جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لظاهر بعض وصريح آخر ، لإطلاق‌ موثق عبد الرحمن (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تعد » ‌وغيره من النصوص الكثيرة (٢) وفيه أن سائر نصوص (٣) ذلك المقام ظاهرة وصريحة كما لا يخفى على من لاحظها في المصلي بظن القبلة ثم بان له الخطأ ، حتى لو كان فيها مطلق انصرف إلى الذي تظافرت النصوص ببيانه ، خصوصا ونسيان القبلة في غاية الندرة ، فلا يشمله من صلى لغير القبلة ونحوه ، فضلا عما نحن فيه من الملتفت سهوا في أثناء الصلاة ، ودعوى أولويته من الظان في غاية المنع ، ضرورة كون التكليف في القبلة بالظن ، فكان مقتضى قاعدة الاجزاء عدم الإعادة في الوقت فيه ، بخلاف نحو المقام الذي لا أمر فيه ، بل أقصاه أنه عذر لا أمر به حتى يقتضي الإجزاء ، فيبقى على قاعدة ـ الشرط وعلى إطلاق نصوص المقام انقطاع الصلاة وبطلانها وعدم الاعتداد بها الموجب للقضاء ، والظان مع فرض عدم تبين الخطأ له حتى خرج الوقت يجزيه ما فعله للقاعدة ، فلا تشمله أدلة القضاء ، ضرورة عدم مقتض للبطلان فيه ، بل مقتضي الصحة فيه موجود ، ولا ينافيه وجوب الإعادة في الوقت ، إذ مرجعه إلى اشتراط اقتضاء هذا الأمر الاجزاء بأن لا يتبين له الخطأ في الوقت ، نعم لو كان في هذه النصوص تعرض لحكم الناسي للقبلة مثلا بالخصوص وأنه يعيد في الوقت دون خارجه أمكن جريانه في المقام ، للقطع بأنه ليس أسوأ حالا منه ، لكن قد عرفت خلوها عن ذلك ، ومن هنا استظهر من عرفت سابقا عدم إلحاق الناسي بالظان ، وهو الأقوى خلافا لمن عرفت.

أما الملتفت بكله سهوا بما لا يخرج عن المشرق والمغرب الذي هو مبطل في صورة العمد فقد يقوى عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت فضلا عن خارجه ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ١ ـ٠ ـ ٠

٤١

لاطلاق ما دل (١) على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة إطلاقا ظاهرا في تناول المخطئ بالاجتهاد والناسي وغيرهما ، بل بعضها (٢) ظاهر فيما يشمل العمد وإن وجب الخروج عنه بالأدلة الأخر المعارضة له المتقدمة في محلها ، ولولا الإطلاق المزبور لاتجه فيه وجوب الإعادة أيضا وقتا وخارجا ، وحينئذ لا يجب عليه استئناف ما فعله من الأجزاء أركانا أو غيرها حال السهو ، ضرورة اقتضاء تنزيل تلك الجهة منزلة القبلة حال السهو الاجتزاء بها.

ومما ذكرنا يعلم حال المبطل من الالتفات بالوجه ، لعدم ظهور الفرق بينه وبين الكل في جميع ما تقدم ، كما أنه منه يعلم كثير خبط في المقام للخبط في الموضوع حتى ما في المدارك فإنه بعد أن مال إلى مساواة الوجه للكل في البطلان بمطلق الالتفات به كفخر المحققين قال : « هذا كله مع العمد ، أما لو وقع سهوا فان كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين واليسار لم يضر ، وإن بلغه وأتى بشي‌ء من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت ، وإلا فلا إعادة » ضرورة خروجه عن مقتضى النصوص والفتاوى ، سواء أراد الوجه خاصة منه أو ما يشمله والكل ، ولم أجد من وافقه عليه أو سبقه اليه إلا الكاشاني فيما حكي من مفاتيحه ، وفيه أنه لا مدخلية لإتيان شي‌ء من الأفعال وعدمه ، ضرورة كون الالتفات من القواطع للصلاة ولو باعتبار فوات شرطها الذي هو الاستقبال ، ومن المعلوم أن شرائط الصلاة ليست كشرائط أجزاء الصلاة من الطمأنينة ونحوها ، فمتى انتفى في حال من أحوال الصلاة سواء قارنه فعل شي‌ء من أفعالها أو لا بطلت ، لفوات الشرط بحصول المانع ، وليس في الصلاة زمان يصدق على المكلف فيه أنه ليس في صلاة ، ولا ينافيه وقوع بعض الأفعال التي ليست من الصلاة في أثنائها ، على أنه لو سلم كون المراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٢.

٤٢

بهذا الشرط عدم خلو شي‌ء من أفعال الصلاة منه كان المتجه التفصيل بين ما يمكن تداركه لعدم البطلان بزيادته سهوا أو لا ، فيتلافى الأول إن لم يكن قد دخل في ركن ، وإلا قضاه إن كان مما يقضى ، وإلا سجد للسهو خاصة ، وتبطل الصلاة في الثاني ، ولو سلم أن جميعها مما لا يتلافى بفواته أصلا كان المتجه أيضا وجوب إعادتها في الوقت وخارجه لا الوقت خاصة ، فظهر حينئذ أنه لا وجه لهذا التفصيل حتى في غير الفاحش من الالتفات أيضا : أي ما بين المشرق والمغرب ، لما عرفت من الاجتزاء بما يقع معه سهوا تنزيلا لما بين المشرق والمغرب منزلة القبلة ، فلا يحتاج إلى تدارك أصلا فضلا عن إعادة ما صلاة في الوقت ، فتأمل.

هذا كله في الالتفات مختارا ولو سهوا ، أما إذا كان مكرها عليه فلا يخلو إما أن يكون مع ذلك مقصودا له ويعد أنه من أفعاله كما لو جبره شخص على أن يلتفت في الصلاة أولا ، وسيجي‌ء البحث في الأول في الكلام ، لأن جماعة من الأصحاب تعرضوا له فيه ، وهما من واد واحد ، وأما الثاني وهو الذي ألفته ملفت من غير اختياره فقد يشك في شمول النصوص له بإمكان ظهورها خصوصا المعبر فيها بالأفعال لا المصدر ، بل هي قرينة على المراد في غيرها في الالتفات الذي هو فعل المكلف لا نحو الفرق الذي هو من الأفراد النادرة ، لكن قد يقال : إنه وإن كان كذلك بالنسبة إلى أدلة المانعية إلا أنه قد يتجه البطلان من حيث فوات الشرط الذي يمكن منع ظهور ما دل عليه في غير الفرض ، فيستقبل الصلاة من رأس ، بل لو فرض ضيق الوقت وأمكن تكليفه بالقضاء ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى ، خصوصا بعد ما ذكرناه في الناسي إذ أقصى ما يقال : إنه ملحق به ، وقد عرفت الإعادة فيه وقتا وخارجا ، نعم يخالفه فيما بين المشرق والمغرب ، ولعلنا نقول به هنا بناء على شمول تلك الإطلاقات لمثله ، فيتحد الحكم فيهما حينئذ من كل وجه ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

٤٣

ومنها الكلام بما ليس بدعاء وذكر وقرآن إجماعا بقسميه ، بل المنقول منه كاد يكون متواترا كالنصوص (١) خصوصا مع ملاحظة ما تضمن منها التسبيح ونحوه بقصد الإشارة إلى الحاجة مثلا تحرزا عن الكلام في الصلاة ، و‌قول أبي الحسن موسى عليه‌السلام في خبر أبي جرير (٢) : « إن الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبح ، وإذا دعته الوالدة فليقل : لبيك » ‌محمول على النافلة بناء على جواز قطعها ، أو على غير ذلك ، كالصحيح (٣) عن علي بن النعمان الرازي الذي ستعرفه ، والظاهر تحققه بالتكلم بحرفين فصاعدا بلا خلاف أجده بين الأصحاب بل يمكن تحصيل الاتفاق عليه منهم ، وربما كان من معقد صريحه وظاهره ، بل في الحدائق الإجماع عليه صريحا من غير فرق بين المهمل والمستعمل ، وعن نجم الأئمة وشمس العلوم النص عليه ، وفي مرسل الفقيه (٤) و‌خبر طلحة بن زيد (٥) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « من أن في صلاته فقد تكلم » ‌وعن الذخيرة نفي الخلاف فيه كما في الحدائق الإجماع عليه ، ولعله كذلك بشهادة التتبع ، فما في الروضة من أن في اشتراط كون الحرفين موضوعين لمعنى وجهين ، وقطع المصنف بعدم اعتباره في غير محله قطعا ، قال : وتظهر الفائدة في الحرفين الحادثين من التنحنح ونحوه ، وقطع العلامة بكونهما حينئذ غير مبطلين محتجا بأنهما ليسا من جنس الكلام ، وهو حسن ، وهو أغرب من الأول ، ولعل هذا هو الذي ألجأه إلى ذكر الوجهين في ذلك ، وستعرف أن عدم البطلان بصورة الحرفين الظاهرين من التنحنح ونحوه لا يقتضي عدم البطلان بالتكلم بالحرفين حقيقة إلا أنهما غير موضوعين لمعنى ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، خصوصا بملاحظة ما تسمعه.

__________________

(١) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٠ ـ ٢ ـ ٤

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٤٤

بل لولا الإجماع صريحا في المنتهى والذكرى والمحكي من الروض والمقاصد العلية المعتضد بظاهره في المدارك وعن الكفاية وبنفي الخلاف في التذكرة وما عن نجم الأئمة من اشتهاره في اللغة بالمركب من حرفين بعد أن كان فيها لمطلق اللفظ مؤيدا بما صرح به في المنتهى والتذكرة من سلب اسم الكلام عنه وبما فيها وفي الذكرى أيضا من الحرج بالتكليف في اجتنابه لعدم انفكاك الصوت عنه لأمكن دعوى بطلانها بالحرف الواحد بالتكليف في اجتنابه لعدم انفكاك الصوت عنه لأمكن دعوى بطلانها بالحرف الواحد المهمل فضلا عن الحرفين ، لصدق اسم الكلام عرفا ، ضرورة إرادة مطلق اللفظ الذي هو الصوت المقطع من جنس الحروف منه ، وبه يقابل غير الكلام من الأصوات التي لا تقطيع فيها ولا تسمى نطقا ولا لفظا ، مؤيدا بما صرح به بعضهم كما في الحدائق من أنه جنس لما يتكلم به حرفا واحدا أو أكثر ، مع أصالة عدم النقل ، واليه مال في الحدائق ، لكن قال : « إن الأحكام المودعة في الأخبار تبنى على ما هو الغالب المتكرر الذي يتبادر إليه الإطلاق ، وهو هنا ما كان من حرفين فصاعدا ، ولعل إجماع الأصحاب مبني على ذلك » وفيه أن ظاهره تعليل الخروج بعدم صدق الكلام عليه وإدخالهم المهمل ونحوه مما لا ينصرف إليه الإطلاقات ، بل توقفوا في نحو التنحنح والتأوه والأنين ونحوها مما يكشف أن المدار في المقام على مسمى الكلام ، خصوصا وقد عرفت ما في الخبرين (١) من إدخال الأنين في الكلام وغيرهما من النصوص (٢) المسؤول فيها عن التنحنح ونحوه المشعر بخطور هذه الأفراد النادرة في أذهان المخاطبين والمخاطبين لا على ما ينصرف إليه الإطلاقات من الأفراد الشائعة قطعا ، فالعمدة حينئذ في خروج الحرف الواحد الإجماع المحكي المعتضد بالتتبع وبنفي الخلاف وغيرهما مما عرفت.

أما الحرف الواحد المفهم نحو « ق » و « ل » و « ع » فلا ينبغي التوقف في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

٤٥

إبطاله ، لعدم تحقق الإجماع في المقام ، بل صريح الشهيد ومن تأخر عنه أنه كلام لغة وعرفا ومبطل للصلاة ، وفي المنتهى أنه الوجه ، بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن اللغة والعرف ، وكونه لحنا لوجوب إلحاق هاء بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن اللغة والعرف ، وكونه لحنا لوجوب إلحاق هاء السكت حال عدم وصله لا ينافي ذلك ، لأن المدار على صدق الاسم الذي لا يعتبر فيه الصحة ، مع أنه يمكن وصله بالقول الصلاتي فلا وقف عليه ، فما في التذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام ـ من القطع بكونه ليس بكلام ولكن تردد في البطلان وعدمه ، كالقواعد وعن التحرير والدروس من الاعراض به عن الصلاة ، وحصول الإفهام فأشبه الكلام لاشتماله على مقصوده ، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الابطال به كما في التذكرة ، ومن أنه لا يعد كلاما إلا ما انتظم من حرفين ، والحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء كما في المحكي عن النهاية ـ ظاهر الفساد كما عن شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر ، وبعد تسليمه لا جهة للوجه الأول من الإشكال ، ضرورة أنه لا دليل على الابطال بما أشبه الكلام ، وإجماعهم على البطلان بالتكليم بحرفين لا يقضي بعدم البطلان بالمفروض ، إذ لعل ذلك جرى مجرى الغالب ، أو أرادوا ذكر المعلوم المتيقن أو غير ذلك ، على أنه هو كما ترى لا مفهوم له معتبر يشعر بذلك ، اللهم إلا أن يدعى أن مفهوم اللقب حتى في مثل المقام حجة في عبارات الأصحاب ، وبه يثبت الوفاق والخلاف ، ومع تسليمه أقصاه خروجه عن الإجماع على الابطال به لا الإجماع على عدم البطلان به ، فيكفي فيه حينئذ صدق الاسم وعدم صحة السلب ، فتشمله الإطلاقات التي قد عرفت شمولها للفرد النادر في المقام ، على أنه لا ندرة في الفرض ، ودعوى التمسك بإطلاق معقد الإجماع على عدم البطلان بالنطق بحرف واحد كما ترى ، خصوصا بعد جزم حاكي الإجماع بالبطلان هنا أو تردده ، وليس المدار في الفرض على كون المحذوف كالمقدر وعلى ما فيه من الإسناد ، ضرورة ثبوت البطلان للصدق بالمسمى بق مثلا ، بل المدار على كونه مفهما بالوضع.

٤٦

ومنه يعلم أنه لا بطلان بق المقتطعة من قام ، ولا بز وإن انتقل منها إلى زيد يحسب المقام ، بل ولا بطلان بحروف المعاني من ل و ب و د و نحو ذلك ، لعدم الفهم منها وضعا ، والظاهر أن من التكلم بحرفين إشباع حركة الحرف بحيث يتولد منه حرف إذ لا ينقص عن الكلمة المركبة وضعا منهما من غير فرق بين ما كان يمده أشبه الكلمة الموضوعة كبا وتا وثا علما للحروف وبين ما لا يكون كذلك كعا وكا ، لما عرفت من عدم الفرق عندنا بين الموضوع منهما والمهمل ، فما عن الروض من اعتبار ذلك لا يخلو من نظر.

أما مد حرف المد واللين نفسه فقد يقوى عدم البطلان به ، لأن المد على ما حققوه كما قيل : ليس بحرف ولا حركة وإنما هو زيادة في مط ( مد خ ل ) الحرف والنفس وذلك لا يلحقه بالكلام ، وقولهم : يمد بمقدار خمس ألفات مثلا يراد منه التقدير لزمان النطق بالالفات المستقلة كما هو ظاهر العبارة المزبورة أو صريحها ، لا أنها تكون بذلك ألفات متعددة ، ومن هنا قال في الروضة : « والعجب أنهم جزموا بالبطلان بالمد (١) مطلقا وتوقفوا في الحرف المفهم من حيث كون المبطل الحرفين فصاعدا ، مع أنه كلام لغة واصطلاحا » قلت : لا ظهور في كلامهم بالجزم بالبطلان بالمد بالمعنى المزبور بل لعل مرادهم ما ذكرناه أولا ، ففي الذكرى بعد أن حكم بالبطلان بالحرف المفهم قال : « وكذا لو كان الحرف بعده مدة إما ألف أو واو أو ياء » وفي جامع المقاصد في شرح قول الفاضل : وفي الحرف الواحد المفهم والحرف بعده مدة وكلام المكره عليه نظر ، قال : « المسألة الثانية أن الحرف بعده مدة ، والمراد به إشباع الضم أو الفتح أو الكسر في حرف ، وفي الإبطال به نظر ، منشأه من أنه يعد حرفا واحدا ، ومن أن المدة إما وأو أو ألف أو ياء ، وتسميتها مدا لكون حرف المد واللين لا يخل بكونها حرفا ، وهو‌

__________________

(١) الذي في الروضة بالأول يريد به الحرفين فلا إيراد عليه فلاحظ ( منه رحمه‌الله ).

٤٧

الأصح » وفي التذكرة « أما الحرف بعده مدة ففيه نظر أيضا ، ينشأ من تولد المد من إشباع الحركة ولا يعد حرفا ، ومن أنه إما ألف أو واو أو ياء » ونحوه عن نهاية الأحكام ، بل قال هو في المسالك بعد أن ذكر البطلان بالحرف المفهم : « وفي حكمه الحرف بعده مدة ناشئة من إشباع حركته ضما أو كسرا أو فتحا ، فان إشباع أحد هذه الحركات يلحقها بالواو والياء والألف » إلى غير ذلك من عباراتهم التي بعد التأمل فيها يكون العجب منه لا منهم على أن حرف اللين الذي يكون المد فيه مد صوت خاصة لا يمكن النطق به ابتداء لسكونه حتى يكون مع مده من التكليم بحرفين ، إنما المتصور إشباع الحروف المتحركة حتى يتولد منها الحروف المجانسة للحركات كما تسمعه من إرشاد الجعفرية ، هذا. ولكن في جملة من النسخ المعتبرة للروضة « والعجب أنهم جزموا بالحكم الأول مطلقا » إلى آخره. ولعله لا يريد من الإطلاق ما يشمل المد المزبور ، وإلا توجه عليه ما ذكرنا.

وكيف كان فمن الغريب ما في كشف اللثام حيث جعل محل النظر في شرح عبارة القواعد مد الحرف الذي لا يؤدي إلى حرف آخر ، ومن الواضح أنه لا جهة للبطلان حينئذ ، ثم ذكر بعد ذلك أن وجه التردد فيه من أن الحركات المشبعة إنما تكون ألفا أو واوا أو ياء ، ومن أنه لا يعد حرفا ، وهو كما ترى ، والأولى ما عرفت ، ومنه يرتفع الإشكال المحكي عن إرشاد الجعفرية حيث قال : « المراد بالمدة في قولهم : « الحرف الذي بعده مدة » الألف والواو والياء إذا كانت حركة ما قبلها من جنسها » ثم نقل عن المحقق الثاني أن المراد به الحرف الذي فتحته أو ضمته أو كسرته بحيث يتولد الألف أو الواو أو الياء ، ثم قال : « وأنت خبير بأن الحرف الذي بعده مدة لا يمكن التلفظ به إلا معها ، فيكون الملفوظ فيما نحن فيه حرفين قطعا ، فعلى هذا لا ينبغي أنه تكون المسألة‌

٤٨

محل خلاف ولا توقف » قلت : « كما أنه لا ينبغي أن يكون محل خلاف وتوقف ما فرضناه من إشباع الحركات حتى يتولد حروف ، بل وكذا لا ينبغي التوقف في البطلان بحكاية صوت التنحنح والنفخ والأنين والتأوه ونحوها ، ضرورة كونها ألفاظا موضوعة للدلالة على الأصوات المزبورة إلا أنها كان النطق بها مناسبا لمسماها.

نعم في المعتبر ـ بعد أن حكى عن الشيخ البطلان بالنفخ بحرفين والأنين والتأوه بهما ـ قال : « وقال أبو حنيفة : إن التأوه للخوف من الله تعالى عند ذكر المخوفات لا يبطلها ولو كان بحرفين ، ويبطلها لو كان لغير ذلك كالألم يجده » ثم إنه بعد أن ذكر الاستدلال على البطلان بتعمد الكلام وخبر طلحة (١) قال : « وتفصيل أبي حنيفة حسن ، وقد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة ، ووصف إبراهيم عليه‌السلام بذلك (٢) يؤذن بجوازه » قلت : ولا مكان دعوى انصراف أدلة الكلام لغيره لا أقل من الشك ، فيبقى على أصالة عدم المانعية بناء على التحقيق في جريانها ، مضافا إلى إطلاق‌ ما دل (٣) على أن « كل ما ناجيت به الله فهو ليس بكلام » ‌ونحوه مما يمكن ظهوره ولو فحوى في تناول مثل ذلك ، بل لعله من المناجاة كما يشعر به وقوعه في مناجاة زين العابدين عليه‌السلام وغيرها ، وعدم ذكر المتعلق به كمن ذنوبي ونحوه لا ينافيه ، فتأمل.أما الأصوات نفسها فلا بطلان بها ، لعدم عدها حروفا عرفا وإن شابهتها في الصورة كقاش ماش خاق باق ونحوهما ، وهذا التفصيل مع أنه الصحيح الموافق للنظر بعد التأمل ينطبق عليه سائر كلمات الأصحاب إلا بعض متأخري المتأخرين ممن لم يفرق بين المقامين ، فساوى بين الاسم والمسمى لتقاربهما في الصورة ، مع أنه لا ريب في أن الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

(٢) سورة هود ـ الآية ٧٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

٤٩

من الكلام ، ولعل خبري الأنين (١) مبنيان عليه أو على الكراهة لا على أنه مبطل وإن لم يكن كلاما كما في الحدائق ، أو على أن مطلق الأنين كلام ، بخلاف الثاني ، ولذا يقال تنحنح ولا يقال تكلم ، وعليه‌ موثق الساباطي (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته وأهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته وأهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنتظر من هو قال : لا بأس » ‌و‌خبره الآخر (٣) عن رجل من بني عجل « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود قال : لابأس » ‌ودعوى الفرق بين التأوه والأنين وبين النفخ والسعال والتنحنح فيبطل الأولان بخلاف الأخيرة واضحة المنع ، لتساوي الجميع في البطلان مع صدق النطق والتلفظ والتكلم بحرفين ، والعدم مع العدم.

ومن ذلك يعلم ما في كلام جملة من الأعلام حتى العلامة الطباطبائي في منظومته وما في إيراد غير واحد على ما سمعته من المعتبر من أنه إن كان كلاما لم يجز ولو للخوف من الله ، وإلا لجاز بدونه ، فلاحظ وتأمل جيدا.

هذا كله في كلام الآدميين ، أما الذكر والدعاء والقرآن فلا ريب في جوازها مطلقا للأدلة السابقة غير مرة ، حتى لو كان الغرض من فعلها الدلالة على أمر من الأمور كما أومأت اليه نصوص (٤) التنبيه بالتسبيح ونحوه على المقاصد ، لا أن المراد استعمال لفظ الذكر في المقصد ، فإنه يبطل بلا شبهة ، بل المراد استعماله في معناه المسوغ لفعله في الصلاة إلا أنه يشير بفعله مثلا في غير محله وعلو صوته به ونحو ذلك إلى مقصد من مقاصده ، ولعله على هذا ينزل نص غير واحد من الأصحاب على جواز‌ ( ادْخُلُوها

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ و ٤.

(٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤ ـ ٠ ـ

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣ وهو عن إسحاق بن عمار.

٥٠

بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (١) و ( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) (٢) بقصد القراءة وإن قصد مع ذلك التفهيم ، ضرورة إرادة قصد التفهيم بالطريق الذي ذكرناه وإن كان الغرض المراد الآن موافقا لما أريد بالقرآن ، وإلا فلا يمكن جمعهما بقصد واحد ، إذ من المعلوم تباين قصد الحكاية للإنشاء ، ولو فرض أنه قصدهما معا بناء على إمكانه وإن كان خارجا عن الصحيح من الاستعمال إذ ليس المدار هنا عليه أمكن بطلان الصلاة به ، لعدم صدق القرآنية ، بخلاف مطلق الكلام الذي أنيط به البطلان ، ومثله ما لو تكلم بالمشترك من غير تشخيص للقرآنية وغيرها ، واحتمال بناء الحكم فيهما معا على قاعدة الشغل ، أو على أن المبطل الكلام إلا ما كان قرآنا مثلا ، وأن الأصل الصحة ما لم يكن تلفظ بغير القرآن والفرض خروج محل البحث عنهما ، أو صدقهما عليه لعدم قصد المميز لكل منهما أو قصدهما معا واضح البطلان بأدنى تأمل.

كما أنه به أيضا يظهر الحكم فيما لو لم يقصد سوى التفهيم بنحو ( ادْخُلُوها ) إلى آخرها و ( يا يَحْيى ) إلى آخرها وغيرهما ، وإن قال في القواعد والتذكرة : بطل على إشكال ، لأن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم قصده ، وفي الذكرى فيه وجهان :البطلان والصحة بناء على أن القرآن هل يخرج عن اسمه بمجرد القصد أم لا ، قلت :لا ينبغي التأمل في عدم خروج ما فرض كونه قرآنا بأسلوبه ونظمه ونحوهما مما يشخصه ويميزه عن القرآن بمجرد القصد ، ضرورة عدم صحة سلب الاسم عن قراءة القرآن وكتابته ، بل وغيره من قصائد الشعراء وخطب البلغاء بذلك من غير فرق بين الجميع والبعض المختص ، وبذلك ونحوه امتاز المختص عن المشترك ، واحتمال أن مدار الفرق بينهما باحتياج قرآنية الثاني إلى القصد دون الأول لا مع قصد العدم فإنهما حينئذ سواء في نفي‌

__________________

(١) سورة الحجر ـ الآية ٤٦.

(٢) سورة مريم (ع) ـ الآية ١٣.

٥١

القرآنية ضعيف يشهد العرف بفساده ، فظهر حينئذ أنه لا بطلان في مفروض البحث وفاقا لكشف اللثام وغيره ، نعم لو كان المقصود به التفهيم خاصة من القرآن مشتركا اتجه البطلان بمجرد عدم القصد فضلا عن قصد العدم ، ولا جهة لبناء ما نحن فيه على أن هذا المسموع هل هو عين ما أوجده الله تعالى كما عن أبي علي وأبي الهذيل وإلا لبطلت المعجزة لقدرتنا على مثله أو حكاية عنه كما عن أبي الهذيل ، لاستحالة بقاء الكلام ، ضرورة أنه على القولين لا تخرج تلاوة هذا عن كونها قرآنا قطعا ، وإلا لامتنع الوفاء بنذر القراءة على أحد القولين ، بل امتنع فعل الصلاة ، فإنها لا تصح بدونه.

ومنها القهقهة فان تعمدها مبطل بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل في المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وعن غيرها الإجماع عليه ، وقال الصادق عليه‌السلام في الحسن أو الصحيح (١) : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة» ‌و‌سأله عليه‌السلام سماعة (٢) في الموثق « عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال : أما التبسم فلا يقطع الصلاة ، وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة » ‌كمرسل الفقيه (٣) عن الصادق عليه‌السلام « لا يقطع التبسم الصلاة وتقطعها القهقهة ، ولا تنقض الوضوء » ‌وفي‌ المروي عن الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم (٤) عن الصادق عليه‌السلام أيضا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « لا يقطع الصلاة التبسم ويقطعها القهقهة » ‌نعم ظاهرها عدم الفرق بين حالتي العمد وغيره ، لكن في المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وعن كشف الالتباس والغرية وإرشاد الجعفرية والروض والمقاصد العلية والنجيبية والمفاتيح الإجماع على عدم البطلان بالسهو ، ولعله لأن المراد من النصوص الإهمال لا الإطلاق ، فيبقى حينئذ على الأصل ، أو لأنها إنما تنصرف إلى الفرد الشائع‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ ـ ٢ _ ٤

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٦.

٥٢

دون النادر ، وهو ناسي الحكم ، أو أنه في الصلاة.

أما القهقهة اضطرارا ولو بتقصير في المقدمات فيقوى البطلان بها بلا خلاف معتد به أجده فيه ، لا طلاق النصوص ومعاقد الإجماعات ، بل لعله هو الفرد الكثير الذي وقع السؤال عنه في النصوص ، بل قد يظهر من كل من نسب الخلاف فيه إلى الشافعية الإجماع عليه ، بل كأنه يلوح من التذكرة ، حيث قال : « القهقهة تبطل الصلاة إجماعا منا ، وعليه أكثر العلماء سواء غلب عليه أم لا » فما في ظاهر جمل العلم والعمل من الخلاف في ذلك حيث قال : « ولا يقهقه ولا يبصق إلا أن يغلبه » لا ريب في ضعفه كالذي في مجمع البرهان من أن ظاهر الأخبار يعم الاضطرار ، ولا يبعد التخصيص بالخبر (١) مع عدم التصريح بالعموم في الأخبار ، فافهم ، ضرورة كون التعارض فيه حينئذ بعد تسليم إرادة وما يشمل البطلان من خبر الرفع وأن ما نحن فيه مما استكرهوا عليه بالعموم من وجه ، ولا ريب في كون الترجيح لنصوص المقام من وجوه كما هو واضح.

إنما الكلام في المراد من القهقهة ، ظاهر مقابلتها في النصوص بالتبسم جواب السؤال عن الضحك أن ما عدا التبسم قهقهة ، إذ احتمال عدم إرادة بيان حكم جميع الأفراد في الجواب في غاية البعد ، والتبسم معلوم ، واحتمال اقتضاء مقابلته للقهقهة أنه ما عداها أيضا فلم يعلم تمام المراد بكل منهما يدفعه أن معنى التبسم ظاهر عرفا بخلاف القهقهة ، فإنها يمكن دعوى أنها ما عداه قضاء للمقابلة لا العكس المقتضي أن يندرج فيما هو معلوم ظاهر غيره ، ولو قلنا : إن التبسم ليس من الضحك في شي‌ء كما هو مقتضى المحكي عن الجوهري من أنه دون الضحك كان المراد بها مطلق الضحك ، ولعله كذا كان ظاهر المنتهى وجامع المقاصد أنه هو المراد منها هنا ، لكنه كما ترى خلاف ظاهر النصوص والعرف ، بل وكثير من كتب الأصحاب ، بل وبعض كتب اللغة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

٥٣

كالقاموس ، قال فيه على ما حكي عنه : « التبسم أقل الضحك وأحسنه » ولعل مرادهما الضحك المشتمل على صوت كما فسرها به في الروضة والمسالك والمنظومة والمحكي عن الميسية والمقاصد العلية والنجيبية ، بل في الأول وإن لم يكن فيه ترجيع ولا شدة ، وهو الموافق لما حكي عن الزوزني في المفصل والبيهقي في المصادر من أنها الضحك بصوت ، فيكون التبسم حينئذ هو الذي لا صوت فيه كما في التذكرة والذكرى والمدارك والمحكي عن نهاية الأحكام والروض وإرشاد الجعفرية والهلالية ، وهو غير مبطل للصلاة نصا وإجماعا في الأولين إن لم يكن محصلا ، ولعلهم بنوا ما ذكروه في القهقهة على أن العرف يقتضي ذلك ، وأنه مقدم على اللغة ، أو أنهم رجحوا ذلك لغة كما سمعته من الزوزني والبيهقي ، بل يمكن إرجاع الجميع إليه ، فإنه وإن حكي أنه قال في الصحاح والديوان : « القهقهة في الضحك معروفة ، وهي أن يقول : قه قه » وفي الأساس « قه الضاحك إذا قال في ضحكه : قه ، فإذا كرره قيل : قهقه » وفي مجمع البحرين « قه قها من باب ضرب : ضحك ، وقال في ضحكه : قه بالسكون ، فإذا كرر قيل : قهقه من باب دحرج » لكن قد يكون ذلك منهم كناية عن الصوت الذي فيه ترجيع ، كما تعارف التعبير عن السعال بأح أح لا خصوص قه قه ، ضرورة كون المشاهد خلو أكثر أفراد الضحك بل المعلوم أنه من القهقهة من ذلك ، واليه يرجع حينئذ ما قيل من أن في القاموس قهقه رجع في ضحكه أو اشتد ضحكه كقه فيهما » وفي العين « قهقه الضاحك إذا مع ورجح » وكذا تهذيب اللغة عن ابن المظفر ، بل وما في الجمل والمقاييس « من أنها الإغراق في الضحك » وشمس العلوم « أنها المبالغة فيه ».

وبالجملة بملاحظة ما سمعته في النصوص من المقابلة مع ظهور إرادة تعميم البيان لسائر أفراد الضحك لا خصوص فرد منه وبقاء الباقي مضافا إلى ما سمعته من بعض أهل الفقه واللغة يظن إرادة ما عدا التبسم من القهقهة ، سواء اشتمل على لفظ قه قه‌

٥٤

أو لا ، ولعل الأولى في ضبطه ما عرفته من الاشتمال على الصوت ، فالمناقشة حينئذ بأنه مخالف للعرف واللغة فالواجب حينئذ الاقتصار على الثابت من القهقهة وينفى الباقي بالأصل بناء على التحقيق في جريانه في غاية الضعف ، إذ لا ريب في حصول الظن بما ذكرنا ، وهو كاف في موضوع اللفظ والمراد منه ، والظاهر أنه ليس من التبسم الضحك المشتمل على الصوت والترجيع تقديرا ، كما لو منع نفسه عن إظهار كمال الضحك إلا أنه مع ذلك قد امتلأ جوفه ضحكا وأحمر وجهه وارتعش ونحو ذلك مما يقطع بخروجه معه عن التبسم ، فتأمل جيدا.

ومنها أن يفعل فعلا كثيرا ليس من الصلاة فتبطل حينئذ بذلك ، بخلاف القليل بلا خلاف في الحكمين كما في التذكرة ، بل في المعتبر على الأول منهما العلماء ، بل عن نهاية الأحكام وإرشاد الجعفرية ومجمع البرهان والمفاتيح الإجماع عليه بل في المنتهى أنه قول أهل العلم كافة ، وعلى الثاني الإجماع ، كما عن كشف الالتباس الإجماع عليهما معا ، وفي جامع المقاصد وعن الغرية « لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الفعل الكثير في الصلاة وإبطالها به إذا وقع عمدا ، بخلاف القليل كلبس العمامة وقتل الحية والعقرب » إلى آخره. على أن ما تواتر في النصوص فعلا وقولا من الأفعال في الصلاة كاف في صحة الثاني ، ضرورة ظهور كون كثير من مواردها الأفعال القليلة ، بل الظاهر تنزيل الجميع على ذلك ، أو على ما ستعرفه من الفعل الكثير غير المنافي.فمنها‌ ما في الفقيه (١) « أنه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين ابن طاب فحكها ثم رجع القهقرى فبنى على صلاته‌ قال ـ : وقال الصادق عليه‌السلام (٢) : هذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة » ‌وابن طاب تمر بالمدينة ، وعن بعض النسخ « أرطاب » وكأنه تصحيف ، ومنها‌ خبر‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ ـ ٢

٥٥

الحلبي (١) المروي عن مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يخطو أمامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا قال : نعم لا بأس ، وعن الرجل يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة قال : نعم » ‌وفي‌ خبر عمار الساباطي (٢) عنه عليه‌السلام « لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي ، وترضعه وهي تتشهد » ‌و‌سأل علي ابن جعفر أخاه عليه‌السلام في المروي (٣) عن قرب الاسناد « عن المرأة تكون في صلاة الفريضة وولدها إلى جنبها يبكي هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها وتسكته وترضعه؟ قال : لا بأس ، وعن الرجل يكون في صلاته فيرمي الكلب وغيره بالحجر ما عليه؟ قال : ليس على شي‌ء ، ولا يقطع ذلك صلاته » ‌و‌ « رأى محمد بن بجيل الصادق عليه‌السلام يصلي فمر به رجل فرماه بحصاة فأقبل اليه الرجل » (٤) و‌قال عليه‌السلام لعمار بن موسى : « المرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في الصلاة » (٥) ‌وفي‌ صحيح ابن أبي يعفور (٦) « المرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلي تصفق بيدها » ‌وفي‌ خبر أبي الوليد (٧) « أنه عليه‌السلام رخص لناجية في ضرب الحائط لإيقاظ الغلام ».

وعن الخلاف الإجماع على جواز الإيماء باليد وضرب إحدى يديه على الأخرى وضرب الحائط والتكبير والتسبيح للتنبيه ، وفي المرسل (٨) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ١٠ منها ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٥) و (٦) و (٧) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤ ـ ١ـ ٨

(٨) صحيح مسلم ج (٢) ص ٧٣.

٥٦

حمل أمامة بنت أبي العاص وكان يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام » ‌وفي المنتهى « لا بأس أن يعد الرجل عدد ركعاته بأصابعه أو شي‌ء يكون معه من الحصى وشبهه ، وعليه علماؤنا أجمع بشرط أن لا يتلفظ بل يعقده في ضميره ، وليس مكروها ، وبه قال أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة » إلى آخره. و‌قال الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن المغيرة (١) : « لا بأس أن يعد الرجل صلاته بالخاتم أو بحصى يأخذ به فيعد به » ‌ولحبيب الخثعمي (٢) « أحص صلاتك بالحصى ، أو قال : احفظها بالحصى » ‌و‌قال له عليه‌السلام حبيب ابن المعلى (٣) : « إنه لا يحفظ صلاته إلا بتحويل خاتمه من مكان إلى مكان فقال :لا بأس به » ‌و‌في الذكرى أن البزنطي (٤) روى عن داود بن سرحان عنه (ع) في عد الآي بعقد اليد فقال : « لا بأس ، وهو أحصى للقرآن » ‌و‌رأى يونس بن يعقوب (٥) أبا عبد الله (ع) يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين ،و‌ سأله (ع) الحلبي (٦) « عن الرجل يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب فقال : نعم ، وكان أبو جعفر (ع) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب » ‌و « عن الرجل يحتك في الصلاة فقال :لا بأس » (٧) ‌و‌رجل من بني عجل (٨) « عن نفخ الغبار على مكان السجود فقال :لا بأس » ‌و‌حنان بن سدير (٩) « عن الرجل يومي في الصلاة فقال : نعم قد أومأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه » ‌و‌رأى‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٣ ـ ١ ـ ٢

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢.

(٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢ ـ ١

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٣.

٥٧

زكريا الأعور (١) أبا الحسن عليه‌السلام « يصلي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن عليه‌السلام وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى موضعه من الصلاة » ‌وفي‌ خبر السكوني (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « أنه قال في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة تدخل البيت فتفسد الشي‌ء : قال : فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما لم يتكلم » ‌وفي‌ خبره الآخر (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم قال : يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريده ثم يقرأ » ‌ونحوه غيره (٤) في المشي في أثناء الصلاة للحوق بالصف ونحوه ، و‌سأل مسمع (٥) أبا الحسن عليه‌السلام « أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها إلى قال : لا بأس » ‌و‌عمار (٦) في الموثق أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناول نعاله فيقتلها فقال : إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها ، وإلا فلا » ‌ولعله لعدم الخوف منها حينئذ لا لعدم جواز غير الخطوة كي ينافي غيره حتى إطلاق‌ حسن الحسين بن أبي العلاء (٧) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلي المكتوبة قال : يقتلهما » ‌و‌صحيح زرارة (٨) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : في رجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قيام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة والباب ٣٠ من أبواب قواطع الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٦) و (٧) و (٨) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤ ـ ٣ ـ١

٥٨

يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلي أيقتلها؟ قال : نعم إن شاء فعل » ‌وفي‌ خبر ابن أبي أذينة (١) المروي عن محاسن البرقي عن أبي جعفر عليه‌السلام « لدغت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقرب وهو يصلي بالناس فأخذ النعل فضربها ثم قال بعد ما انصرف : لعنك الله ما تدعين برا ولا فاجرا إلا آذيته ، قال : ثم دعا بملح جريش فذلك موضع اللدغة ، ثم قال : لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه إلى ترياق ولا غيره » ‌إلى غير ذلك من أخبار دفن القمل (٢) وقطع الثالول ونزع السن وحك خرء الطير (٣) وعد الاستغفار في الوتر بالسبحة (٤) ونحوها.

وموهم الكثرة المنافية في بعض النصوص (٥) كإطلاق آخر (٦) يجب رده إلى القلة أو غير المنافي من الكثرة للإجماع بقسميه كما عرفت على البطلان بها من غير استثناء ، فاحتمال التخصيص حينئذ ببعض ما في النصوص السابقة لا محل له ، خصوصا والتعارض غالبا في الفرض بالعموم من وجه ، ولا ريب في رجحان مقتضي البطلان من وجوه ، كما أنه يجب طرح أو تنزيل بعض ما يقتضي المنع عن القليل على ما لا ينافي ذلك لما عرفت ، كخبر علي بن جعفر (٧) المروي عن كتاب المسائل لأخيه « سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها إلى جنبها هل يصلح أن تتناوله وتحمله وهي قائمة؟قال : لا تحمل وهي قائمة » ‌فإنه مع معارضته بما سمعت خصوصا الموثق يجب حمله على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٥ من كتاب الأطعمة والأشربة لكن رواه عن ابن أذينة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٣.

٥٩

الكراهة أو غيرها ، واحتمال المنع فيه باعتبار استلزام زيادة الركوع لعدم اشتراط النية فيه يدفعه أولا عدم صدق زيادة الركوع على مثله ، مضافا إلى خبر تناول العصا وغيره والأمر سهل بعد أن ظهر لك ابتناء هذه النصوص على المجمع عليه بين الأصحاب كما عرفت من عدم البطلان بالقليل والبطلان بالكثير.

فما في الحدائق بعد أن ذكر كثيرا من النصوص المزبورة قال : « ويستفاد منها أن ما كان من الأفعال مثل ما اشتملت عليه نوعا أو شخصا فلا بأس به أي وإن كان كثيرا ، وما زاد على ذلك وخرج عنه فهو محل الاشكال ، وإن لم يسم كثيرا عرفا ـ ثم قال ـ : هذا هو القدر الذي يمكن القول به في المقام » في غاية الضعف ، ضرورة ابتنائه على الاعراض عن كلام الأصحاب وعدم الملكة المتصرفة في خطابا السنة والكتاب.نعم قد يقال : إن هذه النصوص إن لم تدل بمقتضى إطلاق بعضها وظهور المورد في آخر على عدم البطلان بالكثير كالقليل فلا ريب في عدم دلالتها على البطلان به ، وقد اعترف غير واحد من الأساطين بعدم الوقوف على نص علق فيه البطلان على الكثير ، فالأصل بناء على التحقيق فيه يقتضي عدم البطلان به كالقليل معتضد بما دل من النصوص على حصر المبطل في غير ذلك ، اللهم إلا أن يقال : إنه يكفي فيه بعد الإجماع بقسميه كما عرفت عليه ، بل لعله كالضروري بين المتشرعة بحيث استغنى بضروريته عن النصوص بالخصوص ، بل من شدة معروفية منافاة الصلاة للفعل الكثير في أثنائها كثر السؤال عن خصوص بعض الأفعال في أثنائها مخافة أنها تكون من المبطل وأغفل ذكر البطلان بالكثير ، ففي الحقيقة هذه النصوص عند التأمل دلالتها على البطلان به أبلغ من دلالتها على العدم به.على أن في بعضها نوع إيماء زيادة على ذلك ، كخبر (١) اشتراط قتل الحية بأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث (٤).

٦٠