جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وأما محل التكبير فـ عقيب أربع صلوات أولها المغرب من ليلة الفطر وآخرها صلاة العيد بلا خلاف فيه نصا وفتوى بمعنى مشروعية التكبير بعد ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، إنما الكلام في مشروعيته في غير ذلك ، فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا عدمه ، لكن عن البزنطي يكبر الناس في الفطر إذا خرجوا إلى العيد ، واختاره في المعتبر محتاجا عليه بفعل علي عليه‌السلام (١) وجماعة من الصحابة ، و‌قال المفيد : « روي (٢) أن الامام يمشي يوم العيد ولا يقصد المصلى راكبا ، وإذا مشى رمى ببصره إلى السماء ويكبر بين خطواته أربع تكبيرات » ‌وقد سمعت ما فعله الرضا عليه‌السلام حال خروجه لكن في عيد الأضحى على الظاهر ، وتسمع أيضا فيما يأتي نحوه ، وعن الكاتب مشروعيته عقيب النوافل والفرائض ، وعن رسالة علي بن بابويه أنه يكبر عقيب ست بزيادة الظهر والعصر ، وهو ظاهر ولده في الفقيه ، حيث قال بعد رواية سعيد النقاش السابقة : وفي غير (٣) رواية سعيد « وفي الظهر والعصر » ولعله لذا استحبه في‌ المحكي عن الأمالي والمقنع عقيب الست ، وفيما كتبه المأمون (٤) إلى الرضا عليه‌السلام « التكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات ، ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر » ‌وعن‌ الخصال بإسناده عن الأعمش (٥) عن جعفر بن محمد (ع) في حديث شرائع الدين قال : « والتكبير في العيدين واجب ، أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر » ‌ولعل المراد خمس فرائض مع صلاة العيد ، فتكون ستا كما نص عليه في المحكي (٦) عن فقه الرضا عليه‌السلام والأمر سهل بعد التسامح نعم لم أقف على ما يشهد لما سمعته‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٢

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣ ـ ٥ ـ ٦

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥.

٣٨١

عن أبي علي هنا ، وكونه ذكرا مستحبا على كل حال لا يقضي باستحباب الخصوصية نعم يمكن استفادته مما تسمعه من نصوص التكبير (١) بعد النوافل أيام التشريق والله أعلم بحقيقة الحال.

وكذا يستحب أن يكبر في الأضحى أيضا على المشهور شهرة عظيمة بل هي من المتأخرين إجماع ، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية ، والغنية الإجماع عليه ، وسمعت ما عن مصابيح الظلام المؤيد بما نجده الآن في أعصارنا من العلماء وغيرهم وبما تقدم سابقا في عيد الفطر مما لا يخفى عليك جريانه في المقام ، مضافا إلى الأصل ، سيما فيما نعم به البلوى ، و‌صحيح علي بن جعفر (٢) سأل أخاه عليه‌السلام « عن التكبير أيام التشريق أو أحب هو؟ قال : يستحب » ‌خلافا للمرتضى فأوجبه مدعيا في ظاهر انتصاره الإجماع عليه ، وهو عجيب ، ضرورة كون العكس مظنة ذلك ، ومن هنا قال في المحكي عن المختلف أن الإجماع على الفعل دون الوجوب ، وفي الذكرى أنه حجة على من عرفه وعلى كل حال فلم نتحقق ما ذكره من الإجماع ، بل المتحقق خلافه ، نعم عن الشيخ في التبيان والاستبصار والجمل والعقود وأبي الفتوح في روض الجنان وابن حمزة والراوندي في فقه القرآن وجوبه على من كان بمنى دون غيره ، وفي كشف اللثام أنه احتمله والعكس في حل المعقود من الجمل والعقود ثم رجح الأول ، وإن كان الإنصاف أن مقتضى الدليل عدم الفرق بين منى وغيره ، إذ هو الخبران (٣) السابقان المطلقان اللذان قد عرفت قصورهما عن المعارضة ، وأن المراد بهما الثبوت أو التأكد ، كما يشهد له هنا‌ قول الصادق عليه‌السلام في موثق عمار (٤) : « التكبير واجب في دبر كل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة العيد والباب ٢٢ منها ـ الحديث ٢.

(٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٠ ـ ١٢

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥ و ٦.

٣٨٢

صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق » ‌المعلوم إرادة التأكيد أو الثبوت من لفظ الوجوب فيه ، لعدم القائل به بالنسبة إلى النافلة ، وكذا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر حفص بن غياث (١) المتقدم آنفا.

ومنه يعلم الحال في غيرها ، فتدبره ، وقوله تعالى (٢) ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) أي أيام التشريق بلا خلاف كما في الخلاف ، والذكر فيها التكبير كما‌ في حسن ابن مسلم (٣) سأل الصادق عليه‌السلام عن الآية قال : « التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات » ‌وفي كشف اللثام أنه ليس نصا في التفسير ، ولا لفظ الآية متعينا بهذا المعنى قلت : على أنه محمول على الندب حينئذ ، كصحيح علي بن جعفر (٤) سأل أخاه عليه‌السلام « عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟ قال : نعم ولا يجهرن » ‌وما في المحكي عن‌ قرب الاسناد له عن عبد الله بن الحسن العلوي (٥) عنه عليه‌السلام أنه سأله « عن الرجل يصلي وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟ قال : نعم ، فإن نسي فلا شي‌ء » ‌وغيرهما ، والكل كما ترى لا اختصاص فيه بمن كان بمنى ، لكن في كشف اللثام أن دليله اختصاص الآية مع الأصل، و‌قول الصادق عليه‌السلام في حسن ابن عمار (٦) : « تكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من أيام التشريق إن أنت أقمت بمنى ، وإن أنت خرجت فليس عليك تكبير بعد الخروج » ‌وفيه أنه لا دلالة في الآية على الاختصاص ، بل حسن ابن مسلم السابق كالصريح في خلافه ، والأصل مقتضاه العدم في الجميع ، والمراد من حسن ابن عمار أنه إن أقام إلى النفر الثاني كبر إلى‌

__________________

(١) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ ـ ١ ـ ٤

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٩.

(٣) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٤

٣٨٣

فجر آخر أيام التشريق ، وإن خرج في النفر الأول فليس عليه تكبير بعد الخروج ، كما هو واضح. وكيف كان فمحله في منى ، وألحق بها المفيد مكة ، بل في كشف اللثام وهو مراد غيره أيضا ، فإن الناسك يصلي الظهرين أو إحداهما غالبا بمكة.

وعلى كل حال فليكبر عقيب خمس عشرة صلاة أولها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى وآخرها الفجر من اليوم الثالث وفي باقي الأمصار عقيب عشرة أولها الظهر المزبور ، وآخرها الغداة أيضا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى ، بل في الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة وظاهر المعتبر على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه ، نعم في‌ صحيح معاوية (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التكبير في أيام التشريق لأهل الأمصار فقال : يوم النحر صلاة الظهر إلى انقضاء عشر صلوات ولأهل منى في خمس عشرة صلاة فإن أقام إلى الظهر والعصر كبر » وسأل غيلان (٢) أبا الحسن عليه‌السلام « عن التكبير في أيام الحج من أي يوم يبتدى به وفي أي يوم يقطعه وهو بمنى ، وسائر الأمصار سواء أو بمنى أكثر فقال : التكبير بمنى يوم النحر عقيب صلاة الظهر إلى صلاة الغداة من يوم النفر ، فإن أقام الظهر كبر وإن أقام العصر كبر ، وإن أقام المغرب لم يكبر ، والتكبير بالأمصار يوم عرفة صلاة الغداة إلى النفر الأول صلاة الظهر ، وهو وسط أيام التشريق » وسأل علي بن جعفر (٣) أخاه عليه‌السلام « عن التكبير في أيام التشريق فقال : يوم النحر صلاة الأولى إلى آخر أيام التشريق من صلاة العصر تكبر وتقول » ‌إلى آخره.

ومقتضى الجميع زيادة التكبير على خمس عشر ، بل في خبر غيلان أن التكبير في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٨ ـ ١٣ ـ ١٥

٣٨٤

الأمصار في يوم عرفة إلا أنه ـ مع عدم موافقته لباقي النصوص بل ولقوله عليه‌السلام فيه : « وهو وسط أيام » ‌إلى آخره ـ محمول على ما عند العامة بمعنى أن العامة في الأمصار كذا تفعل وأما تلك الزيادة فلا بأس بها بعد التسامح وإن كنت لم أجد مصرحا بها ، إلا أنها ليست كذلك بذلك التأكد.

كما أن الأقوى استحبابه بعد النوافل أيضا كما عن أبي علي والشيخ التصريح به بل مال إليه في الرياض ، فما عن المشهور ـ من عدم الاستحباب ، بل قيل : إنه كاد يكون إجماعا ، وانه قد يظهر من الخلاف والانتصار انعقاد الإجماع عليه ـ لا يخلو من نظر ، لخبر حفص بن غياث (١) وموثق عمار (٢) المتقدمين سابقا ، و‌خبر علي بن جعفر (٣) سأل أخاه عليه‌السلام « عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير؟ قال : نعم ، فإن نسي فلا بأس » ‌وأما استحبابه في غير أعقاب الصلاة فقد سمعت ما ذكرناه سابقا في تكبير عيد الفطر ، وفي المحكي عن المنتهى قال بعض أصحابنا : يستحب للمصلي أن يخرج بالتكبير إلى المصلى ، وهو حسن لما‌ روي (٤) عن علي عليه‌السلام « أنه خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الجبانة » ‌و‌في الفقيه (٥) « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب في الأضحى فقال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا ، وله الشكر فيما أبلانا ، والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » ‌ولكنه يمكن أن يكون التكبير الذي بعد الصلاة ، وفيه (٦) أيضا « أنه كان إذا فرغ من الصلاة ـ يعني صلاة عيد الأضحى ـ صعد المنبر ، ثم بدأ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

(٢) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٢ ـ ٥

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣.

(٤) كنز العمال ـ ج ٤ ص ٣٣٩ ـ الرقم ٦٨٥٩.

(٦) الفقيه ج ١ ص ٣٢٨ ـ الرقم ١٤٨٧ المطبوع في النجف.

٣٨٥

فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر زنة عرشه ، ورضا نفسه ، وعدد قطر سمائه وبحاره له الأسماء الحسنى ، والحمد لله » ‌إلى آخر الخطبة ، وفي المحكي عن البيان عن أبي علي أنه قال : يكبر الامام على الباب أربع تكبيرات ، ثم يقول : لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا ، ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، الحمد لله على ما أبلانا يرفع بها صوته ، وكلما مشى نحو عشر خطى وقف وكبر وقال : ويرفع به يديه إن شاء ويحركهما تحريكا يسيرا.

وأما كيفية التكبير في الفطر والأضحى فـ يقول : الله أكبر الله أكبر وفي التكبيرة الثالثة تردد ينشأ من الأصل وخلو أكثر النصوص عنها ، ومن بعض نسخ خبر النقاش في التهذيب مع التسامح ، والمشهور الأول ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وخيرة بعض الثاني ، بل نسب إلى النهاية لكن لم نتحققه ، والأولى ذكر الثالثة بعنوان الاحتياط ، وأحوط منه تكرير تمام الدعاء بالتثنية والتثليث ، وعلى كل حال ثم يقول : لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما هدانا ، وله الشكر على ما أولانا ، ويزيد في الأضحى ورزقنا من بهيمة الأنعام كما في القواعد والمحكي عن النهاية لكن في القواعد الحمد لله بلا واو والذي عثرنا عليه في النصوص التي ينبغي التعويل عليها ولو بالتخيير بين ما فيها‌ خبر سعيد النقاش (١) في تكبير الفطر ، وهو على ما في الكافي والفقيه وأكثر نسخ التهذيب « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا » مع زيادة « والحمد لله على ما أبلانا » في الفقيه خاصة ، قيل : وكذا الهداية والأمالي للصدوق ، و‌خبر الأعمش المروي (٢) في الخصال عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام في الفطر أيضا « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أبلانا ـ إلى أن قال ـ :

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ ـ ٦

٣٨٦

ويزاد أي في تكبير الأضحى والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » ‌وكأنه إلى هذه الرواية أشار‌ الصدوق رحمه‌الله بقوله : روي أنه لا يقال في عيد الفطر : « ورزقنا من بهيمة الأنعام » ‌فإن ذلك في أيام التشريق.

وعلى كل حال فالخبران مخالفان للكيفية التي في المتن ، ولم أجد غيرهما في تكبير الفطر ، بل في المدارك أن خبر النقاش هو الأصل في الحكم ، وفي المعتبر « ويحسن عندي ما رواه النقاش » إلخ إلا أنه ثلث التكبير ، ولا بأس به ، وإن كان في الكافي والفقيه وأكثر نسخ التهذيب التثنية كما عرفت ، وكأنه هو الذي اعتمده غيره حتى المنظومة ، فقال :

صورته التهليل بين أربع

ما بينها الحمد وبين المقطع

وبعدها زيد في الأضحى واحدة

تبلغ ستا مع تلك الزائدة

لكن كثير من عبارات الأصحاب لا توافق تمام ما في الخبرين ، إذ في المقنعة في تكبير الفطر نحو ما في الكتاب ، وفي المحكي عن مصباح الشيخ ومبسوطة والجامع في عيد الفطر نحو ما في الكتاب لكن بزيادة « ولله الحمد » قبل قوله « الحمد لله » مع ترك الواو في التحميد الثاني ، وفي الخلاف « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد » وإن عليه الإجماع ، لكن في كشف اللثام يحتمل الإجماع على خلاف ما حكاه عن الشافعي ومالك وابن عباس وعمر من أنه أن يكبر ثلاثا نسقا ، فان زاد على ذلك كان حسنا ، ويؤيده أنه لم نجد من وافقه عليه ممن تقدمه فضلا عن أن يكون مجمعا عليه ، وعن السرائر والتلخيص في تكبير الفطر أيضا « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا » وفي النافع « الله أكبر ثلاثا ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا » وعن المهذب وروض الجنان لأبي الفتوح من أنه « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا ، وله الشكر على ما أولانا » قيل : ونحوه عن أبي علي‌

٣٨٧

لكن ليس فيه « وله الشكر على ما أولانا » وعن نهاية الأحكام أن الأشهر « الله أكبر مرتين لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر على ما هدانا ، وله الحمد على ما أولانا » بل عن الروض أنه المشهور لكن مع إبدال الحمد بالشكر ، إلى غير ذلك.

وأما الأضحى فالذي في النصوص منه ما سمعته ، كخبر الأعمش الذي عبر به الصدوق في المحكي من المقنع وحج الفقيه ، ومنه‌ صحيح زرارة (١) « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر » وفي غير التهذيب « الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » ‌وهو الذي أشار إليه فيما سمعته من المنظومة ، ورواه منصور بن حازم (٢) في الصحيح والحميري (٣) في قرب إسناده عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر على ما في كشف اللثام ، بل رواه أيضا‌ معاوية ابن عمار (٤) في الصحيح لكن مع زيادة « والحمد لله على ما أبلانا » ‌في آخره ،كموثق عمار وعن كتاب المسائل لعلي بن جعفر (٥) كصحيح زرارة إلا أنه ترك فيه « الله أكبر » قبل « ولله الحمد » كما أن مرسل الفقيه (٦) عن أمير المؤمنين مثل الصحيح المزبور أيضا إلا أنه حذف فيه ما بعد « ولله الحمد » إلى الآخر ، وقد سمعت ما قاله الرضا عليه‌السلام في خروجه (٧) وأمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته (٨).

وأما عبارات الأصحاب فتثليث التكبير في أوله محكي عن البزنطي والدروس والجعفرية وفي الذكرى عن أبي علي ، لكن في المعتبر عنه التربيع ، وسمعته في حكاية (٩) فعل الرضا عليه‌السلام بمرو ، والمشهور التثنية ، بل المصنف في النافع وأبو العباس في‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ ـ ٣ ـ ١١ ـ ٤ ـ ١٥ ـ ٦

(٧) و (٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٨) الفقيه ج ١ ص ٣٢٨ ـ الرقم ١٤٨٧ المطبوع في النجف.

٣٨٨

الموجز ممن قال بالتثليث في الفطر قالا بالتثنية هنا ، مع أن‌ الصادق عليه‌السلام قال في خبر ابن عمار (١) : « تكبر ليلة الفطر وصبيحة الفطر كما تكبر في العشر » ‌بل هو الظاهر من باقي النصوص إلا خصوص زيادة الحمد على رزق البهيمة التي قد أرسل الصدوق (٢) النهي عن قولها في الفطر وأنها في الأضحى خاصة ، وكأن الذي ألجأهم إلى التثنية هنا اتفاق نصوص المقام عليها كما عرفت ، ولعله هو الأقوى ، إلا أنه لا ريب في كون الاحتياط ذكرها بعنوانه ، والأحوط منه تكرير الدعاء مرتين محافظة على الهيئة وإن كان ضعيفا.

وأما باقي الفصول ففي المقنعة والقواعد نحو ما هنا إلا أن « الحمد لله » بلا « واو » كما عن بعض نسخ الكتاب ، وعن المصباح ومختصره والمبسوط والوسيلة والجامع نحو المتن لكن بزيادة « ولله الحمد » قبل قوله : « الحمد لله » وكذا عن روض الجنان لأبي الفتوح لكن بإبدال « الحمد لله » بقوله « ولله الحمد » بل وكذا عن المهذب هنا ، لكن عنه في الحج‌ « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام » ‌وفي حج الكتاب وعن السرائر والتلخيص وحج النهاية والمبسوط والإرشاد كما هنا لكن بإبدال « الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا » بقوله : « الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا » نحو ما عن حج التحرير ، لكن ليس فيه « الحمد لله على ما أولانا » وفي المقنعة « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » وفي النافع نحو ما سمعته من صحيحي زرارة ومنصور إلا أن فيهما زيادة « الله أكبر ولله الحمد » قبل « الله أكبر على ما هدانا » ولعل ما في النافع مبني على ما في التهذيب من سقوط هذه الزيادة ، وفي كشف اللثام وكذا المنتهى والتذكرة و‌في فقه القرآن‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٤

٣٨٩

للراوندي « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » ‌وعن الحسن « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » وعن أبي علي « يكبر أربعا ويقول : لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا » وبه حسن ابن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام إلا أن التكبير في أوله مرتين ، وفي السرائر والتلخيص ما مر عنهما بزيادة « ورزقنا من بهيمة الأنعام » وفي نهاية الأحكام ما مر عنهما بهذه الزيادة ، وقال في المنتهى : « وهذا شي‌ء مستحب فتارة يزاد ، وتارة ينقص » إلى غير ذلك من الاختلاف الذي يمل السمع بالتعرض لتمامه ، خصوصا مع مخالفته لما في النصوص ، بل قد وقع من الشخص الواحد في الكتاب الواحد في المقام وفي الحج كالمصنف في الكتاب وغيره ، وهذا كله أوضح شي‌ء دلالة على الندب ، ومن هنا قال جماعة بعد أن حكوا جملة من عبارات الأصحاب في الفطر والأضحى : « والكل حسن إن شاء الله » قلت : لا ريب في أن مراعاة ما في النصوص بعد إضافة ما في بعضها من الزيادة إلى الآخر أولى ، والله أعلم ، هذا كله فيما ذكره المصنف من السنن ، وإلا فالمستفاد من النصوص وباقي كتب الأصحاب أزيد من ذلك كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة.

وأما ما يكره فـ الخروج إلى الصحراء للصلاة بالسلاح من غير عذر كخوف ونحوه بلا خلاف أجده فيه ، لمنافاته الخضوع والاستكانة ، ولقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر السكوني (٢) « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرج السلاح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٩٠

في العيدين إلا أن يكون عدو حاضر » وفي كشف اللثام كذا في الكافي ، وفي التهذيب « إلا أن يكون عذر ظاهر ».

وكذا يكره أن يتنفل أداء أو قضاء مبتدأة أو ذات سبب إماما كان أو مأموما في يومي العيدين قبل الصلاة وبعدها إلى الزوال إلا بمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة فإنه يستحب له أن يصلي فيه ركعتين قبل خروجه إلى صلاة العيد تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى ، بل في الخلاف وعن المنتهى وجامع المقاصد الإجماع على الكراهة في يوم العيد قبل الصلاة وبعدها إلى الزوال للإمام والمأموم ، ومنه يعلم إرادة الكراهة من النصوص (١) المستفيضة المتضمنة لنفي الصلاة قبل صلاة العيدين وبعدها المعلوم إرادة النهي منه كما في النصوص الأخر ، مضافا إلى الشهرة العظيمة ، بل يمكن أن يراد مما ذكره الحلبيان والقاضي وابن حمزة وغيرهم ممن حكي عنهم مما ظاهره الحرمة للتعبير بعدم الجواز ونحوه الكراهة ، لغلبة تعبيرهم بما في النصوص وإناطة إرادتهم بالمراد منها كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بكلامهم.

فدغدغة بعض الناس في الحكم هنا باعتبار اتفاق النصوص هنا على النفي والنهي من غير معارض مما يقتضي الجواز ـ سوى‌ خبر سلمان الفارسي (٢) المروي مسندا إليه في المحكي عن ثواب الأعمال ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صلى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن سبح اسم ربك الأعلى فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله ، وفي الركعة الثانية والشمس وضحاها فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس ، وفي الثالثة والضحى فله من الثواب كمن أشبع جميع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٩١

المساكين ودهنهم ونظفهم ، وفي الرابعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة مستدبرة » ‌وهو مع القدح في سنده واحتماله بعد الزوال غير مكافئ لها من وجوه ، خصوصا مع ظهوره في الاستحباب الذي لم يظهر به قائل من الأصحاب ، بل قال الصدوق بعد نقله هذا : « لمن كان إمامه مخالفا فيصلي معه تقية ثم يصلي هذه الأربع ركعات للعيد ، فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه وإن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي بعد ذلك حتى تزول الشمس » وفي الرياض « أنه بهذا التوجيه يخرج الخبر عن محل الفرض ، لكون الأربع ركعات حينئذ صلاة العيد كما عليه جماعة تقدم إلى ذكرهم مع دليلهم الإشارة » وإن كان فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم إشعار الخبر المزبور بشي‌ء من ذلك ، بل ظاهره أو صريحه أنها ليست صلاة عيد ـ في غير محلها ، إذ قد عرفت أنا في غنية عن هذا الخبر في ثبوت أصل الجواز بالإجماعات وغيرها ، فيحمل النفي والنهي حينئذ على الكراهة كما عليه الأصحاب عدا من عرفت المحتمل كلامه ما يوافقهم أيضا ، وإلا كان ضعيفا.

وأضعف منه ما يستفاد من المحكي عن أبي علي هنا من عدم الكراهة في مثل صلاة التحية ، قال : ولا يستحب التنفل قبل الصلاة ولا بعدها للمصلي في موضع التعبد فان كان الاجتياز بمكان شريف كالمسجد الحرام أو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا أحب إخلاءه من ركعتين قبل الصلاة وبعدها ، وقد‌ روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعل ذلك بالبدأة والرجعة في مسجده » ‌وفيه أولا أنا لم نقف على الخبر المزبور ، نعم‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر الهاشمي (١) : « ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا في المدينة ، قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٠.

٣٩٢

تصلى في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ، ليس ذلك إلا بالمدينة ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله » ‌وهو ـ مع اعتضاده بالشهرة العظيمة على الاستثناء ، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، بل عن المنتهى دعواه صريحا عليه ـ الحجة على إطلاق الصدوق والشيخ في الخلاف الكراهة من غير استثناء مسجد المدينة ، وثانيا بعد تسليم ما ذكره من الخبر المزبور قال في الذكرى : وهذا أي إلحاق كل مكان شريف بمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنه قياس ، وهو مردود وكأنه أومأ إلى ما عن المختلف من الاستدلال له بتساوي المسجدين في أكثر الأحكام وبتساوي الابتداء والرجوع ، ضرورة وضوح منع التساوي هنا نصا وفتوى ، نعم في كشف اللثام دليله عموم أدلة استحباب صلاة التحية ، ولا يصلح ما ورد هنا لتخصيصها فإن الأخبار هنا إنما دلت على أنه لم يرتب في ذلك اليوم نافلة إلى الزوال ، وأن الراتبة لا تقضى فيه قبل الزوال ، وذلك لا ينافي التحية إذا اجتاز المسجد بدء وعودا ، وخبر الهاشمي أفاد استحباب إتيان مسجده (ص) والصلاة فيه وعدم استحباب مثله في غير المدينة ، وهو أمر وراء صلاة التحية إن اجتاز بمسجد ، وإن فهم منه ابن إدريس استحباب الصلاة إن اجتاز به ، واستحب المصنف في النهاية والتذكرة صلاة التحية إن صليت صلاة العيد في المسجد كالمحقق في المعتبر ، لعموم استحبابها ، واختار في المنتهى العدم ، لعموم النهي عن التطوع إلا في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه أن الإجماع المحكي المعتضد بالتتبع مع‌ صحيحي زرارة (١) عن الباقر والصادق (ع) « لا تقض وتر ليلك إن كان فاتك حتى تصلي الزوال في يوم العيدين » ‌يكشف أن المراد مما في صحيح زرارة (٢) وصحيح الحلبي (٣) وصحيح عبد الله بن سنان (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ و ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥ ـ ٦ ـ ٧

٣٩٣

وغيرها من أنه ليس قبل صلاة العيد ولا بعدها صلاة عدم فعل نافلة أصلا ، لا أن المراد عدم توظيف نافلة قبل صلاة العيد أو بعدها ، وإلا لم يكن وجه للنهي عن خصوص القضاء.

كما أنه لم يقل أحد بالفرق بينه وبين غيره من النوافل ذوات الأسباب وغيرها فلا ينبغي التأمل حينئذ في تخصيص ما دل على التحية أو غيرها بما هنا ، سواء قلنا بينهما عموم وخصوص مطلق كما في الذكرى أو من وجه ، ضرورة رجحان المقام من وجوه ، وإلا لم يكن فرق بين التحية وغيرها ، ولا بين وقوع صلاة العيد في المسجد وغيره كما سمعته من الفاضلين.

فظهر من ذلك كله قوة ما عليه الأصحاب وأنه لا يلحق بمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره حتى الحرام ، خلافا للمحكي عن الكيدري فألحقه به ، ولم نقف له على شاهد ، وقوة ما يستفاد من خبر الهاشمي من كون استحباب الركعتين في مسجد المدينة من الموظف في ذلك اليوم ، فيستحب حينئذ له القصد والصلاة لا إذا اتفق اجتيازه ، بل هو ظاهر عبارات الأصحاب ، خصوصا المحكي من معقد إجماع المنتهى الذي هو عين ما عن المبسوط وغيره.

ثم إن الظاهر من صحيحي قضاء الوتر (١) و‌خبر علي بن جعفر (٢) المروي عن قرب الاسناد ، سأل أخاه عليه‌السلام « عن الصلاة في العيدين هل من صلاة قبل الإمام أو بعده؟ قال : لا صلاة إلا ركعتين مع الامام » ‌ومعاقد الإجماعات وغيرها عدم اختصاص الكراهة المزبورة بمن صلى صلاة العيد ، وإن نسب ذلك إلى ظاهر عبارات الأصحاب وصريح الصدوق في ثواب الأعمال ، وكأنه توهمه من قولهم بعد تسليم اتفاقهم على نحو هذا التعبير : قبل صلاة العيد وبعدها الظاهر في وقوعها ، لكن يمكن أن يكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ و ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٢.

٣٩٤

ذلك تبعا للنصوص التي من المعروف عدم تركها في ذلك الزمان لا أنه تقييد للكراهة ، فالأقوى حينئذ ما عرفت ، وفاقا لظاهر المنظومة أو صريحها والرياض والمحكي عن الكاشاني ، وترتفع الكراهة بالزوال على الظاهر لتقييد صحيحي قضاء الوتر بذلك ، فيحمل إطلاق غيره عليه ولو بعدم القول بالفصل ، لكن فيهما « حتى تصلي الزوال » وظاهر الفتاوى أو صريحها ارتفاعها بالوقت لا بالفعل ، ولعله المراد من الصحيحين إلا أنه وقع ذلك موقع الغالب ، وعلى كل حال فالكراهة هنا من حيث الخصوصية وإن كانت دائرة بين ما عرفت ، لا أنها من حيث مقارنة النافلة لطلوع الشمس مثلا ، وإلا لم تعم ذات السبب وغيره ، كما هو واضح ، والله أعلم.

مسائل خمس قد تقدم الكلام في الأولى منها ، وهي أن التكبير الزائد على تكبير الإحرام والركوع هل هو واجب أو لا؟ وقد ذكرنا هناك ما يظهر منه الوجه فيمن قال فيه تردد وأن الأشبه الوجوب لا الاستحباب وأنه بتقدير الوجوب هل القنوت واجب أولا؟ وما ينشأ منه كل من الوجهين أو القولين وذكرنا هناك أيضا أن الأظهر نعم لا لا كما لا يخفى على من لاحظ تمام ما تقدم له ومنه يعلم أنه بتقدير وجوبه هل يتعين فيه لفظ مخصوص أو لا؟ وأن الأظهر أنه لا يتعين وجوبا فراجع وتأمل.

المسألة الثانية المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل في الخلاف الإجماع عليه أنه إذا اتفق عيد وجمعة فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة وقد‌ قال الصادق عليه‌السلام لما سأله الحلبي في الصحيح (١) عن اجتماعهما فقال : « اجتمعا في زمان علي عليه‌السلام ، فقال : من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت ، ومن قعد فلا يضره وليصل الظهر » ‌وهو كما في المدارك مع صحة سنده وصراحته في المطلوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٩٥

مؤيد بالأصل وعمل الأصحاب وعلى الامام وينبغي له أن يعلمهم ذلك في خطبته كما في‌ خبر إسحاق بن عمار (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى : أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا ، فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له » ‌وقيل كما عن ظاهر أبي علي وبعض متأخري المتأخرين الترخص مختص بمن كان نائيا عن البلد كأهل السواد دفعا لمشقة العود والانتظار وهو الأشبه عند المصنف لخبر إسحاق المزبور و‌خبر سلمة (٢) عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : « اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فخطب الناس فقال : هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل ، ومن لم يفعل فان له رخصة يعني من كان متنحيا» ‌إلا أنه ليس فيه كون المنزل نائيا ، ولعله لذا لم يعتبره في اللمعة ، فخصها بأهل القرى ، بل في الروضة التصريح بكونها قريبة أو بعيدة ، ويمكن إرادة ذلك من نحو عبارة المتن ، فيتفق الجميع حينئذ على كون الرخصة لمن لم يكن في البلد ، أو يراد بما في اللمعة ما في المعتبر من قصرها على من لم يكن من أهل البلد ، ويلحقه مشقة بالعود أو الإقامة ، ويتفق الجميع حينئذ أيضا.

وقال القاضي والحلبيان فيما حكي عنهم : لا تخيير بل يجب الحضور على كل من اجتمعت فيه شرائط التكليف ، لقصور النصوص عن تخصيص أدلة الوجوب ، وفيه منع القصور خصوصا بعد الانجبار بالإجماع المزبور الذي يشهد له التتبع وإن كان من أدلة الوجوب الكتاب ، إذ هو على التحقيق يخص بخبر الواحد ، كما أن خبر إسحاق بعد الإغضاء عن سنده قال محمد بن أحمد بن يحيى : أخذته من كتاب محمد بن حمزة بن اليسع رواه عن محمد بن الفضيل ولم أسمع أنا منه ، بل قال بعضهم أيضا : لا دلالة فيه على عدم‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣ ـ ٢

٣٩٦

الرخصة لغير القاضي ، وخبر سلمة مع الطعن في سنده أيضا لا حجة في قوله فيه : « يعني » إلى آخره. لعدم العلم بكونه من الامام ، بل لعل الظاهر خلافه ، فلا تكافئا الصحيح المزبور المعتضد بالإجماع المحكي وبالشهرة العظيمة وبغير ذلك مما لا يخفى ، فالقول حينئذ بإطلاق الرخصة هو الأقوى ، نعم ينبغي قصرها على غير الامام ، لعدم ظهور النصوص فيما يشمله ، بل ظاهر بعضها خلافه فحينئذ يجب عليه أن يحضر كما عن السيد وغيره للأصل والعموم ، فان حصل معه العدد صلى جمعة ، وإلا صلى ظهرا ، والله أعلم.

المسألة الثالثة الخطبتان في العيدين بعد الصلاة إجماعا بقسميه ، بل من المسلمين فضلا عن المؤمنين ، ولا ينبغي استثناء عثمان بني أمية وإن حكي عن المنتهى نفي معرفة الخلاف إلا منهم ، لعدم اندراجهم فيمن ذكرنا كي يحتاج إلى الاستثناء ، ونصوصا (١) مستفيضة أو متواترة وفي صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام ومضمر معاوية بن عمار (٣) منها أن تقديمهما عليها كان بدعة من عثمان ، و‌في الأول منهما زيادة « أنه لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ قام الناس ليرجعوا ، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة » ‌وقد يظهر منه أنه لا يجب استماعهما وإلا لاحتبسهم له ولم يحتج إلى التقديم ، مضافا إلى الأصل والنبوي السابق (٤) بل يظهر منه أنه يستحب كما عن البيان والروض والمقاصد العلية والمفاتيح الإجماع وعن كنز العرفان نفي الخلاف فيه ، وهو حجة أخرى على عدم الوجوب ، مضافا إلى ما قيل من الإجماع في التذكرة والذكرى وجامع المقاصد والغرية على عدم وجوب حضورها واستماعها على المأمومين ، والمنتهى نفي الخلاف عنه ، والتحرير الإجماع على عدم وجوب الاستماع ، لكن تقدم سابقا التأمل في ذلك في الجملة ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة العيد ٠ـ ٢ ـ ١

(٤) كنز العمال ـ ج ٤ ص ٣١٥ ـ الرقم ٦٤١٣ و ٦٤٣٠.

٣٩٧

المسألة الرابعة‌ روى إسماعيل بن جابر (١) عن الصادق عليه‌السلام في صلاة العيدين « ليس فيها منبر ولا يحرك‌ ولا ينقل المنبر من موضعه أي الجامع إلى الصحراء بل يعمل ويصنع شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب » والمراد أنه يفعل ذلك استحبابا بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك الإجماع عليه ، فالأمر حينئذ في الخبر المزبور مراد منه ذلك ، كما أن النهي فيه مراد منه الكراهة بلا خلاف أجده فيه ، بل في المعتبر أنه فتوى العلماء وعمل الصحابة ، وعن تعليق النافع وفوائد الشرائع الإجماع عليه ، فلا ينبغي حينئذ التأمل في ذلك وإن ظن بعض الناس أن ما عن التلخيص من نسبة ما في المتن إلى رأي إشارة إلى ما يظهر من أكثر العبارات من حرمة النقل ، وفيه أنه في التلخيص عبر كعبارتهم ، فقال على ما حكي عنه : لا ينقل المنبر بل يعمل منبر من طين على رأي ، اللهم إلا أن يكون أراد الحرمة والوجوب على رأي ، وهو كما ترى ، ونحوه ما قيل أيضا من أنه أشار به إلى الخلاف في نقل المنبر في صلاة الاستسقاء بناء على مساواة هذه الصلاة لها ، والأمر سهل بعد ما عرفت ، نعم قد يحرم النقل بالعارض كمنافاته لغرض الواقف ونحوه ، ولعل منه ما لو أثبته في المسجد على وجه ظاهر في عدم إرادة نقله ، ثم إن تخصيص المنبر بالطين في المتن وغيره تبعا للنص ، بل في مفتاح الكرامة أني تتبعت ما حضرني من كتب الأصحاب فوجدتها ناطقة بأن المنبر يعمل من طين غير أن في البيان والميسية والروض والمسالك من طين أو غيره ، ونحو ذلك الدروس حيث قال : ويعمل منبر في الصحراء ، قلت : وهو الأقوى ، والله أعلم.

المسألة الخامسة إذا طلعت الشمس حرم السفر المفوت للصلاة الواجبة عليه حتى يصلي صلاة العيد للمقدمة إن كان ممن تجب عليه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ولكن في المدارك في المقام أن الكلام المتقدم في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٩٨

السفر يوم الجمعة بعد الزوال آت هنا ، قلت : قد سمعته وسمعت ما فيه هناك ، فلاحظ ولا تغفل ، كما أن إطلاق المحكي عن المبسوط وجامع الشرائع الكراهة بعد الفجر يجب تنزيله على ما قبل طلوع الشمس لما عرفت ، ولو كان قبل طلوع الفجر جاز قطعا ، وعن النهاية والتذكرة إجماعا للأصل بلا معارض إلا إذا كان ممن يجب عليه السعي قبل الفجر وسافر في وقت تضيق الخطاب به ، فان القول بالمنع لا يخلو من وجه ، بل في المحكي عن نهاية الأحكام أن من كان بينه وبين العيد ما يحتاج معه إلى السعي قبل طلوع الشمس ففي تسويغ السفر له نظر ، أقربه المنع ، بل عن الموجز وكشفه الجزم بالمنع من غير تردد ومثله آت فيما قلناه ، إذ لا فرق في ذلك بين طلوع الفجر وطلوع الشمس بعد اشتراكهما في الجواز لمن لا يجب عليه السعي ، وعلى كل حال فـ في جواز خروجه أي المكلف بالصلاة بعد الفجر وقبل طلوعها أي الشمس تردد ينشأ من الأصل ، لعدم تعلق الوجوب بعدم حصول سببه ، ومن‌ صحيح أبي بصير المرادي (١) « إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك للعيد » ‌وعدم دخول الوقت لا ينفي الوجوب بسبب آخر كالصحيح ونحوه والأشبه الجواز لرجحان الأصل هنا على ظاهر النهي المزبور الذي يمكن إرادة الكراهة منه هنا ، خصوصا بعد اشتهاره فيها ، وبعد معلومية مشاركة الجمعة والعيد الثابتة من الأخبار والإجماع التي تصير قرينة على ذلك هنا بعد ما ثبت في الجمعة أن السفر قبل النداء مكروه ، فلاحظ وتأمل ، مضافا إلى ما في الرياض من أن الظاهر إطباق الأصحاب على عدم الحرمة ، ولعله حمل ما عن النهاية والقاضي من أنه لا يخرج منه بعد طلوع الفجر إلا أن يشهد الصلاة على إرادة الكراهة ، كما أنه حمل ما يحكى عن الغنية والتقي من أنه لا يجوز السفر يوم العيد قبل صلاته الواجبة ، بل في الأولى الإجماع على إرادة بعد طلوع الشمس ، إذ لا وجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٩٩

للصلاة قبله ، وقد مر في الجمعة ما يجب ملاحظته في المقام حتى في البيع وقت النداء الذي صرح بحرمته هنا في المحكي عن الدروس والموجز وكشفه إذا قال المؤذن الصلاة ، والله أعلم بحقيقة الحال ، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا على ما أنعم ووفق وسهل ويسر لإتمام هذه المباحث ، والشكر له ، وصلى الله على محمد وآله أهل بيت الوحي ومعدن التنزيل.

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين‌

( الفصل الثالث )

من الركن الثالث

( في صلاة الكسوف‌)

للشمس أولها ، وللقمر التي تجب له ولغيره من الآيات ، ولذا قال ويقع الكلام في سببها وكيفيتها وحكمها ، أما‌ الأول فتجب عند كسوف الشمس وخسوف القمر بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض إن لم يكن متواترا كالنصوص (١) ، والكسوف والخسوف معروفان هما انطماس نور النيرين أي احتجابهما ، ففي المحكي عن القاموس يقال : كسفت الشمس والقمر كسوفا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

٤٠٠