مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

( مسألة ١٨ ) : عند اشتباه القبلة بين الأربع لا يجوز أن يدور ببوله إلى جميع الأطراف [١].

______________________________________________________

و‌في المرسل الأول : « أين يضع الغريب » (١) ‌، و‌في الثاني : « ما حد الغائط » (٢). فلاحظ.

[١] لأنها مخالفة قطعية. لكن الظاهر أنه لا فرق بين قطرات البول الواحد وبين أفراد البول المتعددة ، فإذا جازت المخالفة القطعية في الثاني جازت في الأول ، ووجه عدم الفرق : أن حرمة الاستقبال بالبول ـ مثلا ـ يراد منها الحكم على صرف طبيعة البول الصادق على القليل والكثير ، فيحرم على المكلف أن يستقبل بالإضافة إلى كل قطرة قطرة من بوله ، فيتعدد التكليف بتعدد القطرات ، وتكون كل قطرة واقعة مستقلة في قبال القطرة الأخرى ، فإذا اضطر إلى استقبال جهة في حال إخراج القطرة الاولى سقط التكليف الثابت بالإضافة إليها ، لخروجها عن محل الابتلاء ، وتوجه اليه التكليف الثابت بالإضافة إلى القطرة الأخرى ، فإذا اضطر الى استقبال جهة في إخراج القطرة الأخرى سقط التكليف الثابت بالإضافة إليها ، وتوجه اليه التكليف الثابت بالإضافة إلى القطرة التي بعدها .. وهكذا ، فهناك مخالفات وموافقات بعدد القطرات ، فله أن يختار في كل قطرة جهة وإن لم تكن هي الجهة التي اختارها في غيرها ، لأن كل جهة يحتمل فيها الموافقة والمخالفة. والبقاء على ما هو محتمل الموافقة والمخالفة ليس بأولى في نظر العقل من الوقوع في المخالفة القطعية المقرونة بالموافقة القطعية.

ولأجل ذلك كان الحق استمرار التخيير في مسألة الدوران بين المحذورين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢.

٢٠١

نعم إذا اختار في مرة أحدها لا يجب عليه الاستمرار عليه بعدها ، بل له أن يختار في كل مرة جهة أخرى إلى تمام الأربع. وإن كان الأحوط ترك ما يوجب القطع بأحد الأمرين ولو تدريجاً ، خصوصاً إذا كان قاصداً ذلك من الأول ، بل لا يترك في هذه الصورة [١].

______________________________________________________

فإن الدوران في تلك المسألة بين الوجوب والحرمة ، والمصلحة الملزمة والمفسدة الملزمة ، فاذا اختار في الزمان الثاني خلاف ما يختاره أولاً فقد وقع في المخالفة القطعية ، لكن حصل له موافقة قطعية أيضاً ، وإذا اختار ما اختاره أولاً فقد حصل له مخالفة احتمالية ومعها موافقة احتمالية ، والعقل لا يرجّح الأول على الثاني ، بل هما عنده سواء ، وكذا في المقام ، فإن المخالفة القطعية الحاصلة من البول الى تمام الجهات أيضاً مقرونة بموافقة قطعية للتكليف المذكور بالإضافة الى غير جهة القبلة. نعم بينهما فرق من حيث أن التكليف المعلوم هنا الحرمة تعييناً ، وهناك مردد بين الوجوب والحرمة ، لكنه ليس بفارق فيما نحن فيه من جواز المخالفة القطعية للتكليف المعلوم المقرونة بالموافقة القطعية له ، وأنها في نظر العقل كالموافقة الاحتمالية المقرونة بالمخالفة الاحتمالية ونظير المقام المسجون الذي لا يجد في السجن إلا إناءين من ماء أحدهما نجس والآخر طاهر ، فإنه لا يتعين عليه الشرب من واحد من الإناءين بعينه ، بل له أن يتناول من كل منهما في أبعاض شربة واحدة ، كما له أن يتناول من أحدهما في شربة ، ومن الآخر في الشربة الأخرى.

فمحصل المناقشة فيما في المتن : أن الفرضين المذكورين من باب واحد وأنه يجوز أن يدور ببوله الى تمام الجهات. والله سبحانه أعلم.

[١] قد عرفت ضعفه.

٢٠٢

( مسألة ١٩ ) : إذا علم ببقاء شي‌ء من البول في المجرى يخرج بالاستبراء فالاحتياط بترك الاستقبال أو الاستدبار في حاله أشد [١].

( مسألة ٢٠ ) : يحرم التخلي في ملك الغير من غير إذنه [٢] حتى الوقف الخاص ، بل في الطريق غير النافذ بدون إذن أربابه [٣]. وكذا يحرم على قبور المؤمنين إذا كان هتكاً لهم [٤].

( مسألة ٢١ ) : المراد بمقاديم البدن الصدر والبطن والركبتان [٥].

______________________________________________________

[١] بل هو المتعين ، إذ لا تقصر النصوص عن شموله.

[٢] لأنه نوع من التصرف فيه.

[٣] بناءً على ما هو المعروف من كونه ملكاً لأربابه ، وعدم ثبوت سيرة تدل على جواز التصرف بمثل ذلك ، وإن قامت على جواز مثل التخطي والجلوس فيه. لكن عن الأردبيلي التأمل في الأول ، لعدم الدليل عليه ، وحيازة أربابه له غير ظاهرة ـ وإن بنى في الجواهر عليها ـ إذ لم يقصدوا إلا الاستطراق الى أملاكهم ، فالثابت عدم جواز مزاحمتهم في ذلك ، كما هو الظاهر في جميع ما يعد حريماً للعامر ، وما يتوقف عليه صلاحه ، فان القدر الثابت عدم جواز مزاحمة ملاك العامر ، لا عدم جواز التصرف فيه بغير إذنهم ، لعدم ثبوت ملكهم له ، وكذا الحكم في الطرق غير النافذة. والكلام فيه موكول إلى محله من كتاب الصلح.

[٤] وهو حرام ، لأن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً.

[٥] الظاهر أن الاستقبال العرفي للشي‌ء يتوقف على الاستقبال بالصدر والبطن فقط ، فالجالس متربعاً مستقبل وإن انحرف بركبتيه. وأما استقبال‌

٢٠٣

( مسألة ٢٢ ) : لا يجوز التخلي في مثل المدارس التي لا يعلم كيفية وقفها [١] من اختصاصها بالطلاب ، أو بخصوص الساكنين منهم فيها ، أو من هذه الجهة أعم من الطلاب وغيرهم. ويكفي إذن المتولي إذا لم يعلم كونه على خلاف الواقع [٢].

______________________________________________________

القبلة في المقام فقد عرفت أن المستفاد من النصوص كونه الاستقبال بالفرج لا غيره. وأما الركبتان فخارجتان هنا ولو قلنا باعتبارها في مطلق الاستقبال لأن الغالب في التخلي انحرافهما عن القبلة إلى اليمين واليسار ، كما لا يخفى.

[١] هذا ظاهر بناءً على أصالة الحرمة في الأموال ، كما أشرنا إلى وجهها في مبحث استعمال الماء المشكوك. مضافاً إلى عموم : « الوقوف على حسب ما يقفها أهلها » ‌، فإن مقتضاه توقف الحل في المقام على جعل الوقف على نحو العموم ، لأصالة عدم جعله كذلك ، فيترتب عليه نفي الحل. نعم لو فرض كونه مأذوناً من قِبل المالك قبل الوقف ربما أمكن الرجوع إلى استصحاب الإذن إلا أن يقال : الاذن بمعنى إباحة المالك الكاشفة عن رضاه مما يعلم بعدم ترتب الأثر عليها ، وإن علم ببقائها إلى حين التصرف ، لأن إنشاء الوقف رافع لسلطنة المالك بكل وجه على التصرف في الوقف ، فضلاً عن الاذن فيه لغيره ، بل المدار في جواز تصرف الغير فيه هو ملاحظته للغير ولو إجمالا عند إنشاء الوقف وقد عرفت أن المرجع فيه حينئذ أصالة العدم. إلا بناء على الأصل المثبت. مع أنها معارضة بأصالة عدم قصد العموم ، ويكون المرجع الأصل المتقدم.

[٢] لأن إذنه بمنزلة إخباره وإخبار ذي اليد حجة. لكن عرفت تقييده بالائتمان.

٢٠٤

والظاهر كفاية جريان العادة أيضاً بذلك [١]. وكذا الحال في غير التخلي من التصرفات الأخر.

فصل في الاستنجاء

يجب غسل مخرج البول [٢]

______________________________________________________

[١] هذا ظاهر إذا كان يعلم استناد العادة إلى حجة ، وإلا أشكل الاكتفاء بها ، وأصالة الصحة فيها غير كافية في جواز التصرف. اللهم إلا أن تكون العادة الجارية بمنزلة اليد النوعية على الوقف ، فتكون حجة على الاختصاص ، إما لاستفادة الحجية من دليل حجية اليد الشخصية ، أو لقيام السيرة على حجيتها بالخصوص في مقابل اليد الشخصية ، والأخير لا يخلو من وجه.

فصل في الاستنجاء‌

[٢] الوجوب هنا غيري ـ إجماعاً ـ لما يتوقف صحته على الطهارة الخبثية ، كالصلاة ـ كما تقدم في أحكام النجاسات ـ دون الوضوء ، فان الاستنجاء ليس شرطاً في صحته على المشهور. ويشهد به كثير من الصحاح وغيرها ، كصحيح ابن يقطين عن أبي الحسن (ع) : « في الرجل يبول فينسى غسل ذكره ، ثمَّ يتوضأ وضوء الصلاة. قال (ع) : يغسل ذكره ، ولا يعيد الوضوء » (١) ‌، ونحوه صحاح عمرو بن أبي نصر‌ وابن أذينة‌ (٢) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧.

٢٠٥

بالماء [١] مرتين [٢] ،

______________________________________________________

وموثق ابن بكير‌ (١) ، وغيرها.

وعن الصدوق وجوب إعادة الوضوء. ويشهد له‌ صحيح ابن خالد عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره. قال (ع) : يغسل ذكره ، ثمَّ يعيد الوضوء » (٢) ‌، ونحوه موثق سماعة‌ (٣). لكنها ـ لهجرها ، ومعارضتها بما عرفت مما يجب تقديمه عليها سنداً ودلالة ـ لا مجال للاعتماد عليها في ذلك ،

[١] خاصة ، إجماعاً مستفيضاً نقله ، بل متواتراً. وخلاف السيد (ره) في جواز إزالة النجاسة بالمضاف ليس شاملاً لما نحن فيه ، بقرينة تنصيصه على الماء في محكي جُملِه ، وفي انتصاره ، ونقله الإجماع في الثاني عليه. ويشهد للحكم المذكور ـ مضافاً إلى ما تقدم في مبحث المضاف ـ رواية بريد عن أبي جعفر عليه‌السلام : « يجزئ من الغائط المسح بالأحجار ، ولا يجزئ من البول إلا الماء » (٤) ‌، وقريب منها غيرها. نعم‌ في رواية ابن بكير : « قلت لأبي عبد الله (ع). الرجل يبول ولا يكون عنده الماء ، فيمسح ذكره بالحائط. قال (ع) : كل شي‌ء يابس ذكي » (٥). لكن ظاهر الجواب عدم سراية نجاسة الذكر بعد المسح إلى ما يلاقيه ، لا طهارته بالمسح.

[٢] كما هو المحكي عن صريح الصدوق ، والكركي ، والشهيدين ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢. لكن رواه عن ابن بكير عن بعض أصحابنا.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٣١ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٥.

٢٠٦

______________________________________________________

وغيرهم. لإطلاق النصوص الدالة على اعتبار العدد في البول مما تقدم في المطهرات. و‌لرواية نشيط بن صالح عن أبي عبد الله (ع) : « سألته كم يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال (ع) : مثِلا ما على الحشفة من البلل » (١) ‌، بناء على أن المراد الغسلتان ، كل غسلة بمثل ، كما فهمه جماعة ، كالمحقق ، والشهيدين ، والكركي ، والميسي ، وغيرهم ـ على ما حكي عنهم ـ قال في محكي الذكرى : وأما البول فلا بد من غسلة ، ويجزئ مثلاه مع الفصل ». ولعله بذلك يجمع بينها وبين‌ مرسلته الأخرى : « يجزئ من البول أن يغسله بمثله » (٢) ‌، فتحمل على إرادة بيان مقدار الغسلة الواحدة. و‌مرسلة الكافي : « روي أنه يجزئ أن يغسله بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة وغيره » (٣) ، ولعلها هي مرسلة نشيط.

ويمكن أن يخدش الإطلاق الدال على اعتبار العدد في البول ، بأنه لو لم ينصرف الى غير المقام ـ لاشتمال تلك النصوص على لفظ الإصابة فإنها تنصرف إلى إصابة البول الكائن في غير الجسد للجسد ، فلا تشمل البول الخارج من الجسد ـ فمعارض بإطلاق‌ مصحح يونس بن يعقوب : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال. قال (ع) : يغسل ذكره ، ويذهب الغائط ، ثمَّ يتوضأ مرتين مرتين » (٤). وتقييد الأول بغير المقام أولى من تقييد الغسل في الثاني ، بالمرتين ، لما عرفت. ولا سيما بملاحظة ذكر المرتين في الوضوء وإهمال ذكرها في غسل الذكر ، فان ذلك يناسب عدم اعتبارها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٥.

٢٠٧

والأفضل ثلاث [١] بما يسمى غسلاً [٢].

______________________________________________________

ويؤيده أو يعضده‌ حسن ابن المغيرة عن أبي الحسن (ع) : « هل للاستنجاء حد؟ قال (ع) : ( حتى. خ ) ينقى ما ثمة. قلت : يبقى ما ثمة ويبقى الريح قال : الريح لا ينظر إليها » (١). وأما الرواية فغير ظاهرة فيما ذكر لو لم تكن ظاهرة في كفاية الغسل مرة بمثلي ما على الحشفة من البلل ، كما عن جماعة كثيرة منهم : الحلي ، والتقي ، والعلامة في كثير من كتبه. ولا يهم معارضتها بالمرسلة الأخرى ، لضعفها ، وعدم الاعتماد عليها.

[١] لصحيح زرارة : « قال : كان يستنجي من البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق » (٢) ‌، إما لأن ضمير‌« قال » ‌، راجع إلى زرارة ، وضمير‌ « كان » ‌إلى أبي جعفر (ع) ، أو ضمير‌ « قال » ‌إلى أبي جعفر (ع) ، وضمير‌ « كان » ‌إلى النبي (ص). لكن على الأول تكون الحكاية من غير المعصوم ، وحجيتها غير ظاهرة لإجمال الفعل. اللهم إلا أن يفهم من الاستمرار ، ولا سيما مع كون الحاكي مثل زرارة.

[٢] كما هو ظاهر كل من اقتصر على التعبير بالغسل من دون تقييد كالسيد (ره) في جمله وانتصاره ، والشيخ في جمله ، والحلبي في كافيه ، وابن حمزة في وسيلته ، وبن زهرة في غنيته ، والحلي في سرائره ، وابن فهد في موجزه ، والشهيد في لمعته ودروسه ، والعلامة في كثير من كتبه ، وغيرهم في غيرها. على ما حكي. وهو الذي يقتضيه الأخذ بإطلاق النصوص وطرح رواية نشيط‌ ، لإجمالها ، أو حملها على إرادة المبالغة في قلة الماء الغالب على النجاسة. وعن المبسوط ، والنهاية ، والمقنعة ، والإصباح ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٦.

٢٠٨

ولا يجزئ غير الماء [١]. ولا فرق بين الذكر ، والأنثى [٢] ، والخنثى.

______________________________________________________

وفي الشرائع ، والقواعد ، وغيرها ـ بل عن المسالك أنه المشهور ـ : أن أقله مثلا البلل ، وظاهرهم الاكتفاء بذلك وإن لم يكن غسلاً عرفاً ، وعدم الاكتفاء بما دونه وإن كان غسلا. وكأن الوجه فيه رواية نشيط المسندة‌. لكن عرفت إجمالها وعدم ظهور المراد منها ، إذ مثلا البلل الكائن على الحشفة مما يمتنع استيلاؤه على موضع البلل ، لقلته جداً ، فضلاً عن أن يحصل معه الغلبة على النجاسة ، والقهر لها عرفاً ، فكيف يمكن الأخذ بها على ظاهرها؟! فالأولى طرحها ، أو حملها على ما عرفت. وفي الجواهر نفي الخلاف في عدم الاجتزاء بالمقدّر إذا لم يتحقق به غسل ، لكن ادعى أنه فرض نادر. انتهى. والندرة غير ظاهرة ، بل عرفت أن خلافه ممتنع عادة ، كما يظهر ذلك باختبار القطرة إذا وقعت على أعالي البدن فانصبت الى أسافله الى أن تنعدم ، فإن المسافة التي أنصبت فيها يحدث فيها البلل كلها مع أنها تزيد على مساحة القطرة أضعافاً ، فمثلا البلل يبلغ تقريباً عشر القطرة. نعم لو أريد من البلل القطرة المتخلفة في بعض الأوقات كان له وجه. لكنه خلاف الظاهر.

[١] كما عرفت.

[٢] إطلاق الحكم بنحو يشمل جميع الصور المذكورة ظاهر ، بناءً على اعتبار المرتين ، لإطلاق أدلة العدد. أما بناء على الاكتفاء بالمرة فيشكل ، إذ العمدة فيه إطلاق مصحح يونس ، وموضوعه ذَكر الذكر ، والتعدي الى قُبل الأنثى بقاعدة الاشتراك غير ظاهر ، لأن شأنها التعدي من المخاطب الذكر إلى المخاطبة ، لا التعدي من موضوع الحكم إلى غيره. مع أنه يشكل التعدي إلى غير المخرج الطبيعي ، فضلاً عما لو لم يكن معتاداً.

٢٠٩

كما لا فرق بين المخرج الطبيعي وغيره ، معتاداً أو غير معتاد. وفي مخرج الغائط مخير بين الماء والمسح [١] بالأحجار أو الخرق [٢] إن لم يتعد عن المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء ،

______________________________________________________

فاعتبار العدد فيه ، عملاً باستصحاب النجاسة ، متعين.

[١] أما أصل وجوب الاستنجاء من الغائط فلا إشكال فيه ، وادعي عليه الإجماع ، كما يقتضيه نصوص المقام. مضافاً الى ما دل على اعتبار الطهارة فيما تعتبر فيه. وأما إجزاء الماء فأظهر من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه بالنصوص ، كرواية عمار : « إنما عليه أن يغسل ما ظهر منها ، ( يعني : المقعدة ) » (١) ‌، و‌صحيحة إبراهيم بن أبي محمود : « سمعت الرضا (ع) يقول في الاستنجاء : يغسل ما ظهر منه على الشرج » (٢) ‌، وغيرهما. وأما إجزاء المسح فقد حكى الإجماع عليه جماعة ، منهم الشيخ ، والمحقق ، والعلامة ، وسيد المدارك. ويشهد به صحيح زرارة‌ ، ورواية بريد‌ المتقدمان ، و‌موثق زرارة عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن التمسح بالأحجار. فقال : كان الحسين بن علي (ع) يمسح بثلاثة أحجار » (٣). و‌صحيحه الآخر عنه (ع) : « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار ، أن يمسح العجان ، ولا يغسله » (٤) ‌، وغيرها.

[٢] أما الأحجار فمذكورة في أكثر نصوص الباب. وأما الخِرَق فمذكورة في صحيح زرارة المتقدم‌ ، و‌صحيحه الآخر : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : كان الحسين بن علي (ع) يتمسح من الغائط بالكرسف ، ولا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٣.

٢١٠

وإلا تعين الماء [١]. وإذا تعدى على وجه الانفصال ـ كما إذا‌

______________________________________________________

يغتسل » (١) ‌، وغيرهما.

[١] إجماعاً ، كما عن الانتصار والغنية والتذكرة والذكرى والمعتبر وروض الجنان والمفاتيح وغيرها. والوجه فيه بناءً على تفسير التعدي بما في المتن ظاهر ، لقصور أدلة إجزاء التمسح عن شموله ، لاختصاصها بالاستنجاء غير الصادق بالفرض. أما على تفسيره بالتعدي عن المخرج ـ كما صرَّح به الجمُّ الغفير ، كما في مفتاح الكرامة وحكي الإجماع على تفسيره بذلك عن المعتبر ، والتذكرة ، والذكرى ، وروض الجنان ـ فالعمدة في تعين الماء هو الإجماع لعموم الأدلة ، كما اعترف به جماعة من متأخري المتأخرين. ولا مجال لدعوى انصرافها عنه ، لكونه المتعارف ، كما اعترف به في الحدائق وغيرها.

نعم ربما يستدل له بما‌ رواه الجمهور عن علي عليه‌السلام : « إنكم كنتم تبعرون بعراً ، واليوم تثلطون ثلطاً ، فأتبعوا الماء الأحجار » (٢) ‌، و‌عنه (ع) أيضاً : « يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة » (٣). وضعفهما سنداً منجبر بالعمل. لكن الجمع في الأولى بين الماء والأحجار يوجب حملها على الاستحباب. والتجاوز عن العادة في الثانية غير التجاوز عن المخرج ، كما عرفت.

فالعمدة في الخروج عن إطلاق الأدلة هو الإجماع إن تحقق. لكنه ممنوع ، فعن السرائر التصريح باعتبار تعدي الشرج ، وهو حلقة الدبر ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٣.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٦. وكنز العمال : ج : ٥ ص : ١٢٧.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٧. لكن رواه عن أبي جعفر (ع) مع تغيير في اللفظ.

٢١١

وقع نقطة من الغائط على فخذه من غير اتصال بالمخرج ـ يتخير في المخرج بين الأمرين [١] ، ويتعين الماء فيما وقع على الفخذ [٢].

______________________________________________________

وعن روض الجنان ، والمسالك ، والروضة ، وغيرها : اعتبار التعدي عن حواشي الدبر ، واستظهر في الجواهر أن مراد الأصحاب التعدي عن المحل المعتاد ، وأقام على ذلك جملة من القرائن فراجعها. وعن شرح المفاتيح : ان الفقهاء بأجمعهم صرحوا بأن الاستنجاء من الغائط غير منحصر بالماء ، إلا أن يتعدى عن المحل المعتاد. انتهى. وكأنه حمل المخرج في كلامهم على المحل المعتاد. ولكنه غير ممكن بالنسبة إلى جملة من عباراتهم ، فلاحظ عبارتي التذكرة والنهاية وغيرهما ، قال في التذكرة : « يشترط في الاستنجاء بالأحجار أمور : منها عدم التعدي. فلو تعدى المخرج وجب الماء. وهو أحد قولي الشافعي. وفي الآخر لا يشترط ، فان الخروج لا ينفك منه غالباً .. ». نعم منع الإجماع في محل الإمكان. فالعمل على ما في المتن أقرب ، كما عن المدارك ، والدلائل ، وغيرهما. ولا سيما بملاحظة أن عدم التعدي عن المخرج يلازم عدم تلوّث الظاهر ، وحينئذ لا معنى لتشريع التمسح بالأحجار ، فلا بد أن يراد من اعتبار عدم التعدي عن المخرج ما هو خلاف ظاهره. ومع عدم القرينة يتعين الرجوع إلى إطلاق الأدلة.

ثمَّ إنه بعد البناء على انصراف الأدلة عن صورة التعدي فهل يختص الانصراف بالمقدار المتعدي ، أو يعم الجميع؟ قولان ، ولعل الأقرب الأول ، فيلحق التعدي مع الاتصال حكم التعدي مع الانفصال.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] لعموم مطهرية الماء ، وعدم مطهرية التمسح ، كما عرفت.

٢١٢

والغسل أفضل من المسح بالأحجار [١] ، والجمع بينهما أكمل [٢]. ولا يعتبر في الغسل تعدد ، بل الحد النقاء وإن حصل بغسلة [٣]. وفي المسح لا بد من ثلاث [٤] وإن حصل النقاء بالأقل ، وإن لم يحصل بالثلاث فالى النقاء ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن كشف اللثام. ويشهد به كثير من النصوص ، ففي صحيح هشام عن الصادق (ع) : « قال رسول الله (ص) : يا معشر الأنصار إن الله قد أحسن إليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا نستنجي بالماء » (١). و‌في مصحح جميل عن أبي عبد الله (ع) ـ في قول الله عز وجل ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ـ : « قال (ع) : كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ، ثمَّ أحدث الوضوء ، وهو خلق كريم ، فأمر به رسول الله (ص) ، وصنعه ، فأنزل الله في كتابه : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) » (٢) ‌، وغيرهما مما هو كثير.

[٢] كما صرَّح به جماعة ، بل استظهر الإجماع عليه من الخلاف ، والمنتهى ، والمعتبر. ويشهد له ما تقدم من رواية الجمهور عن علي (ع) ، و‌المرسل عن الصادق (ع) : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ، ويتبع بالماء » (٣).

[٣] إجماعاً ، كما عن الخلاف وغيره. لحسن ابن المغيرة عن أبي الحسن (ع) ، ومصحح يونس‌ ، المتقدمين آنفاً (٤).

[٤] كما هو المشهور ، كما عن جماعة. للتقييد بها في النصوص ، ففي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٤.

(٤) تقدما في أول الفصل عند الكلام في وجوب التعدد في الغسل من البول.

٢١٣

______________________________________________________

صحيح زرارة : « لا صلاة إلا بطهور. ويجزؤك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار. بذلك جرت السنة من رسول الله (ص) » (١). و‌في موثقه عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن التمسح بالأحجار. فقال (ع) : كان الحسين ابن علي (ع) يمسح بثلاثة أحجار » (٢). و‌في صحيحه : « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار ، أن يمسح بعجان ، ولا يغسله » (٣). و‌في رواية بريد المتقدمة (٤) : « يجزئ من الغائط المسح بالأحجار ». إلا أن في دلالة الجميع إشكالاً ، لاقتران الأول والثالث بالسنة ، المحتمل كون المراد منه الاستحباب. والثاني عمل مجمل يجوز أن يكون للفضل ، وحكاية الإمام (ع) غير ظاهرة في الوجوب ، لاحتمال كون السؤال عن أصل مشروعية التمسح بالأحجار ، لا عن لزوم العدد ، كي يكون الجواب دالاً على لزومه. والرابع يراد منه الجنس بقرينة العموم ، ولا مجال لحمله على الثلاث ـ لأن أقل الجمع ثلاثة ـ فإن ذلك يتم في المنكّر لا في المعرّف ، الظاهر في العموم ، الذي يجب حمله على الجنس بعد امتناع حمله على العموم ، لأنه أقرب عرفاً ، كما يظهر من ملاحظة أمثاله. ويشهد لعدم التحديد بذلك ما‌ في صحيح زرارة المتقدم (٥) من قوله : « كان يستنجي من البول ثلاث مرات ، ومن الغائط بالمدر والخرق » ‌، وإطلاق حسن ابن المغيرة‌ ، ومصحح يونس‌ ، المتقدمين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٣.

(٤) تقدمت في أول الفصل عند الكلام في وجوب الماء في البول.

(٥) تقدم في أول الفصل عند الكلام في استحباب الغسل بالماء ثلاثاً.

٢١٤

______________________________________________________

نعم قد يستشكل في الموثق ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) ـ بأنه مصدّر بالوضوء ، الظاهر في التطهير بالماء ، بقرينة ذكر غسل الذّكر في الجواب ، وترك ذكره في الغائط للاستهجان بذكر الدبر. وفي الحسن بأن الظاهر كون موردي السؤال فيه الاستنجاء بالماء ، لقلة وجوده ، بل استعماله في تلك الأزمنة المتأخرة عن زمن الصحابة والتابعين. وبأن الظاهر من الريح الباقية في المحل هي المعلومة بتوسط استشمامها باليد ، ولا يكون ذلك إلا بالاستنجاء بالماء. ولأن المراد من النقاء فيه إما ذهاب العين ، أو هي مع الأثر ، والأول مختص بالاستجمار ، والثاني مختص بالماء ، ولا جامع بينهما كي تكون الرواية شاملة لهما معاً ، فهي إما مجملة ، أو محمولة على الثاني ، كما يقتضيه إطلاق النقاء ، أو للاتفاق على إرادة الاستنجاء بالماء منها ، أو لندرة استعمال الاستنجاء في خصوص الاستجمار ، أو لأن حملها على الأول لا يناسب أولوية السؤال عن الأثر من السؤال عن الريح ، فالسؤال عن الريح في الرواية يكشف عن كون المراد من النقاء ما يعم زوال الأثر.

ويمكن أن يخدش ذلك كله بأن ظاهر الوضوء في صدر الموثق ـ بقرينة قوله (ع) : « ثمَّ يتوضأ مرتين » ‌ـ هو ما يقابل الغسل والتيمم ، فالجواب بغسل الذَّكر وإذهاب الغائط إما تفضّلاً بمناسبة كونه من مقدمات الوضوء عادة ـ كما يظهر من جملة من النصوص. منها رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي الواردة في أدعية الاستنجاء ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وغسل أعضاء الوضوء‌ (١) ، ونحوها رواية عبد العزيز المروية عن الخرائج‌ (٢). ورواية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٢١٥

______________________________________________________

الحذاء المتضمنة أنه وضّأ الباقر عليه‌السلام بجمع ، فناوله ماء واستنجى ، ثمَّ صب على يده .. إلخ‌ (١) ـ وإما لكون السؤال عن الوضوء بمقدماته العادية والعدول في الغائط عن التعبير بالغسل إلى التعبير بالاذهاب كالصريح في عمومه للاستجمار ، ( ودعوى ) : أن الوجه في العدول استهجان ذكر الدبر ( ضعيفة ) ، لإمكان الفرار عن الاستهجان المذكور فيه وفي الذكر الى التعبير بالفرجين ، أو نحو ذلك. والندرة الموجبة للانصراف المعتد به ممنوعة ، والعلم بالريح بعد نقاء المحل ضروري لا يحتاج إلى استشمام اليد أو غيرها ، فان ذهاب الريح يحتاج إلى عناية زائدة على ما يحتاج اليه النقاء. والظاهر من النقاء عرفاً ذهاب العين لا غير ، إذ الأثر وإن كان من مقولة الغائط إلا أن صدق الغائط عليه ممنوع ، وإلا فلا بد من إذهابه ، لوجوب إذهاب الغائط إجماعاً ونصاً ، كما اعترف به المستشكل ( قده ). والاتفاق على إرادة الاستنجاء بالماء من الرواية غير ثابت. وتخصيص الريح بالسؤال دون الأثر جار على مقتضى النظر العرفي ، حيث لا يرون الأثر شيئاً في قبال العين ، كي يسألون عنه. فتأمل. مع أن مجرد عدم السؤال لا يصلح قرينة عرفاً على إرادة الأعم من الأثر. هذا ولكن الخدشات المذكورة لا يخلو بعضها من تكلف. ولا أقل من عدم ثبوت إطلاق الرواية المذكورة. نعم مصحح يونس‌ إطلاقه محكم.

اللهم إلا أن يقال : بقرينة الارتكاز العرفي في التطهير ينصرف إطلاق إذهاب الغائط إلى نقاء العين والأثر ، فالاكتفاء بزوال العين في الاستجمار يتوقف على الاعتماد على أخباره ، والقدر المتيقن منها التثليث. وليس فيها ما يتوهم منه الإطلاق ، عدا‌ رواية بريد المتقدمة : « يجزئ من الغائط‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

٢١٦

فالواجب في المسح أكثر الأمرين من النقاء والعدد. ويجزئ ذو الجهات الثلاث من الحجر [١] ،

______________________________________________________

المسح بالأحجار » ‌، بناء على إرادة الجنس ، كما هو الظاهر ، كما عرفت. لكن قوله (ع) : « ولا يجزئ من البول إلا الماء » ‌يوجب ظهوره في الإيجاب الجزئي في مقابل السلب الكلي في البول. ومثله‌ صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « كان الحسين بن علي (ع) يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغتسل » (١). وأما‌ صحيح زرارة : « كان يستنجي من البول ثلاث مرات ، ومن الغائط بالمدر والخرق » (٢) ‌فلم يثبت كونه كلاماً للمعصوم ، فلا مجال للأخذ بإطلاقه.

نعم لازم ذلك القول بعدم اعتبار التثليث لو فرض زوال العين والأثر بما دون الثلاث ، عملاً بإطلاق المصحح ، واعتبار التثليث إذا لم يزل الأثر لأنه المتيقن من نصوص الاستجمار. ومن ذلك يظهر ضعف القول بعدم اعتبار التثليث مطلقاً ، كما عن ظاهر ابني حمزة وزهرة ، والقاضي ، وصريح المختلف ، والمدارك ، والذخيرة ، وغيرها.

[١] كما عن ظاهر جماعة ، أما للإطلاق المتقدم. وإما لأن الظاهر من المسح بثلاثة أحجار هو ثلاث مسحات ، نظير قولك : ضربته ثلاثة أسواط وإما للقطع بعدم الفرق بين الاتصال والانفصال ، كما عن المختلف. والجميع كما ترى. إذ الإطلاق قد عرفت إشكاله. مع أن مبنى القائلين بالتثليث عدم الرجوع إلى الإطلاق. والظاهر من المسح بثلاثة أحجار تثليث الأحجار. والتنظير بما ذكر في غير محله ، لقيام القرينة في النظير ، مضافاً إلى الاختلاف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٦.

٢١٧

وبثلاثة أجزاء من الخرقة الواحدة ، وإن كان الأحوط ثلاثة منفصلات. ويكفي كل قالع [١] ، ولو من الأصابع [٢]. ويعتبر فيه الطهارة [٣].

______________________________________________________

بينهما بوجود الباء ، فإنه لا يظن أن يتوهم أن الظاهر من قولك : ضربته بثلاثة أسواط. أنك ضربته ثلاث ضربات. والقطع بعدم الفرق ممنوع ، ومجرد عدم ظهور الفرق غير كاف.

[١] على المشهور ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، المؤيد بما قيل من جعل الأصحاب المنع عن العظم والروث والمحترم من قبيل الاستثناء. وأما‌ خبر ليث : « عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود. فقال ( ع : أما العظم والروث فطعام الجن ، وذلك مما اشترطوا على رسول الله (ص) فقال : لا يصلح بشي‌ء من ذلك » (١). فيدل على وجود المانع في العظم والروث ، ولا يدل على عدمه في غيرهما ، فضلاً عن دلالته على وجود المقتضي في غيرهما. فالعمدة في عموم الحكم هو الإجماع ، المؤيد بالتنصيص على المدر والخِرق والكرسف ـ زائداً على الأحجار ـ وبرواية ليث‌ التي يفهم منها حكم العود ، بل حكم العظم والروث على ما يأتي ، ولو تمَّ إطلاق رواية يونس‌ أمكن التمسك به في المقام ، دون رواية ابن المغيرة‌ وإن تمَّ إطلاقها ، لظهورها في غير المقام.

[٢] هذا غير ظاهر حتى من الإجماع. فتأمل.

[٣] بلا خلاف ظاهر. وكأنه لأن قاعدة : أن الفاقد لا يعطي ، الارتكازية توجب انصراف الإطلاقات إلى الطاهر. ومن ذلك يظهر ضعف التمسك بإطلاق نصوص الاستجمار على خلافها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ١.

٢١٨

ولا يشترط البكارة [١]. فلا يجزئ النجس ، ويجزئ المتنجس بعد غسله. ولو مسح بالنجس أو المتنجس لم يطهر بعد ذلك إلا بالماء [٢] ، إلا إذا لم يكن لاقى البشرة ، بل لاقى عين النجاسة [٣]. ويجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر [٤] ، بمعنى : الأجزاء الصغار التي لا تُرى [٥] ، لا بمعنى اللون [٦]

______________________________________________________

[١] وإن كان قد يظهر من جماعة اشتراطها ، وإطلاق الأدلة ينفيه. و‌المرسل : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار يتبع بالماء » (١) ‌قاصر السند والدلالة ، لأن الاتباع بالماء مستحب ، والسنة أعم من الوجوب.

[٢] لتنجس المحل به ، بناءً على تنجس المتنجس بملاقاة النجاسة ، فلا تشمله أدلة الاستجمار ، لاختصاص دليل مطهريته بنجاسة الغائط.

[٣] لكن لو بني على نجاسة نجس العين بملاقاة المتنجس ، يكون الحكم كما لو لاقى البشرة ، لسراية نجاسته العرضية إلى المحل ، اللهم إلا أن يكون جامداً على نحو لا تسري نجاسته إلى ملاقيه. والظاهر أن ذلك هو مورد كلام المصنف (ره).

[٤] كما نُسب إلى جمع من الأصحاب ، وفي طهارة شيخنا الأعظم (ره) دعوى الاتفاق على وجوب إزالة الأثر بالغسل ، وعدم وجوبها عند الاستجمار.

[٥] كما عن كشف الغطاء تفسيره بذلك. وكأن المراد أنها لا تُرى للطافتها ، وإن كانت تحس باللمس ، واليه يرجع تفسيره بالأجزاء اللطيفة كما عن جماعة منهم الشهيد الثاني والميسي.

[٦] نسبه في المسالك وروض الجنان والمدارك والذخيرة إلى القيل ، ولم يعرف القائل به ، كما لم يعرف وجهه ، إذ لا عبرة باللون ، كما تقدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٤.

٢١٩

والرائحة [١]. وفي المسح يكفي إزالة العين ، ولا يضر بقاء الأثر بالمعنى الأول أيضاً.

( مسألة ١ ) : لا يجوز الاستنجاء بالمحترمات [٢] ،

______________________________________________________

في مطهرية الماء. ولذلك حمل على اللون الزائل بأدنى مبالغة في المسح ، الذي حكي عن المنتهى والنهاية الجزم بوجوب إزالته. هذا ولا يخفى المضادة بين هذا التفسير وما قبله ، فان اللون مما يرى ويحس.

[١] كما استظهره الأردبيلي ، ونزل إزالته على الندب. وكأن الوجه في هذا التنزيل الإجماع ، وحسن ابن المغيرة‌ (١). لكن ذلك خلاف ظاهر كلماتهم ، بل خلاف الاتفاق ، كما عرفت. وقيل للنجاسة الحكمية ( وفيه ) : أنها تابعة للنجاسة العينية ، وقد عرفت عدم اعتبار التعدد في الاستنجاء بالماء ، كما يقتضيه النص والإجماع.

ثمَّ إن الوجه في الفرق بين الماء والاستجمار ـ بناءً على تفسير المصنف (ره) ـ هو ما عرفت الإشارة إليه ، من أن إطلاق أدلة الاستنجاء بالماء لما كان منزلاً على الارتكاز العرفي في التنظيف والتطهير ، وكان بقاء الأثر بذلك المعنى مخلا في ذلك عندهم ، كان مقتضى إطلاق الدليل وجوب إزالته ، وإطلاق أدلة الاستجمار وإن كان يجري فيه ذلك ، إلا أنه لما كانت إزالة الأثر بذلك المعنى بالمسح بالأحجار محتاجة إلى مبالغة كثيرة خارجة عن المتعارف ، وربما كانت حرجاً نوعاً ، كان إطلاق أدلة الاستجمار ظاهراً في عدم اعتبارها. ومنه يظهر أن الأولى تفسير الأثر بأنه ما لا يزول عادة بالمسح بالأحجار.

[٢] لأنه ينافي احترامها الواجب.

__________________

(١) تقدم في أول الفصل عند الكلام في وجوب التعدد في الغسل من البول.

٢٢٠