جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أمامي قال : فقال لي : فاخط إليها الخطوة والخطوتين والثلاث فاشرب وارجع إلى مكانك ولا تقطع على نفسك الدعاء ».

لكن ينبغي أن يكون رجوعه القهقرى إن اختاره ولا يستدبر القبلة كما أنه ينبغي أن لا يفعل شيئا من منافيات الصلاة التي لا يدل عليها الخبر المزبور ، ولم يسق إطلاقه لبيان عدم منافاتها كنجاسة الإناء بناء على منافاة حمل النجس ، اقتصارا على مورد النص ، لعدم الدليل على التعدي حتى منه إلى مطلق النافلة ، بل ومن دعاء الوتر إلى غيره من أحواله فضلا عن غير ذلك ، فما عساه يظهر من الخلاف والمبسوط من التعدي إلى مطلق النافلة ومن غيرهما كالمصنف ونحوه في مطلق أحوال الوتر لا يخلو من تأمل ، اللهم إلا أن يستند في الثاني إلى إطلاق معقد إجماع التنقيح ، قال فيه : « استثناء الوتر إجماع بالقيود المذكورة ، ويكون عوده قهقرى أو يقف مكان شربه وهو أولى ، ولا يتعدى الحكم إلى غيره » والمراد بالقيود ما ذكره سابقا من كون الباعث العطش ، والعزم على الصوم الراجح ، وكون الماء أمامه ، وأن يكون البعد خطوتين أو ثلاثة ، وأن يخاف طلوع الفجر ، لكن لعل مراده بالوتر الحال المخصوص من الوتر لا مطلقا ، ضرورة اقتضاء الاقتصار على الرواية ذلك ، ولذا حكي عن المهذب زيادة اشتراط أن يكون في قنوت الوتر كما هو صريح كشف اللثام وظاهر المحكي عن النهاية والسرائر وغيرهما.

نعم لا بأس بإطلاق عدم منافاة الشرب للفرض وإن طال ، تمسكا بإطلاق الرواية ، أما لو احتاج إلى فعل كثير من المشي أو غيره فيشكل الاستدلال بالإطلاق المزبور عليه بناء على اشتراك الفريضة والنافلة في البطلان بالفعل الكثير كما هو الأصل في سائر أحكام الفريضة ، وما عساه يظهر من الأردبيلي في المقام من الميل إلى عدم بطلان النافلة بالفعل الكثير واضح الضعف ، فيجب حينئذ الاقتصار على مورد الرواية وعدم‌

٨١

التعدي مما فيها إلى الرخصة في الفعل الكثير إذا توقف الشرب عليه ، خلافا للمحكي عن الموجز والمقتصر فرخصا فيه للإطلاق ، وفيه منع واضح ، بل ظاهر عد الخطوات في الخبر المزبور القلة بناء على أن مثله من القليل لا الخطوة الواحدة فقط ، بل نزله في المنتهى على القلة في الشرط فضلا عنه ، فلا يكون حينئذ مخصصا ولا مثبتا لحكم جديد ، بناء على أن الممنوع في الصلاة من الأكل والشرب الكثير منهما لا مطلقا ، فلا فرق حينئذ في ذلك بين أحوال الوتر وبينه وبين النافلة وبينها وبين الفريضة ، لكنك خبير بما فيه مما تقدم ، مع أنه لو سلم المبنى المزبور كان المتجه التخصيص بالخبر المذكور ، ضرورة ظهوره في طول زمان الشرب نفسه لمكان العطش ، فلا يقدح حينئذ وإن كثر كما نص عليه في التحرير وفوائد الشرائع والمحكي عن المهذب وغيره ، لإطلاق وترك الاستفصال ، ومنه يعلم أنه لا فرق بين الصوم الواجب والمندوب ، بل قيل : ولا بين الوتر الواجبة بالنذر أو غيره والمندوبة وإن كان الأخير لا يخلو من نظر ، والله أعلم.

وفي بطلان الصلاة بمقص الشعر للرجل تردد من إجماع الشيخ في الخلاف على عدم جوازه ، و‌خبر مصادف (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر قال : يعيد صلاته » ‌فليس هذا من النهي عن الخارج كي يقال : إنه بعد التسليم يقتضي الحرمة دون الإبطال ، إذ هو مع ما فيه كما عرفته سابقا مخالف لنص الدليل المزبور ، ومن الأصل وإطلاق الأدلة وضعف مصادف وإشعار خبر الدعائم الآتي (٢) واستبعاد الحكم المزبور بقلة النظير ، وعدم معروفيته بين المتشرعة مع غرابته وشدة الحاجة اليه وعدم ثبوت الإجماع أو ثبوت عدمه ، إذ لم نعرف من جزم بما ذكره الشيخ ممن يعتد بقوله ، والمحكي عن المفيد « لا ينبغي للرجل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

٨٢

إذا كان له شعر أن يصلي وهو معقوص حتى يحله ، وقد رخص للنساء في ذلك « وهو كما ترى مشعر بالكراهة ، نعم كأنه مال إليه في الذكرى لحجية الإجماع المنقول ، والحر في وسائله والبحراني في حدائقه.

وكيف كان فـ الأشبه عدم البطلان بذلك وعدم الحرمة وفاما لمن عدا ما عرفت ، ولكن مع الكراهة خروجا عن شبهة الخلاف ، ولا شعار الأمر بالإعادة المحمول على الندب بطلب ترك الفعل ، وظاهر‌ خبر الدعائم (١) عن علي عليه‌السلام أنه قال : « نهاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أربع : عن تقليب الحصى في الصلاة ، وأن أصلي وأنا عافص رأسي من خلفي ، وأن أحتجم وأنا صائم ، وأن أخص يوم الجمعة بالصوم » ‌ولا كراهة ولا تحريم في حق المرأة إجماعا محكيا مستفيضا إن لم يكن متواترا ، وبه يجب الخروج عن قاعدة الاشتراك ، والمقص هو جمع الشعر في وسط الرأس وشده كما في المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد والمسالك ، وهو المراد بما عن الروض من « أنه جمع الشعر في الرأس وشده بظفره » وما في المدارك « عقص الشعر هو جمعه في وسط الرأس وظفره وليه » بل في المحكي عن مجمع البحرين « عقص الشعر جمعه وجعله في وسط الرأس وشده ، ومنه‌ الحديث « رجل صلى معقوص الشعر قال : يعيد » ‌بل في كشف اللثام « أنه يقرب منه قول الفارابي والمطرزي في كتابيه أنه جمعه على الرأس ، قال المطرزي : وقيل : هو ليه وإدخال أطرافه في أصوله ـ قال في الكشف ـ : هو قول ابن فارس في المقاييس ـ قلت : والفيومي في مصباحه كما قيل ، ثم قال ـ : قال المطرزي : وعن ابن دريد عقصت شعرها شدته في قفاها ولم تجمعه جمعا شديدا » وفي العين « العقص أخذك خصلة من شعر فتاويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

٨٣

التواء ثم ترسلها » ونحوه المجمل والأساس والمحيط وإن خلا عن الإرسال ، ويقرب منه ما في الفائق أنه الفتل ، وما في الصحاح أنه ظفره وليه على الرأس ، وهو المحكي في تهذيب اللغة والغريبين عن أبي عبيد إلا أنه قال : « ضرب من الظفر وهو ليه على الرأس » وفي المنتهى « وقد قيل : إن المراد بذلك ظفر الشعر وجعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة ، فعلى هذا يكون ما ذكره الشيخ حقا ، لأنه يمنع من السجود » انتهى ، وحكى المطرزي قولا أنه وصل الشعر بشعر الغير.

قلت : لكن يرد على ما في المنتهى ـ مع أنه خلاف المعروف في تفسيره ، ولعله يريد بالقيل الصحاح ـ أنه خروج عن المسألة ، ولا يختص بالرجل ، ولا إشارة في كلام الشيخ إلى ذلك ، وإنما يتعارف مثل هذا العقص في النساء لا الرجال ، ويخالف ظاهر خبر الدعائم (١) كما أنه يمكن أن يرد على من فسره بمطلق الظفر ونحوه أنه مخالف للسيرة المعلومة لكثرة استعمال ذلك من غير إنكار من العلماء والعارفين ، بخلاف المحكي عن ابن دريد ، فان خبر الدعائم قد يوافقه ، بل يمكن إرجاع بعض التفسيرات السابقة إليه لا طلاقها ، والأمر سهل بعد أن عرفت عدم البطلان عندنا بذلك ، والمتجه بناء عليه اجتناب الجميع مع فرض عدم الشاهد على أحد المعاني السابقة للمقدمة على القول بقاعدة الشغل مطلقا ، أما على الأعم مطلقا أو بالنسبة إلى الشك في المانع فيحتمل الحكم بالصحة تمسكا بالإطلاقات ، وليس من الشبهة المحصورة التي يجب اجتنابها ، ضرورة وجوب الاقتصار فيها على المتيقن ، وهو الإجمال في مصداق اللفظ مع العلم بتحقق مفهومه ، كالإناء النجس المشتبه بالطاهر ، أما الإجمال في المراد من اللفظ والواقع وعدم العلم بتحقق مفهوم المانع لو فعل أحد التفسيرات السابقة فلا ، وفيه أن مقتضي وجوب الاجتناب متحقق في الجميع من غير فرق كما هو واضح بأدنى تأمل ، والله أعلم.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

٨٤

ويكره الالتفات بالوجه يمينا وشمالا كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا والتثاؤب والتمطي والعبث ونفخ موضع السجود والتنخم وأن يبصق أو يفرقع أصابعه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، إذ هو مقتضى الجمع بين النصوص (١) بعضها مع بعض ، بل هو المفهوم من بعضها (٢) وإن كان بلفظ النهي كما لا يخفى على من لاحظها ، بل تضمنت النصوص (٣) الزيادة على ذلك كالامتخاط وتحديث النفس ونحوهما ، لكن قيد في كشف اللثام البصاق بعد أن أضاف التنخم أيضا بعدم إخراج الحرفين ، وعدم الاضطرار إليهما لقراءة أو ذكر أو رفع صوت فيما يجب فيه للأخبار ، ومنافاتهما الخشوع ويجري في تقييده الأول ما تقدم سابقا من المناقشة في البطلان بأمثال هذه الحروف التي لم تكن مقصودة ولا تعد حروفا وإنما هي شابهت أسماء أصواتها بالصورة فظن أنها حروف ، نعم لو فرض قصد ذلك فلا ريب حينئذ في التقييد المزبور ، بل هو خروج عما نحن فيه كما هو واضح ، وأما التقييد بعدم الاضطرار فلا بأس به إذا كان المتوقف قراءة واجبة أو ذكرا كذلك ، بخلاف المندوبة فإنه حينئذ يفزع إلى الترجيح في اختيار العمل بأحدهما.

ثم من المعلوم إرادة الاختياري من التثاؤب كي تتعلق به الكراهة ، ودعوى أنه ليس إلا اضطراريا لا شاهد لها ، بل الوجدان يشهد بخلافها ، و‌قول الرضا عليه‌السلام في صحيح ابن أبي نصر (٤) : « التثاؤب من الشيطان ، والعطسة من الله عز وجل » ‌و‌أبي عبد الله عليه‌السلام في الحسن كالصحيح (٥) لما سئل « عن الرجل‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ و ١٢ و ١٤ و ٣٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة والباب ٧ من أبواب السجود وصحيح البخاري ج ٢ ص ٧٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٩ و ٥.

(٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ـ ٤

٨٥

بتثاءب ويتمطى في الصلاة قال : هو من الشيطان ولن يملكه » ‌ونحوه غيره محمول على إرادة قسم منه لا جميع أفراده ، ولو سلم فمقدماته اختيارية ، لأنه إنما يكون من ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميلة إلى الكسل والنوم ، وإضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها ، فيرجع حينئذ إلى التحذير من السبب الذي يتولد منه ، وهو التوسع في الشبع بحيث يثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات ، ويمكن أن يراد من قوله : « ولن يملكه » أي الشيطان لا الإنسان بمعنى أنه وإن كان منه إلا أنه لا يملكه عليه بحيث يوقعه بلا اختيار ، بل يحسن له مقدماته حتى يحصل منه ، فتأمل جيدا ، فتكون شاهدة للمطلوب ، والله أعلم.

وكذا يكره أن يتأوه أو بأن بحرف واحد لقربه من الكلام كما في الذكرى ، ودخوله في يسير العبث كما في الكشف ، وخبر (١) قطع الصلاة بالأنين بناء على إرادة مالا يعد كلاما منه ، فان القطع حينئذ ليس إلا للكراهة ، ومنه يعلم ما في مناقشة المدارك بانتفاء ما يدل على كراهة ما ليس بكلام من الأنين ، خصوصا مع التسامح في الكراهة ، والأمر سهل ، هذا ، وقد تقدم البحث سابقا في التأوه خوفا من الله.

وكذا يكره عند كل من يحفظ عنه العلم كما في المنتهى أن يدافع البول والغائط فيكون بذلك الزبين الذي هو أحد الثمانية الذين لا يقبل الله منهم الصلاة ، ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام (٢) : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة ، وهو بمنزلة من هو في ثيابه » ‌وفي‌ خبر الحضرمي (٣) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين » ‌وغير ذلك ، وظاهره الفساد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ و ٤.

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ ـ ٣

٨٦

إلا أنه للأصل وحصر المبطل في غيره فيما تقدم من النصوص (١) وإطلاق صحيح الفضيل بن يسار (٢) في الغمز ، و‌صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أم لا؟ فقال : إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر » ‌وغيره ، مضافا إلى ما يلوح من بعض نصوص النهي ، والإجماع المحكي في المنتهى على الصحة إن لم يكن المحصل وجب إرادة الكراهة منه ، بل لو فرض حرمة المدافعة المزبورة للضرر ونحوه كان المتجه الصحة على التحقيق من أن الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضده وإن كان مقدمة المأمور به هنا الحدث المنافي للصلاة ، حتى أنه بسببه ربما يتخيل كونه كالخطاب بالقي‌ء في الصوم مثلا ، فإنه مبطل له وإن قلنا بعدم اقتضاء النهي عن الضد ، إذ الفرق بينهما في كمال الوضوح ، لاعتبار الكف عن سائر المفطرات في الصوم ، ومع فرض وجوب أحدها لا يتصور الخطاب بالكف عنه ، بخلاف الصلاة فإنه لا يعتبر في صحتها التعبد بنية عدم الحدث فيها حتى ينافي الأمر بالحدث ، كما هو واضح.

ودعوى أنه وإن لم يكن المنافاة من هذه الحيثية إلا أنه لا ريب في حصولها عرفا بين الأمر بالشي‌ء والأمر بمانعه ـ إذ هو حينئذ كقوله : صل ولا تصل فحينئذ يتجه البطلان متى أمر بالمانع كما أومأنا اليه سابقا في بيان وجه البطلان بقراءة العزيمة وإن لم يسجد من أنه بمجرد القراءة يخاطب بالسجود المستلزم للبطلان الذي لا يجامعه الأمر بالإتمام المتوقف عليه صحة الفعل ـ يدفعها أن مبناها أيضا عند التأمل على القول بأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

٨٧

الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن الضد ، وفرض المسألة على تقدير عدم القول بذلك ، ومن الواضح أنه بناء على ذلك لا يرجع حاصل المقام إلى ذلك ، ضرورة كونه غير مأمور إلا بحفظ النفس ودفع الضرر عنها ، والفرض أنه توقف الآن على إبطال الصلاة فمع عصيانه بذلك لم يترك من الصلاة شرطا ولا فعل فيها مانعا ، فلا جهة حينئذ إلا الصحة كما في سائر ما كان من هذا القبيل ، كترك إنفاذ الغريق وإطفاء الحريق وغيرهما مما هو متوقف على فعل ما ينافي الصلاة من فعل كثير أو التفات أو نحوهما ، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو كان المأمور به نفس الحدث لا ما كان مستلزما للحدث كالأمثلة السابقة ، فتصح صلاته مثلا وإن عصى بترك المأمور به بناء على عدم اقتضاء النهي عن الضد ، ولعل من ذلك العاصي بترك وطي زوجته بعد الأربعة أشهر لو صلى حال خطابه به ، والزوجة الناشزة لنحو ذلك أيضا لو صلت كذلك ، وليس في ذلك تناف بين الخطابين ولا قبح في التكليفين ، نعم لو أمر بالصلاة وأمر بالمانع فيها اتجه ذلك ، وليس ما هنا من هذا القبيل ، ضرورة كون الأمر بوطي الزوجة لا وطئها في أثناء الصلاة وإنما اختار المكلف العصيان في ذلك الأمر والإتيان بهذا الأمر كإزالة النجاسة عن المسجد وغيرها من الأوامر المضيقة التي يعدل عنها إلى أضدادها من الصلاة وغيرها ، فالتحقيق حينئذ بناء المسألة على تلك المسألة من غير فرق بين الأمر بمستلزم المانع وبين المانع نفسه ، إذ الأول إنما كان ضدا باعتبار استلزامه المانع ، بل لولا الفرق الذي ذكرناه بين الصوم وغيره أمكن دعوى انحصار البطلان فيه على القول بالضد أيضا ، بل قد يحتمل ذلك على تقدير الفرق المزبور أيضا ، فيقال : إنه لا مانع من نية التقرب بالصوم وإن كان مخاطبا بالقي‌ء والجنابة ونحوهما ، لكن ليس في الصوم حتى يتنافى الخطابان ، بل هو إنما خوطب بهما في حد ذاتهما ، فإذا فرضنا العصيان‌

٨٨

بترك امتثال ذلك الخطاب اتجه الصحة في التقرب بالصوم إلا على مسألة الضد.

ثم إنه قد يستفاد من قوله عليه‌السلام : « فإنما هو بمنزلة من هو في ثيابه » ‌إلحاق باقي الأحداث بهما ، ولعله لذا قال المصنف وغيره ومدافعة الريح وربما يومي اليه صحيح الغمز (١) المزبور وغيره ، مضافا إلى ما فيه من سلب الخشوع والإقبال على الصلاة ، بل قال غير واحد أيضا : ومدافعة اليوم لبعض ما عرفت ، والنهي عن قرب الصلاة سكارى (٢) المفسر بالنوم ،قال (ع) في صحيح زرارة (٣) : « ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنهن من خلال النفاق ، فان الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني سكر النوم ، وقال للمنافقين ( وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً ) (٤) ‌نعم قد يفرق بين مدافعة النوم وغيره بأنه إذا دافعه بحيث حصل التوجه إلى العبادة كان إتيانا بالعبادة على أفضل وجه باعتبار المشقة في مقدماتها ، بخلاف مدافعة الأخبثين المنهي عنهما لنفسهما لا من حيث الصلاة ، فالمراد حينئذ بكراهة مدافعة النوم الاشتغال بالصلاة متناعسا كما دل عليه الخبر المزبور (٥) فإنه بذلك يكون كالسكران ، وربما دعا على نفسه في أثناء صلاته.

ثم لا يخفى أن المراد بكراهة مدافعة الأخبثين قبل الشروع في الصلاة مع سعة الوقت والتمكن من التطهر بعد النقض كما نص عليه في كشف اللثام وغيره ، ضرورة أنه لا معنى للكراهة لو اتفق عروضها في أثناء الصلاة ، لحرمة القطع ، فلا بدل يعدل المكلف إليه كي يخاطب بالكراهة حينئذ التي معناها مرجوحية هذا الفرد بالنسبة إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) و (٤) سورة النساء ـ الآية ٤٦ ـ ١٤١

(٣) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٥.

٨٩

العاري عنه ، ولعل الأمر بالصبر في الصحيح السابق (١) شاهد على ذلك بناء على إرادة العزيمة لا الرخصة ، وكذا حال ضيق الوقت وحال عدم التمكن من التطهر بعد النقض ، واحتمال الالتزام بالكراهة في الأول ـ لإطلاق الأدلة وعموم المنزلة ، فيجوز له القطع حينئذ ، بل هو الأفضل له ، ولا ينافيه الأمر بالصبر المحمول على الإباحة ، لأنه في مقام توهم الحظر ـ يدفعه أنه لا دليل يعتد به يخرج به عما دل على حرمة قطع الصلاة وإبطالها حتى الإطلاق المزبور ، ضرورة انصرافه إلى غير ذلك كإطلاق الفتاوى ، على أن التعارض بينه وبين دليل الحرمة من وجه ، ولا ترجيح له ، بل الظاهر رجحان العكس خصوصا مع ملاحظة غيره من المكروهات لو فرض عروضها في أثناء الصلاة ، اللهم إلا أن يقال : إن العمدة في دليل الحرمة الإجماع كما ستعرفه ، والمتيقن منه غير هذا الفرد ، ولذلك كانت المسألة لا تخلو من إشكال وإن كان الأحوط ما قلناه.

ثم من المكروهات المذكورة في بعض النصوص (٢) وكتب الأصحاب التكاسل والتشاغل والغفلة واللهو والاحتفاز أي الاستعجال مستوفزا كان أولا ، والاكتمام والامتخاط والتنخم والصلب أي وضع اليد على الخاصرة أو مجافاة ، والصفد في القيام كما في مختصر النهاية ، والصفد أي الأقران بين القدمين معا كأنهما في قيد كما في المختصر المزبور أيضا ، لكن في البيان أن المكروه جمع القدمين وشد اليدين ، وحينئذ حمل الصفد عليه أولى ، ومنه المقرنين بالأصفاد ، والصفن أي الجمع بين القدمين كما في المختصر أيضا ، وعليه يتحد مع سابقه ، لكن قال : وقيل : هو ثني القدمين إلى ورائه كما يفعل الفرس إذا ثني حافره ، وعليه يكون غيره ، ولعل منه الصافنات ، وفي المنظومة :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣ و ٥ و ٩ والباب ٢ منها ـ الحديث ٦ والباب ٣ منها ـ الحديث ١ وصحيح البخاري ج ٢ ص ٧٨.

٩٠

أو حازقا أو حاقبا أو حاقنا

أو صالبا أو صافدا أو صافنا

وهو صريح في المغايرة ، والتخصر قال في المختصر المذكور : قيل أن يأخذ بيده عصا يتكئ عليها ، وقيل أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين ، وقيل أن يضع يده على خصره ، ومنه الاختصار راحة أهل النار أي أنه فعل اليهود في صلاتهم ، وهم أهل النار ، وفي المنظومة :

ولا تخصر فهو كبر وسم

قد عذب الله به بعض الأمم

وأنه التورك الذي منع

نوع من الصلب ومنعه سمع

ومقتضاه أنه وضع اليد على الخاصر معتمدا على أحد وركيه ، ونحوه ما عن المنتهى من أن التورك المكروه في الصلاة أن يعتمد بيديه على وركيه ، وهو التخصر ، لكن في البيان « والتخصير وهو الاعتماد على الخصر ، والتورك وهو الاعتماد على الورك وفي المحكي عن النفلية « أن التورك الاعتماد على إحدى الرجلين تارة وعلى الأخرى أخرى ، والتخصير يقبض خصره بيده ».

قلت : لعل الأولى اجتناب الجميع وإن كنا لم نعثر في أخبارنا إلا على النهي عن التورك ، وقال البزنطي (١) في المحكي عن جامعه بعد أن روى النهي عنه : فإنه بلغني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن قوما عذبوا لأنهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة » ‌وقال الصدوق في المحكي من فقيهه : « ولا تتورك فان الله عز وجل قد عذب قوما على التورك ، كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة » وعن الأزهري « أن التورك المكروه هو أن يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم » وعن الجزري يكره أن يسجد الرجل متوركا ، وهو أن يرفع وركيه إذا سجد حتى يفحش في ذلك ، وقيل أن يلصق إليتيه بعقبيه في السجود ، إلى غير ذلك.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٥.

٩١

ومنها تشبيك الأصابع وتغميض البصر وإطلاقه ، بل ينبغي أن يخشع بها كهيئة المغمض ، فلا يحدد بصره نحو شي‌ء ، ولا يرفعه للسماء ، والتصفيق باليد للحاجة ، إلا أن الظاهر اختصاصه بالرجال دون النساء ، وحديث النفس بما تهم به من أمور الدنيا ، ونعم ما قال العلامة الطباطبائي :

إياك فيها من حديث النفس

وهم ما تغدو له وتمسي

وإنه أعظم شي‌ء وأشد

وقل ما يسلم من ذاك أحد

أما التفكر في معاني كلام الله ففي البيان أنه لا يكره خلافا للراوندي ما لم يسلب الخشوع ، ومنها التحشي والتنحنح وغيرهما من كل ما هو من خلال النفاق أو سي‌ء الآداب والأخلاق وكل منافر للعبادة ومعاب فيها ومنافي الخشوع المطلوب فيها ، وكل مشعر بالتكبر أو الغفلة فضلا عنهما نفسهما ، بل لعله الحكمة في كثير مما ورد النهي عنه فيها شي‌ء من ذلك ، نعم بعضه لا يعلم سره إلا الله ، وكان عدم تعرض المصنف وغيره لبعضها هنا لعدم تعلق الكراهة بها في جميع أحوال الصلاة ، بل هي في بعض أحوال الصلاة كالقيام وغيره ، والمراد هنا ذكر المكروه في جميع أحوال الصلاة ، وإلا فقد ذكر بعض مكروهات تلك الأحوال عند البحث عنها ، والأمر سهل.

وكيف كان فمنها كما ذكره غير واحد لبس الخف الضيق ، لما في‌ خبر إسحاق ابن عمار (١) المروي عن معاني الأخبار والمجالس عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحازق فان الحاقن الذي به البول ، والحاقب الذي به الغائط ، والحازق الذي ضغطة الخف » ‌مضافا إلى ما في المدارك من أن في لبسه سلبا للخشوع ومنعا للتمكن من السجود ، فقول المصنف حينئذ وإن كان خفه ضيقا استحب له نزعه لصلاته مشعرا بعدم كونه من المكروهات ولذا عدل عن ذكره في سلكها إلى ما سمعت في غير محله.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٥.

٩٢

وعلى كل حال فمن أشد ما يراد فيها أيضا ترك الوسوسة التي هي من مصائد الشيطان وخدعه ، ومتى أطيع في شي‌ء منها تعود على ذلك ، فينبغي للعاقل عدم الالتفات إلى شي‌ء منها ، وأن يبني على الصحة في جميعها كي لا يبلغ عدوه مراده منه ، كما أنه لا بد فيها من ترك العجب والا دلال المانعين من قبولها ، بل أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:

والذنب خير من صلاة المعجب

إذ لم يسئه ما به كالمذنب

وكذا لا بد من اجتناب سائر حوابس الصلاة كمنع الزكاة والحقوق الواجبة والنشوز والإباق والحسد والكبر والغيبة وأكل الحرام وشرب المسكر ، بل جميع المعاصي لحصر القبول من المتقي الذي لا يصدق إلا مع اجتناب جميع ذلك ، وفي‌ مرفوع البرقي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه ، والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط ، ومانع الزكاة ، وتارك الوضوء ، والجارية المدركة تصلي بغير خمار ، وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون ، والزبين ، قالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما الزبين؟ قال : الذي يدافع البول والغائط ، والسكران ، فهؤلاء ثمانية لا تقبل منهم صلاة ».

مسائل أربع‌

الأولى إذا عطس الرجل في الصلاة استحب له أن يحمد الله عند علمائنا وأكثر العامة ، وهو المراد بالجواز في المنتهى وغيره يجوز للمصلي أن يحمد الله تعالى إذا عطس ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره ، وهو مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وهو الحجة في العطاس وسماعه ، مضافا إلى أنه ذكر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٦.

٩٣

ودعاء لا تمنع عنهما الصلاة ، فيبقى ما دل على الأمر بهما من النصوص (١) على إطلاقه وإلى خصوص‌ صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا عطس الرجل في صلاته فليحمدالله » ‌و‌خبر أبي بصير (٣) « قلت له : أسمع العطسة فأحمد الله وأصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا في الصلاة قال : نعم ، وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل : الحمد لله وصل على النبي وآله وإن كان بينك وبين صاحبك اليم » ‌بل لا بأس أن يزيد حمدا كثيرا كما هو أهله واضعا يده على قصبة أنفه وإن كان في الصلاة أيضا ، عملا بإطلاق‌ خبر الحسن بن راشد (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال : الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله وسلم خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة ».

كما أنه لا بأس أيضا بزيادة رب العالمين مع ذلك ، أو يدونه وزيادة لا شريك له أيضا كذلك ، لمرسل ابن أبي عمير (٥) قال : « عطس رجل عند أبي جعفر عليه‌السلام فقال : الحمد لله فلم يسمته أبو جعفر عليه‌السلام وقال : نقصتنا حقنا ، ثم قال : إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته ، قال : فقال الرجل ، فسمته أبو جعفر عليه‌السلام » ‌وقال عليه‌السلام أيضا في خبر محمد بن مسلم (٦) « إذا عطس الرجل فليقل : الحمد لله لا شريك له ، وإذا سمت الرجل فليقل : يرحمك الله ، وإذا رددت فلتقل : يغفر الله لك ولنا ، فإن‌

__________________

(١) و (٤) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج ٠ ـ ٤ـ ١ من كتاب الحج

(٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ ـ ٣

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

٩٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن آية أو شي‌ء فيه ذكر الله فقال : كلما ذكر الله فيه فهو حسن» ‌وفي‌ خبر مسمع (١) قال : « عطس أبو عبد الله عليه‌السلام فقال :لحمد لله رب العالمين ، ثم جعل إصبعه على أنفه فقال : رغم الله أنفي رغما داخرا ».

فجمع ما في جميع هذه النصوص إن لم يخل بموالاة القراءة مثلا حسن ، كالاقتصار على ما في بعضها ، ولا يتعين كيفية خاصة منها ، و‌قوله عليه‌السلام : « نقصتا حقنا » ‌

محمول على التأديب أو التعريض بالعامة كما يكشف عنه‌ خبر جابر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « قال : نعم الشي‌ء العطسة تنفع في الجسد وتذكر الله تعالى ، قلت : إن عندنا قوما يقولون : ليس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العطسة نصيب فقال :إن كانوا كاذبين فلا أنا لهم الله شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ‌أو غير ذلك لا أنه شرط في ذلك ، ولعل ترك المصنف ومن ماثله تنبيها على ذلك ، بل لا يبعد عدم اختصاص التحميد بذلك ، بل يكفي مطلق الذكر بناء على أنه المراد من ذيل الخبر المتقدم بمعنى أنه سئل عليه‌السلام عن آية مخصوصة أو شي‌ء فيه ذكر الله يقال العطسة فقال : « كلما » إلى آخره ، ويؤيده أن‌ المحكي عن نسخة المازندراني روايته « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن آية تقال عند العطسة أو شي‌ء فيه ذكر الله » ‌إلى آخره. ولعل هذا أولى مما فهمه منه في الحدائق من أن المسؤول عنه آية معينة أو ذكر معين يقال عند التسميت أورده ، ضرورة إرادة الدعاء من تسميت العاطس ورده كما ستعرف لا أنه يكفي فيه ذكر الله وإن لم يكن بلفظ الدعاء كما هو مقتضى الخبر المزبور ، والله أعلم.

وكذا إذا عطس غيره يستحب له تسميته إذا كان مؤمنا بلا خلاف أجده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٩٥

فيه ، فان المصنف وإن تردد فيه في المعتبر لكن قال : إن الجواز أشبه بالمذهب ، وهو كذلك للأصل ، ولأن التسميت الدعاء للعاطس ، وهو غير ممنوع في الصلاة ، فيبقى إطلاق الأمر به حينئذ على حاله من غير تقييد ، و‌خبر غياث (١) المروي عن مستطرفات السرائر عن جعفر عليه‌السلام « في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال :فسدت صلاة ذلك الرجل » ‌مع ضعفه وظهوره في فساد صلاة العاطس الذي هو غير معقول معرض عنه بين الأصحاب ، فلا يصلح للتقييد ، خصوصا مع موافقته لمذهب الشافعي وبعض العامة ، واحتمال أنه باعتبار كاف الخطاب من كلام الآدميين ـ أو لأنه تحيته كما تسمعه من خبر الخصال (٢) ويشهد له‌ ما رواه العلامة في التذكرة عن معاوية ابن الحكم الشامي (٣) قال : « صليت خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : وما شأنكم تنظرون إلى ، قال : فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فعرفت أنهم يصمتوني ، فلما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء ، من كلام الآدميين » ‌ـ يدفعه ـ مع ضعف الخبرين ، بل الثاني من طرق العامة ، لأنه قد ذكر مستندا للشافعي مع احتمال أو ظهور الإنكار عليه ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكلامه الثاني لا الأول ـ أنه دعاء لغة وعرفا وشرعا وليس من التحية قطعا ، على أنها لا تنافي الدعاء إلا إذا خرج عن قصد الدعائية ولم يكن ملاحظا إلا التحية وهو ممنوع في المقام كمال المنع فتردد المصنف به حينئذ من ذلك أو من جهة خلو النصوص عنه بالخصوص في غير محله ، إذ قد عرفت كفاية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٣) سنن أبي داود ج ١ ص ٣٣٦ ـ الرقم ٩٣٠ « باب تسميت العاطس في الصلاة » لكن رواه عن معاوية بن حكم السلمي.

٩٦

الأصل والإطلاقات فيه ، لأنه من الدعاء ، قال في الصحاح : « تسميت العاطس أن يقول له : يرحمك الله بالسين والشين جميعا » قال تغلب : « الاختيار بالسين ، لأن مأخوذ من السمت ، وهو القصد والمحجة » وقال أبو عبيد : « الشين أعلى في كلامهم وأكثر » وقال أيضا : « تسميت العاطس دعاء ، وكل داع لأحد فهو مشمت ومسمت » وعن النهاية « التسميت بالسين والشين الدعاء بالخبر والبركة ، والمعجمة أعلاهما » وفي المحكي عن المصباح المنير وفي مختصر النهاية « التسميت الدعاء ، ومنه تسميت العاطس » وعن المصباح « تسميت العاطس الدعاء له ، والشين المعجمة مثله » وعن التهذيب « سمته بالسين والشين دعا له » وقال أبو عبيدة : « الشين أعلى وأفشى » وقال تغلب : « السين المهملة هي الأصل أخذا من السمت ، وهو القصد والهدى والاستقامة ، وكل داع بخير فهو مسمت أي داع بالعفو والبقاء إلى سمته » وعن تعليق النافع « التسميت بالمهملة الدعاء لأمور الدنيا ، وبالمعجمة لأمور الآخرة » ولم أجده فيما وصلنا من كلام أهل اللغة ، بل قد سمعت ما ظاهره خلافه ، وفي‌ خبر جراح المدائني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « للمسلم على أخيه من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه ـ إلى أن قال ـ : ويسمته إذا عطس يقول : الحمد لله رب العالمين لا شريك له ، ويقول له : يرحمك الله فيجيبه يهديكم الله ويصلح بالكم » وفي المروي (٢) عن الخصال عن أبي جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام « إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا : يرحمك الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله عز وجل (٣) ( وَإِذا حُيِّيتُمْ ) » ‌إلى آخره. و‌في الصحيح أو الحسن (٤) « كان أبو جعفر عليه‌السلام إذا عطس فقيل له : يرحمك الله قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٢) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ ـ ١ من كتاب الحج.

(٣) سورة النساء ـ الآية ٨٨

٩٧

يغفر الله لكم ويرحمكم ، وإذا عطس عنده إنسان قال : يرحمك الله ».مضافا إلى ما سمعته سابقا من النصوص السابقة المتضمنة للتسميت.

نعم قيده في المنتهى وكشف اللثام بما إذا كان مؤمنا ، ومقتضاه عدم الجواز أو الاستحباب إذا لم يكن كذلك ، ولعله لظهور النصوص في ذلك ، خصوصا التي (١) جعلته من حقوق الأخوة ، ولفظ المسلم في بعضها (٢) مراد منه المؤمن كما في كثير من المقامات لا ما يشمل غير المؤمن ، على أن الدعاء بالرحمة لغير المؤمن غير جائز ، لكن عن الأردبيلي والخراساني احتمال الجواز ، ولعله للإطلاق الذي لا ينافيه غيره ، وجواز الدعاء بالهداية ونحوها للمخالف ، وبه يكون تسميتا ، إذ لا يختص هو بذلك كما سمعت بل لا بأس بالدعاء بالرحمة إذا أريد منها ذلك ، ولمرسل عبد الرحمن بن أبي نجران (٣) قال : « عطس رجل عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له القوم : هداك الله فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : يرحمك الله فقالوا له : إنه نصراني فقال : لا يهديه الله حتى يرحمه » ‌واحتمال أن مراده عليه‌السلام المنع من تسميته بالهداية أيضا وأنه ليس أهلا لذلك لأن الهداية مستلزمة للرحمة كما في الحدائق كما ترى ، على أنه لا داعي له ، إذ ما تضمن من النصوص عده من الحقوق ونحوه ليس فيها دلالة على منع غيره وإن لم يكن من الحقوق ، كما هو واضح.

والظاهر عدم اشتراط التسميت بتحميد العاطس وصلاته على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإطلاق كثير من النصوص ، وخبر النقصان (٤) محمول على تأكد الندب كغيره مما يوهم التقييد ، حتى‌العامي (٥) « أنه عطس عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ ـ ٤من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٥) صحيح البخاري ج ٨ ص ٦١.

٩٨

رجلان فسمت أحدهما ولم يسمت الآخر ، فقال الذي لم يسمته عطس فلان فسمته وعطست أنا فلم تسمتني قال : إن هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله ».

ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى أن استحبابه عيني لا كفائي وإن كان ربما حكي عن التذكرة ذلك ، إلا أني لم أجده فيها ، ولعل وجهه أنه من التحية التي من المعلوم كفائية وجوبها ، وعليه بنى وجوب الرد في الحدائق وتردد فيه في المحكي عن الروض والذخيرة ، لكن فيه أن العرف واللغة على خلافه بل والشرع ، والخبر المزبور محمول على ضرب من التجوز والتشبيه ، نحو قوله عليه‌السلام في المروي (١) عن المناقب لابن شهرآشوب « جاءت جارية للحسن (ع) بطاق ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله فقيل له في ذلك فقال : أدبنا الله تعالى ( إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (٢) ـ إلى آخره ـ وكان أحسن منها عتقها » وغيره مما هو مراد من التحية فيه مقابلة الإحسان بالإحسان ، ومنه يعلم حينئذ عدم وجوب الراد وفاقا لجامع المقاصد وغيره ، للأصل السالم عن المعارض ، نعم هو جائز ومستحب كالتسميت وإن كان في الصلاة ، والظاهر عدم تعيين كيفية خاصة لهما ، وإن كان الأحوط الاقتصار على ما سمعته في النصوص.

وفي استحباب التسميت للصبي المميز إشكال ، من انسياق البالغ ، ومن‌خبر السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : الحمد لله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بارك الله فيك » ‌وقد يقال : إنه لم يرد به التسميت بل الدعاء للغلام حيث أنه حمد الله بعد العطاس.

ولو سمعته جماعة على الاقتران أو التعاقب كان الأولى الرد على كل واحد ، وفي‌

__________________

(١) البحار ـ ج ١٨ ص ٢٠٤ من طبعة الكمباني.

(٢) سورة النساء ـ الآية ٨٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

٩٩

الاجتزاء برد واحد للجميع وجه تشهد له السيرة والصدق العرفي ، فيخرج عن مقتضى قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب ، مع إمكان دعوى أن المسبب هنا ما يصدق على الفرض ضرورة صدق الرد على الجميع ، وكيف كان فالمراد باستحباب التسميت والحمد مثلا هو الثابت في غير حال الصلاة ، وخص بالذكر فيها لاحتمال منعها عنه ، ويمكن أن يكون لحال الصلاة مدخلية في شدة استحبابه كما هو مقتضى عبارات الأصحاب ، بل لا يخلو من قوة في التحميد لما سمعته من النصوص الخاصة فيه بخلاف التسميت ، فتأمل ، والله أعلم.

المسألة الثانية إذا سلم عليه وهو في الصلاة من يرد سلامه يجوز أن يرد عليه مثل قوله : سلام عليكم ، ولا يقول وعليكم السلام على رواية (١) بلا خلاف أجده في عدم مانعية الصلاة نافلة كانت أو فريضة من رد السلام ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٢) مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة ، بحيث لا يصلح لمعارضتها ما في‌خبر مسعدة بن صدقة (٣) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم‌السلام قال : « لا تسلموا على اليهود والنصارى ـ إلى أن قال ـ : ولا على المصلي لأنه لا يستطيع أن يرد السلام ، لأن التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة ، ولا على آكل الربا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الذين في الحمام » ‌من وجوه عديدة ، وبها والإجماع المزبور يقيد النهي (٤) عن كلام الآدميين في الصلاة ، بناء على أن ذلك منه ، على أن التعارض بينه وبين ما دل على وجوب رد التحية تعارض العموم من وجه ، ولا ريب في رجحان الثاني بالنصوص المخصوصة المعمول بها بين الأصحاب المعتضدة بالإجماعات‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢ ـ ٠ـ

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ وفي الوسائل مصدق بن صدقة والصحيح ما أثبتناه كما في الخصال ج ٢ ص ٨٢ من طبع القديم.

(٤) سنن أبى داود ج ١ ص ٣٣٦ ـ الرقم ٩٣٠ « باب تشميت العاطس في الصلاة ».

١٠٠