مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

( العاشر ) : أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى [١] ، وفي الثانية بباطنهما ، والمرأة بالعكس. ( الحادي عشر ) : أن يصب الماء على أعلى كل عضو [٢] ،

______________________________________________________

وهذا الذي ذكرناه هو الذي تجتمع عليه النصوص. ولعلّ هذا هو مراد الفقيه والهداية ، من أن من توضأ مرتين لم يؤجر ومثله ما عن الأمالي ، من أن من توضأ مرتين فهو جائز ، إلا أنه لا يؤجر عليه. وأظهر منه ما عن البزنطي ، من أن الفضل في واحدة ، ومن زاد على اثنتين لا يؤجر. فإنه مطابق لمتن رواية ابن أبي يعفور. ولعله مراد الكافي ، حيث عبر بذيل الرواية المذكورة.

[١] كما عن جملة من كتب الشيخ ، والفاضلين ، والشهيد ، وغيرهم. واعترف جماعة بعدم الوقوف على مستنده. والمنسوب إلى أكثر القدماء ـ كما عن المدارك ـ بل إلى الأكثر ـ كما عن الذكرى ، والروضة ، وكشف اللثام ـ استحباب بداءة الرجل بالظاهر والمرأة بالباطن ، من دون فرق بين الغسلة الاولى والثانية. ويشهد به‌ خبر ابن بزيع عن الرضا (ع) : « فرض الله تعالى على النساء في الوضوء للصلاة أن يبتدئن بباطن أذرعهن وفي الرجل بظاهر الذراع » (١). المحمول على الاستحباب اتفاقاً ، كما عن المنتهى.

[٢] كما قد يظهر من مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) الحاكي لوضوء رسول الله (ص) (٢) ، حيث تضمن وضع الكف الأولى على جبينه ، والثانية على مرفقه اليمنى ، والثالثة على مرفقه اليسرى. فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٢١

وأما الغسل من الأعلى فواجب [١]. ( الثاني عشر ) : أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصب الماء عليه [٢] ، لا بغمسه فيه. ( الثالث عشر ) : أن يكون ذلك مع إمرار اليد على تلك المواضع [٣] ، وإن تحقق الغسل بدونه. ( الرابع عشر ) : أن يكون حاضر القلب في جميع أفعاله [٤]. ( الخامس عشر ) : أن يقرأ القدر حال الوضوء [٥].

______________________________________________________

[١] كما سيأتي.

[٢] كما تضمنته الأخبار البيانية.

[٣] للاستظهار. وربما تشهد به النصوص البيانية. ولما في المروي‌ عن قرب الاسناد : « ولا تلطم وجهك بالماء لطماً ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً. وكذلك فامسح الماء على ذراعيك » (١). المحمول على الاستحباب إجماعاً ، وعن المنتهى نسبته الى مذهب فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام.

[٤] فقد روي عن أمير المؤمنين‌ ، والحسن بن علي‌ ، وعلي بن الحسين‌ ـ عليهما‌السلام ـ أنهم إذا أخذوا في الوضوء تغيّرت ألوانهم ، وارتعدت فرائصهم ، فيقال لهم عليهم‌السلام في ذلك ، فيقولون ما لفظه أو مضمونه : حق على من وقف بين يدي ذي العرش أن يتغير لونه وترتعد فرائصه (٢).

[٥] فعن الفقه المنسوب إلى الرضا (ع) : « أيما مؤمن قرأ في وضوئه إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢٢.

(٢) راجع مستدرك الوسائل باب : ٤٧ من أبواب أحكام الوضوء.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٢٤ من أبواب أحكام الوضوء حديث : ٤.

٣٢٢

( السادس عشر ) : أن يقرأ آية الكرسي بعده [١].

( السابع عشر ) : أن يفتح عينه حال غسل الوجه [٢].

فصل في مكروهاته‌

( الأول ) : الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة [٣] ،

______________________________________________________

و‌عن كتاب البلد الأمين وغيره : « من قرأ بعد إسباغ الوضوء إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وقال : اللهم إني أسألك تمام الوضوء ، وتمام الصلاة ، وتمام رضوانك ، وتمام مغفرتك ، لم تمر بذنب قد أذنبه إلا محته » (١).

[١] فعن كتاب جامع الأخبار عن الباقر (ع) : « من قرأ على أثر وضوئه آية الكرسي مرة أعطاه الله ثواب .. » (٢).

[٢] لما‌ أرسله في الفقيه : « قال رسول الله (ص) : افتحوا عيونكم عند الوضوء ، لعلها لا ترى نار جهنم » (٣) ‌، وفي ثواب الأعمال مسنداً عن ابن عباس ، وقريب منه ما عن نوادر الراوندي (٤).

فصل في مكروهات الوضوء‌

[٣] كما هو المعروف ، لخبر الوشاء : « دخلت على الرضا (ع) وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ للصلاة ، فدنوت منه لأصب عليه فأبى ذلك وقال (ع) : مه يا حسن. فقلت : لِمَ تنهاني أن أصب على يديك تكره أن أوجر؟ قال (ع) تؤجر أنت وأوزر أنا. قلت : وكيف ذلك؟ فقال (ع) :

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٢٤ من أبواب أحكام الوضوء حديث : ٥.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٢٤ من أبواب أحكام الوضوء حديث : ٨.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٥٣ من أبواب أحكام الوضوء حديث : ١.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٥٣ من أبواب أحكام الوضوء ملحق حديث : ١.

٣٢٣

كأن يصب الماء في يده. وأما في نفس الغسل فلا يجوز [١].

______________________________________________________

أما سمعت الله عز وجل يقول ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) وها أنا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد » (١). وقريب منه ما‌ روي في الإرشاد : « دخل الرضا (ع) يوماً والمأمون يتوضأ للصلاة ، والغلام يصب على يده الماء. فقال (ع) : لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحداً » (٢). وما‌ عن أمير المؤمنين (ع) : انه إذا توضأ لم يدع أحداً يصب عليه الماء. فقيل له : يا أمير المؤمنين لَم لا تدعهم يصبون عليك الماء؟ فقال (ع) لا أحب أن أشرك في صلاتي أحداً وقال الله تبارك وتعالى : ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا ... ) (٣). رواه في الفقيه والمقنع مرسلاً ، وفي العلل مسنداً ، وكذلك الشيخ (ره) في التهذيب. و‌في رواية السكوني : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خصلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد : وضوئي فإنه من صلاتي ، وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل ، فإنها تقع في يد الرحمن » (٤). المحمولة على الكراهة ، لما‌ في رواية الحذاء : انه صبّ على يد الباقر (ع) في جمع فغسل به وجهه ، وكفاً فغسل به ذراعه الأيمن ، وكفاً فغسل به ذراعه الأيسر (٥). وعن المدارك التوقف ، لضعف النصوص. لكنه ـ مع إمكان دعوى انجباره بالعمل ـ يتم بناءً على قاعدة التسامح.

[١] لما يأتي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

٣٢٤

( الثاني ) : التمندل [١] ، بل مطلق مسح البلل [٢]. ( الثالث ) : الوضوء في مكان الاستنجاء [٣]. ( الرابع ) : الوضوء من الآنية‌

______________________________________________________

[١] كما نسب إلى المشهور. لما‌ عن الصادق (ع) مسنداً ومرسلاً : « من توضأ وتمندل كتبت له حسنة ، ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كتبت له ثلاثون حسنة » (١). وظاهره الكراهة العبادية ، كما لعله مراد الأصحاب. لكنه معارض بكثير من النصوص المتضمنة لفعل الصادق (ع) وأمره إسماعيل بن الفضل به‌ (٢) ، ومداومة علي (ع) عليه‌ (٣). اللهم إلا أن تحمل على التقية. لكنه أصح سنداً وأشهر رواية ، والترجيح بذلك مقدم على الترجيح بمخالفة العامة. اللهم إلا أن يكون بناء الأصحاب على ذلك موهناً لنصوص الرجحان.

[٢] كما عبّر به جماعة. ويستفاد من الخبر الأول ، وإن قوى خلافه في الحدائق والجواهر.

[٣] ففي المستدرك عن جامع الأخبار عن النبي (ص) : انه عد مما يورث الفقر غسل الأعضاء في موضع الاستنجاء‌ (٤). لكن ينافيه رواية عبد الرحمن ابن كثير الهاشمي الحاكية لوضوء أمير المؤمنين (ع) (٥) ، ورواية الحذاء الحاكية لوضوء أبي جعفر (ع) بجمع‌ (٦). إلا أن يقال : الفعل لا يعارض القول.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الوضوء حديث : ٧ ، ٨ ، ٩.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الخلوة حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

٣٢٥

المفضضة ، أو المذهبة ، أو المنقوشة بالصور [١]. ( الخامس ) : الوضوء بالمياه المكروهة كالمشمس [٢] ، وماء الغسالة من الحدث الأكبر [٣] ، والماء الآجن [٤] ، وماء البئر قبل نزح المقدرات [٥] ، والماء القليل الذي ماتت فيه الحية أو العقرب أو الوزغ ، وسؤر‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق كراهتها في بعض النصوص المتقدمة ـ بناءً على عمومه للوضوء ـ وللموثق‌ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن الطست يكون فيه التماثيل ، أو الكوز أو التور يكون فيه التماثيل ، أو فضة لا يتوضأ منه ولا فيه .. » (١). وكأن الحكم في المذهب للإلحاق بالمفضِّض ، كما تقدم الكلام في نظيره في مبحث الأواني. ومنه يظهر الحكم في المنقوش بالصور.

[٢] ففي رواية إسماعيل بن أبي زياد عن أبي زياد عن أبي عبد الله (ع) : « قال رسول الله (ص) : الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضؤوا به ، ولا تغسلوا به ، ولا تعجنوا به ، فإنه يورث البرص » (٢) ‌المحمول على الكراهة ، بقرينة التعليل ، ولما في رواية محمد بن سنان‌ (٣) من نفي البأس في الوضوء به.

[٣] بناءً على طهارته. فيكون الوجه في الكراهة ما تقدم ذكره دليلا للمنع.

[٤] ففي الحديث : « نهى عن الوضوء في الماء الآجن ». أي : المتغير لونه وطعمه. كذا في مجمع البحرين.

[٥] لأخبار القول بالنجاسة ، المحمولة على الكراهة ، كما تقدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المضاف حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المضاف حديث : ٣.

٣٢٦

الحائض ، والفار ، والفرس ، والبغل ، والحمار ، والحيوان الجلال ، وآكل الميتة ، بل كل حيوان لا يؤكل لحمه [١].

فصل في أفعال الوضوء‌

( الأول ) : غسل الوجه [٢]. وحدّه من قصاص الشعر إلى الذقن طولاً ، وما اشتمل عليه الإبهام والوسطى عرضاً [٣].

______________________________________________________

[١] لما تقدم في كراهة أسئارها. ثمَّ إن الحكم بالاستحباب أو الكراهة في كثير مما سبق مبني على تمامية قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ولولاها أشكل الحكم بهما ، لضعف الدليل ، وحيث أن الظاهر عدم تماميتها فاللازم الفعل أو الترك برجاء المحبوبية أو الكراهة. والله سبحانه أعلم. وله الحمد.

فصل في أفعال الوضوء‌

[٢] بإجماع علماء الإسلام ـ كما عن جماعة ـ بل ينبغي نظمه في سلك الضروريات. ويدل عليه مع ذلك الكتاب ، والسنة المتواترة.

[٣] بلا خلاف فيه ، بل عن المعتبر والمنتهى : أنه مذهب أهل البيت عليهم‌السلام. وعن جماعة حكاية الإجماع عليه. ويشهد له‌ صحيح زرارة « قال لأبي جعفر (ع) : أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ ، الذي قال الله عز وجل. فقال (ع) : الوجه الذي أمر الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر ، وان نقص منه أثم : ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان مستديراً فهو من الوجه ، فقال له : الصدغ من الوجه؟ فقال عليه‌السلام : لا » (١) ‌، ورواه في الكافي والتهذيب عنه ، إلا أنه ذكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٢٧

______________________________________________________

فيه السبابة مع الوسطى والإبهام. وربما ينافيه قوله (ع) : « وما جرت عليه الإصبعان .. ». مع أنه لا أثر له في الفرق ، إلا أن تحمل ( الواو ) على معنى ( أو ). لكنه خلاف الظاهر جداً ، بل ممتنع ، لتنافي التحديدين ، ولذا لم يتوهم أحد الخلاف في التقدير ممن ضم السبابة إلى الوسطى والإبهام ، كما عن المبسوط ، والناصريات.

وقد أشار (ع) إلى التحديد العرضي بقوله : « ما دارت .. » ‌وإلى التحديد الطولي بقوله (ع) : « من قصاص .. » ‌، وقوله (ع) « وما جرت عليه‌ .. إلخ » تأكيد لقوله (ع) : « ما دارت .. ». وكأن التعبير بالدوران في الجملة الأولى بمناسبة تدوير الوجه بتدوير الرأس وأن وضع الإصبعين يوجب توهم دائرة ، ولا يحسن عرفاً استعماله في المسطحات ، والتعبير بالاستدارة في الجملة الثانية بملاحظة تدوير الوجه عرفاً باستدارة اللحيين الى الذقن ، بل وباستدارة قصاص الشعر من الناصية إلى مواضع التحذيف إلى منابت الشعر حول العِذار ، فهذه الاستدارة العرفية من جانبي الوجه الفوقاني والتحتاني هي المرادة من الاستدارة في الجملة الثانية. وإن كان ظاهر المشهور عدم الاستدارة في النصف الفوقاني من الوجه الواجب الغسل ، واختصاص الاستدارة من جانبي الذقن لا غير. لكن الظاهر ما ذكرناه.

وأما ما استشكله شيخنا البهائي (ره) ، من أنه لو جعل الحد الطولي من القصاص إلى الذقن يلزم دخول النزعتين والصدغين في الوجه الواجب الغسل ، إذ الأوّلتان تحت القصاص بالنسبة إلى الشعر النابت فوقهما ، والثانيان داخلان فيما حوته الإبهام والوسطى ، مع أن دخول الأولتين مما لا يتوهم الالتزام به ، ودخول الثانيين مخالف لصريح النص. ولأجله‌

٣٢٨

______________________________________________________

حمل الرواية على إرادة بيان أن الوجه الواجب الغسل هو ما حوته الدائرة الهندسية الحقيقية التي يكون قطرها قدر ما بين الإصبعين ، ويكون المراد من دوران الإصبعين في الجملة الأولى دورانهما من القصاص إلى الذقن لتشكيل الدائرة المذكورة ، فيلزم منه خروج النزعتين والصدغين من الوجه.

( ففيه ) : أن ما ذكره خلاف الظاهر جداً ، لما عرفت من معنى الدوران في الصدر والذيل ، وأن التحديد بالدائرة الهندسية يوجب خروج جزء من أسفل الوجه أو أعلاه من الوجه الواجب الغسل ، لأن ما بين الإبهام والوسطى أقل مما بين القصاص والذقن ، فالدائرة التي قطرها يساوي ما بين الإبهام والوسطى لا تستوعبه. مضافاً إلى أن دخول النزعتين في الوجه ـ على تفسير المشهور ـ يتوقف على عموم القصاص لمنتهى منابت الشعر في النزعتين ، وهو غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة كون جملة : « من قصاص .. » ‌من متعلقات « ما » في : « ما دارت .. » ‌إذ لو عمّ القصاص قصاص النزعتين لكان الصحيح ظاهراً في وجوب غسل الناصية المسامتة لمنتهى النزعتين ، وهو كما ترى ، فليس ظاهراً إلا في قصاص الناصية وما يسامتها مما يحيط بالجبينين لا غير. وأما الصدغ فان فسر بما بين العين والاذن ـ كما عن بعض أهل اللغة ، وفي القاموس والمجمع : أنه أحد معنييه ـ فيدخل بعضه في الوجه على كلا التفسيرين ، وإن فسر بالشعر المتدلي على ما بين العين والاذن ـ كما عن الصحاح ، والنهاية ، وفي القاموس والمجمع : أنه أحد معنييه ، واستشهد له في المجمع بقولهم : صدغ معقرب ـ فهو خارج عنه على كلا التفسيرين ، فلا يكون التصريح في ذيل الصحيح بخروج الصدغ عن الوجه معيّناً لما ذكره من المعنى ، بل اللازم حمل الصدغ ـ ولو مجازاً ـ على المعنى المحكي عن القاموس وغيره بقرينة الصدر. فالعمل‌

٣٢٩

والأنزع والأغم [١] ومَن خرج وجهه أو يده عن المتعارف يرجع كل منهم إلى المتعارف [٢] ، فيلاحظ أن اليد المتعارفة في الوجه المتعارف إلى أي موضع تصل؟ وأن الوجه المتعارف‌

______________________________________________________

على المشهور متعين.

[١] الأول من انحسر شعره عن الحد المتعارف ، والثاني من نبت الشعر على جبهته.

[٢] لا ينبغي التأمل في وجوب غسل الوجه مطلقاً ، صغيراً أو كبيراً على النحو المتعارف أو خارجاً عنه. ولا مجال لتوهم اختصاصه بالمتعارف وإن قيل به في كلية المطلقات. إذا المقام ليس من قبيل المطلق ، بل من قبيل العام ، ضرورة وجوب غسل كل وجه.

ثمَّ إن ظاهر الصحيح سؤالاً وجواباً أن للوجه الواجب الغسل في الوضوء مفهوماً واحداً لا يختلف باختلاف خلقة المكلفين من حيث الصغر والكبر وطول الأصابع وقصرها ، بل الاختلاف بالكبر والصغر من قبيل اختلاف أفراد المفهوم الواحد ، فاذا كان الواجب في الوضوء غسل الوجه لا غير وجب غسله كبيراً كان أو صغيراً بلا زيادة عليه ، لا أنه يجب في الصغير غسله وزيادة وفي الكبير غسل بعضه دون بعض. وعليه فلا بد من حمل الإبهام والوسطى المذكورتين في الصحيح لتحديد الوجه على المتعارفتين منهما بلحاظ الوجه المتعارف ، إذ لو أريد مطلقهما لزم التحديد بالأقل والأكثر لصدق المطلق على كل منهما ، وامتناع التحديد بالأقل والأكثر ظاهر ، ولو أريد منهما خصوص النادر كان بلا قرينة عليه ، وهو ممتنع ، بخلاف الحمل على الغالب المتعارف ، فإن الغلبة والتعارف يصلحان قرينة عليه عند التردد بينه وبين النادر ، فيكون المتكلم قد اعتمد عليهما في مقام البيان. كما أنه‌

٣٣٠

______________________________________________________

لو أريد من الإبهام والوسطى المتعارفتان مطلقاً ـ يعني : لا بالإضافة إلى خصوص الوجه المتعارف ـ لزم اختلاف مفهوم الوجه باختلافه كبراً وصغراً ، واختلافهما كذلك ، فيكون وجه ذي الأصابع الطويلة يدخل فيه الأذنان ووجه ذي الأصابع القصيرة يخرج منه الخدان إذا كان وجههما متعارفاً ، وكذا الحال لو كانت أصابعهما متعارفة ، لكن كان وجههما خارجاً عن المتعارف صغراً أو كبرا ، وقد عرفت أن ظاهر النص ـ ولا سيما بقرينة السؤال عن دخول الصدغ في الوجه ، والجواب بعدم دخوله فيه ـ أن مفهوم الوجه واحد لا يختلف بالكبر والصغر ، وأن المقصود بالجواب تحديد ذلك المفهوم الواحد وتمييزه عما يتصل به ، فيكون التحديد بما بين الإبهام والوسطى لا على نحو الموضوعية ، بل على نحو الطريقية إلى التحديد بأجزاء الوجه التي قد تزيد مساحتها على الحد المذكور وقد تنقص. ولأجل أن الأصحاب فهموا ذلك حملوا الإصبعين على المتعارف منهما في الوجه المتعارف لا مطلقاً.

نعم قد يشكل أيضاً الحمل على المتعارف في الوجه والإصبعين ، لاختلاف المتعارف فيهما بالزيادة والنقصان أيضاً. وقد يدفع بأن الإرجاع إلى عموم المتعارف بلحاظ أن الأقل حكم واقعي ، والأكثر حكم طريقي ، بمعنى كون الأكثر طريقاً إلى ثبوت الأقل ، ولا مانع عقلاً من أن تكون أفراد المتعارف مختلفة ، بعضها موضوع حقيقي ، وبعضها مشتمل عليه ، وتقدم في الصحيح أن الصدغ ليس من الوجه ، وفي جملة من النصوص (١) أن الاذن ليست منه‌ ، وعلى هذا فلا بد من النظر إلى متعارف الوجه والأصابع ، وإلى ما تحتويه الإصبعان من الأعضاء ، كالجبهة والجبينين والعينين والحاجبين والخدين والأنف والفم وغير ذلك ، فيكون تمامه من‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٨ من أبواب الوضوء.

٣٣١

أين قصاصه؟ فيغسل ذلك المقدار. ويجب إجراء الماء [١] ، فلا يكفي المسح به. وحدّه أن يجري من جزء إلى جزء آخر ولو بإعانة اليد. ويجزئ استيلاء الماء عليه وإن لم يجر إذا صدق‌

______________________________________________________

الوجه دون ما زاد عليه ، فيكون الوجه غير المتعارف هو تلك الأعضاء سواء حوتها اصبعاه أم زادتا عليها أم نقصتا عنها. وكذا الكلام بعينه في القصاص ، فاذا كان المتعارف منه ما يكون على حد الجبهة وجب غسل تمام الجبهة في غيره وإن نبت الشعر عليها ، ولم يجب غسل ما فوقها وإن انحسر عنه الشعر. فلاحظ.

[١] فعن المجلسي (ره) في حاشية التهذيب نسبة الاتفاق عليه إلى ظاهر الأصحاب ، وعن الشهيد الثاني (ره) في بعض تحقيقاته : انه المعروف بين الفقهاء ، ولا سيما المتأخرين. ويشهد به أوامر الغسل بناءً على اعتبار الجريان في مفهومه ، كما عن جماعة ، وعن كشف اللثام : انه يشهد به العرف واللغة ، ولا سيما بملاحظة مقابلته بالمسح ، إذ لو لم يؤخذ الجريان في مفهومه لم يحصل الفرق بين الغسل بالماء والمسح به ، كما في الجواهر. مضافاً إلى‌ صحيح زرارة : « كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » (١) ‌، ونحوه مما ورد في الغسل‌ كصحيح ابن مسلم : « فما جرى عليه الماء فقد طهر » (٢) ‌، ومصحح زرارة : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه » (٣) ‌بناءً على عدم الفصل بينه وبين الوضوء.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الجنابة حديث : ٣.

٣٣٢

______________________________________________________

هذا ولكن قد عرفت في مبحث التطهير بالماء التأمل في دخول الجريان في مفهوم الغسل ، وعدم ظهور كون المقابلة بينه وبين المسح من هذه الجهة ، بل الظاهر أنه يعتبر في الغسل استيلاء الماء وغلبته على المحل ، ويعتبر في المسح إمرار الماسح ذي البلل على المحل فيكون بينهما تباين مفهوماً وخارجاً ، وإن كان بينهما عموم من وجه مورداً. وأما الصحيح فالظاهر أن التعبير بالجريان فيه كان جريا على الغالب المتعارف ، وليس في مقام تقييد مطلقات الغسل ، بل في مقام آخر ، فلا يصلح لتقييد إطلاقات الأمر بالغسل. لا سيما بعد ملاحظة‌ صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في الوضوء : « إذا مسَّ جلدك الماء فحسبك » (١). نعم ربما يوهم ما ينافي الإطلاقات المذكورة ما‌ في مصحح زرارة ومحمد بن مسلم من قول أبي جعفر (ع) : « إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله مَن يطيعه ومَن يعصيه ، وإن المؤمن لا ينجسه شي‌ء ، إنما يكفيه مثل الدهن » (٢) ‌، و‌في مصحح ابن مسلم الوارد في كيفية الوضوء : « يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده ، والماء أوسع » (٣) ‌، ونحوهما غيرهما ، فإنها وإن لم تكن تنافي اعتبار جريان الماء وحركته من محل إلى آخر ، لكنها ظاهرة في عدم اعتبار استيلائه على المحل ، والاكتفاء بمجرد سراية الرطوبة والبلل من محل إلى آخر. لكن لا بد من حملها على إرادة المبالغة في عدم احتياج الوضوء إلى الماء الكثير ـ كما ذكر في الجواهر وغيرها ـ لإباء سياقها عن صلاحية التصرف في أدلة اعتبار الغسل ، بل ذيل الثاني كالصريح في ذلك. فلاحظه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

٣٣٣

الغسل. ويجب الابتداء بالأعلى [١] ،

______________________________________________________

[١] كما صرح به جماعة كثيرة ، بل نسب إلى الأكثر والمشهور ، بل عن التبيان الإجماع عليه. ويستدل له بالوضوءات البيانية لوضوء النبي (ص) ففي صحيح زرارة : « فأخذ كفاً من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ثمَّ مسح بيده الجانبين جميعاً » (١) ‌، ونحوه مصححه الآخر‌ (٢) ، على رواية التهذيب. و‌في مصححه الثالث : « فوضعها على جبينه » (٣) ‌، وقريب منها غيرها. ( ودعوى ) : إجمال الفعل ، لاحتمال كونه من أحد الأفراد ( غير ظاهرة ) لوروده مورد البيان ، ولا سيما بملاحظة التفات الراوي إلى الخصوصية المذكورة. نعم لا يظهر من الرواية كون المحكي هو خصوص الواجب من الوضوء ، بل من الجائز إرادة حكاية ما يشتمل على بعض المستحبات ، بل لعل الظاهر ذلك بملاحظة اشتماله على بعض الخصوصيات المستحبة ، فلا ظهور لها في الوجوب. وأما ما عن المنتهى والذكرى بعد ذكر الصحيح الأول : « ‌روي أنه قال بعد ما توضأ : إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » (٤). فعلى تقدير حجيته وعدم قدح إرساله ، لا بد أن يكون المراد باسم الإشارة صرف ماهية الوضوء ، لا مع تمام الخصوصيات ، للاتفاق على استحباب بعضها.

ويستدل له أيضاً‌ برواية أبي جرير الرقاشي ( الرواسي. ظ ) المروية عن قرب الاسناد : « لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطماً ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً ، وكذلك فامسح على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) الذكرى ص : ٨٣.

٣٣٤

والغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفاً [١] ، ولا يجوز النكس.

______________________________________________________

ذراعيك ورأسك وقدميك » (١). والإجماع على استحباب المسح لا ينافي الأخذ بظهورها في وجوب الغسل من الأعلى. نعم من المحتمل أن يكون المراد بالغسل المسح ، بقرينة قوله (ع) : « مسحاً » ‌الظاهر في كونه مفعولاً مطلقاً ، الذي يجب أن يكون من جنس فعله ، فالإجماع على استحباب المسح يكون مانعاً من الأخذ بظهورها في وجوب الابتداء من الأعلى. مضافاً الى إمكان دعوى ظهورها في مقام بيان المسح مقابل اللطم فيكون ذكر ( من ) و ( إلى ) مقدمة للمسح المستحب. لا في مقام بيان طلب الغسل من الأعلى ، فيشبه أن يكون الظرف متعلقاً بالمسح لا بالغسل. وحينئذ يشكل رفع اليد عن إطلاق الغسل الوارد في الكتاب المجيد والسنة ( ودعوى ) : إهماله من هذه الجهة ، لوروده مورد بيان أصل التشريع لا كيفيته ( غير ظاهرة ) وإن صدرت من شيخنا الأعظم (ره). ولعله لذلك ونحوه اختار جماعة جواز النكس ، منهم السيد ، والشهيد ، وابنا إدريس وسعيد ، ومال اليه ، أو قال به آخرون ، كصاحب المعالم ، وشيخنا البهائي على ما حكي. لكن الانصاف ظهور رواية الرقاشي في كون : « مسحاً » ‌من قبيل الحال. يعني اغسله ماسحاً ـ لا مفعولاً مطلقاً. وعليه فدلالتها على وجوب الغسل من الأعلى لا قصور فيها.

[١] ذكر في الجواهر أنه بعد البناء على وجوب الابتداء بالأعلى فهناك احتمالات أربعة : ( الأول ) : الابتداء بالأعلى خاصة ولو كان يسيراً ، ولا ترتيب في الباقي. ( الثاني ) : وجوب الأعلى فالأعلى بحسب الخطوط العرضية فلا يجوز غسل الأدنى قبل الأعلى وإن لم يكن مسامتاً له. ( الثالث ) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢٢.

٣٣٥

ولا يجب غسل ما تحت الشعر [١] ،

______________________________________________________

وجوب غسل الأعلى فالأعلى بحسب الخطوط الطولية ، فلا يجوز غسل الأدنى قبل الأعلى المسامت له حقيقة ، ويجوز غسله قبل الأعلى غير المسامت له كذلك. ( الرابع ) : ذلك ، لكن عرفاً لا حقيقة. انتهى مختصراً. وجعل (ره) الأول مقتضى كلام كثير من المتأخرين ، ونسب الثاني إلى بعض القاصرين ، والثالث إلى محتمل كلام العلامة (ره) في المختلف ، والرابع إلى الشهيد الثاني في شرح الرسالة وبعض المتأخرين.

أقول : أما الوجه الأول فهو خلاف ما تقدم من أدلة الابتداء بناءً على تماميتها. وأما الثاني فهو خلاف ظاهر النصوص البيانية المتضمنة لغسل الوجه باليد اليمنى وأنه (ع) مسح بها الجانبين. وأما الثالث والرابع ، فهما خلاف إطلاق رواية أبي جرير ، فان مقتضاه الاكتفاء بالغسل من الأعلى إلى الأدنى عرفاً ، إذ الظاهر صدقه ولو لم يكن على حسب الخطوط الطولية حقيقة أو عرفاً ، ولعل المراد من الوجه الأخير ذلك. ثمَّ إنه قد يظهر من النصوص البيانية ـ المتضمنة إسدال الكف على الوجه من أعلاه أو على الجبهة أو على الجبين ، أو على الوجه ـ جواز اقتران الأجزاء العليا للوجه في الغسل ، بلا ترتيب بينها. ومثلها في ذلك رواية المسح تحت العمامة. اللهم إلا أن يكون الغسل الوضوئي ليس بوضع الماء ، بل بالمسح باليد من الأعلى حقيقة إلى ما دونه. فلاحظ.

[١] بلا خلاف ، كما عن جماعة ، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل عن الخلاف والناصريات الإجماع عليه. و‌في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال (ع) : كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري‌

٣٣٦

بل يجب غسل ظاهره ، سواء شعر اللحية والشارب والحاجب [١] بشرط صدق إحاطة الشعر على المحل [٢] ، وإلا لزم غسل البشرة الظاهرة في خلاله [٣].

______________________________________________________

عليه الماء » (١) ‌و‌في صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته؟ قال (ع) : لا » (٢).

[١] لعموم صحيح زرارة‌ ، والتنصيص على اللحية في صحيح ابن مسلم‌ وعلى الجميع في محكي معقد إجماع الخلاف ،

[٢] كما هو موضوع النص المتقدم. إلا أن الاشكال فيما تصدق به الإحاطة ، وأنه خصوص منابت الشعر الكثيف الساتر بكثافته للبشرة ، أو يعم ما يستر بالاسترسال ، أو منابت الشعر الخفيف الذي تظهر بشرته للرائي دائماً أو في بعض الأحوال دون بعض أو غير ذلك. وقد اضطربت الكلمات فيما هو مورد الاتفاق على وجوب غسله أو عدم وجوبه ، ومورد الخلاف. ولا يبعد اختصاص النصوص المتقدمة بمنابت الشعر المحتاج غسلها إلى بحث وطلب ، فلا تشمل صورة الستر بالاسترسال ، كما في طرفي الشارب الطويلين ، ولا منابت الشعر الظاهرة التي تغسل بمجرد إمرار اليد على الشعر ، فضلاً عن إجراء الماء عليه ، فالمرجع فيهما إطلاق أدلة وجوب غسل الوجه من الكتاب والسنة. ( ودعوى ) : عدم صدق الوجه على البشرة التي تحت الشعر ، لأن الوجه اسم لما يواجه به ، فلا يصدق على المستور ( مندفعة ) بأن الوجه المذكور في الآية والرواية يراد به العضو المخصوص الذي ينبت فيه الشعر.

[٣] أما الشعر النابت فيها ففي الجواهر : « وفيه وجهان ، أقواهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٣٧

______________________________________________________

عدم الوجوب ، لعدم الدخول في مسمى الوجه ». وأدلة وجوب غسل الوجه قاصرة عن الدلالة على وجوب غسله تبعا ، ومجرد ثبوت التبعية خارجا لا يقتضي التبعية في مقام الدلالة. فالمرجع فيه الأصل. وحيث عرفت في مسألة تداخل الوضوء أن ظاهر أدلة اعتباره في الغايات هو اعتبار أثره وهو الطهارة ، كان الشك في المقام من قبيل الشك في المحصل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال لا البراءة ( ودعوى ) : أنه لا فرق بين المقام وبين الشك في الأقل والأكثر ، فإذا بنينا على البراءة هناك وأجبنا عن شبهة الاحتياط من جهة العلم الإجمالي بالغرض فليكن الجواب جارياً هنا أيضاً. ( مدفوعة ) بالفرق بأن الغرض هناك لم يقع مورداً للتكليف ، بل مورده نفس فعل المكلف بالمباشرة ، وظاهر الأدلة هنا أن نفس الأثر موضوع للتكليف الشرعي ، وهذا الفرق يمكن أن يكون فارقاً بينهما في جريان البراءة والاحتياط عند العقلاء ، كما ذكرنا ذلك فيما علقناه على مباحث الأقل والأكثر من الكفاية. كما أنه لو بنينا على أن التكليف بالمسبب راجع إلى التكليف بالسبب كان المقامان من باب واحد. لكنه خلاف التحقيق. ومثله ما عن بعض الأجلة من الحكم بجريان البراءة في جميع موارد الشك في حصول الغرض إذا كان بيان محصله من وظيفة الشارع ، بلا فرق بين كون المأخوذ في لسان الدليل نفس الغرض ومحصله ، فان ما ذكر غير واضح من طريقة العقلاء ، وإن كان لا يخلو من وجه.

وأما ما ذكره شيخنا (ره) في الكفاية في المقام وغيره من إثبات الغرض ـ وهو الطهارة ـ بإجراء حديث الرفع لنفي جزئية الشي‌ء للوضوء أو شرطيته. فهو مخدوش بأن أدلة الجزئية الواقعية إنما تفيد حكماً واقعياً وحديث الرفع ونحوه من أدلة البراءة إنما يفيد حكماً ظاهرياً ، فيمتنع أن‌

٣٣٨

( مسألة ١ ) : يجب إدخال شي‌ء من أطراف الحد من باب المقدمة [١]. وكذا جزء من باطن الأنف ونحوه. وما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن [٢] ،

______________________________________________________

يكون الثاني بمنزلة الاستثناء من الأول ، إذ ليس هو في عرضه. وبالجملة : بعد البناء على اشتغال ذمة المكلف بالغرض لا تجدي الأصول في إثباته إلا ما كان منها متكفلا لثبوته ، ومن المعلوم أن حديث الرفع لا يصلح لذلك لأنه رافع لا مثبت. ثمَّ إن الرجوع إلى الأصل من البراءة والاحتياط موقوف على عدم ظهور النصوص البيانية في عدم الوجوب ـ كما هو الظاهر ـ وإلا كان عليها المعول في عدم الوجوب. هذا والمحكي عن جامع المقاصد في مبحث غسل الجنابة دعوى الإجماع على وجوب غسل الشعر النابت في الوجه واليدين في الوضوء ، فان تمَّ كان عليه المعوّل ، وإلا كان المرجع ما ذكرنا.

[١] الظاهر أن مراده المقدمة الوجودية. وكأنه لعدم إمكان الغسل اختياراً إلى الحد الحقيقي إلا بضم جزء مما يخرج عن الحد مما يعلم أنه ليس داخلاً فيه ، فيكون الوجوب غيرياً ( وفيه ) : أنه لا مقدمية بين غسل الجزء الخارج عن الحد وغسل الجزء الداخل فيه ، بل هما من قبيل المتلازمين ووجوب احد المتلازمين لا يقتضي وجوب الآخر. نعم الجزء المشكوك كونه من الداخل والخارج وجوب غسله عقلي من باب وجوب المقدمة العلمية ، فيبتني وجوب غسله وعدمه على وجوب الاحتياط في المقام والرجوع الى البراءة ، كما عرفت. أما الجزء المعلوم كونه من الخارج فليس بواجب ، لا شرعاً ، ولا عقلا.

[٢] إذ لا فرق بينه وبين داخل الفم في ظهورهما عند انفتاح الشفتين وبطونهما عند انطباقهما ، فالفرق بينهما في ذلك غير ظاهر.

٣٣٩

فلا يجب غسله [١].

( مسألة ٢ ) : الشعر الخارج عن الحد ، كمسترسل اللحية في الطول ، وما هو خارج عن ما بين الإبهام والوسطى في العرض لا يجب غسله [٢].

( مسألة ٣ ) : إن كانت للمرأة لحية فهي كالرجل [٣].

______________________________________________________

[١] لعدم وجوب غسل الباطن اتفاقاً. ويشهد له‌ خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة ، إنما عليك أن تغسل ما ظهر » (١). وما ورد من الأمر بصب الماء على أعلى الوجه والأمر بمسحه‌ (٢) ، فان مطبق الشفتين لا يغسل بمجرد ذلك ، فيحتاج الأمر بغسله إلى بيان زائد وهو مفقود. ولعله أيضاً يستفاد من روايات الحضرمي‌ وأبى بصير‌ (٣) ، المتضمنة أن المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء ، لأنهما من الجوف. فتأمل. ويستفاد أيضاً مما ورد في غسل الجنابة من الاجزاء بالارتماس‌ (٤) ، بناءً على عدم الفصل بينه وبين المقام.

[٢] إجماعاً ظاهراً ، كما عن المدارك وكشف اللثام وغيرهما ، بل يظهر من محكي الخلاف أنه كذلك. للخروج عن الحد. نعم لو كانت البشرة مما يجب غسلها لتفرق الشعر ، وبُني على وجوب غسل الشعر النابت فيها ، لم يفرَّق فيه بين ما دخل في الحد وما خرج. فالعمدة إذاً الإجماع.

[٣] لإطلاق الصحيح المتقدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الوضوء حديث : ١٠ ، ٩ ، ١٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ٥ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٥.

٣٤٠