مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

وإلا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته [١]. بل لو علم من حاله أنه لا يبالي بالنجاسة ، وأن الطاهر والنجس عنده سواء يشكل الحكم بطهارته [٢] ، وإن كان تطهيره إياه محتملا. وفي اشتراط كونه بالغاً ، أو يكفي ولو كان صبياً مميزاً ، وجهان ، والأحوط ذلك نعم لو رأينا أن وليه ، مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه ، يجري عليه بعد غيبته آثار الطهارة ، لا يبعد البناء عليها [٣]. والظاهر إلحاق الظلمة والعمى بالغيبة [٤] مع تحقق الشروط المذكورة.

______________________________________________________

فيه واقعاً. بل لعل الأخير متعين ، كما يظهر بأدنى تأمل.

[١] لأن مطهرية الغيبة من قبيل القاعدة الظاهرية ، التي لا تجري مع العلم بالواقع.

[٢] لعدم ثبوت الظهور الشخصي الذي هو الحجة على الطهارة ، والقدر المتيقن من السيرة صورة وجوده. لكن عرفت ثبوت السيرة فيه أيضاً ، ومثله الصبي المميز. نعم يمكن الإشكال في غير المميز إذا كان مستقلا ، أما إذا كان تابعاً لغيره كان كسائر متعلقاته من لباسه وفراشه ، داخلا في معقد السيرة أيضاً.

[٣] أخذاً بظاهر حال الولي. إلا أن الاشكال في حجية الظهور المتعلق بالغير ، وليس بناؤهم على حجيته في غير المقام ، ولم يثبت قيام السيرة عليه في المقام ، بعد البناء على عدم قيامها على البناء على الطهارة مطلقاً ، كما هو مبنى المصنف (ره). فتأمل.

[٤] لقيام الظهور ، الذي هو حجة ، لقيام السيرة عليه كقيامها فيما سبق. نعم في ثبوت السيرة مع عدم الظهور إشكال ولذا لم يلحق الظلمة‌

١٤١

ثمَّ لا يخفى أن مطهرية الغيبة إنما هي في الظاهر ، وإلا فالواقع على حاله [١]. وكذا المطهر السابق ـ وهو الاستبراء ـ بخلاف سائر الأمور المذكورة ، فعد الغيبة من المطهرات من باب المسامحة ، وإلا فهي في الحقيقة من طرق إثبات التطهير.

( مسألة ١ ) : ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف [٢] ، ولا مسح النجاسة عن الجسم الصقيل [٣] كالشيشة ، ولا إزالة الدم بالبصاق [٤] ، ولا غليان الدم في المرق [٥] ، ولا خبز العجين النجس [٦] ،

______________________________________________________

والعمى بالغيبة في الجواهر ، إلا أنه أطلق ، ولم يفصل بين حصول الظهور وعدمه. ولعل مراده صورة عدم الظهور.

[١] إذ ذلك هو المستفاد من الدليل فيه وفي الاستبراء.

[٢] وإن حكى عن المفيد والسيد. وقد تقدم في أول المياه.

[٣] لما يظهر من كثير من النصوص من اعتبار الماء في التطهير ، فما عن السيد والمفاتيح من مطهرية المسح المذكور ضعيف مخالف لتلك النصوص. مع أنه لا دليل عليه يعتمد ، والأصل ينفيه. إلا أن يكون مراده عدم سراية النجاسة إلى الملاقي الصقيل. لكن فيه : أنه مخالف للإجماع بل الضرورة من الدين ، ولكثير من الأخبار. كذا في الجواهر.

[٤] وإن نسب إلى السيد (ره) القول به. لرواية غياث : « لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق » (١). إذ هي لا تصلح لمعارضة ما عرفت من النصوص مع ما هي عليه من الهجر.

[٥] كما تقدم الكلام فيه في نجاسة الدم.

[٦] كما تقدم في الاستحالة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

١٤٢

ولا مزج الدهن النجس بالكر الحار [١] ، ولا دبغ جلد الميتة [٢]. وإن قال بكل قائل.

( مسألة ٢ ) : يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه ، بعد التذكية ، ولو فيما يشترط فيه الطهارة ، وإن لم يدبغ على الأقوى [٣].

______________________________________________________

[١] كما تقدم في مطهرية الماء. لكن المصنف (ره) هناك لم يستبعد الطهارة. فراجع.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية ، ونهاية الأحكام ، والذكرى : الإجماع عليه ، وعن غيرها الإجماع عليه من غير ابن الجنيد ، فأفتى بالطهارة بالدبغ ، لأن المقتضي للتنجيس هو اتصال الرطوبات به ، فاذا زالت بالدبغ كان طاهراً. ويشهد له‌ خبر الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن أو الماء ، أفأشرب منه وأتوضأ؟ قال (ع) : نعم. وقال (ع) : يدبغ وينتفع به ، ولا يصلى فيه » (١). إلا أن الوجه الأول استحسان ليس من مذهبنا العمل به. والحديث مهجور مخالف لما عرفت من الإجماعات ، وفي محكي التذكرة : « الحديث ممنوع ، لما تواتر عن أهل البيت (ع) من منع ذلك » ، ونحوه محكي الذكرى والروض وغيرهما. وقد تقدم بعض الكلام في هذه المسألة في مبحث نجاسة الميتة. فراجع.

[٣] لكون المفروض حصول الطهارة لها بالتذكية ، بناءً على قبولها لها ـ كما سيأتي ـ فلا مانع من جواز الاستعمال. مع أنه مقتضى الأصل. وإطلاق‌ موثق سماعة : « سألته عن جلود السباع يُنتفع بها؟ قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٦‌

١٤٣

نعم يستحب أن لا يستعمل مطلقاً إلا بعد الدبغ [١].

( مسألة ٣ ) : ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو من أسواقهم محكوم بالتذكية [٢] ، وإن كانوا ممن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ.

( مسألة ٤ ) : ما عدا الكلب والخنزير من الحيوانات‌

______________________________________________________

إذا رميت وسميت فانتفع بجلده » (١). و‌موثقه الآخر : « عن جلود السباع. فقال عليه‌السلام : اركبوها ولا تلبسوا شيئاً منها تصلون فيه » (٢) ‌ونحوه غيره. وعن الشيخ والسيد وغيرهما المنع من استعماله قبل الدبغ ، بل عن الذكرى نسبته إلى المشهور. وليس له دليل ظاهر ، سواء أكان ذلك منهم للبناء على توقف الطهارة على الدبغ ، أم على وجوب الدبغ تعبداً ، لوضوح كون كل منهما خلاف الأصل ، وخلاف إطلاق ما عرفت.

[١] كما في الشرائع وغيرها. وليس عليه دليل ظاهر إلا الخروج عن شبهة الخلاف. وما عن بعض الكتب عن الرضا (ع) : « دباغة الجلد طهارته » (١) بعد عدم إمكان العمل به على ظاهره ـ من نجاسة الجلد مطلقاً ـ وامتناع حمله على جلد الميتة ، كما هو مذهب ابن الجنيد ـ كما تقدم ـ فيتعين حمله على الاستحباب. لكن إثبات الاستحباب بهذا المقدار غير واضح ، بل الأوفق بالقواعد الطرح.

[٢] كما عرفت في مبحث نجاسة الميتة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٣) كتاب فقه الرضا (ع) ، في باب اللباس وما يكره فيه الصلاة بعد باب الصناعات قبل باب العتق والتدبير. لكن العبارة هكذا : ( وإن كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة وغير الميتة بعد ما يكون مما أحل الله أكله فلا بأس به. وكذلك الجلد ، فان دباغته طهارته ).

١٤٤

التي لا يؤكل لحمها قابل للتذكية [١] ، فجلده ولحمه طاهر بعد التذكية.

( مسألة ٥ ) : يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد مع عدم تنجسه ، كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس والبغل والحمار [٢] ، وملاقاة الفأرة الحية مع الرطوبة مع ظهور أثرها [٣] ، والمصافحة مع الناصبي بلا رطوبة [٤].

______________________________________________________

[١] قد تقدم في أواخر مبحث نجاسة البول الكلام في المقام. فراجع.

[٢] للأمر بالغسل منه في جملة من النصوص ، كصحيح عبد الرحمن : « يغسل بول الحمار والفرس والبغل » (١). و‌حسن محمد بن مسلم : « عن أبوال الدواب والبغال والحمير. فقال (ع) : اغسله ، فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله ، فان شككت فانضحه » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما المحمولة على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين ما تضمن نفي البأس فيه (٣) كما تقدمت الإشارة إليه في مبحث نجاسة البول.

[٣] لرواية ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أيصلى فيها؟ قال (ع) : اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره انضحه بالماء » (٤).

[٤] لرواية خالد القلانسي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ألقى الذمي فيصافحني. قال (ع) : امسحها بالتراب وبالحائط. قلت :

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب النجاسات حديث : ٢ ، ١٤.

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

١٤٥

ويستحب النضح ـ أي الرش ـ بالماء في موارد ، كملاقاة الكلب [١] والخنزير [٢] والكافر [٣] بلا رطوبة ،

______________________________________________________

فالناصب. قال (ع) : اغسلها » (١).

المحمولة على صورة عدم الرطوبة بقرينة حكم الذمي.

[١] ففي حديث الأربعمائة : « تنزهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله ، وان كان جافاً فلينضح ثوبه بالماء » (٢) ‌ونحوه صحيح ابن جعفر (ع) (٣) ، ومرسل حريز‌ (٤) ، وخبر علي‌ (٥) ، وغيرها.

[٢] ففي خبر علي بن محمد ( جعفر. خ. ل ) : « عن خنزير أصاب ثوباً وهو جاف ، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال (ع) : نعم ينضحه بالماء ، ثمَّ يصلي » (٦). و‌في صحيح ابن جعفر (ع) : « عن الرجل أصاب ثوبه خنزير. قال (ع) : إن كان دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه ، إلا أن يكون فيه أثر فيغسله » (٧).

[٣] ففي صحيح الحلبي : « عن الصلاة في ثوب المجوسي. فقال (ع) : يرش بالماء » (٨).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب النجاسات حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٧) الوسائل باب : ١٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٨) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

١٤٦

وعرق الجنب [١] من الحلال [٢] ، وملاقاة ما شك في ملاقاته لبول الفرس والبغل والحمار [٣] ، وملاقاة الفأرة الحية مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها [٤]. وما شك في ملاقاته للبول أو الدم أو المني [٥] ،

______________________________________________________

[١] ففي خبر أبي بصير : « عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتى يبتل القميص ، فقال (ع) : لا بأس. وإن أحب أن يرشه بالماء فليفعل » (١) ‌، ونحوه خبر علي بن أبي حمزة‌ (٢).

[٢] أما لو كان من الحرام فقد تقدم القول بنجاسته.

[٣] لحسن محمد بن مسلم المتقدم.

[٤] لما تقدم من رواية ابن جعفر (ع).

[٥] لرواية ابن الحجاج عن الكاظم (ع) : « عن رجل يبول بالليل ، فيحسب أن البول أصابه ولا يستيقن ، فهل يجزؤه أن يصب على ذكره إذا بال ولا يتنشف؟ قال (ع) : يغسل ما استبان أنه قد أصابه ، وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه .. » (٣). و‌مصحح ابن سنان : « عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم. قال (ع) : إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ، ثمَّ صلى فيه ولم يغسله ، فعليه أن يعيد ما صلى وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة. وإن كان يرى أنه أصابه شي‌ء ، فنظر فيه فلم ير شيئاً ، أجزأه أن ينضحه بالماء » (٤). والاقتصار في الجواب على ذكر الجنابة كأنه من باب المثال ، وإلا يلزم إهمال الجواب عن حكم الدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

١٤٧

وملاقاة الصفرة الخارجة من دبر صاحب البواسير [١] ، ومعبد اليهود والنصارى والمجوس إذا أراد أن يصلي فيه [٢]. ويستحب المسح بالتراب أو بالحائط في موارد ، كمصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة [٣] ، ومس الكلب والخنزير بلا رطوبة [٤] ، ومس الثعلب والأرنب.

______________________________________________________

[١] لرواية صفوان : « سأل رجل أبا الحسن (ع) وأنا حاضر ، فقال : إن بي جرحاً في مقعدتي ، فأتوضأ ، ثمَّ أستنجي ، ثمَّ أجد بعد ذلك الندى والصفرة تخرج من المقعدة ، أفأعيد الوضوء؟ قال (ع) : قد أيقنت. قال : نعم. قال (ع) : لا ، ولكن رشه بالماء ، ولا تعد الوضوء » (١) ‌، ونحوه صحيح البزنطي‌ (٢). لكن موردهما الجرح لا البواسير.

[٢] كما تقدم في المسألة الرابعة بعد عدد النجاسات.

[٣] لرواية خالد القلانسي المتقدمة‌.

[٤] وليس له دليل ظاهر ـ كما عن جماعة الاعتراف به ـ وإن حكي عن الوسيلة وظاهر المقنعة والنهاية الوجوب ، بل عن الأولين زيادة مس الثعلب والأرنب ، الذي لم يعثر على ذكر له في النصوص. وكأن المصنف (ره) اعتمد على فتوى الجماعة تسامحاً منه في أدلة السنن. لكن كان عليه ذكر مس الفأرة والوزغة ، لذكره في الكتب الثلاثة ، بل عن المبسوط استحبابه لمس كل نجاسة يابسة. ثمَّ إن وجه الحكم باستحباب الغسل أو المسح أو النضح في جميع ما ذكر مع أن ظاهر بعض أدلته‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٤.

١٤٨

فصل

إذا علم نجاسة شي‌ء يحكم ببقائها [١] ما لم يثبت تطهيره. وطريق الثبوت أمور : « الأول » : العلم الوجداني « الثاني » :

شهادة العدلين بالتطهير [٢] ، أو بسبب الطهارة [٣] ، وإن لم يكن مطهراً عندهما أو عند أحدهما ، كما إذا أخبرا بنزول المطر على الماء النجس بمقدار لا يكفي عندهما في التطهير مع كونه كافياً عنده ، أو أخبرا بغسل الشي‌ء بما يعتقدان أنه مضاف وهو عالم بأنه ماء مطلق ، وهكذا « الثالث » : اخبار ذي اليد [٤] وإن لم يكن عادلا « الرابع » : غيبة المسلم ، على التفصيل الذي سبق [٥] « الخامس » : إخبار الوكيل في التطهير بطهارته [٦].

______________________________________________________

الوجوب هو الإجماع المدعي ، أو القرينة القطعية على عدم الوجوب. والله سبحانه أعلم.

فصل‌

[١] للاستصحاب.

[٢] لما عرفت من تقريب عموم حجيتها في مباحث المياه.

[٣] وحينئذ يثبت المسبب بالدلالة الالتزامية ، وإن لم يعتقد الشاهد بالسببية.

[٤] لما تقدم ، وتقدم أن الوجه اعتبار عدم ما يوجب اتهامه.

[٥] وقد سبق الكلام فيه. فراجع.

[٦] للسيرة المستمرة القطعية في سائر الأعصار المأخوذة يداً عن يد في تطهير الجواري والنساء ونحوهن ثياب ساداتهن ورجالهن ، بل لعل‌

١٤٩

« السادس » : غسل مسلم له بعنوان التطهير ، وإن لم يعلم أنه غسله على الوجه الشرعي أم لا ، حملاً لفعله على الصحة. « السابع » : إخبار العدل الواحد عند بعضهم. لكنه مشكل [١].

( مسألة ١ ) : إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه تساقطا [٢] ، ويحكم ببقاء النجاسة. وإذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ما عدا العلم الوجداني ، تقدم البينة [٣].

______________________________________________________

ذلك من الضروريات. كذا في الجواهر. وقال أيضاً : « إن تتبع الأخبار بعين الانصاف والاعتبار يورث القطع بالاكتفاء بنحو ذلك ، وبأن كل ذي عمل مؤتمن على عمله ، كالأخبار الواردة في القصارين (١) ، والجزارين‌ (٢) والجارية المأمورة بتطهير ثوب سيدها‌ (٣) ، وأن الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة » ‌(٤). لكن جملة مما ذكر من قبيل مورد الطريق السادس غالباً.

[١] لما تقدم في مباحث المياه من قصور آية النبإ عن إثبات حجيته وأنه لو تمت الدلالة عليها تمكن دعوى كون رواية مسعدة‌ مانعة عنها. فراجع.

[٢] لأصالة التساقط المحررة في محلها. إلا إذا كان أحدهما رافعاً لمستند الآخر ، فيكون مقدما عليه ، ويجب العمل به.

[٣] لقصور أدلة حجية المعارض عن شمول مثل ذلك حتى الأخبار‌

__________________

(١) الوافي ، كتاب الطهارة ، باب التطهير من مس الحيوانات حديث : ٢١. والتهذيب باب المكاسب حديث : ٢٦٣ وتقدم في نجاسة الكافر ج ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام الذبائح حديث : ١. لكن بعنوان سوق المسلمين.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب النجاسات حديث : ١ لكن دلالته محل إشكال.

(٤) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب النجاسات حديث : ١.

١٥٠

( مسألة ٢ ) : إذا علم بنجاسة شيئين ، فقامت البينة على تطهير أحدهما غير المعين ، أو المعين واشتبه عنده ، أو طهر هو أحدهما ثمَّ اشتبه عليه ، حكم عليهما بالنجاسة ، عملا بالاستصحاب [١] ، بل يحكم بنجاسة ملاقي كل منهما.

______________________________________________________

الدالة على حجية خبر ذي اليد. فتأمل جيداً.

[٤] لعموم دليل حجيته ، ، الشامل لكل واحد منهما. والعلم الإجمالي غير مانع عنه ، لعدم منافاة الأصل لمقتضاه. كما أنه لا يلزم من عموم الدليل للطرفين التناقض بين الصدر والذيل ـ كما ذكره شيخنا الأعظم (ره) في رسائله ـ بتقريب : أن اليقين الإجمالي يوجب تطبيق قوله (ع) في ذيل الدليل : « ولكن تنقضه بيقين آخر » ‌بالإضافة إلى المعلوم بالإجمال ، وهو يناقض تطبيق صدره ، وهو قوله (ع) : « لا تنقض اليقين بالشك » ‌بالإضافة إلى كل واحد من الطرفين مناقضة الإيجاب الجزئي للسلب الكلي. إذ التناقض انما يلزم لو كان مفاد الذيل حكماً شرعياً ، وهو ممتنع ، لامتناع حجية اليقين شرعاً ، بل هو حكم عقلي ، والحكم العقلي في الفرض يمنع من جريان الاستصحاب في المعلوم بالإجمال ، لعدم اجتماع أركانه فيه ، ولا يمنع من جريانه في كل واحد من الطرفين ، لاجتماع أركانه فيهما معاً. نعم إذا كان للمعلوم بالإجمال أثر عملي لزومي امتنع جريان الاستصحاب في واحد من الأطراف ، وكذلك بقية الأصول ، كما تقدمت الإشارة إليه في أحكام النجاسات. لكن فرض المسألة ليس كذلك. مع أنه لو سلم لزوم التناقض بين الصدر والذيل ، وأن ذلك مانع من شمول الدليل للطرفين فذلك يختص بالدليل المشتمل على الذيل المذكور ، ولا يطرد في غيره مما لم يشتمل على الذيل المذكور ، وبعض أدلة الاستصحاب خال عنه ، وإجمال‌

١٥١

______________________________________________________

ما فيه الذيل لا يلازم إجمال ما هو خال عنه ، فيرجع إليه في أطراف العلم الإجمالي ، كما يرجع إليه في الشبهة البدوية. اللهم إلا أن يدعى ظهور الذيل بنحو يعارض جميع أدلة الاستصحاب. لكنه ممنوع جداً. ولو سلم لم يكن فرق بين المقام وبين ما إذا توضأ بمائع مردد بين البول والماء ، مع أنه قدس‌سره بنى على جريان استصحاب طهارة الأعضاء ، وبقاء الحدث ، مع العلم ببطلان أحدهما.

وأشكل من ذلك ما ذكره بعض الأعاظم في وجه المنع من أن الاستصحاب من الأصول المحرزة التي هي واسطة بين الأصول التعبدية ـ مثل قاعدة الطهارة ـ وبين الامارة ، لتضمن دليله إلغاء الشك ولزوم العمل على إحراز الواقع ، ولذا يقوم مقام القطع المأخوذ موضوعاً على نحو الطريقية فإذا كان دليله يقتضي جعل العلم تعبداً في مورده ، فلو جرى في تمام الأطراف كان ذلك تناقضاً ، ضرورة وضوح المناقضة بين العلم بالطهارة في كل من الأطراف مع العلم بالنجاسة في واحد منها. إذ فيه : أن العلم التعبدي بالطهارة لا يضاد العلم الوجداني بالنجاسة إلا مع تضاد مقتضاهما ، فاذا فرضنا أن العلم الإجمالي بالطهارة لا أثر له ، فكيف يكون مضاداً للعلم التفصيلي التعبدي بالنجاسة؟ إذ ليس العلم التعبدي إلا جعل الحكم الثابت للعلم ، وجعل حكم العلم بالنجاسة في كل من الأطراف لا يضاد العلم الحقيقي بالطهارة في الواحد المردد ، لأن الطهارة المعلومة بالإجمال ليست حكماً اقتضائياً ، ليزاحم جعل أحكام النجاسة في الطرفين ، كيف ولازم ما ذكره ( قده ) المنع من جريان الأصول حتى لو لم تكن محرزة لعين ما ذكر في وجه المنع في المحرزة ( وبالجملة ) : ما ذكره قدس‌سره من الفرق بين الأصول المحرزة وغيرها من الغموض بمكان. وتمام المسألة في الأصول.

١٥٢

لكن إذا كانا ثوبين ، وكرر الصلاة فيهما ، صحت [١]،

( مسألة ٣ ) : إذا شك بعد التطهير وعلمه بالطهارة ، في أنه هل أزال العين أم لا؟ أو أنه طهره على الوجه الشرعي أم لا؟ يبني على الطهارة [٢] ، إلا أن يرى فيه عين النجاسة ولو رأى فيه نجاسة ، وشك في أنها هي السابقة ، أو أخرى طارئة ، بنى على انها طارئة [٣].

( مسألة ٤ ) : إذا علم بنجاسة شي‌ء ، وشك في أن لها عيناً أم لا ، له أن يبني على عدم العين [٤] ، فلا يلزم الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على تقدير وجودها ، وإن كان أحوط.

( مسألة ٥ ) : الوسواسي يرجع في التطهير إلى المتعارف [٥] ، ولا يلزم أن يحصل له العلم بزوال النجاسة.

______________________________________________________

ولازم جريان الاستصحاب في كل واحد من الأطراف الحكم بنجاسة الملاقي ، لأن من أحكام النجس نجاسة ملاقية.

[١] للعلم بوقوع الصلاة في الطاهر.

[٢] لقاعدة الصحة ، الجارية بعد الفراغ.

[٣] لأن رؤية النجاسة لا تخرج التطهير الصادر منه عن كونه مورداً لقاعدة الصحة بعد الفراغ.

[٤] لأن وجود العين من موانع التطهير شرعاً ، ويمكن إحراز عدمها بالأصل ، كسائر الموانع. نعم لو كانت العين حاجبة عن وصول الماء إلى المحل ، فأصالة عدمها لا تثبت وصوله اليه ، إلا بناء على الأصل المثبت. أو يدعى قيام السيرة عليه بالخصوص ، كما ادعي في التطهير من الحدث.

[٥] إذ لا ريب في عدم سقوط وجوب التطهير عليه ، بل الثابت‌

١٥٣

فصل في حكم الأواني‌

( مسألة ) : لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة [١] ، من الأكل والشرب والوضوء والغسل. بل الأحوط عدم استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة أيضاً [٢] ، وكذا غير الظروف من جلدهما ، بل وكذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال [٣] ، فإن الأحوط ترك جميع الانتفاعات منهما. وأما ميتة ما لا نفس له ـ كالسمك ونحوه ـ فحرمة استعمال جلده غير معلوم [٤] ،

______________________________________________________

عدم الاعتبار بوسواسه ، ولازم ذلك الرجوع إلى ما هو المتعارف عند غيره.

فصل في أحكام الأواني‌

[١] لأنه بعد البناء على نجسة الجلد ينجس المظروف ، فلا يجوز أكله ، ولا شربه ، ولا غير ذلك مما يعتبر في جوازه الطهارة. فمرجع عدم جواز الاستعمال إلى عدم جواز الأمور المذكورة.

[٢] قد تقدم في مبحث نجاسة الميتة ، وفي أحكام النجاسات ، أن الأقوى جواز الانتفاع بها مطلقاً ، بنحو الاستعمال وغيره.

[٣] قال في كشف الغطاء : « الظاهر أن الانتفاع به لوقود الحمام أو لغيره ، أو لجعله بواً ، أو لإطعام الكلاب ، أو في بناء ، أو غيرها أو للتوصل إلى قتل بعض الحيوانات المؤذية ونحو ذلك ، ليس من الاستعمال ».

[٤] لاختصاص أدلة المنع بغيرها ، بل ظاهر الجواهر وغيرها المفروغية‌

١٥٤

وإن كان أحوط. وكذا لا يجوز استعمال الظروف المغصوبة مطلقاً [١]. والوضوء والغسل منها مع العلم باطل مع الانحصار [٢] ،

______________________________________________________

عن الجواز. نعم مقتضى الجمود على بعض العبارات كبعض النصوص‌ (١) هو الحرمة ، لكنه محمول على إرادة الميتة النجسة لا غير.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. ويشهد به‌ موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « إن رسول الله (ص) ، قال : من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، فإنه لا يحل دم امرء مسلم ، ولا ماله إلا بطيبة نفسه » (٢). والمراد منه التصرف ، لا خصوص الاستعمال ، ولا مطلق الانتفاع. ويشهد به‌ التوقيع المروي عن الاحتجاج وإكمال الدين « لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه » (٣) ‌، فان به يرتفع إجمال الفعل المقدر في قوله (ع) : « لا يحل دم .. ».

[٢] الوضوء من الإناء المغصوب ( تارة ) : يكون بالارتماس فيه ( واخرى ) : بصب ما فيه على الأعضاء ( وثالثة ) : بالاغتراف منه. والظاهر أن موضوع كلام المتن هو الأخير ، وهو ( تارة ) : يكون بالاغتراف منه تدريجاً ، حسب ترتيب غسل الأعضاء ( واخرى ) : باغتراف تمام المقدار المحتاج إليه في الوضوء دفعة واحدة ( والأولى ) هي موضوع حكمه بالبطلان مطلقاً ولو مع عدم الانحصار. والوجه فيه : دعوى كون الوضوء من الإناء المغصوب استعمالا عرفاً للإناء المغصوب ، فيكون محرماً شرعاً ، واقتضاء ذلك للبطلان في صورة عدم الانحصار واضح ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١ ، ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الانفعال حديث : ٦.

١٥٥

______________________________________________________

تحريمه مانع من التقرب المعتبر في العبادة ، التي منها الوضوء إجماعاً ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ فيبطل بدونه. وأما في صورة الانحصار فيبتني البطلان على عدم صلاحية وجوب الوضوء لمزاحمة تحريم الغصب ، كما هو الظاهر ، المتسالم عليه عند الأصحاب. وإلا فلو صلح لذلك ، لوجود ملاكه في حال انطباقه على الاستعمال المحرم ، كان المورد من صغريات مسألة الاجتماع ، فيمكن التقرب بالفعل على تقدير تقديم جانب الأمر. لقوة ملاكه ، أو سقوط الأمر والنهي معاً لتساوي ملاكيهما ، فتصح الطهارة حينئذ.

هذا ولكن الدعوى المذكورة ـ أعني : كون الوضوء من الإناء استعمالا له ـ ممنوعة موضوعاً وحكماً ( أما الأول ) فلأن الاستعمال عبارة عن إعمال الشي‌ء فيما يصلح له. والإناء إنما يصلح للطرفية ، فاستعماله إنما يكون بجعله ظرفاً للماء ، وأما غسل الوجه بالماء المأخوذ منه فإنما يكون استعمالا للماء لا للإناء ، ( وأما الثاني ) فلما عرفت من أن المستفاد من الأدلة كون تحريم المغصوب إنما هو بمعنى تحريم التصرف فيه ، كما هو الجاري على ألسنتهم ، ويقتضيه التوقيع الشريف المتقدم ـ كما عرفت ـ فلو كان الاستعمال تصرفاً حرم وإلا فلا.

ولأجل منع الدعوى المذكورة فصل جماعة بين صورتي الانحصار وعدمه ، فحكموا بالبطلان في الأولى وبالصحة في الثانية. أما الصحة في الثانية ، فلأن الغرفة الأولى المأخوذة من الإناء بعد صيرورتها في الكف يكون حالها حال الماء الموجود في الإناء المملوك ، فيجوز استعمالها في الطهارة كما يجوز استعماله فيها ، وكذا حال بقية الغرفات. وأما البطلان في الأولى فلأنه بأخذ الغرفة الأولى ـ حيث يحرم عليه أخذ ما عداها ـ لا يكون واجداً للماء ، كي يشرع في حقه الوضوء ، وإذ لا أمر بالوضوء يمتنع التقرب‌

١٥٦

______________________________________________________

بغسل العضو بتلك الغرفة ، فلو غسله بها كان باطلا.

فان قلت : يكفي وجود الملاك في قصد التقرب. قلت : نعم ، لكن لا دليل على وجود الملاك هنا ، بل مقتضى الجمع بين قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... ) (١) وقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ... ) (٢) ‌تقييد الأولى بالثانية ، فيكون وجوب الوضوء مشروطاً بالوجدان ، فيكون ملاكه مشروطاً به أيضاً ، وحيث أن الوجدان أعم من العقلي والشرعي ، يكون تحريم الاغتراف شرعاً موجباً لصدق عدم وجدان الماء ، وينتفي معه ملاك الوضوء. مع أن الالتزام بوجود الملاك في ظرف ملازمة فعل الوضوء لارتكاب محرّم يقتضي اختصاص سقوطه ومشروعية التيمم بصورة كون ملاك التحريم أقوى ، إذ لو كان ملاكه أضعف من ملاك الوضوء أو مساوياً سقط التحريم ، وشرع الوضوء ، مع أن بناء الأصحاب على ثبوت التحريم ، وسقوط الوضوء ، ومشروعية التيمم ، في جميع موارد لزوم فعل الوضوء لارتكاب محرَّم ( ودعوى ) : أن تحريم ذلك المحرم مطلقاً مانع من صدق الوجدان وموجب لمشروعية التيمم ( مندفعة ) بأن التحريم إنما يمنع من صدق الوجدان لو لم يسقط بمزاحمة وجوب الوضوء الذي هو أهم وإلا فلا يمنع قطعاً. وبالجملة : بناء الأصحاب على مشروعية التيمم إذا توقفت الطهارة المائية على ارتكاب أي محرم كان ، وعدم أعمالهم قواعد التزاحم ، يكشف عن بنائهم على إناطة ملاك الطهارة المائية بالوجدان وعدم التحريم.

هذا ولكن يمكن أن يقال : إطلاق آية الوضوء يقتضي كون وجوبه‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) المائدة : ٦ ، والنساء : ٤.

١٥٧

______________________________________________________

مطلقاً غير مشروط بالوجدان ، فيكون ملاكه كذلك. ويقتضيه الإجماع المحكي على حرمة إراقة الماء بعد الوقت. وأما استفادة كونه مشروطاً بالوجدان من جهة الجمع العرفي بينها وبين آية التيمم ـ حسب ما ذكر ـ فغير ظاهر في مثل هذا القيد ، كما يظهر من ملاحظة نظائره. فإنه إذا قيل : إذا جاءك زيد فقدم له تمراً ، فان لم تجد فماء بارداً. لا يفهم منه أن ملاك حسن تقديم التمر مشروط بوجدانه. وبالجملة : القيود الاضطرارية ليست كغيرها من القيود. مثلا إذا قيل : تجب الصلاة تماماً على الناس ، وإذا سافروا قصّروا. يقيد الكلام الأول بالثاني ، ونتيجة الجمع بالتقييد أنه تجب الصلاة تماماً على غير المسافرين ، وتجب قصراً على المسافرين ، فيكون ملاك وجوب التمام مشروطاً بعدم السفر ، كما أن ملاك القصر مشروط بالسفر ، فيكون كلٌّ من التمام والقصر واجباً في غير مورد الآخر ، ويكون في عرضه. وهذا بخلاف القيود الاضطرارية ، فإذا قيل : تجب الصلاة قياماً ، وفي حال الاضطرار تجب جلوساً. لا يفهم أن ملاك القيام مشروط بالاختيار ، بل يفهم أن ملاكه مطلق غير مشروط بالاختيار ، وأن تشريع الجلوس من جهة الضرورة ، لا لقصور ملاك القيام. وملاحظة النظائر من الابدال الاضطرارية تستوجب وضوح ما ذكرنا.

ويزيده وضوحاً بناء الأصحاب ( قدهم ) على بدلية الابدال الاضطرارية إذ لا معنى لبدلية الجلوس عن القيام في الصلاة ، إذا كان ملاك القيام مشروطاً بالاختيار ، ولذا لم يكن بناؤهم على بدلية القصر عن التمام ، كما كان بناؤهم على بدلية التيمم عن الوضوء أو الغسل ، حتى أن المكلف ينوي البدلية عند فعل التيمم ، ولا ينوي البدلية عند فعل القصر ، كما لا ينوي بدلية التمام عن القصر. وبالجملة : لا ريب في صحة نية البدلية‌

١٥٨

______________________________________________________

في الأبدال الاضطرارية ، ولا تصح نية البدلية في غيرها من موارد التقييد وليس ذلك إلا لما ذكرنا من وجود الملاك في حال الاضطرار في موارد الابدال الاضطرارية ، وعدم وجود الملاك في غيرها من الموارد ، مثل القصر والتمام ، فليس القصر بدلا عن التمام ، ولا التمام بدلا عن القصر ، والتيمم بدل عن الوضوء ، وليس الوضوء بدلا عن التيمم. فهذا الاختلاف دليل واضح على ما ذكرنا.

وأما بناء الأصحاب على عدم إعمال قواعد التزاحم بين وجوب الطهارة المائية وتحريم ما يلازم فعلها ، فيمكن أن يكون لفهمهم من الوجدان في آية التيمم ، ما كان بالنظر إلى غير وجوب الوضوء ، كما هو غير بعيد وسيأتي في مبحث التيمم إن شاء الله بيانه.

وعليه فلا بأس بدعوى صحة الوضوء لو اغترف تدريجاً ، بناءً على ما عرفت توضيحه في مسألة وجوب تطهير المسجد من كفاية الملاك في صحة العبادة ، ولا حاجة إلى فعلية الأمر. هذا كله لو لم يجب عليه التفريغ ، أما لو وجب فوجب الاغتراف مقدمة له ، فلا مجال للإشكال في صحة الوضوء ، ولو لم يكن الاغتراف بقصد التفريغ ، إذ ملاك الوجوب الغيري لا يتوقف على قصد ذي المقدمة ، كما هو محرر في محله.

وأما الوضوء بنحو الارتماس ، فان تمَّ كونه تصرفاً في الإناء كان الحكم فيه البطلان مطلقاً ولو مع عدم الانحصار ، للوجه المتقدم في توجيه ما في المتن من أن حرمة الوضوء مانعة عن صحة التقرب به. نعم قد يشكل صدق كونه تصرفاً فيه عرفاً إذا لم يوجب تموُّج الماء على السطح الداخل للإناء ، ولا حركته عليه ، أما إذا أوجب ذلك فالظاهر أنه تصرف فيه بلحاظ ما يترتب عليه من التموّج على السطح المذكور. وأما إذا كان‌

١٥٩

بل مطلقاً. نعم لو صب الماء منها في ظرف مباح فتوضأ أو اغتسل صح [١] ، وإن كان عاصياً من جهة تصرفه في المغصوب.

( مسألة ١ ) : أواني المشركين وسائر الكفار محكومة بالطهارة [٢] ، ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة المسرية.

______________________________________________________

بنحو الصب على كل عضو فالكلام فيه هو الكلام فيما لو كان بنحو الاغتراف منه ، إذ ليس هو تصرفاً في الإناء ، ليكون محرَّماً ، وإنما التصرف فيه حمله وإفراغه من الماء ، لكنه مما لا يتحد في الخارج مع الوضوء ، كي يكون من صغريات مسألة الاجتماع. وحينئذ فصحة الوضوء وعدمها مبنيان على وجود الملاك وعدمه ، وحيث عرفت أن مقتضى الأدلة وجوده ، فلا بأس بدعوى الصحة. والكلام في الغسل هو الكلام في الوضوء بعينه فلاحظ.

[١] لعدم صدق الاستعمال في الإناء المغصوب ، وإنما يصدق الاستعمال في الإناء المباح.

[٢] كما هو المعروف ، بل عن كشف اللثام الإجماع عليه. لقاعدة الطهارة. وأما التعليل‌ في صحيح ابن سنان : « سأل أبي أبا عبد الله (ع) : وأنا حاضر : إني أعير الذمي ثوبي ، وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، فيرده عليّ فأغسله قبل أن أصلي فيه. فقال أبو عبد الله (ع) صلّ فيه ، ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنه نجسه ، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه » (١). فإنما يدل على حجية الاستصحاب في المقام ، فلا يجري إلا عند اجتماع أركانه. نعم يؤيد القاعدة في المقام ما دل على طهارة الثياب التي يعملها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

١٦٠