جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه » وغيره (١) من النصوص وقد مر سابقا جواز قراءة القرآن أيضا في الصلاة في بحث القراءة ، وذكر النصوص الدالة عليها (٢) كما أنه مر في المباحث السابقة كثير من فروع هذه المسألة كالدعاء بغير العربية وبالملحون وغيرهما ، ومر أيضا أنه لا يختص الجواز بالدعاء خاصة أي الطلب ، بل يجوز أيضا كل ذكر أفاد تسبيحا أو تحميدا أو غيرهما كما أومأ اليه المصنف ودلت عليه الصحاح السابقة ، بل هو مقتضى الأصل المتقدم أيضا.

نعم لا يجوز أن يطلب شيئا محرما في الصلاة وغيرها ولو فعل بطلت صلاته كما نص عليه غير واحد ، لصيرورته بالنهي عنه من كلام الآدميين ، أو لما في التذكرة « الدعاء المحرم مبطل للصلاة إجماعا ، لأنه ليس بقرآن ولا دعاء مأمور به ، بل هو منهي عنه ، والنهي عنه يدل على الفساد » وإن كان آخر كلامه لا يخلو من نظر ، ضرورة اقتضائه الفساد إذا تعلق بالصلاة وإن كان المنهي عنه قبلها ، أما إذا كان كالنظر إلى الأجنبية المحرم قبلها وبعدها وفيها لا نهي عنه بالخصوص فلا كما هو واضح ومنه يعلم أن مقتضى الأصل السابق عدم بطلان الصلاة بذلك إن لم يثبت أنه من كلام الآدميين ، ولم يثبت إجماع على ذلك ، لأصالة الصحة كما عرفت ، لا البطلان ، فعدم شمول نصوص أدلة الجواز لمثله لا يقتضي البطلان حينئذ ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد بجواز الدعاء في الصلاة هو كونه جزءا صلاتيا مندوبا كالقنوت ، فالنهي عن المحرم منه نهي عن جزء الصلاة ، فتبطل للتشريع بفعل ما لا يصلح جزءا ، وفيه أولا أنه لا يتأتى في الذي لم يقصد به الجزئية ، وثانيا يمكن دعوى عدم إرادة الجزئية من ذلك ، ولذا عبروا عنه بالجواز الظاهر في إرادة عدم مانعية الصلاة منه لا أنه جزء منها ، و‌قوله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الركوع والباب ١٧ من أبواب السجود.

(٢) المتقدمة في ج ١٠ ص ٤١٧.

١٢١

في النصوص السابقة : « كل ما ناجيت فهو من الصلاة » ‌محمول على إرادة التشبيه ونحوه.

نعم قد يسلم ذلك فيما ذكروا استحباب الدعاء فيه بالخصوص كالسجود والقنوت ونحوهما لا مطلق أحوال الصلاة ، كما يومي اليه عدم عد أحد من الأصحاب ذلك من أجزائها المندوبة ، بل ذكروا أن ذلك مما يجوز فيها كالأفعال القليلة مثلا في الصلاة ، وقد يشعر بعدم الجزئية أيضا تقييدهم الجواز أي جواز الدعاء في الصلاة بما إذا لم يمح صورتها بطوله ، أو فوات الموالاة كما لو كان في أثناء القراءة ، إذ لو كان ذلك جزءا صلاتيا لم يحصل محو بشي‌ء من ذلك ، بل هو كما إذا طول القنوت أو قرأ السور الطوال ، إذ المحو إنما يحصل بفعل غير الصلاة فيها ، فتأمل جيدا.

ثم على البطلان لا فرق على الظاهر بين العالم والجاهل كما في سائر المبطلات ، بل وكذا لو جهل التحريم في أصل ما دعا به كما نص عليه في المسالك ، قال فيها بعد أن نص على البطلان : وجهل التحريم أو كون المحرم مبطلا للصلاة ليس عذرا ، نعم لو كان جهله بما لا يرجع إلى الحكم كما لو ظن الكفر في شخص فدعا عليه وكان مؤمنا لم تبطل صلاته.

المسألة الرابعة يجوز ندبا أو كراهة أو إباحة كما قيل ، بل يجب في بعض الأحوال للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فوات غريم أو تردي طفل أو ما شابه ذلك بلا خلاف أجده فيه وإن كان قد علق الجواز في المنتهى على الضرورة ممثلا لها بمن رأى دابة له انفلتت ، والغريم الذي يخاف فواته ، والمال الذي يخاف ضياعه ، والغريق الذي يخاف هلاكه ، والحريق الذي يلحقه ، والطفل الذي يخاف سقوطه ، ونحوه في تعداد الأمثلة المبسوط ، وعن المعتبر بعد نقله عنه « هذا صواب إن كان في البقاء على حاله ضرر » وفي التحرير « يحرم إلا لضرورة دينية أو دنيوية » وفي المحكي عن الموجز « إلا لعذر » وفي الدروس « إلا لضرورة كفوات مال وتردي‌

١٢٢

طفل » وفي المحكي عن الوسيلة « ما يجوز له القطع ثلاثة أشياء : دفع الضرر عن النفس وعن الغير وعن المال » وفي الذكرى « قد يجب القطع كما في حفظ الصبي ، والمال المحترم عن أتلف ، وإنقاذ الغريق والمحترق وحيث يتعين عليه ، فلو استمر بطلت صلاته للنهي المفسد للعبادة ، وقد لا يجب بل يباح كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها ، وإحراز المال الذي لا يضر فوته ، وقد يستحب القطع لاستدراك الأذان والإقامة والجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة ، والائتمام بإمام الأصل أو غيره ، وقد يكره كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته مع احتمال التحريم » وتبعه عليه في فوائد الشرائع والمسالك وعن غيرها.

وتفصيل الحال في المسألة أنه لا يجوز قطع الصلاة الواجبة اختيارا بلا خلاف أجده كما اعترف به في المدارك وغيرها ، بل في مجمع البرهان « كأنه إجماعي » وفي كشف اللثام « الظاهر الاتفاق » وفي الرياض « لا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر » معربين عن دعوى الإجماع عليه كما صرح به جملة منهم في جملة من المنافيات المتقدمة كالشهيد في الذكرى في الكلام والحديث والقهقهة ، بل في المحكي عن شرح المفاتيح أنه من بديهيات الدين ، واستدل عليه غير واحد من الأصحاب بقوله تعالى (١) ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) وفيه كما في كشف اللثام أنه إنما ينهى عن إبطال جميع الأعمال ، قلت : بل سياقه يشهد بإرادة النهي عن الابطال بالارتداد ونحوه ، مع أنه بناء على إرادة ذلك يكون الخارج منه أضعاف الداخل ، واستدل عليه في الحدائق بنصوص التحريم والتحليل (٢) الظاهرة في حرمة سائر المنافيات عليه إلى حصول المحلل ، وهو التسليم ، وقد يناقش ـ بعد الأعضاء عما فيه من احتمال إرادة الافتتاح‌

__________________

(١) سورة محمد (ص) ـ الآية ٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم.

١٢٣

والاختتام ، أو إرادة ذلك من حيث الصحة وعدمها ، وحل الاجتزاء بها مع فعل شي‌ء من المنافيات وعدمها ، أو نحو ذلك ـ بأن حاصله حينئذ توقف الحل على فعل التسليم ، وهو لا ينافي جواز القطع اختيارا بأن يسلم مثلا فيفعل المنافي ، إذ وصف التحليلية للتسليم حاصل وإن جي‌ء به في الأثناء ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد التسليم في محله ، وثبوت التحليلية بالتسليم في الأثناء من دليل آخر فيكون محرما محللا ، وإلا فالمحلل الحلال التسليم في محله ، فتأمل.

واستدل في المحكي عن شرح المفاتيح بقوله (ع) (١) : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه » ‌وفيه أنه إنما يدل على عدم إطماع الشيطان في الطاعة والانقياد لإرادته من نقض الصلاة الذي لا يتفاوت فيه بين كونه محرما أو جائزا ، فإن مراده عدم إتمام المصلي ما اشتغل فيه من الصلاة ، وبخبري ابني أذينة (٢) ووهب (٣) الواردين في الرعاف ، وبخبر الثالول (٤) وموثق عمار (٥) الوارد في الحية ، وخبر عبد الرحمن بن الحجاج (٦) الوارد فيمن يصيبه الغمز في بطنه ، وبكل ما ورد من المنع من فعل المنافيات ، خصوصا مثل‌ قوله عليه‌السلام (٧) : « لا تقلب وجهك فتفسد صلاتك » ‌حيث علل به تحريم الالتفات ، وبمفهوم مرسل القطع (٨) الذي ستسمعه إن شاء الله ، وفيه أن الأمر بغسل الرعاف والبناء على صلاته إن كان متمكنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ـ ١١

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

١٢٤

من ذلك للإرشاد والتعليم ، إذ هو في مقام توهم انقطاع الصلاة بذلك ، وليس المراد منه الوجوب ، لحرمة القطع ، وكذلك‌ قوله عليه‌السلام في خبر الثالول : « إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله » ‌فإن النهي أيضا للإرشاد وبيان الانقطاع لو فعله ، بل جميع النواهي عن المنافيات كالكلام ونحوه لا يراد منها إلا بيان المانعية وبطلان الصلاة بها وحرمة الاجتزاء بالصلاة المشتملة على شي‌ء منها ، لا أن المراد منها حرمة القطع للفريضة ، واستوضح ذلك في سائر الأوامر والنواهي الواردة فيما علم جواز قطعه من الوضوء والغسل وغيرهما من العبادات والمعاملات ، ومنه يعلم الوجه في خبري عمار وعبد الرحمن بل وغيرهما الواردة في أمثال ذلك ، بل لعل خبر ابن الحجاج ظاهر في إرادة الرخصة في البقاء على الصلاة من الأمر فيه ، لتوهم الانقطاع بالمدافعة المزبورة ، فلاحظ وتأمل على أن‌ خبر الثالول قد اشتمل صدره على ما يشعر بجواز القطع ، قال فيه : « سألته عن الرجل يحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل ينزعه؟ قال : إن كان لا يدميه فلينزعه ، وإن كان يدميه فلينصرف ».

بل لا يخفى على من سبر النصوص إشعار جملة منها بذلك حتى النصوص (١) الدالة على القطع لتدارك الإقامة وغيرها من الأمور المندوبة ، فحينئذ لا دليل بتمسك بإطلاقه على حرمة قطع الصلاة حتى يحتاج كل صورة تخرج من ذلك إلى دليل خاص ، إذ العمدة الإجماع ، وما عساه يظهر من فحاوي كثير من النصوص المتفرقة في أبواب الصلاة كأخبار الصفق للحاجة (٢) وأخبار التيمم (٣) وأنه له إتمام الصلاة مع وجدان الماء في الأثناء أولا وغيرها ، بل لعله ضروري ، لكن لا إطلاق في شي‌ء من ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم.

١٢٥

والمعلوم منه الحرمة في الجملة ، فالمتجه حينئذ الاقتصار على المتيقن ، ضرورة اقتضاء الأصول جواز القطع ، وليس منه النافلة ولو بالعارض ، فتبقى على مقتضاه من الجواز ، كما عساه يشعر به كل من قيد الصلاة بالواجبة بالنسبة إلى حرمة القطع كالقواعد والذكرى وجامع المقاصد وعن الموجز والكفاية وغيرها ، بل قيل : إنه صرح جماعة كثيرون فيما إذا تذكر في أثناء الاحتياط أن صلاته تامة بالتخيير بين القطع والإتمام نافلة ، ولم يستبعده في الرياض ، قال : « لمفهوم بعض الصحاح المتقدمة وخصوص ما مر من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة مما يصلح لتقييد إطلاقات المنع » إلى آخره.

خلافا لإطلاق المتن وغيره ، بل لعله الأكثر كما اعترف به في الرياض ، ويمكن إرادة الفريضة منه وأنه المنساق هنا ، كما أنه يمكن دعوى انسياق اليومية فلا يحرم قطع غيرها حتى النافلة المنذورة مثلا ، وليس منه أيضا قطعا ما إذا خاف على نفسه أو نفس محترمة يجب عليه حفظها أو عرض أو مال أو غيرهما مما سمعته من أمثلة الأصحاب ، خصوصا بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسل حريز (١) : « إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية » ‌و‌خبر سماعة (٢) « سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعه يتخوف ضيعته أو هلاكه قال : يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة ، قلت : فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا فقال : لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز ويعود إلى صلاته » ‌و‌في الذكرى « أن السكوني روى عن علي عليه‌السلام قطعها لرد الصبي يحبو إلى النار والشاة تدخل البيت » ومراده الخبر (٣) « رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة تدخل البيت فتفسد الشي‌ء‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣

١٢٦

قال : فلينصرف وليحرز ما يتخوف منه ويبني على صلاته ما لم يتكلم » ‌وهو كما ترى ظاهر في غير ما نحن فيه.

بل ربما نوقش في الخبرين الأولين أيضا باحتمال إرادة القطع والبناء إذا لم يحصل مبطل ، لا الاستئناف بقرينة قوله عليه‌السلام في ذيل ثانيهما : « يعود » إلا أنها في غاية الضعف لا تستأهل دفعا سيما بعد ممارسة النصوص ومعرفة التعبير بالقطع الذي به سميت المنافيات قواطع ، بل لعل إطلاق الغلام والغريم في الأول يقضي بعدم الفرق بين ظن فواتهما بالإتمام وعدمه ، فيكفي الاحتمال ، وبين الضرر بذلك وعدمه ، كإطلاق الكيس والمتاع في الثاني ، بل لا يكاد ينكر ظهور السياق في عدم كون القطع من المحرمات التي يحتاج ارتكابها إلى عروض ما هو أرجح منه في نظر الشارع ، ولعله من هنا سمعت إطلاق العذر والضرورة الدينية والدنيوية ونحوهما ، بل ذكر جماعة الأمثلة التي يعلم عدم إرادة الاقتصار منه عليها ، بل قد سمعت ما ذكره في الذكرى من المال اليسير وإن ناقشه فيه وفي صورة إباحة القطع جماعة ، وهو ظاهر نسبته إلى القيل في المنظومة قائلين ( قائلا خ ل ) إنه لم يعلم جواز القطع لذلك ، وفيه ما عرفت ، ولا ينافيه الأمر في النصوص السابقة بعد معلومية إرادة الجواز بالمعنى الأعم منه ، ضرورة عدم وجوب حفظ المال اليسير الذي لا يضر بالحال أولا يبالي يفوته ، وليس هو من الإسراف قطعا ، بل قد يتردد في أصل وجوب حفظ المال وإن عظم ما لم يدخل تحت الإسراف والسفه والتبذير ونحوها ، فتأمل.

كما أنه اعترض في الحدائق ما فيها وفي غيرها أيضا من بطلان الصلاة مع وجوب القطع معللا له بالنهي المفسد للعبادة بأنه مبني على استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، والظاهر منه في غير موضع من كتابه المذكور عدم القول به ، وبالجملة فالحكم بالبطلان ضعيف ، بل غايته حصول الإثم ، وفيه أنه لعل البطلان هنا للأمر‌

١٢٧

بالقطع في مرسل حريز السابق الذي لا يجامعه الأمر بالإتمام ضرورة لا للنهي عن الضد ، فان فرض تلك المسألة الانتقال اليه من الأمر بالشي‌ء لا مع التصريح بالنهي مثلا عن الضد بالخصوص ، وليس هو مبنى المسألة قطعا ولذا تعدى الأصحاب فجوزوا قطعها لما لا يجب من حفظ المال وغيره.

ومن ذلك ينقدح البطلان في جميع موارد مسألة الضد أو أكثرها وإن لم نقل باقتضاء الأمر بالشي‌ء ، بل من حيث هذه الأدلة بخصوصها ، ضرورة كون المذكور فيها مثالا لما يشمل الواجب المضيق ، إذ هو من العذر قطعا ، فالشروع في الصلاة وتركه مناف لما دل على الأمر بقطعها للعذر الذي منه الواجب ، إذ متى أمر بقطعها لم يتصور صحة إتمامها فضلا عن الابتداء بها ، اللهم إلا أن يقال : إن الأمر بالقطع إنما وقع بالنسبة إلى بعض الأشياء ، فيبقى الباقي على قاعدة الضد ، وفيه أنك قد عرفت كون الواقع في النصوص على جهة المثال ، ويدفع بأنه مثال لكل ضرر على النفس والمال والغير مثلا ، لا أنه مثال لكل واجب ، أو يقال : إن الأمر بالقطع لا يفهم منه إلا التأكيد لأمر المقدمة الذي لا يقتضي الفساد على ما هو التحقيق في مسألة الضد وفيه أن الفهم العرفي خير حاكم بين الأوامر الصريحة والضمنية ، وكذا النواهي كما لا يخفى على من لا حظ ذلك بأدنى تأمل ، أو يقال : إن الأمر بالقطع في مرسل حريز في مقام توهم الحظر ، فلا يفهم منه إلا الإباحة ، والوجوب في بعض الأمثلة المذكورة فيه مبني على قاعدة الضد ، فيتوجه حينئذ الاعتراض على الشهيد ، بل قد يؤيد عدم كونه للوجوب معلومية عدم وجوب مطالبة الغريم وطلب الآبق ، فلا محيص عن إرادة غير الوجوب من الأمر ، وفيه أنه قد يمنع قاعدة الحظر في نحو المقام المعلوم وجوبه ، إذ بقاء الأمر على حقيقته خير من حمله على الإباحة واستفادة الوجوب من‌

١٢٨

خارج ، وأما اشتمال مرسل حريز على المطالبة والطلب فيمكن حملهما على الصورة الواجبة منهما ، كما إذا أضرا بالحال أو استلزاما الإسراف ، أو يقال : إنه لو أريد من الأمر بالقطع القدر المشترك إلا أنه أيضا هو ليس كالأمر المقدمي ، بل الظاهر منه البطلان ولو بعد دلالة القرينة من خارج ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، على أنه لو سلم عدم ذلك كله فلعل الشهيد بناه على خروج المضيقين عن مسألة الضد كما هو ظاهر كلامهم في تحرير محل النزاع فيها ، وقالوا في المضيقين : إن المختار مراعاة الترجيح ، فحينئذ يتعين الأمر بالراجح ويبقى المرجوح بلا أمر ، فلا يتصور له صحة أصلا ، نعم المختار عندنا مع عصيان المكلف في فعل الراجح واختيار المرجوح الصحة ، تحكيما لإطلاق الأوامر السابقة به التي لم يقيدها تقديم الراجح بل هو واجب آخر ، ولعل الشهيد لا يقول به ، فتأمل.

ثم إنه قال في الذكرى : وإذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم ، لعموم « وتحليلها التسليم » ولو ضاق الحال عنه سقط ، ولو لم يأت به وفعل منافيا آخر فالأقرب عدم الإثم ، لأن القطع سائغ ، والتسليم إنما يجب التحليل به في الصلاة التامة ، ومن الغريب أنه حكى عنه في الحدائق أول كلامه ثم قال : وظاهر ضعفه ، إذ المتبادر من الخبر إنما هو بالنسبة إلى الصلاة التامة ، وهو بعينه ما ذكره أخيرا في كلامه ، ومنه يعلم أن مراده الرجحان في الجملة ، لاحتمال شمول الخبر لذلك ، وهو لا ريب فيه ، وعليه نص المحقق الثاني في فوائده مغيرا للأجود بالأحسن ، والأمر سهل.

١٢٩

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين‌

الركن الثالث

من أركان الصلاة في بقية الصلوات ، وفيه فصول :

الفصل الأول

في صلاة ظهر يوم الجمعة الذي هو خيرة الله من الأيام (١) وسيدها ويوم المزيد (٢) ويوم الشاهد (٣) ولم تطلع الشمس على أفضل منه (٤) ولا أكثر معافى من النار (٥) تنزل فيه الرحمة ويغفر فيه للعباد (٦) وتضاعف فيه الحسنات ، ويمحى فيه السيئات ، وترفع فيه الدرجات ، ويستجاب فيه الدعوات ، وتكشف فيه الكربات ، ونقضي فيه الحوائج العظام ، لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ، ما دعا الله فيه أحد من الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله عز وجل أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النار ، ومن مات فيه أو في ليلته مات شهيدا وبعث آمنا (٧) بل يكتب لمن مات فيه عارفا بحق أهل البيت عليهم‌السلام براءة من النار وبراءة من العذاب ومن مات في ليلته أعتق من النار (٨) وهو اليوم الذي حملت فيه مريم ، وهبط فيه‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) و (٧) و (٨) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ـ ٤ ـ ١٠ ـ ٢ ـ ٦ ـ ١١ ـ ٤ ـ ٦

١٣٠

الروح الأمين (١) وليس للمسلمين عيد بعد يوم غدير خم أولى منه (٢) بل هو أعظم عند الله من يومي الفطر والأضحى ، وفيه خمس خصال : خلق الله فيه آدم ، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض ، وفيه توفي الله آدم ، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها أحد شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل محرما ، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا شجر إلا وهو يشفق من يوم الجمعة أن تقوم القيامة فيه (٣) عظمه الله تبارك وتعالى وعظمه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٩٦٢٢ (٤) وكلام الطير فيه إذا لقي بعضها بعضا سلام سلام يوم صالح (٥) وهو الذي جمع الله فيه الخلق لولاية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيه في الميثاق ، ولذا وغيره سماه الجمعة (٦) ولا تركد فيه الشمس كما تركد في غيره لعذاب أرواح المشركين ، فيرفع الله عنهم العذاب فيه لفضله (٧) وهو اليوم الأزهر وليلته الغراء ٩٦٣٠ (٨) بل هما أربع وعشرون ساعة لله عز وجل في كل ساعة منها ستمائة ألف عتيق من النار (٩) وفيه يخرج قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أن فيه تقوم القيامة (١٠) ويؤذن للحور العين فيشرفن على الدنيا فيقلن أين الذين يخطبوننا إلى ربنا (١١) وفيه تفتح أبواب السماء لصعود أعمال العباد ، وفيه تزخرف الجنان وتزين لمن أتاها (١٢) وإذا كان حيث يبعث الله العباد أتي بالأيام يعرفها الخلائق باسمها وحليتها يقدمها يوم الجمعة له نور ساطع بتبعه سائر الأيام كأنه عروس كريمة ذات دثار تهدي إلى ذي حلم ويسار ، ثم يكون شاهدا وحافظا لمن يسارع إلى الجمعة (١٣) وإذا كانت عشية الخميس وليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف الفضة لا يكتبون عشية‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) و (٧) و (٨) و (٩) و (١٠) الوسائل ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٥ ـ ١٨ ـ ٢٢ ـ ٥ ـ ٨ ـ ٧ ـ ٩ـ ١٣ ـ ١٧ ـ ١٨ ـ

(١١) الوسائل ـ ٤١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

(١٢) و (١٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٢

١٣١

الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وفيه ساعات يستجاب فيها الدعاء والمسألة ما لم يدعى بقطيعة ومعصية أو عقوق (٢) خصوصا الساعة التي تدلى فيها نصف عين الشمس للغروب التي‌ روت فاطمة عليها‌السلام عن أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها أنه سمعته يقول (٣) : « إن في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرا إلا أعطاه إياه ، قالت : فقلت : يا رسول الله أية ساعة هي؟ فقال : إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب ، فكانت فاطمة عليها‌السلام تقول لغلامها : اصعد على الظرب فإذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو » وفي ليلته ينادي الله من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه ، ألا عبد مؤمن يتوب إلى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه ، ألا عبد مؤمن قد فترت عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه ، ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه فأخلى سربه ، ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له وآخذ له بظلامته ، فما يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر (٤) وإلى سحرها أخر يعقوب الاستغفار لولده (٥) ولله فيها ملك من أول الليل إلى آخره ينادي يا طالب الخير أقبل ويا طالب الشر أقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر (٦) كما أن له ملكا آخر ينادي أيضا هل من تائب فيتاب عليه ، هل من مستغفر فيغفر له ، هل من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ـ ٥

(٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣ ـ ٥ ـ ١

١٣٢

سائل فيعطى سؤله ، اللهم أعط كل منفق خلفا ، وكل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر (١) إلى غير ذلك مما ورد في هذا اليوم وليلته في فضله وشرفه ، وما ورد (٢) في الصلاة فيهما ٩٦٦٧ والدعاء والمسألةو فعل الخير وتجنب الشر (٣) ومن فضل هذا اليوم أن أوجب الله فيه صلاة الجمعة.

ومن هنا وقع النظر في ماهية صلاة الجمعة ، ومن تجب عليه وآدابها ،الأول الجمعة ركعتان كالصبح فيما عدا القنوت ونحوه على ما ستعرف يسقط معهما الظهر بلا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، بل هو عندهم من الضروريات المستغنية بذلك عن ذكر ما يدل عليه من النصوص والإجماعات ويستحب فيهما الجهر إجماعا في القواعد والذكرى والبيان والمدارك والمحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام وجامع المقاصد والروضة في بحث الكسوف والغربة وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية والفوائد الملية والمفاتيح والحدائق ، فهو كالمتواتر ، بل في المعتبر لا يختلف فيه أهل العلم ، لكن ظني أن المراد منه مطلق الرجحان مقابل وجوب الإخفات في الظهر في غير يوم الجمعة ، لعدم التصريح بالندب قبل المصنف على وجه يكون به إجماعا ، نعم حكي عن مصباح الشيخ وإشارة السبق والسرائر والإصباح ، بل عن المنتهى أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة ، ولم أقف على قول للأصحاب في الوجوب وعدمه ، بل في كشف اللثام أكثر الأصحاب ذكروا الجهر فيها على وجه يحتمل الوجوب ، بل عن جمل العلم والعمل « على الامام أن يقرأ في الأولى الجمعة وفي الثانية المنافقين يجهر بهما » كما أنه ربما كان ذلك ظاهر الفقيه والمبسوط والنهاية وجامع الشرائع أيضا ، بل هو ظاهر‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦ ـ ٠ـ

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

١٣٣

أمر الصادق عليه‌السلام به في صحيح عمر بن يزيد (١) كقوله عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن العزرمي (٢) : « إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى وأجهر فيها » ‌بل لعله هو مقتضى التدبر في‌ صحيحي جميل وابن مسلم (٣) سألا أبا عبد الله عليه‌السلام « عن صلاة الجمعة في السفر فقال : تصنعون كما تصنعون في الظهر ، ولا يجهر الامام فيها بالقراءة ، إنما يجهر إذا كانت خطبة » ‌ضرورة أنه لا معنى لإرادة نفي الرجحان من النفي فيه ، لأن التحقيق ثبوته في ظهر يوم الجمعة كما بيناه في القراءة ، فليس إلا إرادة نفي الوجوب ، فيتعين إرادته في الجمعة ، اللهم إلا أن يقال : المراد نفي التأكد ، كما أن المراد من الأمر الأول رفع وجوب الإخفات ، لأنه في مقام توهم وجوبه لا وجوب الجهر ، خصوصا بعد الأصل وشهرة الندب بين المتأخرين شهرة عظيمة ، بل هي إجماع منهم ، مضافا إلى ما في المدارك من الاستدلال على رفع الوجوب بصحيح علي بن جعفر (٤) سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال : إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » ‌لكن فيه بعد إرادة معنى اللام من قوله : « عليه » أنه لا مصداق له حينئذ إلا الجمعة من اليومية المنساقة من لفظ الفرائض ، ومثل هذا التخصيص فيه ما فيه ، فتأمل جيدا ، والله أعلم. وكيف كان فـ تجب بزوال الشمس الذي هو أول الوقت نصا (٥) وإجماعا كما في كشف اللثام ، لكن اختلف في وقت الخطبة كما سيأتي ، فمن قدمها على‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤ـ ٥

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٨ و ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٣٤

الزوال أراد بهذا القول وقت الركعتين ، ومن أخرها كالمصنف أراد وقتها لكونها كجزء منها ، وعلى كل حال فلا تصح الركعتان قبل الزوال على المشهور شهرة عظيمة ، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه ، مضافا إلى ما سمعته من معقد إجماع كشف اللثام والمحكي من إجماع المنتهى وقت الجمعة زوال الشمس ، فضلا عن دعوى الإجماع مما عدا المرتضى على ذلك من غير واحد ، وإلى مستفيض النص (١) أو متواتره أن وقتها حين تزول ، بل قيل : إن الثابت من النص وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) والصحابة والتابعين فعلهما بعد الزوال ، فيقتصر عليه ، لعدم الدليل على شرعية غيره ، والإطلاق بعد معلومية تقييده لا يستند إليه في إثبات ذلك ، و‌خبر سلمة بن الأكوع (٣) قال : « كنا نصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان في‌ء » ‌غير ثابت من طرقنا ، بل الثابت من النصوص (٤) عندنا التي ستسمع بعضها خلافه ، وأما‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٥) : « لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة » ‌فقد يريد منه النافلة أو الزوال ولو بقرينة باقي النصوص ، فما في الخلاف في أصحابنا من قال : إنه يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة وهو اختيار المرتضى في غاية الضعف ، وإن حكى في كشف اللثام عن أبي علي بن الشيخ موافقته ، على أن في السرائر لم أجد للمرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه ، ولعله سمعه منه في الدرس وعرفه مشافهة.

وأما أنه يخرج وقتها إذا صار ظل كل شي‌ء مثله فهو خيرة الأكثر ، بل‌

__________________

(١) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٣) صحيح مسلم ج ٣ ص ٩ وفيه « سلمة بن الأكوع عن أبيه ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦.

١٣٥

حكى غير واحد عليه الشهرة ، بل في المعتبر أنه مذهب أكثر أهل العلم ، بل في المحكي عن المنتهى الإجماع عليه ، لكن لم أجد في النصوص ما هو صريح فيه ، بل ولا ظاهر يعتمد عليه كما اعترف به غير واحد ، نعم قيل : إنه يحتمله‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام فيما أرسله الصدوق عنه وأرسله الشيخ في المصباح عن حريز عن زرارة (١) عنه عليه‌السلام فقال : « أول وقت صلاة الجمعة ساعة تزول إلى أن تمضي ساعة ، فحافظ عليها فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يسأل الله عبد فيها خيرا إلا أعطاه » ‌وفيه أن الظاهر إرادة النجومية منها بشهادة ما دل من النصوص (٢) على أن الليل والنهار أربعة وعشرون ساعة ، وهي لا توافق ذلك ، بل لعلها كذلك لو أريد العرفية منها أيضا ، بل قد يشعر تعليل الأمر بالمحافظة بإرادة الندب ، وأولى منه الاستدلال بخبر إسماعيل بن عبد الخالق (٣) المروي عن المصباح ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الصلاة فجعل لكل صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر والحضر ، فإنه قال : وقتها إذا زالت الشمس ، وفيما سوى الجمعة لكل صلاة وقتان ، وقال : وإياك وأن تصلي قبل الزوال ، فو الله ما أبالي بعد العصر صليتها أو قبل الزوال » ‌إذا أريد من العصر أول وقته ، وهو المثل ، إلا أنه مع ذلك فيه ما فيه.

بل قد يناقش في الإجماع والنسبة إلى أكثر أهل العلم المزبورين بأنا لم نجد أحدا صرح به قبل المصنف عدا ما يحكى من عبارة المبسوط « إن بقي من وقت الظهر ما يأتي فيه بخطبتين خفيفتين وركعتين خفيفتين أتى بها وصحت الجمعة ، وإن بقي من الوقت ما لا يسع للخطبتين وركعتين فينبغي أن يصلي الظهر ، ولا تصح له الجمعة » بناء على‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٩ ـ ١٨

(٢) البحار ـ ج ١٤ ص ١٨٦ من طبعة الكمباني « باب الأيام والساعات والليل والنهار ».

١٣٦

أن المراد وقت الاختيار الذي هو المثل ، وإلا ففي المقنعة وعن جمل العلم والعمل « أن وقت صلاة الظهر في يوم الجمعة حين تزول الشمس ، ووقت صلاة العصر منه وقت الظهر في سائر الأيام » وقال في الأول : وذلك لما‌ جاء عن الصادقين عليهما‌السلام (١) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخطب أصحابه في الفي‌ء الأول ، فإذا زالت الشمس نزل جبرائيل عليه‌السلام فقال : يا محمد قد زالت الشمس فصل » ‌إلى آخره. وقال في الوسيلة : « يجب ثلاثة أشياء : صعود المنبر قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت ، وأن يخطب قبل الزوال ، ويصلي بعده ركعتين » وأراد ركعتي الفرض ونحوه عن فقه القرآن الراوندي ، وعن المهذب والإصباح « أن الإمام يأخذ بالخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت ، فإذا زالت صلى » وفي كشف اللثام « نص الحلبيان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان والخطبتين والركعتين » قلت : بل في الغنية الإجماع على ذلك ، بل لعل صاحب الفقيه عمله على ما سمعته مما أرسله ، كما أنه يمكن تنزيل ما عن الجعفي على ذلك أيضا وإن قال كما في الذكرى : وقتها ساعة من النهار ، لما‌ روى (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة » ولاجماع المسلمين على المبادرة بها كما تزول الشمس ، وهو دليل التضييق وروى زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام « ان صلاة الجمعة من الأمر المضيق ، إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام » ‌لكن قد يريد بالساعة مالا ينافي ما ذكروه : أي ساعة إيقاع الفعل بقرينة استدلاله بخبر زرارة ، أو يريدونهم بالتضييق المذكور مالا ينافي الساعة المزبورة ، وعلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ والمستدرك الباب ١٣ منها الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٩ـ ٣

١٣٧

كل حال فما في المعتبر ـ من أن ذلك لو صح لما جاز التأخير عن الزوال بالنفس الواحد وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخطب في الفي‌ء الأول فيقول جبرئيل : يا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل ، وهو دليل على تأخير الصلاة عن الزوال بقدر قول جبرائيل ونزوله ودعائه أمام الصلاة ، ولو كان مضيقا لما جاز ذلك ـ في غير محله قطعا لعدم إرادة المضايقة الحكمية في هذا التضييق.

وكيف كان فالإجماع المزبور بل الشهرة قبل المصنف غير محققة ، بل قيل : إن النصوص مضافا إلى ما سبق متظافرة أو متواترة بخلافه ، ففي‌ صحيح الفضيل وربعي (١) عن الباقر عليه‌السلام « أن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيقة ، فالصلاة مما وسع فيه ، تقدم مرة وتؤخر أخرى ، والجمعة مما ضيق فيها ، فان وقتها يوم الجمعة ساعة تزول الشمس ، ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها » ‌ومثله صحيح زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، و‌المرسل في الفقيه (٣) عنه عليه‌السلام « وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس ، ووقتها في السفر والحضر واحد ، وهو من المضيق ، وصلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيام » ‌وفي‌ خبر عبد الأعلى بن أعين (٤) عن الصادق عليه‌السلام « أن من الأشياء أشياء مضيقة ، ليس تجري إلا على وجه واحد ، منها وقت الجمعة ليس لوقتها إلا وقت واحد حين تزول الشمس » ‌و‌قال عليه‌السلام أيضا في صحيح ابن مسكان (٥) : « وقت صلاة الجمعة عند الزوال ووقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة ويستحب التكبير بها » ‌وقال عليه‌السلام أيضا في‌ صحيح الحلبي (٦) : « وقت الجمعة زوال الشمس ، ووقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة نحوا من وقت الظهر في‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥ ) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٣ ـ ١٢ ـ ٢١ ـ ٥ ـ ١١

١٣٨

غير يوم الجمعة » ‌و‌سأله عليه‌السلام ابن أبي عمير (١) « عن الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرائيل مضيقة إذا زالت الشمس فصلها ، قال : قلت : إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أما أنا فإذا زالت الشمس لم أبدأ بشي‌ء قبل المكتوبة » ‌و‌سأله عليه‌السلام محمد بن مسلم (٢) أيضا في المروي عن مصباح الشيخ « عن صلاة الجمعة فقال : وقتها إذا زالت الشمس ، فصل ركعتين قبل الفريضة ، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين قبل الفريضة ، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصليهما بعد الفريضة » ‌و‌سأله عليه‌السلام ابن أبي عمير (٣) أيضا ( عن الصلاة يوم الجمعة فقال : « نزل بها جبرائيل مضيقة ، إذا زالت الشمس فصلها ، قال : قلت : إذا زالت الشمس صليت الركعتين ثم صليتها فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أما أنا فإذا زالت لم أبدأ بشي‌ء قبل المكتوبة » ‌إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة جدا ، ولعله لذا قال في المنظومة :

ووقتها الزوال للمثل على

مشتهر فتوى عن النص خلا

ومقتضى النصوص ضيق الوقت

وأنه حزم كمثل البت

قلت : لا ريب في أنه أحوط في الفراغ من الشغل اليقيني ، لكن قد يناقش في بعض النصوص المزبورة باحتمال إرادة الظهر من الجمعة ، بل لعله الظاهر من بعضها بقرينة معلومية عدم صلاة الإمام ، بل والرواة غالبا للجمعة يومئذ ، ومساواة السفر للحضر في الوقت ، ومعلوم أنها ظهر في الأول ، واستفاضة النصوص في توقيت الظهر بذلك في يوم الجمعة ، قال إسماعيل بن عبد الخالق (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) و (٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٦ ـ ١٧ ـ ٧

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١٦ وذكر الخبر تكرار منه « قده » لأنه ذكره آنفا.

١٣٩

عن وقت الظهر فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا يوم الجمعة أو في السفر ، فان وقتها حين تزول الشمس » ‌وفي‌مضمر سماعة (١) « وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس » ‌وفي‌خبر عبد الرحمن بن عجلان (٢) عن الباقر عليه‌السلام « إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين ، فإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة » ‌و‌قال الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٣) : « إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة » ‌إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في إرادة بيان مغايرة وقت الفضل للظهر والعصر يوم الجمعة لوقتهما في غير ها باعتبار تقدم النوافل فيها على الزوال وتأخرها عنه في غيرها ولا ينافيه التضييق المحمول على بيان شدة التأكد ، ولو سلم بعد إرادته من الجمعة في بعضها أمكن حمله فيها على بيان الفضل كوقت العصر المذكور في كثير منها معها نحو ذكر الظهر في السفر ، بل يحتمل في جملة منها إرادة بيان ابتداء الوقت بالزوال ردا على المحكي من فعل أبي بكر لها قبله بل رووه (٤) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا ، فلا تعارض حينئذ إطلاق الأوامر ، واستصحاب بقاء الوقت ، وما دل (٥) على أن صلاة النهار أو صلاتي الظهر والعصر لا تفوت إلى مغيب الشمس.

ومن هنا كان المحكي عن ابن إدريس توقيت الجمعة بوقت الظهر فضلا وإجزاء واختاره الشهيد في الدروس والبيان ناسبا له في الثاني إلى ظاهر الأدلة ، بل هو ظاهر الروضة حيث نسبه إلى ظاهر النصوص ونفى الشاهد على المثل ، بل عن جامع الشرائع « أنه يستحب تقصيرا لخطبتين خوفا من فوات وقت الفضل » بل عن المسالك أنه‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٨ ـ ١٠ ـ ١٥

(٤) صحيح مسلم ج ٣ ص ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ و ٥ من كتاب الصلاة.

١٤٠