم من ذلك كله أن نفي التوقيت المزبور أي المقتضي سقوط الفعل بالقصور لا يستلزم نفي صدق القضاء ، ولا يستلزم عدم الاحتياج في إثبات الوجوب في غير وقت السبب إلى أمر جديد ، وأما‌ قوله عليه‌السلام : « حتى يسكن » ‌في الصحيح السابق الذي قد استدل به بعد أصلي الامتداد إلى ذهاب الآية والبراءة عما بعده على التوقيت في باقي الآيات الممتد منها غالبا أو حال امتدادها ولو نادرا بجعل ذي الغاية فيه بقرينة الغاية ما كان ممتدا غالبا ، لأنه المنساق ، فحاله ( فمآله خ ل ) النادر كغير الغالب من الآيات على مقتضى إطلاق التسبيب ، لعدم المعارض ، أو جعله حال الامتداد ولو نادرا ، فغيره على مقتضى إطلاق التسبيب حينئذ.

وربما قبل بالسقوط في القاصر زمانه عن الصلاة على التقديرين بدعوى ظهور الصحيح المزبور في التوقيت في الجميع ، فيسقط القاصر حينئذ بالقاعدة المزبورة لا أنه يبقى على مقتضى الإطلاقات السابقة المقيدة بالصحيح المذكور ، وفيه أن الصحيح إنما هو ظاهر بقرينة الغاية في توقيت الممكن بسبب طول امتداده لا غيره ، فلا معارض للإطلاقات في غيره.

وعلى كل حال فقد قيل في توجيه الاستدلال على التوقيت : إن « حتى » إما أن تكون لانتهاء الغاية ، أو التعليل ، وعلى الأول يثبت التوقيت صريحا ، وكذا على الثاني لأن انتفاء العلة يقتضي انتفاء المعلول ، فيدفعه أن المنساق منه إرادة التطويل أو التكرار ولو بقرينة ما تضمن من الروايات (١) فعلا وقولا لذلك ، فيكون الأمر فيه للندب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١ و ٢ و ٦ والباب ٩ منها.

٤٢٠