مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

في موضع المسح بتمامه ، وإلا فلو كان بمقدار المسح بلا جبيرة يجب المسح على البشرة [١] ، مثلا لو كانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح عليها ، ولو كان من أحد الأصابع ولو الخنصر إلى المفصل مكشوفاً وجب المسح على ذلك ، وإذا كانت مستوعبة عرض القدم مسح على البشرة في الخط الطولي من الطرفين وعليها في محلها.

( مسألة ٥ ) : إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغسل أو المسح في فواصلها [٢].

( مسألة ٦ ) : إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة ، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها [٣] ، وإن كان أزيد من المقدار المتعارف فإن أمكن رَفعُها رفَعَها وغسل المقدار الصحيح ، ثمَّ وضعها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك مسح عليها ، لكن الأحوط ضم التيمم أيضاً ، خصوصاً إذا كان عدم إمكان الغسل من جهة تضرر القدر الصحيح أيضاً بالماء [٤].

______________________________________________________

[١] لإطلاق أدلة وجوب المسح عليها ، ولا دليل على بدلية الجبيرة ورواية عبد الأعلى‌ ظاهرة في وجوب استيعاب القدم بالمسح ، بقرينة التمسك بآية نفي الحرج ، فلا بد من التصرف فيها ، وقد تقدم في مسح القدمين التعرض لذلك.

[٢] كما تضمنه صحيح ابن الحجاج‌.

[٣] لإطلاق الأدلة. ومنه يظهر ضعف الاحتياط بالتيمم.

[٤] ظاهر العبارة صورة تضرر القدر الصحيح في مقابل ضرر الجرح أو القرح أو الكسر ، وعليه فحكم هذه الصورة هو حكم المسألة التاسعة‌

٥٤١

( مسألة ٧ ) : في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه ومسحه يجب أولا أن يغسل ما يمكن من أطرافه ثمَّ وضعه [١].

( مسألة ٨ ) : إذا أضر الماء بأطراف الجرح أزيد من المقدار المتعارف يشكل كفاية المسح على الجبيرة التي عليها أو يريد أن يضعها عليها [٢] ، فالأحوط غسل القدر الممكن ، والمسح على الجبيرة ، ثمَّ التيمم. وأما المقدار المتعارف بحسب العادة فمغتفر.

( مسألة ٩ ) : إذا لم يكن جرح ولا قرح ولا كسر ،

______________________________________________________

الآتي. ويحتمل أن يكون المراد تضرر الجرح أو نحوه بغسل القدر الصحيح ـ كما سيأتي في المسألة الثامنة ـ لكنه خلاف ظاهر العبارة ، وإن كان يناسبه الفتوى بالاجتزاء بالمسح على الجبيرة فيه. وعليه فوجه الاشكال بالاجتزاء بالمسح على الجبيرة احتمال اختصاص الأدلة بصورة ما إذا كان يتضرر بغسل نفس الجرح أو القرح ، فلا تشمل صورة ما إذا كان التضرر بغسل مجاوره. لكن هذا الاشكال ينفيه إطلاق نصوص الاجتزاء بالمسح على الجبيرة إذا كان يؤذيه الماء ، فلاحظها.

[١] إذ وضعها أولا يوجب ستر مقدار من الصحيح مما يجب غسله ، كما تقدم في النصوص.

[٢] قد عرفت في المسألة السادسة وجه هذا الإشكال ، لأن مرجع هذه المسألة إلى الاحتمال الثاني من الاحتمالين المذكورين فيها ، وتوقفه عن الفتوى هنا ـ مع انه مناف لما سبق ـ غير ظاهر ، لما عرفت من اندفاع هذا الإشكال ، فإن الإطلاق مرجع حتى في غير المتعارف ، فان التعارف لا يصلح للقرينية على خلاف الإطلاق.

٥٤٢

بل كان يضره استعمال الماء لمرض آخر ، فالحكم هو التيمم [١] ،

______________________________________________________

[١] كما في مفتاح الكرامة. ثمَّ قال : « بل ظاهر الأصحاب التيمم ، كما في شرح المفاتيح ». لقصور الإجماع والنصوص عن شموله ، ومقتضى عموم بدلية التيمم عند عدم التمكن من الوضوء تعينه. نعم قد يستشكل في ذلك ( أولا ) : من جهة إمكان فهمه من النص الوارد في الجريح ذي الجرح المكشوف بإلغاء خصوصية مورده ، فإنه إذا جاز التعدي عنه إلى الكسير والقريح ، جاز التعدي إلى غيرهما من العلل المانعة عن وصول الماء إلى البشرة ( وثانياً ) : بأنه خلاف قاعدة الميسور ، المعول عليها في كثير من الأبواب ، المستفادة من‌ العلوي : « الميسور لا يسقط بالمعسور » ‌، ورواية عبد الأعلى مولى آل سام المتقدمة‌ ، ومما ورد في المغمى عليه من‌ قوله (ع) : « ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (١). وما ورد‌ في المسلوس : « إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر » (٢).

لكن الأول ممنوع والتعدي إلى الكسير والقريح إنما هو بالإجماع ، لا بإلغاء خصوصية مورده ، كي لا يصح التفكيك بينهما وبين غيرهما من العلل ، وما تقدم في صدر المبحث عن شرح الدروس ـ من أن الأصحاب ألحقوا الكسر المجرد عن الجبيرة بالجرح ، وكذا كل داء لا يمكن معه إيصال الماء إلى البشرة ـ غير ثابت ، إذ لا مأخذ لهذه النسبة ، بل الثابت خلافها.

والقاعدة غير ثابتة. لضعف مستندها سنداً ، أو دلالة ، لإرسال العلوي ، وعدم ثبوت الجابر له. وقد عرفت سابقاً أن ظاهر رواية عبد الأعلى‌ مجرد نفي وجوب المسح على البشرة ، بقرينة التمسك بآية نفي الحرج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢.

٥٤٣

______________________________________________________

لا إثبات وجوب الوضوء الناقص ، كما هو المقصود من الاعتماد على القاعدة ونحوها ما ورد في المغمى عليه والمسلوس.

مضافاً في المرسل إلى ما يمكن أن يقال : إن الواجب في المقام هو الطهارة ، وليست هي بذات مراتب ، كي يحكم بعدم سقوط الميسور منها عند تعسر الباقي. ولو سلم جريانها في الوضوء فلا تدل على قيام الناقص مقام التام في ترتب الطهارة عليه ، كي يكتفي به في ترتب الغايات ، فان مجرد عدم سقوط الناقص أعم من ترتب أثر التام عليه. اللهم إلا أن يستكشف ثبوت الأثر بضميمة الإجماع على عدم وجوب الجمع بين الوضوء الناقص والتيمم. لكن الإنصاف أن عدم تطبيقها بالإضافة إلى الوضوء خلاف إطلاق دليلها ، وإمكان استفادة ترتب الأثر مع قطع النظر عن الإجماع المتقدم بدعوى ظهوره في ترتب الأثر في الجملة على الميسور ، لظهور سياقه في عدم تلازم مراتب الأثر في مقام الثبوت ، فيترتب بعض تلك المراتب على المقدار الميسور ، وحينئذ تكون واردة على دليل بدلية التيمم لظهور قوله تعالى ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) في أن جعل بدلية التيمم إنما هو لأجل صرف الطهارة ، فإذا ثبتت في الجملة بقاعدة الميسور منعت من مشروعية التيمم. أو بدعوى الإجماع على أنه إذا شرع الوضوء الناقص كان موجباً للطهارة ولو حكما. فالعمدة حينئذ في منع القاعدة هو ضعف سند المرسل ، وضعف دلالة غيره.

( وأما ) إثبات وجوب الميسور بالاستصحاب ، الجاري في الوجوب النفسي الضمني الثابت للميسور قبل طرو عسر المعسور ـ بناء على التحقيق من ثبوت الوجوب النفسي للجزء ـ أو في كلي الوجوب الأعم من النفسي والغيري ـ بناء على وجوب الجزء لغيره ـ أو في الوجوب النفسي للكل ،

٥٤٤

لكن الأحوط ضم الوضوء [١] مع وضع خرقة والمسح عليها أيضاً مع الإمكان أو مع الاقتصار على ما يمكن غسله.

______________________________________________________

كالوضوء في المقام ، نظير استصحاب كرية الماء بعد نقص مقدار منه ، ( فلو سلم ) كونه صالحاً لإثبات الطهارة ، للإجماع على حصولها ـ ولو حكما ـ بالوضوء الناقص لو كان مشروعاً ، لا مجال له ، لمنافاته لإطلاق دليل جزئية المعسور ، الدال بالالتزام على عدم مشروعية الميسور حين تعسر المعسور ، ومن المحقق في محله حكومة الدليل ولو كان إطلاقاً على الاستصحاب فلا مجال له معه.

ومنه يظهر أنه مهما شك في مشروعية الناقص لقاعدة الميسور أو لغيرها فلا مجال لدعوى كون مقتضى القاعدة هو الجمع بين فعل الميسور والتيمم لقاعدة الاشتغال بالطهارة ، والعلم الإجمالي بوجوب أحدهما. فإن مقتضى إطلاق دليل جزئية الجزء المفقود وجوب التيمم تعييناً ، فيكون وارداً على قاعدة الاشتغال ، وموجباً لانحلال العلم الإجمالي وأما أدلة التيمم فلا تصلح في نفسها لإثبات ذلك ، للشك في الوجدان المانع من تطبيقها ، وإنما تصلح لذلك بلحاظ إطلاق دليل الجزئية ، كما ذكرنا.

نعم لو فرض عدم الإطلاق لدليل الجزئية كان الرجوع إلى الاستصحاب المذكور ـ إذا كان طرو العذر بعد دخول الوقت ـ في محله. كما أنه لو فرض تمامية القاعدة والاستصحاب كان مقتضاهما وجوب الميسور فقط ، وهو غسل المقدار الممكن غسله ، ومماسة ما لا يمكن غسله بالماء ، أما المسح على الجبيرة فلا اقتضاء لهما فيه.

[١] مما ذكرنا تعرف أن وجهه احتمال التعدي عن مورد النصوص إلى المقام.

٥٤٥

( مسألة ١٠ ) : إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء ، لكن كان بحيث يضر استعمال الماء في مواضعه أيضاً ، فالمتعين التيمم [١].

( مسألة ١١ ) : في الرمد يتعين التيمم إذا كان استعمال الماء مضراً مطلقاً ، أما إذا أمكن غسل أطراف العين من غير ضرر ، وإنما كان يضر العين فقط ، فالأحوط الجمع بين الوضوء بغسل أطرافها ووضع خرقة عليها ومسحها ـ وبين التيمم [٢].

( مسألة ١٢ ) : محل الفصد داخل في الجروح [٣]. فلو لم يمكن تطهيره أو كان مضراً يكفي المسح على الوصلة « الخرقة » التي عليه إن لم يكن أزيد من المتعارف ، وإلا حلها وغسل المقدار الزائد ثمَّ شدها. كما أنه إن كان مكشوفاً يضع عليه خرقة ويمسح عليها [٤] بعد غسل ما حوله. وإن كانت أطرافه نجسة طهرها ، وإن لم يمكن تطهيرها وكانت زائدة على القدر المتعارف جمع بين الجبيرة والتيمم [٥].

______________________________________________________

[١] لما عرفت من عدم تمامية قاعدة الميسور ، وكون مقتضى القاعدة هو التيمم. والاحتياط بالوضوء ضعيف.

[٢] لاحتمال التعدي عن مورد النصوص المتقدمة إلى الفرض ، كما سبق. ولكن لا يظهر الفرق بين الرمد وغيره مما تعرض لحكمه في المسألة التاسعة ، وقد جزم هناك بالتيمم وتوقف في الرمد فيه.

[٣] فإنه من أفرادها.

[٤] قد عرفت إشكاله.

[٥] للإشكال في بدلية الجبيرة عن المحل النجس الذي لا يمكن تطهيره‌

٥٤٦

( مسألة ١٣ ) : لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان أم لا باختياره [١].

( مسألة ١٤ ) : إذا كان شي‌ء لاصقاً ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه ، ولم يمكن إزالته ، أو كان فيها حرج ومشقة لا تتحمل ـ مثل القير ونحوه ـ يجري عليه حكم الجبيرة [٢] ، والأحوط ضم التيمم أيضاً.

______________________________________________________

لا من جهة الضرر ، بل عرفت الإشكال في ذلك إذا كان في الموضع غير أحد الأعذار الثلاثة.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] فإنه وإن كان خارجاً عن مورد النصوص ، لكن يمكن التعدي عنه إليه بتنقيح المناط ، كما اعترف به شيخنا الأعظم (ره) لكن في خصوص ما لو كان لاصقاً لعذر ، وفي الجواهر ادعى القطع بفساد القول بوجوب التيمم بدل الغسل أو الوضوء لمن كان في يده قطعة قير مثلا مدى عمره. ويشهد له في الجملة‌ حسن الوشاء : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الدواء إذا كان على يدي الرجل ، أيجزئه أن يمسح على طلي الدواء؟ فقال (ع) : نعم يجزئه أن يمسح عليه » (١). و‌حسنه الآخر عنه عليه‌السلام : « عن الدواء يكون على يد الرجل أيجزئه أن يمسح في الوضوء على الدواء المطلي عليه؟ فقال عليه‌السلام : نعم يمسح عليه ويجزئه » (٢) ‌وما ورد في المسح على الحناء‌ (٣) ، بناء على حمله على الضرورة. لكن مورد الجميع العذر ، فالتعدي إلى غيره قريب ، وإن كان لا يخلو من تأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٣ ، ٤.

٥٤٧

( مسألة ١٥ ) : إذا كان ظاهر الجبيرة طاهراً لا يضره نجاسة باطنه [١].

( مسألة ١٦ ) : إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوباً لا يجوز المسح عليه [٢] ، بل يجب رفعه وتبديله. وإن كان ظاهرها مباحاً وباطنها مغصوباً فان لم يعد مسح الظاهر تصرفاً فيه [٣] ، فلا يضر ، وإلا بطل [٤]. وإن لم يمكن نزعه ، أو كان مضراً ، فان عد تالفاً يجور المسح عليه [٥] ، وعليه العوض لمالكه ، والأحوط استرضاء المالك أيضاً أولاً ، وإن لم يعد تالفاً وجب استرضاء المالك ولو بمثل شراء أو إجارة ، وإن لم يمكن فالأحوط الجمع بين الوضوء بالاقتصار على غسل أطرافه وبين التيمم [٦].

______________________________________________________

[١] للإطلاق.

[٢] لأنه تصرف فيه ، فيحرم ، ولا يصح عبادة.

[٣] بأن كان لا يوجب مماسة له ، ولا حركة له ولو بواسطة الظاهر.

[٤] للحرمة الموجبة للفساد.

[٥] هذا يتم بناء على أن الضمان بالتلف راجع إلى المعاوضة القهرية بين التالف والمال المضمون به ، فيكون التالف حينئذ ملكا للضامن يجوز له التصرف فيه ، أما بناء على أن الضمان يقابل المعاوضة ، وأنه محض تحمل الغرامة والخسارة ، فعد الجبيرة بمنزلة التالف لا يوجب خروجها عن ملك المالك ، فلا يجوز له التصرف فيها إلا بإذنه.

[٦] للإشكال في إمكان استفادة مشروعية الوضوء الناقص حينئذ ، بل مقتضى إطلاق النصوص المتضمنة وجوب المسح على الجبيرة بطلان‌

٥٤٨

( مسألة ١٧ ) : لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما يصح الصلاة فيه [١]. فلو كانت حريراً أو ذهباً أو جزء حيوان غير مأكول لم يضر بوضوئه ، فالذي يضر هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته.

( مسألة ١٨ ) : ما دام خوف الضرر باقياً يجري حكم الجبيرة وإن احتمل البرء [٢] ، ولا تجب الإعادة إذا تبين برؤه سابقاً [٣].

______________________________________________________

الوضوء وتعين التيمم ، كما تقدم.

[١] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه ، وإطلاق أدلة الجبيرة تقتضيه.

[٢] بلا إشكال ظاهر في ثبوت الحكم مع خوف الضرر حدوثاً وبقاء كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في المقام وأمثاله. ويشهد له إطلاق خبر كليب المتقدم‌.

[٣] هذا يتم لو كان الخوف موضوعاً لأحكام الجبائر واقعاً ، كما يقتضيه الجمود على خبر كليب‌ ، أما لو كان طريقاً إلى الضرر الواقعي الذي هو الموضوع ـ كما هو الظاهر ، ويقتضيه الجمع العرفي بين خبر كليب‌ وبقية النصوص الظاهرة في كون تمام الموضوع هو الضرر الواقعي ، فإن الجمع بينهما بذلك أولى عرفاً من تقييد أحدهما بالآخر ، أو جعل الموضوع كلا منهما. ويؤيده ما في ذيل المروي‌ عن تفسير العياشي عن علي عليه‌السلام « قلت : فان كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده ، : فقرأ رسول الله (ص) : وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً » (١) ‌فان موضوع المنع في الآية هو الضرر الواقعي ، فتطبيقها عند الخوف لا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١١.

٥٤٩

______________________________________________________

يكون إلا لكونه طريقاً إليه ، وموردها وإن كان هو التيمم ، إلا أن الظاهر عدم الفرق بينه وبين المقام ـ فعدم وجوب الإعادة مبني على اقتضاء موافقة الأمر الظاهري للاجزاء ، الذي هو خلاف التحقيق ـ كما بين في محله ـ ولذا استوجه في الجواهر الإعادة.

اللهم إلا أن يقال : إن الموضوع الواقعي للاحكام وإن كان هو نفس الضرر الواقعي ، إلا أن الخوف لما كان طريقاً إلى ثبوت الضرر كان حصوله مانعاً من صحة الوضوء واقعاً ، لأن قيام الحجة على الحرمة مانع عقلا عن إمكان التقرب ـ بناء على قبح التجرؤ ـ فلا يمكن له الوضوء التام حينئذ. وفيه : أنه وإن سلم ، إلا أن هذا المقدار من عدم القدرة غير كاف في مشروعية وضوء الجبيرة ، لعدم الدليل عليه ، ولا ملازمة بين عدم إمكان الوضوء التام من جهة امتناع التقرب وبين بدلية الناقص.

ومن ذلك تعرف الإشكال في كلام شيخنا الأعظم ، إذ أنه بعد حكاية القول بوجوب الإعادة لو ظهر سبق البرء ولما يعلم به حين الوضوء قال رحمه‌الله : « وفيه نظر ، لأنه حين الوضوء متعبد بظنه بالضرر ، فالعذر الواقعي في حقه منع الشارع له عن الوضوء التام ، لا الضرر الواقعي حتى يكون ظنه طريقاً إليه ، فيدخل في مسألة : من أدى تكليفه بالطريق الظاهري فانكشف خلافه ». فان مراده من منع الشارع إن كان المنع الواقعي ، فقد عرفت أنه موقوف على كون الظن بالضرر موضوعاً واقعياً لوضوء الجبيرة ، وهو خلاف مقتضى الجمع بين الأدلة ، بل خلاف قوله رحمه‌الله : « متعبد بظنه ». وإن كان المراد المنع الظاهري فهو وإن كان يوجب المنع العقلي والعجز عن الوضوء ، لكن ليس مثل ذلك المنع موضوعاً لوضوء الجبيرة ، وإن كان موجباً لعجز المكلف عن الوضوء‌

٥٥٠

نعم لو ظن البرء وزال الخوف وجب رفعها [١].

( مسألة ١٩ ) : إذا أمكن رفع الجبيرة وغسل المحل ، لكن كان موجباً لفوات الوقت ، هل يجوز عمل الجبيرة؟ فيه إشكال ، بل الأظهر عدمه [٢] ، والعدول إلى التيمم.

( مسألة ٢٠ ) : الدواء الموضوع على الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم وصار كالشي‌ء الواحد ، ولم يمكن رفعه بعد البرء ، بأن كان مستلزماً لجرح المحل وخروج الدم ، فان كان مستحيلا [٣] ، بحيث لا يصدق عليه الدم ، بل صار كالجلد ، فما دام كذلك يجري عليه حكم الجبيرة [٤] ، وإن لم يستحل كان كالجبيرة النجسة يضع عليه خرقة ويمسح عليه.

( مسألة ٢١ ) : قد عرفت أنه يكفي في الغسل أقله ، بأن يجري الماء من جزء إلى جزء آخر ولو بإعانة اليد ، فلو وضع يده في الماء وأخرجها ، ومسح بما يبقى فيها من الرطوبة محل الغسل يكفي ، وفي كثير من الموارد هذا المقدار لا يضر ، خصوصاً إذا كان‌

______________________________________________________

التام ، كما عرفت.

[١] أخذاً بالأدلة الأولية.

[٢] لعدم الدليل على ثبوت أحكام الجبيرة إذا كان المالع عن غسل البشرة ضيق الوقت ، فالمرجع القواعد الأولية ، وسيأتي إن شاء الله أن مقتضاها كون ضيق الوقت من الأعذار المسوغة للتيمم.

[٣] استحالته على تقديرها لا تكفي في إجراء حكم الجبيرة إذا لم يستحل الدواء المتنجس به.

[٤] بناء على ما تقدم في المسألة الرابعة عشرة ، وكذا ما بعده.

٥٥١

بالماء الحار ، وإذا أجرى الماء كثيراً يضر ، فيتعين هذا النحو من الغسل ، ولا يجوز الانتقال إلى حكم الجبيرة ، فاللازم أن يكون الإنسان ملتفتاً لهذه الدقة.

( مسألة ٢٢ ) : إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضر بالمسح عليها [١] إن كانت طاهرة.

( مسألة ٢٣ ) : إذا كان العضو صحيحاً ، لكن كان نجساً ولم يمكن تطهيره ، لا يجري عليه حكم الجرح ، بل يتعين التيمم [٢]. نعم لو كان عين النجاسة لاصقة به ولم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة [٣] ، والأحوط ضم التيمم.

( مسألة ٢٤ ) : لا يلزم تخفيف [٤] ما على الجرح من الجبيرة‌

______________________________________________________

وأما وضع الخرقة فقد تقدم الكلام فيه. هذا إذا عد الدواء أجنبياً عن البشرة ، أما إذا عد جزءاً منها فلا إشكال حينئذ في وجوب غسله ، ويكون الوضوء تاماً. لكنه غير مفروض المسألة.

[١] لا من جهة احتمال كونها حاجباً ، لأنها عرفاً من قبيل العرض غير الحاجب. مع أنها لو كانت كذلك فهي جزء من الجبيرة. ولا من جهة احتمال أنها تمنع من تأثر المحل بالرطوبة الممسوح بها ، إذ هي ليست كذلك ، وإلا فلا بد من إزالتها.

[٢] لما تقدم في المسألة التاسعة.

[٣] على ما تقدم في المسألة الرابعة عشرة. لكن قد يشكل الإلحاق بالجبيرة ، لتعذر المسح عليه من جهة النجاسة ، وعدم ظهور الدليل في الاجتزاء بوضع خرقة عليه والمسح عليها ، لعدم عدها جزءاً منه ، بخلاف الجبيرة النجسة.

[٤] بالخاء المعجمة من الخفة ، لا بالجيم من الجفاف ـ كما هو‌

٥٥٢

إن كانت على المتعارف ، كما أنه لا يجوز وضع شي‌ء آخر عليها مع عدم الحاجة [١] ، إلا أن يحسب جزءاً منها بعد الوضع.

( مسألة ٢٥ ) : الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث [٢] ، لا مبيح.

( مسألة ٢٦ ) : الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل والتي على محل المسح من وجوه ، كما يستفاد مما تقدم ( أحدها ) : أن الأولى بدل الغسل ، والثانية بدل عن المسح ( الثاني ) : أن‌

______________________________________________________

للوجود في النسخ ـ الذي يأتي التعرض لحكمه. والوجه في عدم اللزوم إطلاق أدلة الجبيرة. وما عن الرياض من وجوبه ، لكونه أقرب إلى الحقيقة غير ظاهر في نفسه ، فضلا عن صلاحيته لتقييد الإطلاق. نعم إذا كانت خارجة عن المتعارف ، بحيث يعد مقدار منها زائداً على الجبيرة لزم رفع ذلك المقدار ، بناء على أن التعارف يوجب الانصراف عن غير المتعارف. لكن عرفت مراراً الاشكال فيه.

[١] لئلا يكون حائلا عن المسح عليها.

[٢] كما عن المختلف ، وكتب الشهيد ، وجامع المقاصد ، والمدارك حيث لم يوجبوا الاستيناف للغايات بعد زوال العذر. لظهور أدلة المقام في كون وضوء الجبيرة بمنزلة الوضوء التام في كونه مصداقاً للطهور المعتبر في الصلاة وغيرها ، ومصداقاً للوضوء الذي لا بد أن يكون عليه المكلف عند الدخول في الغايات ، كما تضمنه كثير من نصوصها ، كما تقدم في مبحث الغايات. خلافاً لما عن المبسوط ، وظاهر المعتبر ، والإيضاح ، وشرح المفاتيح ، من كونه مبيحاً ، لدعوى قصور النصوص عن إثبات الرافعية.

والانصاف يقتضي ما أشرنا إليه مراراً من أن إطلاق دليل وجوب التام يقتضي تعينه للرافعية ، وعدم وفاء الناقص بها ، ومقتضى الجمع العرفي‌

٥٥٣

______________________________________________________

بينه وبين دليل وجوب الناقص عند العجز عن التام ليس التقييد ، لتكون نتيجته كون الرافع في حال الاختيار هو التام ، وفي حال الاضطرار هو الناقص ، فيكون الاختيار والاضطرار كالسفر والحضر وغيرهما من الخصوصيات التي يختلف الحكم باختلافها ، بل الذي يقتضيه الجمع العرفي هو بدلية الناقص في ظرف سقوط التام من جهة العجز ، فيكون ملاك التام ثابتاً في حال العجز ثبوته في حال الاختيار ، غاية الأمر أنه يعذر المكلف في تركه للعجز ومقتضى ذلك عدم رافعية الناقص ، وإلا لم يتعين التام للرافعية ، مع أنه خلاف إطلاق الأدلة الأولية. وعليه فلا بد إما من الالتزام بكون الناقص مبيحاً محضاً ، أو بأن له رافعية ناقصة. وإن كان الأظهر الثاني ، فإن الجمع العرفي بين الأدلة يقضي بأن الأبدال الاضطرارية قائمة مقام التام المبدل منه في ترتب الأثر بنحو غير تام ، فأثرها من سنخ أثر المبدل منه ، لكنه من بعض مراتبه. ولا فرق بين أن يكون البدل من سنخ المبدل ، كالوضوء الناقص ، والصلاة جالساً ، أو من غير سنخه ، كالتيمم ، وعدم الرفع فيه ـ إن تمَّ ـ فهو للدليل الخاص. مع أنه غير تام ، كما يأتي إن شاء الله في محله.

وما ذكرنا مطرد في جميع الأبدال الثابتة في حال العذر عن الواقع الأولى ، فإنها يترتب عليها أثر المبدل منه ـ في الجملة ـ ولا يترتب عليها تمام الأثر ، وإلا كانت في عرض المبدل منه ، وهو خلاف إطلاق أدلته الذي عرفت أن مقتضى الجمع بينه وبين دليل مشروعية الناقص مجرد البدلية بلا تقييد للإطلاق المذكور. وقد أشرنا إلى ذلك في حكم الوضوء من الإناء المغصوب. ومنه يظهر أنه لا يجوز للمكلف إيقاع نفسه في العذر ، لأنه تفويت للواقع الأولى ، إلا أن يقوم دليل على جوازه. فتأمل جيداً.

٥٥٤

في الثانية يتعين المسح ، وفي الأولى يجوز الغسل أيضاً ، على الأقوى [١] ( الثالث ) : أنه يتعين في الثانية كون المسح بالرطوبة الباقية في الكف وبالكف [٢] ، وفي الأولى يجوز المسح بأي شي‌ء كان ، وبأي ماء [٣] ولو بالماء الخارجي ( الرابع ) : أنه يتعين في الأولى استيعاب المحل إلا ما بين الخيوط والفُرَج ، وفي الثانية يكفي المسمى [٤] ( الخامس ) : أن في الأولى الأحسن أن يصير شبيهاً بالغسل في جريان الماء [٥] ، بخلاف الثانية ، فالأحسن فيها أن لا يصير شبيهاً بالغسل [٦] ( السادس ) : أن في الأولى لا يكفي مجرد إيصال النداوة [٧] ، بخلاف الثانية ، حيث أن المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفي فيه هذا المقدار [٨] ( السابع ) : أنه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب‌

______________________________________________________

[١] وقد تقدم الكلام فيه في أوائل المبحث.

[٢] لظهور النصوص في بدلية الجبيرة عن البشرة ، فيجري عليها ما يجري عليها ، كسائر الخصوصيات.

[٣] للإطلاق.

[٤] فيما إذا كان الحكم في البشرة كذلك ـ كالرأس وعرض القدم ـ وإلا وجب الاستيعاب ـ كطول القدم ـ لما عرفت من البدلية.

[٥] قد تقدم أنه أحوط.

[٦] قد تقدم أيضاً أنه أحوط.

[٧] بل لا بد من صدق المسح بالماء ، لانصراف النصوص إليه ، كالغسل به.

[٨] للنصوص المتضمنة لذلك ، المتقدمة في مسح الوضوء.

٥٥٥

تجفيفها في الأولى [١] ، بخلاف الثانية ( الثامن ) : أنه يجب مراعاة الأعلى فالأعلى في الأولى دون الثانية [٢] ( التاسع ) : أنه يتعين في الثانية إمرار الماسح على الممسوح ، بخلاف الأولى ، فيكفي فيها بأي وجه كان.

( مسألة ٢٧ ) : لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة والمستحبة [٣].

( مسألة ٢٨ ) : حكم الجبائر في الغسل كحكمها في الوضوء [٤] واجبة ومندوبة.

______________________________________________________

[١] للإطلاق. نعم لو كانت في محل المسح لزم إذا كان يلزم من عدم التجفيف المسح بالماء الجديد. فإنه لا يجوز بمقتضى البدلية.

[٢] أخذاً بظاهر البدلية في المقامين. وكذا وجه الفرق التاسع. لكن تقدم في مسح الوضوء عدم اعتبار إمرار الماسح على الممسوح في صدق المسح به.

[٣] لما تقدم في أوائل مبحث الماء المستعمل ، من تقريب أصالة إلحاق المستحبات بالواجبات‌

[٤] وعن المنتهى وغيره الإجماع عليه. ويقتضيه صدر‌ صحيح ابن الحجاج المتقدم في صدر الفصل : « عن الكسير تكون عليه الجبائر أو يكون به الجراحة ، كيف يصنع بالوضوء وغسل الجنابة والجمعة؟ قال (ع) : يغسل ما وصل .. ». و‌في العلوي المروي عن تفسير العياشي : « سألت رسول الله (ص) عن الجبائر تكون على الكسير ، كيف يتوضأ صاحبها ، وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال (ع) : يجزئه المسح عليها في الجنابة والوضوء » (١). وما عن بعض من منع ذلك ، جمعاً بين النصوص المتقدمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ١١.

٥٥٦

وإنما الكلام في أنه هل يتعين حينئذ الغسل ترتيباً ، أو يجوز الارتماسي أيضاً [١]؟ وعلى الثاني هل يجب أن يمسح على الجبيرة تحت الماء ، أو لا يجب؟ الأقوى جوازه ، وعدم وجوب المسح ، وإن كان الأحوط اختيار الترتيب ، وعلى فرض اختيار الارتماس فالأحوط المسح تحت الماء. لكن جواز الارتماسي‌

______________________________________________________

وبين غيرها مما دل على وجوب التيمم للكسير والجريح والقريح. ضعيف ، لمخالفته للإجماع والنصوص. مع أنه جمع بلا شاهد ، ولا يساعده العرف.

وقد ذكر الأصحاب ـ قدس‌سرهم ـ للجمع بين النصوص المذكور وجوهاً لا تخلو من إشكال ، منها هذا الوجه. وإن كان الأظهر حمل تلك النصوص على غير مورد الجبيرة ، كما هو المنسبق منها ، ويقتضيه الجمع بين إطلاقها وتقييد نصوص الجبيرة بصورة وجودها ، فان الجمع بين المطلق والمقيد يقتضي ذلك. نعم يشكل الجمع بينها وبين نصوص الجرح المكشوف إلا أن تحمل على الجرح الواحد وتحمل نصوص التيمم على الجروح المتعددة وقرّب شيخنا الأعظم في طهارته الجمع بينها بحمل نصوص التيمم على صورة التضرر بغسل الصحيح ، وأخبار الجبيرة على غيرها. ولعله كما ذكر.

[١] كأن ذلك مبني على كون الغسل الارتماسي آنياً ليس له امتداد أو أن له امتداداً ، سواء كان تدريجياً أم قاراً ـ فان فيه خلافاً يأتي التعرض له إن شاء الله ـ وأن مسح الجبيرة واجب تعييناً ، أو يجزئ غسلها ـ كما تقدم من المصنف (ره) وغيره ـ فعلى الأول منهما لا يجزئ الارتماسي ، لامتناع تحقق المسح حينئذ ، وعلى غيره يجوز ، لإمكانه. وأما عبارة المصنف (ره) فلا تخلو من إشكال. ومما ذكرنا تعرف وجه الاحتياط الآتي.

٥٥٧

مشروط بعدم وجود مانع آخر من نجاسة العضو [١] وسرايتها إلى بقية الأعضاء [٢] ، أو كونه مضراً من جهة وصول الماء إلى المحل.

( مسألة ٢٩ ) : إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح أو نحوهما ، فالحال فيه حال الوضوء [٣] في الماسح كان أو في الممسوح.

( مسألة ٣٠ ) : في جواز استيجار صاحب الجبيرة إشكال [٤]

______________________________________________________

[١] لاعتبار طهارة الأعضاء قبل غسلها.

[٢] كما لو كان الارتماس في القليل.

[٣] بلا خلاف فيه على الظاهر ، كما في الحدائق ، وكأنه لا خلاف فيه ، كما عن اللوامع ، وقريب منه ما في المستند. وعلله في الحدائق : « بأن المفهوم من عموم الأخبار بدلية الجبيرة عن البشرة ، من دون فرق بين الطهارات الثلاث ». إلا أنه غير ظاهر. نعم ربما يستفاد من أول الحسنين المتقدمين للوشاء. لكن في ثانيهما التقييد بالوضوء ، ومن القريب كونهما واحدا. وقاعدة الميسور والاستصحاب لو تما لم يقتضيا الا مسح الباقي غير المجبر ، لا مسح الجبيرة ، إذ ليس هو ميسور الوضوء ، ولا مما كان ثابتاً قبل طرو العذر ، كما لا يخفى. على أن الأدلة البيانية تنفي وجوب الناقص ، كما عرفت.

[٤] يتوجه بناء على ما عرفت منا من عدم الدليل على رافعية الناقص رافعية تامة ، وأن مقتضى إطلاق الأدلة الأولية عدمها ، إذ على هذا المبنى يكون الاجتزاء به في الصلاة عن غيره يحتاج إلى دليل ، ودليل تشريعه بالنسبة إلى صلاة نفسه لا إطلاق له بالإضافة إلى الصلاة عن غيره ، إذ لا اضطرار إلى ذلك‌

٥٥٨

بل لا يبعد انفساخ الإجارة إذا طرأ العذر في أثناء المدة مع ضيق الوقت عن الإتمام واشتراط المباشرة [١] ،

______________________________________________________

ومنصرف دليل تشريعه أن الاجتزاء به مع نقصه من جهة الاضطرار ، ومقتضى إطلاق دليل اعتبار التام عدم الاجتزاء به. نعم إذا تعذر إفراغ ذمة المنوب عنه بالوضوء التام شرعت الاستنابة عنه حينئذ. ولا يتضح وجهه بناء على ما يظهر من المتن من كونه رافعاً تاماً ، بحيث لا يحتاج إلى التجديد بالنسبة إلى الصلوات اللاحقة بعد البرء ، إذ ليس حال ذي الجبيرة على هذا المبني إلا حال غيره ، كما تقدم.

ثمَّ إن الاشكال المذكور يختص بما إذا كانت الإجارة على إفراغ ذمة المنوب عنه ، أما إذا كانت على الصلاة على وضوء الجبيرة لرجاء الإفراغ فلا بأس بالإجارة ، لأن العمل على النحو المذكور مما يقصد عند العقلاء ويبذل بإزائه المال.

[١] لأن القدرة على العمل شرط في صحة الإجارة حدوثا وبقاء. لكنه يتم إذا كان شرط المباشرة على نحو التقييد ، بحيث يرجع عقد الإجارة إلى تمليك عمله نفسه ، أما لو كان مفاده تمليك عمل في ذمته وكان شرط المباشرة شرطاً زائداً على ذلك ، فالعجز إنما يوجب بطلان الشرط ، واقتضاؤه بطلان العقد محل خلاف وإشكال ، والظاهر عدمه. ولا فرق فيما ذكرنا بين أن تكون الإجارة على إفراغ ذمة المنوب عنه وبين أن تكون على العمل التام ، فإنه على الثاني أيضاً يتصور كون المباشرة ملحوظة قيداً ، وان تكون ملحوظة شرطاً ، فعلى الأول تبطل الإجارة لو طرأ العذر في الأثناء ، وعلى الثاني يبطل الشرط. ثمَّ إنه على تقدير بطلان الشرط يكون للمستأجر الخيار في الفسخ.

٥٥٩

بل إتيان قضاء الصلوات عن نفسه لا يخلو عن إشكال مع كون العذر مرجو الزوال [١] ، وكذا يشكل كفاية تبرعه عن الغير.

( مسألة ٣١ ) : إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب إعادة الصلاة التي صلاها مع وضوء الجبيرة [٢] وإن كان في الوقت بلا إشكال [٣] ،

______________________________________________________

[١] لما عرفت من عدم الدليل على صحة الوضوء وإباحته للصلاة بالنسبة إلى القضاء ، والمتيقن كونه كذلك بالنسبة إلى الأداء لا غير. وكذا الحال في تبرعه عن الغير. نعم إذا ضاق وقت القضاء عن نفسه ، وتعذر القضاء بالفعل الكامل ، جاز له أن يقضي عن نفسه. وكذا إذا تعذر القضاء عن غيره ، فإنه يشرع قضاؤه عنه ويجزئ ، كما تقدم ،

[٢] إجماعاً ، كما في المستند ، وفي الجواهر عن المنتهى وغيره ، وفي مفتاح الكرامة عنه وعن شرح المفاتيح. لكونه المتيقن من نصوص الباب.

[٣] بل إجماعاً ، كما في المستند. ودليله غير واضح لو قلنا بعدم جواز البدار لذوي الأعذار ، فإن ارتفاع العذر في الوقت مانع عن مشروعية وضوء الجبيرة ، فتكون الصلاة بلا وضوء فاسدة ، وحيث أنه لا دليل على جواز البدار ـ فان نصوص المقام مهملة من هذه الحيثية ، وإنما هي ناظرة إلى خصوص مشروعية وضوء الجبيرة عند الاضطرار ـ فالإعادة لو ارتفع العذر في الوقت لازمة. وأما نفي الاشكال في عدم وجوب الإعادة الذي ذكره في المتن ، والإجماع عليه الذي ادعاه في المستند ، فلم يتضح مأخذه ، فإن ظاهر الأصحاب وإن كان هو الاجزاء ـ كما هو ظاهر النصوص أيضاً ـ إلا أن موضوعه الصلاة الصحيحة ، وقد عرفت أنه بناء على عدم جواز البدار لا تكون الصلاة صحيحة ، فوجوب الإعادة في الوقت ليس‌

٥٦٠