جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الوظيفة والشرعية ، ضرورة كونه حينئذ تشريعا محرما ، وأن مراد من نفاها إذا فعله بقصد الذكر والتنبيه والدعاء إلى الصلاة ، وقد يناقش فيه بأنه لا وجه للكراهة حينئذ ، وأنه من الممكن دعوى الحرمة هنا وإن لم يكن بقصد الوظيفة ، لأنها صورة البدعة ، فلا يبعد تحريمها لذلك ، ولعل هذا هو المراد من النص والفتوى لا التشريع الذي لا يخص الأذان فضلا عن الثالث منه ، وقد تقدم نظائر للمسألة ويأتي.

والمراد بكونه ثالثا بالنسبة للأذان والإقامة لها ، وإطلاق الأذان على الإقامة معروف ، أو يراد به بالنسبة إلى أذان الصبح في يوم الجمعة أي الأذان الثالث فيه بدعة بل المشروع أذان للصبح وأذان لها خاصة ، فإذا جي‌ء بثالث لها كان بدعة ، وعلى كل حال فالمراد به التعريض بما في أيدي القوم ، وأما تسميته ثانيا في جملة من العبارات فعن السرائر والمهذب البارع والمقتصر والتنقيح وظاهر المختلف باعتبار أنه يفعل بعد نزول الامام عن المنبر ، قال في الأول : « ثم ينزل الامام عن المنبر بعد فراغه من إكمال الخطبتين ويبتدئ المؤذن الذي بين يديه بالإقامة ، وينادي باقي المؤذنين والمكبرين الصلاة الصلاة ، ولا يجوز الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان الأول ، الذي عند الزوال ، فهذا هو الأذان المنهي عنه ، ويسميه بعض أصحابنا الأذان الثالث ، وسماه ثالثا لانضمام الإقامة إليهما ، فكأنها أذان آخر » واستغربه في البيان وبعض من تأخر عنه ، فقال : اختلفوا في وقت الأذان فالمشهور أنه حال جلوس الامام على المنبر ، وقال أبو الصلاح : قبل الصعود ، وكلاهما مرويان ، فلو جمع بينهما أمكن نسبة البدعة إلى الثاني زمانا وإلى غير الشرعي فينزل على القولين ، قال : وزعم ابن إدريس أن المنهي عنه هو الأذان بعد نزول الخطيب مضافا إلى الإقامة ، وهو غريب ، قال : وليقم المؤذن الذي بين يدي الامام ، وباقي المؤذنين ينادون الصلاة ، وهو أغرب ، وفي الذكرى ينبغي أن يكون أذان المؤذن بعد صعود الامام على المنبر والامام جالس ، لقول الباقر‌

٣٠١

عليه‌السلام فيما رواه عبد الله بن ميمون (١) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون » ‌وبه أفتى ابن الجنيد وابن أبي عقيل والأكثر ، وقال أبو الصلاح : إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان ، وإذا فرغوا منه صعد المنبر فخطب ، ورواه‌ محمد بن مسلم (٢) قال : « سألته عن الجمعة فقال : أذان وإقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد على المنبر » ‌ويتفرع على الخلاف أن الأذان الثاني الموصوف بالبدعة أو الكراهة ما هو ، وابن إدريس يقول : الأذان المنهي عنه هو الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان عند الزوال ، وفي كشف اللثام يعني أن الأذان المشروع للجمعة إما قبل صعود الامام المنبر أو بعده عند جلوسه عليه ، فالجمع بينهما بدعة أو مكروه ، وعلى الأول فالبدعة أو المكروه الثاني ، وعلى الثاني الأول ويسمى ثانيا لحدوثه بعد الثاني.

قلت : لا ريب أن التوقيت المزبور للأذان بما سمعت إنما هو مستحب في مستحب ، ومقتضى الجمع بين الخبرين حصول الوظيفة بكل من الحالين وإن كان قد يرجح ما رواه عبد الله بن ميمون بقرب اتصاله بالصلاة ، وبأنه المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا ، بخلاف قول أبي الصلاح ، وإن قيل إنه ظاهر الغنية ، بل ظاهرها الإجماع عليه ، وعلى كل حال فلو حصل في غيرهما كان مشروعا أيضا وإن كان هو خلاف الأفضل ، وحينئذ فدعوى أن المراد بالثاني باعتبار الأحداث وإلا فهو ما لم يكن بين يدي الخطيب سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان واضحة الضعف ، لما عرفت من أن كيفية الأذان الواقع في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير شرط في شرعيته قطعا ، بل إجماعا حكاه ثاني المحققين ، قال : « إذ لو وقع بعد صعود الخطيب أو لم يصعد منبرا بل خطب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

٣٠٢

على الأرض لم يخرج بذلك عن الشرعية ، فإذا فعل ثانيا كان هو المحدث » وقال أيضا : « ويعرف أنه المحدث من ظاهر الحال ، وانضمام القرائن المستفادة من تتالي الأعصار التي شهدت بأن هذا هو المحدث في زمن عثمان أو معاوية حتى أنه لو حاول أحد تركه قابلوه بالإنكار والمنع ، والاعتبار بتخصيص يوم الجمعة بأذان آخر من دون سائر الأيام على تطاول المدة من الأمور الدالة على ذلك ، وما هذا شأنه لا يكون إلا بدعة ».

قلت : قد يقال : إنه مع قصد البدعي يتعين بقصده سواء كان أولا أو ثانيا ، ومع عدم العلم بقصده قيل يمكن اختصاصه بالثاني ، لأصالة الصحة في فعل المسلم معها أمكن فيكون محكوما بصحته ، ويتوجه التحريم إلى الثاني ، وفيه أنه جار في كل منهما ، والسبق لا يشخص ، أما مع عدم القصد في الواقع فقد يقال باختصاص الثاني بالبدعية خصوصا إذا صادف الأول التوظيف الشرعي ، ويمكن عدم سلامة كل من أذانيه إذا كان قصده من أول الأمر التثنية وأنه جاء بالأول بعنوان الجزء أو كالجزء ، وقد يظهر من المنتهى تشخص البدعي بمخالفته للموظف وإن كان أولا قال فيما حكي عنه : « لا نعرف خلافا بين أهل العلم في مشروعية الأذان عقيب صعود الامام المنبر ولو سئل عن المحدث لقالوا : إنه الأول ، والثاني هو الذي فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يكن الوقت والمكان شرطا إلا أنه بذلك علما لما فعله وممتازا عن غيره ، ولو تغير المكان لقيل بتغير ذلك أيضا » ومما ذكرنا يعرف ما فيه ، بل قد يمنع اعتبار هذه النسبة العرفية المبنية على الظاهر ، وفي الخلاف « لا بأس أن يؤذن اثنان واحد بعد الآخر ، وإن أتيا بذلك موضعا واحدا كان أفضل ، ولا ينبغي أن يزاد على ذلك ، وقال الشافعي : المستحب أن يؤذن واحد بعد واحد ، ويجوز أن يكونوا أكثر من اثنين ، فان كرر وخيف فوات أول الوقت قطع الامام بينهم الأذان وصلى ، دليلنا إجماع الفرقة على ما رووه أن الأذان الثالث بدعة » فدل ذلك على جواز الاثنين والمنع عما زاد على ذلك ، وهو صريح في‌

٣٠٣

مغايرة الثاني للثالث ، فيكون مخالفا لظاهر إجماع الفرقة كما أومأ إليه في المنظومة :

ولا أذان ثالثا في الجمعة

فإنه نصا وفتوى بدعة

وقد يسمى بالأذان الثاني

واختلفوا فيه على معاني

ضرورة ظهوره في أن ذلك خلاف في التسمية ، وقد سمعت ما في السرائر ، وقال في المعتبر : « الأذان الثاني بدعة ، وبعض أصحابنا يسميه الثالث ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرع للصلاة أذانا وإقامة ، فالزيادة ثالث ، وسميناه ثانيا لأنه يقع عقيب الأذان الأول ، وما بعده يكون إقامة. والتفاوت لفظي » إلى غير ذلك ، وقد تقدم تمام الكلام في ذلك وفي مشروعية الأذان للعصر ، واحتمال كونه المراد من الخبر في مباحث الأذان ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

المسألة الثامنة يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المحكي عن جامع المقاصد ، بل هو معقد إجماع التذكرة والغرية والمفاتيح ومصابيح الظلام على ما حكي عن بعضها ، واليه يرجع ما عبر به جماعة من الحرمة وقت النداء ، بل هو معقد ما يحكى من إجماع غاية المرام والجواهر ، بل لعل مراد الجميع الحرمة بعد الشروع فيه كما صرح به في الشافعية ناسبا له إلى الأصحاب ، بل لعله المراد من معقد إجماع الخلاف على تحريمه بعده حين يقعد الامام على المنبر ، والمنتهى « أنه مذهب علماء الأمصار » والتذكرة « لا خلاف فيه بين العلماء » إلا أن الظاهر إرادة الأذان من ذلك بعد الزوال وإن جوزنا الخطبة قبل الزوال ، ضرورة أنه لا تلازم بين الجوازين نعم لو قلنا به حرم أيضا ، قال في التذكرة : « لو جوزنا الخطبة قبل الزوال كما ذهب اليه بعض أصحابنا لم نسوغ الأذان قبله مع احتماله ، ومتى يحرم البيع حينئذ إن قلنا بتقديم الأذان حرم البيع معه ، لأن المقتضي وهو سماع الذكر موجود ، وإلا فإشكال ينشأ من‌

٣٠٤

تعليق التحريم بالنداء ومن حصول الغاية » قلت : لعل الأقوى الثاني بناء على إرادة الخطبتين من الذكر ، كما أنه قد يقوى عدم توقف التحريم على فعل الأذان ، بل المراد ترتب التحريم على الزوال كما عن الإرشاد والموجز والميسية والروض والمسالك ومجمع البرهان ، لأنه السبب الموجب للصلاة ، والنداء إعلام بدخول الوقت ، فالعبرة به ، فلو تأخر الأذان عن أول الوقت لم يؤثر في التحريم السابق ، لوجود العلة ووجوب السعي المترتب على دخول الوقت وإن كان في الآية مترتبا على الأذان ، إذ لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب السعي ، فإن المندوب لا يكون شرطا للواجب ، ويمكن تنزيل الشهرة والإجماعات على ذلك ، لكن إذا كانت الصلاة حين الزوال فيراد حينئذ حرمة المفوت من البيع للسعي سواء حصل النداء أو لا ، والتعليق عليه في الآية جار مجرى الغالب باعتبار احتياجه للمساومة ونحوها مما يقتضي عدم السعي ، فالمراد حينئذ عدم التشاغل بالتكسب والاعراض عن السعي كما يومي اليه قوله تعالى (١) ( ذلِكُمْ خَيْرٌ ) والآية الثانية (٢) فلا يحرم حينئذ من البيع ما لم يكن مفوتا وإن كان بعد الزوال. ولعل مراد من علقه عليه ذلك ، إذ بدونه لا أعرف قائلا به من أصحابنا ، وإنما حكي عن أحمد ومالك ، فما في جامع المقاصد تبعا للتذكرة ومحتمل النهاية وظاهر المعتبر ـ من التحريم تعبدا بالأذان وإن لم يكن مفوتا ، بل هو مقتضى إطلاق باقي الفتاوى ومعاقد الإجماعات ، بل ربما كان كصريح بعضها ـ لا يخلو من نظر ، إذ لا مستند له إلا إطلاق الآية ومعقد الإجماع المنساق إلى ذلك بالتبادر ، فيكون الحاصل حينئذ بناء على ذلك أنه لا فرق بين البيع وغيره مما ينافي السعي يحرم حيث يكون مفوتا ولو قبل الزوال كما إذا كان بعيدا عن الجمعة ، ويجوز إذا لم يكن كذلك من غير فرق بين وقوع الأذان وعدمه ، فما صرح به جماعة بل قيل إنه المشهور بل عن المنتهى‌

__________________

(١) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٢) سورة الجمعة ـ الآية ١٠.

٣٠٥

وظاهر التذكرة الإجماع من عدم الحرمة قبل النداء بعد الزوال ضعيف إن لم ينزل على ما إذا لم يكن مفوتا ، كما يومي اليه تعليل من ذكر كراهته منهم التي نسبها في المحكي عن المنتهى إلى أكثر أهل العلم ، وفي التذكرة عندنا من أنه مناف للتشاغل عن التأهب للجمعة ، وأن وقت الصلاة الزوال ، والخطبة الفي‌ء الأول ، فإذا زالت نزل وصلى ، فإذا أخر فقد ترك الأفضل ، ونحو ذلك ، كما أنه ينزل ما ظاهره تعبدية التحريم وإن لم يكن مفوتا على المفوت بقرينة كلامهم في وجه إلحاق غير البيع به ، وكلامهم في وجوب السعي وحرمة السفر ونحو ذلك ، بل قد يوهن إجماع الفاضل أنه ذكر التحريم في المحكي عن النهاية احتمالا ، فقال : « لو لم يمنع البيع من سماع الخطبة ولا من التشاغل بالجمعة أو منع ولم نوجب السماع ولا حرمنا الكلام احتمل التحريم للعموم » وبالجملة فالمدار على ما ذكرناه ، فإن أمكن تنزيل الكلام عليه فمرحبا بالوفاق ، وإلا كان محلا للنظر ، لعدم دليل صالح عليه كما هو واضح.

ومنه ينقدح أنه إن باع أثم وكان البيع صحيحا على الأظهر الأشهر ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن إرشاد الجعفرية أن النهي عن أمر خارج ، وهو ترك السعي ، فلا مانع من الصحة حينئذ إجماعا ، بل لا خلاف فيه أجده إلا ما يحكى عن الكاتب والشيخ ، قيل وتبعهما المقدس الأردبيلي والأستاذ الأكبر ، وفي كشف الرموز « أنه حسن إن قلنا إن النهي يدل على الفساد في المعاملات » قلت : قد ذكرنا في الأصول أن التحقيق عدم اقتضائه الفساد عقلا كالعبادة ، بل ولا عرفا إلا إذا كان متعلقا بنفس المعاملة أو أحد أركانها أو وصفها اللازم ، أما مثل المقام الذي لا ريب بناء على ما ذكرنا في كون النهي عنه من جهة كونه مفوتا للواجب ومضادا له ومثله لا يفهم منه الفساد عرفا قطعا فلا ، فما أطنبوا فيه في المقام ـ من اقتضاء النهي الفساد ولو بعدم‌

٣٠٦

اندراج المنهي عنه في دليل الصحة المنحصر في آية ( أَحَلَّ ) (١) ونحوه ـ في غير محله كما لا يخفى على من كان على بصيرة في المسألة.

ومما ذكرنا يعلم أنه لا فرق بين البيع وغيره من العقود وسائر المنافيات ، بل لو لم يكن المدار على التنافي أمكن فهم المثالية من البيع لغيره من عقود المعاوضات والقطع بعدم الخصوصية كما اختاره جماعة وإن كان لا يخلو من نوع إشكال ، اللهم إلا أن يدعى إرادة مطلق النقل من لفظ البيع لا خصوص عقده ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه ، والانصاف أن دعوى القطع بإلغاء الخصوصية ممكنة سواء قلنا بالتعبدية أو بالمنع من حيث المنافاة.

ولو كان المتعاقدان ممن لا يجب عليه السعي جاز إجماعا بقسميه على وفق ما تقتضيه القواعد ، نعم لو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي والآخر يجب عليه كان البيع سائغا بالنظر اليه وحراما بالنظر إلى الآخر بلا إشكال في الأخير واحتمال عدم حرمته باعتبار أن التحقيق عدم صدق البيع على الإيجاب أو القبول كما ترى أما الأول فقد اختاره في المحكي عن الخلاف والمبسوط والمعتبر والتحرير للأصل ، وحرمة أو مال إليه أكثر المتأخرين معللين له بالإعادة على الإثم ، وأطال الأردبيلي في المناقشة باندراج مثل الفرض تحت الإعانة ، ولعله الأقوى ، اللهم إلا أن يفرض كون قصده ذلك ، وحينئذ فالمحرم هو ، لا نفس الإيجاب أو القبول ، وفي كشف اللثام قد لا تكون حرمة ولا كراهية بأن لا تكون الجمعة على الطرف المتأخر بناء على أن الإتيان بلفظ الإيجاب مثلا حرام وإن لم يتم العقد ، وهو جيد ، والله أعلم.

المسألة التاسعة التي أشبعنا الكلام فيها ، وهي إذا لم يكن الامام موجودا ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع والخطبتان قيل يجوز أو يستحب أن يصلي‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٢٧٦.

٣٠٧

جمعة ، وقيل لا يجوز ، وقد قلنا إن الأول أظهر ومن ذلك زمن الغيبة ، بل ظاهر جملة من العبارات فرض المسألة فيه ، وإن كان قد يقال إنه لا فرق بينه وبين زمن الحضور الذي يفرض فيه حصول الفرض من غير فرق بين زمن السلطنة وغيره كما أومأنا إلى ذلك سابقا ، نعم بقي الكلام في فرض المتحير الذي استفرغ وسعه فلم يظهر من الأدلة ما يصح العمل به ، وتفصيل البحث فيه أنه إما أن يكون تردده في الوجوب العيني والحرمة لا غير بمعنى أنه قاطع بانتفاء ما سواهما ، والتحقيق فيه الجمع بين الجمعة والظهر ، للعلم بأنه مشغول بأحدهما ، فيتوقف يقين البراءة على ذلك ، والمعارضة بتوقف يقين ترك الحرام على تركهما يدفعها أن الحرمة المدعاة إنما هي تشريعية لا ذاتية ، وهي منتفية مع الفعل احتياطا ، نعم لو كانت ذاتية أمكن حينئذ التعارض المزبور ، واحتج إلى الترجيح بين مراعاة الواجب والمحرم كما هو محرر في محله ، ولو أن الحرمة التشريعية تعارض الواجب الأصلي تعذر الاحتياط في العبادة إذا دار أمرها بين الوجوب وعدمه وهو معلوم الفساد نصا وفتوى وعقلا ، كما أن دعوى ذاتية الحرمة هنا كذلك ، ضرورة كونها ناشئة من احتمال عدم الأمر بها.

وأوضح من ذلك فسادا دعوى تعين الظهر في الفرض ، للاكتفاء في ثبوته بعدم ثبوت وجوب الجمعة ، فهو في الحقيقة الأصل حتى يثبت وجوب الجمعة ، ولذا وقع البحث في وجوبها لا وجوبه ، إذ ليس في الأدلة ما يقتضيها ، والبحث المزبور فيها خاصة لاستلزامه البحث فيه ، فاستغنوا به عنه ، وكون الواجب بالأصل الظهر ثم طرأ وجوب الجمعة لو سلم لا يجدي بعد أن تحقق الوجوب على الحاضرين المشاركين في التكليف.

ويقرب من ذلك فسادا دعوى سقوط الفرضين في الفرض ، لاستحالة التكليف بالمبهم ، ولاستفاضة النصوص في عدم وجوب غير المعلوم ، إذ هو كأنه مخالف للضرورة والمسلم استحالة التكليف بالمبهم من حيث إبهامه ، أو المعين بعينه مع إبهامه من أحد‌

٣٠٨

الفردين لا في مثل الفرض ، خصوصا مع كون الإبهام عارضيا ناشئا من العوارض ، فالأصل وإطلاق أدلة الوجوب كاف في ثبوته في هذا الحال ، وفي كونه تبليغا يصح معه التكليف ، كما يكشف ذلك عدم تقبيح العقل فرض وقوعه من الشارع مع المصلحة الداعية إلى عدم بيان الخصوصية للمكلف.

ولا يذهب عليك أن المقام ليس مما دار بين الوجوب وعدمه كي يتمسك فيه بأصل البراءة وإن كان هو كذلك بالنسبة إلى كل من الفردين ، بل هو من الشبهة المحصورة التي لا يشملها أدلة أصل البراءة كما حرر في محله ، ولا ينافي ذلك معلومية تعين الظهر عليه لو أخر حتى فات وقت الجمعة ، إذ أقصاه دوران الأمر بين فردين أحدهما مضيق والآخر موسع ، فلا يقين بالبراءة إلا بفعل المضيق في وقته والموسع على توسعته فلو أخر حتى فات وقت الجمعة وتعين عليه الظهر لم يحصل له اليقين بالبراءة من الشغل الحاصل بأول الزوال وإن كان يبرأ من الشغل بعد فوات وقت الجمعة بفعل الظهر.

وإن كان تردده بين الوجوب التخييري والحرمة قاطعا بنفي غيرهما فلا ريب في أن الأحوط له الترك ، لأنه طريق السلامة في الفرض ، بل لا يجوز له الاقتصار على الجمعة قطعا ، لعدم تيقن الفراغ بفعلها في الفرض ، بل قد يشكل أصل جواز الجمع بينها وبين الظهر بعدم ما يقتضي رفع حرمة التشريع التي يكفي فيها عدم ثبوت المقتضي حتى الاحتياط ، فإنه بالترك كما عرفت لا بالفعل ، ففعلها حينئذ لا يمكن أن يكون له وجه تقرب ينوى ، واحتمال الأمر بها تخييرا غير كاف كما هو واضح.

وإن كان تردده بين العيني والتخييري على الوجه السابق فلا إشكال في أن الاحتياط بفعلها ، لأن به يقين البراءة في الفرض ، بل لا يجوز له الاقتصار على الظهر لعدم حصول يقين البراءة به ، بل قد يشكل جواز فعل الظهر بما سمعته في سابقه. وإن كان تردده بين العيني والتخييري والحرمة فالظاهر أنه كالأول يجب فيه‌

٣٠٩

الجمع بينهما لنحو ما عرفته سابقا ، وهذا هو الذي صنف فيه الفاضل « ملا رفيعا » رسالة حاصلها وجوب الجمع المزبور للمقدمة المذكورة ، وقد كتب بعض فضلاء عصره رسالة في رده ، وقد أطال فيها إلا أنه ما أجاد ، وحاصلها منع التكليف هنا بمعين يجب فعل الفرضين مقدمة له ، وأنه ليس كناسي خصوص الفائتة باعتبار أن الإبهام فيه عارضي من قبل المكلف بخلاف الأول ، فإن الإبهام فيه من الشارع حينئذ ، ومثله غير جائز عقلا ونقلا ، وخصوص الصلاة إلى أربع جهات للدليل ، فالمتجه حينئذ سقوطهما معا إلا أن يثبت أصالة الظهر ، أو أنها هي الواجبة ما لم يثبت الجمعة ، فيتعين فعل الظهر ، ولا يجوز فعل الجمعة فضلا عن الوجوب ، لعدم ثبوت مقتضي جوازها ، ومعلوم أن العبادة يحرم فعلها إذا كانت كذلك ، وقد أكثر فيها من الكلام بما لا يرجع إلى محصل غير ذلك ، وهو كما ترى كلام خال عن التحصيل ناش من عدم الفرق بين الحرمة التشريعية والذاتية ، ومن عدم فهم المراد من أدلة أصل البراءة ، وأنه لا يشمل الشبهة المحصورة ، وأن هذا الإبهام ليس من الشارع أولا ، وغير قادح ثانيا كما أومأنا اليه سابقا ، ومن غريب ما وقع فيها ما ذكره في آخرها فقال : « خاتمة يلزم على ما يراه من وجوب الجمع أن يجوز لهذا الفقيه أن يصلي الجمعة بالناس ثم يصلي بهم الظهر جماعة على أعين الناس ، وهذا غريب لم يره عين ولم تسمعه أذن إلى الآن ، وسيؤول الأمر إلى ذلك على ما أرى من حالهم ، فتصير الخمس الضرورية يوم الجمعة ستا مؤداة بالجماعة ، بل هكذا يتطرق التغيير إلى الأديان على مرور الأزمان ، والعياذ بالله وهو المستعان » وهو كما ترى لا ينبغي صدوره من متعلم فضلا عن عالم ، وقد حكيناه لتقيس باقي كلامه في رسالته عليه ، بل الأقوى أن للمتحير الصلاة جماعة مع من يرى حرمتها ، واختلاف وجهي الوجوب بالاحتياط وغيره غير مانع من الائتمام كما هو محرر في محله.

وإن كان تردده لعدم استفراغ الوسع فان قلنا إن مثله تكليفه الاحتياط اتجه حينئذ‌

٣١٠

وجوب ما عرفت عليه على التفصيل المتقدم ، وإن قلنا إن تكليف مثله الرجوع إلى غيره كان من المقلدين حينئذ ، ولعل التفصيل بين تارك الاستفراغ للتقصير وبينه لمانع شرعي فيحتاط الأول ويرجع إلى غيره الثاني لا يخلو من وجه ، ولتحرير المسألة محل آخر ، إذ هي لا تخص المقام ، والمجتهد اجتهادا فاسدا للتقصير في النظر وغيره كغير المجتهد ، ولعل منه من ذهب إلى وجوبها عينا في زمن الغيبة ، فلا يجزيه صلاتها عن الظهر ، ومن أداه اجتهاده إلى التحريم لا يشرع له الاحتياط بالجمع ، مع احتماله لكون الحرمة تشريعية ترتفع بالفعل بعنوان الاحتياط وإن كان مستحبا ، نعم لا يجوز للمجتهد العمل على خلاف مقتضى ظنه في نحو الفرض لو كانت الحرمة المظنونة ذاتية ، كما أنه لا يجوز لمن كان رأيه الحرمة من المجتهدين الفعل بعنوان الاحتياط ، ضرورة أن الواجب عليه العمل برأيه ، فمع فرض كونه الحرمة لا سبيل له إلى امتثال أوامر الاحتياط ، فلا يسعه الجمع بينهما ، إذ الاحتياط المندوب للمجتهد إنما هو إذا لم يكن منافيا ، كما إذا كان رأيه الوجوب التخييري قاطعا بعدم العينية أو الحرمة فإن له الاحتياط بالترك مثلا تخلصا من احتمال الحرمة ، أو بالفعل تخلصا من الوجوب العيني ، ومع احتمالهما مع ذلك ينبغي ترجيح أحد طريقي الاحتياط بما يصلح مرجحا له ، لا يقال : من كان رأيه عدم وجوب السورة في الصلاة مثلا يصح له الاحتياط بالفعل ، مع أن مرجع ظنية عدم الوجوب إلى الحرمة التشريعية لو فعل أيضا فالمقام مثله ، إذ أقصى ظنية الحرمة عدم ثبوت المشروعية ، فيصح له الفعل بعنوان الاحتياط الذي لا يعارض التشريع ، لأنا نقول : يمكن الفرق بين المقامين بأن ما نحن فيه من العبادات المستقلة التي لا يجوز فعلها بمجرد احتمال المشروعية إذا كان المجتهد ظانا خلافها ، وهو مأمور بالعمل بظنه بخلاف نحو السورة التي من المعلوم عدم البأس في قراءتها بأثناء الصلاة وإن لم تكن واجبة فيها ، فمن ظن عدم توقف الصحة عليها مثلا لا يمتنع فعلها احتياطا لاحتمال الجزئية ، ضرورة دوران الأمر‌

٣١١

بين توقف الصحة عليها وبين جوازها وإن لم تكن الصحة موقوفة عليها ، فلا ريب أن الاحتياط بالفعل متجه ، بخلاف أصل العبادة التي فرضنا الظن بحرمتها ، ومع ذلك يمتنع نية التقرب بالفعل كما هو واضح بأدنى تأمل ، ولا أظنك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا تحتاج بعد إلى كلام آخر ، ولا إلى ما أطنب به الأستاذ الأكبر باستقصاء الأصناف ، وأنهم أربعة عشر صنفا أو أزيد باعتبار التقصير في الاجتهاد وعدمه ونحو ذلك ، وأن منهم من يجب عليه الجمع بين الفرضين بخلاف الآخر فلاحظ وتأمل ، والله هو العالم بحقيقة الحال.

المسألة العاشرة إذا لم يتمكن المأموم من السجود بتمامه مع الإمام في الأولى التي أدرك ركوعها معه انتظر ولم يسجد على الظهر كما عن قوم من العامة فإن أمكنه السجود بعد قيام الامام وإلحاق به قبل الركوع فعل وصح جمعته بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل عن كشف اللثام دعوى الاتفاق عليه ، ولا يقدح ذلك في صلاته للحاجة والضرورة مع أن مثله وقع في صلاة عسفان حيث سجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبقي صف لم يسجد والسبب في الجميع الحاجة ، فلا بأس عليه حينئذ في فوات المتابعة للعذر الذي هو كالنسيان أو أعظم منه وإلا يمكنه ذلك حتى سجد الإمام للثانية اقتصر على متابعته في السجدتين من دون ركوع إجماعا كما عن نهاية الأحكام ، فلو تابعه بالركوع بطلت صلاته للزيادة ، خلافا لمالك والشافعي وعلى كل حال فمقتضاه أنه ليس له السجود قبله ، لكن في المحكي عن النهاية أيضا هل يجوز له أن يسجد قبل سجود الإمام؟ إشكال أقربه المنع ، قال : لأنه إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فأشبه المسبوق أي في عدم جواز سبق إمامه في سجوده مثلا وإن كان هو لأولى المأموم وثانية الامام ، ووجه غير الأقرب في الفرض أن السجود من المأموم إنما‌

٣١٢

هو للأولى ، فلا تجب عليه المتابعة في سجود الإمام للثانية ، وعلى هذا يكون مراده بمعقد الإجماع المزبور على المتابعة عدم الركوع معه ، فلا ينافيه حينئذ الإشكال المزبور ، وقد يحتمل إرادة النهاية الإشكال في جواز سبق المأموم الإمام في سجود الأولى إذا علم المزاحمة وعدم التمكن من السجود معه ، لكنه كما ترى.

وكيف كان يسجد معه السجدتين وينوي بهما للأولى ثم يأتي بركعة ثانية لنفسه وصحت جمعته عندنا بلا خلاف فيه بيننا ، بل في الذكرى والمحكي عن المنتهى والمعتبر والتنقيح الإجماع عليه فان نوى بهما الثانية قيل والقائل الشيخ في النهاية والقاضي في المهذب على ما حكي عنهما والمصنف في باقي كتبه على ما حكي عن بعضها والفاضل في القواعد وغيرهم : تبطل الصلاة لأنه إن اكتفى بهما للأولى وأتى بالركعة الثانية تامة خالف نيته ، وإنما الأعمال بالنيات ، وإن ألغاهما وأتى بسجدتين غيرهما للأولى وأتى بركعة أخرى تامة زاد في الصلاة ركنا ، وإن اكتفى بهما ولم يأت بعدهما إلا بالتشهد والتسليم نقص من الركعة الأولى السجدتين ومن الثانية ما قبلهما وقيل والقائل المرتضى في المصباح والشيخ في المبسوط والخلاف ويحيى بن سعيد في الجامع وغيرهم على ما حكي عنهم : لا تبطل بل يحذفهما ويسجد للأولى ويتم الثانية بل في الخلاف الإجماع عليه ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر حفص (١) : « وإن كان لم ينو السجدتين في الركعة الأولى لم تجز عنه الأولى والثانية ، وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنهما للركعة الأولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها » ‌ولا ريب أن الأول أظهر لما عرفت ، ولقصور الخبر بالضعف وعدم الصراحة ، إذ يجوز أن يكون قوله عليه‌السلام : « وعليه أن يسجد » إلى آخره مستأنفا بمعنى أنه كان عليه أن ينويها للأولى ، فإذا لم ينوهما لها بطلت صلاته.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

٣١٣

لكن في الذكرى ليس ببعيد العمل بهذه الرواية ، لاشتهارها بين الأصحاب ، وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن الدلالة ، وأما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار ، على أن الشيخ قال في الفهرست : إن كتاب حفص يعتمد عليه ، وفيه أنه لا شهرة محققة تصلح جابرة على وجه يكون هذا الخبر مخصصا لما دل على البطلان بالزيادة التي هي غير مغتفرة في المأموم أيضا ، بل في الرياض تارة أن القائل به نادر ، وأخرى أن الشهرة على خلافه ظاهرة ، ومنه يعلم وهن الإجماع المزبور ، وفي المحكي عن المبسوط أن في البطلان رواية ، فهي حينئذ منافية للخبر المزبور ، بل لعلها أرجح منه باعتضادها بالأخبار الدالة على الإبطال بالزيادة في الفريضة المعتضدة بعد العمل بالقاعدة الاعتبارية في وجه ، فالمتجه حينئذ البطلان كما عرفت ، بل عن الجماعة أنه كذلك لو أهمل فلم ينو أنهما للثانية أو الأولى ، لأن متابعة الإمام تصرفهما للثانية ، فيأتي المحذور المزبور ، لكن عن ابن إدريس وجماعة الصحة ، لأن أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية ، بل هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفة ، وهو قوي ، وما عن المنتهى ـ من أنه ليس بجيد ، لأنه تابع لغيره ، فلا بد من نية تخرجه عن المتابعة في كونها للثانية ، وعدم افتقار الأبعاض إلى نية إنما هو إذا لم يقم الموجب ، أما مع قيامه فلا ـ يدفعه أن وجوب المتابعة لا يصير المنوي له منويا للمأموم وإن كان فرضه غيره ، مع أن الأصل صحة صلاته ، نعم لو كان الخبر المزبور معتبرا اتجه القول بالصحة مع إعادة السجدتين ، ضرورة شموله لهذا الفرض إن لم يكن ظاهرا فيه.

ولو سجد المأموم ولحق الامام رافعا رأسه من الركوع ففي القواعد « الأقرب أن له جلوسه حتى يسجد الامام ويسلم ثم ينهض إلى الثانية ، وله أن يعدل إلى الانفراد وعلى التقديرين يلحق الجمعة » وفي كشف اللثام « أن له استمراره على القيام أيضا حتى‌

٣١٤

يسلم الامام » وعن الإيضاح « أن فيه قولين آخرين : أحدهما المبادرة إلى الانفراد لئلا يلزم مخالفة الإمام في الأفعال ، لتعذر المتابعة ، والثاني المتابعة ثم حذف ما فعل كمن تقدم الإمام في ركوع أو سجود سهوا » وعن عميد الإسلام « أنه يحتمل ضعيفا فوات الجمعة ، لأنه لم يحصل له مع الامام سجدتان في الأولى ، ولا شي‌ء من أفعال الثانية ، والركعة إنما تتحقق بالسجدتين » وعن الفاضل احتماله في النهاية ، كما أن مقرب المحكي عن التحرير « الصبر إلى تسليم الامام » وعن المنتهى « أنه الذي يقتضيه المذهب ولم يحتمل فيهما العدول إلى الانفراد عاجلا » قلت : لعل وجهه عدم جواز الانفراد اختيارا مطلقا أو في الجمعة ، إلا أنه كما ترى ضعيف كضعف احتمال فوات الجمعة التي قد أدركت الركعة الأول منها بإدراك الركوع ، فالأقوى التخيير المزبور له ، وقد يحتمل وجوب الركوع عليه منفردا ثم يلحق الامام بالسجود ، بل لعله لا مناص عنه مع تمكنه من القراءة ، بل قد يقال به وإن لم يتمكن منها ، لسقوطها للمتابعة أيضا ، ولعل أخبار عبد الرحمن (١) الآتية تشهد لذلك أو بعضه كالفتاوى.

ولو لم يتمكن من السجود في ثانية الإمام أيضا حتى قعد الامام للتشهد ففي القواعد « أن الأقوى فوات الجمعة » ولعله لأن الإمام أتم ركعتيه ولم يتم هو ركعة ، فإن تمام الركعة بتمام السجدتين ، وعن المنتهى أنه فارق هذا الفرض ما تقدم ، يعني إذا قضى السجدتين وأدرك الإمام رافعا رأسه من الركوع ، إذ هو في الأول مأمور بالقضاء واللحق به ، فأمكن أن يقال إنه أدرك الجمعة بخلاف هذا ، وفيه أن الأمر بالقضاء واللحق به لا يصيره مدركا لتمام الركعة معه قطعا ، فليس حينئذ إلا حكم ذلك باعتبار ما دل على إدراك الركعة بإدراك الركوع ، وهو مشترك في الفرضين ، ولعله لذا نسبه في الذكرى إلى قول مشعرا بنوع تردد فيه ، بل عن نهاية الأحكام اختياره ، لكن قال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ و ٣ و ٤.

٣١٥

فيها : « وإن لم يدركه حتى سلم فإشكال » ولعل وجه الفرق إدراك السجود في الأول حال صفة المأمومية بخلاف الثاني ، ولذا حكي عن المنتهى أنه قال بعد ما سمعت : « أما لو لم يتمكن من السجود إلا بعد تسليم الامام فالوجه هاهنا فوات الجمعة قولا واحدا ، لأن ما يفعله بعد السلام لم يكن في حكم صلاة الامام » وفيه ما عرفت إن لم ينعقد إجماع عليه وعلى تقدير الفوات هل يقلب نيته الى الظهر أو يستأنف؟ الأقرب كما في القواعد الثاني لتباين الصلاتين ، وأصالة عدم العدول فيما لا نص فيه ، خلافا للذكرى ، فالأقوى الأول لاتحاد الصلاتين ، وفيه منع ، ولجواز العدول من اللاحقة إذا تبين أن عليه سابقه مع التباين من كل وجه ، فهنا أولى ، وهو قياس بل مع الفارق ، ولأن الأصل البراءة من الاستئناف ، وهو معارض بقاعدة الشغل.

ولو زوحم في ركوع الأولى بعد أن أدرك الجماعة قبله ثم زال الزحام والامام راكع في الثانية أو قبل ركوعه فيها لحقه فركع معه بنية ركوع الأولى ، وسجد معه بنية سجود الأولى ، وتمت جمعته ، ويأتي بالثانية بعد تسليم الإمام ، إذ هو يدرك الجمعة بإدراك ركوع الثانية ، وما زاد من الأولى ليس مانعا من الإدراك ، وفي كشف اللثام أن له المبادرة إلى الانفراد على ما مر ، وله أن يركع ويسجد قبل ركوع الامام ان أمكنه بل يجب ان أمكنه إدراك السجود أو ركوع الثانية ، لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (١) « في الرجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ثم يقوم في الصف ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم ، أيركع ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ قال : يركع ويسجد لا بأس بذلك » (٢) وخبره أيضا سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يكون في المسجد إما في يوم الجمعة وإما في غير ذلك فيزحمه الناس إما الى حائط وإما الى أسطوانة فلا يقدر‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ ـ ٣

٣١٦

على أن يركع ولا يسجد حتى رفع الناس رؤوسهم ، فهل يجوز أن يركع ويسجد وحده ثم يستوي مع الناس في الصف؟ قال : لا بأس بذلك » ‌مؤيدين بأن وجوب المتابعة مع الاختيار لا مع الاضطرار ، ومن ذلك ينقدح قوة ما ذكرناه سابقا من الاحتمال.

وعلى كل حال فما عن المنتهى والتحرير ـ من التردد فيه من الخبرين ، ومن أنه لم يدرك الركعة مع الامام ، وأن الامام انما جعل إماما ليؤتم به ، مع ضعف الخبر الثاني لاشتراك محمد بن سليمان في طريقه ، وعدم نصوصية الأول في المقصود ـ في غير محله لما عرفت ، وحينئذ فإن لحقه قبل الركوع أو راكعا تبعه في الركوع وتمت له الركعتان كما صرح به في كشف اللثام ، وان لحقه وقد رفع رأسه من ركوع الثانية فمن التذكرة والنهاية أن في إدراكه الجمعة اشكالا ، من أنه لم يدرك مع الامام ركوعا ، ومن إدراكه ركعة تامة مع الامام حكما ، ويؤيده الخبران كما عن المنتهى والذكرى ، قلت : فيقوى حينئذ أنه يركع ثم يلحق الإمام في السجود ، ولو لم يزل الزحام حتى رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فعن التذكرة ونهاية الأحكام أتمها ظهرا ، وعن المعتبر أنه الأشبه بالمذهب ، لكن في الثلاثة عدم التمكن حتى سجد الامام ، قلت : يمكن القول بالركوع والسجود وحده وهو مأموم ، ولعل الخبرين ظاهران في ذلك كما اعترف به في كشف اللثام.

هذا كله في الزحام عن الركوع الأولى وسجودها ، وأما الزحام عن ركوع الثانية أو سجودها فلا تفوت الجمعة به قطعا وان لم يأت بهما إلا بعد التسليم ، وما أجود ما عن نهاية الأحكام من أن الزحام عذر كالنسيان ، وبه‌ صحيح عبد الرحمن (١) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن الرجل يصلي مع امام يقتدى به فركع الامام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود ، أيركع ثم يلحق بالإمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

٣١٧

والقوم في سجود هم أو كيف يصنع؟ قال : يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا شي‌ء عليه » ‌بل عنها أيضا « وكذا لو تأخر لمرض » ثم قال : « ولو بقي ذاهلا عن السجود حتى ركع الإمام في الثانية ثم تنبه فإنه كالمزحوم يركع مع الامام ، ولو تخلف عن السجود عمدا حتى قام الامام وركع في الثانية أو لم يركع ففي إلحاقه في المزحوم اشكال » وفي كشف اللثام « من ترك الائتمام به عمدا مع أنه انما جعل إماما ليؤتم به ، ومن إرشاد الأخبار والفتاوى في المزحوم والناسي إلى مثل حكمهما في العامد » قلت : قد يقوى في خصوص الجمعة الأول باعتبار ظهور الأدلة في اشتراط صحتها بالجماعة التي لا ريب في فواتها بترك المتابعة ، وعدم البطلان في غيرها لعدم الاشتراط لا يقضى به فيها ، والمعذور ليس كغيره قطعا كما هو واضح بأدنى تأمل ، بل قد يقال في المعذور : ان جمعته صحيحة بعد انعقاد الائتمام وان فاتت المتابعة في جميع الركوعات والسجودات ، ولعل الخبرين المزبورين يوميان الى ذلك ، والله أعلم.

وأما آداب الجمعة فـ منها الغسل وقد تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الطهارة ومنها التنفل بعشرين ركعة زائدا على غيره من الأيام بأربع على المشهور نصا وفتوى ، خلافا للمحكي عن الإسكافي فزاد ركعتين أخريين أيضا ، فيكون المجموع اثنين وعشرين ركعة ، قال : الذي يستحب عند أهل البيت عليهم‌السلام من نوافل الجمعة ست ضحوة ، وست ما بينها وبين انتصاف النهار ، وركعتا الزوال ، وثمان بين الفرضين ، منها ركعتان نافلة العصر ، للصحيح (١) « عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال؟ قال : ست ركعات بكرة ، وست بعد ذلك اثنتي عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ثمان عشر ركعة ، وركعتان بعد الزوال ، فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر ، فهذه ثنتان وعشرون ركعة » ‌وهو كما ترى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٥.

٣١٨

لا يوافق المحكي عنه في الركعتين بعد العصر ، وللصدوقين فلم يفرقا بينه وبين باقي الأيام إذا قدمت على الزوال أو أخرت عن المكتوبة ، للصحيح (١) « عن صلاة النافلة يوم الجمعة فقال : ست عشر ركعة قبل العصر ، ثم قال : وكان علي عليه‌السلام يقول : ما زاد فهو خير ، وقال : إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار وست ركعات في نصف النهار ويصلي الظهر ويصلي معها أربعة ثم يصلي العصر » ‌و‌سأله عليه‌السلام سليمان بن خالد (٢) أيضا عنها فقال : « ست ركعات قبل زوال الشمس ، وركعتان عند زوالها ، والقراءة في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين ، وبعد الفريضة ثمان ركعات» ‌وهما معا لا ينافيان دليل الزيادة ، ولو سلم فهو أرجح منهما قطعا من وجوه ، على أن المحكي عنهما من تفصيلها ينافي ذلك ، قالا : « ست عند طلوع الشمس ، وست عند انبساطها ، وقبل المكتوبة ركعتان ، وبعدها ست ، وإن قدمت كلها قبل الزوال أو أخرت إلى بعد المكتوبة فهي ست عشرة » وظاهر هما الفرق بين التفريق والجمع ، قال في الذكرى : يلوح من كلام ابني بابويه ان النافلة ست عشرة لا غير كسائر الأيام وتفصيلهما السالف ينافيه و ( إذ خ ل ) هو عشرون ، ويمكن حمله على أن العشرين وظيفة من فرق ذلك التفريق ، والست عشرة لمن قدم الجميع قبل الزوال أو أخر الجميع إلى ما بعده ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فيجوز فعل الجميع قبل الزوال بل يستحب وفاقا للأكثر نقلا في كشف اللثام إن لم يكن تحصيلا ، لتظافر الأخبار (٣) بإيقاع فرض الظهر فيه أول الزوال ، والجمع فيه بين الفرضين ، ونفي التنفل بعد العصر على وجه لا يرجح عليها غيرها مما يقتضي خلاف ذلك ، بل الرحمن في جنبها قطعا ، و‌قول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٧ ـ ٩ ـ ٠

٣١٩

في خبر زريق (١) : « إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة » و‌صحيح علي بن يقطين (٢) أنه سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها قال : قبل الصلاة » ‌وغيرها من النصوص التي سيمر عليك بعضها إن شاء الله ، وما عن المنتهى من أن وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا ، إذ يجوز فعلها فيه وفي غيره ، وتقديم الطاعة أولى من تأخيرها ، خلافا لوالد الصدوق فجعل تأخيرها عن الفريضة أفضل ، لخبر عقبة بن مصعب (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « أيهما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد الفريضة؟ فقال : بل تصليها بعد الفريضة » ‌و‌خبر سليمان (٤) سأله عن ذلك أيضا فقال : « تصليها بعد الفريضة أفضل » ‌ويمكن حملهما على ما إذا زالت الشمس ولم يتنفل ، أو على أن التأخر لهما بالخصوص كان أفضل لعارض ، وظاهر المحكي عن المقنع التردد في ذلك ، قال : « تأخيرها أفضل من تقديمها في رواية زرارة بن أعين (٥) وفي رواية أبي بصير (٦) تقديمها أفضل من تأخيرها ».

وقد عرفت أن الأرجح فتوى ونصا الأول ، ولكن يستحب تفريقها فيه ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست قبل الزوال ، وركعتان عند الزوال قبل تحققه وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام ، لقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٧) المروي عن كتاب حريز : « ست بعد طلوع الشمس ، وست قبل الزوال إذا تعالت الشمس ، وركعتان قبل الزوال‌» و‌قول الكاظم عليه‌السلام

__________________

(١) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٥ ـ ٣ ـ ١ ـ ٨ ـ٩

(٢) و (٧) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣ ـ ١٨

٣٢٠