جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ومنع ظهور صحيح زرارة (١) في اشتراط السقوط بذلك ، كمنع إرادة مطلق القراءة الأخرى من صحيح الحلبي (٢) ضرورة انسياق سورة أخرى منه.

نعم لا يعتبر المغايرة في إعادة الفاتحة ، والتعبير بالأخرى في النصوص مبني على الغالب ، أو يراد منه ما يشمل تكرار السورة بعد ختمها ، وربما يرشد إلى ذلك ما في ذيل صحيحي البزنطي وعلي بن جعفر من جعل الغاية لعدم قراءة الفاتحة مجرد ختم السورة الصادق في الفرض وفي القراءة وإن لم يكن من أول السورة ، بناء على جوازه لإطلاق ولا يجب في مثله القراءة من حيث ابتدأ ، حملا لقوله : « من حيث قطع » على الغالب وإلا فالمراد القراءة مما بعضه ، إذ هو إن لم يكن من القياس فمن نظائره مما يحرم العمل به في الحكم الشرعي ، لكن بناء عليه هل يكفي ختمها في إعادة الفاتحة لصدق ختم السورة أو لا لانسياق إرادة الكاملة؟ وجهان ، أقواهما الثاني ، كما أنه قد يقوى مراعاة الترتيب في قراءة السورة ، لأنه المنساق المتيقن من الإطلاق حتى خبر أبي بصير (٣) الذي يفرح منه رائحة الموافقة للشافعي في أصل عدد الآيات ، إذ المحكي عنه قراءة سورة البقرة أو يقدر آيها في القيام الأول والثاني ، ومائة وخمسين آية منها في الثالث ، ومائة آية منها أيضا في الرابع ، إذ لا اعتبار بعدد أصلا عندنا ، بل يجزي البعض وإن كان آية ، لإطلاق النصوص ، وصحيح النصف (٤) لا دلالة فيه على الوجوب حتى يعارض إطلاق غيره الشامل لما قلنا ، بل ظاهر المنظومة الاجتزاء بالأقل من الآية ، ولعله كذلك لإطلاق الرواية.

نعم الظاهر وجوب إتمام سورة في الخمس كما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم بل عن جماعة حكاية أنه المشهور ، بل في الحدائق أنه ظاهر الأخبار والأصحاب ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٦ ـ ٧ ـ ٢ ـ ٧

٤٤١

لإطلاق ما دل (١) على وجوبها في كل ركعة كما قد عرفت البحث فيه سابقا ، فما في كشف اللثام ـ من التوقف فيه ، قال : لأن في وجوب سورة في ركعة كل صلاة واجبة نظرا ـ في غير محله ، وإطلاق خبر أبي بصير وغيره يمكن تنزيله على ذلك ، فلا يجوز التبعيض حينئذ فيها كغيرها من الركعات بخلاف القران ، فان مبناها نصا وفتوى على جوازه ، إذ قد عرفت أنه لا إشكال في صحة الصلاة بالخمس سور ، فما في الشافية ـ من أنه هل يجوز أن يقرن بين سورتين أو أكثر؟ احتمالان ، أقربهما العدم ـ يجب حمله على إرادة القران في القيام الواحد الذي يمكن أن يكون محلا للبحث ، لا مجموع الخمس فإنه لا إشكال في جوازه فيه في الجملة.

نعم ربما توقف بعضهم في جواز ما زاد على السورة وكان أقل من الخمس سور لا من حيث القران ، بل لتردد الأمر بين الركعة الواحدة فتجب السورة الواحدة موزعة أو الخمس فتجب خمس سور ، وفيه أنه اجتهاد في مقابلة النص ، لأن صحيح الحلبي والبزنطي وعلي بن جعفر صريحة في جوازه ، مضافا إلى إطلاق غيرها ، فلا وجه للإشكال فيه أيضا من هذه الجهة ، بل ولا للاحتياط ، وحينئذ يجوز له أن يقرأ في الخمس سورة وبعض أخرى مثلا ، إذ القول بوجوب الإكمال في الخامس والعاشر لا شاهد له ، بل في النصوص (٢) ما هو كالصريح بخلافه ، على أنه لم نتحقق القائل المعتد به ، فإنه وإن نسب إلى ظاهر الألفية حيث قال : « وفي الخامس والعاشر يتمها » لكن عن المقاصد العلية « أن في بعض نسخها بعد قوله يتمها إن لم يكن أتم سورة » وهو قيد حسن ، وحينئذ فإذا قام إلى الركعة الثانية ففي التذكرة ابتدأ بالحمد وجوبا ، لأنه قيام عن سجود فوجب فيه الفاتحة ، ثم يبتدئ بسورة من أولها ، ثم إما أن يكملها أو يقرأ بعضها ، ويحتمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٧.

٤٤٢

أن يقرأ من الموضع الذي انتهى اليه أولا من غير أن يقرأ الحمد لكن يجب عليه أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين معا ، قلت :وسورة أخرى بناء على ما تقدم ، وعن نهاية الأحكام أنه ضعف الاحتمال المزبور ، قلت : يمكن قوته كما في المنظومة لا طلاق الرواية ، لكن لا بد من قراءة سورة كاملة معه في تمام الخمس لما عرفت ، فيجب حينئذ إعادة الفاتحة لذلك ، لإطلاق ما دل على وجوبها أي في النصوص السابقة ، لكن قد يقال : إن ذلك متجه لو انحصر جهة وجوبها أي الفاتحة في ذلك ، وهو ممنوع ، بل يمكن أن يكون وجوبها لما دل عليه في الركعتين من الفريضة ، وحينئذ ينبغي أن يكون في أول قيامها كالركعة الأولى ، وربما يومي اليه صحيحها الحلبي (١) والرهط (٢) بل ظاهرهما معلومية ذلك ، نعم لا يجب حينئذ الابتداء بسورة ، بل مقتضى إطلاق صحيح زرارة (٣) وجوب القراءة من حيث قطع ، ولا تنافي بينه وبين وجوب الفاتحة من الجهة المزبورة ، فيكملها ثم يقرأ الحمد حينئذ لتحقق الختم ويستأنف سورة أخرى ، لما عرفت من وجوبها في الركعة ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، وإذا أحطت بجميع ما ذكرناه لم يخف عليك ما يجوز من صور الكيفية الذي يقتضيه إطلاق الأدلة وما يمتنع ، بل لم يخف عليك محال النظر في كلام الأصحاب خصوصا الكركي منهم في جامعة الذي ذكر بعد جملة من الكلام خمسة عشر صورة للكيفية نافيا الخلاف عن جواز خمسة منها ، ولقلة الجدوى في التعرض لذلك تركناه ، وإلا فالصور المتصورة هنا بالنسبة إلى كل من الركعتين مع المساواة بينهما والمخالفة كثيرة تزيد على ذلك أضعافا ، ولكن الحكم فيها جميعها سهل بعد التدبر فيما قلناه.

وكيف كان فالظاهر وجوب جميع ما يعتبر في اليومية فيها من الشرائط وغيرها‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ٧ ـ ١ ـ ٦

٤٤٣

كما صرح به غير واحد ، ضرورة اندراجها في اسم الصلاة ، فيعتبر فيها حينئذ ما يعتبر فيها ، بل الظاهر كونها كذلك في المندوبات أيضا ، وفي أحكام السهو في الركوعات والركعات ، فتبطل بنسيان ركن أو زيادته حتى دخل في ركن آخر على البحث السابق في الفريضة ، بل الأركان فيها تلك الأركان ، إذ احتمال كون ما عدا الخامس والعاشر من الركوعات من الأفعال لا من الأركان كما ترى وإن كان يوهمه بعض ما عرفت ، ويتدارك لو نسي إذا لم يكن قد دخل ، وإلا قضى ما يقضى في الفريضة بعد الفراغ كالمنسي من أفعالها غير الأركان ، أما المشكوك فيه منها فيتدارك إذا لم يكن قد دخل في فعل آخر ، وتبطل بالشك في الركعات ، لأنها من الثنائية ، فظهر الفرق حينئذ بين الركوعات والركعات ، ولعل من عبر عن الأول باسم الثاني لا يريد جريان حكم الشك فيها ، نعم إذا رجع الشك في الركوعات إلى الشك في الركعات كما لو شك في الخامس والسادس بطلت كما نص عليه الشهيد في الذكرى وغيره ، وأشبعنا الكلام في ذلك في بحث الخلل ، فلاحظ وتأمل ، وقد أشار إلى جميع ما ذكرنا هنا العلامة الطباطبائي في منظومته ، بل ظاهره فيها اتفاق الفتاوى على الحكم الأول منها ، نعم تنفرد عن الفريضة وجوبا وندبا ببعض الأمور التي قد سمعت بعضها كزيادة الركوع والتبعيض في السورة وتكرار الحمد ونحوها ، وتسمع الباقي إن شاء الله.

وحينئذ فلا إشكال في أنه يستحب فيها الجماعة كاليومية على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل في كشف اللثام عندنا ، ونفاها أبو حنيفة في الخسوف بل في التذكرة إجماعا ، كما أن في الخلاف الإجماع على صلاتهما جماعة وفرادى ، وعلى خلاف قول أبي حنيفة ، لا طلاق أدلة الجماعة المقتضي بظاهره عدم الفرق بين القضاء والأداء وبين احتراق القرص وبعضه وإن كان قد يفهم من‌ قول الصادق عليه‌السلام

٤٤٤

في خبر ابن أبي يعفور (١) : « إذا انكسف الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم ، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلي وحده » ‌شدة التأكد في الإيعاب ، بل في كشف اللثام أنه نص في ذلك ، وفي الذكرى « ليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا وعند أكثر العامة » بل في التذكرة « هذه الصلاة مشروعة مع الامام وعدمه إجماعا منا » مضافا إلى ما سمعته سابقا ، فما عن الصدوقين ـ « إذا احترق القرص كله فصلها جماعة وإن احترق بعضه فصلها فرادى » وكذا المفيد لكن في القضاء ـ لا يخفى ما فيه إن أرادوا نفي مشروعية الفرادى في الأول والجماعة في الثاني ، ضرورة منافاته لا طلاق الأدلة في كل منهما بلا مقتض ، وقد‌ سأل روح بن عبد الرحيم (٢) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن صلاة الكسوف تصلى جماعة فقال : جماعة وغير جماعة » ‌ومحمد بن يحيى الساباطي (٣) الرضا عليه‌السلام « عن صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى قال : أي ذلك شئت ».

بل لعل من إطلاقهما وغيره يستفاد ما صرح به الشهيد في البيان من جواز اقتداء المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة وبالعكس فضلا عن المنتفل بالمتنفل ، ترجيحا لمثل الإطلاق المزبور على إطلاق منع الجماعة في النافلة المنساق منها غير ذلك كما تسمعه إن شاء الله في اليومية.

وكيف كان فالمعلوم من كيفيتها جماعة أنه إذا أدرك المأموم الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه على المشهور كما ستعرفه في اليومية أدرك الركعة ، أو إذا أدركه كذلك في أول ركوع الركعة الثانية فيتم حينئذ ركعة وينفرد بعد السلام أو قبله مع النية بالثانية كاليومية ، أما إذا أدرك الإمام في غير الأول من ركوعات الركعة الأولى‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ٢ ـ ١ ـ ٣

٤٤٥

فالمشهور وجوب الصبر إلى الركعة الثانية ، واختاره شيخنا في كشفه ، وشيخه في منظومته ، لأصالة عدم التحمل ، فيقتصر منه على المتيقن ، وإطلاق الجماعة لا يستفاد منه الكيفية ، ولأنه لا يخلو من محذور أبدا كما صرح به جماعة منهم الأصبهاني في كشفه ، قال : « فإنه إذا سجد الامام بعد الخامس لم يخل إما أن لا يسجد معه فيبطل الاقتداء بالإخلال بالمتابعة في الفعل مع‌ قوله عليه‌السلام (١) : « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به » ‌أو يسجد معه فاما أن يكتفي بما أدرك قبله من الركوعات وهذا السجود وخمس ركوعات أخر وسجود ثان يتابع الإمام في الكل فيلزم نقصان ركعته الأولى عن خمس ركوعات ، أو تحمل الامام ما فاته من الركوع ، ولم يعهد شي‌ء من ذلك ، أو لا يكتفي بل يسجد أخريين بعد الركوع الخامس فيزيد سجدتين وينفرد عن الاقتداء إن أتم الركوعات وحده ، وإن جعل المتمم لركوعاته من ركوعات ثانية الإمام زاد أربع سجدات ».

قلت : لكن قد يستفاد من إطلاق النصوص هنا صحتها جماعة من غير تعرض لكيفيتها أنه يكفي فيها ما ثبت من هيئتها في اليومية ، بل لعل المتعارف في سائر العبادات بيان كيفيتها في محل مخصوص ثم يؤكل غيره عليه ، فالمتجه حينئذ ثبوت ما يثبت في اليومية هنا ، والظاهر جواز نية الائتمام بالبعض فيها من أول الأمر بأن يعزم على مفارقة الإمام في الأثناء ، أو كان عالما بعروض ما يمنع من الاقتداء به قبل الفراغ ، إذ الجماعة كما أنها مستحبة في الكل مستحبة في البعض ، ولذا كان الأقوى جواز الانفراد اختيارا ، فحينئذ جاز له الائتمام بما بقي من الركوعات ثم ينفرد عنه عند إرادة السجود كما صرح به في جامع المقاصد ، بل بناء على جواز تجديد نية الائتمام للذي انفراد في الأثناء كان له بعد الفراغ مما بقي عليه من الركوعات واللحوق في السجود أو فيما بعده تجديدها حينئذ‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٤٤٦

كما هو واضح ، بل قد يقال بالصحة بدون ذلك وإن لم يسجد معه كما احتمله العلامة وغيره ، ودعوى بطلان الافتداء حينئذ لقوله عليه‌السلام : « إنما جعل الإمام » ‌إلى آخره ممنوعة أولا بأن الأصح التعبد خاصة في وجوب المتابعة ، وأنه لا بطلان في الصلاة ولا في الجماعة بتركها عمدا ، وثانيا بعدم وجوبها هنا ، ضرورة كون الثابت منها فيما اشتركا فيه من أفعال الصلاة لا فيما استقل فيه الإمام خاصة بالتكليف كما في عدة مواضع ، منها ما لو كان قد نسي سجودا مثلا وقد ذكره قيل الركوع فإنه لا يجب على المأمومين المتابعة له فيه ، فحينئذ ينتظر المأموم في الفرض حتى يقوم الإمام للركعة الثانية وليس ذا من ايتمام القائم بالقاعد ، على أن له الجلوس معه بلا سجود إلى أن يقوم ، فيتم ما بقي له من الركوعات معه ، فإذا تم له الخامس سجد ، ولا يقدح انفراده عن الإمام في ذلك بعد اختصاصه بالتكليف به كالمزاحم في صلاة الجمعة والجالس للتشهد إذا كان مسبوقا ، وبعد الفراغ من السجود يلحقه ويركع معه ، بل ليس فيه فوات متابعة ، إذ ليس المراد منها إلا المشاركة معه في الفعل لا المقارنة ، فلحوقه بعد السجود حال القيام قبل الركوع كاف فيها ، كلحوق المتخلف للتشهد مثلا ، فإذا أراد الإمام السجود أتم هو ركوعاته على الانفراد لجوازه كما عرفت ، أو يلحق الإمام في السجود أو بعده فيسلم معه ، لعدم البأس في التخلف لعذر كما سمعت ، مع أنه على فرض مشاركته له في السجود بانتظار من الامام أو بتخفيف من المأموم لم يكن فيه فوات متابعة أيضا.

نعم المتجه بناء على ذلك ما عن حل المقعود من الجمل والعقود من فعل الركوعات الناقصة في الركعة الأولى مخففة ثم لحوقه في السجود ، ولا يتعين عليه الانتظار إلى إتمامها بركوعات الركعة للثانية كما سمعته من العلامة ، واحتمال الفرق بين الأولى والثانية بإمكان المتابعة للإمام فيها في الركوع ولو بالركعة الثانية بخلاف الأخيرة يوجب تعيين تأخير سجود الأولى إلى سجود الإمام للثانية ، فينتظره حينئذ إلى أن يفرغ مما عليه من ركوعات الثانية ويسجد‌

٤٤٧

معه كما انتظره حال سجود الأولى ، اللهم إلا أن يلتزم جواز ذلك له ، إلا أنه لا يحصل له الائتمام حينئذ إلا بركعة ، وتذهب ثمرة مبادرته ، ولذا رجحت الصورة الأولى عليها ، وإلا فالجميع جائز ، بل قد ينقدح من ذلك كله ـ ومما تسمعه في صلاة الخوف ، وأن انتظار الامام فيها على القواعد لا لخصوصية فيها ، وفي ائتمام المسافر بالحاضر والعكس ، وانتظار كل منهما الآخر إلى أن يؤدي ما عليه ، ويشتركان في التسليم ـ صور أخر لا يخفى جريانها في المقام ، كما أنه كذلك أيضا لو قلنا بأن زيادة الركن للمتابعة غير قادحة ، كما تسمعه فيمن أدرك الإمام في السجود في الركعة الأخيرة ، وأن له الائتمام به متابعا له في السجدتين لإدراك فضيلة الجماعة ثم يقوم بعد تسليم الإمام للصلاة من غير احتياج إلى استئناف نية وتكبيرة.

هذا كله بناء على وجوب العشر ركوعات على المأموم كالإمام ، أما إذا قلنا بسقوط ما لا يدركه منها من الركعة بعد إدراك الركوع الأخير منها أو أزيد إما لتحمل الامام كما عن ظاهر حل المعقود من الجمل والعقود أو لغير ذلك لم يكن إشكال حينئذ في الكيفية ، وكان وجهه ما دل (١) على إدراك الركعة بإدراك الركوع ، ومن المعلوم أنهما ركعتان وإن اشتملا على عشر ركوعات ، ولذا لم يعتبر قراءة الفاتحة لكل ركوع بل ذكر السمعلة بعد الخامس مما يعين أنه هو ركوع الركعة ، وأن ما قبله أفعال وجبت هنا ، فتدرك الركعة حينئذ بإدراكه ، ولعله بذلك ترتفع الغرابة في كشف اللثام عنه ، ولكن الإنصاف مراعاة الاحتياط والاقتصار في الجماعة على المعلوم من الكيفية ، نعم لو أراد تحصيل فضيلة الجماعة وكان الوقت متسعا كان له الائتمام ببعض السور السابقة ثم الاستئناف ، وفي كشف اللثام وغيره أنه يمكن استحباب المتابعة في الركوع وسجود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٤٤٨

الأولى واستئناف الاقتداء في ابتداء الثانية ، كما يستحب في اليومية المتابعة إذا أدرك سجود الأولى ، قلت : لكن فيه منافاة الاحتياط لاحتمال الصحة كما عرفت ، فيحرم عليه إبطال العمل ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ويستحب فيها أيضا إطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف بلا خلاف نعرفه فيه كما عن المنتهى الاعتراف به ، بل في المفاتيح والمحكي عن المعتبر والتذكرة والنجيبية وظاهر الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد إطلاق‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة ومحمد (١) : « كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن» إن لم يكن ظاهرا في التطويل ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في موثق عمار (٢) : « إن صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز » ورواه في المدارك وغيرها « فإلى أن يذهب » ‌إلى آخره. وعلى كل حال فالمراد منه ظاهر ، قيل : و‌صحيح الرهط (٣) « إن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها » ‌وخبر القداح (٤) « ان الشمس انكسفت في زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى بالناس ركعتين وطول حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام » ‌وفي الفقيه (٥) « انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١ ـ ٢

٤٤٩

إلى الرجل قد ابتلت قدمه من عرقه » ‌بل في‌ المروي (١) عن المقنعة « أنه عليه‌السلام قرأ فيها بالكهف والأنبياء ورددها خمس مرات وأطال في ركوعها حتى سال العرق على أقدام من كان معه وغشي على كثير من القوم » ‌لكن يحتمل الأول الاتفاق ، وليس في الأخيرين التطويل إلى القدر ، نعم قد يستفاد منهما استحباب التطويل كفحوى الأمر (٢) بقراءة السور الطوال فيها مساواة كل من القنوت والركوع والسجود لها.

وظاهر المتن وغيره والنصوص السابقة تساوي الكسوفين في التطويل المزبور ، وعدم الفرق بين الامام وغيره ، لكن في‌ صحيح الرهط (٣) « ان الصلاة في هذه الآيات كلها سواء ، وأشدها وأطولها كسوف الشمس » ‌إلى آخره. و‌في آخر (٤) « صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر ، وهما سواء في القراءة والركوع والسجود » ‌وفي‌ صحيح محمد وزرارة (٥) عن الباقر عليه‌السلام « انه كان يستحب أن يقرأ في صلاة الكسوف الكهف والحجر إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه » ‌ولعل المراد بالأولين أن كسوف الشمس أطول مكثا من غيره ، فتكون أطول صلاة ، ولعله اليه أومأ في المنظومة.

أطل بها وأكد التطويل

في الشمس فالأمر بها مهول

وبالأخير أنه لا يتأكد التطويل بقراءتهما للإمام الذي يشق على من خلفه ، وربما جمع بين النصوص برغبة المأمومين في الإطالة وعدمها ، ولعل الأولى منه إطلاق استحباب الإطالة إلا أن يعلم المشقة بخلاف غيرها من الصلاة ، فإن عدم العلم بالرغبة كاف في استحباب التخفيف ، بل يمكن دعوى استحبابه مطلقا ، وكان وجه الفرق عدم تكررها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٣.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢ ـ ١

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٦.

٤٥٠

في كل يوم ، وكون الصلاة لاستدفاع البلاء والفزع إلى الله ، فينبغي التشاغل ما دامت موجودة.

وكيف كان فالأمر سهل ، لكن في الذكرى تبعا للتذكرة والمحكي عن المعتبر أنه يستحب إطالة صلاة كسوف الشمس على صلاة خسوف القمر ، ورواه الأصحاب عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : « وهل ينسحب إلى باقي الآيات حتى يكون الكسوفان أطول منها؟ لم نقف على نص ، وفي المحكي عن النفلية والفوائد الملية أن الظاهر عدم الانسحاب ، وظاهر خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) يرشد اليه » وفيه أولا ما عرفت من أطولية صلاة الكسوف على جميع الآيات ، فان كان المراد به ما ذكره لا ما قلناه فهو دال على ذلك ، وثانيا أنه لا يتصور استحباب الأطولية بعد تقدير استحباب الطول بذهاب الكسوف ، اللهم إلا أن يقال : إن ذلك مستحب في مستحب فيتصور حينئذ بأنه لو فرض تقدم صلاة الخسوف مثلا ولم يكن قد طولها إلى ذهابه ثم تعقبتها صلاة الكسوف استحب له زيادة الطول على صلاة الخسوف وإن لم يكن إلى ذهاب الكسوف أيضا ، لكنه كما ترى ، وكذا لو أريد تأكد استحباب الطول فيها على صلاة غيرها من الأطولية إلا على المعنى الذي ذكرناه ، ولعله لذا ترك التعرض لاستحباب الأطولية أكثر الأصحاب ، ضرورة أنه على ما قلناه يرجع إلى استحباب التطويل قدر الذهاب ، فاستغنوا به عنه ، وغيره لا يخفى ما فيه ، فتأمل جيدا ، هذا.

وقد ذكر غير واحد أنه إنما يتم استحباب التطويل إلى الذهاب مع العلم بذلك أو الظن الحاصل من إخبار رصدي أو غيره ، وأما بدونه فربما كان التخفيف ثم الإعادة مع عدم الانجلاء أولى ، لما في التطويل من التعرض لخروج الوقت قبل الإتمام ، وزاد في المحكي عن الفوائد الملية خصوصا على القول بأن آخره الأخذ في الانجلاء ، فإنه محتمل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١٠.

٤٥١

كل آن من آنات الكسوف ، وأصالة عدم الانجلاء لا تدفع هذه الفريضة ، لكن عنه في المسالك أنه يمكن عموم استحباب الإطالة وإن لم يتفق موافقة القدر ، لأصالة البقاء ، وكيف كان فتخيل ( فتخفيف خ ل ) الصلاة مع الجهل بالحال ثم الإعادة تحصيلا للفضيلة أحوط ، قلت : هذا كله منهم مبني على التوقيت للأول والآخر ، ولعل وجه (١) إطلاق استحباب التطويل إلى القدر المعلوم ندرة العلم والظن المعتبر به ، بل مقتضى اعتبار تحصيل الغاية العلم بوقوع جزء من الصلاة خارج القدر للمقدمة ، وهو شاهد على عدم اعتبار التوقيت بالمعنى المزبور ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكذا يستحب أن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء وفاقا للأكثر بل في الذكرى « المعظم » بل لا أجد فيه خلافا إلا من الديلمي وأبي الصلاح في المحكي عن مراسم الأول وكافي الثاني حيث قالا : « عليه الإعادة » وظاهرهما الوجوب ، قبل : ويحتمله المقنعة وجمل العلم والعمل ، بل نسبه الشهيد إلى ظاهر الثاني ، كما عن كشف الرموز نسبته إلى ظاهر الأول ، إلا أن الانصاف أنه يحتمل الجميع إرادة الاستحباب كما اعترف به في الذكرى ، فتصير المسألة اتفاقية مما عدا الحلي فنفى الوجوب والاستحباب كالمحكي عن الجمهور ، ولقد أجاد في الذكرى بقوله : « إن الأصحاب قبله مطبقون على شرعية الإعادة » وأجود منه ما عن كشف الرموز « من أنه إقدام مع وجود النص وفتوى الأصحاب » والمختلف « انه مخالف لعملهم » قلت : ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٢) : « إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد » ‌الذي يجب حمله‌

__________________

(١) ليس في المسودة شي‌ء من لفظ « وجه » بعد كلمة « لعل » ولا لفظ « وهو » قبل قوله قده : « شاهد » وحينئذ يكون قوله : « إطلاق استحباب التطويل » اسم « لعل » وقوله : « شاهد » خبرها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

٤٥٢

على إرادة الندب للأصل وموثق عمار (١) السابق ، و‌قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة ومحمد (٢) : « إذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي » ‌وفي‌ الدعائم (٣) « روينا عن علي عليه‌السلام أنه صلى صلاة الكسوف فانصرف قبل أن تنجلي وجلس في مصلاه يدعو ويذكر الله وجلس الناس معه كذلك يدعون حتى انجلت » ‌واحتمال الجمع بالتخيير بين الدعاء والإعادة يدفعه بعد الإجماع المركب على خلافه أن الأول أرجح منه من وجوه ، منها شهرة الأصحاب ، على أن فيما حضرني من نسخة الوسائل « فأغد » في الصحيح بدل « فاقعد » نسخة.

وعلى كل حال فالحجة به على الحلي واضحة ، خصوصا ولم نعرف له مستندا بعد الأصل المقطوع بما عرفت سوى دعوى ظهور موثق عمار (٤) في حصر القسمة بين التطويل وعدمه من غير تعرض لذكر الإعادة ، فلو كانت مستحبة لم تكن القسمة حاصرة وهي واضحة المنع ، مع أنها لا تعارض الصحيح السابق المعتضد بالفتاوى كما هو واضح. وكيف كان فلا تعرض للأصحاب هنا للأخذ في الانجلاء وتمامه ، بمعنى أن القائلين بالتوقيت بالأول يخصون الإعادة به بخلاف الثاني ، بل ظاهرهم الاتفاق هنا على مشروعية الإعادة قبل الانجلاء الظاهر في التمام ، وقد سمعت الاعتراف به من الذكرى سابقا ، ولعل وقت المستحب عندهم غير وقت الواجب لا طلاق الدليل السابق ، بل قد يستفاد هنا من إطلاق النص والفتوى عدم اعتبار سعة الباقي للإعادة ، وهو مؤيد لما قلناه من التسبيب ، فتأمل.

ثم إن الظاهر استحباب الإعادة مطلقا كما عن نهاية الأحكام لا لأن الأمر‌

__________________

(١) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٦.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٥٣

للتكرار بل لخصوص المقام الظاهر في إرادة التشاغل بالصلاة ما دامت الآية ، بل هو مقتضى إطلاق‌ قوله عليه‌السلام : « حتى يسكن » ‌بناء على عدم ظهوره في التطويل بل قد يستفاد ذلك من فحوى الإطالة فضلا عن غيره ، فما عن بعضهم من تقييد استحباب الإعادة بالثلث لا أعرف له شاهدا ، والله أعلم.

وكذا يستحب أن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته بلا خلاف أجده فيه سوى ما في المحكي عن المقنعة ، فقال : بقدر السورة ، ولعله يريد ما يشمل الفاتحة فيتفق الجميع حينئذ ، ولذا نسبه في المحكي عن التذكرة إلى علمائنا ، بل عن الخلاف والغنية والغربة الإجماع عليه ، وفي‌ خبر أبي بصير (١) « يقرأ في كل ركعة مثل يس والنور ، ويكون ركوعك مثل قراءتك ، وسجودك مثل ركوعك » ‌وفي المروي من‌ صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام في جملة من كتب الفروع « وتطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود » ‌إذا قرئ الركوع بالنصب لا الجر ليوافق الخبر الأول والفتاوى ، بل بهما يرتفع احتمال إرادة تطويل المجموع منهما لا كليهما ، مضافا إلى‌ مرفوع الدعائم (٣) عن الصادق عليه‌السلام المصرح بذلك ، لكن رواه في الكافي والتهذيب « فتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود » ‌وحمله على تكرار الركوع من النساخ أو غيرهم متعين ، وإلا كانا من المتشابهات

وكيف كان فالظاهر من النص والفتوى الكناية بذلك عن استحباب تطويل الركوع بقدر القراءة المندوب إليها وإن لم يكن قد فعلها ، بل في المحكي عن المنتهى الإجماع على استحباب التطويل في الركوع من أهل العلم ، والإجماع منا في السجود ، إلا أنه‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢ ـ ٦

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٥٤

استدل عليه بما يقضي بالتقدير المزبور ، وقد سمعت مرسل المقنعة (١) المحتمل لكون التطويل في ركوعه عليه‌السلام للتطويل في قراءته ، وعلى كل حال فكان على المصنف ذكر السجود كذلك أيضا كما ذكره غير واحد للخبر المزبور ، وللإجماع الذي سمعته ، مضافا إلى نسبته إلى علمائنا في المحكي عن التذكرة ، بل عن الغرية الإجماع عليه ، بل كان عليه ذكر القنوت كذلك أيضا كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل عن الغرية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الخبر المزبور ، ومن المعلوم إرادة التقريب من ذلك كله ، والله أعلم.

وكذا يستحب أن يقرأ السور الطوال بلا خلاف ، بل عن الخلاف والمعتبر وظاهر الغنية وغيرها أنه متفق عليه ، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل العلم ، وقد سمعت ما في صحيح زرارة ومحمد وخبر أبي بصير ومرسل حريز ، وفي‌ الدعائم (٢) « روينا عن علي عليه‌السلام أنه قرأ في الكسوف سورة من المثاني وسورة الكهف وسورة الروم ويس والشمس وضحاها ، وليس في هذا شي‌ء موقت » ‌وقد قال فيها قبيل ذلك : إن المثاني أولها البقرة ، وآخرها براءة ، وكان قراءته عليه‌السلام للشمس وضحاها مع قصرها للمناسبة ، كما أنه ينبغي قراءة سورة الزلزلة لآيتها لولا قصرها ، واليه أومأ العلامة الطباطبائي :

وناسب الخطب بها لولا القصر

زلزلة والشمس يتلوها القمر

وقد رأينا أثرا في الشمس

عند الكسوف ما به من بأس

وكيف كان فقد قيده المصنف وغيره بقوله مع سعة الوقت ومبناه التوقيت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٥٥

المزبور ، وقد عرفت ما فيه ، ولعل إطلاق النصوص هنا ، بل في بعضها (١) كما عرفت سابقا أنه « إن فرغ قبل أن ينجلي » أتم شاهد على نفي التوقيت بالمعنى الذي ذكروه.

وكذا يستحب أن يكبر عند كل رفع من كل ركوع إلا في الخامس والعاشر ، فإنه يقول : سمع الله لمن حمده بلا خلاف كما اعترف به غير واحد ، بل في المحكي عن المعتبر والتذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا ، بل عن الخلاف والغرية الإجماع عليه ، والاقتصار في معقد الإجماع المحكي عن الغنية على العاشر غير ثابت ، وفي‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) « وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد فيها تقول : سمع الله لمن حمده » ‌وفي‌ صحيح الرهط (٣) « ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت : سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى » وفي الدعائم (٤) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام التكبير للهوي والرفع ، والتسميع في الرفع خاصة في الخامس والعاشر ، إلا أنه ترك فيه فيما حضرني من النسخة ذكر التكبير لأول ركوع ، وكأنه إن صحت للوضوح ، بل له ترك المصنف ذكر التكبير للهوي جميعه وذكر رفع اليدين الذي قد عرفت في محله عموم استحبابه في كل تكبير ، هذا ، وعن النفلية والفوائد الملية أنه روى إسحاق بن عمار نادرا مخالفا للمشهور فتوى ورواية عموم التسميع إذا ركع وفرغ من السورة وإن لم يكن الخامس والعاشر ، قلت : بل لم أجد الخبر المزبور.

وكذا يستحب أن يقنت خمس قنوتات عند كل ركوع ثان بعد‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٥٦

الفراغ من القراءة بلا خلاف فيه عندنا ، بل عن صريح الغرية وظاهر غيرها الإجماع عليه وما عن الصدوقين من أنه إن لم يقنت إلا في الخامس والعاشر جاز لورود الخبر به (١) ليس خلافا ، بل أقصاه الجواز ، ولا بأس به بعد المرسل الذي ذكراه خصوصا بعد العمل به من الفاضل والشهيد وأبي العباس والكركي والجزائري وغيرهم ، بل عن الشيخ وابني حمزة وسعيد والشهيد والكركي وغيرهم جواز الاقتصار على العاشر ، وفي المنظومة‌

وفي جواز خامس وعاشر

وجه كذاك الاجتزاء بالآخر.

والأمر سهل ، نعم ما عن الهداية بعد أن ذكر الخمس من أنه وروي أن القنوت في الخامسة والعاشرة إن لم يحمل على إرادة الجواز يجب طرحه والاعراض عنه ، لأمرهم عليهم‌السلام بطرح أمثاله من الشواذ المخالفة للمشهور كما هو واضح.

ثم لا يخفى استفادة غير ذلك من المستحبات من النصوص ، منها كونها في المساجد للأمر (٢) بالفزع إليها عند حدوث الآية واحتمال الكناية بها عن أماكن الصلاة بعيد ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) صلاها في مسجده ، لكن في‌ الدعائم (٤) « سئل ـ أي الصادق عليه‌السلام ـ عن صلاة الكسوف أين تكون؟ قال : ما أحب إلا أن تصلى في البراز ، وليطيل المصلي الصلاة على قدر طول الكسوف ، وحد السنة أن يصلي في المسجد إذا صلى معه جماعة» قلت : إلا أن العمل على الأول ، نعم ينبغي صلاتها في رحبة المسجد ، لقول الباقر عليه‌السلام في الصحيح (٥) : « وإن استطعت أن يكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل » ‌ومنها إكمال السورة ، ومنها الجهر بها ليلا أو نهارا‌

__________________

(١) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٩ ـ ٦

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٣) سنن البيهقي ج ٣ ص ٣٤١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٥٧

كما في الذكرى والدروس بل في المنظومة :

والجهر في الآيات يستحب

حتى كسوف الشمس وهو دأب

والقول في الكسوف بالاسرار

يضعف بالإجماع والأخبار

والله أعلم.

وأما أحكامها فمسائل منها ثلاث ذكرها المصنف‌ الأولى إذا حصل الكسوف مثلا في وقت فريضة يومية حاضرة واتسع وقتهما معا كان مخيرا في الإتيان بأيهما شاء ما لم تتضيق الحاضرة أو الكسوف فتكون أولى من الموسعة وقيل : الحاضرة أولى في السعة فضلا عن الضيق ، وقيل بالعكس والأول أشبه بأصول المذهب وقواعده وأشهر ، بل هو المشهور بين المتأخرين نقلا وتحصيلا ، بل في التذكرة « لا يجب مع اتساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة بلا خلاف » لكن قد يريد نفيه عن عدم تعين فعلها لفرض اتساع وقتها ، لا ما يشمل جواز فعل الكسوف قبلها الذي لا ينافي عدمه القول المزبور ، لا مكان كونهما كالظهر والعصر في عدم جواز فعل الثانية قبل الأولى وإن كان لا يتعين مع ذلك الاشتغال بها ، بل هذا هو المختار عند كثير من القدماء كالصدوقين والسيد في المصباح والشيخ في النهاية وابني حمزة والبراج على ما حكي عن البعض ، بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر ، فمن البعيد نفي الخلاف بالمعنى المزبور ، كما أن القول الثالث محكي عن المرتضى ، ولعله في غير المصباح وابن أبي عقيل والآبي والحلي في السرائر بل ادعى الإجماع عليه فيها ، ثم قال : وشيخنا أبو جعفر وافق في جمله وعقوده ورجع ، وكذلك في أول كلامه في المبسوط ، قلت : ولعله لذا حكى في الذكرى عن الجمل موافقة النهاية ، والمحكي لنا من عبارته « خمس صلوات يصلين في كل وقت ما لم تتضيق وقت حاضرة » وعن منها صلاة الكسوف ، ولا صراحة بل ولا ظهور فيه في الوجوب ، بل لعل ظاهره إرادة بيان الجواز دفعا لتوهم الحرمة ، فيكون كما حكاه‌

٤٥٨

في الذكرى عنه ، بل ما يحكى عن المرتضى كذلك لا ظهور فيه ولا صراحة ، قال : « ووقتها ابتداء ظهور الكسوف إلا أن تخشى فوت فريضة حاضر وقتها فيبدأ بتلك ثم يعود إلى صلاة الكسوف » بل وكذا المحكي من أول عبارة المبسوط ، قال : « متى كان وقت صلاة الكسوف وقت فريضة فإن كان أول الوقت صلى صلاة الكسوف ، وروي أنه يبدأ بالفرض على كل حال ، وهو أحوط » بل لا يتم ما فيه من الاحتياط إلا على عدم إرادة الوجوب من الأول ، ثم قال : « فان دخل في صلاة الكسوف ثم دخل عليه الوقت قطع صلاة الكسوف ثم صلى الفرض ثم استأنف صلاة الكسوف ».وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول للأصل ، ولأنه مقتضى الأمر بكل منهما مع السعة ، بل‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) : « خمس صلوات تصليهن في كل وقت : صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الإحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل » ‌كالصريح في تناول محل الفرض ، كقول أبيه عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) : « أربع صلوات يصليها الرجل في أي ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميت ‌والأمر فيهما كالأمر في‌ صحيح ابن مسلم وبريد بن معاوية (٣) عنهما عليهما‌السلام « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى » ‌مراد منه الرخصة ، لأنه في مقام توهم الحظر أو المرجوحية في مثل الأوقات‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ ـ ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٤.

٤٥٩

المكروهة ، فلا يدل على وجوب تقديم الكسوف ، كما أن‌ قول أحدهما عليهما‌السلام (١) : « ابدأ بالفريضة » ‌جواب سؤال محمد بن مسلم في الصحيح له عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة يجب تقييده بما في الصحيح السابق أي « إن تخوفت فابدأ » أو الندب‌كالمروي في الدعائم (٢) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « إذا انكسف الشمس أو القمر في وقت صلاة فريضة بدأ بصلاة الفريضة قبل صلاة الكسوف » ‌فلا حجة فيهما حينئذ للقول الثاني. وأما الاستدلال له بالأمر بالقطع في‌ صحيح الخزاز (٣) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس وتخشى فوات الفريضة فقال : اقطعوا وصلوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم » وصحيح محمد (٤) قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : « ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صليت الكسوف خشيت أن تفوت الفريضة فقال : إن خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها » ‌بتقريب أنه حقيقة في الوجوب ، ولولا وجوب تقديم الفريضة لم يتجه وجوب القطع لها مع سعة وقتها ، ضرورة ظهور الخبرين في غير وقت التضييق ، إذ المراد بالفريضة في الأول المغرب قطعا لا العصر ، وفي الثاني العشاء وخوف فوات وقت إجزائهما الممتد عندنا إلى النصف لو صلي الكسوف الذي فرض وقوعه قبل مغيب الشمس وبعد المغرب مقطوع بعدمه ، فليس المراد حينئذ إلا وقت الفضيلة ، ووجوب القطع له حينئذ يوجب تقديم مراعاته لو لم يكن متلبسا ، ففيه أولا أنه لا تلازم بين الأمرين كما عن الجامع من القول بالتخيير ابتداء ووجوب القطع لو تلبس ودخل عليه وقت الفريضة ، بل لعله ظاهر ما سمعته سابقا ، من المبسوط ، بل اقتصر على إطلاق الأمر بالقطع لو دخل في المحكي عن‌

__________________

(١) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث ١ ـ ٣ ـ ٢

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات ـ الحديث ٢.

٤٦٠