مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

وهي القصد إلى الفعل [١] ، مع كون الداعي أمر الله تعالى [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما عن المنتهى ، وشرح نجيب الدين ، وغيرهما. والمراد من القصد الإرادة ، كما فسرت النية بها في أكثر محكي عبارات الأصحاب ، بل في محكي رسالة الفخر : أنه عرّفها المتكلمون بأنها إرادة من الفاعل للفعل ، وعرفها الفقهاء بأنها إرادة إيجاد الفعل المطلوب شرعاً على وجهه ، ونحوه ما عن التنقيح ، وفي محكي حواشي الشهيد : أنها عند المتكلمين إرادة بالقلب يقصد بها إلى الفعل ، وعند الفقهاء إرادة الفعل ، وعن شرح المفاتيح أنها الباعثة على العمل المنبعثة عن العلم ، ونحوه ما عن العلامة الطباطبائي قدس‌سره وإن كان الظاهر من لفظ القصد أنه غير الإرادة ، وأنه السعي نحو الشي‌ء ، ولذا يتعلق بالأعيان الخارجية ، فتقول : قصدت زيداً ، ولا تقول : أردت زيداً ، إلا على معنى : أردت الوصول إليه. بنحو من العناية. لكن من المعلوم أن المراد منه في المقام هو الإرادة ، كما يستعمل فيها عرفاً كثيراً.

[٢] لأن الوضوء عبادة اتفاقاً ، بمعنى أنه لا يترتب عليه الأثر إلا إذا جاء به العبد بعنوان العبادة ، ولا ينبغي التأمل في أنه يعتبر في تحقق العنوان المذكور كون الإتيان بالفعل عن داعي أمر المولى ، بمعنى كون أمر المولى هو الموجب لترجيح وجود الفعل على عدمه في نظر العبد ، الموجب ذلك لتعلق إرادته به.

هذا ولأجل أن مجرد كون الفعل مأموراً به لا يوجب رجحانه في نظر العبد ذاتاً ، وإنما يوجب رجحانه عرضاً بلحاظ عناوين أخر ، تعرض المصنف رحمه‌الله كغيره لتلك العناوين ( فمنها ) : كون الفعل حقاً من حقوق المولى ، فيفعله أداء لحقه ( ومنها ) : كونه شكراً له على نعمة‌

٤٦١

إما لأنه تعالى أهل للطاعة ـ وهو أعلى الوجوه [١] ـ أو لدخول‌

______________________________________________________

( ومنها ) كونه موجباً للرفعة عنده والقرب منه. وظاهر بعض رجوعه إلى ما بعده ، فيشكل الاكتفاء به عند من استشكل في الاكتفاء بما بعده. لكنه غير ظاهر ( ومنها ) : كونه موجباً للتفصي عن البعد عنه ( ومنها ) : كونه موجباً لحصول الثواب الأخروي ( ومنها ) : كونه موجباً للأمن من العقاب كذلك. ( ومنها ) : كونه موجباً للثواب الدنيوي ( ومنها ) : كونه موجباً للأمن من العقاب كذلك.

هذا وظاهر غير واحد كون الدواعي المذكورة في عرض قصد الامتثال ، لأنهم ذكروا للقربة المعتبرة في العبادة معاني ، أحدها ، قصد الامتثال ، والباقي الدواعي المذكورة ، فتكون ملحوظة للفاعل دواعي له على فعله ، في قبال قصد الامتثال وفي عرضه. ولكنه في غير محله ، إذ الظاهر أن تلك الدواعي إنما تلحظ في طول قصد الامتثال ودواعي إليه ـ كما ذكر في المتن ـ لأنها إنما تترتب عليه ، ولا تترتب على ذات الفعل. نعم لو ثبت أن من الافعال ما هو عبادة بذاته أمكن أن تكون الأمور المذكورة دواعي إليه من دون توسط قصد الامتثال. لكن المحقق في محله هو العدم.

ثمَّ إن هناك دواعي أخر ذكرها بعض الأصحاب ، ويمكن تصور غيرها مما لم يذكر ، وتختلف داعويتها باختلاف النفوس في رغباتها وملاذها فتدبر. ثمَّ إن تسمية الدواعي المذكورة في كلماتهم بالغايات لا تخلو من مسامحة في بعضها ، حيث أنه لا يترتب على الفعل العبادي ، وإنما هو عنوان فيه مرغب إليه. فتأمل جيداً.

[١] لخلوه عن الطمع في ما يرجع نفعه إليه ، كما حكي عن أمير المؤمنين‌

٤٦٢

الجنة والفرار من النار ، وهو أدناها [١]

______________________________________________________

عليه‌السلامأنه قال : « ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك » (١). لكن‌ في نهج البلاغة أنه (ع) قال : « إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار » (٢). و‌في رواية هارون بن خارجة : « العبادة ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفاً فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله عز وجل حباً له فتلك عبادة الأحرار » (٣). والظاهر أن العبادة للحب أعلى من العبادة لكونه أهلا. ولعل ما حكي عن أمير المؤمنين (ع) راجع إليه. على أنه غير مروي في طرقنا. نعم رواه جماعة من المتأخرين ـ ومنهم الشهيد في الذكرى (٤) ـ وكأنه من روايات العامة ، كما ذكر الحر (ره) في حاشية الوسائل (٥) ، والأمر سهل.

[١] الظاهر أن أدناها رجاء الثواب وخوف العقاب الدنيويين ، والحصر في الأخبار المتقدمة وغيرها محمول على الحصر الإضافي ، أو يراد من الرغبة والرهبة والخوف والثواب ما يعم جهة الدنيا والآخرة. وكيف كان فعن‌

_________________

(١) رواه في الوافي مرسلا في شرح الحديث الأول من باب : ١٨ من أبواب جنود الايمان من الفصل الرابع. وفي مرآة العقول ج : ٢ ص : ١٠١. وفي البحار ج : ١٥ كتاب الخلق ص : ٨٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

(٤) في أوائل الفصل الرابع من باب الطهارة في كيفيتها ، في المبحث الأول من مطلب كيفية الوضوء في واجباته. وقد نقل مضمونه من دون ذكر النص.

(٥) هذه الحاشية غير مذكورة في الوسائل المطبوعة وإنما هي موجودة في النسخة المصححة لسيدنا المؤلف مد ظله العالي في باب : ٩ من أبواب مقدمة العبادات.

٤٦٣

وما بينهما متوسطات [١]. ولا يلزم التلفظ بالنية [٢] ، بل ولا إخطارها بالبال [٣] ،

______________________________________________________

قواعد الشهيد (ره) أنه قال : « أما نية العقاب والثواب فقد قطع أكثر الأصحاب بفساد العبادة بقصدهما » ، وعن العلامة (ره) في جواب المسائل المهنائية : اتفاق العدلية على عدم استحقاق الثواب بذلك ، وعن الرازي في تفسيره : اتفاق المتكلمين على البطلان. لكن ذلك غير ظاهر من سيرة العقلاء ، ولا مما ورد في الكتاب والسنة من بيان الجزاء على الطاعات في العاجل والآجل الوارد في مقام الترغيب على الطاعات ، خصوصاً ما ورد في بعض العبادات كصلاة الحاجات وصومها وغيرهما. ولا يبعد أن يكون مراد الجماعة المذكورين صورة ما إذا كان قصد الثواب أو العقاب داعياً في قبال قصد الأمر. لا ما يكون داعياً الى قصد الأمر.

[١] ومترتبات على حسب ما ذكرنا.

[٢] اتفاقاً ، بل ولا يستحب ، كما هو صريح جماعة ، بل ظاهر محكي الذكرى الإجماع عليه ، لعدم الدليل عليه والشرع خال منه. وعن التبيان في الصلاة : الأقرب أنه مكروه. وفيه نظر ، كما عن المقداد.

[٣] كما نسب إلى المشهور ، حيث حكي عنهم أن النية المعتبرة في العبادات هي الإرادة التفصيلية المتعلقة بالصورة المخطرة. ولا دليل لهم ظاهراً عليه ، إذ الثابت بالإجماع كون الوضوء عبادة ، ومن المعلوم من بناء العقلاء أنه يكفي في تحقق العبادة كون الفعل اختيارياً صادراً عن إرادة الفاعل بداعي تعلق الأمر به ، وهذا كما يكون بالإرادة التفصيلية القائمة بالصورة المخطرة يكون بالإرادة الارتكازية أيضاً. ويشهد به اكتفاؤهم بمقارنة الإرادة التفصيلية المذكورة لأول الفعل وإن زالت في الأثناء إذا‌

٤٦٤

بل يكفي وجود الداعي في القلب [١] ، بحيث لو سئل عن شغله يقول : أتوضأ ، مثلا. وأما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقي متحيراً فلا يكفي [٢] وإن كان مسبوقاً بالعزم والقصد حين المقدمات. ويجب استمرار النية إلى آخر العمل ، فلو نوى الخلاف أو تردد وأتى ببعض الافعال بطل [٣]. إلا أن يعود إلى النية الأولى قبل فوات الموالاة [٤].

______________________________________________________

حصلت الإرادة الارتكازية وبقيت إلى آخره ، مع أن من المعلوم أن عنوان العبادة كما يكون لأول الفعل يكون لآخره ، فاذا كان يكفي في عبادية الأخير الإرادة الارتكازية التي ذكرناها فلِمَ لا تكفي لأوله؟. ومن ذلك يظهر أن المراد من إخطار النية في عبارة المتن إخطار المنوي تفصيلا ، فالعبارة لا تخلو من مسامحة.

[١] يعني : تلك الإرادة الارتكازية ، الباقية ببقاء الداعي الارتكازي التي كان حدوثها ناشئاً عن خطور الداعي.

[٢] لأن ذلك كاشف عن انتفاء الإرادة المذكورة ، ولو كانت موجودة امتنع الجهل بها ، لأنها من الأمور الوجدانية التي يُعلم بها بمجرد الالتفات إليها. نعم لو كان التحير ناشئاً عن قسر النفس عن الالتفات إلى ما فيها لبعض العوارض ـ كما قد يتفق ـ لم يكن ذلك قادحاً في صحة الوضوء إذا أحرز الفاعل بعد تحقق الالتفات منه كون فعله لأجل الداعي الصحيح.

[٣] لفقد النية.

[٤] يعني : فيصح الفعل حينئذ ، إذ لا يعتبر في صحة العبادة استمرار نيتها ، وإنما يعتبر صدور كل جزء منها عن الإرادة المعتبرة فيها ولو بأن تعود بعد الزوال.

٤٦٥

ولا يجب نية الوجوب والندب لا وصفاً [١] ،

______________________________________________________

[١] يعني : وصفاً للفعل المأتي به ، بأن ينوي إتيان الفعل الواجب أو المندوب. وقد حكي اعتباره كذلك عن المشهور. لتوقف الامتثال عليه. أو لتوقف التعيين عليه. أو لقاعدة الاشتغال الجارية هنا حتى بناء على البراءة في الأقل والأكثر ، إذ الشك في وجوب نية ذلك ليس شكا في التكليف الشرعي ، لخروج النية المذكورة عن حيز الطلب ، وإنما الشك في تحقق الامتثال المعتبر عقلا قطعاً في العبادة. ( وفيه ) : المنع من توقف الامتثال عليه. ويشهد به وضوح إمكان الامتثال مع تردد العبادة بين الواجب والمستحب والعجز عن معرفته ، ومجرد عدم القدرة في الفرض على قصد الوجوب أو الندب لا أثر له في الفرق بينه وبين فرض العلم ، لأن تحقق الامتثال اللازم فيهما بنحو واحد. وتوقف التعيين عليه مطلقاً ممنوع ، لإمكان حصول التعيين بقصد قيود المطلوب بأحدهما على نحو يتميز عن المطلوب بالآخر ، أو قصد الطلب الشخصي المتخصص به وإن لم يلتفت إلى كونه وجوباً أو ندباً مع أن ظاهر من اعتبره هو اعتباره من حيث هو ، لا من حيث التعيين وإن كان ظاهر دليله ذلك. وأما قاعدة الاشتغال فالتحقيق عدم جريانها في المقام كمسألة الأقل والأكثر ، لأن الشك هنا وإن كان في سقوط التكليف بدونه ، إلا أن مجرد ذلك غير كاف في وجوب الاحتياط ، بل إنما يجب مع الشك في السقوط إذا كان منشؤه الشك في إتيان المأمور به ، لا في مثل المقام مما كان منشؤه الشك في حصول المصلحة ، وإلا لزم الاحتياط في مسألة الأقل والأكثر ، لحصول الشك المذكور مع الاقتصار على فعل الأقل. وبالجملة المدار في جريان البراءة كون العقاب بلا بيان ، وهو حاصل هنا وليس المدار فيها كون الشك في التكليف ، كي يشكل جريانها هنا بأن‌

٤٦٦

ولا غاية [١] ،

______________________________________________________

الشك هنا ليس في التكليف ، للعلم بعدم التكليف بالقيد المذكور ، لامتناع أخذه قيداً في المأمور به. هذا مضافاً إلى أن القاعدة ساقطة بالإطلاق المقامي فان عدم تعرض الشارع لبيان اعتبار ذلك في العبادة مع أنه مما يغفل غالباً عنه طريق إلى عدم اعتباره ، كما أشار إليه الوحيد رحمه‌الله في محكي حاشية المدارك وشرح المفاتيح. ولأجل ذلك يظهر أنه لو بني على الاحتياط في الوضوء وغيره من جهة أن الشك فيه شك في المحصّل ـ كما تقدم تقريبه في أوائل الباب ـ لا يجب الاحتياط هنا ، لدلالة الإطلاق المقامي على نفيه.

[١] كما هو مذهب جماعة ، وعن الروضة : أنه مشهور انتهى. والمراد من الوجوب والندب إن كان الشرعيين ـ كما هو الظاهر ـ امتنع جعلهما غاية للامتثال ، فضلا عن وجوبه ، إذ الغاية ما تترتب على المغي ، ومن المعلوم أن المترتب على فعل الواجب والمندوب سقوط الوجوب والندب لا ثبوتهما ، فلا بد أن يكون المراد من كونهما غاية أنهما داعيان إلى ذات الفعل ، كما تقدم مثل هذا الاستعمال في بعض معاني القربة ، فيرجع قصدهما كذلك إلى قصد الأمر ، ويرجع القول باعتبارهما غاية إلى القول باعتبار قصد خصوصية الوجوب أو الندب في الأمر الداعي ، وأنه لا يكفي قصد مطلق الأمر المردد بين الوجوبي والندبي ، بل لا بد من قصد الأمر الموصوف بأحدهما معيناً ، وحينئذ يجري فيه ما تقدم في أخذهما وصفاً للفعل ، والكلام فيه هو الكلام هناك نفياً وإثباتاً. ولو فرض كون المراد أنهما داعيان إلى الفعل الصادر عن الأمر فيكونان داعيين إلى الامتثال فهو معقول. وينبغي أن يكون الكلام فيه نفياً وإثباتاً كسابقه.

وإن كان المراد من الوجوب والندب العقليين اللذين هما حسن الفعل‌

٤٦٧

ولا نية وجه الوجوب والندب [١] ، بأن يقول : أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب ، أو لوجوبه أو ندبه ،

______________________________________________________

مع قبح الترك أو لا مع قبحه ، فكونهما غاية لا بد أن يكون المراد منه أيضاً ما عرفت من مجرد الداعوية ، لا ما يترتب على المغي ، وحينئذ نقول أيضاً : إما أن يكون المراد الداعوية إلى ذات الفعل ، أو إلى الفعل الصادر عن داعوية الأمر الشرعي. فإن كان الأول توقف على القول بوجوب حسن المأمور به ـ كما هو التحقيق ـ لامتناع تعلق الإرادة التشريعية بما لا يكون راجح الوجود على العدم كالإرادة التكوينية ، ولا يتم على القول بعدم لزوم ذلك. ثمَّ نقول : لا دليل على اعتبار قصده حينئذ ، لصدق عنوان العبادة عند العقلاء بدونه جزماً ، بل الإطلاق المقامي قاض بعدمه. وإن كان الثاني فما لا بد منه لأن الفعل عن داعي الأمر لا بد أن يكون من جهة حسنه الناشئ من أحد الوجوه المتقدم إليها الإشارة في دواعي الامتثال. فلاحظ. وأما ما عن العدلية والمحقق الطوسي ، من أنه يشترط في استحقاق الثواب على الواجب والمندوب الإتيان به لوجوبه أو ندبه. فالظاهر منه إرادة قصد الأمر بنحو الداعي الذي لا إشكال في اعتباره في العبادات ، كما سبق. ولو أريد غير ذلك كان ممنوعاً جداً.

[١] والمراد به ـ كما عن الشهيد (ره) ـ إما الأمر ، كما عن الأشاعرة. أو اللطف في الواجبات والمندوبات العقلية ، بمعنى ما يقرب إليها ، كما يشهد به قوله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) وقريب منها غيرها. أو مطلق المصلحة ، كما عن العدلية. قيل : أو الشكر. لكن في كونه وجهاً للوجوب أو الندب إشكال ، لأن الوجوب‌

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

٤٦٨

أو أتوضأ لما فيه من المصلحة [١] ، بل يكفي قصد القربة وإتيانه لداعي الله. بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى إن لم يكن على وجه التشريع [٢] أو التقييد ، فلو اعتقد دخول الوقت. فنوى الوجوب وصفاً أو غاية ، ثمَّ تبين عدم دخوله ، صح إذا لم يكن على وجه التقييد ، وإلا بطل [٣] ، كأن يقول : أتوضأ لوجوبه. وإلا فلا أتوضأ.

( مسألة ٢٨ ) : لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة ، على الأقوى [٤] ، ولا قصد الغاية التي أمر لأجلها‌

______________________________________________________

أو الندب من علله ، فلا يكون علة لهما. وعلى الأول فنيته هي نية الأمر التي قد عرفت اعتبارها إجماعاً. لكن عطفه على الوجوب بـ ( أو ) لا يناسب هذا المعنى. نعم العبارة المذكورة إنما حكيت عن العدلية ، فالمراد لا بد أن يكون ما عدا المعنى الأول. وكيف كان فلا دليل على اعتبار نية ذلك ، لا تخييراً بينها وبين نية الوجوب أو الندب ـ كما هو ظاهر القائلين بها ـ ولا تعييناً ، لما عرفت من صدق العبادة بدونها ، والإطلاق المقامي قاض بعدمه.

[١] تفسير للوجه.

[٢] إذ الانبعاث حينئذ يكون عن الأمر التشريعي ، لا الأمر الشرعي هذا إذا كان التشريع في ذات الأمر ، أما إذا كان في وصف كونه واجباً أو ندباً فلا بأس ، إذ لا يخرج الامتثال حينئذ عن أن يكون عن داعي الأمر الشرعي.

[٣] لأن انتفاء القيد يقتضي انتفاء المقيد فما قصد امتثاله منتف وما هو ثابت لم يقصد امتثاله.

[٤] كما نسب إلى جماعة من المتأخرين. لما عرفت من عدم الدليل‌

٤٦٩

______________________________________________________

على وجوبها ، فقاعدة البراءة العقلية محكّمة. مضافاً إلى الإطلاق المقامي ، فإنه يقتضي عدمه. خلافاً لما عن ظاهر الكافي ، والغنية ، وموضع من الوسيلة ، وغيرها ، من اعتبار نيتهما معاً. ولما عن المبسوط ، والسرائر ، والتحرير ، والمنتهى ، والمختلف ، والتذكرة ، من الاكتفاء بنية أحدهما تخييراً ، وظاهر محكي السرائر الإجماع عليه. ولما عن بعض كتب الشيخ رحمه‌الله من لزوم نية الرفع. ولما عن السيد رحمه‌الله من لزوم نية الاستباحة. والكل ضعيف ، مخالف لقاعدة البراءة ، وللإطلاق المقامي. وما قد يستدل به عليه ـ مثل أنه إنما شرع لذلك ، وأنه يتوقف عليه التمييز ، وأن لكل امرئ ما نوى ، وقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) (١) حيث أن الظاهر أن ذلك الوضوء لأجل الصلاة ، و‌قوله (ع) : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (٢) ‌، لظهوره في وجوب نفس الطهور ، فيجب قصده بقصد الطهارة ورفع الحدث .. إلى غير ذلك ، مما جعل سنداً للأقوال المذكورة ، بضميمة إرجاع الرفع إلى الاستباحة أو عدم الإرجاع ، أو كون الأثر الأول للوضوء هو الطهارة ، فهو المتعين للنية ، أو كون الفرض الأصلي هو الاستباحة فهو المتعين ـ يظهر ضعفه بالتأمل.

وتحقيق الحال أنه إن أريد من اعتبار نية ذلك في صحة الوضوء كونها مقومة لذات الوضوء الذي هو موضوع الأمر ، فالأدلة المذكورة لا تقتضيه بل الأدلة المتقدمة في بيان الوضوء من الكتاب والسنة ظاهرة في خروجها عن حقيقته ، وأنه ليس إلا غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ، كما عرفت أيضاً في أوائل مباحث الوضوء ، كظهور النصوص أيضاً في أنه‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٤٧٠

______________________________________________________

إذا وقع صحيحاً كان رافعاً للحدث كما ينقضه الحدث. وإن أريد كون نية ذلك دخيلة في عبادية الوضوء فمنعه ظاهر أيضاً ، لما عرفت من أن العبادية إنما تتقوم بكون الداعي إلى الفعل أمر المولى لا غير.

نعم قد تحرر في محله من الأصول أن الأوامر الغيرية لا تصلح للداعوية إلى الفعل والبعث اليه بما هي هي في قبال الأوامر النفسية ، وإنما تصلح لذلك بما أنها من شؤونها ، ويترتب عليه لزوم قصد الغاية بفعل الوضوء ، فلو جي‌ء به لا لغاية أصلا امتنع أن يكون بداعي الأمر الشرعي الغيري ، فلا يكون عبادة. وحينئذ فإن كان مقصود القائل باعتبار نية الرفع أو الاستباحة ـ ذلك كما قد يظهر من جملة من أدلته ـ كان في الجملة في محله. ولكنه يتوقف على أمور ( الأول ) : عدم ثبوت استحباب الوضوء في نفسه في قبال استحبابه للكون على الطهارة ، إذ لو كان مستحباً في نفسه ـ كما قواه المصنف رحمه‌الله سابقاً ـ أمكن التعبد بأمره النفسي بلا نظر إلى أمر الطهارة وسائر الغايات ( الثاني ) : اعتبار قصد الغاية مطلقاً في الواجبات الغيرية حتى في ما كانت الغاية فيه من التوليديات المترتبة على المقدمة بلا توسط فعل اختياري ، إذ لو لم نقل به فيها ـ كما قربناه سابقاً ـ أمكن صحة الوضوء إذا قصد أمره الغيري وإن لم يلتفت إلى كونه يوجب الطهارة ورفع الحدث ، بل لو قيل به فيها أمكن القصد إليها إجمالا وإن لم يلتفت إلى أنها خصوص رفع الحدث ( الثالث ) : أن يكون المراد من الحدث والاستباحة مطلق الغايات ، إذ لا فرق في ذلك بين رفع الحدث والصلاة وغيرهما من الغايات في كفاية قصد واحدة منها في حصول عباديته. ومن ذلك يظهر الكلام في ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله بقوله : « ولا قصد الغاية .. » وأنه لا تتوقف صحة الوضوء على قصد الغاية ، لكفاية قصد‌

٤٧١

بالوضوء ، وكذا لا يجب قصد الموجب من بول أو نوم كما مر [١]. نعم قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال ، بمعنى : أنه لو قصدها يكون ممتثلا للأمر الآتي من جهتها ، وإن لم يقصدها يكون أداء للمأمور به لا امتثالا [٢] ، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحة وإن كان معتبراً في تحقق الامتثال. نعم قد يكون الأداء موقوفاً على الامتثال ، فحينئذ لا يحصل الأداء أيضاً ، كما لو نذر أن يتوضأ لغاية معينة ، فتوضأ ولم يقصدها ، فإنه لا يكون ممتثلا للأمر النذري [٣] ، ولا يكون أداء للمأمور به بالأمر النذري أيضاً [٤] ، وإن كان وضوؤه صحيحاً ، لأن أداءه فرع قصده. نعم هو أداء للمأمور به بالأمر الوضوئي.

______________________________________________________

الأمر الغيري به الآتي من قبل الأمر بالكون على الطهارة في حفظ عباديته وإن لم يقصد الكون على الطهارة ، بناء على ما قربناه من عدم اعتبار قصد التوصل في الغايات التوليدية ، أو بناء على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء ، كما قواه المصنف رحمه‌الله سابقاً.

[١] ومر وجهه في المسألة الرابعة من فصل الوضوءات المستحبة.

[٢] بل هو امتثال للأمر الذي كان فعل الوضوء بداعويته عبادة ، لا امتثال لأمر الغاية ، فلا تحسن المقابلة بين الأداء والامتثال في المقام ، إذ الوضوء لا يصح إلا بقصد امتثال أمر ما كما تقدم ، غاية الأمر أنه لا يلزم قصد امتثال الأمر الآتي من قبل الغاية ، بل يكفي قصد امتثال غيره. فتأمل.

[٣] حيث لم ينبعث من قبله.

[٤] لأن أداء المنذور كأداء سائر ما يكون في ذمة المكلف من الأعيان‌

٤٧٢

( الثالث عشر ) : الخلوص فلو ضم إليه الرياء بطل [١] ،

______________________________________________________

والأفعال ، إنما يكون بالقصد ، فان المديون لزيد درهما إذا دفع له درهماً لا يكون وفاءً عما في ذمته إلا بقصده ، إذ الدرهم كما يصلح لأن يكون وفاءً يصلح لأن يكون هبة ، وأن يكون قرضاً وأن يكون غير ذلك ، ولا معين لواحد منها إلا القصد ، فلو لم يقصد شيئاً لم يخرج الدرهم عن كونه ملكا للدافع على ما كان عليه قبل الدفع ، ولأجل أن النذر يوجب كون الفعل المنذور ملكا لله سبحانه في ذمة الناذر يجري عليه حكم الدين ، لا يتعين مصداقه إلا بالقصد.

[١] قولا واحداً إلا ما يحكى عن المرتضى رحمه‌الله كما عن جامع المقاصد ونحوه كلام غيره. ويشهد له. مضافاً إلى الإجماعات المتقدمة على كون الوضوء عبادة ، لمنافاة الرياء لعباديته في جملة من الصور ، كما ستأتي الإشارة إليه ـ ما دل على حرمة العمل المرائي فيه من الكتاب المجيد ، كقوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ) (١) والإجماع ، والنصوص ، كرواية زرارة وحمران عن أبي جعفر (ع) : « لو أن عبداً عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا » (٢). و‌في رواية أبي الجارود : « من عمل عملا مما أمر الله تعالى به مراءاة للناس فهو مشرك » (٣). و‌في رواية مسعدة : « فاتقوا الله تعالى في الرياء ، فإنه الشرك بالله ، إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء : يا كافر ، يا فاجر ، يا غادر ، يا خاسر ،

__________________

(١) الماعون : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٣.

٤٧٣

سواء كانت القربة مستقلة والرياء تبعاً [١] أو بالعكس ،

______________________________________________________

حبط عملك وبطل أجرك ، فلا خلاص لك اليوم » (١) ‌، و‌في صحيح ابن جعفر (ع) : « يؤمر برجال الى النار .. ( إلى أن قال ) : فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا : كنا نعمل لغير الله ، فقيل لنا : خذوا ثوابكم ممن عملتم له » (٢). و‌في رواية السكوني : « إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به ، فاذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل : اجعلوها في سجّين إنه ليس إياي أراد به » (٣) ‌، ونحوها غيرها. فلاحظ الأبواب المعقودة لها في أوائل الوسائل (٤). والتحريم ينافي العبادة ، لامتناع التقرب بما هو مبعد ، واعتبار صلاحية المقربية في ما هو عبادة من القطعيات ( ودعوى ) : أن الرياء المحرم لا ينطبق على العمل الخارجي ، وإنما ينطبق على مجرد القصد. خلاف ظاهر النصوص ، بل ينبغي أن يكون بطلان العمل المرائي فيه من ضروريات مدلولها. ومنه يظهر ضعف ما عن السيد رحمه‌الله من صحة العمل وسقوط الثواب ، لأن نفي قبول العمل أعم من عدم الاجزاء. وجه الضعف : أنه لا ينحصر الدليل على البطلان بما دل على نفي القبول. مع أن إطلاق نفي القبول يلازم البطلان. فتأمل.

[١] الإجماعات على عبادية الوضوء لا تقتضي البطلان في هذه الصورة ، بناء على عدم منافاة الضميمة للعبادية إذا كانت تابعة للقربة ، فينحصر الدليل على البطلان فيها بالأدلة اللفظية من الكتاب والسنة الدالة على حرمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣.

(٤) راجع الوسائل باب : ٥ ، ٨ ، ١١ ، ١٢ ، وغيرها من أبواب مقدمة العبادات.

٤٧٤

أو كان كلاهما مستقلا [١] ، وسواء كان الرياء في أصل العمل [٢] ، أو في كيفياته [٣]

______________________________________________________

العمل المرائي فيه ، وبطلانه ، وأكثرها ظاهر في غير هذه الصورة. نعم إطلاق ما دل على حرمة الرياء ، وأنه شرك يقتضي عموم الحكم لها ، بل لعل رواية زرارة وحمران المتقدمة‌ ظاهرة فيها ، ويعضدها مثل‌ رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس ، ويكسل إذا كان وحده ، ويحب أن يحمد في جميع أموره » (١). وحمل الإدخال في الأولى على الإدخال بنحو الجزئية ، والنشاط في الثانية على ما يقابل التقاعد ، كما ارتكبه شيخنا الأعظم رحمه‌الله لأجل ظهور أكثر النصوص في غير المقام ، ولأجله استشكل في الحكم فيه. لا داعي له ، لعدم التنافي بين أكثر النصوص وبين ما ذكر ، لا سيما مع اعتضاده بالإطلاق ، فيكون الحمل بلا قرينة ، فالتعميم ـ كما هو ظاهر المشهور ـ أظهر.

[١] ما تقدم في الصورة الأولى جار بعينه هنا ، لكن عموم النصوص له أظهر. أما إذا لم يكن لأحدهما استقلال ، وإنما كان مجموعهما علة ، فالحكم فيه هو الحكم في الصورة الثانية ، لانتفاء العبادية حينئذ ، إذ من الواضح عند العقلاء أن قوام العبادية استقلال الأمر الشرعي بالداعوية.

[٢] فإنه القدر المتيقن.

[٣] الكيفيات التي يكون بها الرياء ( تارة ) : تكون متحدة مع المأمور به في الخارج ، مثل أن يرائي في الصلاة في أول الوقت ، أو في المسجد ( وأخرى ) : تكون أجنبية عنه ، مثل أن يرائي بالتحنك أو الخشوع أو البكاء أو نحو ذلك في الصلاة. فإن كانت على النحو الأول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

٤٧٥

أو في أجزائه [١] ، بل ولو كان جزءاً مستحباً [٢] على الأقوى‌

______________________________________________________

فالحكم البطلان ، لأن تحريمها يوجب تحريم نفس العبادة ، فيمتنع التعبد بها. مع إمكان صدق الرياء بالعبادة ، فيجري حكمه عليه. وإن كانت على النحو الثاني فالحكم الصحة ، لعدم الموجب لبطلان العبادة بعد مباينتها لموضوعه في الخارج ( ودعوى ) : صدق الرياء على العبادة نفسها حينئذ ممنوعة ، بل تطبيقه عليها ناشئ من المسامحة والعناية ، بمعنى كون المجموع ظرفاً للرياء ، لا أنه متعلق بها.

[١] مقتضى ظاهر الأدلة هو بطلان الجزء لا غير ، لأنه المرائي فيه والمفروض أن بقية الأجزاء قد وقعت على نحو الإخلاص فتصح. نعم إذا اقتصر على الجزء المذكور بطل الكل ، لفواته بفوات جزئه ، وكذا لو لم يقتصر عليه إذا كانت زيادته قادحة في صحة الكل ، كأجزاء الصلاة ، فلو رأيي في القراءة بطلت الصلاة ، ولا يجدي التدارك للزيادة العمدية القادحة لعموم : « ‌من زاد في صلاته فعليه الإعادة (١). فإطلاق الحكم بالبطلان في الأجزاء غير ظاهر.

[٢] الظاهر أن الأجزاء المستحبة ليست أجزاءً أصلا ، لا لصرف الماهية ـ كماهية الوضوء ـ لعدم انتفاء الماهية بانتفائها ، ولا للماهية الفاضلة وإلا كانت عين صرف الماهية في الخارج ، لأن الماهية الفاضلة أفضل الفردين ، ويتحد صرف الماهية مع كل من أفراده بتمام أجزائه في الخارج. وإذا اتحد مع تمام الاجزاء سرى إليها حكمه ، فتكون الأجزاء المستحبة واجبة لو كان صرف الماهية واجباً ، فلا بد من الإتيان بها بداعي الوجوب مع أنه لا ريب عندهم في أن الإتيان بها بداعي الاستحباب ، فلا بد أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

٤٧٦

وسواء نوى الرياء من أول العمل أو نوى في الأثناء [١] ، وسواء تاب منه [٢] أم لا. فالرياء في العمل بأي وجه كان مبطل له ، لقوله تعالى ـ على ما في الأخبار ـ : « أنا خير شريك من عمل لي ولغيري تركته لغيري » ‌[٣]. هذا ، ولكن إبطاله إنما هو إذا كان جزءاً من الداعي على العمل ولو على وجه التبعية ، وأما إذا لم يكن كذلك ، بل كان مجرد خطور في القلب ،

______________________________________________________

تكون أموراً مستحبة في وجود الماهية خارجة عنها ، ووجود الماهية يكون ظرفاً لها. وحينئذ يكون الرياء فيها مبطلا لها نفسها لا غير ، إذ لا موجب لبطلان الماهية الواجبة بعد أن كانت خالية عن الرياء. ومنه يظهر أنه لا ملازمة بين القول بأن الرياء في الجزء قادح في صحة الكل وبين القول بأن الرياء في الجزء المستحب قادح في صحة الماهية ، بل يمكن التفكيك بينهما جزماً.

[١] لإطلاق الأدلة. وربما كان ظاهر خبر يونس بن عمار الآتي‌ عدم قدح الرياء في الأثناء. لكنه ضعيف سنداً ودلالة ، ولذا قوى في الجواهر البطلان بعد أن جعل للصحة وجهاً. بل الإنصاف أنه لا مجال للتردد فيه. إذ لا يصلح الخبر المذكور ـ لو سلم سنداً ودلالة ـ لمقابلة الأدلة المتقدمة ، المعتضدة بفتوى الأصحاب.

[٢] إذ دليل التوبة إنما يدل على محوها للذنب ، لا على تصحيح العمل الباطل بمقتضى الإطلاق.

[٣] هذه الفقرة لم أجدها مذيلا بها الحديث على اختلاف متونه وطرقه ، وإنما الموجود‌ في رواية هشام بن سالم : « فهو لمن عمله غيري » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٧.

٤٧٧

من دون أن يكون جزءاً من الداعي ، فلا يكون مبطلا [١]. وإذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب منها ومن الرياء فالعمل باطل ، لعدم إحراز الخلوص [٢] الذي هو الشرط في الصحة. وأما العجب فالمتأخر منه لا يبطل العمل [٣]

______________________________________________________

و‌في بعض روايات علي بن سالم : « فهو لمن عمله دوني » (١) ‌، وفي غيره غير ذلك.

[١] كما استظهره في الجواهر ، لعدم الدليل عليه ، واختصاص الأدلة المتقدم إليها الإشارة بغيره. بل لعل ذلك ظاهر الأصحاب ، حيث اقتصروا على ذكر الرياء الذي ليس هو منه.

[٢] لا وجداناً ، ولا بالأصل ، إذ لا أصل يحرز الإخلاص مع أنه لا بد من إحرازه ، لقاعدة الاشتغال.

[٣] كما لعله ظاهر الأصحاب ، حيث أهملوا ذكره في المفسدات. لعدم الدليل على البطلان به. نعم يظهر من كثير من الأخبار حرمته. لكنه لا ينطبق على العمل ، ليمتنع التقرب به حينئذ. ومجرد كونه من المهلكات‌ (٢) ، وأنه مانع من صعود العمل إلى الله سبحانه ، ومن قبوله‌ (٣) أعم من الابطال. وأما‌ خبر علي بن سويد عن أبي الحسن (ع) : « عن العجب الذي يفسد العمل. فقال (ع) : العجب درجات : منها : أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً ، فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً. ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمنَّ على الله تعالى ، ولله عليه فيه المن » (٤).

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٥.

(٢) كما تضمن ذلك ما في الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٢.

(٣) كما تضمن ذلك ما في الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٥.

٤٧٨

وكذا المقارن وإن كان الأحوط فيه الإعادة [١]. وأما السمعة فإن كانت داعية على العمل ، أو كانت جزءاً من الداعي ، بطل ، وإلا فلا ، كما في الرياء [٢] ، فاذا كان الداعي له على العمل هو القربة ، إلا أنه يفرح إذا اطلع عليه الناس ، من غير أن يكون داخلا في قصده ، لا يكون باطلا [٣] ، لكن ينبغي‌

______________________________________________________

فالظاهر أن المراد من الفساد فيه مجرد عدم القبول ، لا عدم الصحة ، فإن القسم الأول مجرد ارتكاب السيئات ، والقسم الثاني محله مما لا يقبل الصحة والفساد. مضافاً إلى‌ خبر يونس بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب. فقال (ع) : إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان » (١). ومنه يظهر الحال في العجب المقارن.

[١] لما في الجواهر عن بعض مشايخه من الإفساد فيه ، ولذا خصه بالاحتياط.

[٢] لعموم بعض أخبار الرياء لها بالتنصيص عليها في بعضها ، كرواية ابن القداح « واعملوا لله في غير رياء ولا سمعة ، فإنه من عمل لغير الله وكله الله الى عمله يوم القيامة » (٢) ‌، وبعضها بالتعليل وبعضها بإلغاء خصوصية الرؤية ، لأنها ملحوظة طريقاً كالسماع في السمعة ، فتمام موضوع الحكم كون الداعي إلى العمل جهة الناس قبال جهته تعالى ، وعليه فيجري عليها حكم الرياء تكليفاً ووضعاً.

[٣] ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « عن الرجل يعمل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٠.

٤٧٩

للإنسان أن يكون ملتفتاً ، فان الشيطان غرور وعدو مبين. وأما سائر الضمائم ، فإن كانت راجحة ـ كما إذا كان قصده في الوضوء القربة وتعليم الغير ـ فان كان داعي القربة مستقلا والضميمة تبعاً ، أو كانا مستقلين صح [١] ، وإن كانت القربة تبعاً أو كان الداعي هو المجموع منهما بطل [٢] ،

______________________________________________________

الشي‌ء من الخير ، فيراه إنسان فيسره ذلك. قال (ع) : لا بأس ، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك » (١).

[١] وعن شرح الدروس واللوامع ظاهر الإجماع عليه ، ( وما ) عن العلامة (ره) في النهاية ـ تبعاً لجمع ـ كما قيل ـ من إطلاق البطلان في الضميمة ، وحكي أيضاً عن الإيضاح ، والموجز ، وجامع المقاصد ، والبيان وروض الجنان ، ومجمع البرهان ( منزل ) على الضميمة المباحة ، والوجه فيه : أن المقدار الذي قام الإجماع على اعتباره في الوضوء وغيره من العبادات هو صدور الفعل بداعي الأمر المستقل في البعث لو لا الضميمة ، فاعتبار غير ذلك محتاج إلى دليل ، وهو مفقود. وسيأتي ماله نفع ، فانتظر.

[٢] لعدم الإتيان به عن أمره ، وإطلاق معقد ظاهر الإجماع المحكي آنفاً على عدم قدح الضميمة الراجحة وإن كان يقتضي الصحة هنا أيضاً ، إلا أن ملاحظة إجماعهم على كون الوضوء عبادة ، ووضوح استقلال الأمر العبادي في البعث ، يقتضي حمله على إرادة غير ذلك ، في قبال الخلاف في الضميمة المباحة مع استقلال الأمر ، لشبهة منافاتها للإخلاص غير الواردة في الضميمة الراجحة ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

٤٨٠