مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

( مسألة ٤٠ ) : إذا أكل طعاماً نجساً فما يبقى منه بين أسنانه باق على نجاسته [١] ، ويطهر بالمضمضة [٢]. وأما إذا كان الطعام طاهراً فخرج دم من بين أسنانه ، فان لم يلاقه لا يتنجس وإن تبلل بالريق الملاقي للدم ، لأن الريق لا يتنجس بذلك الدم [٣] ، وإن لاقاه ففي الحكم بنجاسته إشكال ، من حيث أنه لاقى النجس في الباطن ، لكن الأحوط الاجتناب عنه ، لأن القدر المعلوم أن النجس في الباطن لا ينجس ما يلاقيه ، مما كان في الباطن ، لا ما دخل إليه من الخارج ، فلو كان في أنفه نقطة دم لا يحكم بتنجس باطن الفم ، ولا بتنجس رطوبته ، بخلاف ما إذا أدخل إصبعه فلاقته ، فان الأحوط غسله.

( مسألة ٤١ ) : آلات التطهير ـ كاليد ، والظرف الذي يغسل فيه ـ تطهر بالتبع [٤] ، فلا حاجة إلى غسلها ،

______________________________________________________

لدليل لفظي ، دال على طهارة بعض المغسول الواحد بطهارة البعض الآخر أما لو كان لأجل السيرة القطعية ونحوها من الأدلة اللبية ، فالواجب الاقتصار على المتيقن منها دون غيره ، فهذا هو منشأ الفرق.

[١] للاستصحاب.

[٢] على تقدير استيلاء مائها على تمام سطحه الظاهر ، بان يكون في فضاء الفم حين المضمضة.

[٣] لعدم سراية النجاسة من الداخل إلى الداخل ، كما تقدم وجهه ووجه الاحتياط فيما بعده ، في مبحث نجاسة البول.

[٤] لما تقدم في المسألة السابقة من السيرة ، والارتكاز العرفي ، والإطلاق المقامي لأدلة التطهير المتضمنة للأمر بالغسل ، ولا سيما في الظرف‌

٦١

وفي الظرف لا يجب غسله ثلاث مرات ، بخلاف ما إذا كان نجساً قبل الاستعمال في التطهير ، فإنه يجب غسله ثلاث مرات ، كما مرّ.

« الثاني » : من المطهرات الأرض. وهي تطهر باطن القدم ، والنعل [١] ،

______________________________________________________

فإن دلالة صحيح ابن مسلم‌ على طهارته بالتبع ، وعدم احتياجه إلى التطهير بعد الغسلة الأولى أو الثانية ، مما لا مجال للتأمل فيها ، كما أشرنا إليه سابقاً (١). والظاهر عدم الاحتياج في الحكم بطهارة اليد إلى صب الماء عليها مع الثوب ، فان ذلك خلاف المرتكز العرفي. بل لا يبعد عدم اعتبار اتصالها بالثوب حين صب الماء عليه. بل لا يبعد إلحاق يد غير الغاسل بيد الغاسل نفسه في ذلك ، كما لو صب الماء على الثوب ، وناوله لخادمه ليعصره ومثلها الحجر والخشبة المتخذان لفصل ماء الغسالة بالتثقيل والدق. والله سبحانه أعلم.

[١] هذا مجمع عليه ، كما عن جامع المقاصد ، وعن المدارك والدلائل أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. ويدل عليه في القدم صريح النصوص‌ كصحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال (ع) : لا يغسلها إلا أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ، ويصلي » (٢). و‌حسن المعلى : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافياً.

__________________

(١) تقدم في المسألة العشرين.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

٦٢

______________________________________________________

فقال (ع) : أليس وراءه شي‌ء جاف؟ قلت : بلى. فقال (ع) : لا بأس ، إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » (١). و‌حسن محمد الحلبي المروي عن مستطرفات السرائر عنه (ع) : « إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته. فقال (ع). أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى. قال (ع) : فلا بأس ، إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » (٢). وإطلاق‌ صحيحة : « دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال (ع) : اين نزلتم؟ فقلت : نزلنا في دار فلان. فقال (ع) : إن بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً ، أو قلنا له : إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً. فقال (ع) لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » (٣). و‌صحيح الأحول عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ، ثمَّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً. قال (ع) : لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك » (٤).

ومن إطلاق الصحيحين الأخيرين ـ بضميمة إطلاق التعليل المذكور في أولهما وغيره ـ يستفاد الحكم في الثاني. إلا أن يخدش التعليل بالعلم بعدم إرادة ظاهره على إطلاقه ، فيحكم بإجماله ( وأما الإشكال عليه ) بإجمال المراد لتكثر محتملاته ، لاحتمال أن يكون المراد من التطهير فيه انتقال القذارة من الموضع النجس الى موضع آخر ، مرة بعد أخرى ، حتى لا يبقى منها شي‌ء ـ كما عن الوافي ـ وأن يكون المراد يطهر بعضها بعض المتنجسات ـ كما عن الوحيد ـ إذ عليهما لا مجال للاستدلال به على العموم ( فمندفع ) بأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٦٣

______________________________________________________

تكثر المحتملات لا يوجب الاجمال إذا كان بعضها أظهر ، والأظهر في المقام ـ كما اعترف به غير واحد ـ أن المراد أن الأرض يطهر بعضها ما ينجس من ملاقاة بعض آخر منها. أما ما ذكره في الوافي فساقط جدا ، لمخالفته لمورده في الحسنين ، فان رطوبة البول أو الماء اللاصقة بالرجل لا يتوقف زوالها على المشي على الأرض ، ولم يكن السؤال من جهة وجودهما العيني بل من جهة أثرهما الحكمي. وأيضاً فإن بيان المعنى المذكور مما ليس وظيفة للشارع ، بل هو أمر عرفي ، فحمل الكلام عليه خلاف الظاهر.

كما يمكن أن يخدش الصحيح الأول منهما بمعارضته بالحسن السابق المروي في المستطرفات ، إذ الظاهر وحدة الواقعة ، وقد صرح في الحسن بالرجل ( وتوهم ) : وجوب إعمال قواعد التعارض ، المقتضية لترجيح الصحيح ( مندفع ) بأن ذلك ـ وإن سلم ـ لا يتم في المقام ، لان نسبة الحسن إلى الصحيح نسبة المبين الى المجمل ـ كما يظهر بالتأمل في متنهما ـ فان الظاهر أن يكون الحلبي قد روى الواقعة لإسحاق الراوي عنه في الصحيح بنحو مجمل ، وللمفضل بن عمر الراوي عنه في الحسن بنحو مفصل ، فيكون العمل على الثاني المصرح فيه بالرجل ، فلا مجال للتمسك بإطلاق الأول به لحكم غيرها.

نعم لا مجال للتأمل في إطلاق الصحيح الثاني منهما ، وهو كاف في التعدي عن القدم إلى غيرها ، لصدق الوطء في الجميع ( وتوهم ) : أن إعراض المشهور عن ذيله المتضمن لاعتبار خمسة عشر ذراعاً يقدح في حجيته ( مندفع ) بأن ذلك إنما يقتضي حمل ذيله على الاستحباب ، أو على ما لو توقف زوال العين على المشي بالمقدار المذكور ، لا أنه يسقط إطلاق صدره عن الحجية ، لإمكان التفكيك بينهما في الحجية. وعليه‌

٦٤

بالمشي عليها ، أو المسح بها [١] بشرط زوال عين النجاسة [٢] إن كانت. والأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة [٣] ، دون ما حصل من الخارج [٤].

______________________________________________________

فلا فرق بين النعل وكل ما يلبس بالقدم مما يصدق الوطء به ، وكأن المراد من النعل في المتن ما يعم جميع ذلك ، كما سيأتي.

[١] كما عن المنتهى. والنهاية ، والدروس ، والمهذب ، وحاشية الشرائع ، والمسالك ، والروضة. للتصريح بالمسح في صحيح زرارة‌ وبالمشي في حسن الحلبي‌ ، ويستفادان من غيرهما. فما عن ظاهر الخلاف من عدم طهارة الخف بالدلك غير ظاهر.

[٢] قطعاً. ويستفاد من صحيح زرارة‌.

[٣] سواء أكانت النجاسة من الأرض أم من غيرها ، أما الأول فهو المتيقن ، وتضمنه حسنا الحلبي‌ والمعلى‌ وصحيح الأحول‌ ، ويقتضيه التعليل وأما الثاني فتضمنه صحيح زرارة‌ ( وتوهم ) : منافاة التعليل لصحيح زرارة فيمتنع الأخذ به ( مندفع ) بأن التعليل المذكور لا مفهوم له واضح ليصلح لمعارضة غيره. مضافاً إلى أن الصحيح صريح الدلالة فالتصرف في التعليل متعين.

[٤] للأصل. وإن كان قد يتوهم ثبوت الحكم فيه أيضاً ، لإطلاق‌ صحيح زرارة : « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما » (١). وفيه : أنه لو سلم وروده فيما نحن فيه ، لا في المسح في الوضوء ، فلا إطلاق له ، لأنه في مقام الإيجاب الجزئي في قبال السلب الكلي. فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٣.

٦٥

ويكفي مسمى المشي أو المسح [١] ، وإن كان الأحوط المشي خمس عشرة خطوة [٢]. وفي كفاية مجرد المماسة من دون مسح أو مشي إشكال [٣] ، وكذا في مسح التراب عليها [٤]. ولا فرق في الأرض بين التراب والرمل والحجر الأصلي [٥] ،

______________________________________________________

[١] على المشهور ، وعن الذكرى : انه ظاهرهم عدا ابن الجنيد. لإطلاق النصوص.

[٢] لما عن ابن الجنيد من اعتبار المشي نحواً من خمسة عشر ذراعاً ، ويساعده صحيح الأحول‌. وحمل على صورة توقف زوال القذارة على المشي كذلك ، كما قد يومئ إليه قوله (ع) : « أو نحو ذلك ». أو على الاستحباب ، أخذاً بإطلاق غيره من النصوص ، الآبي سياقها عن التقييد بذلك ، بل صحيح زرارة‌ كالصريح في عدمه. إلا أن يدعى الاقتصار على تقييد المشي لا المسح. ثمَّ إنه لا يظهر لذكر الخطوة في المتن وجه مع كون المذكور في النص والفتوى الذراع.

[٣] ينشأ من ظهور حسن الحلبي‌ وصحيح زرارة‌ في اعتبار المشي والمسح ، ومن إطلاق التعليل. لكن الإطلاق لا يجدي في إثبات الكيفية ، ولا ارتكاز عرفي فيها بالنسبة إلى الأرض ليتبع ، والقياس على الماء غير ظاهر ، فظهور الحسن والصحيح في اعتبار خصوصية المشي والمسح محكم ، واحتمال كون ذكرهما لمناسبة المورد لا يجدي في رفع اليد عن الظاهر.

[٤] لاحتمال انصراف المسح في صحيح زرارة‌ إلى مسح الأرض بالرجل لا مسح الرجل بالأرض. لكن فيه منع الانصراف. مع أن مقتضى الجمود على حاق التعبير تعين الثاني ، وإن كان الظاهر منه إرادة مجرد إزالة العين.

[٥] والاقتصار على الأول في الشرائع ، وعن غيرها ، لا بد أن يكون‌

٦٦

بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر ، بل بالآجر والجص والنورة [١]. نعم يشكل كفاية المطلي بالقير أو المفروش باللوح من الخشب مما لا يصدق عليه اسم الأرض [٢].

______________________________________________________

للتمثيل ، وإلا فإطلاق الأرض والمكان والشي‌ء ، المذكورة في النصوص ، يقتضي التعميم.

[١] إما لصدق الأرض عليها قطعاً ، أو تعبداً باستصحاب أرضيتها أو لاستصحاب مطهريتها. ولو فرض معارضته باستصحاب النجاسة ـ كما هو كذلك في كل استصحاب تعليقي ـ فالمرجع بعد التعارض قاعدة الطهارة. لكن عرفت ـ في مبحث العصير الزبيبي ـ الإشكال في كون ذلك من الاستصحاب التعليقي ، كي يعارض استصحاب النجاسة. كما عرفت غير مرة أن مثل استصحاب الأرضية غير جار ، لأنه من استصحاب المفهوم المردد. فاذاً العمدة في مطهرية ما ذكر ، الرافع لاستصحاب النجاسة ، هو إطلاق الأرض الشامل لها. ولا يخلو من تأمل ، وإن كان هو الأظهر في المقام ، لغلبة وجود مثل ذلك في الطرق والأزقة التي يمر عليها الناس.

[٢] كأن منشأ الاشكال ـ مع الاعتراف بعدم صدق الأرض عليه ـ عدها جزءاً من الأرض عرفاً مسامحة ، واحتمال أن يكون المراد من الأرض ما يقابل الفراش ، وإلا فلا فرق بينها وبين ما نفى الاشكال في عدم كفايته في عدم صدق الأرض عليه. فان أمكن الأخذ بإطلاق الأمر بالمسح في صحيح زرارة‌ ، والمسكان النظيف في صحيح الأحول‌ ، تعين الحكم بكفاية كل منهما ، كما عن ابن الجنيد ، واختاره في المستند ، وتردد فيه نهاية الأحكام. وإلا يمكن ذلك ـ إما للانصراف إلى الأرض‌

٦٧

ولا إشكال في عدم كفاية المشي على الفرش والحصير والبواري ، وعلى الزرع والنباتات ، إلا أن يكون النبات قليلا. بحيث لا يمنع عن صدق المشي على الأرض [١]. ولا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة [٢] ، ولا زوال العين بالمسح أو بالمشي وإن كان أحوط [٣]. ويشترط طهارة الأرض [٤] ،

______________________________________________________

كما ادعاه في الحدائق. أو وجوب حمله عليها ، جمعاً بينه وبين ما في حسن الحلبي من‌ قوله (ع) : « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة » ‌الظاهر في تعين الأرض ـ تعين الحكم بعدم كفاية كل منهما ، كما هو المعروف بين الأصحاب من غير خلاف يعرف ـ كما في الحدائق ـ وهذا هو الأظهر. وأما التعليل فمنافاته لقول ابن الجنيد غير ظاهرة ، لما عرفت مراراً من أن هذا السنخ من التعليلات مما لم يكن مقروناً بلام التعليل غير واضح الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء.

[١] وكفايته حينئذ للإطلاق. فتأمل. أو لأن المتعارف في الأرض التي يمشي عليها وجود الخليط بها من نبات أو نحوه ، فيكون تقييد جميع تلك النصوص بالخالصة من الخليط تقييداً بالفرد النادر ، وهو فيها مما لا يمكن الالتزام به.

[٢] لإطلاق النص فيه وفيما بعده.

[٣] لما تضمنه صحيح زرارة‌. لكن لما كان مورده وجود العين ، المعتبر زواله قطعاً ، لم يصلح لتقييد مثل حسن الحلبي‌.

[٤] كما عن الإسكافي والشهيد والكركي. واستدل له بالأصل بعد قصور الإطلاقات المقتضية للمطهرية عن شمول صورة نجاسة الأرض ، فإن مقتضى الاستصحاب النجاسة حينئذ. وبالاستقراء لموارد التطهير بالماء حدثاً‌

٦٨

______________________________________________________

وخبثاً ، وبالأرض حدثاً ، بل وخبثاً ، كحجر الاستنجاء ، فإن طهارة المطهر شرط في جميع تلك الموارد الموجب ذلك لقوة الظن بذلك هنا. وبإشعار ما في صحيح الأحول‌ ، من جهة ذكر القيد المذكور في سؤاله. و‌بالنبوي : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (١) ‌، بناءً على أن الطهور هو الطاهر المطهر من الحدث والخبث. وبقاعدة اعتبار سبق الطهارة في المطهر ، المتفق عليها الفقهاء ظاهراً ، كما عن الوحيد. والجميع لا يخلو من خدش. إذ الأصل إنما يقتضي النجاسة بناءً على عدم جريان استصحاب المطهرية ، الثابتة قبل طروء النجاسة على الأرض ، وإلا فمقتضاه العدم. ولو فرض معارضته باستصحاب النجاسة كان المرجع قاعدة الطهارة ، كما سبق نظيره. مع أن الأصل لا مجال له مع الإطلاقات المقتضية لنفي اعتبار الطهارة. ودعوى قصورها ممنوعة ، ومثلها دعوى الانصراف الى خصوص الطاهر ، بتوسط القاعدة الارتكازية من ان الفاقد لا يعطي ، إذ لا ارتكاز للعرف في التطهير بالأرض ، وإذا كان تعبدياً محضاً لا مجال لإعمال مرتكزاتهم فيه. وأما الظن الحاصل من الاستقراء فليس بحجة ، كالاشعار في الصحيح. وأما النبوي فلو سلم مبنى الاستدلال به ، فإنما يدل على طهارة الأرض ومطهريتها ، ولا يدل على اعتبار الأولى في الثانية بوجه. والاتفاق على القاعدة ممنوع كيف؟! ونسب الخلاف في المقام إلى جماعة ، منهم الشهيد الثاني ، بل نسبه هو (ره) إلى إطلاق النص والفتوى إلا إن يقال : إن الرجوع إلى العرف في قاعدة : ( الفاقد لا يعطي ) ليس من باب الرجوع إليهم في كيفية التطهير لأجل الإطلاق المقامي ، بل من جهة أن القاعدة المذكورة توجب دلالة الكلام على اعتبار الطهارة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب التيمم حديث : ٢ ، ٣.

٦٩

وجفافها [١]. نعم الرطوبة غير المسرية غير مضرة [٢]. ويلحق بباطن القدم والنعل حواشيهما بالمقدار المتعارف مما يلتزم بهما‌

______________________________________________________

في المطهّر ، كما توجب دلالته على اعتبار نجاسة المنجّس ، ولذلك استدل الفقهاء على نجاسة جملة من الأعيان النجسة بما دل على نجاسة ملاقيها ، فلو لا أن المنجس يجب أن يكون نجساً لما كان وجه لذلك الاستدلال ، والفرق بينه وبين ما نحن فيه غير ظاهر ، وكذا جميع الموارد التي تضمن الدليل فيها فاعلية شي‌ء لشي‌ء ، فإنه يدل بالالتزام العقلي أو العرفي على كونه واجداً لذلك الفعل. فلاحظ. والله سبحانه أعلم.

[١] كما عن الإسكافي ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، وغيرهم. للتنصيص عليه في حسني الحلبي‌ والمعلى‌ ، بل في الثاني التنصيص على اليبوسة الموجب لتقييد الإطلاقات. مع قصورها في نفسها ، لانصرافها إلى المتعارف وهو الإزالة بالجاف. وللزوم تنجس الأرض بالمماسة ، المؤدي إلى سراية نجاستها إلى ما يراد تطهيره من القدم. ويمكن الخدش في الجميع. إذ التنصيص غير ظاهر في التقييد ، لقرب كون المراد بالجاف ما يقابل المبتل بما يسيل من الخنزير ، وباليابسة ما يقابل الندية بالبول ، كما يظهر بملاحظة سياقها. والانصراف ممنوع. وكذا سراية النجاسة ممنوع ، كما في الماء المستعمل في التطهير ، فإنه مطهر ولا يتنجس به المحل ، كما يستفاد من أدلة التطهير ، وكذا هنا. وكأنه لما ذكر قال في محكي الروضة : « لا فرق في الأرض بين الجافة وللرطبة ».

[٢] وإن كان البناء على ظهور حسن الحلبي‌ في التقييد يقتضي البناء على كونها مضرة ، لأن الجمع بين ما دل على اعتبار الجفاف ، وما دل على اعتبار اليبوسة بتقييد الأول بالثاني ، لأن اليبوسة أخص من الجفاف.

٧٠

من الطين والتراب حال المشي [١]. وفي إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما ، إذا كان يمشي بهما لاعوجاج في رجله ، وجه قوي [٢] ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [٣]. كما أن إلحاق الركبتين واليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما أيضاً مشكل [٤]. وكذا نعل الدابة [٥] ، وكعب عصا الأعرج ، وخشبة الأقطع. ولا فرق في النعل بين أقسامها [٦] من المصنوع من الجلود والقطن والخشب ونحوها مما هو متعارف [٧].

______________________________________________________

[١] بل المتعارف في العذرة التي تسيخ الرجل بالوطء عليها ، كما في صحيح زرارة‌ ، إذ لا مجال لاحتمال الاقتصار على مورده.

[٢] وهو إطلاق جملة من النصوص المتقدمة.

[٣] لاحتمال انصراف الإطلاق إلى المتعارف. لكنه ممنوع ، ولو بني عليه لوجب التقييد بالمتعارف في الكيفية والكمية وغيرهما من الخصوصيات المتعارفة.

[٤] لانحصار الدليل فيها بالتعليل ، وصحيح الأحوال ، والأول قد عرفت إجماله ، والثاني يمكن أن يتأمل في صدق الوطء المذكور فيه على المشي على المذكورات.

[٥] إذ لا وجه للإلحاق فيه إلا التعليل ، الذي عرفت حاله وكذا الحكم في عصا الأعرج وخشبة الأقطع ، واحتمال صدق الوطء فيهما بعيد.

[٦] لما عرفت من الإطلاق ، ولكنه ليس إطلاقاً في النعل ، بل فيما يوطأ به.

[٧] إن كان المراد التقييد بالمتعارف في زمان صدور الأخبار فقد عرفت الاشكال فيه ، وإن كان المراد التقييد بالمتعارف في زمان الاستعمال‌

٧١

وفي الجورب إشكال [١] ، إلا إذا تعارف لبسه بدلاً عن النعل ويكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة ، وإن بقي أثرها [٢] من اللون والرائحة ، بل وكذا الأجزاء الصغار التي لا تتميز [٣] كما في الاستنجاء بالأحجار. لكن الأحوط اعتبار زوالها. كما أن الأحوط زوال الأجزاء الأرضية اللاصقة بالنعل والقدم ، وإن كان لا يبعد طهارتها أيضاً [٤].

______________________________________________________

فهو تقييد من غير دليل ، فالأوجه عموم الحكم.

[١] لعدم تعارف توقي الرجل به. لكن عرفت أن مجرد ذلك لا يكفي في صرف الإطلاق مع إمكان تعارف المشي به دائماً في الأمكنة المتقاربة ، مثل المشي من أحد جانبي الدار إلى الجانب الآخر.

[٢] بلا إشكال. ويعرف ذلك مما تقدم في مطهرية الماء.

[٣] لإطلاق النصوص. ولمناسبته لسهولة الملة. وللزوم الحرج من التكليف بإزالتها. والجميع كما ترى ، إذ الإطلاق لا مجال له مع وجود عين النجاسة التي لا فرق فيها بين الأجزاء الصغار وغيرها. والمناسبة لا تصلح دليلا ، كأدلة نفي الحرج ، إذ لا حرج في التكليف مخيراً بينه وبين الماء مع تيسر الماء. مع أن أدلة نفي الحرج إنما تنفي التكليف ولا تثبت الطهارة ، كما عرفت. نعم لا بأس ببقاء الأجزاء التي يتعذر غالباً زوالها بالمسح أو المشي ، لأن المنع عن تلك الأجزاء يوجب لغوية الحكم المذكور ، وهو مما لا يمكن الالتزام به. ومنه يظهر الخدش في إطلاق كل من القول بوجوب إزالة الأثر ـ كما عن بحر العلوم (ره) وغيره ـ أخذاً بإطلاق صحيح زرارة‌ ، والقول بعدم وجوبها ـ كما عن كاشف الغطاء (ره) وغيره ـ اعتماداً على ما عرفت.

[٤] لأن الدليل الدال على الطهارة بالمسح يدل بالالتزام العرفي على‌

٧٢

( مسألة ١ ) : إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل لا تطهر بالمشي [١] بل في طهارة باطن جلدها إذا نفذت فيه إشكال [٢] وإن قيل بطهارته بالتبع.

( مسألة ٢ ) : في طهارة ما بين أصابع الرجل إشكال [٣] ، وأما أخمص القدم فان وصل إلى الأرض يطهر ، وإلا فلا ، فاللازم وصول تمام الأجزاء النجسة إلى الأرض ، فلو كان تمام باطن القدم نجساً ومشى على بعضه لا يطهر الجميع ، بل خصوص ما وصل الى الأرض [٤].

( مسألة ٣ ) : الظاهر كفاية المسح على الحائط [٥] ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [٦].

______________________________________________________

طهارة ما ذكر ، نظير الدليل الدال على طهارة المتنجس بالغسل ، الدال بالالتزام على طهارة المتخلف من البلل. فتأمل.

[١] للأصل.

[٢] إذ قد عرفت أن العمدة في إثبات طهارة النعل بالأرض صحيح الأحول‌ ، وظاهره طهارة خصوص السطح المتنجس بالوطء عليه ، فكما لا يدل على طهارة ظاهر القدم وظاهر النعل مما يتفق وصول النجاسة إليهما لا يدل على طهارة داخل النعل ، إذ هما من قبيل واحد.

[٣] وجهه هو وجه الاشكال السابق. ويمكن أن تستفاد الطهارة من صحيح زرارة‌ ، لأن الرجل التي تسيخ في العذرة تصل العذرة الى ما بين أصابعها غالباً ، وظاهر الصحيح طهارة الجميع بالمسح ، لا بالتبعية.

[٤] لأنه الظاهر من الدليل.

[٥] لإطلاق صحيح زرارة‌.

[٦] ينشأ من دعوى انصراف الدليل عنه. لكنه ممنوع.

٧٣

( مسألة ٤ ) : إذا شك في طهارة الأرض يبني على طهارتها [١] ، فتكون مطهّرة ، إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها [٢] ، وإذا شك في جفافها لا تكون مطهرة [٣] إلا مع سبق الجفاف ، فيستصحب.

( مسألة ٥ ) : إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس لا بد من العلم بزوالها [٤] ، وأما إذا شك في وجودها فالظاهر كفاية المشي وإن لم يعلم بزوالها على فرض الوجود [٥].

( مسألة ٦ ) : إذا كان في الظلمة ، ولا يدري أن ما تحت قدمه أرض أو شي‌ء آخر من فرش ونحوه ، لا يكفي المشي عليه [٦] ، فلا بد من العلم بكونه أرضاً.

______________________________________________________

[١] للأصل ، فيترتب عليها أثرها ، وهو المطهرية. ولا مجال لاستصحاب النجاسة ، لأن الأصل السببي ولو كان مثل قاعدة الطهارة ، حاكم على الأصل المسببي ولو كان مثل الاستصحاب.

[٢] لجريان استصحاب نجاستها الحاكم على قاعدة الطهارة.

[٣] للشك في الشرط ، الموجب للشك في المشروط ، فيرجع إلى استصحاب عدمه.

[٤] لاستصحاب بقائها ، المانع من حصول الطهارة.

[٥] لأصالة عدمها. لكن ذلك إذا لم يحتمل حيلولتها بين المحل المتنجس والأرض ، وإلا جرى استصحاب نجاسة المحل. وأصالة عدم الحائل كلية غير ثابتة ، والالتزام بثبوتها في الطهارات الثلاث ، للسيرة ، لا يقتضي الالتزام بها هنا ، لعدم ثبوت السيرة.

[٦] للشك في حصول الشرط ، نظير ما سبق.

٧٤

بل إذا شك في حدوث فرش أو نحوه بعد العلم بعدمه يشكل الحكم بمطهريته أيضاً [١].

( مسألة ٧ ) : إذا رقع نعله بوصلة طاهرة ، فتنجست ، تطهر بالمشي [٢]. وأما إذا رقعها بوصلة متنجسة ، ففي طهارتها إشكال ، لما مرّ من الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة [٣].

( الثالث ) من المطهرات : الشمس. وهي تطهِّر الأرض [٤] ،

______________________________________________________

[١] بل ينبغي الحكم بعدمها ، للشك في الشرط. وأصالة عدم وجود الفرش لا يثبت أن ما يمشي عليه هو الأرض.

[٢] لإطلاق النص ، الشامل للنعل المرقوع.

[٣] ومرَّ وجهه أيضاً.

[٤] على المشهور ـ كما عن جماعة كثيرة ـ بل عن الخلاف ، والسرائر ، حكاية الإجماع عليه ، وعن كشف الحق نسبته إلى الإمامية. لصحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه. فقال (ع) : إذا جففته الشمس فصلِّ عليه ، فهو طاهر » (١). و‌خبر أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (ع) : « يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر. أو‌ كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر » (٢). و‌موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن الموضع القذر يكون في البيت وغيره فلا تصيبه الشمس ، ولكنه قد يبس الموضع القذر. قال (ع) : لا يصلي عليه ، وأعلِم موضعه حتى تغسله. وعن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

٧٥

______________________________________________________

الشمس هل تطهر الأرض؟ قال (ع) : إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ، ثمَّ يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة. وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً ، فلا تجوز الصلاة حتى ييبس. وإن كانت رجلك رطبة ، أو جبهتك رطبة ، أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر ، فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس. وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس ، فإنه لا يجوز ذلك » (١). فان قوله (ع) : « فالصلاة على الموضع جائزة » ‌ظاهر ـ بقرينة عدم الأمر بإعلام الموضع ، وبغسله ، ولزوم مطابقة الجواب للسؤال ، وما دل على وجوب طهارة موضع السجود من الإجماعات المحكية وغيرها ، كذيل صحيح زرارة المتقدم ـ في طهارة الموضع بالشمس‌.

وأما ما عن الحبل المتين والوافي ، من أن الموجود في النسخة الموثوق بها بدل قوله : « وإن كان غير الشمس » ‌« وإن كان عين الشمس » ‌فتكون « إن » وصلية ، وقوله (ع) : « فإنه لا يجوز ذلك » ‌تأكيداً لما قبل « إن » لا جوابا لها ، فتدل على عدم الطهارة. فبعيد جداً ، كما اعترف به غير واحد. ويشهد له لزوم اختلاف التعبير ، وأنه لا معنى لاصابة العين ، فيلزم التجوز بنحو غير معهود ، ولذا لا يقال : زيد جالس في عين الشمس ، ويقال : زيد جالس في الشمس. ويشهد به أيضاً تذكير الضمير في‌ « أصابه » ‌، واستدلال الشيخ (ره) بها على الطهارة إذ من الممتنع عادة كون الرواية « عين » لا « غير » ولا يتنبه لذلك الشيخ (ره) فيجعلها دليلا على الطهارة.

نعم التأمل في فقرات الرواية يعطي ظهورها في بيان صور ثلاث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

٧٦

______________________________________________________

تختلف أحكامها : « الأولى » : أن تصيب الشمس الموضع القذر إلى أن ييبس. وحكمها طهارة الموضع « الثانية » : أن تصيبه الشمس ولا ييبس وحكمه عدم جواز الصلاة عليه حال الرطوبة ، وجوازها عليه حال اليبس وأن الموضع باق على النجاسة ، وإذا أصابه شي‌ء رطب من رجل أو يد أو جبهة تنجس ، وسرت نجاسة الموضع إليه ، وإن كان الموضع يابساً « الثالثة » : أن يصيبه شي‌ء غير الشمس من ريح أو غيرها حتى ييبس وحكمه النجاسة ، وعدم جواز الصلاة عليه. واستفادة حكم الصورة الأولى من الرواية مبني على ملاحظة القرائن التي ذكرناها آنفاً ، ولو أغمض عنها أو لم تتم قرينيتها ، كانت الرواية متعرضة للصورتين الأخيرتين لا غير ، وتكون أجنبية عن فتوى المشهور موضوعاً وحكماً. إلا أن يُتكلف في إرجاعها إليها بتقييد اليبس المذكور في غير الشرطية الأخيرة باليبس بالشمس ويكون جواز السجود كناية عن الطهارة في جميع الفقرات المذكورة ، وتكون الفقرات مؤكدة بعضها لبعض.

واستدل للمشهور‌ بصحيح زرارة وحديد : « قلنا لأبي عبد الله (ع) السطح يصيبه البول أو يبال عليه ، أيصلى في ذلك المكان؟ فقال (ع) إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس به ، إلا أن يكون يُتخذ مبالاً » (١) ‌بناءً على أن المراد الجفاف بالشمس ، لا الجفاف حال إصابة الشمس ولو كان بغيرها ، كما يقتضيه إطلاق الجملة الحالية ، وأن ذكر الريح للتنبيه على عدم قدح وجود الريح في الجملة كما هو الغالب ولكنه غير ظاهر.

وعن ابن الجنيد ، والراوندي ، والوسيلة ، والمعتبر ، الخلاف في الطهارة ، وإن جاز السجود. ولا تخلو النسبة إلى بعضهم من تأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

٧٧

وغيرها من كل ما لا ينقل [١] ،

______________________________________________________

ويستدل لهم ـ مضافاً إلى أنه مقتضى الأصل ـ بصحيح ابن بزيع : « سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال (ع) : كيف يطهر من غير ماء؟! » (١). وفيه : أن الأصل لا مجال له مع الدليل. والصحيح ظاهر في اعتبار الماء في مطهرية الشمس ، لا نفي المطهرية لها. نعم إطلاقه يقتضي عدم الاكتفاء بتجفيف الشمس النداوة في حصول الطهارة. لكنه يمكن أن يقيد إطلاقه بغير ذلك جمعاً بينه وبين صحيح زرارة‌ ، لأنه مقيد بصورة وجود رطوبة البول ، فيحمل المطلق على المقيد ، وهو أولى من تقييد صحيح زرارة‌ بصورة إراقة الماء ، كما يظهر بأدنى تأمل.

[١] كما هو المشهور بين المتأخرين ، بل نسبه إلى المشهور غير واحد من الأعيان. ولا مجال لتوهم الخلاف في الأرض ، فقد ذكرت في معاقد الإجماعات المتقدمة. نعم عن المهذب الاقتصار على الحصر والبواري مع التنصيص على أن غيرهما لا تطهر. لكن في مفتاح الكرامة نسب إليه ذكر الأرض معهما. ويكفي في وضوح الحكم فيها ـ مضافا إلى ذكرها في معاقد الإجماعات ـ كونها المتيقن من « المكان » المذكور في صحيح زرارة‌. وأما غيرها مما لا ينقل فيمكن استفادة الحكم فيه في الجملة من إطلاق المكان والموضع والسطح المذكورة في النصوص المتقدمة. لكنه لا يصلح لإثبات الحكم لجميع ما في المتن ، وفهم عدم الخصوصية منها غير ظاهر الوجه. نعم يدل عليه خبر الحضرمي‌. وعدم القول بعمومه لا يقدح فيه ، بل يوجب حمله على غير المنقول ، لأنه أقرب المجازات‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

٧٨

كالأبنية ، والحيطان ، وما يتصل بها ، من الأبواب ، والأخشاب ، والأوتاد ، والأشجار ، وما عليها من الأوراق ، والثمار [١] ،

______________________________________________________

إليه. ولا سيما مع قرب دعوى انصرافه إليه ، بأن يكون المراد منه ما من شأنه أن تشرق عليه الشمس لثباته ، مقابل ما من شأنه أن يوضع فيها تارة وينحي عنها أخرى. كما لا يقدح أيضاً فيه ضعف سنده ، لإهمال عثمان ، وعدم التنصيص على توثيق أبي بكر. إذ في رواية الأساطين لها ، كالمفيد ، ومحمد بن يحيى ، وسعد ، وأحمد بن محمد ـ الظاهر أنه ابن عيسى الأشعري ـ وعلي بن الحكم ، نوع اعتماد عليها ، ولا سيما أحمد الذي أخرج البرقي من ( قم ) لأنه أكثر الرواية عن الضعفاء ، واعتمد المراسيل ، فكيف يَعتمد هو على من لا ينبغي الاعتماد عليه؟! ولذا قيل : إن في روايته عن شخص نوع شهادة بوثاقته. وكذا في رواية الشيخ لها في الخلاف والتهذيب مستدلا بها ، واعتماد مشهور المتأخرين عليها ، كالفاضلين ، والشهيدين ، والمحقق الثاني. ولا يقدح فيها اقتصار أكثر القدماء على الأرض والحصر والبواري. لإمكان أن يريدوا من الأرض ما يعم توابعها ، كما يشهد به ما عن الشيخ في المبسوط ، وابن سعيد في الجامع ، من أنها تطهر الحصر والبواري والأرض ، وكل ما عمل من نبات الأرض. إذ لا مجال لاحتمال التفكيك بين ما عمل من نبات الأرض مما هو منقول ونفس النبات ، بحيث تطهر الأول ولا تطهر الثاني. بل يظهر منهما الأخذ بعمومها في النبات المنقول ، ولم يُعرف لأحد غيرهما. وبعد هذا كله لا مجال للتوقف في سند الرواية ، ولا في وجوب العمل بها.

[١] كما عن جماعة. وعن العلامة في النهاية المنع فيها. وعن المعالم والذخيرة التفصيل بين أوان قطعها فالثاني ، وغيره فالأول. وإطلاق‌

٧٩

والخضروات والنباتات ، ما لم تقطع وإن بلغ أو ان قطعها ، بل وإن صارت يابسة ، ما دامت متصلة بالأرض أو الأشجار. وكذا الظروف المثبتة في الأرض أو الحائط. وكذا ما على الحائط والأبنية مما طلي عليها من جص وقير ونحوهما. من نجاسة البول [١] ، بل سائر النجاسات والمتنجسات [٢]. ولا تطهِّر من المنقولات [٣].

______________________________________________________

الدليل يقتضي الأول.

[١] بلا إشكال. وقد تضمنه صحيح زرارة‌.

[٢] كما لعله المشهور ، بل ظاهر محكي الخلاف والتنقيح عدم الخلاف فيما يشبه البول من النجاسات مما لا صورة له ، وفي الجواهر : « لا أعرف فيه خلافاً إلا من المنتهى ». نعم في المقنعة ، وعن النهاية ، والمراسم ، والإصباح ، وكشف الحق : الاقتصار على البول. ولعله ذكر مثالاً ، كما في الجواهر. فتأمل. ويدل على التعميم صحيح ابن بزيع‌ وموثق عمار‌ ، بعد حملهما على المشهور. إلا أن في ثبوت الإطلاق للأول تأملاً. وفي المنتهى طعن في رواية عمار الدالة على التعميم‌ بأنها ضعيفة السند ، وفي الصحيح‌ بأنه مضمر. وفيه ما لا يخفى ، فان الموثق حجة ، وكذا المضمر.

[٣] بلا خلاف ظاهر ، سوى ما تقدم عن المبسوط والجامع ، من طهارة ما عمل من نبات الأرض بالشمس ، وفي المنتهى إلحاق الحصر والبواري وما يشبههما من المعمول من نبات الأرض غير القطن والكتان بالأرض. وعن الفخر عموم الحكم لما لا ينقل وإن عَرَضه النقل كالنباتات المنفصلة من الخشب ، والآلات المتخذة من النباتات. وكأنه لإطلاق خبر الحضرمي‌. أو للتعدي من الحصر والبواري إلى مطلق ما عُمل من النباتات‌

٨٠