مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

وإن كانت مباحة فالأقوى أنها أيضاً كذلك [١] ، كضم التبرد‌

______________________________________________________

[١] لما عرفت في الضميمة الراجحة ( ودعوى ) : منافاة ذلك للإخلاص المعتبر في العبادات ( مندفعة ) بأنه لا دليل على اعتبار الإخلاص بالمعنى المنافي للضميمة مع استقلال الأمر في البعث لولاها ، بل ظاهر‌ رواية سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله (ع) : « والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل » (١) ‌أن المراد بالإخلاص ما يقابل الرياء. ولذلك أطلق في الشرائع ـ وعن المعتبر ، والمبسوط ، وغيرها ، بل نسب إلى المشهور ـ عدم قدح الضميمة. وإطلاقه وإن كان يقضي القول بالصحة ولو مع استقلال الضميمة وتبعية القربة ، لكن لا يبعد ـ كما عن كشف اللثام ـ تنزيله على صورة تبعية الضميمة ، بل ينبغي الجزم بعدم إرادة الإطلاق وكيف يصح توهم صحة العبادة مع استقلال الضميمة وتبعية القربة؟ مع ما عرفت من الإجماع على عبادية الوضوء ، وأن قوام العبادية انقياد العبد إلى المولى بأمره واستقلال أمره في بعثه ، وما دون ذلك نقص في العبودية قطعاً. ومنه يظهر ضعف التفصيل بين كون الضميمة تابعة فالصحة وبين غيره فالفساد ـ كما عن جماعة من المتأخرين ـ فإنه لا مقتضي للحكم بالفساد مع استقلال الأمر ولو مع استقلال الضميمة ، واشتراك الضميمة مع الأمر في البعث لو كان ينافي العبادية لنافاها ولو مع تبعية الضميمة ، فإنه أيضاً يكون مجموع داعي الأمر والضميمة باعثاً على الفعل. ويستند الفعل الخارجي إليهما معاً ، والاختلاف بينهما في أن عدم الأمر يوجب عدم الفعل في الثاني ، بخلاف الأول ، لا يوجب الفرق في تحقق الاشتراك في الداعي ( فالمتحصل ) : أن المستفاد من بناء العقلاء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٤.

٤٨١

إلى القربة. لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضاً الإعادة [١].

______________________________________________________

أن المدار في كون الفعل عبادة ومظهراً من مظاهر العبودية كون أمر المولى في نظر العبد علة تامة للفعل ، وأما انحصار العلة به ـ بحيث لو فرض عدم الأمر لزم عدم الفعل من جهة عدم الدواعي النفسانية للعبد ـ فليس مما له دخل في عبوديته. نعم ذلك من كمال عبوديته ، لكن لا دليل على اعتبار هذه المرتبة من العبادية في العبادات. مع أنه لو بني على ذلك لزم تعذر التعبد في كثير من موارد العبادات إذا اتفق وجود الداعي النفساني إلى الفعل ولو لم يكن مأموراً به ، بل يتفق ذلك للأولياء والصلحاء. وأيضاً لو بني على ذلك لم يكن وجه ظاهر للفرق بين الضميمة الراجحة والمباحة ، إذ عبادية الأمر في المقامين بمعنى واحد ، وقد عرفت الاتفاق على الصحة مع الضميمة الراجحة ولو كانت مستقلة ( وبالجملة ) : قوام العبودية كون أمر المولى ونهيه في نظر العبد علة تامة في البعث والزجر ، فاذا لم يكونا كذلك بل كانا جزءاً للعلة فيهما أو مؤكداً لها كان ذلك نقصاً في العبودية. كما أن انحصار العلة في البعث والزجر بهما كمال في العبودية. والمقدار الثابت بالإجماع وملاحظة بناء العقلاء في العبادة التي هي من مظاهر العبودية هو اعتبار تمام العبودية ، فلا يكتفى بما دونها ، ولا يعتبر كمالها. ولازم ذلك صحة ما في المتن في الضميمة الراجحة والمباحة. نعم قد يشكل الحال في خصوص المقام من جهة لزوم الاحتياط فيه ، لأنه من الشك في المحصل ، كما تقدم تقريبه في أفعال الوضوء. لكنه يندفع بدعوى الإجماع على عدم اعتبار أكثر من العبادية في الوضوء ، الظاهر في تمام العبادية ، دون كمالها. فتأمل جيداً.

[١] خروجاً عن شبهة الخلاف. بل الأحوط الإعادة ولو مع تبعية‌

٤٨٢

وإن كانت محرمة غير الرياء والسمعة فهي في الإبطال مثل الرياء ، لأن الفعل يصير محرماً ، فيكون باطلا [١]. نعم الفرق بينها وبين الرياء أنه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلا القربة ، لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختص البطلان بذلك الجزء [٢] ، فلو عدل عن قصده وأعاده من دون فوات الموالاة صح. وكذا لو كان ذلك الجزء مستحباً وإن لم يتداركه ، بخلاف الرياء [٣] ، على ما عرفت ، فان حاله حال الحدث في الإبطال.

( مسألة ٢٩ ) : الرياء بعد العمل ليس بمبطل [٤].

( مسألة ٣٠ ) : إذا توضأت المرأة في مكان يراها الأجنبي لا يبطل وضوؤها وإن كان من قصدها ذلك [٥].

______________________________________________________

الضميمة ، لما عرفت من حكاية البطلان عن جماعة من الأعيان.

[١] لامتناع التعبد به.

[٢] لاختصاص التحريم به ، ولا مقتضى لسراية البطلان إلى غيره.

[٣] بل عرفت أنه كذلك.

[٤] لعدم الدليل على البطلان به ، لاختصاص النصوص بالعمل الصادر رياءً. نعم‌ في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (ع) : « الإبقاء على العمل أشد من العمل. قال : وما الإبقاء على العمل؟ قال (ع) : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت له سراً ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثمَّ يذكرها فتحمى وتَكتب له رياء » (١). لكنه لضعفه وهجره محمول على نحو من الإحباط.

[٥] لعدم كونه مقدمة للحرام ، ليحرم بقصد التوصل به إليه. نعم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٢.

٤٨٣

( مسألة ٣١ ) : لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعددة للوضوء ، كما إذا كان بعد الوقت [١] ، وعليه القضاء أيضاً ، وكان ناذراً لمس المصحف ، وأراد قراءة القرآن ، وزيارة المشاهد كما لا إشكال في أنه إذا نوى الجميع وتوضأ وضوءاً واحداً لها كفى [٢] ، وحصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع [٣] ، وأنه إذا نوى واحداً منها أيضاً كفى عن الجميع ، وكان أداء بالنسبة إليها ، وإن لم يكن امتثالا إلا بالنسبة إلى ما نواه ، ولا ينبغي الإشكال في أن الأمر متعدد حينئذ [٤] ، وإن قيل إنه لا يتعدد ،

______________________________________________________

إذا انحصر مكان الوضوء في المكان الذي يراها فيه الأجنبي ، فإن النهي عن التكشف فيه موجب لسلب القدرة على الوضوء فيتعين التيمم ، فلا يكون الوضوء مشروعاً حينئذ بناءً على ارتفاع مشروعية الوضوء عند مشروعية التيمم ، فيكون الحكم فيه هو الحكم عند انحصار ماء الوضوء في الإناء المغصوب.

[١] قد عرفت أن الذي يظهر من أدلة الغايات أن غاية الوضوء هي الطهارة وغاية الطهارة الغايات المذكورة ، فليست هي في عرض الطهارة.

[٢] كما تقدم في المسألة السادسة من فصل الغايات.

[٣] هذا واضح إذا كان كل واحد صالحاً للاستقلال في البعث إلى الوضوء. أما لو كان المجموع صالحاً لذلك ، لا كل واحد ، فيشكل الامتثال بالنسبة إلى واحد ، فضلا عن الجميع ، كما سبق في الضميمة الراجحة. ولو كان بعضها مستقلا. وبعضها تابعاً كان امتثالا بالنسبة إلى الأول دون الثاني ، كما أشرنا إلى ذلك في فصل الغايات. ولعل ما في المتن منزّل على الأول.

[٤] بل هو في نهاية الإشكال بناءً على كون الوضوء حقيقة واحدة‌

٤٨٤

وإنما المتعدد جهاته. وإنما الإشكال في أنه هل يكون المأمور به متعدداً أيضاً ، وأن كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أو لا؟ بل يتعدد. ذهب بعض العلماء إلى الأول [١] وقال : إنه حينئذ يجب عليه أن يعين أحدهما ،

______________________________________________________

بذاته مقدمة لكل واحدة من الغايات ، فإن حيثية المقدمية ليست من الحيثيات التقييدية ، كي يكون المقام من قبيل مسألة الاجتماع الذي قال فيه جماعة بالجواز ، بل هي تعليلية محضة ، فيمتنع اجتماع الأمرين فيه ، لأن المثلين كالضدين يمتنع اجتماعهما في محل واحد لا تكثر فيه بوجه ، وإن قيل بجواز الاجتماع فيه هناك ، كما لا يخفى. وكأن مراده ـ بقرينة نفي الاشكال ـ اجتماع ذاتي الأمرين ومرتبتهما بنحو يكونان وجوداً واحداً متأكداً ، ولا بأس به حينئذ ، كما تقدم في فصل الغايات. لكن ينافيه مقابلته للقول بالاتحاد مع تعدد الجهات. فان لازم ذلك كون وجود الأمر الواحد ذا مراتب متعددة فيكون واحداً متأكداً.

[١] لم أقف في ما يحضرني على هذا القول ، فضلا عن نسبته إلى عالم معين. نعم حكي القول بتعدد الوضوء بتعدد السبب ، وهو الحدث ، كما تقدم في أوائل مبحث الوضوء ، ولكنه غير القول بتعدد الوضوء بتعدد الغايات. نعم قال في الجواهر في مبحث عدم اعتبار تعيين الحدث : « ومن هنا تعرف أنه لا إشكال في الاكتفاء بوضوء واحد للغايات المتعددة واجبة كانت أو مندوبة ، والظاهر أنه ليس من التداخل في شي‌ء لأن المطلوب في الجميع رفع الحدث ، وهو أمر واحد غير ممكن التعدد فلا يتصور فيه تداخل ، بخلاف الأغسال المندوبة إذ ليس المقصود منها ذلك. ودعوى : تنويع الحدث ، فيكون للحاجة حدث غيره بالنسبة إلى دخول‌

٤٨٥

وإلا بطل لأن التعيين شرط عند تعدد المأمور به [١].

______________________________________________________

المسجد ، وهكذا ، كدعوى احتمال أن الوضوءات المندوبات كالأغسال المندوبة ، مما لا يرتكبه فقيه. نعم يتجه التداخل في الوضوءات التي لم يكن المقصود منها رفع الحدث .. ( إلى أن قال ) : لكنه موقوف على الدليل » وكيف كان فالمستفاد من أدلة اعتبار الوضوء في الغايات المتقدمة الذكر أن الوضوء الذي يكون مقدمة لواحدة منها هو الذي يكون مقدمة للأخرى ، ولا تعدد فيه ، ليمكن فرض التداخل ، ولو بُني على المغايرة لم يكن وجه للتداخل. اللهم إلا أن يكون الوجه فيه هو الإجماع. لكنه يعلم استناد الجمعين الى ظواهر الأدلة ، فلا يصح الاعتماد على إجماعهم.

[١] لاعتبار القصد إليه الموقوف على التعيين. لكنه يختص بما إذا كان متعيناً في نفسه في قبال الآخر ، نظير صلاة الظهر في قبال صلاة العصر ، ونافلة الصبح قبال فريضته ، فإن صحة إحداهما دون الأخرى دليل على تخصيص كل منهما بمخصصات لا تكون في الأخرى ، فيمتنع القصد إلى ما هو متخصص من دون الالتفات إلى مخصصاته ولو إجمالا. أما إذا لم يكونا كذلك ـ كما لو وجب صوم يومين ـ لم يجب التعيين ، بل امتنع ، لأنه فرع التعين. فلو تعدد منه السهو في الصلاة فوجب عليه سجود السهو مكرراً لم يجب عليه التعيين ، بل تعذر ، ولو عيّنه بتعيين السبب فنوى السجود عن زيادة السجدة في قبال السجود عن زيادة التشهد لم يتعين ، لخروج التعيين المذكور عن المأمور به ، بل يسقط واحد ويبقى الباقي ، وكذا لو نذر أن يصوم يوماً إن شفى الله تعالى مريضه ، ثمَّ نذر أن يصوم يوماً آخر إن رزق ولداً ، فشفي مريضه ، ورزق ولد ، كان عليه صوم يومين بلا تعيين ، فلو صام ناوياً الوفاء بنذر الشفاء لم يتعين‌

٤٨٦

وذهب بعضهم إلى الثاني ، وأن التعدد إنما هو في الأمر [١] ، أو في جهاته. وبعضهم إلى أنه يتعدد بالنذر ولا يتعدد بغيره ، وفي النذر أيضاً لا مطلقاً بل في بعض الصور ، مثلا إذا نذر أن يتوضأ لقراءة القرآن ، ونذر أن يتوضأ لدخول المسجد ، فحينئذ يتعدد [٢] ، ولا يغني أحدهما عن الآخر ، فاذا لم ينو شيئاً منهما لم يقع امتثال لأحدهما [٣] ، ولا أداؤه ، وإن نوى أحدهما المعين‌

______________________________________________________

بل يسقط يوم ويبقى آخر ، لأن التعيين المذكور لما لم يكن داخلا في المأمور به كان المأتي به صالحاً للفردية لكل منهما ، ويخرج عن ذلك بالتعيين ، بل يسقط أحدهما ويبقى الآخر.

ويوضح ما ذكرنا قياس المقام بالإرادة التكوينية ، فإن من أراد أن يصوم يوماً إذا جاء زيد ، وأراد أن يصوم يوماً آخر إن جاء عمرو ، فجاء زيد وعمرو ، فإنه تحصل له إرادة صوم يومين بلا ميز بينهما إلا بمحض الاثنينية ، تكون تلك الإرادة علة لصوم يوم ثمَّ آخر ، ولا تكون علة لصوم يوم مجي‌ء زيد في قبال يوم مجي‌ء عمرو ، لأنها إنما تعلقت بصوم يوم غير مقيد بكونه لمجي‌ء زيد أو لمجي‌ء عمرو ، لأن خصوصية السبب لا تقتضي خصوصية في المراد.

[١] قد تقدم بعض الكلام في ذلك في فصل الغايات.

[٢] لأن المنذور بالنذر الثاني غير المنذور بالنذر الأول بحسب قصد الناذر فيرجع النذر إلى نذر وضوءين. ويشكل بأن الغايات إذا لم تشرع التعدد فالنذر لا يصلح لتشريعه ، لوجوب مشروعية المنذور مع قطع النظر عن النذر.

[٣] لأن المنذور هو الوضوء المأتي به بقصد الغاية المعينة ، فإذا لم يقصدها لم يأت بالمنذور.

٤٨٧

حصل امتثاله وأداؤه ، ولا يكفي عن الآخر [١]. وعلى أي حال وضوؤه صحيح [٢] ، بمعنى أنه موجب لرفع الحدث ، وإذا نذر أن يقرأ القرآن متوضئاً ، ونذر أيضاً أن يدخل المسجد متوضئاً فلا يتعدد حينئذ [٣]. ويجزئ وضوء واحد عنهما ، وإن لم ينو شيئاً منهما ، ولم يمتثل أحدهما ، ولو نوى الوضوء لأحدهما كان امتثالا بالنسبة إليه وأداء بالنسبة إلى الآخر. وهذا القول قريب.

( مسألة ٣٢ ) : إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت وفي أثنائه دخل لا إشكال في صحته [٤].

______________________________________________________

[١] لمباينته له ، للاختلاف في الخصوصية.

[٢] لما عرفت في فصل الغايات من أن كل وضوء فعله المحدث بالأصغر كان رافعاً لحدثه وإن لم يكن وفاء لنذره لعدم انطباق المنذور عليه.

[٣] لأن المنذور بالنذر الثاني هو أن يكون على وضوء وإن جي‌ء به لغاية أخرى.

[٤] لما عرفت من أن المستفاد من الأدلة كون الوضوء حقيقة واحدة يترتب عليها أثر واحد ، وما يكون مقدمة لغاية هو الذي يكون مقدمة لبقية الغايات ، فاذا استحب قبل الوقت ودخل في أثنائه بقي على استحبابه ، غاية الأمر أن يكون الوقت سبباً لوجوبه ، فيكون إتمامه واجباً ومستحباً على نحو يؤكد أحدهما الآخر ، فلا موجب لبطلانه ، ليجب استينافه. لكن العلامة رحمه‌الله في القواعد جعل أقوى الاحتمالات الاستيناف. وتعليله بامتناع اتصاف الشي‌ء الواحد بالوجوب والاستحباب عليل ، إذ فيه : أن الممنوع اجتماع الوجوب والاستحباب بحديهما في الواحد الذي لا تكثر فيه ، أما اجتماعهما‌

٤٨٨

وأنه متصف بالوجوب باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه [١] وبالاستحباب بالنسبة الى ما كان قبل الوقت ، فلو أراد نية الوجوب والندب نوى الأول بعد الوقت والثاني قبله [٢].

( مسألة ٣٣ ) : إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء ولم يكن عازماً على إتيانها فعلا ، فتوضأ لقراءة القرآن ، فهذا الوضوء متصف بالوجوب وإن لم يكن الداعي عليه الأمر الوجوبي ، فلو أراد قصد الوجوب والندب لا بد أن يقصد‌

______________________________________________________

لا بحديهما بل بذاتيهما فلا مانع منه في الواحد الذي لا تكثر فيه خارجاً فضلا عما له تكثر وأجزاء كالوضوء. نعم لو قلنا بأن الوضوء المندوب غير الوضوء الواجب أشكل أن يصح بعد دخول الوقت ، بناء على أن الوضوء بعد دخول الوقت لا يكون إلا واجباً ، لأن ما نواه لا يكون إلا قبل الوقت. فتأمل.

ومن هنا يظهر أن نفي الاشكال في المتن هنا ربما ينافي دعواه للإشكال في أن المأمور به متعدد أو متحد في المسألة السابقة. كما أن مما ذكرنا يظهر أنه له أن ينوي كلا من الوجوب والاستحباب في الإتمام لما عرفت من اجتماعهما فيه هذا وفي جامع المقاصد : أن أضعف الوجوه بناء ما بقي على ما مضى ، يعني : إتمامه بقصد الاستحباب ، لوقوع النية في محلها. ووجه ضعفه ظاهر ، لأنه خلاف إطلاق دليل وجوبه بعد الوقت.

[١] بناء على المشهور من وجوب مطلق المقدمة ، أما لو اعتبر في وجوب المقدمة قصد التوصل بها لم يجب الوضوء المذكور ، كما أنه لو اعتبر نفس الإيصال توقف وجوبه على فعل الغاية الواجبة به.

[٢] وفي جامع المقاصد : « لا يخلو من قوة ». لكن قال بعد ذلك :

٤٨٩

الوجوب الوصفي والندب الغائي [١] ، بأن يقول : أتوضأ الوضوء الواجب امتثالا للأمر به لقراءة القرآن. هذا ولكن الأقوى ان هذا الوضوء متصف بالوجوب والاستحباب معاً [٢] ، ولا مانع من اجتماعهما [٣].

( مسألة ٣٤ ) : إذا كان استعمال الماء بأقل ما يجزئ من الغسل غير مضر واستعمال الأزيد مضراً ، يجب عليه الوضوء كذلك [٤] ، ولو زاد عليه بطل [٥] ، إلا أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقق الغسل بأقل المجزي. وإذا زاد عليه جهلا أو نسياناً لم يبطل ، بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضراً‌

______________________________________________________

« والعمل على الأول » يعني : الاستيناف الذي تقدم اختياره في القواعد.

[١] يعني : تكون الغاية المقصودة في فعله امتثال الأمر الندبي.

[٢] فله أن يقصد الندب الوصفي أيضاً ، بل ذلك من لوازم قصد الندب الغائي ، لأن الأمر الندبي يمتنع أن يدعو إلى غير متعلقه ، فلا بد أن يكون الوضوء مندوباً.

[٣] تقدم الكلام فيه في فصل الغايات.

[٤] جمعاً بين حرمة الضرر ووجوب الوضوء.

[٥] لحرمته من جهة الإضرار فيمتنع التعبد به. اللهم إلا أن يقال : إن المقدار الزائد غير مقوم لغسل الوضوء ، فحرمته لا توجب حرمة الوضوء العبادي ليبطل ، فيكون المقام نظير جهر المرأة بالقراءة في موضع يسمع صوتها الأجنبي ، الذي اختار فيه بعض الأعيان الصحة مع بنائه على حرمة الاسماع ( وفيه ) : أن هذا إنما يتم فيما لو كان الواجب مرتبة خاصة من الطبيعة ، كما إذا وجب إعطاء مدّ واحد ، فإنه إذا أعطى مدين جاز أن يكون‌

٤٩٠

وتوضأ جهلا أو نسياناً ، فإنه يمكن الحكم ببطلانه [١] ، لأنه مأمور واقعاً بالتيمم هناك ، بخلاف ما نحن فيه.

( مسألة ٣٥ ) : إذا توضأ ثمَّ ارتد لا يبطل وضوؤه [٢] ، فإذا عاد إلى الإسلام لا يجب عليه الإعادة ، وإن ارتد في أثنائه ، ثمَّ تاب قبل فوات الموالاة ، لا يجب عليه الاستيناف [٣]. نعم الأحوط أن يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر. وعلى هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى وقبل‌

______________________________________________________

الامتثال بأحدهما والآخر يكون حراماً ، أما إذا كان الواجب صرف الوجود الصادق على القليل والكثير ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يمكن الامتثال بما هو حرام ولو ببعض مراتبه. وكذلك الحكم في جهر المرأة ، وما ذكره بعض الأعيان ضعيف.

[١] قد تقدم منه في الشرط السابع من شرائط الوضوء الجزم بالصحة في مثل الفرض ، وتقدم هناك توجيهها وتضعيف التعليل المذكور. مضافاً إلى أن مشروعية الوضوء في الفرض الأول لا تعم الوضوء المأتي به ، لحرمته ، فلا يكون صحيحاً ، بل حكمه واقعاً تجديد الوضوء بالماء القليل الذي لا يضر استعماله ، فمجرد المشروعية لا توجب صحة الوضوء المأتي به مطلقاً.

[٢] كما في القواعد ، وعن الخلاف ، والذكرى ، وغيرهما ، وظاهر محكي كلامهم المفروغية عنه. وينبغي أن يكون كذلك ، لأدلة حصر نواقض الوضوء بغيره ، ولأنه مقتضى استصحاب الطهارة من الحدث ، التي لا تنافيها نجاسة الكفر.

[٣] لإطلاق الأدلة البيانية القولية ، فإن مقتضاها كون مجموع ما‌

٤٩١

المسح ثمَّ تاب يشكل المسح لنجاسة الرطوبة التي على يديه [١].

( مسألة ٣٦ ) : إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت ، إذا كان مفوّتاً لحقه ، فتوضأ ، يشكل الحكم بصحته [٢] ، وكذا الزوجة إذا كان وضوؤها مفوّتاً لحق الزوج [٣] ،

______________________________________________________

وقع قبل الارتداد وبعده وضوءاً يترتب عليه الأثر. فلا وجه لإطلاق الإعادة لو حصل في الأثناء ، كما في القواعد. ولذا قال في محكي جامع المقاصد : « والحق أنه إنما يعيد إذا جف البلل » ، ونحوه ما عن الدروس ، والذكرى.

[١] ولو قلنا بطهارتها بالتبعية كعَرَقه والوسخ الكائن على بدنه فلا إشكال.

[٢] فإن حرمة تفويت حق المولى وإن كان لا يقتضي حرمة الوضوء ـ بناء على أن الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضده ـ إلا أن عموم ما دل على وجوب إطاعة العبد لسيده يقتضي الحرمة ، فيمتنع التعبد به. اللهم إلا ان يمنع العموم المذكور. نعم يمكن أن يقال : لا ريب في أن الوضوء تصرف عرفاً في بدنه المملوك لسيده ، فلا يجوز إلا بإذنه. إلا أن يدعى قيام السيرة على التصرف المذكور ونحوه بلا إذن المولى.

[٣] إلا أن الاشكال فيها ضعيف ، ضرورة عدم كونها ملكاً للزوج ، وعدم وجوب إطاعتها له ، إلا في خصوص أداء حقه. وإطلاق بعض النصوص محمول عليه قطعاً ، إذ لا يظن من أحد الالتزام بوجوب إطاعته لو أمرها بعتق عبيدها ، أو تمليك مالها ، أو أكل طعام بعينه ، أو غير ذلك مما لا يرتبط بحق الزوجية. نعم إذا كان مفوتاً لحق الزوج ابتنى القول بالبطلان على اقتضاء الأمر بالضد النهي عن ضده.

٤٩٢

والأجير مع منع المستأجر [١] ، وأمثال ذلك.

( مسألة ٣٧ ) : إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على بقاء الوضوء [٢] ، إلا إذا كان سبب شكه خروج رطوبة‌

______________________________________________________

[١] أقول : منع المستأجر عن الوضوء لا يقتضي حرمته. نعم يقتضي حرمة تفويت الأجير لحقه ، لأنه بغير إذنه ، إلا أن اقتضاءه لحرمة الوضوء مبني على أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده. ولا فرق بين أن يكون مفاد الإجارة تمليك عمل بعينه في ذمة الأجير ـ كخياطة الثوب ـ أو تمليك منفعة معينة ـ كمنفعة الخياطة ـ أو تمليك تمام منافعه. نعم لو فرض كون الوضوء من المنافع المملوكة للمستأجر بعقد الإجارة ـ كما لو كثر وجود المرضى الذين لا يستطيعون الوضوء ويحتاجون إلى من يوضئهم ، فاستأجره لذلك ، فوضأ نفسه ـ كان الوضوء المذكور تصرفاً في منفعة المستأجر بغير إذنه ، فيحرم ، ويبطل ، لامتناع التقرب بما هو حرام.

[٢] إجماعاً ، كما عن الخلاف ، والمنتهى ، وغيرهما ، وعن التذكرة نفي معرفة الخلاف فيه إلا من مالك. ويشهد به. مضافاً إلى أنه مقتضى الاستصحاب ـ النصوص‌ كصحيح زرارة : « فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء. قلت : فان حُرّك إلى جنبه شي‌ء ولم يعلم به؟ قال (ع) : لا حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجي‌ء من ذلك أمر بيِّن وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ، وإنما ينقضه بيقين آخر » (١). و‌موثق بكير : « إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ ، وإياك أن تحدث وضوءاً أبداً حتى تستيقن أنك قد أحدثت » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٧.

٤٩٣

مشتبهة بالبول ولم يكن مستبرئاً ، فإنه حينئذ يبني على انها بول وأنه محدث [١] ، وإذا شك في الوضوء بعد الحدث يبني على بقاء الحدث [٢]. والظن غير المعتبر كالشك في المقامين [٣].

______________________________________________________

[١] للأخبار الدالة على ذلك ، المتقدمة في مبحث الاستبراء.

[٢] إجماعاً ، كما عن المنتهى وغيره ، بل عن المدارك أنه إجماع بين المسلمين ، بل عن فوائد الأسترابادي عده من ضروريات الإسلام. ويقتضيه الاستصحاب المستفاد من النصوص ، كذيل الصحيح المتقدم وغيره ، كما هو محرر في محله.

[٣] فان الشك الذي هو قوام الاستصحاب يراد منه خلاف اليقين ، كما هو محرر في محله. وتقديم الظن المعتبر على الاستصحاب إنما هو لحكومة أدلة اعتباره على دليل الاستصحاب ، لأن دليل اعتباره يدل على كونه يقيناً تنزيلا ، فيكون رفع اليد به عن اليقين السابق من قبيل نقض اليقين باليقين ، كما هو محرر في محله.

وعن ظاهر البهائي في الحبل المتين أن البناء على الوضوء في المسألة الأولى مشروط بالظن الشخصي بعدم الحدث ، فلو شك في الحدث أو ظن به تطهر ، لكن النصوص المتقدمة كالصريحة في خلافه ، بل‌ صحيح عبد الرحمن صريح فيه « قال للصادق (ع) : أجد الريح في بطني حتى أظن أنها قد خرجت ، فقال عليه‌السلام : ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح » (١). مع أنه لا وجه ظاهر لتخصيص ذلك في المسألة الأولى التي هي مورد النصوص المتقدمة ، بل الأولى تخصيص الثانية بها ، لخلوها عن مثل تلك النصوص.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٥.

٤٩٤

وإن علم الأمرين وشك في المتأخر منهما بنى على أنه محدث إذا جهل تاريخهما [١] ،

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، كما عن جماعة. للشك في الشرط الموجب للشك في المشروط ، الذي لا بد في نظر العقل من اليقين بحصوله ، لقاعدة أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

وعن المعتبر وجامع المقاصد التفصيل بين الجهل بالحال السابقة على الحالتين فكالمشهور ، وبين صورة العلم بها فيؤخذ بضدها ، ونسب إلى المشهور بين المتأخرين. للعلم بثبوت الضد والشك في انتقاضه ، فيستصحب. ولا يعارض باستصحاب نفس الحالة السابقة ، للعلم بارتفاعها ، ولا باستصحاب مثلها ، للشك في ثبوته ، لاحتمال تعاقب المتجانسين. فاذا كان متطهراً وعلم بوقوع الحدث والوضوء منه وجهل المتأخر منهما ، فلأجل أنه يحتمل كون الوضوء متقدماً وواقعاً عقيب الطهارة ، ويحتمل كونه متأخراً ورافعاً للحدث ، فلم يتيقن حصول طهارة غير الأولى ، فلا مجال لاستصحابها ، لعدم اليقين بالحدوث. وفيه ما عن شرح الدروس وغيره من المعارضة باستصحاب الطهارة المعلومة ، حال الوضوء المجهول التاريخ ، للشك في ارتفاعها.

وفي قواعد العلامة وعن غيرها من كتبه التفصيل بين الجهل بالحال السابقة فكالمشهور ، وبين العلم بها فيبني عليها. وفيه : أنه إن كان الوجه فيه استصحاب نفس الحال السابقة فقد عرفت حصول اليقين بانتقاضها ، وإن كان استصحاب الحال التي كانت حال الوضوء مثلا ، التي يحتمل اتحادها مع الحال السابقة ـ كما ذكره في شرح الدروس وغيره ـ فلو تمَّ كان معارضاً باستصحاب ضد الحال السابقة ، ولو بني ـ كما عن المدارك‌

٤٩٥

أو جهل تاريخ الوضوء [١] ، وأما إذا جهل تاريخ الحدث وعلم تاريخ الوضوء بنى على بقائه [٢]. ولا يجري استصحاب الحدث‌

______________________________________________________

بل حكي عن العلامة ـ على تخصيص كلامه بصورة كون كل من الحادثين المجهول تقدم كل منهما معلوم النقض لما قبله ، كما لو علم كون الوضوء المعلوم رافعاً للحدث ، وكون الحدث المعلوم رافعاً للطهارة ، فمع العلم بالحال السابقة يخرج الفرض عن الشك إلى اليقين ، إذ الحال السابقة إن كانت هي الحدث فالمتقدم هو الوضوء والمتأخر الحدث ، وإن كانت هي الطهارة فبالعكس ، ولا شك حينئذ ، كما عن الذكرى والمدارك الاعتراف به. اللهم إلا أن يكون مورد الكلام صورة احتمال حدوث وضوء آخر بعد الحدث المتأخر في الفرض الأول ، وحدث آخر بعد الوضوء المتأخر في الفرض الثاني ـ كما قد يظهر من محكي المختلف ، واعترف به الوحيد في حاشية المدارك ـ فتخرج المسألة عن صورة الجهل بالتاريخ ، وتدخل في مسألة الشك في الحدث بعد يقين الوضوء ، أو في عكسها اللتين قد عرفت وجوب الرجوع فيهما إلى الاستصحاب إجماعاً.

هذا والظاهر قصور أدلة الاستصحاب عن شمول مجهول التاريخ في الطرفين ، ففي المقام يكون المرجع قاعدة الاشتغال ابتداء ، كما تقدم في الاستدلال للمشهور ، لا أنها المرجع بعد سقوط الاستصحاب في الطرفين من أجل المعارضة. وسيأتي بيان وجهه.

[١] يعني : وعلم تاريخ الحدث ، فيبني على أنه محدث ، إما لاستصحاب الحدث غير المعارض باستصحاب الطهارة ـ بناء على عدم جريان الأصل في مجهول التاريخ ـ أو لقاعدة الاشتغال بعد سقوط الاستصحاب في الطرفين للمعارضة ، كما هو ظاهر المشهور.

[٢] يعني : بقاء الوضوء للاستصحاب ، خلافاً لظاهر المشهور ،

٤٩٦

حينئذ حتى يعارضه ، لعدم اتصال الشك باليقين به [١] ، حتى يحكم ببقائه. والأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء‌

______________________________________________________

حيث لم يفرقوا بين معلوم التاريخ ومجهولة في جريان الاستصحاب.

[١] هذه شبهة ذكرها سيد المحققين الأعاظم ( قده ) (١) في درسه الشريف على ما حكي ، واشتهرت بين من تأخر عنه. وربما تقرب بأحد وجوه.

( الأول ) : ما ذكره الأستاذ رحمه‌الله في الكفاية من عدم إحراز كون رفع اليد عن اليقين في زمان الشك من نقض اليقين بالشك لاحتمال انفصاله عنه باليقين بوجود الضد ، فيكون من نقض اليقين باليقين وقد تقرر في محله أن التمسك بعموم الدليل العام موقوف على إحراز عنوانه مثلا إذا شككنا في الحدث في الساعة الثالثة من الزوال في الفرض المتقدم ، فلم نبن على بقائه ، احتمل أن يكون من نقض اليقين باليقين بالطهارة ، لاحتمال حصوله قبل الزوال الذي هو زمان اليقين بالطهارة. وفيه ( أولاً ) : أنه مبني على سراية العلم إلى الخارج ، إذ لو لم نقل بذلك ـ كما هو التحقيق من تقومه بالصور الذهنية لا غير ـ فلا يحتمل أن يكون رفع اليد عن مجهول التاريخ في زمان الشك من نقض اليقين باليقين ، إذ لو لاحظنا الأزمنة الإجمالية من زمان اليقين بحدوثه إجمالا إلى زمان الشك لم نجد فيها ما يحتمل أن يكون زمان يقين بارتفاعه ، بل كلها أزمنة شك في بقائه ( وثانياً ) : أنه لو سلم ذلك جرى في استصحاب معلوم التاريخ أيضاً ، فإن زمان اليقين بحدوث مجهول التاريخ مما يحتمل انطباقه على ما بعد زمان اليقين بحدوث معلوم التاريخ ـ كالساعة الثانية من الزوال في الفرض المتقدم ـ وحينئذ فيحتمل أن يكون رفع اليد عن معلوم التاريخ في زمان الشك في وجوده‌

__________________

(١) الميرزا الشيرازي الكبير.

٤٩٧

______________________________________________________

من قبيل نقض اليقين باليقين. بل لو تمَّ ذلك لاقتضى المنع عن جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً ، وفي الكلي في القسم الثاني ، وفيما لو علم بارتفاع الحادث وتردد بين زمانين ، كما لو عُلم بموت الزوج وتردد بين أن يكون في السنة الأولى والثانية ، فإنه يقال أيضاً : لا مجال لاستصحاب حياته في السنة الأولى ، لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين بحياته من نقض اليقين باليقين .. إلى غير ذلك من الموارد التي لا مجال للتأمل في جريان الاستصحاب فيها.

( الثاني ) : أن الظاهر من دليل الاستصحاب أن لو رجعنا القهقرى من زمان الشك في وجود المستصحب إلى الأزمنة التفصيلية السابقة ، فلا بد أن نعثر على زمان تفصيلي يعلم بوجود المستصحب فيه ، وهذا المعنى غير حاصل في مجهول التاريخ ، فانا إذا فرضنا أن زيداً في الساعة الأولى من الزوال كان متطهراً ، وعلمنا بأنه أحدث إما في ساعة قبل الزوال أو في ساعة بعده ، فاذا شككنا في أنه في الساعة الثالثة من الزوال محدث أو متطهر ، وأردنا الرجوع إلى الأزمنة التفصيلية السابقة على الساعة الثالثة ، لم نعثر على زمان يعلم فيه بالحدث إذ الساعة الثانية من الزوال يحتمل حدوث الحدث فيها ، والساعة الأولى يعلم بحصول الطهارة فيها ( وفيه ) : أن دعوى ظهور أدلة الاستصحاب في اعتبار هذا المعنى في جريانه ممنوعة. مع أن لازمها أن لو تردد حدوث المستصحب بين زمانين واحتمل انعدامه في ثاني أزمنة حدوثه لم يجر الاستصحاب فيه ، مثلا إذا علمنا أن زيداً تطهر في إحدى الساعتين الأولى أو الثانية من الزوال ، واحتمل حدثه في الساعة الثانية بعد الطهارة ، يمتنع استصحاب الطهارة ، لعدم زمان تفصيلي يعلم فيه بالطهارة ولا يظن إمكان الالتزام بذلك.

٤٩٨

______________________________________________________

( الثالث ) : أن الظاهر من دليل الاستصحاب كون الشك الذي لا يجوز نقض اليقين به شكا في زمان واحد يشك فيه في البقاء والارتفاع معاً ، وليس الشك في مجهول التاريخ كذلك ، إذ الحدث في المثال المتقدم مما لا يحتمل ارتفاعه في الساعة الثالثة من الزوال وإنما يحتمل ارتفاعه في الساعة الأولى منه لا غير ، لأنه إن كان قد وجد قبل الزوال فقد ارتفع في الساعة الأولى من الزوال ، وإن كان قد وجد بعده فهو باق في الساعة الثالثة من الزوال ، فاحتمال البقاء في زمان واحتمال الارتفاع في زمان آخر. وفيه : المنع من هذا الظهور ، ولا قرينة عليه ، بل قوام الاستصحاب الشك في البقاء في آن الاستصحاب ، وهو حاصل. مع أنه لو تمَّ لجرى في معلوم التاريخ. فان الشك في بقاء الطهارة في الساعة الثالثة من الزوال ليس شكا في ارتفاعها فيها ، بل إنما يحتمل ارتفاعها في الثانية التي يحتمل حدوث الحدث فيها ، وكذا أمثاله من موارد الشك في حدوث الرافع في زمان معين قبل زمان الشك في البقاء ، مما لا مجال للتأمل في جريان الاستصحاب فيها.

( الرابع ) : أن قوام الاستصحاب أن يكون الشك في امتداد المستصحب ، وليس هنا كذلك ، فان الحدث المجهول التاريخ في المقام إن كان سابقاً على الزوال فهو مرتفع ، ولا امتداد له ، وإن كان متأخراً عن الزوال فهو باق ، فالشك في الحقيقة في التقدم والتأخر ، لا في الامتداد وعدمه. ( وفيه ) : أنه لا ريب في حصول الشك في امتداد مجهول التاريخ وإن كان السبب فيه الشك في التقدم والتأخر ، وكون السبب ذلك لا يضر في حصول شرط الاستصحاب وقوامه.

وهذه الوجوه ذكرها بعض الأعيان المحققين (١) في درسه. وهناك‌

__________________

(١) الأستاذ الآغا ضياء الدين العراقي.

٤٩٩

______________________________________________________

وجه آخر ربما يستفاد من كلامه أيضاً ، وهو أن اعتبار البقاء عرفاً الذي هو متعلق الشك في الاستصحاب تابع للحدوث الذي هو متعلق اليقين ، فان كان الحدوث باعتبار الأزمنة التفصيلية فصدق البقاء عرفاً موقوف على ملاحظتها ، وإن كان بلحاظ الأزمنة الإجمالية فصدق البقاء عرفاً لا بد أن يكون أيضاً بملاحظتها ، فاختلاف زماني اليقين والشك بالإجمال والتفصيل مانع من صدق الشك في البقاء عرفاً ، لأن المفهوم من البقاء عرفاً امتداد الوجود في الآنات المتصلة بآن الحدوث ـ أعني : الآن الثاني للحدوث والآن الثالث له .. وهكذا ـ فان كان آن الحدوث مردداً بين آنين تفصيلين فالآن الثاني المتصل به لا بد أن يكون مردداً أيضاً بين آنين. وهكذا الآن الثالث المتصل بالآن الثاني ، فبقاء الحدوث المردد بين آنين لا بد أن يكون بلحاظ الآنات الإجمالية المتصلة بذلك الآن المردد كل واحد منها بين آنين ، وإذا كان آن الحدوث معيناً تفصيلا فبقاء ذلك الحدوث لا بد أن يكون بلحاظ الآنات التفصيلية المتصلة به ، ولا يصح اعتباره بلحاظ الأزمنة الإجمالية ، وحينئذ فإذا فرض كون الأثر الشرعي مترتباً على مجرد بقاء مجهول التاريخ ولو في الزمان الإجمالي ، كما لو قال الشارع الأقدس : إن وجد الحدث وبقي مدة طويلة أو قصيرة فعليك صدقة. فلا ريب في صحة استصحابه ووجوب الصدقة. أما إذا كان الأثر لبقاء مجهول التاريخ في خصوص الزمان التفصيلي فلا مجال لاستصحابه ، لأن وجوده في الزمان التفصيلي ليس بقاء لحدوثه الإجمالي ، ليجري فيه الاستصحاب ، وحينئذ فاستصحابه بلحاظ الزمان التفصيلي يتوقف على تطبيق زمان الحدوث على كل من الأزمنة التفصيلية ، ثمَّ يُستصحب بلحاظ كل واحد على تقدير انطباقه عليه ، فاذا تردد حدوث الحدث بين زمانين وشك في وجوده في‌

٥٠٠