جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولاستلزام استحباب التكبير استحبابه ، والجميع كما ترى ، ضرورة انقطاع الأصل بما عرفت ، وخلو البعض بعد اشتمال جملة منها عليه غير قادح كعدم النصوصية ، للاجتزاء بالظهور ، وظاهر الأخبار بيان أصل الكيفية من غير فرق بين الواجبة والمندوبة ، ولا يبعد دعوى استفادة الوجوب الشرطي منها في المندوب منها كما صرح به في الروضة ، بل هو ظاهر غيرها ، والتوسع في غيرها من النافلة بالذات لا يستلزمه في مثلها ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، بل الظاهر ذلك في غير القنوت أيضا من التكبير وقراءة السورة ونحوها من أحكام الفريضة ، وإشعار « ينبغي » غير صالح للمعارضة ، بل المتجه صرفه إلى ما لا ينافي الوجوب ، للأدلة السابقة المعلوم قوتها بالنسبة اليه ، ولا تلازم بين استحباب التكبير واستحبابه ، ولو سلم تلازم حكميهما من الجانبين كان المتجه وجوب التكبير لاستلزام وجوب القنوت وجوبه.

وقد عرفت أنه ظاهر الأدلة ، على أنه هو الأقوى في نفسه وفاقا لصريح الفاضل والمحكي عن أبي علي وظاهر الأكثر ، للأمر به في النصوص الكثيرة المتضمنة بيان الكيفية ، وخلافا للمعتبر والكتاب فيما يأتي والمحكي عن ابن سعيد والتهذيب والخلاف للأصل ،و خبر هارون بن حمزة (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن التكبير في الأضحى والفطر فقال : خمس وأربع ، ولا يضرك إذا انصرفت على وتر » ‌وهو بعد الإغضاء عن سنده وقصوره عن المقاومة غير صريح في إجزاء كل وتر ، كخبر عيسى ابن عبد الله (٢) عن أبيه عن جده عن علي عليه‌السلام قال : « ما كان يكبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العيدين إلا تكبيرة واحدة حتى أبطأ عليه لسان الحسين عليه‌السلام ، فلما كان ذات يوم عيد ألبسته أمه وأرسلته مع جده فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكبر الحسين عليه‌السلام حتى كبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٥.

٣٦١

ثم قام في الثانية فكبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبر الحسين عليه‌السلام حتى كبر خمسا ، فجعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة وثبتت السنة إلى يوم القيامة » بل هو دال على الوجوب وإن كان بالعارض ، و‌صحيح زرارة (١) « ان عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن الصلاة في العيدين فقال : الصلاة فيهما سواء ، يكبر الامام تكبير الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ، ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات ، وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبير الصلاة والركوع والسجود ، وإن شاء ثلاثا وخمسا وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن يلحق ذلك إلى الوتر » ‌وهو محتمل لبيان صلاة العامة ، على أنه لا ينفي وجوب الثلاث ، ولا قائل به بالخصوص ، وعن الاستبصار الجواب عنه وعما في معناه بالحمل على التقية من كثير من العامة ، قال : ولسنا نعمل به ، وإجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه.

وقد ظهر من ذلك كله أن الأقوى وجوب التكبيرات التسع الزائدة ووجوب القنوت أيضا كذلك ، نعم لا يتعين في الأخير لفظ مخصوص ، للأصل والإطلاق و‌صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرات في العيدين فقال : ما شئت من الكلام الحسن » ‌فما عن الحلبي ـ من أنه يلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول : اللهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل العزة والجبروت ، وأهل القدرة والملكوت ، وأهل الجود والرحمة ، وأهل العفو والعافية أسألك بهذا اليوم الذي عظمته وشرفته وجعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات ، وتجعل لنا من كل خير قسمت فيه حظا ونصيبا » وقال ابن زهرة : ويقنت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٦٢

بين كل تكبيرتين بما نذكره بدليل الإجماع الماضي ذكره يعني إجماع الطائفة ، ثم ذكر هذا الدعاء وزاد في آخره « برحمتك يا أرحم الراحمين » ـ واضح الضعف ، إذ لم أظفر بخبر يتضمن هذا القنوت كما اعترف به في كشف اللثام.

نعم‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي منصور (١) « تقول بين كل تكبيرتين : اللهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت ، وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك ، وصل على ملائكتك ورسلك ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ بك منه عبادك المرسلون » وقال الباقر عليه‌السلام في خبر جابر (٢) : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا كبر في العيدين قال : بين كل تكبيرتين : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، اللهم أهل الكبرياء » ‌وذكر الدعاء إلى آخره ، وهو الذي ذكره المفيد والقاضي فيما حكي من مهذبه وشرح الجمل ، و‌قال الصادق عليه‌السلام في خبر بشير بن سعيد (٣) : « تقول بين كل تكبيرتين : الله ربي أبدا ، والإسلام ديني أبدا ، ومحمد نبيي أبدا ، والقرآن كتابي أبدا ، والكعبة قبلتي أبدا ، وعلي وليي أبدا ، والأوصياء أئمتي أبدا ، وتسميهم إلى آخرهم ، ولا أحد إلا الله » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر أبي الصباح (٤) الذي قدم فيه التكبير على القراءة : « كبر واحدة وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد إن محمدا عبده ورسوله ،

__________________

(١) و (٢) و ( ٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥

٣٦٣

اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت ، وأهل القدرة والسلطان والعزة ، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذخرا ومزيدا ، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تصلي على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين ، وأن تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبادك المرسلون ، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبادك المخلصون ، الله أكبر أول كل شي‌ء وآخره ، وبديع كل شي‌ء ومنتهاه ، وعالم كل شي‌ء ومعاده ، ومصير كل شي‌ء واليه مرده ، مدبر الأمور وباعث من في القبور ، قابل الأعمال ومبدئ الخفيات معلن السرائر ، الله أكبر عظيم الملكوت شديد الجبروت ، حي لا يموت ، دائم لا يزول ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون الله أكبر خشعت لك الأصوات ، وعنت لك الوجوه ، وحارت دونك الأبصار ، وكلت الألسن عن عظمتك ، والنواصي كلها بيدك ، ومقادير الأمور كلها إليك ، لا يقضي فيها غيرك ، ولا يتم منها شي‌ء دونك ، الله أكبر أحاط بكل شي‌ء حفظك ، وقهر كل شي‌ء عزك ، ونفذ كل شي‌ء أمرك ، وقام كل شي‌ء بك ، وتواضع كل شي‌ء لعظمتك ، وذل كل شي‌ء لعزتك ، واستسلم كل شي‌ء لقدرتك وخضع كل شي‌ء لملك الله أكبر ، وتقرأ الحمد والأعلى وتكبر السابعة ، وتركع وتسجد ، وتقوم وتقرأ الحمد والشمس وضحاها وتقول : الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة تتمه كله كما قلته أول التكبير ، يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات » وفي المحكي عن المصباح « فإذا كبر قال : اللهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت ، وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة ، أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد‌

٣٦٤

وأن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد ، وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد ، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون ، وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون » ‌وذكر أنه يفصل بين كل تكبيرتين بهذا الدعاء ، ولم أظفر بخبر يتضمنه ، ولا بأس بالجميع وغيره ، إلا أن الأولى ذكر المرسوم عنهم عليهم‌السلام لأنهم عليهم‌السلام أعرف من غيرهم بالخطاب ومقتضى الحال ومن هنا كان الأولى مراعاة المعاني إذا لم يتيسر خصوص الألفاظ ، كما أن الظاهر ما صرح به بعض الأفاضل من عدم لزوم الحفظ على الغيب هنا في حصول الفضل ، بل يكفي القراءة بالمكتوب أو بالاتباع أو نحو ذلك ، والله هو العالم.

ثم إذا أتم ذلك يكبر للركوع من غير قنوت ويركع ، فإذا سجد السجدتين قام بغير تكبير للقيام قبل القراءة زائدا على تكبير الرفع من السجود الأخير وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الانتصار الإجماع على أن التكبيرات في الركعتين بعد القراءة ، مضافا إلى النصوص التي تقدم جملة منها الدالة على أن التكبير في الركعة الأخيرة خمس بعد القراءة ، بل لا يبعد دعوى تواترها في ذلك ، ومن الغريب ما في كشف اللثام من احتمال إرادة الرابعة بعد القراءة من الخامسة في‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) : « ثم تقوم في الثانية فتقرأ ثم تكبر أربعا والخامسة تركع بها » ‌وكذا في نحو‌ خبر ابن مسلم (٢) « ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة » ‌قال : فان « ثم » إنما تفيد تأخير الركوع عن الأربع ، على أنها إنما تحتمل التأخر الذكري إذ هو كما ترى ، على أنه لو سلم احتماله هنا ففي النصوص ما لا يقبل ذلك ، لتصريحه يكون الخمس بعد القراءة ، فما عن الصدوق والمفيد والسيد في الجمل والناصريات والقاضي والحلبيين وسلار من القيام بتكبير في غير محله إن أرادوا غير تكبير الرفع كما صرح به‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٧ ـ ١١

٣٦٥

الحلبيان على ما في كشف اللثام ، قال : « وصرح الحلبيان بأنه يكبر بعد القيام قبل القراءة ، والقاضي بأنه يرفع رأسه من سجود الركعة الأولى ويقوم بغير تكبيرة ثم يكبر ثم يقرأ ، وهو أيضا نص في كون التكبير بعد القيام ، وكلام الباقين يحتمل كون التكبير المتقدم تكبير الرفع من السجود ، ويؤيده أن السيد في الانتصار حكى الإجماع إلى آخر ما سمعته ، وفي الخلاف أن التكبير في صلاة العيدين اثنتي عشر تكبيرة ، سبعة منها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع ، وفي الثانية خمس ، منها تكبير الركوع ، وفي أصحابنا من قال : منها تكبيرة القيام ، وفي المنتهى والمفيد جعل التكبير في الثانية ثلاثا ، وزاد تكبيرة أخرى للقيام إليها ، وفي المختلف والظاهر أن مرادهم يعني المفيد والقاضي والحلبيين بالتكبير السابق على القراءة في الركعة الثانية هو تكبيرة القيام إليها ، ثم صريح المبسوط أن المصلي يقوم إلى الثانية بتكبير الرفع من السجود ، وفي النهاية فإذا قام إلى الثانية بغير تكبير ، وهو يحتمل نفي تكبير الرفع ، كما يحتمله قول ابن سعيد فإذا سجد قام قائلا : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، وفي التلخيص ثم يقوم بعد تكبيره على رأي ، فيقرأ مع الحمد والشمس على رأي ، ويكبر أربعا ويركع بخامسة على رأي ، وهو ظاهر في تحقق الخلاف ، قلت : لا ريب في ضعفه على التقديرين ، لصراحة النصوص في كون التكبير الزائد في الثانية أربع تكبيرات بعد القراءة بعد كل تكبير قنوت ، فمن ادعى نقصانها عن ذلك أو كون تكبير منها بعد القيام أوله قبل القراءة بلا قنوت ، أو بقنوت كان مخالفا للنصوص المزبورة المعمول عليها بين الأصحاب ، بل لم نجد ما يشهد بخلافه سوى الإجماع في المحكي عن الناصريات ، بل قال فيه : لا خلاف في أن من صلى على الترتيب الذي رتبناه حسبما أداه إليه اجتهاده يكون ذلك مجزيا عنه ، وإنما الخلاف فيمن خالف هذا الترتيب ، فلا إجماع على إجزائه ، ولا دليل أيضا عليه غير الإجماع ، فوجب أن يكون الترتيب الذي ذكره أولى وأحوط ، للإجماع على إجزائه ، وهو كما ترى مخالف‌

٣٦٦

لا جماعه السابق إن زاد للقيام تكبيرا ، وللمعلوم من النصوص والإجماع من كون التكبير الزائد في الثانية أربعا إن لم يزد للقيام تكبير ، وسوى ما في كشف اللثام من الاستدلال بمضمر يونس (١) قال : « تكبر فيهما اثنتي عشر تكبيرة ، تبدأ فتكبر وتفتتح الصلاة ، ثم تقرأ فاتحة الكتاب ، ثم تقرأ والشمس وضحاها ، ثم تكبر خمس تكبيرات ، ثم تكبر وتركع فتكون تركع بالسابعة وتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتقرأ فاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية ، ثم تكبر أربع تكبيرات وتسجد سجدتين وتتشهد وتسلم » ‌قال : لحصره التكبير المتأخر عن القراءة في أربع ، ويبعد كون المراد حصر التكبيرات الزائدة حيث ذكر الست في الأولى ، فإن منها تكبير الركوع ، فالمراد ثم يقوم بتكبيرة ، ويدفع البعد ذكر الركوع في الأولى وتركه في الثانية ، وفيه أولا أنه إنما يتجه هذا إن لم يزيدوا للقيام تكبيرة ، وإلا فتركها مع ذكر تكبير الركوع في غاية البعد ، وثانيا أن ذلك ليس بأولى من إرادة الزوائد من الأربع ، وعدم ذكره الخامسة استغناء بما ذكره في الأولى ، بل هذا أولى من وجوه ، خصوصا مع عدم ما يشعر بإرادة القيام بالتكبير ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه كما عرفته مفصلا.

وحينئذ فـ يقرأ الحمد وسورة ، والأفضل أن يقرأ الغاشية عند المصنف وقد عرفت البحث في ذلك كله مفصلا ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا بما شاء ، والأفضل بما سمعته سابقا ، وقد تحصل من ذلك كله عدد التكبيرات الزائدة والقنوتات وإن كلا منها تسع ، وان ما يحتمله كتب الصدوق والمفيد وسلار من كون التكبيرات ثمانا والقنوتات سبعا أو ثمانا والتكبيرات تسعا في غاية الضعف ، بل عن المختلف لا خلاف في عدد التكبيرات الزائدة وأنه تسع تكبيرات ، خمس في الأولى وأربع في الثانية ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ وفيه « عن يونس عن معاوية قال : سألته » إلخ.

٣٦٧

لكن الخلاف في وضعه ، فالشيخ على أنه في الأولى بعد القراءة يكبر خمس تكبيرات ويقنت خمس مرات عقيب كل تكبيرة قنتة ، ثم يكبر تكبيرة الركوع ويركع ، وفي الثانية بعد القراءة يكبر أربع مرات يقنت عقيب كل تكبيرة قنتة ، ثم يكبر الخامسة للركوع ، وذهب اليه ابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن حمزة وابن إدريس ، وقال المفيد :في الأولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الافتتاح والركوع ، ويقنت خمس مرات ، فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ ثم كبر أربع تكبيرات يركع بالرابعة ويقنت ثلاث مرات ، وهو اختيار السيد المرتضى وابن بابويه وأبي الصلاح وسلار ، وهو مع مخالفته لما تقدم عن المنتهى من الحكاية عن الحسن وابن بابويه قال في كشف اللثام : يخالف ما قدمناه عنه من أن الظاهر أن مرادهم بالتكبير السابق في الركعة الثانية تكبيرة القيام إليها ، وهو لا يخلو من نظر ، نعم ما حكاه في الكشف عن السرائر لا يخلو من خلل ، قال : قال ابن إدريس : وعدد صلاة كل واحد من العيدين ركعتان باثنتي عشر تكبيرة بغير خلاف ، والقراءة فيها عندنا قبل التكبيرات في الركعتين معا ، وإنما الخلاف بين أصحابنا في القنوتات ، منهم من يقنت ثمان قنوتات ، ومنهم من يقنت سبع قنوتات ، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي ، والثاني مذهب شيخنا المفيد ، إذ الظاهر أن الصواب تسع بالتاء المثناة ، بل قيل : إنه الموجود فيها ، إلا أن نسبة ذلك للمفيد مخالفة لصريح كلامه في المقنعة من الثمان قنوتات.

وكيف كان ففي قول المصنف : يكبر أربعا يقنت بينها أربعا تسامح ، ضرورة اقتضاء البينونة كون القنوتات ثلاثة ، فالأولى أن يقول عقيب كل تكبيرة من التكبير الزائد قنوت ، وكأن الذي دعاه إلى هذا التعبير الإيماء إلى المراد مما في النصوص التي عبر فيها بنحو ذلك ، كصحيح يعقوب (١) « ويكبر خمسا ـ أي في الأولى ـ ويدعو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٨.

٣٦٨

بينها ، ثم يكبر أخرى يركع بها » ‌و‌خبر الجعفي (١) « ثم يكبر خمسا يقنت بينهن ثم يكبر واحدة ويركع بها ـ إلى أن قال ـ : وفي الثانية والشمس وضحاها ثم يكبر أربعا ويقنت بينهن ثم يركع بالخامسة » ‌وغيرها ، فما في المدارك ـ من أن الظاهر منها سقوط القنوت بعد الخامس والرابع ـ إلى أن قال ـ : وهو الظاهر من كلام ابن بابويه ثم يكبر خمسا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع بالسابعة مما هو ظاهر في الميل إلى ذلك ـ في غير محله قطعا ، إذ لا ريب في أن المراد بقرينة الفتاوى ومعاقد الإجماعات والنصوص الأخر التثليث في البينية ، أو يراد منها معنى فيها كما في بعض النصوص أيضا أو غير ذلك مما لا بأس به بعد المعلومية ، كما هو واضح ، والله أعلم.

ثم يكبر تكبيرة خامسة للركوع ويركع بها بلا قنوت بلا خلاف نصا وفتوى فـ تحصل من ذلك كله أنه على المختار يكون الزائد عن المعتاد من التكبير تسعا ومن القنوت ثمانا ، فالتكبير حينئذ خمس في الأولى ، وأربع في الثانية غير تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوع ومعهما يكون المجموع اثنتا عشر تكبيرة ، سبع في الأولى على عدد تكبيرات الافتتاح ، وخمس في الثانية على عدد تكبيرات الإحرام في اليوم والليلة ، وليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا كما أومأ إلى ذلك الرضا عليه‌السلام فيما رواه عنه الفضل بن شاذان (٢).

وعلى كل حال ينبغي أن يرفع يديه مع كل تكبير ، لخبر يونس (٣) « سألته عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبير أم يجزيه أن يرفع يده في أول التكبير؟ فقال :مع كل تكبير » ‌مضافا إلى ما عرفته سابقا في أوائل مباحث كيفية الصلاة من احتمال كون الرفع من هيئات أمثال هذا التكبير في كل صلاة.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١٠ ـ ١

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٦٩

ثم إن الظاهر عدم ركنية شي‌ء من التكبير والقنوت على تقدير الوجوب ، لعموم ما دل (١) على اغتفار السهو ، ٧٤٢٧ وعلى عدم إعادة الصلاة إلا من خمسة ، ولتساوي أركانها مع باقي الفرائض وإن وجب ذلك فيها زائدا عليها ، وقد يقال بالركنية بناء على أصالتها لا جمال العبادة ، إلا أن المصرح به هنا خلافه من دون خلاف بينهم فيه ، وهو مما يؤيد ما ذكرناه في المباحث السابقة من المناقشة في هذا الأصل ، وحينئذ فلو نسي التكبيرات أو القنوتات أو بعضها حتى ركع مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه ، إذ ليست أركانا ، بل في الذكرى وغيرها وهل يقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ ، ولعله لما سبق من الرواية : أي‌ قوله عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٢) : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا » ‌ونفاه في المعتبر ، وتبعه الفاضل ، لأنه ذكر وقد تجاوز محله ، فيسقط بالأصل السليم عن المعارض ، وللشيخ أن يبدي وجود المعارض ، وهو الرواية المشار إليها ، قلت : قد يحتمل خصوصا فيما إذا كان المنسي القنوت الإتيان به بعد الركوع كما في الفريضة ، لكن في الذكرى ولا يقضى في الركوع عندنا ، لما فيه من تغيير الهيئة ، ولعله المانع من الاحتمال المزبور أيضا ، إلا أنه بناء على استفادته مما في الفريضة يرتفع المانع المزبور.

ولو تذكر وهو آخذ في الركوع ولما ينته إلى حده رجع اليه قطعا ، ولو قلنا بتقديم التكبير على القراءة في الأولى فنسيه حتى قرأ لم يعد اليه كما في المعتبر ، لفوات المحل ، وفيه منع ، كمنع توقف الفاضل في تذكرته في إعادة القراءة مع استدراكه من حيث عدم وقوعها في محلها ، ومن صدق القراءة ، ضرورة رجحان الأول كما في الفريضة ، نعم على المختار لو قدم التكبير على القراءة سهوا اقتصر على إعادة التكبير خاصة ، لحصول الامتثال به كما في نظائره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

٣٧٠

ولو شك في عدد التكبير أو القنوت بنى على الأقل كما في الذكرى وغيرها ، لأنه المتيقن ، قال : وفي انسحاب الخلاف في الشك في الأوليين المبطل للصلاة احتمال إن قيل بوجوبه ، ولو تذكر بعد فعله أنه كان قد كبر لم يضر ، لعدم ركنيته ، وهو جيد ، إلا أنه لا ريب في ضعف الاحتمال المزبور ، كما أنه لا ريب في تقييد تدارك الشك بما إذا لم يدخل في محل آخر كالقراءة في الأولى بناء على تقديم التكبير والقنوت عليها ، بل لو شك في عدد التكبير وهو في القنوت يقوى عدم الالتفات ، لأنه محل آخر ودعوى أن التكبير للقنوت ممنوعة ، ولو سلمت لا تنافي ، فتأمل.

ولو قدم التكبير والقنوت على القراءة عمدا في الأخيرة أو في الأولى بناء على المختار ففي الذكرى « في بطلان صلاته مع استدراكه في محله عندي الوجهان ، البطلان لتغير نظم الصلاة ، وعدم إيقاعها على الوجه المأمور به ، ولأنه ارتكب منهيا عنه في الصلاة ، إذ الأمر بالشي‌ء نهي عن ضده ، والنهي في العبادة مفسد ، والصحة لما تقدم‌ في الرواية (١) إن « كل ما ذكر الله عز وجل به ورسوله (ص) فهو من الصلاة » ‌ويحتمل ثالثا وهو البطلان إن اعتقد شرعيته ، لأنه يكون مبدعا ، فيتحقق النهي ، وإن لم يعتقد شرعيته هنا لك كان ذكرا مجردا في الصلاة فلا ينافيها » وفيه ـ بعد الإغضاء عما في ثاني وجهي البطلان ، وعما يشعر به التفصيل من كون احتمال البطلان على تقدير عدم التشريع وهو كما ترى ـ أن هذا الحكم غير خاص في المقام ، بل حاله كحال من قدم السورة على الحمد مثلا عمدا ، بل قد يقوى الصحة في المقام بناء على اختصاص دليل إبطال التشريع من‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « من زاد » ‌ونحوه في الفريضة اليومية ، وقد تقدم تحرير المسألة في المباحث السابقة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٣٧١

وعلى كل حال فلا سجود للسهو فيما نفعله الآن من الصلاة لأنها نافلة ، بل ولا في الواجبة للأصل السالم عن معارضة ما دل على وجوبهما بعد انصرافه للفرائض اليومية ، خلافا للمحكي عن الكاتب وأول الشهيدين وغيرهما.

ولو أدرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه ، فإذا ركع ركع معه قطعا بناء على الندب لوجوبها مع إرادة الجماعة فلا يعارضها ، بل لا يبعد ذلك على الوجوب أيضا إذا لم يتمكن من الفعل ولو مخففا ، لأنهما حينئذ كالقراءة ، بل جزم الفاضل به من دون قضاء بعد التسليم ، وبأنه لو أدرك الإمام راكعا كبر ودخل معه واجتزأ بالركعة ولا قضاء عليه ، وتبعه العلامة الطباطبائي في ذلك كله ، بل لا خلاف أجده فيه إذا لم يتمكن حتى من التكبير ولاء ، نعم احتمل في الذكرى منعه عن الاقتداء إن علم التخلف ، ووجوب الانفراد إن لم يعلم ، لوجوبهما عليه ، ولا دليل على تحمل الإمام كالقراءة ، والاقتداء وإن وجب لكنه ليس جزءا من الصلاة ، واعترضه في كشف اللثام بأن هذه الصلاة لا تجب على المنفرد ، قلت : يكفي في الجواز من غير فرق بين الجماعة الواجبة والمندوبة إطلاق أدلة الائتمام المؤيدة بخصوص ما دل على اغتفار بعض الزيادة والنقصان له ، أما إذا تمكن من إتمام التكبير ولاء بلا قنوت ففي القواعد والمنظومة عدم الوجوب عليه ، بل في الثاني التصريح بأن الواجب الممكن منهما معا مرتبان فيه إلى أن يخشى الفوات ، فيقطعهما معا ، لكن عن المبسوط والسرائر وجملة من كتب الفاضل والدروس وغيرها أنه يكبر ولاء ، من غير قنوت ، واحتمله في القواعد ، ولعله لأن كلا من التكبير والقنوت واجب مغاير للآخر ، فلا يسقط الميسور منهما بالمعسور ، وفيه ـ بعد تسليم استقلال وجوب التكبير وأنه ليس للقنوت ـ أنه مناف للترتيب المعتبر فيهما كما هو واضح.

وأما عدم القضاء بعد التسليم فللأصل السالم عن المعارض ، ولأنه كذكر الركوع‌

٣٧٢

الذي فات محله ، خلافا للمحكي عن المبسوط وغيره ، ولعله كما قيل بناء على أصله من أنه لو نسيه المصلي قضاه بعد الصلاة ، وفيه مع أنه في القنوت خاصة ليس المقام من النسيان ، بل هو من الترك عمدا للمتابعة ، كما أنه لا دليل على تحمل الامام غير القراءة ، بل عدم تحمله القنوت في الفريضة يدل بطريق الأولى على العدم في المقام ، لكن احتمل في الذكرى تحمله الدعاء ، ولا ريب في ضعفه ، وعليه فلا بأس بدعاء المأموم سواء كان بدعاء الإمام أو غيره كما صرح به في الذكرى ، لعدم اقتضاء التحمل عدم المشروعية ، والقياس على القراءة بناء عليه فيها لا يجوز التعويل عليه ، والله أعلم.

وسنن هذه الصلاة‌ أمور منها الإصحار بها حتى ينظر إلى آفاق السماء إجماعا بقسميه ، بل المحكي منهما إن لم يكن متواترا فهو مستفيض كالنصوص (١) المتضمنة للفعل والقول ، بل قد يشم من بعضها ولو من حيث مخالفة السنة الكراهة في غيرها ، ولعله المراد من نفى الجواز في غيرها المحكي عن النهاية ، وعلى كل حال فهو مسنون إلا بمكة إجماعا بقسميه أيضا ، و‌رفع محمد بن يحيى (٢) إلى الصادق عليه‌السلام أنه قال : « السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلى الصحراء إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام » ‌وإلحاق مسجد المدينة به اجتهاد في مقابلة النص المتضمن لفعله عليه‌السلام وغيره ، بل في المحكي عن السرائر أن الصلاة فيه أي المسجد الحرام تكون في الصحن دون موضع الصلاة منه ، ولا بأس به إذا كان الصحن هو الخالي من الظل كما أومأ إليه في كشف اللثام ، بل ينبغي له حيث يصلي في البلد في غير مكة أو يحصل له عذر من مطر أو وحل أو خوف أو نحوها من الأعذار التي يسقط معها مثل ذلك أن يطلب مكانا بارزا أي يكون ظله حال الصلاة فيه السماء لا سقف ونحوه كما أومأت اليه النصوص ، كقول الرجل عليه‌السلام في خبر سلمان بن حفص (٣) : « الصلاة يوم‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة العيد ٠ ـ ٨ ـ ١١

٣٧٣

الفطر بحيث لا يكون على المصلي سقف إلا السماء » ‌وغيره ، ونص عليه في الجملة العلامة الطباطبائي.

ومنها تأكد السجود فيها على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه بلا خلاف أجده فيه ، بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح الفضيل (١) : « أتى أبي بخمرة يوم الفطر فأمر بردها ، وقال : هذا يوم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب أن ينظر فيه إلى آفاق السماء ويضع جبهته على الأرض » ‌بل قد يومي ذلك باعتبار شرف الجبهة إلى استحباب مباشرتها بجميعه أي بحيث لا يصلي على بساط ونحوه ، بل‌ قوله عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « لا تصلين يومئذ على بساط ولا بارية » ‌ظاهر في الكراهة كما أومأ إليه في المنظومة.

ومنها أن يقول المؤذن أو غيره الصلاة ثلاثا فإنه لا أذان ولا إقامة لغير الخمس بلا خلاف فيه بين العلماء كما في المدارك ، وفي‌ صحيح إسماعيل بن جابر (٣) « قلت أي لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : ليس فيهما أذان ولا إقامة ولكن ينادى الصلاة ثلاث مرات » ‌وظاهره استحبابه لهما على نحو الأذان لليومية ، بل قد يستفاد من ذلك ومن قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٤) الذي اقتصر عليه الصدوق كما قيل أذانهما طلوع الشمس في أحد الوجهين استحبابه للوقت ولخصوص الصلاة ، لكن في المدارك عن الذكرى ظاهر الأصحاب أن هذا النداء ليعلم الناس الخروج إلى المصلى ، لأنه أجري مجرى الأذان المعلم بالوقت ، ثم قال : ومقتضى ذلك أن محله قبل القيام إلى الصلاة ، وقال أبو الصلاح محل هذا النداء بعد القيام إلى الصلاة ، فإذا قال المؤذنون ذلك كبر الإمام‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥ ـ ١٠

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١ ـ ٥

٣٧٤

تكبيرة الإحرام ودخل بهم في الصلاة ، والظاهر تأدي السنة بكلا الأمرين ، وعلى كل حال فالأمر سهل ، وقد تقدم في بحث الأذان بعض الكلام الذي له تعلق في المقام ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

ومنها أن يخرج الامام حافيا ماشيا كما فعله‌ الرضا عليه‌السلام بمرو (١) بعد أن قال : « إني أخرج كما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام » ‌ولأنه أبلغ في التذلل والاستكانة ، لكن مقتضى ذلك عدم الفرق بين الامام والمأموم خلافا لظاهر المتن ومن عبر كعبارته ، بل قيل : إنه صريح المبسوط وظاهر الأكثر ، لكن أطلق في المحكي عن التذكرة والنهاية وغيرها وإن كنت لم أتحققه في الأول منهما ومقتضاه العموم كصريح المحكي عن جامع المقاصد ، بل في الأولين الإجماع على إطلاقهما بل في الأول منهما إجماع العلماء ، بل في كشف اللثام لا أعرف وجها للتخصيص سوى أنهم لم يجدوا به نصا عاما ، ولكن في المعتبر والتذكرة أن بعض الصحابة كان يمشي إلى الجمعة حافيا ‌وقال (٢) : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار » ‌ولعل التعميم أوفق بقاعدة التسامح ، كالمشي الظاهر في الخشوع والذل والمسكنة المطلوبة للجميع من غير فرق بين الامام والمأموم ، على أن‌ المروي (٣) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يركب في عيد ولا جنازة » ‌وهو الذي فعله‌ الرضا عليه‌السلام لما أراد الخروج كخروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام « فإنه لما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر ، ثم قال لجميع مواليه : افعلوا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٢) سنن البيهقي ج ٣ ص ٢٢٩.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٧٥

مثل ما فعلت ، ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة ، فلما مشى ومشينا بين يديه وكبر أربع تكبيرات فخيل لنا أن السماء والحيطان تجاوبه ، والقواد والناس على الباب قد تهيأوا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن الزينة ، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا عليه‌السلام وقف على الباب وقفة ثم قال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا نرفع بها أصواتنا قال ياسر : فترغرغت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن عليه‌السلام حافيا وكان يمشي ويقف في كل عشر خطوات ويكبر ثلاث مرات » ‌إلى آخره.

وعلى كل حال فالأولى ولى تعميم المشي للإمام وغيره كما هو صريح بعض وظاهر إطلاق آخر الذي هو معقد إجماع العلماء في التذكرة ، وعن المعتبر والمنتهى والتذكرة من السنة أن يأتي العبد ماشيا ويرجع ماشيا ، لكن ظاهر جماعة بل لعله الأكثر اختصاص ذلك بالإمام ، بل‌ في المقنعة روي (١) « أن الامام يمشي يوم العيد ولا يقصد المصلى راكبا ولا يصلي على بساط ويسجد على الأرض وإذا مشى رمى ببصره إلى السماء ويكبر بين خطواته أربع تكبيرات ثم يمشي » ‌والأول أولى.

وعلى كل حال ينبغي أن يكون على سكينة ووقار ذاكراً لله سبحانه إجماعا فيما حكي عن التذكرة والنهاية ، على أن فيه من الخضوع والخشوع ما لا ينكر ، وقد سمعت حكاية ما فعله الرضا عليه‌السلام ، بل منه يستفاد استحباب أمور أخر كالغسل ونحوه ولعله لذا ومرسل المقنعة وغيرهما من اتحاد الجمعة والعيد ونحوه قال في المنظومة :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

٣٧٦

وليكن الخروج بعد كل ما

قد سن في الجمعة أن يقدما

كالغسل والتطبيب والتزين

والاعتمام والرداء اليمني

والمشي بالوقار والسكينة

والذكر فيه والحفا مسنونة

كذلك التطميح والتشمير

والجهر بالتكبير والتكرير

والأمر سهل.

ومنها أن يطعم أي يأكل بنفسه قبل خروجه في الفطر ، وبعد عوده في الأضحى مما يضحى به إن كان إجماعا منا بقسميه ونصوصا ، بل في‌ صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا ، ولا تأكل يوم الأضحى شيئا إلا من هديك وأضحيتك ، وإن لم تقو فمعذور » ‌مما هو ظاهر في كراهة الترك كغيره من النصوص ، وينبغي أن يكون المأكول في الفطر تمرا تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما‌ روي (٢) عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر » وعن الإقبال ان ابن أبي قرة (٣) روى بإسناده إلى الرجل عليه‌السلام قال : « كل تمرات يوم الفطر ، فان حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك » ‌و‌قال النوفلي (٤) لأبي الحسن عليه‌السلام : « إني أفطرت يوم الفطر على طين وتمر فقال لي : جمعت بركة وسنة » ‌لكن في المحكي عن السرائر أنه روي الإفطار فيه على التربة الحسينية (٥) وأن هذه الرواية شاذة من أضعف أخبار الآحاد ، لأن أكل الطين على اختلاف ضروبه حرام بالإجماع إلا ما خرج بالدليل من أكل التربة الحسينية على متضمنها أفضل الصلاة والسلام للاستشفاء فحسب القليل منها دون الكثير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٢) سنن البيهقي ج ٣ ص ٢٨٣.

(٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢ ـ ١

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

٣٧٧

للأمراض ، وما عدا ذلك فهو باق على أصل التحريم والإجماع ، وتبعه على ذلك جماعة ممن تأخر عنه ، فشرطوا في جواز تناولها العلة كغيره من الأيام ، بل في كشف اللثام لعل النوفلي استشفى بها من علة كانت به ، قلت : أو مزجه بالتمر مزجا استهلكه فيه وإن بقيت بركته ، فلا ريب أن الأحوط تركها مع عدم العلة ، والجمع بينها وبين التمر معها وأحوط من ذلك الجمع بينهما وبين السكر ، لما في الذكرى من أن الأفضل الحلاوة ، وأفضلها السكر وإن كنت لم أقف على أثر له هنا بالخصوص إلا ما يحكى من فقه الرضا عليه‌السلام (١) والأمر سهل ، إذ ـ مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه ـ ما نحن فيه من المستحب في المستحب ، للأمر بأكل شي‌ء في النصوص التي لا يحكم عليها غيرها ، كما هو واضح.

هذا كله في الفطر ، وأما الأضحى فقد عرفت أصل الحكم فيه ، لكن قد يوهم عبارة المتن وما ضاهاها اختصاص الاستحباب بمن يضحي كما يحكى عن أحمد بن حنبل الذي قد أجمع علماء الفريقين على خلافه في ذلك ، ومن هنا كان حمل العبارة على إرادة التعريض به لا موافقته متعينا ، وكيف كان فان لم يقو على الصبر إلى العود أو التضحية فمعذور كما يشهد له الاعتبار والأخبار ، والله أعلم.

ومنها أن يكبر في عيد الفطر على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل عليه عامة المتأخرين ، بل يمكن ادعاه الإجماع عليه كما عن جامع المقاصد والغرية ، ولعله لشذوذ قول السيد كما عن المفاتيح نحو ما عن المنتهى من الإجماع على نفى الوجوب في الفطر ، وأن خلاف السيد وأبي علي لا يؤثر في انعقاده ، وعن المعتبر « استحبابه في الفطر قول فضلائنا وأكثر الجمهور » بل عن الخلاف والغنية « الإجماع عليه » وعن الأمالي « انه من دين الإمامية » بل عن مصابيح الظلام « قد اتفقت الشيعة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

٣٧٨

في الأعصار والأمصار على عدم الالتزام به أي في العيدين العلماء والأعوام » بل فيه أيضا أن مراد السيد من الوجوب ما على تركه اللوم والعتاب لا الذم والعقاب ، لأن الشيخ قال : الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه اللوم والعتاب ، وكيف يراد به المعنى المصطلح والرواة ما كانوا يعرفونه مع عموم البلوى به.

وكيف كان فلا ريب أن الأقوى استحبابه ، لما عرفت وللأصل سيما مع عموم البلوى به ، واشتراك جميع المكلفين فيه من رجل أو امرأة صغير أو كبير ، في جماعة أو فرادى ، في بلد أو في قرية ، في سفر أو حضر كما يقتضيه الإطلاق ، وادعى في الخلاف الإجماع عليه ، وفي‌ خبر حفص بن غياث (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات ، وعلى من صلى وحده ومن صلى تطوعا » ‌فلا ريب في استبعاد خفاء مثل هذا الحكم الذي هو عام مثل هذا العموم ، هذا مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر سعيد النقاش (٢) « اما أن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون ، قال قلت : أين هو؟ قال : في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الفجر والعيد ثم يقطع » ‌، والاستدراك واستناد القائل بوجوبه إلى الكتاب يوهن احتمال إرادة الواجب بالسنة منه ، مع أنه خلاف الظاهر ، و‌خبر محمد بن مسلم أو صحيحه المروي عن المستطرفات عن نوادر البزنطي (٣) أنه سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن التكبير بعد كل صلاة فقال : كم شئت انه ليس بمفروض » ‌والإطلاق إلى المشيئة معللا بأنه ليس بمفروض كالصريح في إرادة نفى الوجوب بالمعنى المصطلح منه ، مضافا إلى اعتضاده وسابقه بما سمعت وبما تسمع مما يدل على عدم وجوبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٣٧٩

في أيام التشريق من النصوص (١) وغيرها بناء على عدم القول المعتد به بالفضل بينهما فثبوت الندب فيها يلزمه في المقام كالعكس ، فيصح الاستدلال بأدلة كل من الطرفين على الآخر بعد تتميمه بالإجماع المركب ، كل ذلك مع عدم المعارض المقاوم ، إذ آية التكبير (٢) على الهداية ليست صريحة في الوجوب بل ولا ظاهرة ، خصوصا إذا عطف وما قبله على اليسر (٣) في ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ) و‌كتابة الرضا عليه‌السلام إلى المأمون فيما رواه عنه الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان (٤) « والتكبير في العيدين واجب » ‌كقول الصادق عليه‌السلام في خبر الأعمش (٥) المروي عن الخصال الآتي يمكن إرادة الثبوت أو التأكد منهما ، بل لعل الثاني منهما المنساق إلى الذهن من التأمل في مجموع الدليلين.

ومنه يعلم أولوية إرادة ذلك من غيره من‌ النصوص الواردة (٦) بلفظ « عليهم التكبير » ‌ونحوه إذا صرحها اللفظ المزبور وعرفت قوة الاحتمال المذكور فيه ، سيما بعد ما تسمعه في تكبير الأضحى وسمعته من الأدلة السابقة التي لا يقاومها ذلك من وجوه ، بل هذا الاختلاف نفسه منضما إلى ما تسمعه من الاختلاف في الأضحى أيضا وإلى الاختلاف في الكيفية أمارة أخرى على الندب كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بكلامهم عليهم‌السلام ، ومن ذلك كله ظهر لك ضعف ما ذهب اليه المرتضى وأبو علي وابن شهرآشوب فيما حكي عنهم من الوجوب ، بل قيل : قد يظهر ذلك من الوسيلة والمراسم في المقام إلا أنك قد سمعت احتمال إرادة ما يرتفع به الاختلاف من أصله ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) سورة البقرة ـ الآية ١٨١.

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥ ـ ٦

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة العيد.

٣٨٠