مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

إلا الحصر والبواري [١] ، فإنها تطهرهما أيضاً ، على الأقوى.

______________________________________________________

لكن عرفت ـ بعد الإجماع على عدم تمامية عموم الخبر ـ أنه يتعين حمله على ما لا ينقل. وأما التعدي فغير ظاهر. على أن الحكم في الحصر والبواري محل نظر كما يأتي. نعم يمكن إثبات ذلك باستصحاب المطهرية التقديرية الثابتة قبل عروض النقل ، ولو بني على معارضته باستصحاب النجاسة ـ بناءً على معارضة الاستصحاب التعليقي بالاستصحاب التنجيزي ـ فالمرجع قاعدة الطهارة. لكن عرفت قريباً الإشكال في مثل هذا الاستصحاب التقديري.

[١] على الأشهر ـ كما عن الرياض ـ أو المشهور ـ كما عن الحدائق ـ بل هما داخلان في معقد نفي الخلاف في محكي التنقيح. لصحيح ابن جعفر (ع) : « عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال (ع) : نعم لا بأس » (١). و‌صحيحه الآخر : « عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليها؟ قال (ع) : إذا يبست فلا بأس » (٢) ‌ونحوه موثقة عمار‌ (٣). وهي وإن لم ينص فيها على الشمس. إلا أنه يجب تقييدها بذلك ، للإجماع على عدم الطهارة بمجرد اليبس. وفيه : أنه كما يمكن فيها ذلك يمكن حملها على إرادة السؤال من حيث كونه مكاناً للمصلي ، كصحيح ابن جعفر (ع) : « عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ، ويصيبهما البول ، ويغتسل فيهما من الجنابة ، أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال (ع) : نعم » (٤). ولأجل ذلك استشكل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٨١

والظاهر أن السفينة والطرادة من غير المنقول [١]. وفي ( الگاري ) ونحوه إشكال. وكذا مثل ( الچلابية ) والقفة. ويشترط في تطهيرها أن يكون في المذكورات رطوبة مسرية [٢] ،

______________________________________________________

في الحكم جماعة ممن عاصرناهم ، أو قاربوا عصرنا. اللهم إلا أن يُستند في ذلك الى عموم خبر الحضرمي‌ ، أو الأصل. وقد عرفت الاشكال فيهما معاً.

[١] لصدق‌ « المكان الذي يصلى فيه » ‌ـ المذكور في صحيح زرارة ـ عليهما ، كصدق السطح ـ المذكور فيه ـ على سطح بيوتهما. وهذا هو العمدة في ثبوت الحكم لهما ، و ( للگاري ) و ( الچلابية ) والقفة ، ومجرد الصغر والكبر لا أثر له في الفرق. وأما خبر الحضرمي‌ فمنصرفه الثابت أو ما يعد جزءاً منه ، وكون السفينة و ( الطرادة ) منه محل إشكال أو منع ، كشموله ( للگاري ) و ( الچلابية ) والقفة. نعم لا ينبغي التأمل في شموله للجسر والمعبرة لثباتهما.

[٢] لتوقف الجفاف عليها ، المعتبر في التطهير ، كما في صحيح زرارة‌. نعم مقتضى الاكتفاء باليبس في الموثق كفاية مجرد النداوة وإن لم تكن مسرية ، لصدق اليبس على ذهابها. وحيث أن بين التجفيف واليبس ـ عرفاً ـ عموماً من وجه بحسب المورد ـ لتوقف الأول على الرطوبة المسرية ، وصدقه على ذهابها ولو مع بقاء النداوة في الجملة ، ويكفي في الثاني مجرد النداوة في الجملة ، ولا يصدق إلا مع ذهاب جميعها ـ كان مقتضى الجمع بين الصحيح والموثق الاكتفاء بأحد الأمرين ، فإن كان في الموضع رطوبة مسرية ، فذهبت بالشمس ، طهر ولو مع بقاء النداوة ، وإن كانت غير مسرية ، طهر بذهابها ، لصدق الجفاف في الأول ، واليبس‌

٨٢

وأن تجففها بالإشراق عليها [١] بلا حجاب عليها ـ كالغيم ونحوه ـ ولا على المذكورات. فلو جفت بها من دون إشراقها ـ ولو باشراقها على ما يجاورها ـ أو لم تجف ، أو كان الجفاف بمعونة الريح ، لم تطهر [٢].

______________________________________________________

في الثاني. ولو بني على حمل الجفاف في الصحيح على اليبس ، إما لترادفهما ـ كما قد يظهر من كلام بعض أهل اللغة ـ أو لوجوب حمله في المقام عليه ، ـ لامتناع طهارة المكان مع بقاء نداوة البول ، التي هي عين نجاسة ـ كان المدار في التطهير على اليبس ، وحيث لا يعتبر في صدقه الرطوبة المسرية ، فلا دليل على اعتبارها. نعم لو كان اعتبار اليبوسة بنحو التقييد لدليل الجفاف ، كان دليل الجفاف دليلاً على اعتبار الرطوبة المسرية ، ولكنه غير ظاهر. واما صحيح ابن بزيع‌ فاعتبار الماء فيه يمكن أن يكون لأجل تحقيق اليبس ، فلا شهادة فيه على اعتبار الرطوبة المسرية.

[١] كما هو المصرح به في خبر الحضرمي‌ ، وموثق عمار‌ ، ومنصرف صحيح زرارة‌ ، بل هو الظاهر منه ، في قبال التجفيف بالحرارة المستندة إليها.

[٢] للأصل ، مع عدم الدليل على الطهارة حينئذ. وعن المدارك وجماعة الحكم بالطهارة ، لصدق التجفيف بالشمس. ولا سيما مع كون الغالب ذلك. وفيه : أن ظاهر النسبة الكلامية في قوله (ع) : « إذا جففته الشمس » ‌هو الاستقلال ، لا ما يعم الاشتراك ، نظير قولك : قتل زيد عمراً ، وليس من قبيل : جاء زيد ، الشامل لحالتي مجي‌ء عمرو وعدمه. وأما الغلبة فكونها بنحو الاشتراك في التأثير ممنوع. نعم الغالب أن يكون للريح دخل ضعيف في التأثير ، على نحو لا يمنع من صحة نسبة التجفيف الى الشمس ، وليس هو محل الكلام. وأما صحيح زرارة وحديد‌ المتقدم (١)

__________________

(١) تقدم في الاستدلال على مطهرية الشمس.

٨٣

نعم الظاهر أن الغيم الرقيق أو الريح اليسير ، على وجه يستند التجفيف إلى الشمس وإشراقها ، لا يضر [١]. وفي كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال [٢].

( مسألة ١ ) : كما تطهِّر ظاهر الأرض كذلك باطنها [٣] المتصل بالظاهر النجس ، باشراقها عليه ، وجفافه بذلك ،

______________________________________________________

فهو وإن كان ظاهراً في مطهرية التجفيف المشترك بينهما وبين الشمس ، لكن ظاهره تعين الاشتراك ، ولا يقول به المدعي ، وكما يمكن حمله على ما يوافق الدعوى ، يمكن حمله على أن ذكر الريح كان جرياً على الغالب ، الذي عرفت أنه غير المدعى. وعن الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف الطهارة بتجفيف الريح كالشمس. ولا وجه له ـ ظاهراً ـ إلا إطلاق موثق عمار‌ ، وروايتي ابن جعفر المتقدمة في البواري‌. وقد عرفت إشكاله ، أو صحيح زرارة وحديد‌ ، بناءً على حمل الواو على معنى ( أو ) ، وهو أيضاً غير ظاهر. ولا سيما وقد ادعى في التحرير الإجماع على خلافه ، وكذا في المنتهى ، في الفرع الأول من الفروع التي ذكرها.

[١] للغلبة ، كما تقدم.

[٢] ينشأ من ظهور الإشراق في وقوع نفس الضوء على الأرض ، ومن احتمال أن يراد به ما يعم الانعكاس. لكن لا مجال لرفع اليد عن الظاهر. وكذا الكلام فيما لو كان الحائل زجاجاً.

[٣] كما عن التذكرة ، والمهذب ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، والروض ، التصريح به بشرط اتحاد الاسم ، وعن ظاهر البحار الإجماع عليه. وهو الظاهر من روايات عمار‌ ، والحضرمي‌. وابن بزيع‌ ، بناءً على حملها على المشهور. بل وصحيح زرارة‌ (١) ، فإن الظاهر من قوله (ع) :

__________________

(١) تقدمت هذه الروايات الأربع في الاستدلال على مطهرية الشمس.

٨٤

بخلاف ما إذا كان الباطن فقط نجساً [١] ، أو لم يكن متصلا بالظاهر ـ بأن يكون بينهما فصل بهواء ، أو بمقدار طاهر ـ أو لم يجف [٢] ، أو جف بغير الإشراق على الظاهر ، أو كان فصل بين تجفيفها للظاهر وتجفيفها للباطن [٣] ، كأن يكون أحدهما في يوم والآخر في يوم آخر ، فإنه لا يطهر في هذه الصور.

( مسألة ٢ ) : إذا كانت الأرض أو نحوها جافة ، وأريد تطهيرها بالشمس ، يصب عليها الماء [٤] الطاهر ، أو النجس ، أو غيره مما يورث الرطوبة فيها حتى تجففها.

( مسألة ٣ ) : ألحق بعض العلماء البيدر الكبير بغير المنقولات ، وهو مشكل [٥].

______________________________________________________

« فهو طاهر » ‌طهارة تمام ما جففت الشمس ما أصابه من البول. واختصاص الصلاة بالسطح الظاهر لا يقدح في ظهوره فيما ذكر ، الذي هو مصب السؤال والجواب. ولعل السكوت عن التعرض في النصوص لاختصاص الطهارة بالظاهر ظاهر في عمومها للباطن ، فإنه الموافق للارتكاز. فتأمل. ومنه يظهر ضعف ما عن المنتهى من اختصاص الحكم بالظاهر.

[١] فإنه خلاف مورد النصوص ، وخلاف ظاهر خبر الحضرمي‌ ، ومثله الثاني والثالث.

[٢] لفقد الشرط ، وكذا فيما بعده.

[٣] فإنه يرجع إلى الفرض الأول.

[٤] وعن الذخيرة أنه المشهور بين المتأخرين. ويقتضيه عموم الحكم لغير البول ، كما تقدم. وتقدم أنه محمل صحيح ابن بزيع‌.

[٥] ينشأ إشكاله من جهة أن أجزاءه من المنقول ، فيكون الكل‌

٨٥

( مسألة ٤ ) : الحصى والتراب والطين والأحجار ونحوها ما دامت واقعة على الأرض هي في حكمها [١] ، وإن أخذت منها لحقت بالمنقولات [٢] ، وإن أعيدت عاد حكمها [٣]. وكذا المسمار الثابت في الأرض ، أو البناء ، ما دام ثابتاً يلحقه الحكم ، وإذا قلع يلحقه حكم المنقول ، وإذا أثبت ثانياً يعود حكمه الأول ، وهكذا فيما يشبه ذلك.

( مسألة ٥ ) : يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة [٤] إن كان لها عين.

______________________________________________________

كذلك ، ولا مجال لقياسه على الحصى والتراب ، لأنهما معدودان من أجزاء مجموع الأرض التي هي من غير المنقول ، وليس هو كذلك ، لعدم السنخية بينه وبين الأرض. ومن أن مجموع الأجزاء لكثرتها لها نحو ثبات به تُعد من غير المنقول. ولعله الأقرب ، لإطلاق خبر الحضرمي‌ ، ولو بناءً على انصرافه إلى خصوص الثابت ، لصدقه عليه بذلك الاعتبار. ومثله الكثير المجتمع من الحطب ، والتمر ، والأواني ، والظروف ، وغيرها مما كان له نحو ثبات.

[١] لعدّها جزءاً منها. نعم لا بد من المناسبة الموجبة لصحة اعتبار الجزئية للأرض ، ويشكل بدونها ، كالقطعة من الطين الموضوعة في الأرض المفروشة بالصخر.

[٢] لكونها كذلك حقيقة.

[٣] لعود مناطه. ومنه يعلم الوجه فيما بعده.

[٤] إجماعاً ، كما في المستند ، وعن المدارك ، واللوامع. لقصور النصوص عن إثبات الطهارة مع بقائها. وموثق عمار‌ لا إطلاق له ، ولو لأجل‌

٨٦

( مسألة ٦ ) : إذا شك في رطوبة الأرض حين الإشراق أو في زوال العين بعد العلم بوجودها ، أو في حصول الجفاف أو في كونه بالشمس أو بغيرها أو بمعونة الغير ، لا يحكم بالطهارة [١] وإذا شك في حدوث المانع عن الإشراق من ستر ونحوه يبنى على عدمه ، على إشكال تقدم نظيره في مطهرية الأرض [٢].

( مسألة ٧ ) : الحصير يطهر باشراق الشمس على أحد طرفيه طرفه الآخر [٣]. وأما إذا كانت الأرض التي تحته نجسة فلا تطهر بتبعيته [٤] ، وإن جفت بعد كونها رطبة. وكذا إذا كان تحته حصير آخر ، إلا إذا خيط به على وجه يعدان معاً شيئاً واحداً. وأما الجدار المتنجس إذا أشرقت الشمس على أحد جانبيه فلا يبعد طهارة جانبه الآخر إذا جف به [٥] ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [٦].

______________________________________________________

الارتكاز العرفي. أو بملاحظة أن وجود العين ـ غالباً ـ مانع عن تحقق الإشراق على المحل المعتبر في تحقق طهارته. وكفى بالإجماع دليلاً.

[١] للشك في تحقق شرطها ، الموجب للشك فيها ، الموجب للرجوع الى استصحاب عدمها.

[٢] وتقدم المنع فيه أيضاً.

[٣] لما تقدم في لحوق الباطن بالظاهر ، من أن منصرف النص طهارة تمام الجسم بالإشراق على سطحه.

[٤] لعدم الاتحاد الموجب لفهم التبعية من النص.

[٥] للاتحاد ، كما في أحد طرفي الحصير.

[٦] ينشأ من توهم اختصاص التبعية بما لا يمكن الإشراق عليه إلا‌

٨٧

وأما إذا أشرقت على جانبه الآخر أيضاً فلا إشكال.

( الرابع ) : الاستحالة ، وهي تبدل حقيقة الشي‌ء وصورته النوعية إلى صورة أخرى [١].

______________________________________________________

بالتبع ، كالباطن بالنسبة إلى الظاهر. ولكنه يجري في أحد طرفي الحصير أيضاً ، ولا يختص بالمقام ، وإن كان ممنوعاً في المقامين ، لإطلاق خبر الحضرمي‌.

[١] هذا التعريف نسبه الشهيد في محكي حواشيه على القواعد إلى الأصوليين. وفي محكي قواعده نسب إلى الفقهاء تفسيرها بتغيير الأجزاء وانقلابها من حال إلى حال. وربما فسرت بتبدل الحقيقة النجسة إلى حقيقة أخرى ليست من النجاسات. وهذه التفاسير ـ مع اختلافها ، وعدم اطرادها. وتوقف الأول والأخير على معرفة حقيقة العين النجسة ، وحقيقة ما تستحيل اليه ، والوقوف على الحقائق متعسر أو متعذر. إلا أن يكون المراد الحقائق العرفية. فتأمل ـ لا حاجة إليها ، إذ لم يقع عنوان الاستحالة موضوعاً لحكم المطهرية في الكتاب أو السنة ، وإنما وقع في بعض معاقد الإجماع المعتد بها مقيداً بمثل استحالة العذرة رماداً ، أو دخاناً ، أو تراباً ، أو نحو ذلك لا بنحو الكلية. فالعمدة الرجوع إلى ما يستفاد من الأدلة الدالة على الطهارة ، وهو أحد أمور على سبيل منع الخلو : الإجماع القولي ، والسيرة العملية ، وأدلة طهارة المستحال اليه ، وقاعدة الطهارة ، المتعينة للمرجعية بعد سقوط الاستصحاب عن الحجية ، لعدم بقاء الموضوع ، وستأتي الإشارة إليها. ومن ذلك يظهر أن الطهارة المترتبة على الاستحالة قسمان : واقعية إن ثبتت بالأدلة الثلاثة الأُول ، وظاهرية إن ثبتت بقاعدة الطهارة.

٨٨

______________________________________________________

ثمَّ إن الاستحالة على أنواع ( منها ) : الاستحالة بالنار رماداً ، أو دخاناً. فقد حكي الإجماع على مطهريتها عن الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وعن الحلي ، والمحقق في الشرائع ، والعلامة في جملة من كتبه ، وجامع المقاصد وغيرهم ، نعم عن المعتبر التردد في الرماد ، وربما يوهمه ما في أطعمة الشرائع أيضاً ، حيث قال : « دواخن الأعيان النجسة طاهرة عندنا وكذا كل ما أحالته النار فصيرته رماداً ، أو دخاناً ، أو فحماً ، على تردد ». لكن الظاهر رجوع التردد إلى الفحم فقط ، كما فهمه غير واحد وقد يشهد به صدر كلامه. وربما نسب الى المبسوط نجاسة دخان الدهن النجس ، معللا بأنه لا بد من تصاعد بعض أجزائه قبل إحالة النار لها. لكن الظاهر أنه ليس خلافاً فيما نحن فيه. وعن الشيخ أيضاً الاستدلال على الطهارة ـ مضافاً الى الإجماع ـ بصحيح ابن محبوب : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة ، وعظام الموتى ، ثمَّ يجصص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : إن الماء والنار قد طهراه » (١). واستشكله المحقق في المعتبر بأن الإجماع لا نعلمه هنا ، وأن الماء الذي يمازج الجص هو ما يحتل به ، وذلك لا يطهر إجماعاً ، والنار لم تصيره رماداً. وتبعه عليه جماعة. وحملها على إرادة السؤال عن نجاسة الرماد المختلط بالجص ، ونجاسة نفس الجص بملاقاة رطوبة العظام والعذرة ، فتكون النار مطهرة للرماد المختلط. ويراد من الماء ماء المطر المطهر للجص. بعيد جداً. فالأولى الاستدلال على طهارة الرماد والدخان بقاعدة الطهارة. ولا مجال لدعوى حكومة الاستصحاب عليها ، لامتناع جريانه في المقام ، لتعدد الموضوع ، بنحو لا يصح عرفاً أن يقال : كان الرماد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٨٩

______________________________________________________

أو الدخان نجساً ، فهو على ما كان. لأنهما عرفاً نظير المتولد من العين النجسة ، لا أنه عينها.

( ومنها ) : الاستحالة بالنار بخاراً. والمعروف الطهارة ، بل ظاهر بعض أنه لا كلام فيه. واستدل عليه بالسيرة على عدم التوقي عنه ، كما في بخار الحمامات ، وفي بخار البول أيام الشتاء وغير ذلك. وتكفي فيه قاعدة الطهارة التي عرفت أنها المتعينة للمرجعية بعد سقوط الاستصحاب عن الحجية.

( ومنها ) : الاستحالة إلى الدود والتراب. والمعروف الطهارة أيضاً ، لقاعدة الطهارة. وعن المبسوط النجاسة في الثاني ، وعن الفاضلين التوقف. وهو غير ظاهر ، إلا بناءً على حجية الاستصحاب هنا ، التي قد عرفت منعها.

( ومنها ) : استحالة الكلب والخنزير ملحاً ، لوقوعه في المملحة. والمحكي عن المدنيات ، والإيضاح ، والدروس ، والبيان ، وجامع المقاصد ، وكشف اللثام ، وغيرها : الطهارة ، كما يقتضيها الأصل المتقدم. وعن المعتبر ، والتحرير ، والمنتهى ، والنهاية : النجاسة. وتردد في القواعد. واستدل على النجاسة في المعتبر بأن النجاسة قائمة بالأجزاء النجسة ، لا بأوصاف الأجزاء ، فلا تزول بتغير أوصاف محلها ، وتلك الأجزاء باقية ، فتكون النجاسة باقية ، لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها. ومرجع الدليل الاستصحاب ، الذي قد عرفت إشكاله.

( ومنها ) : استحالة النطفة حيواناً طاهراً ، والغذاء النجس بولاً أو خرءاً للحيوان إذا كان مأكول اللحم ، أو لبناً أو لعاباً أو عرقاً له ، أو غير ذلك من فضلاته مطلقاً ، ولو كان غير مأكول اللحم. والظاهر عدم الخلاف‌

٩٠

فإنها تطهِّر النجس ، بل المتنجس [١] ،

______________________________________________________

في الطهارة ، كما يستفاد من كلماتهم في المقام ، ومن حكمهم بطهارة فضلات الحيوان الجلال عدا بوله وخرئه. ويقتضيها ما دل على طهارة الحيوان. وإطلاق ما دل على طهارة فضلاته كافة ، فإنه يشمل ما لو تغذى بعين النجاسة. لكن الإشكال في ثبوته ، لانصراف دليل طهارتها إلى حيثية كونها فضلة لذلك الحيوان ، في قبال نجاسة فضلة غيره ، لا من حيث كونه متغذياً بالنجاسة أو بغيرها ، فقوله : « بول ما يؤكل لحمه وخرؤه طاهر » (١) ظاهر في الطهارة من حيث كونه مضافاً إلى ما يؤكل لحمه في مقابل ما لا يؤكل لحمه ، ولا نظر فيه إلى حيثية كونه متغذياً بالنجاسة أولا. فتأمل. نعم تثبت الطهارة فيه بقاعدة الطهارة المتقدمة ، ولا مجال لاستصحاب النجاسة ، لتعدد الموضوع. وإن كان قد يتأمل في بعض فروضه ، كما لو شرب الماء النجس فصار بولاً ، فان في تعدد الموضوع عرفاً تأملاً ، لكنه في غير محله ، إذ الظاهر التعدد.

[١] كما عن جماعة ، بل ربما يستفاد من ملاحظة بعض كلماتهم أنه إجماع ، كما ذكر في الجواهر ، وعن غيرها. ومع ذلك فقد حكي التفصيل عن جماعة ، فأثبتوا المطهرية لاستحالة النجس دون استحالة المتنجس ، لأحد أمرين ( الأول ) : أن الحكم بالطهارة في استحالة النجس لأجل انتفاء الموضوع المعلق عليه النجاسة ، كعنوان الكلب ، أو العذرة ، أو نحوهما ، المؤدي إلى الرجوع إلى قاعدة الطهارة ، لامتناع الاستصحاب مع تبدل الموضوع ، كما عرفت ، ولا مجال لذلك في استحالة المتنجس ، لأن الموضوع الطارئ عليه‌

__________________

(١) هذه العبارة بهذا النص لم نعثر عليها في النصوص ، ولعله مد ظله في مقام نقل المضمون إذ يوجد ما يدل على هذا المضمون في ب : ٩ ، ١٠ ، ١١ من أبواب النجاسات.

٩١

كالعذرة تصير تراباً [١] ، والخشبة المتنجسة إذا صارت رماداً ، والبول أو الماء المتنجس بخاراً ، والكلب ملحاً .. وهكذا [٢] ،

______________________________________________________

النجاسة هو الملاقي للنجس ، وهو نفس الجسم ، وبعد الاستحالة باق بنفسه فيرجع إلى استصحاب نجاسته ، المقدم على قاعدة الطهارة ( الثاني ) : أن الإجماع ، الذي هو المستند في الطهارة في استحالة النجس ، غير منعقد في استحالة المتنجس ، فيرجع فيه إلى استصحاب النجاسة.

وفيه : أنهما معاً مبنيان على أن المرجع في بقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب هو الدليل ، والمحقق في محله خلافه ، وأن المرجع فيه العرف ، بحيث يكون رفع اليد عن الحكم السابق نقضاً لليقين عرفاً ، فمهما كان الحال كذلك جرى الاستصحاب ، وإلا امتنع ، فاستحالة النجس رماداً إن كانت موجبة لتعدد الموضوع عرفاً ، ومانعة من صدق النقض على الحكم بالطهارة ـ كما هو الظاهر ـ كانت استحالة المتنجس كذلك ، وإن لم تكن مانعة في الثاني لم تكن مانعة عنه في الأول أيضاً ، وجرى استصحاب النجاسة فيهما ، وانتفاء الموضوع المعلق عليه النجاسة ـ مثل عنوان الكلب ـ إنما يمنع من التمسك بالدليل على النجاسة ، لا بالاستصحاب. ومنه يظهر أنه لو فرض عدم ثبوت الإجماع على مطهريتها في المتنجس كفت قاعدة الطهارة بعد امتناع الاستصحاب ، لتعدد الموضوع.

[١] وكذا لو صارت جزء البقول والخضروات بالتسميد.

[٢] والضابط أن يكون التبدل موجباً لتعدد الموضوع عرفا ، بحيث يكون المستحال إليه عرفاً متولداً من المستحال منه ، لا أنه هو هو ، فلا يكون رفع اليد عن الحكم السابق من نقض اليقين بالشك ، فيكون المرجع قاعدة الطهارة.

٩٢

كالنطفة تصير حيواناً ، والطعام النجس جزءاً من الحيوان. وأما تبدل الأوصاف ، وتفرق الأجزاء ، فلا اعتبار بهما ، كالحنطة إذا صارت طحيناً ، أو عجيناً [١] ، أو خبزاً [٢] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر للاستصحاب.

[٢] على المشهور. لاستصحاب النجاسة ، لبقاء الموضوع عرفا. ولما‌ عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ـ وما أحسبه إلا حفص بن البختري ـ : « قيل لأبي عبد الله (ع) في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال (ع) : يباع ممن يستحل أكل الميتة » (١). و‌في مرسله الآخر عنه (ع) : « يدفن ولا يباع » (٢) ‌، و‌في خبر زكريا بن آدم : « فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم. فقال (ع) : فسد. قلت : أبيعه من اليهودي والنصارى وأبين لهم. قال (ع) : نعم فإنهم يستحلون شربه » (٣). والمناقشة في دلالتها على النجاسة في غير محلها ، كالمناقشة في سندها ، لحجية المرسل إذا كان من مثل ابن أبي عمير مع أنها مجبورة بالعمل. فتأمل!

وعن الشيخ في النهاية والاستبصار الطهارة. لمرسل ابن أبي عمير أيضاً عنه (ع) : « في عجين عجن وخبز ، ثمَّ علم أن الماء كان فيه الميتة قال (ع). لا بأس ، أكلت النار ما فيه » (٤). و‌خبر الزبيري : « عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب ، فتموت ، فيعجن من مائها ، أيؤكل ذلك الخبز؟ قال (ع) : إذا أصابته النار فلا بأس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الأسئار حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الأسئار حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٨.

٩٣

والحليب إذا صار جبناً [١]. وفي صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحماً تأمل [٢] ،

______________________________________________________

بأكله » (١). وبمضمون الثاني محكي الفقيه (٢) والمقنع (٣). وفيه : أن الثاني ليس مما نحن فيه بناءً على طهارة البئر ، بل وأخص من المدعى بناءً على نجاسته ، فيجب الاقتصار فيه على مورده. مع ضعف سنده بجهالة الزبيري ، وإعراض الأصحاب عنه. والأول غير ظاهر في نجاسة الماء ، وإطلاق الماء والميتة يمكن رفع اليد عنه بما سبق ، فيحمل الماء على ماء البئر ، أو تحمل الميتة على الميتة الطاهرة ، ويكون المراد من أكل النار ما فيه مجرد ارتفاع القذارة المتوهمة ، أو بعض مراتب النجاسة. وأما الجمع بينها بحمل الأولى على الكراهة ، فبعيد ، ولا سيما الثاني منها. وخاصة مع كون النجاسة مظنة الإجماع ، فإن الشيخ (ره) ـ المنسوب إليه الخلاف في النجاسة ـ وإن كان ظاهره الطهارة في مياه النهاية ، إلا أنه في محكي أطعمتها جزم أولاً بعدم جواز أكل الخبز المعجون بالماء النجس ، ثمَّ قال : « وقد رويت رخصة جواز أكله ، وذلك أن النار قد طهرته. والأحوط ما قدمناه » ، وفي الاستبصار احتمل أن يكون محمل أخبار الجواز ماء البئر. فلاحظ ، وتأمل.

[١] بلا خلاف ظاهر. للاستصحاب.

[٢] للتأمل في بقاء الموضوع وارتفاعه ، ولذلك اختلفت الفتوى فيه فمن ظاهر جامع المقاصد الطهارة ، وعن صريح المسالك النجاسة ، وكلام الأكثر خال عن التعرض له ، كما قيل. ولا يبعد القول بالطهارة ، للشك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١٧.

(٢) الفقيه طبع إيران ص : ٤ س : ٢٣.

(٣) المقنع طبع إيران ص : ٤ س : ١٠.

٩٤

وكذا في صيرورة الطين خزفاً أو آجراً [١] ، ومع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة [٢].

______________________________________________________

في بقاء الموضوع ، المقتضي للرجوع إلى قاعدة الطهارة.

[١] فعن المبسوط ، والخلاف ، ونهاية الأحكام ، وموضع من المنتهى وعن البيان ، وجماعة ممن تأخر عنهم : القول بالطهارة ، بل نسب إلى الأكثر ، وعن الشيخ (ره) دعوى الإجماع عليه. وعن المسالك والروضة ، والروض ، والإيضاح : القول بالنجاسة. وتوقف في القواعد وغيرها. ويستدل للأول ـ مضافاً إلى الإجماع الذي ادعاه الشيخ ـ بصحيح ابن محبوب المتقدم (١) في الجص‌. وبأصالة الطهارة ، لعدم جريان الاستصحاب إما لتبدل الموضوع ، أو لمعارضته باستصحاب طهارة الملاقي ، أو لأن النجاسة ثابتة بالإجماع ، ولا يجري استصحاب حال الإجماع. والجميع كما ترى ، إذ الإجماع لم يثبت بنحو يعتمد عليه. والصحيح لو اتضح المراد منه ، وأمكن العمل به ، اختص بمورده. وتبدل الموضوع بهذا المقدار من الاختلاف ببعض الصفات ممنوع. ومثله دعوى المعارضة ، لحكومة الأول ، لأنه سببي ، على الثاني ، لأنه مسببي. مع أنها لو تمت فإنما تجدي في الرجوع إلى أصالة الطهارة في الملاقي له ، لا فيه ، كما هو المدعى واستصحاب حال الإجماع حجة كحال النص ، كما هو محقق في محله.

[٢] للشك في حصول المطهِّر ، الموجب للرجوع إلى أصالة عدمه ، الموافق لأصالة بقاء النجاسة ، وإن كان الأول مقدّماً عليه ، لأنه سببي. وفيه : أنه مع الشك في الاستحالة يشك في بقاء الموضوع ، فيمتنع الرجوع إلى استصحاب النجاسة ، بل المرجع قاعدة الطهارة ، كما لو علم بالاستحالة.

__________________

(١) تقدم في النوع الأول من أنواع الاستحالة.

٩٥

______________________________________________________

فإن قلت : لِمَ لا يرجع إلى استصحاب بقاء الموضوع ، ليترتب عليه الرجوع إلى استصحاب النجاسة ، وهو الحكم؟

قلت : استصحاب بقاء الموضوع لا يثبت صدق الشك في البقاء ، حتى يجري استصحاب الحكم ، وهو النجاسة.

فإن قلت : لِمَ لا يرجع إلى استصحاب نفس العنوان السابق ، مثل استصحاب كونه عذرة ، أو نطفة ، أو نحو ذلك ، ليترتب عليه حكمه ـ وهو النجاسة ـ بلا توسط الاستصحاب.

قلت : إذا فرضنا أن المستحال إليه معدود موضوعاً آخر ، وأن موضوع النجاسة قد انتفى بذاته ، وأن المستحال إليه متولد عرفاً من المستحال منه لا أنه هو ، فمع الشك لا يصح أن يقال : إنه كان نطفة أو عذرة ، إلا بالمداقة العقلية ، وليست هي المدار في صحة الاستصحاب ، وإلا لثبتت النجاسة مع الاستحالة ، لأنه إذا صح قولنا : كان نطفة ، صح قولنا : كان نجساً ، فيجري استصحاب النجاسة ( وبالجملة ) : بعد البناء على عدم جريان استصحاب النجاسة ، لتبدل الموضوع ، لا مجال لاستصحاب بقاء العنوان ، بنحو مفاد كان الناقصة بأن يقال : كان هذا كذا ، لأن احتمال التبدل مانع عن صدق القضية. نعم يصح الاستصحاب بنحو مفاد كان التامة ، بأن يقال : كانت النطفة موجودة فهي باقية ، بالاستصحاب. لكنه لا يثبت كون هذا هو النطفة. فلاحظ وتأمل.

هذا إذا كان الشك بنحو الشبهة المصداقية ، أما لو كان بنحو الشبهة المفهومية ، كما لو شك في الاستحالة في مثل صيرورة العذرة فحما فلا مجال لأصالة عدم الاستحالة ، ولا لاستصحاب كونه عذرة ، لأنه من استصحاب المفهوم المردد ، ولا لاستصحاب النجاسة ، للشك في بقاء الموضوع ،

٩٦

( الخامس ) : الانقلاب ، كالخمر ينقلب خلًّا ، فإنه يطهر [١] ، سواء كان بنفسه أو بعلاج [٢] ،

______________________________________________________

كما هو ظاهر.

[١] إجماعاً ، كما عن المنتهى ، والمهذب البارع ، وكشف اللثام ، ومجمع البرهان. ونصوصاً ، كما سيأتي :

[٢] إذ الأول هو المتيقن من معقد الإجماعات المتقدمة ، وعن المنتهى نسبه الحكم فيه إلى علماء الإسلام ، وفي مجمع البرهان إلى إجماع الأصحاب ، بل المسلمين،

والثاني نسبه في المنتهى إلى علمائنا. والنصوص فيه مستفيضة. ففي مصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « عن الخمر العتيقة تجعل خلاً. قال (ع) : لا بأس « (١) ‌، ونحوه موثق عبيد‌ (٢) و‌في موثقة الآخر : « في الرجل إذا باع عصيراً ، فحبسه السلطان حتى صار خمراً ، فجعله صاحبه خلاً. فقال (ع) : إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به » (٣). و‌في صحيح ابن المهتدي : « كتبت إلى الرضا (ع) : جعلت فداك. العصير يصير خمراً ، فيصب عليه الخل وشي‌ء يغيره حتى يصير خلا. قال (ع) : لا بأس به » (٤). و‌عن المستطرفات ، عن جامع البزنطي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (ع) : « عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحول خلاً. قال (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ١ ، وب : ٧٧ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٣ ، وب : ٧٧ من أبواب النجاسات حديث : ٢‌

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٨.

٩٧

______________________________________________________

لا بأس » (١) .. إلى غير ذلك. كما أن إطلاق مثل‌ خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن الخمر يكون أوّله خمراً ثمَّ يصير خلا. قال (ع) : إذ ذهب سكره فلا بأس » (٢) ‌يقتضي ثبوت الحكم في الأول والثاني. نعم ظاهر بعض النصوص المنع في الثاني ، كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « عن الخمر يجعل فيها الخل. فقال (ع) لا إلا ما جاء من قبل نفسه » (٣). و‌روايته الأخرى عنه (ع) : « عن الخمر يصنع فيها الشي‌ء حتى تحمض. قال (ع) : إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس به (٤). و‌روايته الأخرى عنه (ع) : « عن الخمر تجعل خلا. قال (ع) : لا بأس إذا لم يجعل فيه ما يغلبها » (٥). لكنها محمولة على الكراهة جمعاً.

وفي المسالك ـ بعد ما استدل على الحل في الثاني ، بمصححة زرارة‌ ورواية أبي بصير الثانية‌ ـ قال : « واعلم أنه ليس في الأخبار المعتبرة ما يدل على جواز علاجها بالأجسام ، والحكم بطهرها كذلك ، وإنما هو عموم أو مفهوم ، كما أشرنا إليه مع قطع النظر عن الاسناد » وفيه : ـ مع أن الدليل لا يختص بما ذكر ، كما عرفت ـ : أن العموم والمفهوم من أقسام الحجة. مع أن رواية أبي بصير‌ غير ظاهرة الدلالة بالمفهوم على الحل ، بل مفهومها يدل على العدم في الجملة ، كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب لأشربة المحرمة حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٢ ، وب : ٧٧ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٤ ، وب : ٧٧ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

٩٨

كإلقاء شي‌ء من الخل [١] أو الملح [٢] فيه ، سواء استهلك أو بقي على حاله [٣]. ويشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه [٤] ، فلو وقع فيه ـ حال كونه‌

______________________________________________________

[١] كما في صحيح ابن المهتدي‌ ، ويقتضيه إطلاق غيره.

[٢] كما نص عليه في رواية المستطرفات‌ ، ويقتضيه إطلاق غيرها.

[٣] كما صرح به جماعة ، ونسب إلى المشهور. وقد يتأمل في الطهارة فيما إذا بقي المطروح المعالج به ، بل نسبا المنع في المجمع والكفاية إلى القيل وكأنه لتنجسه بالخمر ، وعدم الدليل على طهارته بالانقلاب ، لاختصاص نظر الأخبار إلى نجاسة الخمر « وفيه » : أن اختصاص النظر بذلك لا يمنع من الحكم بطهارته بما فيه تبعاً ، لأن إطلاقها اللفظي إذا كان شاملا لصورة عدم الاستهلاك كان إطلاقها المقامي دالاً على طهارة ما لم يستهلك ، فان مقتضى إهمال النصوص للتعرض لبقاء الأجسام الملاقية للخمر على النجاسة مع وجودها غالباً فيها ، طهارتها تبعاً ، كما لا يخفى. وقد يقال في دفع الاشكال المذكور بأن ظاهر الأدلة الدالة على مطهرية الانقلاب الطهارة الفعلية ، فتدل بالالتزام على طهارة الأجسام التي فيها ، لامتناع طهارتها الفعلية مع بقاء تلك الأجسام على النجاسة « وفيه » : أن الأدلة لا تدل على الطهارة الفعلية مطلقاً ، وإنما تدل على الطهارة الفعلية من حيث نجاسة الخمر ، فلا تصلح للدلالة على طهارة غيرها بالالتزام.

[٤] لما عرفت من اختصاص نظر النصوص بنجاسة الخمر لا غير ، أما النجاسة الحاصلة بملاقاة النجس فلا موجب لارتفاعها ، ومقتضى الأصل بقاؤها ، كما ذهب إليه جماعة. نعم لو قيل بعدم تنجسه بنجاسة خارجية لامتناع ذلك ، أو قصور الأدلة عن إثباته ، فالحكم الطهارة أيضاً.

٩٩

خمراً ـ شي‌ء من البول أو غيره ، أو لاقى نجساً ، لم يطهر بالانقلاب [١].

( مسألة ١ ) : العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلاً لم يطهر. وكذا إذا صار خمراً [٢] ثمَّ انقلب خلاً.

( مسألة ٢ ) : إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر ، وبقي على حرمته [٣].

( مسألة ٣ ) : بخار البول أو الماء المتنجس طاهر [٤] ،

______________________________________________________

[١] لاستصحاب النجاسة ، ولا دليل على الطهارة ، لاختصاص النصوص بالخمر.

[٢] لما عرفت من قصور نصوص الباب عن إثبات ذلك ، فالعمل على الاستصحاب.

[٣] لإطلاق أدلة حرمته ونجاسته. نعم قد يستفاد الطهارة والحل من خبر ابن جعفر (ع) المتقدم‌ لقوله (ع) فيه : « إذا ذهب سكره فلا بأس ». ويعضده‌ خبر أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) : « أما الخمر فكل مسكر من الشراب » (١).كما أنه يستفاد من موثق عبيد المتقدم المتضمن‌ لقوله (ع) : « إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس » ‌: أن انقلاب الخمر إلى غير الخل أيضاً موجب لحليتها وطهارتها. لكن الظاهر عدم عملهم بهذه الظواهر ، وبناؤهم على تخصيص طهارة الخمر بالانقلاب خلاً لا غير ، كما اعترف بذلك في الجواهر وغيرها ، ويقتضيه ظاهر كلامهم في مطهرية الانقلاب. ولو لا ذلك لكان العمل بهذه النصوص في محله.

[٤] كما تقدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٥.

١٠٠