جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المقنع ، ولعله ممن يقول بالتخيير ابتداء ، وكان الوجه في ذلك الجمع بين ما دل على التخيير مما سمعت وبين الأمر بالقطع بحمل الثاني على من تلبس فدخل عليه الوقت ، والأول على الابتداء ، لكن فيه أن ظاهر الخبرين اشتراط القطع بخوف فوات الوقت ، فكان المتجه إن كانت هي المستند اعتبار ضيق الوقت ولو الفضيلي على ما ذكره الخصم كما هو ظاهر المروي عن‌ دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام فيمن وقت في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاته قال : « يؤخرها ويمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت فان خاف فوت الوقت قطعها وصلى الفريضة وكذلك إذا انكسفت الشمس » ‌إلى آخر ما سمعته سابقا بناء على إرادة الفضيلي بقرينة الدخول من الوقت فيه ، بل هو مقتضى كلام ابن حمزة في الوسيلة ، قال : « وإن كان وقتها أي الآيات وقت فريضة موظفة ابتدأ بالموظفة ، وإن كان وقتها قريبا من وقت الموظفة ودخل فيها ثم دخل وقت الموظفة أتمها ما لم يخف فوات الموظفة ، فإن خاف فوتها قطعها وصلى الموظفة أو خففها إن أمكن » ولعله يفرق بين الابتداء والإتمام ، فلم يجوز في الأول بخلاف الثاني بأن التلبس يمكن أن يزاحم به الفريضة كما فيمن أدرك ركعة ، خصوصا مع إمكان الجمع بينها وبين ذات الوقت كما هو الفرض.

نعم قد يناقش بظهور الخبرين خصوصا الأخير منهما في الفعل في وقت الفريضة والقطع إذا خشي فواته لا أنه دخل عليه الوقت وهو متلبس بها ، ومنه يعلم بطلان الاستدلال بهما للقول بوجوب البدأة باليومية خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من أدلة التخيير ، وصحيح ابن مسلم وبريد السابق (٢) الدال على الفعل في الوقت إلا إذا تخوف فوات وقت الفريضة سواء أريد وقت الفضيلي أو الاجزائي منه ، ومن الغريب ما في‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

٤٦١

الحدائق من دعوى انطباق جميع النصوص على القول بالبدأة باليومية إذا أريد الوقت الفضيلي من الوقت فيها كما هو الظاهر مما عدا صحيح ابن مسلم وبريد ، أما هو فلا ظهور فيه بذلك إلا أنه يمكن إرادته منه لشيوع إطلاق الوقت عليه ، إذ قد عرفت أنه بناء على ذلك هي ظاهرة أو صريحة فيما ينافي القول المزبور من ابتداء الصلاة في الوقت ولو الفضيلي إذا لم يخش فواته كما لو كان متسعا واقتصر على أقل المجزي في الكسوف ، نعم خبر الدعائم منها ظاهر في التلبس قبله ، إلا أنه صريح في عدم القطع بالدخول ، بل يؤخر حتى يخشى الفوات ، وهو خلاف ما هم عليه ، كل ذلك مضافا إلى انسياق عدم الوجوب من الأمر بالقطع ، لأنه في مقام توهم الحظر ، ولأنه لتدارك أمر مندوب أي الصلاة في الوقت الفضيلي ، فضلا عن معارضة ما يدل على التخيير مما سمعت الذي بمراعاته يجب حمل هذا الأمر على ذلك لا الوجوب الذي هو مع القول بالتخيير واضح الغرابة والفساد.

فالمتجه الذي يجامع القول المزبور بل هو الموافق لجميع النصوص بل هي كالصريحة فيه جواز القطع ورجحانه لتدارك فضيلة الوقت إذا خشي فواته بالإتمام ، بل من تأمل كيفية مطابقة جوابه عليه‌السلام للسؤال ـ الذي ظاهره عن ابتداء صلاة الكسوف فينبغي أن يكون جوابه افعل أو لا تفعل لا اقطع ونحوه الملائم للسؤال عمن تلبس وخاف الفوات بالإتمام ـ علم أن المراد منه ولو بقرينة المخالفة المزبورة الرخصة بالتلبس مع القطع إذا بلغ الحد الذي يخاف من أفعله فوات الوقت ، لا أن السؤال فيها عمن تلبس فبان له ضيق الاجزاء في الأثناء ، إذ هي كالصريحة في خلافه ، وليس المراد البطلان من القطع المزبور حتى يكون الأمر بذلك عبثا لا يليق وقوعه من الحكيم ، بل المراد به ترك الاتصال وفعل الفريضة في أثناء صلاة الكسوف ثم البناء على ما مضى من صلاته ، فهو في الحقيقة مستثنى مما دل على اقتضاء البطلان بمثله ، كالمبطون ونحوه ممن عرفت في محله وضوءه وبناءه على صلاة الفريضة بل وغيره مما جاز فعل الكثير فيه في الأثناء للدليل ، فاستبعاد‌

٤٦٢

ذلك حتى تردد فيه بعض بل قيل بوجوب الاستثناف من رأس في ضيق وقت الاجزاء فضلا عن محل الفرض اجتهاد في مقابلة النص ، أو خطأ واضح في فهم المراد من القطع فيه ، خصوصا في مثل صحيح محمد بن مسلم ويريد المصرح فيه بالاحتساب بما مضى ، وخصوصا بعد الاعتضاد بفهم الأكثر بل المعظم كما في البيان ، بل المشهور نقلا وتحصيلا بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ، وعن السرائر أنه يلوح منها الإجماع ، بل لا خلاف أجده فيه قبل الشهيد في الذكرى إلا ما يحكى عن المبسوط نعم يحكى عن الغرية والروض والشافية ذلك أيضا ، قال في الذكرى : لأن البناء بعد تخلل صلاة واجبة لم يعهد من الشارع تجويزه في غير هذا الموضع ، والاعتذار بأن الفعل الكثير يغتفر هنا لعدم منافاته الصلاة بعيد ، فانا لم نبطلها بالفعل الكثير بل يحكم الشرع بالإبطال والشروع في الحاضرة فإن فرغ منها فقد أتى بما يخل بنظم الكسوف ، فيجب إعادتها من رأس تحصيلا ليقين البراءة ، وهو منه عجيب ، ضرورة أن الشرع حكم بالصحة في النصوص السابقة لا البطلان ، لكن ينبغي الاقتصار على الفصل بالصلاة خاصة ، لعدم ثبوت اغتفار غيره. وكيف كان فقد بان لك من ذلك كله أنه لا محيص عن إرادة الفصل بالصلاة ثم البناء من القطع المزبور ، إلا أن المعروف بين القائلين بالتخيير على الظاهر اختصاص ذلك بمن نلبس فبان له ضيق وقت الاجزاء لا وقت الفضيلي ، ولا من علم الفوات قبل التلبس ، فيبقى الأول على فعله ، لأن الفرض تخييره ، ولا يجوز للثاني أن يشرع ، وكأنهم حملوا الخبرين المزبورين بقرينة قوله عليه‌السلام فيهما : « اقطع » على المتلبس وعلى أن المراد وقت الإجزاء بقرينة صحيح محمد بن مسلم وبريد الذي أطلق فيه خوف فوات الوقت من غير إشعار بالفضيلي فيه ، فيظهر منه حينئذ وقت الاجزاء ، إذ هو الذي يخاف خروج الوقت بفواته ، ويكون المراد منه حينئذ إن تخوفت فابدأ بالفريضة إن لم تكن متلبسا ، وإلا فاقطع ، مضافا إلى موافقة ذلك الاقتصار فيما خالف بطلان الصلاة بمثل‌

٤٦٣

سهذا الفصل على المتيقن ، وعلى محل الضرورة المفقودة في وقت الفضيلي ، إذ الفرض التخيير ، وفيه مع أن إرادة وقت الاجزاء من الصحيح المزبور لا يقتضي إرادته من غيره ، بل أقصاه اقتضاء إطلاق المفهوم عدم وجوب القطع ، وهو مسلم ، ولو أريد عدم الجواز منه كان مقيدا بغيره ، وهو ليس بأولى من حمل الوقت فيه على وقت الفضيلي بقرينة الخبرين المزبورين الظاهرين في إرادة الفضيلي كما عرفت ، خصوصا بعد اعتضادهما بظاهر خبر الدعائم ، ولا استبعاد في المحافظة على فضيلة الوقت الذي هو رضوان الله ، وللمؤمن خير من ماله وولده ، خصوصا بعد أن لم يكن إبطالا للعمل ، بل هو جمع بين حق العملين ، على أن عمدة ما في هذه النصوص من المخالفة هو عدم قدح مثل هذا الفصل والفرض التزامه في حال الضيق ، فمع التزامه لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من ثبوت ذلك للفضيلي ، كما أنه لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من جواز تلبسه بالفعل إلى حصول ما كان يخاف أولا من فعله فوات الوقت ، فيقطع حينئذ ، إذ الفرض خوفه الفوات بالإتمام لا التلبس كما هو واضح ، بل من تأمل حق التأمل علم أن النصوص هنا لوحت بجواب أسئلتها إلى أنه لا ينبغي الخوف على الفريضة بفعل صلاة الكسوف ، لعدم تعين الاتصال عليه بالتلبس ، بل له الفصل بالفريضة إذا خشي الفوات ، فحينئذ يتلبس إلى أن يصل إلى ما يخاف من فعله الفوات فيقطع ، فلا يكون قد أخل بالمبادرة إلى صلاة الكسوف الذي لم يعلم غالبا مقدار مكثه ، ولا فاتته فضيلة الوقت ، بل جمع بين الأمرين.

نعم لو لم يخش فوات الفضيلة كما لو شرع بعدها أو كان وقتها متسعا لم يكن له الفصل المزبور ، لظهور النصوص بل صراحتها في الشرط المزبور ، ودعوى أن الإجماع المركب على خلاف ذلك كله يدفعها التتبع لكلام الأصحاب ، فإنه به يعلم أن لا إجماع لهم مستقر ، لأن من ظاهره البدأة باليومية بين قائل بالقطع بدخول الوقت لو كان متلبسا‌

٤٦٤

وبين قائل بانتظار وقت الموظف كما في الوسيلة والمحكي في الذكرى عن أبي الصلاح ، ومن ظاهره التخيير بين مطلق للقطع أيضا بمجرد الدخول كما سمعته عن الجامع ، بل والمبسوط ، بل في البيان « لو دخل وقت الفريضة متلبسا بالكسوف فالمروي في الصحيح (١) عن الصادق عليه‌السلام قطعها وفعل الحاضرة ثم البناء في الكسوف ، وعليه المعظم » وظاهره بل هو كالصريح من ذيل كلامه فلاحظ وتأمل ذلك مع السعة ، ولعل جماعة منهم مخيرون ، إذ احتمال إرادة خصوص القائلين بابتداء اليومية يدفعه أنهم ليسوا المعظم خصوصا وقد عرفت أن أبا الصلاح وابن حمزة منهم غير قائلين بالقطع بمجرد الدخول ، وفي كشف اللثام « أن ظاهر الفقيه والمقنع والنهاية والمبسوط والمهذب والجامع القطع مع اتساع وقت الحاضرة » إلى غير ذلك ، مع أن كثيرا من عباراتهم خصوصا القدماء الذين يعبرون كعبارة النصوص غير واضح المراد ، فربما عبروا بلفظ قطع ونحوه ويريدون الندب منه أو غير ذلك. وكيف كان فلا إجماع محقق على نفي ما ذكرناه كما هو واضح.

هذا كله مع السعة ، أما مع تضيق أحدهما واتساع الآخر فلا إشكال في تقديم المضيق ، بل في التنقيح والمدارك والحدائق والمحكي عن المنتهى وإرشاد الجعفرية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد معلومية ذلك من أصول المذهب وقواعده ، وبها يخرج عن دعوى إطلاق ما دل على فعل اليومية أو الكسوف بعد تسليمها ، خصوصا بعد عدم معلومية قائل بمقتضاه ، بل صرح في الذكرى بأن الظاهر من القائلين بوجوب البدأة باليومية تقديم الكسوف عند خوف فوات وقته والعلم باتساع الحاضرة ، لكن في كشف اللثام « أن ظاهر الصدوقين ومن تلاهما أي ممن قال بوجوب البدأة باليومية تقديم الفريضة وإن اتسع وقتها وضاق وقت الكسوف » قلت : إلا أن ما تقدم من الأصول والإجماعات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

٤٦٥

السابقة وغيرها فضلا عن إجماع السرائر المتقدم آنفا على تقديم صلاة الكسوف مع السعة فضلا عن ضيقها حجة عليهم ، نعم قد يقال بناء على ما قدمناه من التسبيب في الكسوف وعدم اعتبار وقوع الفعل حال وجود السبب : وإنما يجب المبادرة إلى الفعل حال حصول السبب بجواز القطع في الأثناء إذا خشي فوت الفضيلة ، لا طلاق الأدلة السابقة وترك الاستفصال فيها ، ولا يلزمه جواز الابتداء كذلك ، إذ قد يمنع باعتبار منافاته للمبادرة المزبورة ، بخلاف الفرض فإنه في الفعل ومتلبس به وإن فعل في أثنائه ما فعل ، ولا دليل على وجوب المبادرة في إتمام الفعل في مثله ، بل لعل إطلاق القطع هنا للفضيلة في النصوص السابقة من غير استفصال بين بقاء الكسوف وعدمه دليل على خلافه ، كما أنه يشهد للتسبيب الذي قلناه سابقا ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالمراد حينئذ بضيق وقت الفريضة المانع من صلاة الكسوف عدم سعة فيه للتلبس بها لا أنه غير واسع لتمامها ، إذ قد عرفت أنه لا يتعين عليه الإتمام بالتلبس فحينئذ له التلبس بها إلى بلوغ ما به الفوات فيقطعها ثم يفعل الفريضة في أثنائها ثم يبني على ما مضى من صلاته ، بل قد ينقدح من ذلك ندرة مزاحمة الكسوف للفريضة ، ضرورة إمكان تكبيرة الإحرام ثم فعل الفريضة في أثنائه ، فإذا أريد المحافظة على المبادرة اللازمة للكسوف فعلها ثم صلى الفريضة في الأثناء وجوبا إن ضاق وقتها الاجزائي ، وندبا لإدراك وقتها الفضيلي ، فيكون قد جمع بذلك بين الأمرين ، ولعل إطلاق النصوص المزبورة وما فيها من تعليم القطع ثم البناء عند خوف الفوات وعدم الإشارة في شي‌ء منها إلى ضيق وقت الكسوف وأنه به تتقدم على الفريضة مع السعة فيه كمال الإيماء إلى ذلك.

ومن ذلك كله يعلم الحال فيما لو ضاقا معا الذي هو كأنه لا خلاف عندهم في تقديم اليومية معه كما في كشف اللثام ، بل في الذكرى نفيه على البت ، بل في التنقيح الإجماع عليه ، لمعلومية أهمية اليومية من نصوص المقام وغيرها ، بل المتجه وجوب القطع‌

٤٦٦

لو بان في الأثناء كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل في كشف اللثام على القطع حين خوف الفوات الإجماع على ما في المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الأحكام وكلامهم يعم ضيقهما وإن كنا لم نتحقق التعميم المزبور في بعض ذلك ، إلا أنا في غنية عنه بمعلومية الأهمية ، والنصوص وإن كان قد نزلناها على جواز القطع لخوف فوت الفضيلة إلا أنه لا ريب في أولوية المقام منه بذلك ، ومتى جاز القطع وجب الفعل ، إذ لا مانع إلا التلبس المزبور ، فمع فرض عدم وجوب الاتصال لم يصلح للمانعية ، فما في التذكرة والمحكي عن النهاية من التردد في ذلك من أولوية الحاضرة بالأصل وأولوية صلاة الكسوف بالشروع في غير محله ، خصوصا بناء على ما سمعته منا من عدم التوقيت لتمام صلاة الكسوف ، نعم ما احتمله فيهما من وجوب الإتمام إن كان يدرك مع ذلك من الفريضة ركعة لا يخلو من وجه ، بل مال إليه الطباطبائي في المنظومة وإن كان الأقوى خلافه أيضا لما عرفت من احتمال القطع مع ضيق وقت الكسوف لإدراك الفضيلي فضلا عن الوقت الاختياري للصحة ، هذا كله مضافا إلى ما عرفت من ندرة فرض التضيق على وجه تزاحم به صلاة الكسوف الفريضة بناء على أن المعتبر في الأولى التلبس حال السبب مع الإمكان لا الإتمام ، لعدم التوقيت فيها ، إذ يكفي فيها حينئذ الدخول ولو بالتكبير ثم القطع وفعل الفريضة ، فتأمل جيدا في المقام فإنك لم تجد ما ذكرناه في كتب أحد من الأعلام ، ولذا طال بنا الحال في وضوح ما فيه من الاجمال ، والله الهادي للحق من الضلال.

ثم إن الظاهر جريان جميع ذلك في باقي الآيات للتسوية بين تسبيبها ومسبباتها في النصوص السابقة ، مضافا إلى ما في صحيح ابن مسلم وبريد (١) هنا من ذكر الكسوف وغيره من الآيات ، لكن في الذكرى « لا يتصور في الزلزلة التضيق عند من قال بوجوبها طول العمر فتقدم عليها الحاضرة مع تضيقها ويتخير مع السعة ، وكذا باقي الآيات إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

٤٦٧

قلنا بمساواتها الزلزلة ، وفي انسحاب خلاف الجماعة فيها نظر ، من عدم دلالة الرواية عليه ومن أن اهتمام الشارع بالحاضرة أشد ووجوبها ألزم » وفيه أنك قد عرفت المراد بقولهم وقتها العمر من أنه تصلى أداء فيه فيما لو أهمل أو نسي لا أن المراد التوسعة طوله ، لظهور النصوص في الفورية المنافية لذلك ، كما اعترف هو به سابقا ، فحينئذ يتصور التضيق فيها بل قد عرفت أن التحقيق عدم الفرق بينها وبين غيرها من الكسوف ونحوه من الآيات في كون الجميع من باب الأسباب.

نعم قد يقال في مثل الكسوف ونحوه مما امتد فيه السبب : إنه يعتبر فيه التلبس بالفعل حال وجوده ، لا أنه يجب عليه الفور بمجرد حصوله ، ومن هنا صح فرض التوسعة فيه وفي اليومية ، أما في مثل الزلزلة ونحوها مما يجب فيه الفور ولا امتداد للسبب فيه غالبا فلا يتصور التوسعة فيهما معا حتى يتخير فيهما ، بل المتجه حينئذ التلبس بصلاة الآيات ، وإذا خاف من الإتمام فوات فضل الفريضة أو إجزاءها وجب القطع أو رجح وفعل الفريضة في الأثناء ثم البناء بعد ذلك كما تضمنه الصحيح المزبور ، فتأمل جيدا.

ومن ذلك يعلم الحال فيما ذكره فيها أيضا من أنه « لو ضاق وقت الوقوف بعرفة أو المشعر ولم يبق للمكلف إلا قدر يسع الوصول إليهما وأقل المكث فيهما ففتحت صلاة الآيات فالأقرب فعلها ما شيئا تحصيلا للواجبين إذا خاف سبق وقتها ، نعم لو كان في زلزلة أخرها لعدم التوقيت » إذ فيه ما عرفت من أن الزلزلة كغيرها في ذلك باعتبار الفورية كما هو واضح.

هذا كله في الفريضة اليومية ، أما لو كان التعارض بين الآيات وغيرها مما وجب بالأصل كالعيد أو بالعارض كالنافلة المنذورة فقد يقال : إن المرجع فيه ما تقتضيه القواعد من التخيير في السعة والتضيق فيهما وفعل خصوص المضيق منهما ، لكن في الذكرى « لو كانت صلاة الليل منذورة فكالفريضة الحاضرة في التفصيل السابق ، وهل ينسحب‌

٤٦٨

فيها قول البناء وكذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة الكسوف؟ الظاهر لا ، اقتصارا على مورد النص مع المخالفة للأصل ـ وقال ـ : إذا اجتمع الكسوف والعيد فان كانت صلاة العيد نافلة قدم الكسوف ، وإن كانت فريضة فكما مر من التفصيل في الفرائض ، نعم تقدم على خطبة العيد إن قلنا باستحبابها كما هو المشهور » وفيه ما لا يخفى مع فرض اختصاص النصوص في اليومية ، لعدم ثبوت الأهمية من غيرها ، ولو قلنا بشمولها كان الظاهر جريان القطع ثم البناء لا عدمه ، وتمثيله بالكسوف مع العيد نظرا إلى قدرة الله وإن لم يكن معتادا ، قال هو فيها : « قد اشتهر أن الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين عليه‌السلام كسفة بدت الكواكب نصف النهار فيها رواه البيهقي (١) وغيره ، وقد قدمنا أن الشمس كسفت يوم وفاة إبراهيم بن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروى الزبير ابن بكار في كتاب الأنساب (٢) أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول ، و‌روى الأصحاب (٣) أن من علامات المهدي عليه‌السلام كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان » ‌قلت : خصوصا والمروي في الكافي (٤) والفقيه (٥) وتفسير ابن إبراهيم (٦) عن علي بن الحسين عليهما‌السلام من كيفية الكسوفين خلاف ما يقوله المنجمون من الحيلولة ونحوها ، بل هو انطماس الشمس والقمر في البحر الذي خلقه الله بين السماء والأرض إذا أراد الله أن يستعتب عباده على كثرة ذنوبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك الذي فيه مجاري الشمس والقمر أن يزيله عن مجاريه ، فتصير الشمس‌

__________________

(١) و (٢) سنن البيهقي ج ٣ ص ٣٣٧.

(٣) بحار الأنوار ج ٥٥ ص ١٥٢.

(٤) روضة الكافي ـ ص ٨٣ الرقم ٤١ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧ « حديث البحر مع الشمس ».

(٥) الفقيه ج ١ ص ٣٤٠ ـ الرقم ١٥٠٩ المطبوع في النجف.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٦٩

في ذلك البحر فيطمس ضوؤها ويتغير لونها وكذلك القمر ، بل قال الصدوق بعد رواية ذلك إن الذي تخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق كما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شي‌ء ، وإنما يجب الفزع إلى المساجد للصلاة عند رؤيته لأنه مثله في النظر وشبيه له في المشاهدة ، كما أن الكسوف الذي ذكره علي بن الحسين عليهما‌السلام إنما وجب الفزع فيه لأنه آية تشبه آيات الساعة ، وكذلك الزلازل والرياح والظلم ، بل عن البحار أن ذلك قوي متين ، إذ رأى وقوع الكسوفين في غير الوقت الذي يمكن وقوعهما فيه عند المنجمين كالكسوف والخسوف في يوم شهادة الحسين عليه‌السلام وليلته ، وما روي من وقوعهما عند ظهور القائم عليه‌السلام في غير أو انهما ، وعن والده يحتمل أن يكون ما في الخبر غير ما عند المنجمين كما يقع في بعض الأوقات على خلاف قولهم ، وشاهدناه مرارا ، قلت : لكن وقوعه بقدرة الله تعالى كذلك لا ينافي ما عند المنجمين نعم الخبر المزبور ظاهر المنافاة له وإن أمكن على بعد تطبيقه عليه.

وكيف كان فليعلم أن الظاهر حيث تجب البدأة باليومية مطلقا أو في حال تضيق وقتها بعد أن استقر وجوب صلاة الكسوف عدم البطلان لو خالف بناء على عدم اقتضاء النهي عن الضد ، واختصاص الوقت في الشريكة لا مطلق الفريضة ، واحتمال ظهور النصوص هنا في البطلان يدفعه أولا أنه لا يتم بناء على ما ذكرناه فيها من إرادة الوقت الفضيلي فيها ، فلا يكون الأمر بالبدأة والقطع فيها للوجوب ، وثانيا أنه بعد تسليمه لا ظهور في شي‌ء منهما بالشرطية المقتضية للبطلان حتى الأمر بالقطع المكنى به عن فعل الفريضة في الأثناء لا الابطال ، فتأمل جيدا.

ولو اشتغل بالحاضرة في حال الضيق فانجلى الكسوف فان كان قد فرط في تأخير الكسوف فلا إشكال في القضاء ، كما أنه لا خلاف ولا فرق بين الاستيعاب وعدمه كما عرفته سابقا مفصلا ، وإن لم يكن مفرطا فالمشهور عدم القضاء سواء فرط في تأخير الحاضرة‌

٤٧٠

أولا ، وسواء كان عالما بحصول الكسوف أولا ، للأصل وإطلاق نفي القضاء في النصوص السابقة بعد مضي السبب ، ولعدم حصول سبب القضاء الذي به يتحقق الفوات ، ضرورة عدم التكليف بها مع الفريضة بعد فرض قصور الوقت عنهما ، فينحصر الخطاب حينئذ بالحاضرة ، ويسقط التكليف بها ، فلا فوات حينئذ ، وتأخير الحاضرة كان مباحا إلى ذلك الوقت المقتضي عدم التكليف بها ، والعلم بوقوع الكسوف لو حصل لا يوجب عليه المبادرة ، ضرورة عدم وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، لكن في الذكرى والبيان أن الأقرب القضاء إن كان قد فرط في فعل الحاضرة أول الوقت ، لاستناد إهمالها إلى ما تقدم من تقصيره ، قيل : وتبعه عليه العليان وثاني الشهيدين ، بل عن الأخير ذلك أيضا إذا كانت الحاضرة واجبة وإن كان التأخير بغير اختياره ، قال : « أما إذا كان معذورا فيه عذرا يرفع التكليف كالصغر والجنون والإغماء والحيض فوجهان ، والعدم أوجه » وفي الذكرى أن عدم القضاء أظهر لعدم التفريط ، قال : « وفي إجراء الناسي والكافر يسلم عند الضيق مجرى المعذور عندي تردد ، لأن التحفظ من النسيان ممكن غالبا ، والكافر مأخوذ بالإسلام ومخاطب بالصلاة ، ومن عموم « رفع » و « الإسلام يجب ما قبله » ولو قيل بقضاء الكسوف مطلقا كان وجها ، لوجود سبب الوجوب فلا ينافيه العارض » قلت : كأنه أشار بذلك إلى احتمال التسبيب الذي يشهد له مضافا إلى ما عرفت إطلاق النصوص في المقام وجوب فعل صلاة الكسوف ، بل خلوها عن التعرض للسقوط فيما لو ضاق وقت الحاضرة وكان الاشتغال بها يخرج معه الكسوف الذي هذا المقام مقام بيانه باعتبار كون السؤال عن مثل ذلك ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فوجوب القضاء متجه بناء على كونه سببا في الوجوب مطلقا كتسبيب الجنابة الغسل ، بل هو ليس من القضاء في شي‌ء ، فمقتضاه حينئذ الوجوب حتى على الفاقد شرائط التكليف بعد وجدانها كالجنابة ، لكنه في غاية البعد ، بل مقطوع‌

٤٧١

بعدمه في مثل الحائض كما اعترف هو به ، قال : أما الحائض فلا تقضي الكسوف الحاصل في أيام الحيض ، لأن الحيض مانع للسبب بخلاف بقية الأعذار ، فإنه يمكن كونها مانعة الحكم لا السبب ، اللهم إلا أن يفرق بينها وبين غيرها بما ورد فيها من أنها تقضي الصوم دون الصلاة ، فيكون الحيض حينئذ مانعا للسبب بخلاف باقي الأعذار مما لم يرد فيها ذلك فيبقى إطلاق السبب بحاله ، وفيه أنه ليس في الأدلة ما يقضي بالتسبيب المزبور ، بل ظاهرها باعتبار ظهورها في المبادرة للفعل حال السبب أو في إيجاد تمام الفعل في وقت السبب على اختلاف الرأيين اعتبار جميع شرائط التكليف في التسبيب ، بل وشرائط المكلف به التي منها عدم الموانع ، فحينئذ يتجه عدم القضاء فيما نحن فيه مما منع منه الاشتغال بالفريضة فضلا عن فقد شرائط التكليف كالعقل والبلوغ ونحوهما بناء على التسبيب فضلا عن التوقيت ، وإطلاق نصوص المقام وخلوها عن التعرض للسقوط يمكن أن يكون مبناه ما أشرنا إليه سابقا من ندرة ضيق وقت الكسوف عن التلبس بصلاته ، وهو كاف في الامتثال وإن قطع وفعل الفريضة في الأثناء إذا خاف فواتها ، فتأمل.

ومن ذلك كله يظهر ما في منظومة العلامة الطباطبائي ، فإنه وإن أجاد فيها ببيان عموم وجوب فريضة الآيات لسائر المكلفين حر أو عبد حاضر أو مسافر أعمى أو مبصر رجل أو امرأة عدا الحائض والنفساء ، فإنهما لا أداء عليهما في الموقتة ولا قضاء ، لكن قال : أما التي تمتد طول العمر فإنها تلزم بعد الطهر مشيرا بذلك إلى ما كان من الآيات من الأسباب كالزلزلة ، وفيه مضافا إلى ما عرفت سابقا من المراد بالتوقيت طول العمر أنه يمكن منع التسبيب في مثلهما أيضا بعد أن جعل الشارع الحيض والنفاس مانعا من التكليف بالصلاة ، فهما حينئذ كالجنون وعدم البلوغ ونحوهما في ذلك ، والفرق بينهما بقابلية الحائض للخطاب بالفعل ولو فيما بعد الحيض بخلاف الجنون ونحوه ـ بل‌

٤٧٢

ليس الحيض ونحوه إلا من موانع صحة الفعل في ذلك الحال لا أصل التكليف ـ غير مجد بعد أن استظهرنا من الأدلة كون التسبيب على الكيفية المزبورة ، فتأمل.

وكذا يظهر مما ذكرنا أيضا البطلان لو خالف بأن ترك الحاضرة واشتغل بالكسوف حينئذ لا للنهي عن الضد ولا لغيره مما عرفت سابقا ، بل لعدم التكليف به حينئذ لقصور الوقت بخلاف ما تقدم مما استقر فيه وجوب الكسوف فلم يفعله حتى ضاق وقت الفريضة ، فإن الأظهر فيه الصحة لو خالف ، إذ احتمال تمحض الوقت للفريضة على وجه الاختصاص بحيث لا يقع صلاة الكسوف فيه لا دليل عليه ، بل أقصاه وجوب التقديم للأهمية ، فهو كالمضيق الذي يجب فعله لضيقه فتركه واشتغل بالموسع ، فإن الأقوى فيه الصحة كما بيناه في الأصول ، بل قد يقال بالصحة في الفرض أيضا لو خالف وإن كان الوقت قاصرا ، لا طلاق دليل الوجوب الذي قيد في حال عدم المعصية بدليل اليومية أما لو عصى فتركها وصلى غيرها فيبقى تحت الإطلاق ، لعدم المعارض له في هذا الحال ، وحينئذ لا فرق في المطلقين بين الموقتين وغيرهما ، وبين تضيقهما بالعارض من سوء اختيار نحوه ، والضيق من أول الأمر والممتنع عقلا امتناعا يوجب رفع الخطاب أصلا في الموقتين بوقت مشخص يقصر عنهما ، فلو جاء في الأدلة الظاهرية مثله وجب العمل بما يرجح منهما وطرح الآخر بخلاف المطلقين ، فتأمل جيدا ، ولتفصيل المقام محل آخر هذا.

وفي الذكرى لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد كالكسوف والزلزلة والريح المظلمة فإن اتسع الوقت للجميع تخير في التقديم ، ويمكن تقديم الكسوف على الآيات لشك بعض الأصحاب في وجوبها ، وتقديم الزلزلة على الباقي ، لأن دليل وجوبها أقوى ولو اتسع لصلاتين فصاعدا وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل قويا هنا تقديم الكسوف ثم الزلزلة ثم يتخير في باقي الآيات ، ولا يقضى ما لا يتسع له إلا على احتمال‌

٤٧٣

عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة في الآيات ، ولو وسع واحدة لا غير فالأقرب تقديم الكسوف للإجماع عليه ، وفي وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء أو قضاء وجهان ، وعلى قول الأصحاب بأن اتساع الوقت ليس بشرط يصليها من بعد قطعا ، وكذا الكلام في باقي الآيات ، وهو جيد على التوقيت ، لكن لا يخفى عليك ما في احتمال ترجيحه الكسوف والزلزلة في الموسع إن أراد به الوجوب بل والندب ، نعم يمكن الترجيح بنحو ذلك عند التضيق على إشكال ، على أنا لم نعرف من شك في وجوب ما عدا الكسوفين من الآيات مطلقا ، وما في ذيل كلامه مما حكاه عن الأصحاب في الزلزلة وفي الوجهين في خصوصها على تقدير غيره ، فتأمل ، وأما على القول بالتسبيب كالجنابة فلا إشكال في وجوب الجميع ، والأقوى التخيير ، وعلى ما ذكرناه فيه فهو كالموقت يجري فيه ما قاله في الموقت إلا ما سمعته فيه ، والله أعلم.

المسألة الثانية إذا اتفق صلاة الكسوف في وقت نافلة الليل فالكسوف أولى إجماعا بقسميه ونصا ، بل في معقد إجماع التذكرة والمحكي منهما عن المعتبر والمنتهى مطلق النافلة ، وفي الأخير موقتة أولا ، راتبة أولا ، وفي الأولين وإن خرج وقت النافلة‌ قال محمد بن مسلم (١) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل فبأيهما نبدأ؟ فقال : صل صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح » ‌وله وغيره من أدلة القضاء قال المصنف كغيره من الأصحاب ثم يقضي النافلة لكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كان الوقت واستعمالهما ولم يكن قد صلى النافلة حتى ضاق الوقت ، أما إذا لم يكن كذلك بل كان لا يسع إلا أحدهما فاشتغل بالكسوف ففات الوقت ففي القضاء وعدمه وجهان من إطلاق الأمر به ، ومن عدم حصول سبب الأداء ، لقصور الوقت بناء على أن موضوع القضاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٧٤

فيه الفوات أو تحقق الخطاب ، وعلى كل حال فلو عصى واشتغل بالنافلة بطلت لما عرفت سابقا ، مع احتمال الصحة لا طلاق الأمر بها ، أما لو كان الوقت واسعا فالجواز وعدمه مبنيان على التطوع وقت الفريضة بناء على شمولها للكسوف ، وفي جامع المقاصد أن الأولوية هنا بمعنى الأحقية ، فلو قدم صلاة الليل مع القطع بسعة الكسوف فالظاهر الجواز ، وكذا غير نافلة الليل من النوافل ، لكن قال : وظاهر المصنف في كتبه العدم وهو مستفاد من إطلاق قولهم : تصلى النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة ، بل في مفتاح الكرامة ليس ذلك ظاهر المصنف وحده ، بل ظاهر إطلاق الفتاوى والإجماعات أنه لا فرق بين ما إذا اتسع وقت صلاة الفريضة بحيث ما لو أتى بالنافلة أدركها بعدها أولا ، بل بذلك صرح الشهيد وغيره ، قلت : كأنه يريد المنع هنا وإن قلنا بالجواز هناك كما هو كالصريح من بعضهم ، وهو وإن كان قد يشهد له مضافا إلى ما ذكره إطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح محمد بن مسلم (١) : « صل صلاة الكسوف قبل صلاة الليل » ‌لكن حمله على مطلق الرجحان كالاطلاقات السابقة ممن لم يقل بحرمة التطوع قبل الفريضة ليس بذلك البعيد بناء على جواز التطوع وقت الفريضة ، بل يمكن القول بالجواز هنا وإن قلنا بالمنع هناك بناء على انسياق اليومية من أدلته ، فلا معارض لإطلاق أدلة فعل النافلة إلا الخبر المزبور المعارض من وجه ، ولا ترجيح ، فالأصل الجواز ، أو يحمل على إرادة الرجحان ، خصوصا بعد معلومية أولوية الفريضة منها ، والفرض جواز التطوع في وقتها ، فهي بطريق أولى ، ومعاقد الإجماعات كإطلاق كثير من الفتاوى غير مساقة لبيان ذلك ، بل المراد منها أولوية الكسوف من النافلة ولو على جهة الرجحان لا مقابل رجحان الفريضة عليها ، فمن الغريب دعوى عدم الجواز هنا وإن قلنا بالجواز هناك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١ عن أحدهما عليهما‌السلام.

٤٧٥

استنادا إلى هذه الإطلاقات ، خصوصا بعد ما سمعته من الكركي ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثالثة ظاهر المحكي عن ابن الجنيد خاصة أنه يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة المفوت للاستقرار وغيره اختيارا تبعا للمحكي عن الجمهور مع زيادة وماشيا ، وقيل والقائل غيره من الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم فيه بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا لا يجوز ذلك إلا مع العذر كالفرائض اليومية وهو الأشبه بل أصح ، بل لا وجه صحة في غيره ، بل من الغريب من المصنف تقديم الأول عليه ، والتعبير عنه بلفظ القيل والأشبه ، وأغرب منه ما في التنقيح من دعوى أن المصنف في المعتبر حكى الجواز اختيارا كالنوافل ، والذي فيه « ولا تصلى على الراحلة مع الإمكان ، وتجوز مع الضرورة » وقال ابن الجنيد : استحب أن يصلى بها على الأرض ، وإلا فبحسب حاله ، وقال الباقون : تصلى على الراحلة كغيرها من الفرائض ، ومراده كغيرها من الصلاة في حال الضرورة بقرينة قوله بعد ذلك : ويؤيده خبر عبد الله بن سنان (١) إلى آخره. بل المحكي عن ابن الجنيد ليس بذلك الظهور ، لأنه قال : « هي واجبة على كل مخاطب سواء كان على وجه الأرض أو راكب سفينة أو دابة عند تعينه به ، ويستحب أن يصليها على الأرض ، وإلا فبحسب حاله » ومن هنا قال في المحكي عن المختلف : وهو مشعر بذلك.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه ، لما عرفت سابقا من مشاركة هذه الفريضة لغيرها من الفرائض في جميع ما يعتبر فيها من شرائط وموانع وكيفية وغيرها ، وإنما تزيد ببعض الأمور التي عرفتها ، فقول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الرحمن (٢) : « لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض » ‌لا إشكال في شموله لها ، وأوضح منه‌ خبر عبد الله بن سنان (٣) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « أيصلي الرجل شيئا من المفروض‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٤ ـ ١ ـ ٤

٤٧٦

راكبا؟ فقال : لا إلا من ضرورة » ‌بل قد يظهر من‌ مكاتبة علي بن الفضل الواسطي (١) للرضا عليه‌السلام معلومية ذلك ، وأن الاشكال في حال الضرورة ، قال : « كتبت اليه عليه‌السلام إذا انكسفت الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول فكتب إلى صل على مركبك الذي أنت عليه » ‌بل لو كان الجواب فيه مبنيا على السؤال كان دالا بالمفهوم على المطلوب ، والله أعلم.

إلى هنا تم الجزء الحادي عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله

وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية

المصححة المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه وقد خرج

خاليا عن الأغلاط إلا ما ندر وزاغ عنه البصر

ويتلوه الجزء الثاني عشر في صلاة الأموات

وبقية الصلوات إن شاء الله

تعالى

عباس القوچاني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

٤٧٧

فهرس الجزء الحادي عشر

من كتاب جواهر الكلام

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٢

بطلان الصلاة بالحدث

٤٢

حكم الالتفات بالوجه سهوا

١٥

بطلان الصلاة بالتكتيف

٤٣

حكم الالتفات جبرا

٢١

عدم الفرق في التكتيف بين وضع اليمنى على اليسرى والعكس

٤٤

بطلان الصلاة بالتكلم بحرفين فصاعدا

٢٢

عدم الفرق في التكتيف بين الوضع فوق السرة وتحتها

٤٥

حكم التكلم بالحرف الواحد المفهم للمعنى

٢٣

عدم بطلان الصلاة بالتكتيف سهوا

٤٧

حكم المد الزائد

٢٤

عدم بطلان الصلاة بالتكتيف تقية

٤٩

حكم التنحنح والنفخ والأنين والتأوه ونحوها.

٢٥

بطلان الصلاة بالاستدبار

٤٩

حكم الأصوات

٢٧

بيان حكم صور الالتفات

٥٠

حكم الذكر والدعاء والقرآن في الصلاة

٣٠

حكم الالتفات بالوجه إلى الخلف مع فرض إمكانه

٥٠

حكم التنبيه بالتسبيح ونحوه على المقاصد في الصلاة

٣١

حكم الالتفات بالوجه يمينا وشمالا

٥٢

بطلان الصلاة بالقهقهة عمدا

٣٦

حكم الالتفات سهوا

٥٣

بطلان الصلاة بالقهقهة اضطرارا

٤٠

عدم الفرق في وجوب إعادة الصلاة في الوقت وخارجه بين الالتفات دبرا وبين الالتفات بكله يمينا وشمالا

٥٣

بيان المراد من القهقهة

٤١

حكم الالتفات سهوا بما لا يخرج عن المشرق والمغرب

٥٥

بطلان الصلاة بالفعل الكثير

٥٥

عدم بطلان الصلاة بالفعل القليل

٦٢

الفعل المبطل منحصر بالماحي لصورة الصلاة

٤٧٨

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٦٣

المرجع في مسمى الكثرة هو العرف

٨٦

كراهة مدافعة البول والغائط في الصلاة

٦٥

حكم الفعل الكثير إذا وقع سهوا في الصلاة

٨٩

كراهة مدافعة الريح في الصلاة

٦٨

حكم السكوت الطويل ونحوه في الصلاة

٨٩

وقت كراهة مدافعة الأخبثين

٦٩

بطلان الصلاة بالبكاء

٩٠

كراهة التكاسل والتشاغل والغفلة واللهو والاحتفاز والاكتمام والامتخاط والتنخم والصلب في الصلاة

٧٠

حكم البكاء سهوا في الصلاة

٩٢

كراهة تشبيك الأصابع وتغميض البصر وإطلاقه والتصفيق باليد للحاجة وحديث النفس ولبس الخف الضيق في الصلاة

٧٠

حكم البكاء قهرا في الصلاة

٩٣

استحباب التحميد إذا عطس في الصلاة

٧١

حكم البكاء على الميت في الصلاة

٩٥

استحباب التسميت في الصلاة

٧٢

حكم البكاء لشفاء مريض أو لطلب ولد في الصلاة

٩٨

عدم استحباب التسميت في الصلاة لغير المؤمن

٧٣

حكم البكاء على الحسين والأئمة عليهم السلام في الصلاة

٩٨

عدم اشتراط التسميت بتحميد العاطس وصلاته على النبي (ص)

٧٤

اعتبار الصوت في البكاء

٩٩

استحباب التسميت عيني لا كفائي

٧٧

بطلان الصلاة بتعمد الأكل والشرب

٩٩

حكم التسميت للصبي المميز

٨٠

حكم الأكل والشرب في الصلاة سهوا

٩٩

استحباب الرد على كل واحد

٨٠

حكم الشرب في صلاة الوتر

٨٢

كراهة عقص الشعر في الصلاة للرجل

٨٥

كراهة التثاؤب والتمطي والعبث ونفخ موضع السجود والتنخم وأن يبصق أو يفرقع أصابعه في الصلاة

٨٦

كراهة التأوه والأنين بحرف واحد في الصلاة

٤٧٩

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

لو سمته جماعة

١١٨

آداب السلام

١٠٠

حكم رد السلام في الصلاة

١١٨

جواز الدعاء في جميع أحوال الصلاة

١٠١

كيفية رد السلام في الصلاة

١٢٠

جواز الدعاء على غير المؤمن في الصلاة

١٠٥

حكم رد التحية في الصلاة إذا كانت بلفظ الصباح والمساء ونحوهما

١٢١

بطلان الصلاة لو طلب شيئا محرما فيها

١٠٦

وجوب رد الكلام كفائي لا عيني

١٢٢

جواز قطع الصلاة إذا خاف المصلي تلف مال أو فوات غريم أو تردي طفل أو نحو ذلك

١٠٧

عدم سقوط الرد برد الصبي المميز

١٢٣

عدم جواز قطع الصلاة اختيارا

١٠٨

عدم جواز رد السلام من المصلى لو رده غيره

١٢٦

جواز قطع النافلة اختيارا

١٠٨

كيفية رد السلام في الصلاة

١٢٧

حكم ما يجب قطع الصلاة له

١١٠

عدم الفرق في وجوب الاسماع بين كون المسلم من وراء ستر أو حائط وعدمه

١٣٠

صلاة الجمعة

١١١

فورية رد السلام وتعجيله

١٣١

فضل يوم الجمعة

١١٢

أولوية ترك السلام على المصلي

١٣٣

استحباب الجهر في صلاة الجمعة

١١٣

رد السلام في الصلاة مستثنى من حرمة كلام الآدميين

١٣٤

وقت صلاة الجمعة

١١٤

تحقق الرد في الصلاة بنحو سلام عليكم وغيرها من الصيغ

١٤١

وجوب إتمام الجمعة لو خرج الوقت بعد التلبس بها

١١٥

كيفية رد السلام على الكافر

١٤٢

فوات الجمعة بفوات الوقت

١١٧

حكم رد السلام على الأجنبية في الصلاة

١٤٣

حكم ما لو وجبت الجمعة عينا فصلى الظهر

١٤٤

ثبوت الجمعة على من تيقن أن الوقت يتسع الخطبة وركعتين خفيفتين

١٤٥

حكم من غلب على ظنه أن الوقت غير متسع

٤٨٠