جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وجدنا الأربع أرجح ، إذ ليس فيها غصب لمنصب الامام والاقتداء بغاصبه ، وفيها تأسي بالأئمة عليهم‌السلام فإنهم منذ قبضت أيديهم لم يكونوا يصلون ولا أصحابهم إلا الأربع ، فنحن نصليها حتى تنبسط يد إمامنا عليه‌السلام إن شاء الله.

ومن ذلك ظهر لك أنه لا معنى للجواب عن هذا الدليل بمنع الإجماع على الاشتراط في زمن الغيبة ، ضرورة أنه مقتضى الأصل كما عرفت من غير حاجة الى الإجماع ، كما أنه لا معنى لتوهم أن الأمر بالسعي إلى الجمعة أو شهودها أمر بعقدها حتى يظن الاذن في عقدها حينئذ بالكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة من غير شرط لإطلاقها ، نعم الذي يتوهم منه الاذن مطلقا أخبار ثلاثة صحيح الحث (١) وخبر الهلاك (٢) والمتعة (٣) وهي محتملة الحث على حضور جمعات العامة كما يعطيه كلام المفيد في المقنعة ، ولأن زرارة وعبد الملك كانا يتركانها خوفا ، فآمنهما الإمامان وأذنا لهما بالخصوص في فعلها ، ولغير ذلك ، على أن الاذن في كل زمان لا بد من صدوره عن إمام ذلك الزمان فلا يجدي زمن الغيبة إلا إذن الغائب عليه‌السلام ولم يوجد قطعا ، أو نص إمام من الأئمة عليهم‌السلام على عموم جواز فعلها في كل زمان ، وهو أيضا مفقود ، وما يقال من أن حكمهم عليهم‌السلام كحكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الواحد حكمهم على الجماعة إلا إذا دل دليل على الخصوص فهو صواب في غير حقوقهم ، فإذا أحل أحدهم حقه من الخمس مثلا لرجل لم يعم غيره ، ولشيعته لم يعم شيعة غيره من الأئمة عليهم‌السلام فكذا الاذن في الإمامة ، خصوصا إمامة الجمعة التي لا خلاف لأحد من المسلمين في أنه إذا حضر إمام الأصل عليه‌السلام لم يجز لأحد غيره الإمامة فيها إلا باذنه ، ولو لم يقم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يحرم كتمان العلم وترك الحكم‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٢

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المتعة ـ الحديث ٧ من كتاب النكاح.

١٨١

بما أنزل الله لم يجز للفقهاء الحكم والإفتاء في زمن الغيبة إلا بإذن الغائب روحي له الفداء ولم يكف لهم إذن من قبله وجعله قاضيا.

وقد ظهر لك مما ذكرنا توجيه ما في السرائر ـ من أن الأربع ركعات في الذمة بيقين ، فمن قال صلاة ركعتين تجزي عن الأربع محتاج إلى دليل ، فلا يرجع عن المعلوم بالمظنون وأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ـ بحيث لا يرد عليه ما قيل من أن اشتغال الذمة يوم الجمعة بالأربع غير معلوم ، والأصل عدمه ، إذ قد عرفت أن الاتفاق حاصل على الأربع ما لم يحصل الاذن في الاقتصار على الركعتين ، فلا يجوز الاقتصار عليهما ما لم يعلم الاذن وإن قيل به ، بل ندعي أن الذمة مشغولة بالركعتين المقرونتين بخطبتين المنفردتين عن ركعتين أخر بين ، فما لم يعلم الإذن بالأربع لم تبرأ الذمة بيقين ، قلنا : أما على التخيير فالجواب ظاهر ، لحصول اليقين بالبراءة بالأربع قطعا ، وأما الركعتان فإنما يحصل اليقين بالبراءة بهما إذا حصل اليقين بالتخيير ، وأما على ما يحتمل من الوجوب عينا فنقول : من المعلوم اشتراط صحة الركعتين وحصول البراءة بهما بإمام مأذون في إمامته ، بخلاف الأربع فلا شرط لها ، فما دام الشك في وجود إمام كذلك يحصل اليقين بالبراءة بالأربع دون الركعتين ، ويؤكد الأمرين استمرار الأئمة عليهم‌السلام وأصحابهم على الأربع من زمن زين العابدين عليه‌السلام ، والاكتفاء في البراءة بالظن الشرعي وإلا لزم التكليف بما لا يطاق متجه إذا انتفى الطريق إلى العلم ، وقد عرفت العلم بالبراءة بالأربع خصوصا على التخيير ، فلا يترك بالظن ، وإن تنزلنا قلنا : الأمر مردد بين تعين الأربع وتعين الركعتين ، ثم تأملنا فلم نر دليلا على الثاني إلا ما يتوهم من ظاهر الأخبار ، وقد عرفت أنها لا تدل على الاذن فضلا عن التعيين ، وإذا لم تدل على الاذن تعينت الأربع ضرورة ولو احتياطا.

ولو قلب الأمر فقال : إنا تأملنا فلم نجد دليلا على تعين الأربع إلا عدم الاذن‌

١٨٢

في سقوط ركعتين وفي الإمامة والائتمام وفي الخطبة ويدفعها ظواهر الأخبار مع أنه لا دليل على ثبوت الركعتين ليفتقر إلى الدليل على سقوطهما ، قلنا : لا خلاف في ثبوت الركعتين مع الركعتين إذا انتفت الجماعة أو الخطبتان ، ولا خلاف في أنها إنما تثبت باذن الشارع ، والأخبار كما عرفت إنما تدل على أن في الوجود جمعة ثنائية ، وهو لا يجدي إلا أخبار ثلاثة تحتمل الأمر بها أو إباحتها ، لكنها إنما تفيد إن أمكن العمل بها على إطلاقها ، وقد عرفت الإجماع على خلافه ، وأن العمل بها مشروط بشرط أو شروط لم تذكر فيها ، أو بارتفاع مانع أو موانع لم يذكر فيها ، وأن التردد بين هذين الاحتمالين يكفي في التردد في الاذن ، بل قد عرفت الإجماع قولا وفعلا على اشتراطها زمن ظهور الامام عليه‌السلام باذنه لخصوص إمام في إقامتها ، فما الذي أذن فيه مطلقا في زمن الغيبة مع ورود الأخبار زمن الظهور ، على أنك عرفت أنه لا بد من إذن كل إمام عليه‌السلام لرعيته أو عموم الاذن من أحدهم عليهم‌السلام لجميع الأزمان ، ولا يوجد شي‌ء منهما زمن الغيبة ، وسمعت خبري سماعة (١) وابن مسلم (٢) الظاهرين في عدم عموم الامام لكل من يصلح إماما في الجماعة ، هذا أقصى ما يقال لهم.

وفيه منع شرطية الصحة بذلك في زمن الغيبة خصوصا مع البناء ، على أن العمدة في إثباتها زمن الحضور الإجماع ، والمعلوم منه على اشتراط العينية بها لا الصحة ، أو على خصوص زمن الحضور ، فيقتصر عليه حينئذ في تقييد الإطلاقات ، ومن هنا استوجه بعضهم العينية على تقدير انتفاء التحريم معللا له بأنه مقتضى الإطلاقات المقتصر على تقييدها بالحضور ، وإن كان فيه أنه وإن كان هو مقتضي الإطلاقات إلا أنه ينبغي رفع اليد عن اقتضائها العينية بالإجماع على عدمها أيضا فيه كما عرفت ، والنصوص المستفيضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٩.

١٨٣

التي تقدم شطر منها ، ولو رفعنا يدا عن الإطلاقات التي لم تسق لبيان ذلك كما عرفته سابقا أمكن حينئذ الاستناد إليها في قطع قاعدة توقف العبادة على إذن الشارع ، وقاعدة التصرف في حق الغير بغير إذنه بعد تسليم عدم اندراج إمامة خصوص الجمعة في باقي الصلوات التي رخصوا في الإمامة بها ، وتسليم أن مطلق إمامة الجمعة من مناصبه لا أن منصبه وجوب عقد الجمعة والاجتماع إليها من رأس فرسخين من كل ناحية كما عساه يظهر من النصوص ، بخلاف جمعة الغيبة فإنه يخير في عقدها والسعي إليها كما حكاه في كشف اللثام عن ظاهر شرح الإرشاد لفخر الإسلام ، بل استوجه هو أيضا ، قال : « لأنه إذا كان في العقد الخيار لم يمكن التعين على من بعد فرسخين ، لأنه إنما يتعين عليه إذا علم الانعقاد ولا يمكنه العلم به غالبا إلا بعده » قلت : ولظهور النصوص (١) في وجوب السعي إلى تلك الجمعة ، لكن عن شرح الإرشاد للشهيد أن من أوجبها في الغيبة تخييرا كالمصنف إنما خير في العقد لا في السعي إليها إذا انعقدت ، فيوجبه عينا ، وذلك للأخبار والآية (٢) على المشهور في تفسيرها.

وكيف كان فلا ريب في صلاحية النصوص المزبورة للخروج بها عن القاعدتين وللفرق بين زماني الحضور والغيبة ، والقضاء وغيره من مناصبهم عليهم‌السلام أعظم من إمامة الجمعة قطعا ، وقد ثبت مشروعيته لغيرهم بأقل من هذه النصوص عددا بمراتب وأضعف سندا ، فهي أولى بذلك ، ودعوى أن مثل هذا الظن لا يجوز العمل به في مثل ذلك من غرائب الكلام ، إذ هو إما من الأحكام الشرعية المعلوم ثبوتها بنحو ذلك ، أو كالأحكام ، وإن كان الإمامة من مناصبهم عليهم‌السلام إلا أن الاذن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

١٨٤

فيها منهم من قبل الله تعالى قطعا ، فيكون حكما شرعيا يصلح الدليل الشرعي لإثباته قطعا وعدم الضرورة في المقام إلى الدليل الظني لا ترفع جواز العمل به ، وإلا لوجب الاحتياط في سائر الأحكام الشرعية ، على أنه يمكن هنا دعوى القطع بالإذن بملاحظة النصوص التي تقدم بعضها ، كصحيح الحث (١) وصحيح السبعة (٢) وصحيح منصور (٣) وصحيح عمر بن يزيد (٤) وموثق ابن بكير (٥) وصحيح محمد بن مسلم (٦) وخبر الفضل بن عبد الملك (٧) وخبر هشام (٨) وخبر الكشي (٩) وغيرها من النصوص المعتبرة التي فيها الصحاح والحسان وغيرهما الواردة عنهم عليهم‌السلام حال قصور أيديهم في كيفية الخطبة والقنوت والصلاة والعدد والقراءة والمزاحمة وإدراك الركعة وإدراك التشهد وكيفية القنوت ، خصوصا‌ خبر عمر بن حنظلة (١٠) منها ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القنوت يوم الجمعة فقال : أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الأولى ، وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية » ‌وغير ذلك على وجه يعلم إرادة بيان ذلك للرواة وتعليمهم حال التمكن من فعلها مع عدم التقية ، ومع فرض الحرمة في زمن الغيبة الذي منه زمن قصور اليد تكون النصوص خالية عن الثمرة المعتد بها ، بل ربما كان تركها حينئذ أولى من وجودها ، خصوصا المشتمل منها على ما ينافي التقية كخبر الخطبة والقنوت وغيرهما ، ولولا خوف الملل بالاطناب لذكرناها مفصلة ، وسيمر عليك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) و (٩) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٩ـ ٧ ـ ١١

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٦) و (٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ـ ٢

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المتعة ـ الحديث ٧ من كتاب النكاح.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٥.

١٨٥

في أثناء مباحث الباب جملة وافرة ، وذكر بعض الاحتمالات في بعضها لا ينافي الظهور ، كما أنه لا ينافي القطع الحاصل بملاحظتها تماما ، وهي أكثر مما جمعها القائل بالوجوب العيني في ضمن المأتي رواية زاعما دلالتها على مطلوبه ، وليست كذلك.

نعم لا ينبغي إنكار ظهورها في مطلق المشروعية ، فتصلح ردا للقائل بالحرمة ، بل لا بأس في دعوى تواترها في ذلك أو القطع بالحكم من جهتها لكثرتها واقترانها بأمور كثيرة تشعر بذلك ، خصوصا بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة نقلا وتحصيلا ، بل حصر غير واحد الخلاف في ابن إدريس وسلار ، بل ربما حكي الإجماع على خلافهما ، بل ربما استظهر من المقاصد العلية ذلك أيضا ، بل يمكن تحصيله مع التأمل في كلمات الأصحاب والتتبع ، فلاحظ وتأمل ، بل من النصوص المزبورة يعلم ما في دعوى أن أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ما صلوا الجمعة منذ قبضت أيدي أئمتهم ، ضرورة حصول القطع منها بوقوع ذلك منهم أحيانا حيث لا تقية كما لا يخفى على من لاحظها مع التأمل ، ومع الأعضاء عن ذلك كله فدعوى القطع بالبراءة بفعل الظهر مع التحير والتردد لتصادم الأدلة وتعارضها حتى على القول بوجوب الجمعة عينا في غاية الغرابة ، ضرورة أنه ليس في الأدلة ما يقضي بوجوب الظهر على سائر المكلفين حتى يعلموا الاذن في الجمعة ، وكون الواجب سابقا الظهر ثم بعد مدة وجبت الجمعة لا يقضي بذلك قطعا ، فلا طريق في الفرض المزبور إلا فعلهما معا احتياطا يرتفع من جهته الحرمة التشريعية كما في غيره ، إذ لا حرمة ذاتية في المقام قطعا كي يحتاج إلى الترجيح بينهما بما ذكره المستدل مما يمكن معارضته بورود الحث الشديد والتوعد على ترك الجمعة ، وأنها مشتملة على الدعاء لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوعظ والزجر ، وبأن فيها تأسيا بفعلهم (ع) لها زمن الظهور ، وحفظ آثار سلطنتهم عليهم‌السلام والتفؤل بها وغير ذلك من المصالح ، وفعلها لاحتمال الوجوب لا غصب فيه قطعا.

١٨٦

ثم إن النصوص الدالة على المشروعية المقتضية بإطلاقها عدم المنصوب الخاص ظاهرة في أن ذلك حكم الجمعة في نفسه زمن صدور الأخبار ، فلا حاجة حينئذ إلى إذن إمام الوقت عليه‌السلام كباقي الأحكام الشرعية ، وأظرف شي‌ء دعوى احتمال خبري زرارة (١) وعبد الملك (٢) الاذن لهما بالخصوص في إمامة الجمعة مع عدم الاشعار فيهما بشي‌ء من ذلك ، بل ظاهرهما خلاف ذلك ، كدعوى أن الأخبار قد صدرت زمن الظهور المعلوم تقييده بالنائب الخاص ، إذ فيها أن أكثر أخبار الإذن بل جميعها زمن قصور اليد ، وهو من زمن الغيبة ، إذ المراد بزمن الظهور ظهور السلطنة لا ظهور الأجسام كما هو واضح ، وأظرف منهما دعوى أن الذي يوهم الاذن أخبار ثلاثة ، إذ قد عرفت أنها يمكن كونها متواترة بل فوق التواتر ، وأظرف من الجميع دعوى توجه القول بالتحريم وإلا لزم القول بالوجوب عينا الذي قد علمت ما يقتضي نفيه من النص والإجماع وغيرهما كما أنك علمت ما يقتضي التخبير من غير إطلاق الكتاب والسنة المقتضي بظاهره التعيين فلا تلازم بينهما قطعا ، وقد ظهر من ذلك سقوط القول بالتحريم على وجه يقرب من القول بالعينية أو يساويه.

كما ظهر أن العمدة في ثبوت التخيير المزبور تواتر النصوص في مشروعيتها زمن قصور السلطنة من غير تعرض لاعتبار الشرط المزبور ، بل ظاهرها أو صريحها خلافه منضما إلى الإجماع وغيره مما عرفت على نفي الوجوب عينا ، وإلى أنه مقتضى الجمع بين ما دل على الأربع مع عدم المنصوب مما عرفت سابقا وبين ما دل على مشروعية فعلها بدونه ، والشاهد منها ومن غيرها قائم إذا كنت قد أحطت بما ذكرناه ، لا أن الدليل فيه أصل الجواز وعدم الاشتراط إلا بما يشترط به الظهر إلا ما خرج ، وأصل جواز الإمامة والائتمام ، وأصل عدم وجوب أربع ركعات في الظهر عينا إلا ما أجمع عليه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

١٨٧

واستصحاب جواز فعلها إلى أن يظهر المانع ، والتأسي خصوصا بعد‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » ‌والآية (٢) وما شابهها من الإطلاقات حتى يستظهر الخصم بالتطويل في ردها وإفسادها كما وقع من الفاضل الأصبهاني في كشفه ، مع أنه يمكن تصحيح بعضها وإبطال ما أبطله به لو كنا في حاجة إليه كما لا يخفى على من لاحظه ، ولعمري لقد أتعب نفسه في المقام وأكثر من النقض والإبرام وأطنب في الجواب على تقدير السؤال وظن أنه بلغ المقام وأكثر من النقض والإبرام وأطنب في الجواب على تقدير السؤال وظن أنه بلغ الغاية فيما قيل أو يقال وكل ما يحتمل أنه قد يقع في الآراء ولم يعلم أنه حفظ شيئا وغابت عنه أشياء ، وكأنه احتاط في الفرار من الوجوب العيني ، فوقع من الجانب الآخر ، ولو أنصف المتأمل وجدهما معا خارجين عن الانصاف والاعتدال.

ويقرب منهما في السقوط القول باختصاص التخيير المزبور في المجتهد ، إذ ليس في شي‌ء مما يقتضيه إشعار بذلك فضلا عن الظهور ، وإن جزم به المحقق الثاني محتجا على أصل الجواز بالاية ، وخبري زرارة (٣) وعبد الملك (٤) وصحيحي عمر بن يزيد (٥) ومنصور (٦) والاستصحاب ، وعلى نفي العينية في زمن الغيبة بالإجماع ، وعلى اعتبار المجتهد بأنه لا نعلم خلافا بين أصحابنا في أن اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الامام وغيبته ، قال : « وعبارات الأصحاب ناطقة بذلك ـ ثم حكى عبارتي التذكرة والذكرى في الاشتراط إلى أن قال ـ : وغير ذلك من كلامهم ، فلا نطول بحكايته ، فلا يشرع فعل الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط ، وقد نبه‌

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٤ و ١٢٥.

(٢) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٧.

١٨٨

المصنف على ذلك في المختلف وشيخنا الشهيد في شرح الإرشاد ، وما يوجد من إطلاق بعض العبارات فعل الجمعة من غير تقييد كما في عبارة هذا الكتاب فالاعتماد فيه على ما تقرر في المذهب وصار معلوما بحيث صار التقييد به في كل عبارة مما يكاد يعد مستدركا ـ ثم قال ـ : وربما بني القولان في المسألة على أن إذن الامام شرط الصحة أو شرط الوجوب ، فعلى الأول لا يشرع في الغيبة لفقد الشرط ، وعلى الثاني تشرع » وينبغي أن يراد بالإذن الإذن الخاص لشخص معين لا مطلق الاذن لاشتراط الفقيه حال الغيبة ويراد بالوجوب الحتمي لينتفي على انتفائه أصل الوجوب ، ويراد بقوله : « وعلى الثاني تشرع » عدم الامتناع إذا دل الدليل لعدم المنافي ، وقال في رد ما استند اليه ابن إدريس على الحرمة بأن من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة ، وهو منتف ، فتنتفي الصلاة ببطلان انتفاء الشرط : « فان الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى منصوب من قبل الامام ، ولهذا يمضى أحكامه ، وتجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس ، لا يقال : الفقيه منصوب للحكم والإفتاء ، والصلاة أمر خارج عنهما ، لأنا نقول : هذا في غاية السقوط ، لأن الفقيه منصوب من قبلهم عليهم‌السلام حاكما كما نطقت به الأخبار (١) وقريبا من هذا أجاب المصنف وغيره ».قلت : وكأنه منه ومما دل على اشتراط الإمام أو نائبه ممن عرفته سابقا مفصلا من الإجماع وغيره ، وقع فيما وقع من دعوى اختصاص التخيير عند القائل به بالفقيه ، لكن قد عرفت فيما مضى أن العمدة في إثبات التخيير في زمن الغيبة النصوص المستفيضة أو المتواترة على اختلاف كيفية دلالتها ، ولا إشارة في شي‌ء منها إلى اشتراط الفقيه ، بل ظاهرها خلافه ظهورا كاد يكون كالصريح ، بل منها ما هو دال على ذلك كخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

١٨٩

عبد الملك (١) وغيره قبل نصب الفقيه الذي علمناه من مقبولة ابن حنظلة (٢) بل لم يعلم تأخر أخبار التخير عن الصادق عليه‌السلام أيضا ، ودعوى تقدم النصب وأنه كان ثابتا زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا في حيز المنع ، بل ظاهر‌قوله عليه‌السلام : « فاني قد جعلته » ‌كون النصب منه عليه‌السلام ، نعم الظاهر إرادته عموم النصب في سائر أزمنة قصور اليد ، فلا يحتاج إلى نصب آخر ممن تأخر عنه ، على أن النصب من إمام الزمان روحي له الفداء متحقق ، كما رواه‌ إسحاق بن يعقوب (٣) عنه عليه‌السلام في جواب كتاب له سأله فيه عن أشياء أشكلت عليه ، فقال له : « وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم » ‌والإجماع قولا وفعلا على مضمونه ، وكأنه لم يعثر على هذا الخبر في كشف اللثام فأنكر ورود النصب من صاحب الزمان عليه‌السلام.

وعلى كل حال فالتخيير الثابت في النصوص حاصل قبل النصب المزبور قطعا ، ضرورة ظهورها في أن ذلك حكم شرعي زمن قصور اليد ، وقد عرفت منع قدم النصب من‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن أرسل في الفقيه (٤) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « اللهم ارحم خلفائي فقيل له من خلفاؤك؟ فقال : الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي » ‌إذ هو ـ مع إرساله واحتماله الإشارة إلى خصوص الأئمة عليهم‌السلام أو إلى من نصبوه ـ لا دلالة فيه على النصب كما هو واضح.

وأما ما دل على الاشتراط المزبور الذي عمدته الإجماع المعتضد بالشواهد التي ذكرناها فهو منزل بقرينة كلامهم في حكمها زمن الغيبة على اشتراطه في العينية ، كما هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ١ ـ١٠ ـ ٨ من كتاب القضاء.

١٩٠

الأقوى على ما عرفت سابقا ، أو الصحة زمن الظهور خاصة ، فنصبه عليه‌السلام نائبا في زمن الغيبة ـ بعد تسليم أنه غير مختص في التسجيل بالحلال والحرام كما هو الظاهر من المقبولة (١) خصوصا مع التعبير بقاضيا في خبر أبي خديجة (٢) المتحد معها موردا على وجه يظن أو يقطع باتحاد المراد منهما ـ لا ينافي ثبوت التخيير لغيره أيضا بإطلاق الإذن ، بل لعله هو المستند له في التخيير أيضا بناء ، على أعمية النيابة من الاذن ، كما عساه يظهر من الذكرى حيث أنه بعد أن حكى الإجماع على اشتراط الجمعة بالسلطان العادل أو نائبه قال : « ويشترط في النائب أمور تسعة ـ إلى أن قال ـ : التاسع إذن الامام عليه‌السلام له كما كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين عليه‌السلام بعده » وإن كان للنظر فيه مجال ، إلا أنه على كل حال لا دلالة في النيابة زمن الغيبة على تقييد ما دل بإطلاقه على التخيير لغيره أيضا.

ودعوى إلغاء ثمرة النيابة حينئذ لأن الفرض أنه تخييري بالنسبة إليه أيضا للإجماع على عدم الوجوب العيني عليه يدفعها أولا أنه ليس الغرض من النيابة خصوص الجمعة حتى تلحظ لها ثمرة خاصة ، وثانيا بإمكان جعل الثمرة وجوب السعي إلى ما يعقده من الجمعة من رأس فرسخين بخلاف غيره لو عقد بناء على ما قلناه سابقا ، ومن الغريب دعواه عدم العلم بالخلاف في اشتراط السلطان أو نائبه بين زمن الحضور والغيبة إلا أن الإجماع على عدم العينية على نائب الغيبة ، مع أنا لم نعرف أحدا قبله صرح بذلك ، بل في كشف اللثام « هل يشترط فعلها بامامة الفقيه المستجمع لشرائط الإفتاء أم لا يشترط في إمامها إلا شروط إمام الجماعة؟ صريح المفيد والحلي العدم ، وقد سمعت كلامهما ، وأطلق الشيخ وابنا سعيد ، وليس في التذكرة واللمعة والدروس إلا فعل الفقهاء ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ١ ـ ٧ من كتاب القضاء.

١٩١

ظاهر المختلف ، قال : لأن الفقيه المأمون منصوب من قبل الامام (ع) ولهذا يمضى أحكامه ويجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس ، وفي الخلاف » ثم حكى عبارته المتقدمة سابقا ، قلت : يمكن إرادة المتفقهة من الفقهاء نحو ما سمعته من عبارة المقنعة وإحدى عبارتي النهاية ، بل ينبغي الجزم به في نحو عبارة التذكرة التي قد سمعت الاستدلال فيها في العبارة الثانية على عدم الوجوب بانتفاء الشرط الذي هو السلطان أو نائبه نحو ما سمعته من المعتبر ، بل لعل عبارتي الدروس واللمعة كذلك أيضا بقرينة ما في الذكرى من الاعتماد في الجواز زمن الغيبة على أن ذلك : أي السلطان أو نائبه شرط مع الإمكان لا مطلقا ، بمعنى أن الاذن العام حينئذ موجود فلا حاجة إلى إذن خاص لشخص أو أشخاص بأعيانهم ، بل لعل مراد المختلف الرد على ابن إدريس حيث ادعى الحرمة لانتفاء الشرط الذي هو السلطان أو نائبه ولو بالإيجاب الجزئي ، خصوصا مع ملاحظة كلامه في باقي كتبه وعدم تعرضه لاشتراط الفقيه في الجواز ، بل جعل المدار كغيره من الأصحاب على إمكان الاجتماع والخطبتين ، بل عنونوا المسألة بذلك ، بل قد سمعت عبارة الخلاف المصرحة بالاذن لأهل السواد ، وما في الغنية قد عرفت الحال فيه سابقا ، فما أدري أين الإجماع الذي ذكره ، ولقد أجاد ثاني الشهيدين في رسالته المصنوعة في المسألة في شدة الإنكار عليه في هذه الدعوى ، بل ربما وقع منه سوء أدب معه ، بل ظاهره أو صريحه الإجماع على خلاف الدعوى المزبورة ، وهو في محله ، كما أنه يمكن منع ما ادعاه من الإجماع على نفي العينية عليه بعد فرض أنه من النواب فيها ، ضرورة أن الأصحاب نفوها لعدم النائب فيها لا أنه مع وجوده لا تجب ، فرقا بين زمن الظهور والغيبة ، ومن هنا كان خيرة المحدث المتبحر الشيخ حسين بن عصفور في رسالته وجوبها عينا عليه ، وظاهرها الحرمة على غيره ، قال : « والقول بالتخيير له كما وقع لمتأخري‌

١٩٢

أصحابنا دون زمن حضورهم من التحكمات الباردة » وهو كذلك إلا أن ما ذهب إليه أيضا مثله في البرودة ، لما عرفت فيما تقدم سابقا مما يدل على نفيها عينا وثبوتها تخييرا من غير فرق بين الفقيه وغيره في ذلك ، بل يمكن دعوى إجماع من لم يحرم عدا من عرفت عليه فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

وكيف كان فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل إجماعا بقسميه وجاز أن يتقدم الجماعة بنفسه أو بتقديمهم له من يتم بهم الصلاة منهم كما في غير الجمعة ، لكن إذا كان جامعا للشرائط التي منها هنا كونه مأذونا حيث تكون الأذن معتبرة ، وفي وجوب تجديد نية الاقتداء به تردد كما عن النهاية من أنه خليفة الأول فينزل منزلته ومن وجوب تعيين الامام ، وقال في التذكرة : « لو استناب لم يجب على المأمومين استئناف نية القدوة لأنه خليفة ، والغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول وإدامة الجمعة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفيه إشكال ينشأ من وجوب تعيين الامام فيجب استئناف نية القدوة ، وفي الآخر يشترط لأنهم انفردوا بخروج الامام من الصلاة وكذا لو لم يستنب الامام وقدم المأمومون إماما » وقد يحتمل كلامه الفرق بين استخلاف الامام وتقدمه أو تقديم المأمومين له ، والأقوى التجديد في الجميع ، وعلى كل حال فالجواز لا ريب فيه ، بل الظاهر وجوب تقدمه وتقديمه للتمكن من تحصيل الشرط مع النهي عن إبطال العمل.

ودعوى أن الجماعة شرط فيها في الابتداء دون الاستدامة كما جزم به في المدارك لا شاهد لها إلا القياس على بعض الصور على تقدير تسليمها لإجماع ونحوه ، بل ظاهر ما دل (١) على الشرطية عدم الفرق فيها بين الابتداء والاستدامة ، لأنها اسم للمجموع ، قال في المحكي عن المنتهى : « إن لم يستخلفوا ونووا الانفراد فهل يتمون الجمعة أو ظهرا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

١٩٣

أو تبطل؟ لم أجد لأصحابنا نصا فيه (١) ، والوجه وجوب الاستخلاف ، فمع عدمه تبطل الجمعة » وفي التحرير « ولو مات الإمام أو أغمي عليه أو أحدث ولم يستخلف استخلف المأمومون غيره ليتم بهم ، ولو لم يستخلفوا ونوى الجميع الانفراد ففي بطلان الجمعة نظر » والمراد من ذلك عدم القطع عند الأصحاب بأن الجماعة شرط في الابتداء دون الاستدامة ، وأنه فرق واضح بين الجمعة وغيرها من الفرائض في ذلك ، ضرورة صحة فعلها فرادى ، فمع عروض العارض للإمام في الأثناء تصح حينئذ فرادى بخلاف الجمعة كما تسمع التصريح ، به من الذكرى في بحث العدد ، بل حكي عنها وعن الجعفرية وشرحها وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والميسية والمسالك التصريح بوجوب التقديم أو التقدم في الفرض ، بل لعله المراد من‌ خبر علي بن جعفر (٢) سأل أخاه عليه‌السلام « عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال : لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها ، وقد تم صلاتهم » ‌إذ الظاهر الاتفاق على عدم البطلان في غير الجمعة إذا لم يتموا صلاتهم بإمام. نعم قد يقال بعدم اشتراط الاذن هنا ، فيكفي صلاحية الإمامة ، لا طلاق ما دل عليه مع عدم ما يقتضي اشتراطها في مثل الفرض ، ولأنها جمعة انعقدت صحيحة فيجب إكمالها ، والاذن شرط في الابتداء دون الأثناء ، وعلى الشرطية فالمتجه بطلانها جمعة ، كما إذا لم يوجد صالح للإمامة أصلا ، لما عرفت من قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه وعدم الشاهد على الدعوى المزبورة ، لكن في بطلانها وإتمامها ظهرا وجهان ينشئان من احتمال التنويع وعدم الدليل على الانقلاب أو جواز القلب ، فما قصد لم يحصل ، وما حصل لم يكن مقصودا من أول الأمر ، واحتمال الفردية وأن المنوي صلاة الظهر ، فهو أشبه‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « نصا فيه نصا ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

١٩٤

شي‌ء بالقصر والإتمام.

ولا فرق فيما ذكرنا بين وقوع ذلك في الركعة الأولى أو الثانية ، لأن إدراك الركعة بمنزلة إدراك الكل إنما هو بالنسبة إلى الوقت ، ومن ذلك كله ظهر لك ما في التذكرة ، قال : « لو لم يستنب الإمام أو مات أو أغمي عليه فان كان بعد ركعة استناب المأمون وقدموا من يتم بهم الصلاة ، وللواجد منهم أن يتقدم ، بل هو أولى ، لأن الإمام قد خرج والمأمومون في الصلاة ، وبه قال الشافعي ، وفيه إشكال ينشأ من اشتراط الإمام أو إذنه عندنا ، ومن كونها جمعة انعقدت صحيحة فيجب إكمالها ، والاذن شرط في الابتداء لا في الإكمال ، فإن قلنا بالأول احتمل أن يتموها جمعة فرادى كما لو لم يبق إلا واحد ، وأن يتموها ظهرا لعدم الشرط ، وهو الجماعة مع العدد ، وإن كان في الأولى قبل الركوع احتمل إتمامها ظهرا ، إذ لم يدرك أحد منهم ركعة فلم يدركوا الصلاة ، وجمعة لانعقادها صحيحة ، فيكمل كما لو بقي الامام ، وكلا الوجهين للشافعي » إذ هو كما ترى فيه نظر من وجوه.

وكذا لا تبطل الصلاة قطعا لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من إغماء أو حدث للأصل وغيره ، لكن في التذكرة « لو أحدث الإمام في صلاة الجمعة أو غيرها أو خرج بسبب آخر جاز أن يستخلف غيره ليتم بهم الصلاة عند علمائنا » وفي كشف اللثام « ولو أحدث جاز أن يستخلف من يتم بهم إجماعا كما في التذكرة والمنتهى ، وقال أبو حنيفة : إن تعمد الحدث بطلت صلاتهم » قلت : قد يظهر منه الفرق بين الموت ونحوه والحدث ونحوه بالاستخلاف في الثاني دون الأول ، ولعله لخروجه عن قابلية التكليف ، فلا يصح استخلافه الذي هو بمنزلة التوكيل بخلافه في الحدث ونحوه ، وفيه أنه اعتبار لا يصلح لأن يكون مدركا لمثله ، والمتجه أنه إن كان للمنصوب إذن في النصب جاز وإلا فلا ، كما أن المتجه بناء على ما عرفت وجوب تحصيل الجماعة الجامعة‌

١٩٥

للشرائط التي منها الاذن حيث يعتبر في إتمام الصلاة ، فان لم يمكن ففي بطلان الصلاة أو إتمامها ظهرا ما عرفته سابقا ، إذ لا فرق بين الحدث وغيره ، وإطلاق ما دل على الصحة مع عروض ذلك للإمام مقيد بما دل على اعتبار ما ذكرنا في الجمعة ، أو أن أقصاه التعارض من وجه ، ولا ريب في أن الترجيح لما ذكرنا ما لم يحصل إجماع بخلافه ، والظاهر عدمه كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في المقام ، وعرف ما فيها من التشويش. نعم لا يشترط في إمام الإتمام أن يكون قد سمع الخطبتين بعد فرض تلبسه للإطلاق ، وليس هو كغير المتلبس أصلا الذي لو جوزنا إمامته في الإتمام كما عن المنتهى استلزم جواز عقد جمعة بعد جمعة ، بل قد يستلزم في بعض صوره حصول الجمعة له بلا عدد ، بخلاف المتلبس الذي أقصاه حصول ركعة من الجمعة بلا عدد ، ولا بأس به كالمأموم المسبوق بركعة ، وبه صرح في التذكرة ، لكن‌ سأل سليمان بن خالد (١) الصادق عليه‌السلام في الصحيح « عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ قال : لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه » ‌و‌قال عليه‌السلام أيضا في خبر معاوية بن شريح (٢) : « إذ أحدث الامام وهو في الصلاة فلا ينبغي أن يتقدم إلا من شهد الإقامة » ‌نحو‌ قوله عليه‌السلام في خبر معاوية بن ميسرة (٣) : « لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة » ‌إلا أن الظاهر إرادة الكراهة من ذلك بقرينة باقي النصوص (٤) المستفيضة المعتبرة المفتي بمضمونها في صحة استنابة المسبوق كما تسمعها في محلها إن شاء الله.

نعم ظاهر القواعد والتذكرة هنا عدم جواز دخول غير المتلبس في الائتمام بالإمام الثاني فضلا عن الإمامة ، وأنه يتعين عليه الظهر إذا لم يتمكن من جمعة صحيحة ، لكن‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

١٩٦

هو لا يخلو من إشكال ، لأنها جمعة مشروعة ، ولذا صرح غير واحد بالدخول فيها ، ولو كان المأموم في الجمعة ممن يصلي الظهر معهم ، ففي جواز استخلافه لإتمام الجمعة وإن كان هو يصلي ظهرا إشكال أقر به العدم ، وقال في كشف اللثام : « الإمام الثاني يجوز أن يكون مسبوقا إذا أدرك الجمعة بإدراك الإمام الأول قبل الركوع أو فيه ، أما إذا لم يدرك الجمعة ففيه تردد كما في التذكرة ، واستقرب الجواز في المنتهى والتحرير ، ولا يجوز أن يكون ممن لم يدخل معهم في الصلاة ، لأنه عقد جمعة بعد جمعة أو اتباع للإمام المأمومين ، وجوزه في المنتهى » قلت : قال في التذكرة : « لا يشترط في المستخلف أن يكون قد سمع الخطبة أو أحرم مع الامام ، سواء أحدث الإمام في الركعة الأولى أو الثانية قبل الركوع ـ إلى أن قال ـ : وقال الشافعي : إن استخلف بعد الخطبة قبل أن يحرم في الصلاة جاز أن يستخلف من حضرها وسمعها ، ولا يجوز أن يستخلف من لم يسمعها ، وإن أحدث بعد التحريمة فإن كان في الركعة الأولى جاز أن يستخلف من أحرم معه قبل حدثه سواء كان دخل معه قبل الركوع أو بعده وإن لم يكن سمع الخطبة ، لأنه بدخوله معه في الصلاة ثبت له حكمها ، ولا يجوز أن يستخلف من لم يدخل معه ، لأنه يكون مبتدئا للجمعة ، ولا يجوز عقد جمعة بعد جمعة ، بخلاف المسبوق ، لأنه متبع لا مبتدء ، وإن أحدث في الثانية جاز له أن يستخلف من دخل معه قبل الركوع أو فيه ، ويتمون بعد الجمعة ، وهل يتم هو الجمعة أو الظهر؟ قال أكثر أصحابه : بالأول ، وهو جيد عندنا ، لأنه أدرك الجمعة بإدراكه راكعا ، وإن استخلف من دخل معه قبل الركوع قال أكثر أصحابه : لا يجوز ، لأن فرضه الظهر ، فلا يجوز أن يكون إماما في الجمعة ، وقال بعضهم : يجوز كالمسبوق والمسافر يأتم بالمقيم ، وعندي في ذلك تردد ، وكذا التردد لو استناب من يبتدئ بالظهر » وفي التحرير « الأقرب جواز استخلاف من فاتته الجمعة ويصلي هو الظهر » ولم تحضرني عبارة المنتهى ، وفي الجميع ما لا يخفى ، ضرورة اشتراط‌

١٩٧

صحة صلاة الجمعة بإمام يصلي جمعة من غير فرق بين الابتداء والاستدامة ، وجواز كون المأموم يصلي ظهرا والامام جمعة لا يقتضي بجواز العكس قطعا ، وإلا لجاز ابتداء ، وهو مقطوع بفساده ، هذا ، وطريق الاحتياط في أكثر صور المسألة لا ينبغي تركه ، والله أعلم.

الشرط الثاني العدد إجماعا بقسميه ونصوصا (١) نعم لا يعتبر فيه أزيد من سبعة أحدهم الامام ، ولا يكفي فيه الأقل من خمسة إجماعا في المقامين بقسميه ونصوصا (٢) بل الظاهر اتفاق الأصحاب عدا الحلبي في المحكي عن إشارته على عدم توقف صحة العقد على الأزيد من الخمسة ، وإن اختلفوا في وجوبه عينا بها وعدمه كما أشار إليه المصنف بقوله وهو خمسة ، الامام أحدهم ، وقيل سبعة إذ المراد شرط التعيين ، فالأشهر نقلا وتحصيلا الأول ، بل في جامع المقاصد وعن غيره أنه المشهور ، والشيخ وبنو حمزة وزهرة والبراج والكيدري على ما حكي عن الأخيرين على الثاني ، بل نقل عن الصدوق والكاتب والرائع وفي الجواهر عن شيخه على ما قيل ، واستحسنه في الذكرى ومال إليه في المدارك وحكى عن ظاهر رسالة صاحب المعالم ، وفي كشف اللثام أنه أقرب ، واختاره في شرح المفاتيح ومنظومة الطباطبائي ولعله هو لا الأول أشبه لأنه هو الذي تجتمع به نصوص المقام مفهوما ومنطوقا ، ففي‌ صحيح عمر بن يزيد (٣) « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة » ‌وفي‌ خبر محمد بن مسلم (٤) عن الباقر عليه‌السلام « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا تجب على أقل ، منهم الامام وقاضية » ‌إلى آخره.و‌صحيح زرارة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « على من تجب الجمعة؟ فقال : تجب على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقل من خمسة أحدهم الإمام » ‌إلى آخره. بل الأخير‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٠ـ ٩ـ ٤

١٩٨

عند التأمل كالصريح في ذلك ، وفي‌ صحيح منصور (١) « يجمع القوم إذا كانوا خمسة فما زاد ، فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم » ‌بل لعل المراد بالأمر فيه بناء على أن مثله يفيد الوجوب ما ذكره أخيرا لا التعيين ، كقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٢) : « لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة » ‌بل و‌قول أبي جعفر عليه‌السلام في حسن زرارة (٣) : « لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الامام وأربعة » ‌ضرورة كون المراد من منطوق نفي الانعقاد للأقل من خمسة ، فيكون مفهومه ثبوته لهم ، واحتمال إرادة نفي الوجوب منه ، وعدم الصحة يستفاد من الأصل ، فيكون مفهومه ثبوته في الخمسة ، والأصل فيه التعيين يدفعه أن المراد بعد تسليمه نفيه تعيينا وتخييرا ، فيكفي في الثاني ، اللهم إلا أن يدعى ظهور المنطوق في الأول ، فيكون هو الثابت في المفهوم ، لكنه كما ترى لا يصلح معارضا للظهور الحاصل من غيره.

وصحيح البقباق (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات ، فان كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر » ‌و‌الخبر (٥) في صلاة العيدين « إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة » ‌إذ لا وجه للترديد المزبور إلا بالجمع المذكور ، لانتفاء الحمل على الندب هنا كما في غيره مما ظاهره التخيير بين الأقل والأكثر ، كقوله عليه‌السلام في خبر أبي العباس (٦) : « أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه » ‌أي أدنى المجزي في العينية الأول ، وفي التخيير الثاني ، إذ احتمال إرادة أن المجزي في العينية سبعة أو خمسة يدفعه أنه لا وجه للترديد حينئذ إلا ما يقال من أن ذلك لندرة مصر لا يكون فيها ( فيه خ ل ) سبعة ، فذكرها‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٧ ـ ٨ ـ ٢ ـ ٦ ـ ٣ ـ ١

١٩٩

لذلك والخمسة لئلا يتوهم الانحصار فيها ، وهو كما ترى لا يحمل عليه كلام السواد فضلا عن أرباب الفصاحة والبلاغة.

فظهر من ذلك أنه بناء على التعيين بالخمس تخلو نصوص السبعة جميعها عن الثمرة بل فيها إيهام خلاف الواقع ، وقد عرفت أن فيها الصحيح وغيره ، مضافا إلى انسياق ذلك من نفي الوجوب عن الأقل من السبعة في خبر محمد بن مسلم (١) الظاهر في إرادة العيني ومفهوم غيره ، ومن الأمر بالتجميع للخمسة مؤيدا بأنه وارد في مقام توهم الحظر وبإمكان منع ظهور الأمر في العيني ، بل هو لمطلق الوجوب ، والعينية تستفاد من اتحاد المأمور به وأصالة عدم البدلية ، ومن الغريب ما عن مختلف الفاضل من الاقتصار على خبر ابن مسلم من أخبار السبعة ، وقال : إن في الطريق الحكم بن مسكين ولا يحضرني الآن حاله ، فنحن نمنع صحة السند ، ونعارضه بما تقدم من الأخبار ، ويبقى عموم الأخبار سالما عن المعارض ، وفيه أن معظم أخبار الخمسة بل جميعها إنما تدل على السقوط عما دون الخمسة ، وهو لا يقتضي الوجوب العيني ، مع أن أخبار السبعة كثيرة كما عرفت.ومثله المصنف في المعتبر في الاقتصار على الخبر المزبور ، وقال : « نحن نرى العمل على الوجوب مع الخمسة لأنها أكثر ورودا ونقلة ومطابقة لدلالة القرآن ـ إلى أن قال ـ : ولو قال : الأخبار بالخمسة لا تتضمن الوجوب وليس البحث في الجواز بل في الوجوب ، ورواية محمد بن مسلم تتضمن سقوط الوجوب عمن قل عددهم عن السبعة فكانت أدل على موضع النزاع قلنا : ما ذكرته وإن كان ترجيحا لكن روايتنا دالة على الجواز ، ومع الجواز يجب لقوله تعالى (٢) ( فَاسْعَوْا ) فلو عمل برواية محمد بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٩.

(٢) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

٢٠٠