جواهر الكلام - ج ١١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد ، ولا كذا مع العمل بالأخبار التي تلونا على أنه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم ، لأنه أحصى السبعة بمن ليس حضورهم شرطا ، فسقط اعتبارها » وفيه مضافا إلى ما عرفت أن الجواز إنما يستلزم أحد الوجوبين ولا يعين العيني ، وإن أراد تعين الحضور إذا انعقدت فليس مما نحن فيه ، وإطلاق الأمر مسلم لكن لا خلاف في تقييده بعدد ، ولا يقين بعد تناقض القولين ، ضرورة أن القائل بالسبعة يقول بالخمسة تخييرا لا عينا ، وإحصاء السبعة بهؤلاء للتنبيه على الاختصاص بالإمام كما عرفته سابقا.

ونحوهما ما في المحكي عن المنتهى من أن الأمر بالسبعة لا ينفي الوجوب عن الأقل إلا من حيث دليل الخطاب أو مفهوم الشرط ، وكلاهما لا يعارضان النص ، والنص في خبر ابن مسلم على أنها لا تجب على الأقل مبني على الغالب ، إذ من المستبعد انفكاك المصر من العدد الذي ذكره من الحاكم وغيره ، وإذ كان الحكم إنما هو على الغالب ، إلى أن قال : وهذا التأويل وإن كان بعيدا إلا أنه أولى من الاسقاط ، قلت : قد عرفت أنه لا مقتضي للإسقاط كي يحتاج إلى هذا التأويل أو إلى ما في التذكرة من أن أقل من السبعة قد يكون أقل من الخمسة ، فيحمل عليه جمعا بين الأدلة ، إذ هو كما ترى لا يخفى مرجوحيته بالنسبة إلى ما ذكرناه من الجمع من وجوه.

نعم قد يقال : إن جميع النصوص المزبورة صادرة منهم عليهم‌السلام زمن قصور اليد الذي قد عرفت كون التحقيق فيه التخيير حتى مع السبعة فما زاد ، فحينئذ لا يتجه ما ذكرناه من الجمع بينها إلا إذا لم يكن المراد مما فيها طلب الوقوع ، بل هو أشبه شي‌ء بالحكم الوضعي أو الاخبار : أي الحكم كذا حال وجود الإمام أو المنصوب ، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن البعد ، فلا يبعد حملها جميعا على إرادة التخيير مع اختلاف أفراده في الفضل ، وحينئذ يكون حكم العدد حال ظهور السلطنة متروكا أو مستفادا‌

٢٠١

من ذلك بتجشم ، فتأمل جيدا ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وكيف كان فـ لو انفضوا جميعهم وليس غيرهم في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب إذا لم يعودوا وكان الانفضاض لعذر بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في كشف اللثام لفوات الشرط ، نعم لو عادوا صلوا إن كان تفرقهم بعد الخطبة ولم يطل الفصل ، بل في التذكرة وغيرها وإن طال ، للإطلاق وأصالة عدم اشتراط الموالاة ، والمراد من كونهما عوض الركعتين مجرد وجوبهما ، لكن عنه في موضع من النهاية استشكاله ، ولعله لأصالة الشغل ومعهودية غيره الذي ينصرف إليه الإطلاق ، وهو لا يخلو من قوة ، خصوصا في بعض الأفراد ، وخصوصا على قاعدة شرطية المشكوك ، والاحتياط لا ينبغي تركه.

أما لو عاد غيرهم مع الإمام أعاد الخطبة كما صرح به في المدارك وغيرها ، لظهور النصوص في الصلاة في المخطوبين ، ولا إطلاق يعتد به في الصحة ، فلا مقتضي لها حينئذ لكن عن الموجز وكشف الالتباس أنه بناء على عدم اشتراط الموالاة لا فرق بين عود السامعين وغيرهم ، ولعله لا طلاق الأدلة ، لكن قد يمنع وجوده على وجه يصلح لتناول هذا الفرد ، بل قد يظهر من الأدلة خلافه ، بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن سنان (١) : « الجمعة لا تكون إلا لمن أدرك الخطبتين » ‌وسقوطهما عن المسبوق بعقد الجمعة بالعدد السامعين لا يقضي به قطعا كما هو واضح ، ونحوه لو تلفق العائدون من الأولين وغيرهم ، ولو كان الانفضاض في الأثناء أعاد من رأس إن فات صدق مسمى الخطبة ، لعدم حصول الامتثال ، وإلا بنى لحصوله ، إذ ليس في الأدلة ما يقضي بأزيد من اعتبار مسمى الخطبة ، وكون الواقع منها ما فيه التوالي فلا يجدي غيره وإن حصل به مسماها لا يقيد الإطلاق ، فيتمها حينئذ ويجتزي ، والمرجع في بقاء الاسم العرف ، بل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٧.

٢٠٢

التذكرة لو انفضوا قبل الإتيان بأركان الخطبة وسكت ثم عادوا أتم الخطبة سواء طال الفصل أولا ، لحصول مسمى الخطبة ، وليس لها حرمة الصلاة ، ولأنه لا يؤمن الانفضاض بعد إعادتها ، وهو قول أبي إسحاق ، وتمنع اشتراط الموالاة ، وقال الشافعي : إن طال الفصل استأنف الخطبة ، وإلا فلا ، وعنه أنه مع طول الفصل يصلي أربعا إن لم يعد الخطبة لبطلانها ، ولا يأمن الانفضاض في الإعادة والصلاة ، فيصلي ظهرا ، والظاهر أن مراده قبل الإتيان بتمام أركان الخطبة ، لقوله في المحكي عن نهايته : ولو انفضوا في الأثناء فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب ، فان عادوا قبل طول الفصل جاز البناء ، وكذا إن طال ، لكن عن موضع آخر منها الإشكال في الأخير.

وعلى كل حال ينبغي تقييد الطول بما إذا لم يمض معه مسمى الخطبة عرفا كما عرفت وفي القواعد وموضع آخر من التذكرة « لو انفضوا في خلال الخطبة أعادها بعد عودهم إن لم يسمعوا أولا الواجب منها » وفي الذكرى « لو انفضوا في أثناء الخطبة سقطت ، فلو عادوا أعادها من رأس إن كانوا لم يسمعوا أركانها ، ولو سمعوا بنى سواء طال الفصل أم لا ، لحصول مسمى الخطبة ، ولم يثبت اشتراط الموالاة إلا أن نقول : هي كالصلاة ، فيعيدها ، ويشكل بأنه لا يؤمن انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة ، فيصير ذلك عذرا ، في ترك الجمعة » وقد فهم منها في كشف اللثام وجامع المقاصد البناء على ما سمعوه من البعض ، ومنه ينقدح إمكان إرادته في عبارتي القواعد والتذكرة على معنى أنهم إن لم يسمعوا تمام الواجب أعاد ما لم يسمعوه ، وكذا المحكي عن الجعفرية وشرحها ، ولو عادوا بعد انفضاضهم أعاد الخطيب الخطبة بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها قبل الانفضاض وإن سمعوا الواجب منها أجزأ ذلك سواء طال الفصل أم لا ، إذ الأصل عدم اشتراط الموالاة بين الخطبة ليسمعوا ، والمحكي عن الروض ولو عادوا أعادها من رأس إن لم يكونوا سمعوا أركانها ، وإلا بنى وإن طال الفصل ، فيتفق الجميع حينئذ على عدم اشتراط الموالاة.

٢٠٣

لكن الانصاف عدم خلو هذه العبارات عن الاجمال ، والتحقيق ما قدمناه من كون المدار على بقاء الاسم ، ولو كان العائد غير الأولين استأنف الخطبة من رأس بلا خلاف ولا إشكال ، لكن عن النهاية أنه أقرب ، ويحتمل بل الظاهر أن غير الأقرب الاجتزاء بسماع الأولين ما مضى منها كما سمعته من الموجز وكشفه في جميع الخطبة ، ولا ريب في ضعفه فيهما وإن حكي عنهما الموافقة في المقام ، هذا.

ولا يخفى أن المستفاد من كلامهم في المقام أن العدد شرط في الواجب من الخطبة كالصلاة ، بل في الذكرى لم أقف فيه على مخالف منا ، وعليه عمل الناس في الأعصار والأمصار ، وخلاف أبي حنيفة ملحق بالإجماع ومسبوق به أعني الإجماع الفعلي من المسلمين ، وبه صرح الشيخ والفاضل والشهيد في البيان ، لكن الشيخ في الخلاف بعد أن جعله شرطا فيها استدل عليه بالاحتياط ، ففهم منه الشهيد في البيان أنه جعله احتياطا ، بل ظهر مما ذكرنا اعتبار العدد المخصوص فيهما جميعا على وجه لا يجزي قيام الغير مع انفضاض بعضهم في الأثناء ، نعم ذلك معتبر في الواجب منها دون المستحب إجماعا في التذكرة ، كما أن فيها وفي الذكرى الإجماع على عدم قدح انفضاض الزائد على العدد كما هو واضح من غير فرق بين أثناء الخطبة وكمالها.

وأما لو كان انفضاض العدد المعتبر بعد أن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد لأنه شرط في الابتداء عندنا دون الاستدامة كما في كشف اللثام ، بل نسبه فيه إلى الشيخ ومن بعده ، كما عن بعضهم نفي الخلاف فيه ، ولعله كذلك فيما أجده ، لكن عن الأستاذ الأكبر أن الظاهر من الأخبار اشتراط الاستدامة وعدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة ، بل هو معتبر في الصلاة التي هي اسم للمجموع ، فان كان إجماع وإلا أشكل الأمر ، قلت : تحصيل الإجماع في المقام في غاية الصعوبة ، لأن أول من صرح به الشيخ في الخلاف معترفا‌

٢٠٤

بأنه لا نص فيه لأصحابنا ، لكن قال : إن الذي يقتضيه مذهبهم عدم بطلان الجمعة سواء انفض بعضهم أو جميعهم حتى لا يبقى إلا الإمام ، نعم يمكن دعوى ظهور نصوص العدد ولو بمعونة هذه الشهرة العظيمة في اعتبار ذلك في عقد الجمعة ، بل لا ينكر قابليتها لإرادة ذلك ، فتحمل حينئذ عليه ، ويبقى استصحاب حكم الجمعة للمتلبس بحاله ، مؤيدا بالنهي (١) عن إبطال العمل.

لكن ظاهر الأصحاب في المقام بل صريح الشيخ وجماعة ذلك وإن بقي الإمام وحده ، بل صرح آخرون به فيما لو بقي مأموم وحده ، وقد يشكل بأن عدم اعتبار العدد في الاستدامة لا يقضي بعدم اعتبار الجماعة فيها أيضا ، فالمتجه وجوب اعتبارها مع الإمكان ولو باستخلاف إمام جديد منهم إذا كان المنفض الامام ، والبطلان مع عدمه ، إلا بناء على أن فوات الجماعة اضطرارا غير قادح ، وأن المسبوق ونحوه مما هو مستفاد من الأدلة لا خصوصية له ، وفيه بحث ، وحينئذ يمكن حمل المتن وما شابهه على إرادة بقاء واحد مع الامام لتحصيل مسمى الجماعة كما احتمله المحقق الثاني في فوائده على الكتاب وإن استضعفه بل يمكن أن يكون هو مقتضى التدبر في عبارة البيان ، لأنه قال فيه : « وبعد التلبس بالصلاة يجب الإتمام ولو كان واحدا ـ ثم قال في شرط الجماعة ـ : ولو عرض للإمام مخرج من الصلاة قدموا من يتم بهم ، فان لم يكن فيهم صالح للإمامة فالأقرب السقوط ، وفي الخلاف لا ، وقضية المذهب الإتمام » وظاهره بقرينة نقل ما في الخلاف إرادة سقوط الجمعة ، وما يقال ـ من أنه لا منافاة لعدم دلالة وجوب الإتمام مع الواحد على عدم اعتبار الصلاحية للإمامة مع التعدد ـ غريب الحكم إلا أن يشترط الصلاحية في الواحد أيضا ، وهو أغرب ، فلا ريب أن المتجه فيها ما ذكرنا ، ولعل كلمات الأصحاب في المقام مساقة لعدم اعتبار استمرار العدد ، وهو مسألة أخرى غير الجماعة ، فتأمل جيدا ، إلا أنه يسهل‌

__________________

(١) سورة محمد (ص) ـ الآية ٣٥.

٢٠٥

الخطب قوة عدم اعتبار الجماعة فيها عندنا مع الاضطرار ، هذا.

وظاهر المصنف وغيره بل صرح به بعضهم اشتراط الصحة مع الانفضاض بتلبس العدد المعتبر ولو بالتكبير ، أما إذا انفضوا قبله بعد تلبس الامام فلا جمعة لعدم الشرط في الابتداء فضلا عن الاستدامة ، لكن قد يظهر من معتبر المصنف الصحة فيه أيضا ، بل هو صريح الشافية ، واستوجهه في المدارك كما أنه استظهره في كشف اللثام ، بل لعل ذلك مقتضى دليلهم على الصحة بعد التلبس ، لكن لا يخفى عليك ضعف ذلك بملاحظة نصوص العدد ، كقوله عليه‌السلام : « لا جمعة لأقل من خمسة » ‌ونحوه ، وأوضح منه فسادا لو لم يدخل أحد منهم معه ، لفوات الجماعة حينئذ التي فرضها الله فيها ، فالتحقيق أن الجمعة للإمام تستقر بدخول العدد معه كما هو واضح ، وافتتاحه لها على ذلك بتخيل لحوق الشرط لا يصيرها كذلك وإن فات ، وما أبعد ما بين ذلك وبين ما في التذكرة والمحكي عن النهاية من اشتراط الصحة باتمامهم ركعة ، فإن انفضوا قبلها فلا جمعة ، لكن احتمل في الأخير تحقق الركعة بإدراك الركوع.

وعلى كل حال فلا دليل عليه سوى مفهوم‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة » ‌بل ووله عليه‌السلام (٢) : « من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى » ‌إذ عدم الإضافة مستلزم للبطلان، و‌قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها » ‌وهو كما ترى أجنبي عن المقام ، بل هو نقله حجة للشافعي ومالك في المحكي من منتهاه ، وأجاب عنه بأن الباقي بعد الانفضاض مدرك ركعة بل الكل ، وإنما لا يكون مدركا لو اشترط في الإدراك بقاء العدد ، وهو أول المسألة.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦ـ ٨

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٢٠٦

ثم إن الظاهر البطلان حيث تبطل الجمعة ، لعدم النية ، لكن احتمل الفاضل العدول إلى الظهر ، لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة ، وضعفه واضح ، وربما تسمع له تتمة فيما يأتي إن شاء الله ، والله أعلم.

الشرط الثالث الخطبتان عوض الركعتين إجماعا بقسميه ، ونصوصا (١) قولا وفعلا ، وما عن الكافي ـ حيث قال : « وخطبته في أول الوقت مقصورة على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمصطفين من آله عليهم‌السلام والوعظ » ـ يمكن إرادته ما يشمل الخطبتين كبعض النصوص (٢) قال في المحكي عن المنتهى : « الخطبة شرط في الجمعة ، وهو قول عامة أهل العلم لا نعرف فيه مخالفا إلا الحسن البصري ـ واستدل عليه بأخبار الخطبتين ، ثم قال ـ : ولا يكفي الخطبة الواحدة بل لا بد من الخطبتين ، فلو أخل بواحدة منهما فلا جمعة له ذهب إليه علماؤنا أجمع » كما أنه في التذكرة حكى الاجتزاء بخطبة عن مالك والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وأحمد في رواية وأصحاب الرأي ، لكن في البيان « ولا تجزي الجمعة بغير خطبة ، والحسن البصري محجوج بالإجماع ، ولا تكفي الواحدة ، وقول النعمان مدفوع بالشهرة » ويمكن أن يريد بها بين العامة والخاصة على وجه يجامع إجماع الخاصة.

وعلى كل حال فالخطبة بالضم من القول والكلام كما في مختصر النهاية ، والخطبة خطبة المنبر والنكاح لا غير في الغريبين ، وفي المجمل « الخطاب كل كلام بينك وبين الآخر ، ولذلك سميت الخطبة » وفي الصحاح « خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا وخطبت على الأمر خطبة بالضم ـ إلى أن قال ـ : وخطب بالضم خطابة بالفتح صار خطيبا » وكيف كان فالظاهر عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها وإن كان الأقوى أنها في اللغة ولو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ و ١٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

٢٠٧

على جهة النقل فيها اسم لكلام مخصوص ، واعتبار النية فيها كما في جامع المقاصد والروضة وعن حاشية الإرشاد ونهاية الأحكام والغرية والروض أعم من ثبوت الحقيقة الشرعية فيها ، ضرورة ابتنائه على أصالتها في كل مأمور به من غير مدخلية لها ، على أنه يمكن منعه باحتمال كون الأمر من حيث أنها شرط صحة الجمعة ، ومثله يمنع أصالة العبادة فيه ، على أن المحكي عن الروض التوقف في كون النية فيها شرطا أو واجبا ، ولعل غيره كذلك ، فينتفي كونها عبادة ، لمعلومية اشتراطها بها ، بل لعل ظاهر ترك الأكثر التعرض لها فيها عدم اعتبارها مطلقا ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فـ يجب شرعا هنا في كل واحدة منهما الحمد لله أي التحميد بلا خلاف أجده فيه ، بل في الخلاف والغنية وظاهر كشف الحق وغيره الإجماع عليه ، كما أنه اتفقت عليه النصوص (١) القولية والفعلية عدا‌ خبر العيون (٢) « وإنما جعلت خطبتين لأنه تكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله عز وجل والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء ولما يريد » ‌إلى آخره ويمكن كون المراد المقصد الأصلي فيها ذلك وإن ذكر التحميد ونحوه في ابتدائها ، بل الأولى الاقتصار على لفظ « الحمد لله » كما في صحيح ابن مسلم (٣) وخطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) بل في التذكرة ويجب في كل خطبة منهما حمد الله تعالى ، ويتعين « الحمد لله » عند علمائنا أجمع ، واستدل بالتأسي لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داوم عليه ، وبالاحتياط ، وبقول الصادق عليه‌السلام (٥) : « يحمد الله » ثم قال : « إذا‌

__________________

(١) و (٢) و (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ٦ ـ ٢

(٣) فروع الكافي ـ ج ١ ص ٤٢٢ من الطبع الحديث « باب تهيئة الإمام للجمعة وخطبته والإنصات ، الحديث ٦.

(٤) الفقيه ج ١ ص ٢٧٥ ـ الرقم ١٢٦٢ من طبعة النجف.

٢٠٨

عرفت هذا فهل يجزيه لو قال : الحمد للرحمن أو لرب العالمين؟ إشكال ينشأ من التنصيص على لفظ الله تعالى ، ومن المساواة في الاختصاص به » بل عنه في نهاية الأحكام أن الأقرب إجزاء « الحمد للرحمن » ولعله لاختصاصه بنفسه كلفظ الجلالة ، بخلاف « رب العالمين » وكان مراده بمعقد الإجماع لفظ التحميد ، لكن قد عرفت أن الأولى الاقتصار على لفظ الجلالة ، ولا ينافيه ما في‌ موثق سماعة (١) « يحمد الله » ‌بعد انصرافه إلى اللفظ المزبور كالتسبيح ، بل يمكن حمل خبر العيون (٢) عليه أيضا.

نعم لا يبعد اعتبار الثناء عليه زيادة على ذلك كما في موثق سماعة بل وصحيح ابن مسلم وخطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعقد إجماع الخلاف والغنية وظاهر كشف الحق ، بل هو في عبارة جماعة من الأصحاب ، إلا أنها تحتمل كمعقد الإجماعات وموثق سماعة إرادة تفسير الحمد به ، لكنه لا تخلو من بعد.

ومنه ينقدح حينئذ قوة المحافظة على لفظ الحمد ولا يجزي عنه الثناء ، وفي كشف اللثام أن المراد بهما واحد ، أو الثناء هو الوصف بما هو أهله ، والحمد هو الإتيان بلفظه أو الشكر ، أما التمجيد المذكور في خبر العيون والمحكي عن المصباح والسرائر مع الثناء فالظاهر اتحاده معه ، اللهم إلا أن يراد منه خصوص التعظيم بخلاف الثناء ، لكنه كما ترى.

وأما الصلاة على النبي محمد وآله عليهم‌السلام فخيرة الأكثر نقلا وتحصيلا وجوبها ، بل هو من معقد إجماع الخلاف والغنية والتذكرة وغيرها ، بل لا خلاف فيه فيما أجد في الثانية ، فتركه فيها في‌ إحدى (٣) الخطبتين المرويتين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام يمكن كونه من الراوي ، مع أن فيها « اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ ـ ٦

(٣) روضة الكافي ص ١٧٥ ـ الرقم ١٩٤ المطبوعة عام ١٣٧٧.

٢٠٩

فيمكن اكتفاؤه بهذه الصلاة عن الخطبة والذكر ، فتأمل ، نعم خيرة المصنف في النافع والمعتبر والمحكي عن السيد وموضع من السرائر عدم وجوبها في الأولى لموثق سماعة الآني (١) لكن قد يقيد بصحيح ابن مسلم وخطبتي أمير المؤمنين ٧ ومعقد الإجماع السابق ، بل الأولى الإتيان بخصوص لفظ الصلاة لذلك أيضا كما عن الشهيدين والكركي وغيرهم التصريح به.

وأما الوعظ فوجوبه خيرة الأكثر نقلا وتحصيلا ، بل هو من معقد إجماع الخلاف والغنية وظاهر كشف الحق ، وبه مع صحيح ابن مسلم (٢) وإحدى (٣) خطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام يقيد ما يظهر من موثق سماعة من عدم الوعظ في الثانية كإحدى (٤) خطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل اعتمد عليه في النافع والمعتبر ، بل في كشف اللثام أن السيد لم يذكره في شي‌ء منهما ، لكن هو حكى‌ عن مصباح السيد مرسلا « أنه يحمد الله ويمجده ويثني عليه ويشهد لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة ويوشحها بالقرآن ويعظ ، وفي الثانية الحمد والاستغفار والصلاة على النبي وعليهم ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ويدعو لأئمة المسلمين ولنفسه وللمؤمنين ».

كما أنك مما ذكرنا تعرف أن ما في المدارك وتبعه عليه غيره ـ من أن ظاهر المصنف في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه أن وجوب الحمد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوعظ موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامة ، وذلك لعدم تحقق الخطبة بدونه عرفا ـ لا يخلو من خلل كما عرفت ، فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

(٢) فروع الكافي ـ ج ١ ص ٤٢٢ من الطبع الحديث « باب تهيئة الإمام للجمعة وخطته والإنصات » ٦.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٢٧٥ ـ الرقم ١٢٦٢ من طبعة النجف.

(٤) روضة الكافي ص ١٧٥ ـ الرقم ١٩٤ المطبوعة عام ١٣٧٧.

٢١٠

والظاهر عدم تعيين لفظ حتى الوصية بتقوى الله ، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه ، للأصل واختلاف الخطب المأثورة ، وما في‌ خبر سماعة « يوصي بتقوى الله » ‌وفي‌ صحيح ابن مسلم في الخطبتين وفي خطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام في الأولى منهما « أوصيكم عباد الله بتقوى الله » ‌لا يقضي بالتعيين ، ولذا لم يأت به في الخطبة الثانية من خطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، نعم عن نهاية الأحكام « أنه لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها » لأنه قد يتناهى به المنكرون للمعاد ، بل لا بد من الحمل على طاعة الله والمنع عن المعاصي » ولا ريب في أنه أحوط وإن كان لا يخلو من منع ، ولعله اليه أومأ في المدارك بقوله : « يجزي كل ما اشتمل على الوصية بتقوى الله والحث على الطاعات والتحذير عن المعاصي والاغترار بالدنيا وما شاكل ذلك » لكن قد يؤيده ما في موثق سماعة من الأمر بالوصية بتقوى الله ، نعم يكفي ( أَطِيعُوا اللهَ ) كما عنه فيها وفي التذكرة التصريح به ، هذا ، وفي المدارك « وفي الاجتزاء بالآية المشتملة على الوعظ عنهما وجهان ، أقربهما ذلك ـ قال ـ : وكذا الكلام في الآية المشتملة على التحميد ونحوه من أجزاء الخطبة » وفيه إمكان الفرق بظهور بعض نصوص المقام (١) في أن المراد بذكر القرآن في الخطبة الوعظ بخلاف التحميد ، بل الأقوى عدم الاجتزاء مطلقا ، لأصالة عدم التداخل ، فتأمل.

وأما وجوب قراءة سورة خفيفة فيهما فهو المشهور بين الأصحاب ، لكن في كشف اللثام « لم أظفر له بدليل إلا ما في التذكرة ونهاية الأحكام من أنهما بدل من الركعتين ، فتجب فيهما كما تجب فيهما ، وضعفه ظاهر » قلت : وموثق سماعة وصحيح ابن مسلم وخطبتا أمير المؤمنين عليه‌السلام إنما يظهر منها قراءتها في الأولى وتتميمه بعدم القول بالفصل يمكن منعه أولا بما ذهب اليه المصنف في النافع والمعتبر من العمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

٢١١

بموثق سماعة ، وعكسه ثانيا بظهور الجميع عدا الموثق في عدم وجوب آية في الثانية ، ولا قائل بوجوب سورة معها في الأولى ، وإن كان هو الذي يقتضيه الجمع بين النصوص الفعلية والقولية.

وعلى كل حال فالقول بعدم القراءة أصلا ـ كما عن الكافي وخطبته في أول الوقت مقصورة على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمصطفين من آله عليهم‌السلام ووعظ وزجر ، والإشارة على ما حضرني من نسخة كشف اللثام ، وقصرهما على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على نبيه وآله عليهم‌السلام والمواعظ المرغبة في ثوابه المرهبة من عقابه ، وخلوها مما سوى ذلك ـ لا ريب في ضعفه ، بل في كشف اللثام بعد عبارة الكافي « أن لفظ « مقصورة » صريح في عدم دخول القرآن فيها لا في عدم وجوبها ، فقد تجب بينهما كما سمعت وبعدهما » قلت : قد حكى غيره عن الإشارة زيادة على ما سمعته منها والفصل بينهما بجلسة وقراءة سورة خفيفة وفي الغنية « صعد المنبر فخطب خطبتين مقصورتين على حمد الله سبحانه والثناء عليه والصلاة على محمد وآله ( صلوات الله عليهم ) والوعظ والزجر يفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة من القرآن ـ إلى أن قال ـ : كل ذلك بدليل الإجماع » وفي النهاية « ينبغي أن يخطب الخطبتين ويفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة ويحمد الله في خطبته ويصلي على النبي وآله ( صلوات الله عليهم ) ويدعو لأئمة المسلمين ويدعو أيضا للمؤمنين ويعظ ويزجر وينذر ويخوف » وعن الاقتصاد « أقل ما يخطب به أربعة أشياء : الحمد لله والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين » ونحو ذلك في البينية المحكي عن الإصباح أيضا ، وصحيح محمد بن مسلم وخطبتا أمير المؤمنين عليه‌السلام صريحة في فعلها قبل الجلوس ، وأنها من جملة الخطبة ، بل عقبها أمير المؤمنين عليه‌السلام في إحدى خطبتيه بالصلاة على محمد وآله عليهم‌السلام

٢١٢

والدعاء للمؤمنين ونحو ذلك وأطال فيه ، ويمكن إرادة توشيح الخطبة بالسورة من البينية فلا مخالفة حينئذ ، كما أن ما عن ابن سعيد « وأن يخطب خطبتين قائما إلا من عذر متطهرا فاصلا بينهما يجلسه وسورة خفيفتين تشتملان على حمد الله والثناء والصلاة على محمد وآله عليهم‌السلام والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن » لم أعرف له شاهدا إن أراد سورة للفصل غير السورتين.

نعم في الفقيه « خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام في يوم الجمعة فقال : الحمد لله ـ إلى أن قال ـ : إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله عز وجل ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو الفتاح العليم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يبدأ بعد الحمد بقل هو الله أحد أو بقل يا أيها الكافرون أو بإذا زلزلت الأرض زلزالها أو بألهاكم التكاثر أو بالعصر ، وكان مما يداوم عليه قل هو الله أحد » وفي كشف اللثام بعد الحمد يعني فاتحة الكتاب ، وليس في مصباح الشيخ بعد الحمد ، قلت : ومقتضاه حينئذ قراءة سورتين في الخطبة الأولى ، إلا أن الظاهر كونهما من الخطبة لا إحداهما للفصل الذي له الجلوس ، فما ذكره ابن سعيد لا مستند له ، اللهم إلا أن يكون فهمه من‌ حسن ابن مسلم (١) « يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ، ولا يصلي الناس ما دام الامام على المنبر ، ثم يقعد على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ، ثم يقوم فيفتتح خطبة » ‌ويمكن إرادته الفصل بسورة الخطبة بمعنى الإتيان بها في آخرها ، فيوافق حينئذ غيره ممن عرفت كما أن ما في الخلاف « أقل ما تكون الخطبة أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله عليهم‌السلام ويقرأ شيئا ويعظ الناس ، فهذه أربعة أشياء لا بد منها ، وإن أخل بشي‌ء لم يجزه ، وما زاد عليه مستحب ، دليلنا إجماع الفرقة » يمكن إرادته السورة من الشي‌ء ، فيوافق ما في مبسوطة وجمله ، وكذا ما في كشف الحق « ذهبت الإمامية إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

٢١٣

وجوب أربعة أشياء في الخطبة : حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام والوعظ وقراءة شي‌ء من القرآن » وإلا لم نعرف له موافقا عليه فضلا عن كونه مجمعا عليه عدا ما سمعته من مصباح السيد ، مع أن التوشيح قد يقضي بالآية الكاملة.

نعم في الذكرى والمقاصد العلية والمفاتيح والماحوزية قراءة ما تيسر على ما حكي عن بعضها ، كما أنه لا شاهد له سوى‌ خبر صفوان بن معلى (١) « أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ على المنبر ( وَنادَوْا يا مالِكُ ) (٢) » ‌ولا دلالة فيه على ذلك بوجه ، إذ يمكن أنه سمعه يقرأ في أثناء الموعظة ، لكن في جامع المقاصد وعن غيره أن الشيخ في الخلاف وأكثر المتأخرين اختاروا الاجتزاء بالآية التامة ، واختاره هو في جملة من كتبه والشهيدان في البيان والروضة والعلامة الطباطبائي في منظومته :

وكأنه هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وقيل يجزي ولو آية واحدة مما يتم بها فائدتها وهو لا يخلو من وجه ، لا مكان حمل السورة في النصوص السابقة على أحد الأفراد ، للاكتفاء بها في الخطبة الثانية ، ولا قائل بالفرق المزبور ، وهو وإن كان يمكن معارضته بالعكس كما أومأنا اليه سابقا في الجملة إلا أنه قد يترجح بإمكان حمل السورة في الأولى على أحد الأفراد بخلاف الاجتزاء بالآية في الثانية في صحيح ابن مسلم وخطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، خصوصا الأخيرتين اللتين هما نقل قوله عليه‌السلام ، واحتمال ترك الراوي له بعيد إن لم يكن مقطوعا بعدمه ، مضافا إلى إجماعي الخلاف وكشف الحق بناء على إرادة ذلك منهما ، هذا ، ولكن في جامع المقاصد أن المراد بالآية التامة الفائدة ما يستقل بإفادة معنى يعتد به بالنسبة إلى مقصود الخطبة ، سواء تضمنت وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصصا ، فلا يجزي نحو قوله تعالى (٣) ( مُدْهامَّتانِ )

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٣ وفيه « صفوان بن يعلى عن أبيه » إلخ.

(٢) سورة الزخرف ـ الآية ٧٧.

(٣) سورة الرحمن ـ الآية ٦٤.

٢١٤

ولا نحو (١) ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ) ولا بأس به.

وقد ظهر لك من ذلك كله تفصيل الحال في الأمور الأربعة ولكن في رواية سماعة‌ الموثقة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد يمنية أو عدني ويخطب وهو قائم‌ ثم يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثم يقرأ سورة خفيفة من القرآن ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله ( صلوات الله عليهم أجمعين ) وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإذا فرغ من هذا قام المؤذن فأقام الصلاة وصلى بالناس » إلى آخرها. وعليها اعتمد في النافع والمعتبر ، وقد عرفت ما يقتضي ثبوت بعض ما زاد عليها ، لكن ظاهره وظاهر صحيح ابن مسلم إيجاب الصلاة على الأئمة عليهم‌السلام في الثانية ، بل في الثاني منهما ذكرهم عليهم‌السلام تفصيلا ، كما أن ظاهر الموثق المزبور ، وخطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام إيجاب الاستغفار للمسلمين والمسلمات في الثانية ، وصحيح ابن مسلم في الأولى ، فمقتضى الجمع بين النصوص ذلك فيهما معا ، إلا أن ندرة الفتوى بها وما سمعته من إجماع الشيخ وغيره على الاجتزاء بدونه وسوق النصوص للأعم من الواجب والمندوب ونحو ذلك مما لا يخفى يمنع من الجرأة على الوجوب ، وإن كان الوجوب في الجملة ظاهر ما سمعته من مصباح السيد ونهاية الشيخ والنافع والمعتبر وغيرها ، بل ربما استظهر من موضع من السرائر أيضا ، لقوله : « قام الإمام متوكئا على ما في يده ، فابتدأ بالخطبة الأولى معلنا بالتحميد لله تعالى والتمجيد والثناء بآلائه وشاهدا لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) سورة الشعراء ـ الآية ٤٥.

(٢) ذكر صدرها في الوسائل ـ في الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ وذيلها في الباب ٢٥ منها ـ الحديث ٢.

٢١٥

بالرسالة وحسن الإبلاغ والإنذار ، ويوشح خطبته بالقرآن ومواعظه وآدابه ، ثم يجلس جلسة خفيفة ، ثم يقوم فيفتتح الخطبة الثانية بالحمد لله والاستغفار والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ويثني عليهم بما هم أهله ويدعو لأئمة المسلمين ، ويسأل الله تعالى أن يعلى كلمة المؤمنين ويسأل الله لنفسه وللمؤمنين حوائج الدنيا والآخرة ، ويكون آخر كلامه ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) » (١) إلا أن الظاهر إرادته الندب من ذلك لقوله فيها قبل ذلك :

« أقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف : حمد الله والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام والوعظ والزجر وقراءة سورة خفيفة » وذكره الزجر مع عدها أربعة لا يريد به وجوبه بالخصوص زيادة على الوعظ كغيره ، من العبارات السابقة ، خصوصا عبارة الإشارة ، وإن كان الأحوط الجمع بين الترغيب والترهيب.

بل الأحوط المحافظة على جميع ما يستفاد من نصوص المقام صحيح ابن مسلم وموثق سماعة وخطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام إلا ما علم كونه ندبا ، ولعل منه الشهادة بالتوحيد التي يمكن تحصيل الإجماع على عدم وجوبها فضلا عن المنقول ، بل والشهادة بالرسالة وإن ظهر من المرتضى وجوبها كما سمعت.

والمشهور كما عن الذخيرة اعتبار عربيتهما ، وفي المدارك « منع أكثر الأصحاب من إجزاء الخطبة بغير العربية للتأسي ، وهو حسن » قلت : قد يفرق فيهما بين الحمد والصلاة وبين الوعظ ، فيجوز بغيرها اختيارا مع فهم العدد ، بخلافهما لظهور الأدلة في إرادة اللفظ فيهما والمعنى فيه ، وإن كان الواقع منه عليه‌السلام العربية فيه أيضا ، لكن لعله لأنه عليه‌السلام عربي يتكلم بلسانه لا لوجوبه ، وعلى الاشتراط لو لم يفهم‌

__________________

(١) سورة النحل ـ الآية ٩٢.

٢١٦

العدد العربية ولا أمكن تعلمها فالأقوى كما عن الفاضل والشهيدين والكركي الاجتزاء بالعجمية ، لأن مقصود الخطبة لا يتم بدون فهم معانيها ، فما عن الروض بل هو ظاهر المنظومة أيضا من وجوب العربية مطلقا كما ترى ، وإن أيده في الحدائق بمنع كون العلة في الخطبة التفهيم بل هو حكمة ، وبأن البلدان التي فتحت من العجم والروم وعين فيها الأئمة لم ينقل الترجمة لهم ، ولو وقع لنقل ، إذ فيه أن الأصل فيما ظاهره العلة الأول ، ويمكن حضور العدد الذي يفهم في البلدان المزبورة ، نعم قد يحتمل كما في المدارك سقوط الجمعة حينئذ ، لعدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه ، مع أن فيه أنه يكفي فيها الإطلاقات مع عدم صلاحية دليل الاشتراط لشمول الفرض ، والتحقيق ما عرفت.

وأما ترتيب أجزاء الخطبة بتقديم الحمد ثم الصلاة ثم الوعظ ثم القرآن ففي الذكرى وغيرها وجوبه ، بل عن بعضهم نسبته إلى المشهور ، فلو خالف أعاد على ما يحصل معه الترتيب ، ولا ريب في أنه أحوط ، بل قد يستفاد بعضه من موثق سماعة وغيره ، لكن في المدارك وعن الروض أن في تعيينه نظرا ، وعن المنتهى عده من المستحبات وأنه قال :فلو عكس ففي الإجزاء نظر ، أقربه الثبوت ، قلت : هو لا يخلو من قوة في البعض ، بل من وجه في الجميع وإن كان الأولى المحافظة على ما في النصوص ضاما إليها ما يقتضيه المقام مما ينبغي إعلام الناس به ، وقد سمعت موثق سماعة ، أما‌ صحيح ابن مسلم (١) فهو « الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، انتجبه لولايته واختصه برسالته وأكرمه بالنبوة أمينا على غيبه ، ورحمة للعالمين ، وصلى الله على محمد وآله وعليهم‌

__________________

(١) فروع الكافي ـ ج ١ ص ٤٢٢ من الطبع الحديث « باب تهيئة الإمام للجمعة وخطبته والإنصات ، الحديث ٦.

٢١٧

السلام ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأخوفكم من عقابه ، فان الله ينجي من اتقاه بمفازتهم ، لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ، ويكرم من خافه ، يقيهم شر ما خافوا ، ويلقيهم نضرة وسرورا ، وأرغبكم في كرامة الله الدائمة ، وأخوفكم عقابه الذي لا انقطاع له ولا نجاة لمن استوجبه ، فلا تغرنكم الدنيا ولا تركنوا إليها ، فإنها دار غرور كتب الله عليها وعلى أهلها الفناء ، فتزودوا منها الذي أكرمكم الله به من التقوى والعمل الصالح ، فإنه لا يصل إلى الله من أعمال العباد إلا ما خلص منها ، ولا يتقبل الله إلا من المتقين ، وقد أخبركم الله عن منازل من آمن وعمل صالحا ، وعن منازل من كفر وعمل في غير سبيله ، وقال ( ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ، وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ، يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ ، إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) (١) نسأل الله الذي جمعنا لهذا الجمع أن يبارك لنا في يومنا هذا ، وأن يرحمنا جميعا ، إنه على كل شي‌ء قدير ، إن كتاب الله أصدق الحديث ، وأحسن القصص ، قال الله تعالى ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٢) فاسمعوا طاعة الله وأنصتوا ابتغاء رحمته ، ثم اقرأ سورة من القرآن ، وادع ربك ، وصل على النبي وسلم ، وادع للمؤمنين والمؤمنات ثم تجلس قدر ما تمكن هنيئة ، ثم تقوم وتقول : الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده‌

__________________

(١) سورة هود عليه‌السلام ـ الآية ١٠٥ إلى ١١٠.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٢٠٣.

٢١٨

لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وجعله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ينفع بطاعته من أطاعه ، والذي يضر بمعصيته من عصاه ، الذي إليه معادكم وعليه حسابكم ، فان التقوى وصية الله فيكم وفي الذين من قبلكم ، قال الله تعالى :( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ ) ( وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً ) (١) » انتفعوا بموعظة الله وألزموا كتابه ، فإنه أبلغ الموعظة وخير الأمور في المعاد عاقبة ، ولقد اتخذ الله الحجة ، فلا يهلك من هلك إلا عن بينة ، ولا يحيى من حي إلا عن بينة ، وقد بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أرسل به ، فألزموا وصيته وما ترك فيكم من بعده من الثقلين كتاب الله وأهل بيته عليهم‌السلام الذين لا يضل من تمسك بهما ، ولا يهتدي من تركهما ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ، ثم تقول : اللهم صل على علي أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين ، ثم تسمي الأئمة عليهم‌السلام حتى تنتهي إلى صاحبك ، ثم تقول : اللهم افتح له فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا ، اللهم أظهر به دينك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى لا يستخفي بشي‌ء من الحق مخافة أحد من الخلق ، اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة ، اللهم ما حملتنا من الحق فعرفناه ، وما قصرنا عنه فعلمناه ، ثم يدعو الله على عدوه ، ويسأل لنفسه وأصحابه ، ثم يرفعون أيديهم فيسألون الله حوائجهم كلها حتى إذا فرغ من ذلك قال : اللهم استجب لنا ، ويكون آخر‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ١٣٠.

٢١٩

كلامه أن يقول ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) ثم تقول : اللهم اجعلنا ممن تذكر فتنفعه الذكرى ، ثم ينزل ».

وأما‌خطبتا أمير المؤمنين عليه‌السلام فالأولى (٢) « الحمد لله أهل الحمد ووليه ومنتهى الحمد ومحله البدي‌ء البديع الأجل الأعظم الأعز الأكرم المتوحد بالكبرياء ، والمتفرد بالآلاء القاهر بعزة ، والمتسلط بقهره الممتنع بقوته ، والمتعالي فوق كل شي‌ء بجبروته ، المحمود بامتنانه وبإحسانه ، المتفضل بعطائه وجزيل فوائده ، المتوسع برزقه المسبغ بنعمته ، نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله ويملأ قدر آلائه وكبريائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي كان في أوليته متقادما ، وفي ديموميته مسيطرا ، خضع الخلائق بوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته ، ودانوا الدوام أبديته ، وأشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله وخيرته من خلقه ، اختاره بعلمه ، واصطفاه لوحيه ، وائتمنه على سره ، وارتضاه لخلقه ، وانتدبه لعظيم أمره ولضياء معالم دينه ومناهج سبيله ومفتاح وحيه ، وسببا لباب رحمته ، ابتعثه على حين فترة من الرسل ، وهدأة من العلم ، واختلاف من الملل ، وضلال عن الحق ، وجهالة بالرب ، وكفر بالبعث والوعد ، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فضله وفصله وبينه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل ( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ضرب للناس فيه الأمثال ، وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون ، أحل فيه الحلال ، وحرم فيه الحرام ، وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، ويكون بلاغا لقوم عابدين ، فبلغ رسالته وجاهد في‌

__________________

(١) سورة النحل ـ الآية ٩٢.

(٢) روضة الكافي ص ١٧٣ ـ الرقم ١٩٤ المطبوعة عام ١٣٧٧.

٢٢٠