مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

وإن كان كذلك [١] ، إلا أن مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه [٢].

______________________________________________________

زمان ثالث لهما ، فاستصحاب وجوده في الزمان الثالث لا يصح بلحاظ نفس الزمان المجمل المردد ، بل بلحاظ تقدير انطباقه على كل من الزمانين ثمَّ يستصحب حينئذ ، فيقال : إن كان قد حدث في الزمان الأول فهو مشكوك البقاء الى الزمان الثالث ، وإن كان قد حدث في الزمان الثاني فهو أيضاً مشكوك البقاء في الزمان الثالث ، فاذا كان مشكوك البقاء على كل تقدير ، كان محكوماً بالبقاء شرعاً كذلك ، ومجهول التاريخ في المقام ليس كذلك ، لأنه إن وجد قبل زمان معلوم التاريخ كان معلوم الارتفاع. وكذا الحال في الحادثين المجهولي التاريخ ، فان كل واحد منهما لو فرض وجوده في أول الزمانين المردد وجودهما في كل منهما ، كان معلوم الارتفاع أيضاً ، فيمتنع جريان الاستصحاب فيهما بلحاظ الزمان التفصيلي. ومثلهما الحادث المردد بين زمانين ، المعلوم الارتفاع على تقدير حدوثه في الزمان الأول ، سواء احتمل بقاؤه على تقدير حدوثه في الثاني أم علم بقاؤه. وكذا الحادث المردد حدوثه بين زمانين المعلوم الارتفاع على تقدير حدوثه في الزمان الثاني. وهذا التقريب لا يخلو من وجه. ولعله إليه يرجع بعض الوجوه المتقدمة. ولا بد من التأمل التام. ومنه سبحانه نستمد العناية وبه الاعتصام.

[١] يعني : لا يتصل فيه زمان الشك بزمان اليقين. لكن لا يتم ذلك بالنسبة إلى الحدث في صورة الجهل بتاريخ الوضوء ، ولذا تقدم منه استصحاب الوضوء في صورة الجهل بتاريخ الحدث.

[٢] لحكم العقل بوجوب الفراغ اليقيني عند شغل الذمة اليقيني. هذا‌

٥٠١

ولكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضاً [٢].

( مسألة ٣٨ ) : من كان مأموراً بالوضوء [٢] من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي وصلى فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر ، فيجب عليه الإعادة إن تذكَّر في الوقت ، والقضاء إن تذكر بعد الوقت وأما إذا كان مأموراً به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه وصلى يمكن أن يقال بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ. لكنه مشكل ، فالأحوط الإعادة أو القضاء‌

______________________________________________________

بناء على كون المرجع قاعدة الاشتغال لا استصحاب الحدث في صورة العلم بتاريخ الحدث والجهل بتاريخ الوضوء ، ولكن هذا المبنى غير ظاهر ، لأن حكم العقل بالاشتغال يتوقف على عدم البيان من الشارع ، والاستصحاب بيان ، فيكون وارداً على قاعدة الاشتغال ( ودعوى ) : أنه يكفي في الرجوع الى حكم العقل بالاشتغال عدم البيان على نفي التكليف ، وهو حاصل بمجرد الشك في الفراغ ، بلا حاجة إلى ملاحظة الحال السابقة ، فلا مجال للاستصحاب المثبت للتكليف ، ( مندفعة ) بأن الظاهر أن حكم العقل المذكور يتوقف على عدم البيان على نفي التكليف ولا على ثبوته ، لا مجرد عدم البيان على نفيه ـ كما يظهر من شيخنا الأعظم (ره) في مباحث الاشتغال ـ ليتعين الرجوع في المقام إلى قاعدة الاشتغال. لا أقل من الشك في ذلك ، فلا مجال لقاعدة الاشتغال.

[١] يعني : صورة الجهل بتاريخ الحدث والعلم بتاريخ الوضوء. والوجه في الاحتياط احتمال معارضة الاستصحاب في الطرفين والرجوع الى قاعدة الاشتغال ، الموجبة لتحصيل الطهارة.

[٢] أقول : من تيقن الحدث وشك في الطهارة ، إما أن يبقى‌

٥٠٢

______________________________________________________

شاكاً إلى زمان الصلاة ملتفتاً إلى شكه. ولا ريب حينئذ في بطلان صلاته ظاهراً ، عملا بالاستصحاب. ولا مجال لقاعدة الفراغ بعد فعل الصلاة ، إذ ليس موضوعها ما يعم صورة حدوث الشك قبل الصلاة واستمراره بعدها.

وإما أن يبقى شاكاً إلى ما بعد الصلاة ، ولكنه يغفل عن شكه ، وحكمه كالأول ، إذ لا فرق بينهما في استمرار الشك من حين حدوثه قبل الصلاة إلى ما بعدها ، ولا في جريان الاستصحاب لتحقق أركانه وهما اليقين والشك ، وإنما يفترقان في تنجز الاستصحاب وعدمه. حيث أن عدم التفات الثاني إلى كونه شاكاً مانع عن تنجز الاستصحاب في حقه.

وإما أن يغفل عن نفس المشكوك ، فيذهب شكه بالمرة لتوقف الشك على الالتفات. ولا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في حقه ، لانتفاء موضوعه ، وهو الشك ، ومجرد كونه شاكاً على تقدير الالتفات غير كاف في جريانه ، لأن ظاهر دليله اعتبار الشك الفعلي كاليقين ، وكما لا يكفي اليقين التقديري لا يكفي الشك كذلك ، وحينئذ فلا تكون صلاته حين وقوعها محكومة ظاهراً بالفساد ، ولا بكونها في حال حدث ظاهري أصلا. وعلى هذا فلو التفت بعد الصلاة وشك كان شكه حادثاً بعد الصلاة مسبوقاً بالعدم ، فتمكن دعوى جريان قاعدة الفراغ لإثبات صحة الصلاة ، وتكون مقدمة على استصحاب الحدث الجاري حينئذ لولاها ، إلا أن الظاهر من دليل القاعدة خصوص الشك الابتدائي بعد الفراغ ، فلا تشمل صورة كون المكلف شاكاً قبل الفراغ ، وإن زال شكه بالغفلة عن الواقع نعم لو احتمل بعد الفراغ أنه قد توضأ بعد الشك جرت القاعدة حينئذ ، لأن الشك في الصحة من هذه الجهة شك ابتدائي غير مسبوق بالمثل.

والظاهر من عبارة المتن التعرض للصورة الثالثة ، وحينئذ لا بد أن‌

٥٠٣

______________________________________________________

يحمل قوله : « بحسب الظاهر » على الحكم الظاهري الناشئ من استصحاب الحدث الجاري بعد الفراغ ، الذي هو المرجع بعد قصور قاعدة الفراغ عن الجريان. لكنه لا يتم بناء على ما يظهر منه في ذيل المسألة السابقة من عدم جريان الاستصحاب المثبت للتكليف في موارد جريان قاعدة الاشتغال.

وأما إذا كان جاهلا بالحال السابقة فصوره أيضاً ثلاث ، والحكم فيها كما سبق ، لما سبق. والاختلاف بينهما في ثبوت الحكم الظاهري في الأول من جهة الاستصحاب وعدمه في الثاني ، لأن قاعدة الاشتغال ليست من الأحكام الظاهرية الشرعية ، لا يصلح فارقاً بينهما في الحكم ، فإنه إذا فرض اختصاص أدلة قاعدة الفراغ بخصوص الشك الحادث بعد العمل ، الذي لم يسبق له وجود ولو مماثلا ، يكون مقتضى قاعدة الاشتغال الجارية بعد العمل هو الإعادة كمقتضى الاستصحاب. فما في المتن من نفي الاشكال في الأول ودعواه في الثاني غير ظاهر.

نعم يفترقان في أن مقتضى استصحاب الحدث في الأول وجوب الفضاء لو التفت بعد خروج الوقت ، ولا تصلح قاعدة الاشتغال لإثباته ، لأنه حكم جديد غير الحكم الأول ، فالمرجع فيه أصالة البراءة. اللهم إلا أن يرجع في إثباته حينئذ إلى استصحاب وجوب الفعل الى ما بعد خروج الوقت ، بناء على التحقيق من جريان الاستصحاب في المقيد بالزمان ، خلافاً لشيخنا الأعظم (ره) وغيره ، بدعوى تعدد الموضوع لأن الفعل المقيد بزمان غير الفعل المقيد بغيره ( وفيه ) : أنه يتم لو كان المرجع في وحدة الموضوع المعتبرة في صحة الاستصحاب هو الدليل ، أما لو كان هو العرف فهما واحد ، ولذا جرى استصحاب النجاسة إذا زال تغير الماء من قبل نفسه ، والفرق بينه وبين المقام غير ظاهر. أو أنه يرجع في إثبات‌

٥٠٤

في هذه الصورة أيضاً. وكذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين والشك في المتقدم منهما [١].

( مسألة ٣٩ ) : إذا كان متوضئاً وتوضأ للتجديد وصلى ، ثمَّ تيقَّن بطلان أحد الوضوءين ، ولم يعلم أيهما لا إشكال في صحة صلاته ، ولا يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية أيضاً ، بناء على ما هو الحق من أن التجديدي إذا صادف الحدث صح [٢].

______________________________________________________

القضاء إلى أصالة عدم الإتيان بالواجب ، بناء على أن المستفاد من دليل وجوب القضاء أن موضوعه مجرد عدم الإتيان بالواجب في الوقت ، والتعبير بالفوت في بعض النصوص لا يوجب الاقتصار عليه لو سلم كون المراد منه عنواناً وجودياً يمتنع إحرازه بأصل العدم. فتأمل.

[١] يعلم حكمها مما سبق في صور الجهل بالحال السابقة ، إذ المرجع فيها قاعدة الاشتغال. ثمَّ إن فرض الجهل هنا بالحالة السابقة في قبال تعاقب الحالتين غير ظاهر التحقق.

[٢] كما تقدم في فصل غايات الوضوء. لكن تقدم تقييده بصورة كون قصد الأمر التجديدي ليس على نحو التقييد. وعليه فنفي الإشكال في صحة الصلاة ظاهر ، لليقين بصحة أحد الوضوءين ، فيرتفع به الحدث وتصح الصلاة ، ويترتب عليه سائر الغايات.

أما بناء على عدم ارتفاع الحدث بالتجديدي لو صادفه واقعاً ، فالمحكي عن العلامة في بعض كتبه وجامع المقاصد ، وكثير من متأخري المتأخرين وجوب إعادتهما معاً ، لعدم رفع الوضوء الثاني للحدث ، وعدم إحراز صحة الأول ، فالمرجع استصحاب الحدث الموجب لبطلان الصلاة. لكن المحكي عن المبسوط ، والجامع ، وابن حمزة ، والقاضي : صحة الوضوء والصلاة ،

٥٠٥

وأما إذا صلى بعد كل من الوضوءين ثمَّ تيقن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية صحيحة [١] ، وأما الأولى فالأحوط إعادتها ، وإن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها [٢].

______________________________________________________

أما صحة الأول فلقاعدة الفراغ ـ كما عن ابن طاوس (ره) ـ ولا تُعارض بمثلها في الوضوء الثاني ، لعدم الأثر العملي لصحة التجديدي ، وإذا صح الوضوء صحت الصلاة ، لأن صحتها من آثار صحته. قال في محكي الذكرى : « وهو متجه. إلا أن يقال : اليقين حاصل بالترك وإن كان شاكاً في موضوعه ، بخلاف الشك بعد الفراغ ، فإنه لا يقين فيه بوجه ». وفيه : أن المانع من قاعدة الفراغ اليقين بالنقصان ، لا مجرد اليقين ، وقد تحقق في مبحث الشبهة المحصورة أن أدلة الأصول لا تقصر في نفسها عن شمول أطراف العلم ، وإنما المانع عنها نفس العلم الموجب لتنجز الأثر العملي ، فإذا فرض في المقام عدم تنجز أثر عملي بالعلم الإجمالي كان تحكيم أدلة قاعدة الفراغ في الوضوء الأول في محله. مع أنه لو فرض تعارض القاعدة في الوضوءين فلا مانع عن العمل بها في نفس الصلاة ، نظير الرجوع إلى استصحاب الطهارة ، أو قاعدتها في ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة بعد تعارضهما في نفس الأطراف. وهذا كله جار فيما لو قصد الأمر التجديدي في الوضوء الثاني على نحو التقييد. فلاحظ.

[١] يعني : بناء على أن الوضوء التجديدي رافع للحدث لو صادفه ولم يكن قصد التجديدي على نحو التقييد. والوجه في صحة الصلاة الثانية هو الوجه في صحتها في الفرض الأول بعينه.

[٢] كما عرفت تقريبه في الوضوء والصلاة ، وكان اللازم إجراءها في الوضوء لأنها أصل سببي.

٥٠٦

( مسألة ٤٠ ) : إذا توضأ وضوءين وصلى بعدهما ، ثمَّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما [١] ، يجب الوضوء للصلاة الآتية ، لأنه يرجع إلى العلم بوضوء وحدث والشك في المتأخر منهما. وأما صلاته فيمكن الحكم بصحتها من باب قاعدة الفراغ ، بل هو الأظهر [٢].

( مسألة ٤١ ) : إذا توضأ وضوءين وصلى بعد كل واحد صلاة ، ثمَّ علم حدوث حدث بعد أحدهما يجب الوضوء للصلوات الآتية [٣] ، وإعادة الصلاتين السابقتين [٤] إن كانا مختلفتين‌

______________________________________________________

[١] المحتمل كونه الأول ، فيصح وضوؤه الثاني وصلاته ، وكونه الثاني ، فينتقض به كل من وضوءيه وتبطل صلاته. ومنه يظهر أن الوضوء الأول معلوم الانتقاض ، والثاني محتمل الانتقاض وعدمه ، للجهل بتقدمه على الحدث وتأخره. ومحل الكلام صورة الجهل بالتأريخين معاً.

[٢] إذ لا معارض لها ، فلا مانع من الأخذ بعموم دليلها.

[٣] للوجه المتقدم في المسألة السابقة.

[٤] بلا خلاف ظاهر ، وفي الجواهر : أنه مجمع عليه. للعلم الإجمالي بفساد إحدى الصلاتين ، المانع من الرجوع الى الأصول المفرغة ، كاستصحابي الوضوء الى تمام الصلاة ، أو قاعدتي الفراغ في الصلاتين ، فيجب الاحتياط بفعلهما معاً.

هذا ومقتضى إطلاق الأصحاب عدم الفرق بين كون الصلاتين أدائيتين وقضائيتين ومختلفتين. وربما يدعى في الأخيرتين وجوب إعادة الأدائية فقط لقاعدة الاشتغال ، الموجبة لانحلال العلم الإجمالي ، المصحح للرجوع في القضائية إلى قاعدة الشك بعد خروج الوقت ( وفيه ) : أن قاعدة الشك‌

٥٠٧

في العدد ، وإلا يكفي صلاة واحدة بقصد ما في الذمة [١] جهراً إذا كانتا جهريتين ، وإخفاتاً إذا كانتا إخفاتيتين ، ومخيراً بين الجهر والإخفات إذا كانتا مختلفتين [٢] ، والأحوط في هذه الصورة إعادة كلتيهما.

______________________________________________________

بعد خروج الوقت أن كانت متكفلة لإلغاء الشك في الصحة كالغاء الشك في الوجود ، لأن موضوعها الشك في الوجود الصحيح ، ومفادها إلغاء الشك في كل من القيد والمقيد ـ أعني الشك في الوجود والشك في الصحة ـ كانت في رتبة قاعدة الفراغ ، وحينئذ فتسقط كقاعدة الفراغ الجارية في القضائية بمعارضتهما معاً بقاعدة الفراغ الجارية في الأدائية ، والمرجع في الصلاتين أصالة عدم الإتيان ، أو أصالة بقاء التكليف بهما. وإن لم تكن متكفلة إلا لإلغاء الشك في أصل الوجود الصحيح من غير جهة الشك في الصحة ـ كما هو الظاهر ـ لم يكن لها مجرى في المقام ، إذ لا شك في الوجود الصحيح بالنسبة إلى القضائية إلا من جهة الشك في الصحة ، فالمتعين الرجوع في كل من القضائية والأدائية إلى قاعدة الفراغ ، وبعد التعارض والتساقط يرجع إلى الأصول المنجّزة.

[١] لحصول القطع بالفراغ بها ، للقطع بانطباق المعلوم بالإجمال عليها.

[٢] على المشهور. لمرفوع الحسين بن سعيد الأهوازي ، المروي عن محاسن البرقي : « سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيتها هي؟ قال (ع) : يصلي ثلاثاً وأربعاً وركعتين فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلى أربعاً ، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى » (١) ‌، ونحوه مرسل علي بن أسباط عن غير واحد من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ٢.

٥٠٨

( مسألة ٤٢ ) : إذا صلى بعد كل من الوضوءين نافلة ، ثمَّ علم حدوث حدث بعد أحدهما ، فالحال على منوال الواجبين [١] ، لكن هنا يستحب الإعادة ، إذ الفرض كونهما نافلة. وأما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة ، والأخرى نافلة ، فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة ، وعدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضاً ، لأنه لا يلزم من إجرائهما فيهما طرح تكليف منجز. إلا أن الأقوى عدم جريانها ، للعلم الإجمالي [٢] ، فيجب إعادة الواجبة. ويستحب إعادة النافلة.

______________________________________________________

أصحابنا‌ (١) ، لكنه خال عن الذيل ، بناء على انجبار سندهما بالعمل بهما وإمكان التعدي عن موردهما ، ولا سيما الأول منهما ، المشتمل على الذيل الذي هو كالتعليل إلى المقام ، كما هو غير بعيد. خلافاً لما عن الشيخ رحمه‌الله والحلبي وابن زهرة والحلي وابن سعيد من عدم كفاية الواحدة المرددة ، اقتصاراً في النص على مورده. لكنه غير ظاهر ، وإن كان هو الأحوط ، كما في المتن.

[١] من الوضوء للصلوات الآتية لقاعدة الاشتغال ، وإعادة الصلاتين للعلم بفساد إحداهما ، إلا مع اتفاقهما فتكفي واحدة.

[٢] فإنه مانع من جريان الأصول النافية للتكليف ، إما لأنه يوجب قصور أدلتها عن شمول أطرافه ـ كما قيل ـ أو لأن جريان الأصل النافي للتكليف في أطرافه ترخيص في محتمل المعصية ـ كما اشتهر التعليل بذلك في كلماتهم ـ أو لأنه موجب للتضاد ونقض الغرض من جعل الحكم الواقعي كما هو التحقيق ، وعليه يبتني المنع من جريان قاعدة الفراغ في الفرض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١.

٥٠٩

______________________________________________________

المذكور في صدر المسألة. وكذا الحال في الفرض الثاني ، وهو ما إذا كانت إحدى الصلاتين فريضة ، والأخرى نافلة. وكذا كل مورد كان المعلوم بالإجمال مما يترتب عليه أثر عملي في كل واحد من أطرافه ، سواء كان لزومياً أم غير لزومي. وعليه بنى المصنف رحمه‌الله في جملة من الفروع المذكورة في المقام في هذه المسألة وغيرها. لكن كان المناسب له جعل الفرعين المذكورين في هذه المسألة من باب واحد ، مع أنه رحمه‌الله جزم في الفرع الأول بعدم جريان الأصول ، ولم يستوضح ذلك في الفرع الثاني. وكان الأولى العكس لأن أحد الطرفين في الفرع الثاني لزومي ، فيمكن دعوى كون جريان الأصل فيه ترخيصاً في المعصية ، بخلاف الفرع الأول ، فإنه لا مجال لتوهم ذلك في جريان الأصل في كل من أطرافه.

وكيف كان فمحصل هذا المبنى أن العلم الإجمالي إذا تعلق بما له أثر عملي على كل حال امتنع جريان الأصل في أطرافه ، لأنه لما كان طريقاً إلى مؤداة امتنع جعل الحكم الظاهري على خلافه ، كما يقرر ذلك في امتناع الردع عن العمل بالعلم التفصيلي ، ولا فرق في الأثر العملي بين اللزومي وغيره ، لاشتراكهما في امتناع جعل الحكم على خلافهما من جهة لزوم نقض الغرض والتناقض. وعلى هذا المبنى إذا علم بوجوب شي‌ء واستحباب آخر لم تجر قاعدة الحل في نفي وجوب الأول ، وكذا سائر القواعد النافية للتكليف ، للزوم المحذور المذكور. وكذا إذا علم بحرمة شي‌ء أو استحباب آخر أو كراهته. وكذا لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، لأن العلم الإجمالي بيان على الواقع مصحح للعقاب على مخالفته. نعم إذا علم بوجوب شي‌ء أو استحبابه يمكن أن يقال بأن الطلب في الجملة معلوم ، وكونه على وجه اللزوم غير معلوم ، فيكون من باب الأقل والأكثر ، لا من باب‌

٥١٠

( مسألة ٤٣ ) : إذا كان متوضئاً وحدث منه بعده صلاة وحدث ولا يعلم أيهما المقدم ، وأن المقدم هي الصلاة حتى تكون صحيحة ، أو الحدث حتى تكون باطلة ، الأقوى صحة الصلاة ، لقاعدة الفراغ ، خصوصاً إذا كان تاريخ الصلاة معلوماً ، لجريان استصحاب بقاء الطهارة أيضاً الى ما بعد الصلاة [١].

______________________________________________________

المتباينين ، فلا مانع من جريان الأصل في الزائد ، وهو اللزوم المحتمل ، لأنه غير معلوم ، بخلاف الفرض السابق.

نعم إذا كان العلم الإجمالي لا يقتضي وجوب الموافقة القطعية يجوز جريان الأصل النافي للوجوب ، كقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ولا يعارضها الأصل الجاري في نفي الاستحباب ، مثل استصحاب عدم الاستحباب ، لأنه يسقط بالمعارضة مع نظيره الجاري في نفي الوجوب في الرتبة السابقة ، وليس لها معارض في رتبتها. لكن هذا المبنى ضعيف ـ كما حقق في محله ـ وقد تقدم التعرض لذلك في أحكام النجاسات.

[١] فان الواجب إذا كان هو الصلاة حال الطهارة ، فإذا علم زمان الصلاة وشك في حصول الطهارة حينئذ فاستصحاب الطهارة إلى زمان آخر الصلاة يثبت به الواجب ، وهو الصلاة حال الطهارة ، ولا يعارض بأصالة عدم الصلاة إلى آخر زمان الطهارة ، لتنتفي الصلاة حال الطهارة ، لأن الشك في المقام ليس في استمرار عدم الصلاة وعدم استمراره ، وكون المفروض أن زمان حصول الصلاة معلوم ، وإنما الشك في أمر آخر ، وهو وقوع الحدث قبلها أو بعدها ، وهذا لا يرتبط بالشك في الاستمرار ، وإنما هو أمر آخر لا يثبته الاستصحاب ، إذ ليس من شأنه إلا إثبات الاستمرار والامتداد عند الشك فيه.

٥١١

( مسألة ٤٤ ) : إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزءاً منه ولا يدري أنه الجزء الوجوبي أو الجزء الاستحبابي ، فالظاهر الحكم بصحة وضوئه [١] ، لقاعدة الفراغ ، ولا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابي ، لأنه لا أثر لها بالنسبة اليه. ونظير ذلك ما إذا توضأ وضوءاً لقراءة القرآن ، وتوضأ في وقت آخر وضوءاً للصلاة الواجبة ، ثمَّ علم ببطلان أحد الوضوءين ، فان مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة ، ولا تعارض بجريانها في القراءة أيضاً ، لعدم أثر لها بالنسبة إليها.

______________________________________________________

هذا مضافاً إلى إمكان تأتي الوجه الخامس من وجوه المنع من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ المتقدمة في المسألة السابعة والثلاثين ، وإن كانت هذه المسألة غير تلك المسألة ، فإن موضوع هذه المسألة ما إذا كان حادثان يجهل تقدم أحدهما على الآخر ، وكان الأثر الشرعي مترتباً على عدم أحدهما في زمان الآخر ، وتلك المسألة موضوعها الحادثان المجهول تقدم أحدهما على الآخر ، وكان الأثر الشرعي مترتباً على بقاء أحدهما. ونظير المقام ما إذا علم تاريخ موت الموروث وشك في تاريخ موت الوارث ، فان استصحاب حياة الوارث إلى زمان موت الموروث جار ، بخلاف استصحاب عدم موت الموروث الى زمان موت الوارث ، فإنه لا يجري ولا يعارضه.

[١] ولا ينافي ما تقدم من أن العلم الإجمالي مانع من جريان الأصول ولو لم يلزم ترخيص في المعصية ، فإن ذلك يختص بما إذا كان متعلقاً بأثر عملي ، أعني : ما يكون مقتضياً للفعل أو الترك ، ولو على نحو الاقتضاء الاستحبابي. ومنه يظهر أنه لو توضأ لقراءة القرآن وقبل أن يقرأ علم إجمالا بفساد وضوئه أو فساد وضوء تقدم منه لصلاة فريضة حاضرة ، لا مجال‌

٥١٢

( مسألة ٤٥ ) : إذا تيقن ترك جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء ، فان لم تفت الموالاة رجع وتدارك وأتى بما بعده [١]. وأما إن شك في ذلك ، فاما أن يكون بعد الفراغ ، أو في الأثناء فإن كان في الأثناء رجع وأتى به [٢].

______________________________________________________

لجريان قاعدة الفراغ في وضوء الفريضة ، للعلم الإجمالي بالأثر العملي على كل حال ، فإطلاق المتن في ذيل المسألة غير ظاهر ، وكأن الإطلاق غير مراد. ثمَّ إن الظاهر من الفرض الذي جعله نظيراً للمقام صورة ما إذا وقع الوضوء الثاني بعد الحدث ـ كما هو ظاهر ـ ولذا احتيج في تصحيح الصلاة الواقعة بعد الوضوء الثاني إلى قاعدة الفراغ ، إذ لو لا ذلك كانت الصلاة صحيحة قطعاً ، فلا مجال لتوهم بعض المحشّين.

[١] وعن الذكرى : أنه مذهب الأصحاب ، وعن شرح المفاتيح : أنه إجماعي. وتقتضيه الأخبار المتقدمة في شرطية الترتيب والموالاة ، وما في ذيل‌ صحيح زرارة الآتي : « وإن تيقنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقيناً حتى تأتي على الوضوء ». أما أصل الرجوع في الجملة فينبغي أن يكون ضرورياً ، ضرورة أن فوات الجزء يوجب فوات الكل.

[٢] بلا خلاف ، كما عن المدارك ، والحدائق ، والمفاتيح ، بل عن شرحي الدروس والمفاتيح دعوى الإجماع ، بل عن ثانيهما نقله عن جماعة. لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا كنت قاعداً على وضوئك ، فلم تدر أغسلت ذراعيك أو لا ، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ، ما دمت في حال الوضوء ، فاذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها ، فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءك‌

٥١٣

______________________________________________________

لا شي‌ء عليك فيه .. » (١).

نعم يعارضه‌ موثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء ، إنما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » (٢). لا سيما مع اعتضاده بعموم ما دل على إلغاء الشك بعد التجاوز ، كصحيح زرارة : « إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (٣) ‌، ونحوه صحيح إسماعيل ابن جابر‌ (٤). وهذا التعارض مبني على رجوع الضمير في‌ « غيره » ‌إلى الشي‌ء ، لأنه متبوع ، لا إلى الوضوء ، لأنه تابع ، وجهة التابعية والمتبوعية أولى عرفاً بالملاحظة من جهة القرب والبعد ، كما لا يخفى على من لاحظ النظائر. والجمع العرفي بين الموثق والصحيح يكون بحمل الصحيح على الاستحباب. لكن الإجماع المتقدم مما يأبى ذلك ، فيتعين حمله على بعض المحامل ، مثل أن تجعل كلمة « من » في قوله (ع) : « من الوضوء » ‌على البيانية دون التبعيضية ، وإرجاع الضمير في قوله (ع) : « في غيره » ‌إلى الوضوء لا إلى الشي‌ء.

فإن قلت : قوله (ع) في ذيل الموثق : « إنما الشك .. » ‌يمتنع أن يراد منه خصوص الشك في شي‌ء من الوضوء ، لمنافاته لإطلاق الشي‌ء في قوله (ع) : « إذا كنت في شي‌ء » ‌، بل عليه كان اللازم أن يقال إذا كنت في وضوء لم تجزه ، وإرادة مطلق الشك في شي‌ء من كل عمل يوجب منافاة منطوقه لقاعدة التجاوز المسلمة في غير الوضوء ، لدلالته على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الركوع حديث : ٤.

٥١٤

______________________________________________________

لزوم الاعتناء بالشك ما دام في العمل ، وهو مناف لقاعدة التجاوز ، فيتعين إرجاع الضمير في‌ « غيره » ‌إلى الشي‌ء ، لا إلى الوضوء ، لتكون الشرطية الأولى من صغريات قاعدة التجاوز المشار إليها بمفهوم الحصر في الذيل ، ويكون مفاد منطوق الحصر قاعدة الشك في المحل ، فترجع المعارضة بين الموثق والصحيح.

قلت : يمكن حمل الشرطية في صدر الموثق بعد إرجاع ضمير‌ « غيره » ‌إلى الوضوء على مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، من دون تعرض لانتفائه عند الانتفاء ، وحينئذ يكون الحصر في الذيل بلحاظ إطلاق مفهومه الموافق لمنطوق الشرطية ، لا بلحاظ إطلاق منطوقه ، بل يكون منطوقه مهملا ، فلا ينافي قاعدة التجاوز الثابتة في غير الوضوء ، ولا تكون الشرطية الأولى على هذا منافية للصحيح ، لأن المنافاة موقوفة على ثبوت المفهوم لها والمفروض عدمه. وبالجملة : يمكن حمل الشرطية في الصدر على مجرد قاعدة الفراغ التي هي مفاد مفهوم الحصر في الذيل أيضاً ، ولا يكون للشرطية مفهوم ، ولا لمنطوق الحصر إطلاق ، فلا يكون الموثق حينئذ منافياً للصحيح المتقدم ، ولا لما دل على قاعدة التجاوز في غير المقام.

أو يجعل ذيل الموثق ناظراً إلى قاعدتي التجاوز والشك في المحل مع رفع التنافي بين صدره وذيله ، بالالتزام بأن الوضوء في نظر الشارع عمل واحد ، لا يتحقق التجاوز عن بعض أجزائه إلا بالتجاوز عنه بتمامه. والمسوغ لارتكاب هذه المحامل في الموثق ـ مع أنها خلاف الظاهر ـ الإجماع المتقدم على عدم العمل بظاهره.

كما أنه يبقى إشكال آخر وهو أن مقتضى إطلاق مفهوم الذيل في الموثق عدم الاعتناء بالشك في جزء من غسل الوجه بعد الفراغ منه والدخول في‌

٥١٥

وبما بعده [١] وإن كان الشك قبل مسح الرجل اليسرى في غسل الوجه مثلا أو في جزء منه [٢]. وإن كان بعد الفراغ في غير الجزء الأخير بنى على الصحة ، لقاعدة الفراغ [٣].

______________________________________________________

غسل اليد مع أن مقتضى ذيل الصحيح وجوب الاعتناء به. ويندفع بوجوب تقييد الإطلاق المذكور بالصحيح المتقدم.

[١] لما دل على اعتبار الترتيب.

[٢] إجماعاً. لإطلاق الصحيح.

[٣] المعول عليها عندهم ، بل استفاض نقل الإجماع عليها أو تواتر وتقتضيها كثير من النصوص ، كصحيح زرارة المتقدم‌ ، و‌خبر ابن مسلم : « كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه » (١). و‌الآخر له : « كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو » (٢). و‌موثق بكير : « قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ. قال (ع) : هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (٣) ‌، وغيرها. المعتضدة بالسيرة القطعية ، وبناء العقلاء. نعم الاشكال فيما يتحقق به الفراغ في المقام ، فالمحكي عن جماعة تحققه بفعل الجزء الأخير إذا كان الشك في غيره ، وإن لم يدخل في شي‌ء آخر ، وعن الروضة والمدارك الإجماع عليه وعن مجمع البرهان وغيره نسبته إلى ظاهر الأصحاب. ويقتضيه ظاهر خبري ابن مسلم‌ وموثق بكير‌.

نعم قد يعارضهما ما في صحيح زرارة المتقدم من‌ قوله (ع) : « فاذا قمت من الوضوء وفرغت وصرت في حال أخرى .. » ‌، وكذا ما في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

٥١٦

______________________________________________________

صدر‌ موثق ابن يعفور من قوله (ع) : « ودخلت في غيره ». لكن يوهن الأول ما في صدر الصحيح من‌ قوله عليه‌السلام : « إذا كنت قاعداً على وضوئك‌ .. ( إلى قوله عليه‌السلام ) : ما دمت في حال الوضوء‌ » ، فإنه موجب لظهور الذيل في كونه تصريحاً بمفهوم الصدر ، ولا يعارض باحتمال كون الصدر تصريحاً بمفهوم الذيل ، فإنه خلاف الأصل. ولذا اشتهر أن التصرف في الذيل أولى من التصرف في الصدر ، لأن مأنوسية الذهن به توجب حمل الذيل عليه مهما أمكن. مع أن الظاهر أن قوله عليه‌السلام : « وفرغت » ‌تفسير للقيام من الوضوء ، كما أن القعود على الوضوء المذكور في صدر الرواية يراد منه الاشتغال بالوضوء ، وقوله عليه‌السلام : « حال أخرى » ‌يعني : غير حال الوضوء ، فالمدار في عدم الاعتناء بالشك أن يكون في حال غير حال الوضوء. ويوهن الثاني ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم احتمال المفهوم للشرطية المذكورة ـ ما في ذيله من الحصر ، الظاهر في كونه بمنزلة الكبرى له ، وحيث أن الموضوع في الحصر مجرد التجاوز المساوق للفراغ ، يكون العمل عليه. هذا ولو سلم عدم الترجيح المذكور فلا أقل من الاجمال ، الموجب للرجوع إلى إطلاق النصوص المتقدمة ، المقتضية للاكتفاء بمجرد الفراغ.

ومما ذكرنا يظهر أن‌ قول الصادق عليه‌السلام! في من شك في غسل عضو من أعضاء الغسل : « فان دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شي‌ء عليه » (١) محمول على غير ظاهره من عدم إرادة المفهوم للشرطية ، إذ لا يعتبر في قاعدة الفراغ في الغسل الدخول في الصلاة إجماعاً. فتأمل جيداً.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الجنابة حديث : ٢.

٥١٧

وكذا إن كان الشك في الجزء الأخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر [١] ، أو كان بعد ما جلس طويلا ، أو كان بعد القيام عن محل الوضوء ، وإن كان بعد ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة ، وإلا استأنف.

______________________________________________________

[١] أقول : قد عرفت أنه لا يعتبر في إجراء قاعدة الشك بعد الفراغ أكثر من تحقق الفراغ ، وقد عرفت تحققه بفعل الجزء الأخير إذا كان الشك في وجود ما قبله. وإنما الإشكال في ما يتحقق به إذا كان الشك في الجزء الأخير ، والمختار في الجواهر تحققه بأحد أمرين. الأول : اشتغاله بفعل آخر وانتقاله إلى حال أخرى ولو بطول الجلوس ، والثاني : حصول اليقين له بالفراغ آناً ما. فاذا لم يحصل كل منهما وجب فعل المشكوك.

وشيخنا الأعظم رحمه‌الله في طهارته أنكر الاكتفاء بالثاني ، إذ الوجه فيه إن كان هو حجية نفس اليقين بعد زواله فلا دليل عليها ، وما دل على عدم جواز نقض اليقين بالشك مختص باليقين بالحدوث والشك في البقاء ، فلا يشمل اليقين الزائل بالشك ، الراجع إلى قاعدة الشك الساري. وإن كان ظهور حال المتيقن في مطابقة يقينه للواقع ، فلا دليل أيضاً على حجية الظهور المذكور إلا في مورد الشك بعد الفراغ ، وإثبات الفراغ بمجرد اليقين الزائل غير ظاهر الوجه.

أقول : إن ثبت اعتبار عنوان الفراغ في جريان قاعدة الفراغ ـ كما هو ظاهر النصوص على ما تقدم ـ فالمراد به إما الفراغ الحقيقي ، أو الادعائي أو البنائي. والأول موجب لسقوط القاعدة عن الحجية ، إذ مهما شك في الجزء فقد شك في الفراغ الحقيقي ، فلا يمكن التمسك بها لإثباته. والثاني مما لا يمكن الالتزام به ، لتحققه بفعل معظم الأجزاء ، ولا ريب‌

٥١٨

______________________________________________________

في عدم جريان القاعدة حينئذ ، فإنه خلاف الصحيح المتقدم. فلا بد أن يكون المراد الأخير الحاصل بمجرد انتهاء العمل لاعتقاد تمامه. وليس ذلك للبناء على حجية اليقين بعد زواله ، أو على حجية ظهور حال المتيقن كي يطالب بالدليل على ذلك ، بل هو تعبد بالدليل الدال على إلغاء الشك بعد الفراغ بعد وجوب حمل الفراغ فيه على ما ذكر. وعلى هذا فالقيام وطول الجلوس والاشتغال بما يضاد الوضوء مما لا دخل لها في تحقق الفراغ ، الذي هو تمام موضوع إلغاء الشك ، وإنما هي دخيلة في إحرازه فقط ، فإذا أحرز بطريق آخر وجب ترتيب الحكم عليه.

نعم لو بني في إثبات وجود المشكوك على التمسك بقاعدة التجاوز ، كان لاعتبار الدخول في الغير المضاد عرفاً للوضوء من قيام أو عمل آخر وجه. إلا أنه خلاف المفروض من التمسك بقاعدة الفراغ. مع أن التحقيق عدم الاكتفاء في تحقق التجاوز الذي هو موضوع قاعدة التجاوز بالدخول في المضاد للمشكوك ، إذ لا ترتيب شرعي بينهما ، فالاكتفاء به موقوف على الاكتفاء بالتجاوز العادي ، الذي هو خلاف التحقيق.

وبالجملة : الفراغ بأي معنى أخذ لا يتوقف على الدخول في الغير أو القيام أو نحوهما ، بل هي متوقفة عليه ، فيقال : فرغت فقمت. ولا يقال : قمت ففرغت. فكيف يصح اعتبارها فيه؟. ويوضح ما ذكرنا امتناع التفكيك بين الفراغ بالإضافة إلى غير الجزء الأخير وبينه بالإضافة إليه ، ومن المعلوم أن تحقق الفراغ في الأول بفعل الجزء الأخير ليس لخصوصية فيه ، وإلا لتعذر الفراغ في الثاني ، فلا تجري فيه القاعدة أصلا ، بل لتحقق الفراغ بنظر الفاعل ، فلا بد أن يكون كذلك بالإضافة إلى الجزء الأخير أيضاً. وكذا الحال لو بني على الجمود على ما في النصوص من المضي ، وكون‌

٥١٩

( مسألة ٤٦ ) : لا اعتبار بشك كثير الشك [١] ، سواء كان في الأجزاء ، أو في الشرائط أو الموانع‌

______________________________________________________

الشك بعد العمل ، أو بعد الجواز ، فإنه أيضاً يمتنع إرادة المفهوم الحقيقي من الأمور المذكورة أو الادعائي ، فيتعين إرادة البنائي.

وعلى هذا فالأمور المذكورة في المتن غير كافية في جريان القاعدة ، إلا إذا أحرز بها الفراغ البنائي ، كما أن فقدها لا يمنع من جريانها ، إذا أحرز الفراغ البنائي من طريق آخر. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره في الجواهر من تحقق الفراغ بأحد أمرين ، فإنه إن رجع الأول إلى الثاني فهما أمر واحد ، وإلا فتحققه بالأول غير ظاهر.

[١] كما عن الحلي في السرائر ، وجماعة من المتأخرين ، كالشهيدين والمحقق الثاني ، والسيد في المدارك ، وغيرهم. ويستدل له بما ورد في إلغاء شك كثير الشك في الصلاة ، كصحيح ابن مسلم : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ، فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان » (١) ‌وما‌ في مصحح زرارة وأبي بصير : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود ، فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرن نقض الصلاة ، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. ثمَّ قال (ع) : إنما يريد الخبيث أن يطاع ، فاذا عصي لم يعد إلى أحدكم » (٢). و‌صحيح ابن سنان : « ذكرت لأبي عبد الله (ع) رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة ، وقلت : هو رجل عاقل. فقال أبو عبد الله (ع) وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له : وكيف يطيع الشيطان؟

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

٥٢٠