جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( خاتمة )

( قواطع الصلاة قسمان )

أحدهما يبطلها عمدا وسهوا ، وهو كل ما يبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختيار أو خرج كالبول والغائط وما شابههما من موجبات الوضوء ، والجنابة والحيض وما شابههما من موجبات الغسل بلا خلاف أجده في حال العمد ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعل المنقول منه متواتر ، بل قد أجاد من ادعى ضروريته من المذهب ، فمن الغريب ما يحكى عن المجلسي رحمه‌الله من قوة ما عساه يظهر من إطلاق الصدوق عدم بطلان الصلاة بالحدث عمدا بعد الجلوس من السجدة الثانية من الركعة الرابعة بل يتوضأ ويرجع ، للنصوص (١) التي ستسمعها ، مع أن سياق عبارته إنما تقتضي السهو ، خصوصا والمحكي عن أماليه أن ذلك من دين الإمامية ، على أنه غالبا يعبر بمضمون النصوص ، كما أنه من الغريب أيضا ما ظن من إطلاق المحكي عن العماني عدم إبطال الحدث للصلاة بالطهارة الترابية إذا أصاب ماء بعد الحدث ، فإنه يتوضأ ويرجع لإتمام الصلاة وإن أحدث عمدا ، إذ لا يبعد أن يكون من ظن السوء في المؤمن المنهي عنه في الشريعة ، بل لعل السهو أيضا كذلك ، بل في التذكرة وعن الأمالي والناصرية ونهج الحق ونهاية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد.

٢

الإحكام الإجماع عليه ، وكذا مجمع البرهان وعن الروض لكن إذا كانت الطهارة مائية وفي التهذيب « منعت الشريعة للمتوضئ إذا صلى ثم أحدث أن يبني على ما مضى من صلاته ، لأنه لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه » وسياق كلامه يقتضي الأعم من السهو والعمد ، بل كاد يكون كالصريح منه ، كما أنه يظهر من الأصحاب في غير المقام المفروغية من هذا الحكم ، ولذا استدلوا ببعض النصوص (١) المتضمنة للحدث قبل التسليم على استحبابه وندبيته.

لكن ومع ذلك ففي المتن قيل : لو أحدث ما يوجب الوضوء سهوا تطهر وبنى وليس بمعتمد ولم أجده لأحد من الأصحاب وإن كان قد حكي عن خلاف الشيخ ومبسوطة ومصباح المرتضى ، ولم يحضرني الثالث منها ، أما الأول فالذي فيه « أن من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا فيه روايتان : إحداهما وهو الأحوط أنه يبطل صلاته » ومثله حكي عن المرتضى ، وهو مع أنه في السبق لا السهو وكما ترى لا يعد مخالفا ، خصوصا وقد قال في الخلاف بعد أن حكى خلاف العامة : دليلنا وذكر نصوص المشهور والرواية المخالفة ، ثم قال : والذي أعمل عليه وأفتي به الرواية الأولى وخصوصا بعد ما عرفت من نفيه الخلاف في التهذيب كالإجماع من الناصريات. وأما الثاني فقد قال فيه أولا : إن تروك الصلاة على ضربين : مفروض ومسنون ، وعد من الأول أن لا يحدث ما ينقض الوضوء ، ثم قال : وهذه التروك الواجبة على ضربين :أحدهما متى حصل عامدا كان أو ناسيا أبطل ، وهو جميع ما ينقض الوضوء ، فإنه إذا انتقض الوضوء انقطعت الصلاة ، وقد روي أنه إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء وبيني ، والأحوط الأول ، وظاهره أو صريحه الموافقة أيضا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٥ والباب ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٢ والباب ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٦.

٣

وعلى كل حال فقد كان هذا الحكم حقيقا بأن يستغنى بضروريته وغرسه في أذهان عوام المذهب وخواصه عن حفظ الأخبار الخاصة به وذكرها في الكتب كغيره من الأحكام التي هي أقل منه في الضرورة ، خصوصا بعد معروفية عدم العمل في الصلاة الذي قد تضمنته النصوص معرضة به للعامة العمياء الذين سوغوا فيها الأعمال من الوضوء ونحوه وعدم قابليتها لوقوع الفعل الكثير فيها ، خصوصا إذا استلزم التفاتا وكلاما ونحوهما ، وخصوصا إذا كان ماحيا ، وشدة التحفظ عن خروج الحدث في المستحاضة والمسلوس وغيرهما ، وظهور نصوص المبطون (١) في اختصاصه بالحكم المذكور فيه من الوضوء أو البناء عند من قال به ، ومعلومية كون تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم ، وما لوحت اليه النصوص (٢) يأمر الإمام المحدث بأن يستنيب أحدا ، مع أنه لو جاز الوضوء والبناء فيها لذكر في شي‌ء من تلك النصوص ، ضرورة سبق خطوره في الذهن بعد فرض مشروعيته وظهور نحو‌ قوله (٣) : « لا صلاة إلا بطهور » ‌وغيره مما دل على اعتباره كبعض الصحاح (٤) التي جعلته كالوقت والركوع في إرادة الاتصال في هذا الشرط كغيره من الشرائط من الاستقبال والستر ونحوهما ، ولعله هو المتبادر في كل شرط لمركب جعل الاتصال جزءا منه ، ضرورة عدم كون المراد من كونه شرطا له عدم وقوع جزء منه بدونه ، ولو سلم فالاتصال منها بل هو معظمها ، وبه استحقت اسم القطع والانقطاع ونحوهما مما لم يطلق فيما لم يعتبر فيه ذلك كالغسل ونحوه ، بل يطلق عليه اسم النقض ونحوه ، إلى غير ذلك مما يقف عليه الفقيه المتبحر في نصوصهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ٣ و ٤ والفقيه اج ١ ص ٢٣٧ ـ الرقم ١٠٤٣ من طبعة النجف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٣ و ٨.

٤

عليهم‌السلام ، خصوصا الوارد منها في الصلاة والأحداث كبيرها وصغيرها.

لكن ومع ذلك فلم تخلو بحمد الله النصوص الواصلة إلينا عن التعرض للحكم بالخصوص ، فمنها‌ معتبر الحضرمي أو صحيحه (١) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « إنهما كانا يقولان : لا تقطع الصلاة إلا أربعة : الخلاء والبول والريح والصوت » وموثق عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام الظاهر في السبق اضطرارا فضلا عن غيره ، سأله « عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال : إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه وإن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة » وقوي ابن الجهم (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة فقال : إن كان قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله فلا يعيد ، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد » وخبر علي بن جعفر (٤) المروي عن قرب الاسناد وكتاب المسائل عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن رجل يكون في صلاته فعلم أن ريحا قد خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا قال : يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشي‌ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا » وخبر أبي الصباح الكناني (٥) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل يخفق وهو في صلاة فقال : إن كان لا يحفظ حدثا إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء. » والظاهر إرادته من ذلك التفصيل بين النوم الغالب فيكون حدثا ، وعدمه فلا يكون ، وخبر الحسين بن حماد (٦) عن الصادق‌

__________________

(١) و (٣) و (٤) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة الحديث ٢ ـ ٦ ـ ٧ ـ ٥

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ٦.

٥

عليه‌السلام « إذا أحس الرجل أن بثوبه بللا وهو يصلي فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فيمسه بفخذه فان كان بللا فليتوضأ وليعد الصلاة ، وإن لم يكن بللا فذلك من الشيطان » ‌إلى غير ذلك.

مضافا إلى ما يومي اليه في الجملة من النهي عن الصلاة حال مدافعة الأخبثين (١) خصوصا‌ خبر البجلي (٢) منها « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو مستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال : إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر » إلى غير ذلك مما يعلم منه طرح صحيح الفضيلي (٣) وخبر القماط (٤) أو حملهما على التقية ، قال في أولهما : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال : انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا ، فان تكلمت ناسيا فلا شي‌ء عليك ، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا ، قلت : وإن قلب وجهه عن القبلة قال : نعم وإن قلب وجهه عن القبلة » وقال في الآخر : « سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة قال : فقال : إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام ، قلت : وإن التفت يمينا وشمالا أو ولى عن القبلة قال : نعم كل ذلك واسع ، إنما هو بمنزلة الرجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة ، فإنما عليه أن يبني على صلاته ، ثم ذكر سهو النبي ( صلى الله‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة الحديث ٠ ـ ١

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٩ ـ ١١

٦

عليه وآله ) ضرورة أن هذا محل امتثال أمرهم عليهم‌السلام بطرح الأخبار الشاذة المخالفة للمعلوم من السنة وللمشهور بين شيعتهم وخاصتهم ، والموافقة لما في أيدي المخالفين الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، إذ المحكي عن الشافعي في القديم وأبي حنيفة وابن أبي ليلى وداود الوضوء ثم البناء في صورة السبق ، بل المحكي عن الشافعي منهم أن له إخراج الحدث بعد ذلك اختيارا ثم الوضوء والبناء ، لأنه حدث طرأ على حدث ، ولأنه حدث واحد ، ولنحو ذلك من الأمور التي سببها القياس والاستحسان وبعض الأحاديث المفتراة ، وقد لوح الخبران المزبور ان إلى إرادة التقية في ذلك بذكر القياس فيهما مع أن المقيس عليه عندنا باطل كما تسمعه في محله ، وبذكر سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالأمر بالانصراف بنفس وجود الغمز ونحوه مما هو ليس حدثا عندنا فلا يوجب وضوءا ، واحتمال إرادة قضاء الحاجة من الانصراف فيه لشيوعه في ذلك ولشهادة الخبر الثاني مستلزم لجواز فعل الحدث عمدا الذي هو باطل بالضرورة عندنا ، اللهم إلا أن يحمل على ما سمعته من الشافعي من جواز العمد للحدث بعد فرض السبق منه بناء على إرادة الكناية من قوله فيه : أذى وضربانا وغمزا عن مفاجاة الحدث لذلك ، فأمر حينئذ بالانصراف وإتمام بقية الحدث ثم الوضوء والبناء نحو ما سمعته من الشافعي ، على إرادة الكناية من قوله فيه : أذى وضربانا وغمزا عن مفاجاة الحدث لذلك ، فأمر حينئذ بالانصراف وإتمام بقية الحدث ثم الوضوء والبناء نحو ما سمعته من الشافعي ، على أن في إطلاقهما نفي البأس عن الالتفات عن القبلة المخالف للنصوص المفتي بها حتى ممن نسب اليه الخلاف هنا كما قيل شذوذا آخر ، كحصر هما النقض بالكلام ، والأمر أو الرخصة بالرجوع إلى مصلاه الذي قد يستلزم فعلا كثيرا ومحوا للصورة والتفاتا عن القبلة وغير ذلك ، مع أن الضرورة تقدر بقدرها ، وكأنه لذلك فرقت بين التكلم والانحراف عن القبلة ، لأن التطهير والبناء يستلزمه غالبا دون الكلام ، إلى غير ذلك مما لا يليق بعده لمن له أدنى بصيرة في الفقه الركون إليهما ، خصوصا وفي سند أحدهما محمد ابن سنان وموسى بن عمران ، وقد ضعف الأول الأكثر ، والثاني مجهول ، كما أنه‌

٧

لا حاجة بعد ذلك إلى تأويلهما بما لا ينافي المختار وإن أتعب نفسه فيه الفاضل الأصبهاني في كشفته ، مع أنه يمكن القطع بعدم قبولهما له ، ولعله لبعد احتمال التقية في المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام منهما ، لأن القول بالبناء من العامة إنما حدث بعده ، لكن فيه منع ، وعلى تقديره فالطرح حينئذ لازم.

وكذا الكلام حرفا بحرف في النصوص المتضمنة للحدث قبل التشهد الأخير المشتملة على الأمر بالوضوء ثم الإتمام ، كصحيح زرارة (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال : تمت صلاته ، وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد » وصحيحه الآخر (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال : ينصرف فيتوضأ ، وإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » وموثق عبيد ابنه (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال : أما صلاته فقد مضت وبقي التشهد ، وإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد » وخبر ابن مسكان (٤) المروي عن محاسن البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال : أما صلاته فقد مضت ، وأما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد » ضرورة أنه‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢ ـ ١ ـ ٤ ـ ٣ لكن روى عن عبيد بن زرارة.

٨

لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم عليهم‌السلام وكيفية محاوراتهم وإحاطة خبرا بما ذكرناه من اتفاق النصوص (١) والفتاوى على بطلان الصلاة بالحدث في أثنائها من غير إشارة في شي‌ء منها إلى التفصيل بين التشهد وغيره ـ بل في خبر ابن الجهم (٢) منها ظهور في العدم بالخصوص ، كمفهوم‌ خبر الخصال (٣) بسنده إلى علي عليه‌السلام « إذا قال العبد في التشهد الأخير وهو جالس : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته » وغيره ، وأحاط خبرا أيضا بما سمعته من العامة العمياء ، وخصوص ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والثوري والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين من أن التشهد الأخير سنة وليس بواجب ، وما ذهب إليه أيضا من الخروج من الصلاة بالحدث ، وتأمل أيضا في هذه النصوص وتعبيرها بالسنة وأن الصلاة قد تمت وقد مضت ونحوهما مع ترك الاستفصال في الحدث أنه عمد أو سهو أو اضطرار ، والتخيير له في أي مكان شاء قعد وتشهد حتى المكان البعيد المستلزم لجل منافيات الصلاة وغير ذلك ـ حصل القطع بأنها خرجت مخرج التقية ولذا أعرض الأصحاب عنها قديما وحديثا عدا ما عساه يظهر من الفقيه في باب أحكام السهو « فان رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك ، وإن لم تكن قلت فقد مضت ، صلاتك فتوضأ ثم عد إلى مجلسك وتشهد » قيل : والكليني في الكافي حيث عقد لها فيه بابا ولم يذكر ما يعارضها ، وربما مال إليها بعض متأخري المتأخرين ، بل جزم الفاضل الأصبهاني منهم به ، ولعله لاعتبار أسانيدها ومعارضتها لمعظم الأدلة السابقة بالإطلاق والتقييد ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٠ ـ ٦

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٥.

٩

وقصور خبر ابن الجهم والخصال عن مقاومتها ، لكنك خبير بما في ذلك بعد الإحاطة بما ذكرنا ، بل لا بأس بدعوى الإجماع في المقام على نفي التفصيل المزبور كما يستفاد من بعضهم ، ضرورة عدم قدح مثل ذلك فيه ، كما هو واضح.

ويمكن حمل بعض النصوص المزبورة مضافا إلى ما عرفت على نسيان التشهد والتحليل بالتسليم ثم الحدث بعده ، فإنه يتجه حينئذ الأمر بقضاء التشهد ، ولا يكون حدثا في أثناء الصلاة ، بل ربما كان ذلك متجها في جميعها ، ولا ينافيه الأمر بالتسليم مع التشهد بعد الوضوء ، إذ قد يلتزم بإعادته لعدم وقوعه بعد التشهد في الأول وإن كان قد حصل التحليل به وخرج عن صدق كونه في أثناء الصلاة ، نعم يتوقف هذا التوجيه على القول بعدم قدح تخلل الحدث بين الصلاة وأجزائها المنسية من السجدة والتشهد ، وقد قال في الذكرى : « لا فرق بين التشهد الأول والأخير في التدارك بعد الصلاة عند الجماعة في ظاهر كلامهم سواء تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أولا » ثم حكى خلاف ابن إدريس في ذلك ، ولتحرير البحث فيه مقام آخر.

ويمكن حملها أيضا على صورة نسيان التشهد والتسليم بمعنى أنه أحدث بتخيل أنه قد أتم الصلاة فبان بعد ذلك عدم التشهد والتسليم بناء على ما ذكرناه سابقا من عدم انحصار التحليل والخروج بالتسليم حتى في صورة السهو ، بل آخر الصلاة حال السهو ما لم يستلزم نقص ركن ، لحصر المبطل نصا وفتوى عمدا وسهوا فيه خاصة أو مع زيادته ، والتسليم ليس منه قطعا ، ودعوى أن البطلان من حيث فعل المنافي في الأثناء لا من حيث ترك التسليم كي ينافي ذلك قد عرفت دفعها فيما تقدم ، أو على غير ذلك.

ثم لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرنا في بعض النصوص المتقدمة سابقا في التسليم المتضمنة أيضا لتمام الصلاة مع الحدث قبله ، بناء على المختار من وجوب التسليم وجزئيته‌

١٠

حتى الحمل على التقية أيضا ، لشهرة القول بالخروج عن الصلاة وتمامها بالحدث من أبي حنيفة ، نعم لم أعرف أحدا من الأصحاب التزم بالتفصيل هنا بمعنى عدم قدح الحدث ولو سهوا في الصلاة إذا كان قبل التسليم مع القول بوجوبه وجزئيته كما التزمه من عرفت في التشهد والتسليم ، اللهم إلا أن يكون ذلك بعض دعواه ، فيتوضأ حينئذ وبيني على ما مضى ويسلم ، ويرد عليه ما عرفت ، بل هنا أولى ، ضرورة عدم الأمر بالوضوء والبناء في شي‌ء من النصوص.

فظهر حينئذ أنه لا صورة تصح بها الصلاة مع الحدث في الأثناء عمدا وسهوا وسبقا في غير المعلوم خروجه من المبطون والمسلوس والمستحاضة مثلا ، نعم قال الشيخ وابن حمزة في الواسطة فيما حكي عنه : « إن المتيمم إذا دخل في صلاته وأحدث سهوا ثم أصاب الماء توضأ وبنى » وعن العماني ذلك أيضا إلا أنه أطلق ولم يشترط النسيان ، نعم في الذكرى أن الجميع قد اشترطوا عدم تعمد الكلام وعدم استدبار القبلة ، واستحسنه في المعتبر ومال إليه في الذكرى وجزم به في مجمع البرهان ، بل هو ظاهر الصدوق أيضا حيث أنه أورد في الفقيه أحد الصحيحين الدالين على ذلك ، وقد ضمن العمل بما يورده فيه ، وكأنه مال إليه العلامة الطباطبائي في مصابيحه ، إلا أنه جزم بعدمه في منظومته ، ولعله لصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « قلت له : رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء قال :يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم » وصحيحهما الآخر أيضا (٢) قال : قلت : كما في التهذيب ، وفي الفقيه قالا : قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٢) ذكر صدره في الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤ وذيله في الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١٠.

١١

« في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينتقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال : لا ، ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمم ، قال زرارة : فقلت له : دخلها وهو متيمم فصلى ركعة واحدة وأحدث فأصاب ماء قال : يخرج ويتوضأ وبيني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم ».

قال في التهذيب : ولا يلزم مثل ذلك في المتوضي إذا صلى ثم أحدث أن يبني على ما مضى من صلاته ، لأن الشريعة منعت من ذلك ، وهو أنه لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه » وقال في المعتبر : « وهذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة ، وأصلها محمد بن مسلم ، وفيها إشكال من حيث أن الحدث يبطل الطهارة ، ويبطل ببطلانها الصلاة ، واضطر الشيخان بعد تسليمها إلى تنزيلها على المحدث سهوا ، والذي قالاه حسن ، لأن الإجماع على أن الحدث عمدا يبطل الصلاة ، فيخرج من إطلاق الرواية ، ويتعين حمله على غير صورة العمد ، لأن الإجماع لا تصادمه الرواية ، ولا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان ، فإنها رواية مشهورة ، ويؤيدها أن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث ، فلا يبطل بزوال الاستباحة كصلاة المبطون إذا فاجأه الحدث ، ولا يلزم مثل ذلك في المصلي بطهارة مائية ، لأن الحدث مرتفع ، فالحدث المتجدد رافع لطهارته ، فيبطل لزوال الطهارة » وكأنه لم يعتد بإطلاق العماني ، المسبوقية بالإجماع ومعروفية نسبه ، أو نزله على خصوص السهو لقرينة ، وقال في الذكرى : « رد الرواية في المختلف باشتراط صحة الصلاة بدوام الطهارة ، وبالتسوية بين نواقض الطهارتين عمدا وسهوا كابن إدريس وبأن الطهارة المتخللة فعل كثير ، وكل ذلك مصادرة ، ثم أول الرواية بحمل الركعة على الصلاة تسمية للكل بالجزء ، وبأن المراد بما مضى من صلاته ما سبق من الصلوات‌

١٢

السابقة على التيمم ، قلت : لفظ الرواية « يبني على ما بقي من صلاته » وليس فيها « ما مضى » فيضعف التأويل مع أنه خلاف منطوق الرواية صريحا ».

قلت : المعروف في النسخ « ما مضى » حتى قال في كشف اللثام : لم أر في نسخ التهذيب وغيرها إلا « ما مضى » فلا ضعف في التأويل حينئذ من هذه الجهة ، نعم لا ريب في بعد إرادة تمام الصلاة من الركعة ، لكن يمكن على لفظ « مضى » إرادة بطلان ما في يده من الصلاة والبناء على صحة الصلاة الماضية بقرينة قوله عليه‌السلام : « التي صلى بالتيمم » ضرورة عدم صدق ذلك على الركعة حقيقة ، فهي لم تمض بل بطلت بالحدث ، ولعل السائل لما علم أن وجود الماء كالحدث في نقض التيمم سأل أولا عن أنه إذا وجد الماء في الصلاة أينتقض تيممه فأجيب بالعدم ، وهذا السؤال وجوابه منصوصان في الخبر الثاني ، ثم سأل عما إذا اجتمع الأمر ان في الصلاة فأجيب بالانتقاض فكأنه أكد انتقاضه بأنه في حكم مرفوع الحدث ، ولذا يبني على ما صلاة بالتيمم ، أو لعله عليه‌السلام كان قد علم أنه يريد السؤال عن إعادة ما صلاة بالتيمم ، أو لأنه لا يعلم العدم أو يظن الإعادة فأراد إعلامه ، وبالجملة يجوز أن لا يكون قوله عليه‌السلام : « يبني » من جواب السؤال ولا السؤال عن حال صلاته تلك ولا يمكن الحكم بالبعد لمن لم يحضر مجلس السؤال ولا حقيقة السمؤول عنه ، ويمكن قراءة الخبرين « أحدث » بالبناء على المفعول على معنى أمطر إي أصابه حادث سماوي كما يومي اليه تفريع الإصابة عليه بالفاء ، ويكون ذلك كناية عن انتقاض الصلاة برؤية الماء ، فيعارضان حينئذ النصوص (١) الدالة بخلافهما المرجحة عليهما بوجوه مذكورة في باب التيمم ، وبالجملة يخرجان حينئذ عما نحن فيه ، ولا ينافي ذلك ما في صدر أحدهما من الحكم بعدم الانتقاض برؤية الماء إذا كان قد صلى ركعتين معللا بالاستصحاب ، إذ لعله يفرق بين الركعتين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم.

١٣

والركعة خصوصا إذا كانت ثنائية وقد تمت أركانها بتمام الركعتين ، فيكون هذان الخبران حينئذ كأخبار الحدث (١) قبل التشهد ، لأن رؤية الماء ناقضة كالحدث ، وترك سؤال زرارة عن الفرق بين الاستصحاب في الركعتين والركعة لعلمه بحقيقة الحال ، خصوصا وهو ممن روى الحديث بعد تمام الركعات قبل التشهد الأخير كما سمعته سابقا.

بل من ذلك قد ينقدح في الظن شي‌ء آخر هو أن المصلحة قضت بإيداع مثل زرارة ومحمد بن مسلم ونحوهما من أكابر الرواة الحكم بعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها الذي قد عرفت موافقته للعامة ، للستر على الشيعة وحفظا لدمائهم ، بل لعل الفقيه مع التأمل في جميع ما ذكرناه سابقا ومعروفية بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها بين أطفال الشيعة حتى عد الحكم بالصحة مع ذلك من منكرات العامة وبدعهم يجزم أن هذه النصوص جميعها خرجت هذا المخرج ، وما أدري ما السبب الذي دعا بعض الناس إلى طرح النصوص السابقة وعدم الالتفات إليها أبدا ، خصوصا أخبار الحدث قبل التشهد والركون إلى هذين الصحيحين ، وكون التعارض بالإطلاق والتقييد مشترك بينهما وبين أخبار التشهد ، والاعتبار المذكور في كلام المحقق في غاية الضعف ، وإلا لاقتضى جواز التيمم والبناء إذا لم يصب الماء ، بل ربما كان الاعتبار يرجح الأخيرة ، ضرورة اجتماع الناقضين المقتضيين لبطلان التيمم المستلزم لبطلان الصلاة كما عرفت ، بخلافه في المائية قبل التشهد ، فالمتجه الجزم يرفض هذين الصحيحين والحكم بشذوذهما كما هو واضح لكن من رزقه الله معرفة اللسان ، وميزه بفهم كلام أوليائه من بين أنواع الإنسان ، والله أعلم.

والقسم الثاني لا يبطلها إلا فعله عمدا اختيارا وهو أمور :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد.

١٤

أحدها وضع اليمين على الشمال المسمى في النصوص (١) وكتب بعض الأصحاب بالتكتيف والتكفير من تكفير العلج للملك بمعنى وضع يده على صدره والتطأمن له ، والظاهر أنه لا حقيقة له شرعية وإن كان قد يوهمه بعض العبارات ، نعم ما تسمعه من الحكم الشرعي له إنما هو على بعض أفراده لا مطلق الخضوع والتطأمن كما سيتضح لك أيضا في أثناء البحث ، وعلى كل حال فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل في الخلاف والغنية والدروس وعن الانتصار الإجماع عليه عدم جوازه في الصلاة ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الإسكافي فجعل تركه مستحبا ، وأبي الصلاح ففعله مكروها ، واختاره المصنف في المعتبر للإجماع المحكي المعتضد بالتتبع ، والنهي في‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام قلت له : « الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى فقال : ذلك التكفير لا تفعله » ‌وفي‌ حسن زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام ومرسل حريز (٤) « لا تكفر فإنما يصنع ذلك المجوس » والمروي عن قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (٥) قال : قال أخي (ع) قال علي بن الحسين (ع) : « وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل » وخبر أبي بصير ومحمد بن مسلم (٦) المروي عن الخصال عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر يعني المجوس » ‌وعن‌ كتاب المسائل لعلي بن جعفر (٧) « سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال : لا يصلح ذلك ، فان فعل لا يعودن له ، ثم‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة الحديث ٠ ـ ١ ـ ٢ ـ ٣ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦

(٧) البحار ج ١٠ ص ٢٧٧ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧.

١٥

قال علي : قال موسى عليه‌السلام : سألت أبي جعفرا عليه‌السلام عن ذلك فقال : أخبرني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : ذلك عمل ، وليس في الصلاة عمل » ‌وفي‌ المروي عن دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد « إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى واليسرى على اليمنى ، فان ذلك تكفير أهل الكتاب ، ولكن أرسلهما إرسالا ، فإنه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة » ‌وزاد في الخلاف الاستدلال بأن أفعال الصلاة يحتاج ثبوتها إلى الشرع ، وليس في الشرع ما يدل على كون ذلك مشروعا وبطريقة الاحتياط. لكن ومع ذلك كله قال في المعتبر : « والوجه عندي الكراهية ، أما التحريم فيشكل ، لأن الأمر بالصلاة لا يتضمن حال الكفين ، فلا يتعلق بهما تحريم ، لكن الكراهية من حيث هي مخالفة لما دلت عليه الأحاديث (٢) عن أهل البيت عليهم‌السلام من استحباب وضعهما على الفخذين محاذيتين للركبتين ، واحتجاج علم الهدى بالإجماع غير معلوم لنا ، خصوصا وقد وجد من أكابر الفضلاء من يخالف في ذلك ، ولا نعلم من وراه من الموافق ، كما لا نعلم أنه لا موافق له ، وقوله : هو فعل كثير في غاية الضعف ، لأن وضع اليدين على الركبتين ليس بواجب ، ولم يتناول النهي وضعهما في موضع معين ، وكان للمكلف وضعهما كيف شاء ، وأما احتجاج الطوسي رحمه‌الله بأن أفعال الصلاة متلقاة قلنا : حق لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليمين لم يثبت تحريم وضعها ، فصار للمكلف وضعها كيف شاء ، وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه ، لعدم دلالة على التحريم ، وقوله : الاحتياط يقتضي طرح ذلك قلنا متى ، إذا لم يوجد ما يدل على‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة.

١٦

الجواز أم إذا وجد ، لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع ، أو نقول متى يحتاط ، إذا علم ضعف مستند المانع أم إذا لم يعلم ، ومستند المانع هنا معلوم الضعف ، وقوله : عندنا تكون الصلاة باطلة قلنا : لا عبرة بقول من يبطل إلا مع وجود ما يقتضي البطلان ، أما الاقتراح فلا عبرة به ، وأما الرواية فظاهرها الكراهية لما تضمنته من قوله عليه‌السلام : إنه تشبه بالمجوس ، وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمخالفتهم ليس على الوجوب ، لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية وأنه فاعل الخير ، فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره ، فاذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهية أولى » إلى آخر ما ذكره.

ولعله لذلك قال المصنف هنا وفيه تردد ورده العلامة في المنتهى بعد أن حكى عنه أكثره وكذا الشهيد في الذكرى والفاضل الأصبهاني وغيرهما بما حاصله مع زيادة منا أيضا بأن التحريم للنهي وغيره من الأدلة السابقة لا لمجرد الأمر بالصلاة ، وترك المستحب لا يقتضي الكراهية على الأصح ، والإجماع لا يشترط فيه بناء على حجيته معلوميته ، ضرورة كونه حينئذ كسائر الأدلة الظنية ، وإلا كان محصلا ، ولا يقدح فيه وجود المخالف خصوصا من الإسكافي المطرحة أقواله وأبي الصلاح الذي قد سبقه الإجماع ومن المعلوم أنه ليس المراد من الكثير الكثرة الحسية في سائر أفراده ، بل المراد أنه كذلك بملاحظة دوامه في بعض أفراده ، أو بملاحظة النهي عنه صار كثيرا شرعا أي بحكمه ، فلا جهة لقوله : « ولم يتناول » إلى آخره ، ضرورة تحقق النهي عنه كما عرفت والفعل الصلاتي هو المحتاج إلى توقيف قطعا ، ولا يكفي فيه عدم ثبوت تحريمه ضرورة وإلا لجاز سائر الأعمال في الصلاة على أنها منها ، وهو واضح الفساد ، خصوصا بعد شيوع أنه لا عمل في الصلاة في نصوصهم عليهم‌السلام ووجوب الاحتياط في العبادة وعدمه محرر في الأصول ، فلعل الشيخ يذهب اليه بمجرد حصول الشك في الفراغ اليقيني‌

١٧

استصحابا للشغل ، وحاشا أصحابنا رضوان الله عليهم من الاقتراح ، بل أقصاه أنه لم يصل إلينا الدليل ، ويكفي ذلك في حصول الشك ، فيجب الاحتياط لما عرفت ، والتشبه بالمجوس لا مانع من حرمته إلا ما خرج بالدليل ، أو يقال في خصوص المقام يحرم لأنه وقع علة للنهي الظاهر في الحرمة ، إلى غير ذلك مما هو واضح.

نعم قد يقال : إن معظم الإجماعات المحكية في المقام ظاهرة بقرينة السياق ـ وتوجه نظر أصحابها إلى البحث مع العامة الذين يذهبون إلى استحبابه ، وأنه فعل صلاتي ، والاستدلال باحتياج أفعال الصلاة إلى توقيف ، وغير ذلك ـ في فعل التكفير كما يفعله الناس لا من حيث كونه تكفيرا ، ولعله اليه أومأ عليه‌السلام بقوله : « إنه عمل ، ولا عمل في الصلاة » ضرورة إرادة العمل على أنه من الصلاة لا مطلق العمل في أثنائها كما لا يخفى على من لاحظ مورد هذه العبارة في نصوصهم عليهم‌السلام فلم يبق حينئذ إلا النصوص ، وقد علم الخبير بلسانها ظهورها في الكراهة من اشتمالها على التعليل الذي غالبا يذكر نظيره للمكروهات ، ومن توسط النهي في حسن زرارة ومرسل حريز بين المكروهات المتبادر منه إرادة الكراهة منه كغيره مما سبقه ولحقه ، فيكون حينئذ قرينة على صرف النهي في صحيح ابن مسلم إلى ذلك وإن لم يكن محفوفا ، ومن‌ قوله عليه‌السلام : « لا يصلح » والنهي عن العود دون الأمر بالإعادة ، ومن التعليل بأنه أحرى ، وقوله عليه‌السلام : « لا يجمع المؤمن » ‌ومن جريان عادتهم عليهم‌السلام في شدة التأكيد وتكثر الطرق في بيان البطلان والحرمة إذا كان معروف العكس عند المخالفين لا الاكتفاء بأمثال هذه العبارات ، خصوصا وقد أطلقوا عليهم‌السلام استحباب وضع اليدين على الفخذين المقتضي لجواز غيره من سائر أصناف الوضع ، وغير ذلك مما لا يخفى على العارف الممارس ، مضافا إلى‌ المروي عن تفسير العياشي عن إسحاق‌

١٨

ابن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال : لا بأس ، إن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين وقد أنزل الله على نبيه خذ ما آتيتك بقوة ، فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها يجلد وقوة ، ثم ذكرها في طلب الرزق فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة » وإن كان ذيله لا يخلو من إشكال ، ولعله كلام مستقل لا ربط له بالأول.

وقال في الحدائق : « يحتمل أن يكون المراد نبيه هنا موسى عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ذكر فيه من تماوت بني إسرائيل يحتمل أن يكون راجعا إلى تكفيرهم في الصلاة ، فإن المكفر في هيئة المتماوت ، وعلى هذا فالآية دالة على النهي والأمر بالدخول بقوة الذي هو عبارة عن وضع اليدين على الفخذين ، وعلى تقدير كونه خطابا لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون المراد أنه ينبغي لهذه الأمة أن يأتوا بذلك من الإرسال على الفخذين وعدم التكفير » قلت : وعلى كل حال هو ينفي حينئذ احتمال خروج نفي البأس للتقية ، ضرورة منافاة ذلك لها ، فتأمل جيدا. وكيف كان فلعل جميع ما ذكرنا هو الذي ألجأ المحقق إلى القول بالكراهة ، ضرورة أنه لم يرد التكفير الذي يفعل بعنوان أنه من الصلاة ومن أفعالها المندوبة ، كما هو واضح بأدنى تأمل في كلامه ، والظاهر أن التعليل المزبور في النصوص أريد به التعريض والتنبيه على فساد استحسان فعله في الصلاة ، فإنه حكي عن عمر لما جي‌ء بأسارى العجم كفروا أمامه فسأل عن ذلك فأجابوه بأنا نستعمله خضوعا وتواضعا لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع ، وكم له ولا بأس عليه ، إذ لا يعرف كيفية خدمة الملك إلا وزراؤه ، لا يقال : لا ريب في إرادة الحرمة من النهي في النصوص ولو لظهور إرادة التعريض بها للعامة الذين يفعلون‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

١٩

ذلك بعنوان الاستحباب الصلاتي ، وهو لا ريب في حرمته ، لأنه تشريع ، فحملها على الكراهة حينئذ خلاف الظاهر ، لأنا نقول : المسلم انصراف النصوص وانسياقها إلى ما في يد العامة من الفعل نفسه من دون نظر إلى الاعتقاد فيه الذي هو خارج عن حقيقة الفعل ، فلا يتقيد المنهي عنه حينئذ من التكفير بذلك ، ولا ينافي إرادة الكراهة حينئذ من النهي المزبور المسوق لبيان حكم الفعل نفسه لا من حيث العوارض له من التشريعية ونحوها ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يشكل البطلان حينئذ مع قصد التشريع به بناء على عدم بطلان الصلاة به وأنه محرم خارجي ، ولا يمكن دفعه باختصاصه هنا بالنهي عنه الظاهر في الفساد وإن كان المنهي عنه محرما قبل الصلاة ، لما سمعته من فرض إرادة الكراهة من النواهي المزبورة وأنها مسوقة لبيان حكم نفس الفعل لا من حيث التشريع به ، اللهم إلا أن يدعى ذلك في بعضها دون بعض ، فينصرف النهي في صحيح ابن مسلم إلى التكفير المراد به التشريع ، بخلافه في حسن زرارة ومرسل حريز ، لكنه كما ترى بعيد وتحكم بلا حاكم ، فالأولى حينئذ الاقتصار على الحرمة دون الإبطال ، أو القول بهما معا للإجماع المحكي في الخلاف والدروس وعن موضع من المقاصد العلية ، بل لعله المراد من نفي الجواز فتخرج حينئذ الإجماعات المحكية في الغنية والانتصار والأمالي على ما حكي عن الأخيرين شاهدا أيضا ، أو يقال بالمنع من عدم إبطال التشريع في الصلاة بعد استفاضة النصوص أنه لا عمل فيها الذي قد عرفت ظهوره في إرادة ذلك ، مؤيدا بما دل على الأمر بالإعادة مع الزيادة في الصلاة والنقصان وغير ذلك مما قدمناه في الأبحاث السابقة ، ولعل من نفى البطلان بالتشريع إنما أراد بالنظر إلى نفس حرمته مع قطع النظر عن هذه النواهي الظاهرة في ذلك ، إذ احتمال كونها مؤكدة لحرمته لا يراد منها البطلان في غاية الضعف والعرف أعدل شاهد في رده ، ومن الغريب ما وقع لسيد المدارك تبعا لأستاذه من القول‌

٢٠