مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

لو وجدت كلمة من القرآن في كاغذ ، أو نصف الكلمة [١] ، كما إذا قص من ورق القرآن أو الكتاب يحرم مسها أيضاً.

( مسألة ٩ ) : في الكلمات المشتركة بين القرآن وغيره المناط قصد الكاتب [٢].

______________________________________________________

من الأصحاب عدم العمل به ، ولذا لم يتعرضوا لاستثناء مورده. نعم استدل (ره) ـ مضافاً الى الخبر المذكور ـ بالحرج. وكأنه يريد الإشارة الى أن الدراهم المسكوكة في عصر الأئمة (ع) كانت مكتوباً عليها القرآن فلو حرم المس لزم الحرج المؤدي إلى الهرج والمرج ، وانتفاء ذلك يدل على انتفاء التحريم. وما ذكره (ره) قريب ، ولكنه لا يخلو من تأمل ، ولو تمَّ لجرى في اسم الله تعالى ، فان تلك الدراهم مكتوب عليها كلمة التوحيد والشهادة بالرسالة. واحتمال اختصاص الدراهم بالجواز ضعيف ، لأن هذا الاختصاص لو كان لبان ولم يبق على هذا الخفاء.

ثمَّ لو تمَّ الجواز في الدراهم لم يبعد الاقتصار في الحرمة على المصحف فلا يشمل الآيات المكتوبة على الجدار ونحوه مما لم يصدق عليه المصحف.

[١] مع ثبوت عنوان القرآن لها ، وإلا فقد يكون للهيئة القائمة بالحروف دخل فيه ، فمع ارتفاع الهيئة بالفصل لا مانع من المس ، كما لو كتب آية من القرآن بحب الحنطة ، ثمَّ شوّش الترتيب ، فإنه يجوز مس الحب مع كونه مادة للكتابة.

[٢] فإنه المتعين بعد عدم إمكان الالتزام بالحرمة ولو مع قصد غير القرآن ، ولا الالتزام بالإباحة مع قصد القرآنية. بل لعله يمكن دعوى اعتبار القصد حتى في المختص ، لعدم صدق كتابة القرآن بدونه ، كما قيل في القراءة أيضاً ، بل لعله الظاهر ، كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

٢٨١

( مسألة ١٠ ) : لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ ، واللوح ، والأرض ، والجدار ، والثوب ، بل وبدن الإنسان [١] ، فإذا كتب على يده لا يجوز مسه عند الوضوء ، بل يجب محوه أولا ثمَّ الوضوء.

( مسألة ١١ ) : إذا كتب على الكاغذ بلا مداد فالظاهر عدم المنع من مسه ، لأنه ليس خطاً. نعم لو كتب بما يظهر أثره بعد ذلك فالظاهر حرمته [٢] ، كماء البصل فإنه لا أثر له إلا إذا أحمي على النار.

( مسألة ١٢ ) : لا يحرم المس من وراء الشيشة [٣] وإن كان الخط مرئياً ، وكذا إذا وضع عليه كاغذ رقيق يرى الخط‌

______________________________________________________

ويمكن الفرق بأن الكتابة للشي‌ء عبارة عن ترتيب الحروف بنحو يحكي عن ذلك الشي‌ء ، فيصدق ولو مع عدم قصده ، ولا كذلك القراءة للشي‌ء ، فإنها تتوقف على ملاحظة المقروء. لكن التأمل يقضي بأنه إن لوحظت إضافة الكتابة أو القراءة إلى الشي‌ء نحو إضافة الفعل إلى مفعوله ، توقف الصدق على لحاظ المفعول ، وإن لوحظت الإضافة بمعنى اللام لم تتوقف على لحاظ المضاف اليه ، ولا فرق بين القراءة والكتابة وأمثالهما. وعليه فعدم اعتبار قصد الكاتب في المختص يتوقف على ظهور الدليل في كون الإضافة بمعنى اللام لا من إضافة الفعل إلى مفعوله ، وهو محل تأمل أو منع. اللهم إلا أن يستفاد تحريم المس مع عدم القصد من تنقيح المناط. فتأمل.

[١] للإطلاق.

[٢] لوجوده واقعاً وإن لم يدركه الحس ، فيشمله الإطلاق.

[٣] فإنه ليس مساً حقيقياً للكتابة.

٢٨٢

تحته ، وكذا المنطبع في المرآة. نعم لو نفذ المداد في الكاغذ حتى ظهر الخط من الطرف الآخر لا يجوز مسه [١] ، خصوصاً إذا كتب بالعكس فظهر من الطرف طرداً.

( مسألة ١٣ ) : في مس المسافة الخالية التي يحيط بها الحرف كالحاء أو العين ـ مثلاً ـ إشكال ، أحوطه الترك [٢].

( مسألة ١٤ ) : في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه على الأرض أو غيرها إشكال ، ولا يبعد عدم الحرمة ، فإن الخط يوجد بعد المس [٣]. وأما الكتب على بدن المحدث وإن كان الكاتب على وضوء فالظاهر حرمته [٤] ، خصوصاً إذا كان بما يبقى أثره [٥].

( مسألة ١٥ ) : لا يجب منع الأطفال والمجانين من المس [٦] ،

______________________________________________________

[١] للإطلاق ، الشامل للكتابة المقلوبة ، كما تقدم.

[٢] لكنه ضعيف لخروجه عن الكتابة.

[٣] مضافاً إلى الإشكال المتقدم في مس الكتابة إذا كانت بالحفر.

[٤] وإن كان مقتضى الجمود على لفظ مس الكتابة عدمها ، لاتحاد الماس والممسوس ، إلا أن الظاهر من المس ما يعم الفرض.

[٥] أما إذا لم يبق أثره فالظاهر عدم الحرمة ، لعدم تحقق الكتابة حقيقة بل هو صورة كتابة. بل يمكن الاشكال فيما يبقى أثره بأن المس يتوقف على الاثنينية بين الماس والممسوس ، وهي غير حاصلة في الفرض. اللهم إلا أن يستفاد ذلك بتنقيح المناط.

[٦] كما قوّاه في الجواهر ، وحكي عن روض الجنان وغيره. للأصل وقصور النصوص عن إثباته ، لاختصاص دلالتها بالتحريم على الماس المرفوع‌

٢٨٣

إلا إذا كان مما يعد هتكاً. نعم الأحوط عدم التسبب لمسهم [١]. ولو توضأ الصبي المميز فلا إشكال في مسه ، بناءً على الأقوى من صحة وضوئه وسائر عباداته [٢].

( مسألة ١٦ ) : لا يحرم على المحدث مس غير الخط من ورق القرآن حتى ما بين السطور والجلد والغلاف [٣]. نعم يكره ذلك. كما أنه يكره تعليقه وحمله.

______________________________________________________

عن الطفل والمجنون بحديث رفع القلم‌ (١). وعن ظاهر المعتبر والمنتهى والسرائر وغيرها الوجوب. لمنافاته للتعظيم. ولإطلاق الآية ، وعدم اختصاص الخطاب فيها بالماس. وفيه : أن التعظيم غير واجب ، والآية قد عرفت الإشكال في التمسك بها. نعم لو أمكن التمسك بها كان إطلاقها محكماً ، لو لا دعوى السيرة على الجواز ، بل لو لا وضوح الجواز للزم الهرج والمرج المؤديان إلى السؤال ، وتعرف الحال ، كما لا يخفى بأدنى تأمل.

[١] لكنه ضعيف ، للأصل ، وإن قلنا بحرمة التسبيب الى فعل الحرام لعدم كونه حراماً في حق الطفل ، نظير ما إذا اضطر المكلف إلى شرب النجس فحلَّ له ذلك ، فإنه يجوز التسبب إلى وقوعه. واحتمال شمول النص للمس ولو ببدن الغير خلاف الظاهر.

[٢] لعموم أدلة المشروعية ، وقصور حديث رفع القلم عن الحكومة عليها ، لأن ذلك خلاف الامتنان كما نبهنا عليه سابقاً.

[٣] كما هو المعروف ، بل ظاهر غير واحد أنه من المسلَّمات ، وعن المنتهى وفي الحدائق نفي الخلاف فيه. ولأجل ذلك حُمل النهي عن مس المصحف وتعليقه في رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة‌ (٢) على الكراهة. مضافاً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

(٢) تقدمت في أوائل الفصل عند الكلام في وجوب الوضوء لمس القرآن. وكذا مرسل حريز.

٢٨٤

( مسألة ١٧ ) : ترجمة القرآن ليست منه [١] بأي لغة كانت ، فلا بأس بمسها على المحدث [٢]. نعم لا فرق في اسم الله تعالى بين اللغات [٣].

( مسألة ١٨ ) : لا يجوز وضع الشي‌ء النجس على القرآن وان كان يابساً ، لأنه هتك [٤] ، وأما المتنجس فالظاهر عدم البأس به مع عدم الرطوبة ، فيجوز للمتوضئ أن يمس القرآن باليد المتنجسة ، وان كان الأولى تركه.

( مسألة ١٩ ) : إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث أكله [٥] ، وأما للمتطهر فلا بأس ، خصوصاً إذا كان بنية الشفاء أو التبرك.

______________________________________________________

إلى أنه مقتضى الجمع بينه وبين ما‌ في مرسل حريز من قوله (ع) : « ومس الورق ». نعم عن السيد (ره) القول بمضمونها. ولا يحضرني كلامه. ولعل محمله محمل الرواية.

[١] لأن القرآن عبارة عن الألفاظ المخصوصة ، فلا يعم كل لفظ حاكٍ عن المعني.

[٢] للأصل.

[٣] لصدق اسمه تعالى على كل ما كان حاكياً عن الذات الأحدية بأي لغةٍ كان.

[٤] لا مجال للعرف في تشخيص الهتك بوضع النجس أو المتنجس ، لأن النجاسة فيهما ليست من الأمور العرفية ، ومجرد حكم الشارع بها لا يوجب صدق الهتك عندهم ، بل المرجع فيه ارتكاز المتشرعة. ولأجل ذلك يمكن الفرق بين النجس والمتنجس ، وإن كان كل منهما نجساً.

[٥] إذا استلزم مس الكتابة ولو بباطن البدن ، لما عرفت من عدم‌

٢٨٥

فصل في الوضوءات المستحبة‌

( مسألة ١ ) : الأقوى ـ كما أشير إليه سابقاً ـ كونه مستحباً في نفسه [١] ، وإن لم يقصد غاية من الغايات ، حتى الكون على الطهارة ، وإن كان الأحوط قصد إحداها.

( مسألة ٢ ) : الوضوء المستحب أقسام ( أحدها ) : ما يستحب في حال الحدث الأصغر فيفيد الطهارة منه. ( الثاني ) : ما يستحب في حال الطهارة منه كالوضوء التجديدي. ( الثالث ) : ما هو مستحب في حال الحدث الأكبر ، وهو لا يفيد طهارة [٢] وإنما هو لرفع الكراهة ، أو لحدوث كمالٍ في الفعل الذي يأتي به ، كوضوء الجنب للنوم ، ووضوء الحائض للذكر في مصلاها.

______________________________________________________

الفرق بين الظاهر والباطن. ومع ذلك غير ظاهر. أما لو لم يستلزم المس كما لو تفرقت أجزاء اللقمة بالمضغ على نحو زالت الهيئة المعتبرة في صدق القرآن ـ كما تقدم ـ جاز الأكل.

فصل في الوضوءات المستحبة‌

[١] قد عرفت أنه محل تأمل. وقد عرفت أنه يكفي في جواز التقرب بالوضوء مع قطع النظر عن غاية من الغايات كونه مأموراً به ، وهو معلوم على كل حال ، وخصوصية كون الأمر نفسياً أو غيرياً لا توجب اختلافاً في صحة التقرب.

[٢] يعني من الحدث الأكبر. لكن لا يبعد أن يفيد مرتبة من الطهارة.

٢٨٦

أما القسم الأول فلأمور ( الأول ) : الصلوات المندوبة [١] : وهي شرط في صحتها أيضاً ( الثاني ) : الطواف المندوب [٢] ، وهو ما لا يكون جزءاً من حج أو عمرة ولو مندوبين. وليس شرطاً في صحته. نعم هو شرط في صحة صلاته [٣] ( الثالث ) : التهيؤ للصلاة في أول وقتها [٤] ، أو أول زمان إمكانها إذا لم يمكن‌

______________________________________________________

[١] كما تقدم.

[٢] بلا ريب ، كما في الجواهر ، ومحل وفاق ، كما في المفتاح. وقد يقتضيه إطلاق‌ خبر علي بن الفضل عن أبي الحسن (ع) : « إذا طاف الرجل بالبيت وهو على غير وضوء فلا يعتد بذلك الطواف ، وهو كمن لم يطف » (١). اللهم إلا أن يحمل على طواف الفريضة جمعاً. وقد يقتضيه‌ النبوي المشهور : « الطواف بالبيت صلاة » (٢). ولكن الظاهر منه أنه في غير ما نحن فيه وأمثاله من الأحكام.

[٣] كما تقدم.

[٤] كما عن جماعة ، منهم العلامة والشهيد. للمرسل عن الذكرى من‌ قولهم عليهم‌السلام : « ما وقر الصلاة من أخر الطهارة لها حتى يدخل وقتها » (٣). وعن النهاية أنه قال : « للخبر ». مضافاً إلى ما دلّ على استحباب إيقاع الصلاة في أول وقتها أو أول زمان إمكانها من النصوص الكثيرة. وما دل على استحباب المسارعة إلى فعل الخير. لكنه يتم بناءً على عدم وجوب الوضوء قبل الوقت ، كما هو المتسالم عليه ظاهراً. وما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الطواف حديث : ١١.

(٢) كنز العمال في الفصل الرابع في الطواف والسعي حديث : ٢٠٦ ، : ج ٣ ص ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

٢٨٧

______________________________________________________

عن كشف اللثام ، من أن الخبر لم أعثر عليه ، وأما الاعتبار فلا أرى الوضوء المقدم إلا ما يفعل للكون على الطهارة ، ولا معنى للتأهب للفرض. ضعيف ، إذ يكفي في المقام ـ بناءً على التسامح ـ إرسال الشهيد والعلامة للخبر. والاستحباب للكون غير الاستحباب للتهيؤ ، لاختلاف موضوعيهما فللمكلف الإتيان بالوضوء بداعي أيهما شاء.

نعم ربما قيل : إن استحباب الصلاة في أول الوقت إنما يقتضي استحباب الطهارة حينئذ ، وهي لا تستند إلى الوضوء قبل الوقت ، إذ الوضوء مهما وُجد ترتب عليه حدوث الطهارة ، أما بقاؤها فلا يستند إلى الوضوء لانعدامه بعد وجوده ، لأنه فعل غير قار ، ولا إلى الحدوث ، لاتحاد الحدوث والبقاء وجوداً ، فيمتنع أن يكون أحدهما علة للآخر وإنما يستند البقاء الى استعدادات الذات ، فيكون الوضوء وبقاء الطهارة من قبيل المتلازمين لا يكون الأمر النفسي أو الغيري بأحدهما داعياً إلى فعل الآخر ، فالوضوء دائماً إنما يفعل بداعي الكون على الطهارة ، وهذا الاشكال ـ على تقدير تماميته ـ مانع عن فعل الوضوء بداعي أمر الغايات الاختيارية للمكلف إذا كانت مشروطة بالطهارة ، لا نفس الوضوء ، ولا يختص بالمقام.

( وفيه ) : أنه شبهة في مقابل الضرورة ، إذ جميع الغايات الاختيارية إنما تترتب على بقاء مقدماتها لا حدوثها ، فان الصعود على السطح إنما يتوقف على بقاء نصب السلَّم لا حدوثه ، فلو بني على ذلك امتنع تعلق الأمر الغيري بها لو قيل بوجوب المقدمة الموصلة ، وذلك كما ترى.

( ويمكن ) دفعه بأن البقاء وإن كان مستنداً الى الاستعداد ، إلا أن الاستعداد مستند إلى الوضوء الذي هو علة الحدوث ، ولا ينافيه عدم الوضوء في حال البقاء ، لأن الاستعداد ليس من قبيل الوجود ، بل هو سابق عليه ،

٢٨٨

إتيانها في أول الوقت [١]. ويعتبر أن يكون قريباً من الوقت أو زمان الإمكان ، بحيث يصدق عليه التهيؤ [٢].

______________________________________________________

فيمكن أن يستند إلى المعدوم ، فان عدم المانع من أجزاء العلة التامة ، ولا دخل له في المعلول إلا من حيث تأثيره في حفظ القابلية والاستعداد. فعلى هذا يكون الوضوء قبل الوقت مستحباً ، نظير استحباب الغسل قبله لمن أراد الصوم تطوعاً.

نعم يشكل الاستدلال المذكور بان استحباب المبادرة والمسارعة فرع مشروعية الفعل ، فاذا كانت مشروعية الصلاة مشروطة بالوقت كان استحباب المبادرة إليها مشروطاً به ، فيكون استحباب مقدمته أيضاً مشروطاً ، والتفكيك بين استحباب الشي‌ء واستحباب مقدمته في الاشتراط والإطلاق غير معقول. إلا أن يقال : وإن لم يمكن التفكيك بينهما في الاشتراط والإطلاق ، لكن يمكن التفكيك في كيفية الاشتراط بأن تكون المسارعة مشروطة بالوقت على نحو الشرط المتقدم ، والوضوء مشروطاً به بنحو الشرط المتأخر. ولا يرد الإشكال بأنه قبل تحقق الشرط لا استحباب نفسي فكيف يتحقق حينئذ الاستحباب الغيري؟!. إذ يدفعه أن الشرط للاستحباب النفسي ليس الوجود الخارجي ، بل الوجود الذهني ، فقبل تحقق الشرط خارجاً يكون الاستحباب النفسي حاصلا ، لكنه منوط بالشرط ، فلا مانع من أن يحدث من مثل هذا الوجوب المنوط وجوب غيري أيضاً منوط قبل تحقق الشرط. وبهذا يندفع الإشكال في كثير من الأبواب. فلاحظ.

[١] هذا لا يقتضيه المرسل المحكى عن الذكرى.

[٢] هذا مما لا تقتضيه الأدلة المتقدمة ، وإنما يقتضيه مفهوم التهيؤ المذكور في كلام الأصحاب.

٢٨٩

( الرابع ) : دخول المساجد [١]. ( الخامس ) : دخول المشاهد المشرفة [٢]. ( السادس ) : مناسك الحج [٣]. مما عدا الصلاة والطواف. ( السابع ). صلاة الأموات [٤]. ( الثامن ) : زيارة أهل القبور [٥].

______________________________________________________

[١] ففي مصحح مرازم بن حكيم عن الصادق (ع) : « عليكم بإتيان المساجد ، فإنها بيوت الله تعالى في الأرض ، من أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه ، وكتب من زواره » (١) ‌، وقريب منه غيره.

[٢] لا يحضرني خبر يدل عليه بالخصوص. وكأنه لذلك جعلها في النجاة ملحقة بالمساجد. ولعل وجه الإلحاق ما قد يستفاد من بعض الأخبار أنها بيوت الله. فتأمل. وعن ابن حمزة أنه ألحق بالمساجد كل مكان شريف. وهو أعلم بما قال.

[٣] ففي صحيح معاوية بن عمار : « لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء ، إلا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة. والوضوء أفضل » (٢). و‌في خبر يحيى الأزرق : « ولو أتم مناسكه بوضوء كان أحب إلي » (٣).

[٤] ففي رواية عبد الحميد : « قلت لأبي الحسن (ع) : الجنازة يخرج بها ولست على وضوء ، فان ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة ، أيجزؤني أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ قال (ع) : تكون على طهر أحب إلي » (٤).

[٥] كما عن جماعة. ويظهر مما عن الذكرى والمدارك أن به رواية ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الطواف حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب السعي حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ٢.

٢٩٠

( التاسع ) : قراءة القرآن [١] ، أو كتبه [٢] ، أو لمس حواشيه ، أو حمله [٣]. ( العاشر ) : الدعاء وطلب الحاجة من الله تعالى [٤].

______________________________________________________

بل عن الدلائل أن في الخبر تقييدها بالمؤمنين.

[١] كما تقدم.

[٢] ففي خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال (ع) : لا » (١) ‌، المحمول على الاستحباب إجماعاً ظاهراً. وقد يقتضيه ما دل على كتابة الحائض للتعويذ‌ (٢). فتأمل.

[٣] لما تقدم من رواية ابن عبد الحميد‌. لكن في إثبات الاستحباب به ما لم يقم دليل على استحباب المس والحمل إشكال ظاهر.

[٤] ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « من طلب حاجته وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومن إلا نفسه » (٣). وطلب الحاجة ربما يشمل الدعاء ، وإن كان الظاهر منه السعي نحوها. ولعل استحبابه للدعاء يستفاد من النصوص التي لا تحضرني. ولذا اشتهر عدّ الطهارة من شروطه. هذا وربما استشكل في ظهور الصحيح المذكور في استحباب الوضوء للحاجة بل ظاهره أن الحاجة بدون الوضوء لا تقضى. وفيه ـ كما في الحدائق والجواهر ـ أن الظاهر من العبارة المذكورة. الحث على الوضوء ، نظير ما ورد (٤) في كثير من المستحبات بل أكثرها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الحيض حديث : ١ ، ٤.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٤) وكذا الحال في جملة من الموارد الآتية كالخامس عشر والسابع عشر وغيرهما ، فان ظاهر أدلتها تشريع الوضوء والأمر به عندها. وحينئذ لا مانع من إمكان التقرب بالوضوء لأجله مع قطع النظر عن الغايات الأخر ، نعم يشكل ذاك بالنسبة إلى مس القرآن ، لقصور دليله عن إفادة ذلك ، فتأمل. ( منه دام ظله العالي )

٢٩١

( الحادي عشر ) : زيارة الأئمة ولو من بعيد [١]. ( الثاني عشر ) : سجدة الشكر [٢] ، أو التلاوة [٣]. ( الثالث عشر ) : الأذان [٤] والإقامة [٥]. والأظهر شرطيته في الإقامة [٦].

______________________________________________________

من أنواع الترغيب والترهيب.

[١] ففي الجواهر أن النصوص الواردة في الطهارة لزيارتهم بل الغسل أكثر من أن تحصى ، كما لا يخفى على من لاحظ الكتب المؤلفة في ذلك.

[٢] ففي خبر عبد الرحمن بن الحجاج : « من سجد سجدة الشكر وهو متوضئ كتب الله له بها عشر صلوات ومحي عنه عشر خطايا عظام » (١).

[٣] كما ربما يستفاد من‌ رواية أبي بصير عن الصادق (ع) : « إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً ، وإن كانت المرأة لا تصلي » (٢) ‌، ونحوه غيره. فتأمل.

[٤] عليه فتوى العلماء ، كما عن المعتبر ، وإجماعهم ، كما عن المنتهى‌ للنبوي : « حق وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلا وهو طاهر » (٣) ‌: و‌عن الدعائم : « لا بأس أن يؤذن الرجل على غير طهر ، ويكون على طهر أفضل ولا يقيم إلا على طهر » (٤).

[٥] إجماعاً.

[٦] كما عن مصباح السيد والمنتهى. للصحاح المستفيضة الدالة على ذلك ، كصحيح ابن سنان : لا بأس أن تؤذن وأنت على غير طهور.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب سجدتي الشكر حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٣) سنن البيهقي باب : لا يؤذن إلا طاهر. ج ١ ص ٣٩٧.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ٨ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢.

٢٩٢

( الرابع عشر ) : دخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف ، بالنسبة إلى كل منهما [١]. ( الخامس عشر ) : ورود المسافر على أهله [٢] ، فيستحب قبله. ( السادس عشر ) : النوم [٣].

______________________________________________________

ولا تقيم إلا وأنت على وضوء » (١) ‌، ونحوه غيره. ويأتي تمام الكلام في محله إن شاء الله.

[١] ففي صحيح أبي بصير : « سمعت رجلاً يقول لأبي جعفر (ع) : إني قد أسننت ، وقد تزوجت امرأة بكراً صغيرة ولم أدخل بها ، وإني أخاف إذا دخلت علي فرأتني أن تكرهني لخضابي وكبري ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا دخلت فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثمَّ أنت لا تصل إليها حتى تتوضأ وصل ركعتين .. » (٢) ‌والاشكال المتقدم من عدم الظهور في الاستحباب جار هنا ، وفي بعض ما يأتي. وقد عرفت جوابه.

[٢] فعن المقنع : « روي عن الصادق (ع) : من قدم من سفر فدخل على أهله وهو على غير وضوء ورأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه » (٣).

[٣] لرواية محمد بن كردوس عن الصادق (ع) : « من تطهر ثمَّ آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده » (٤) ‌، ونحوه خبر حفص‌ (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) لم نعثر عليه في المقنع ولا في الوسائل ولا في مستدركها. نعم ذكره في الحدائق ج ٢ ص ١٤٠ من الطبع القديم.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب الوضوء ملحق الحديث الثاني.

٢٩٣

( السابع عشر ) : مقاربة الحامل [١]. ( الثامن عشر ) : جلوس القاضي في مجلس القضاء [٢] ، ( التاسع عشر ) : الكون على الطهارة [٣] ، ( العشرين ) : مس كتابة القرآن في صورة عدم وجوبه [٤]. وهو شرط في جوازه كما مر. وقد عرفت أن الأقوى استحبابه نفسياً أيضاً [٥].

وأما القسم الثاني فهو الوضوء للتجديد. والظاهر جوازه ثالثاً ورابعاً فصاعداً أيضاً [٦].

______________________________________________________

[١] لما‌ عن المجالس والعلل في وصيته (ص) لعلي (ع) : « إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد » (١).

[٢] كما عن النزهة. وفي الحدائق وغيره : لم أقف على دليله.

[٣] كما تقدم (٢).

[٤] لكن بناءً على استحباب المس ، كما تقدم الكلام فيه.

[٥] كما عرفت أنه محل تأمل.

[٦] لإطلاق‌ رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) : « من جدد وضوءه لغير حدث جدَّد الله توبته من غير استغفار » (٣). و‌رواية ابن مسلم عنه (ع) : « الوضوء بعد الطهر عشر حسنات » (٤) ‌، ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) تقدم في ص : ٢٢٤ من هذا المجلد.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الوضوء حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب الوضوء حديث : ١٠.

٢٩٤

وأما الغسل فلا يستحب فيه التجديد [١] ، بل ولا الوضوء بعد غسل الجنابة وإن طالت المدة [٢].

وأما القسم الثالث فلأمور : ( الأول ) : لذكر الحائض في مصلاها مقدار الصلاة [٣]. ( الثاني ) : لنوم الجنب [٤]

______________________________________________________

[١] كما هو ظاهر الفتوى ـ كما في الجواهر ـ أو ظاهر الأصحاب ـ كما في الحدائق ـ وإن كان يقتضيه إطلاق‌ مرسل سعدان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « الطهر على الطهر عشر حسنات » (١). اللهم إلا أن يدعى إجمال ما به الطهر وأن المتيقن منه للوضوء. فتأمل.

[٢] وإن كان يقتضيه المرسل‌ ورواية ابن مسلم‌ المتقدمان. ولا ينافيه ما دل على أن غسل الجنابة ليس معه وضوء ، إذ الظاهر منه نفي الوجوب لحدث الجنابة ، لا نفي المشروعية ولو للتجديد. فتأمل.

[٣] على المشهور. ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ، ثمَّ تقعد في موضع طاهر فتذكر الله » (٢) ‌، ونحوه غيره. بل عن ابن بابويه الوجوب. وتمام الكلام فيه في محله.

[٤] ففي صحيح الحلبي : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال عليه‌السلام : يكره ذلك حتى يتوضأ » (٣) ‌وقريب منه غيره. و‌في رواية سماعة : « وإن هو نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شي‌ء » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الجنابة حديث : ٦.

٢٩٥

وأكله وشربه [١] وجماعه [٢] وتغسيله الميت [٣]. ( الثالث ) : لجماع مَن مس الميت ولم يغتسل بعد. ( الرابع ) : لتكفين الميت [٤]

______________________________________________________

[١] ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) : « إذا كان الرجل جنباً لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ » (١). و‌في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أيأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال عليه‌السلام : إنا لنكسل ، ولكن ليغسل يده ، فالوضوء أفضل » (٢).

[٢] للمروي‌ عن كشف الغمة عن الوشا : « قال فلان بن محرز : بلغنا أن أبا عبد الله (ع) كان إذا أراد أن يجامع يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة ، فأحببت أن تسأل أبا الحسن الثاني (ع) ، عن ذلك قال الوشاء : فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ للصلاة ، وإذا أراد أيضاً توضأ للصلاة » (٣).

[٣] ففي حسن شهاب بن عبد ربه : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الجنب يغسّل الميت ، أو من غسَّل ميتاً له أن يأتي أهله ثمَّ يغتسل؟ فقال (ع) : هما سواء لا بأس بذلك. إذا كان جنباً غسل يديه وتوضأ وغسَّل الميت وهو جنب ، وإن غسل ميتاً توضأ ثمَّ أتى أهله ويجزؤه غسل واحد لهما » (٤) ‌، ومنه يعرف الحكم فيما بعده.

[٤] كذا ذكر جماعة من القدماء والمتأخرين ، بل في الحدائق نسبته‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الجنابة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الجنابة حديث : ٣.

٢٩٦

أو دفنه [١] بالنسبة إلى من غسَّله ولم يغتسل غسل المس.

( مسألة ٣ ) : لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التي توضأ لأجلها ، بل يباح به جميع الغايات المشروطة به [٢] ، بخلاف الثاني والثالث ، فإنهما إن وقعا على نحو ما قُصدا لم يؤثرا‌

______________________________________________________

إلى الأصحاب. واعترف في المدارك والحدائق والجواهر وغيرها بعدم العثور على مستنده ، بل ظاهر الأخبار خلافه ، لاشتمالها على ذكر غسل اليدين من العاتق أو المنكب أو المرفق على اختلاف ألسنتها من دون تعرض فيها للوضوء. نعم علل بأمور اعتبارية غير صالحة لإثباته.

[١] ففي رواية الحلبي وابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « توضأ إذا أدخلت الميت القبر » (١). لكن لا تبعد دعوى ظهورها في استحباب الوضوء بعد الإدخال ، لا الوضوء له. كما أنها لا اختصاص لها بمن غسله ولم يغتسل. وكأنه لذلك أطلق في الشرائع وغيرها.

[٢] كما لعله المشهور ، بل في المدارك : أنه الظاهر من مذهب الأصحاب ، وادعى بعضهم عليه الإجماع. وعن السرائر : « يجوز أن يؤدي بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة بإجماع أصحابنا » وعن مجمع البرهان : « أنه مما لا شك فيه ولا ينبغي فيه النزاع أصلا » وناقش في مفتاح الكرامة فيما في محكي المدارك بأن الأصحاب مختلفون في ذلك اختلافاً شديداً ، وفيما حكاه من الإجماع بأنا لم نعرف حاكيه. وفيما ادعاه في السرائر بأنه نقضه بقوله فيها : « إجماعنا منعقد على أنه لا تُستباح الصلاة إلا بنية رفع الحدث أو استباحة الصلاة ».

وكيف كان فمحصل الكلام هو أن الغايات المذكورة في القسم الأول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب الدفن حديث : ١.

٢٩٧

______________________________________________________

على أقسام : ( منها ) : ما صُرح في دليلها بأن الشرط في صحتها أو كمالها هو الطهارة ، كما في جملة منها. ( ومنها ) : ما صرح في دليلها بأن الشرط كونه على وضوء ، كما في جملة أخرى. ( ومنها ) : ما تضمن الدليل أن الشرط نفس الوضوء. وهذا القسم مما لم نتحصله ، إذ الصلاة ، والطواف ، ودخول المساجد ، ومناسك الحج ، وصلاة الأموات ، وقراءة القرآن ، ولمسه ، وحمله ، وكتبه ، وطلب الحاجة وسجدتا الشكر ، والتلاوة والأذان ، والإقامة ، وورود المسافر ، والنوم ومقاربة الحامل ، ودخول الزوج ، وزيارة الأئمة عليهم‌السلام ، لا تخلو عن أن تكون من أحد القسمين الأولين. وأما دخول المشاهد ، وزيارة قبور المؤمنين ، وجلوس القاضي فلم نقف على ألسنة أدلتها ، ليتعين كونها من أحد القسمين الأولين أو من الثالث ، فالكلام في هذا القسم يكون فرضياً. أما القسم الأول فلا ينبغي النزاع في الاكتفاء بالوضوء المأتي به لغاية منه في بقية أفراده ، لأنه لا ينبغي التأمل في حصول الطهارة بالوضوء المأتي به لغاية منه ، لأن ذلك مقتضى دليل مشروعيته لتلك الغاية ، فإذا حصلت الطهارة فقد حصل الشرط المعتبر في بقية أفراد القسم المذكور ، فلا موجب للتكرار. كما أنه لا ينبغي النزاع في الاكتفاء بالوضوء المأتي به لغاية من أفراد القسم الثاني في بقية أفراده ، إذ بالوضوء يكون المكلف على وضوء ، فيحصل الشرط المعتبر في بقية الأفراد ، ولا موجب للتكرار أيضاً. ومثله الاكتفاء بالوضوء المأتي به لبعض أفراد القسم الأول في جواز تمام أفراد القسم الثاني ، إذ به يكون المكلف على وضوء أيضاً ، فيحصل شرط أفراد القسم الثاني. وأما عكس ذلك ـ أعني الاكتفاء بالوضوء المأتي به لبعض أفراد القسم الثاني في أفراد القسم الأول ـ فهو محل للإشكال ، لاحتمال عدم إيجاب ذلك‌

٢٩٨

______________________________________________________

الوضوء للطهارة وعدم عموم يدل على أن كل وضوء موجب للطهارة.

ويمكن دفعه ( أولا ) : بأن الظاهر من كون المكلف على وضوء. كونه على طهارة في قبال كونه على غير وضوء ، الذي هو بمعنى كونه على حدث. ويشهد به بعض النصوص المتقدمة ، كرواية عبد الحميد الواردة في الوضوء لصلاة الجنازة ، وصحيح ابن سنان الوارد في الوضوء للإقامة ، وعليه فيرجع القسم الثاني إلى الأول ، ويلحق أفراده حكم أفراده. ( وثانياً ) : بأنه يمكن إثبات أن كل وضوء موجب للطهارة بنصوص النواقض ، فان مقتضى الاقتصار على لفظ جملة منها ، وإن كان هو مجرد نقض الحدث للوضوء وارتفاع أثره به ، إلا أن جملة أخرى تضمنت كون الوضوء رافعاً للحدث ومطهراً منه ، بل الجميع منها حتى القسم الأول وارد هذا المورد ، لا بيان مجرد انتقاض الوضوء بالحدث ، فإطلاق هذه النصوص محكَّم ، بل ينبغي عد الحكم المذكور ـ أعني مطهرية الوضوء ورفعه للحدث ـ من ضروريات مدلول النصوص ، كما يظهر بأدنى تأمل فيها. و‌في رواية العلل عن الفضل عن الرضا (ع) : « إنما أسر بالوضوء وبدئ به ، لأن يكون العبد طاهراً إذا قام. » (١). والأخرى‌ عنه (ع) : « إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين .. » ‌الى أن قال (ع) : « فأمروا بالطهارة .. » (٢) ‌ونحوهما كثير يظهر للمتبع. وقد يقتضيه أيضاً التعبير عن الطهارة بقولهم عليهم‌السلام : « على وضوء ». وعن الحدث بقولهم عليهم‌السلام : « على غير وضوء ». فاذاً لا ينبغي التأمل في الاكتفاء بالوضوء لأحد أفراد القسمين الأولين في بقية أفراده.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الوضوء حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٧.

٢٩٩

إلا فيما قصدا لأجله [١]. نعم لو انكشف الخطأ بأن كان محدثاً بالأصغر ـ فلم يكن وضوؤه تجديدياً ، ولا مجامعاً للأكبر ـ

______________________________________________________

وأما القسم الثالث فعلى تقدير ثبوت أفراده قد يشكل الحكم فيه بالاكتفاء بالوضوء لأحد أفراده في بقيتها ، لأصالة عدم التداخل. وأما الاكتفاء به لأحد أفراد القسمين الأولين فلا ينبغي الإشكال فيه ، بناءً على ما عرفت من عموم مطهريته. بل لو لم يثبت هذا العموم أمكن الاكتفاء به في أفراد القسم الثاني ـ بناءً على عدم إرجاعه إلى الأول ـ لتحقق الشرط وهو كونه على وضوء ، كما لا يخفى.

ويمكن دفع الاشكال ببناء الأصحاب على التداخل مطلقاً ، إذ لا يُظن من أحد الخلاف في جواز الاكتفاء بالوضوء المأتي به للصلاة الواجبة أو المندوبة في الدخول بأي غاية تفرض من غايات القسم الثالث ، إذ المحكي من الخلاف إنما هو في جواز الاكتفاء بالوضوء المأتي به لقراءة القرآن ونحوها مما لا يعتبر فيه الطهارة. ومنشأ الخلاف إما البناء على بطلان الوضوء لذلك ، لعدم نية رفع الحدث أو استباحة الصلاة ، أو لعدم ثبوت كونه مطهراً ، فاذا ثبت عدم اعتبار نية رفع الحدث أو الاستباحة ، وثبت عموم مطهرية الوضوء ، لم يكن وجه للخلاف المذكور. وبالجملة : لا مجال للتشكيك في بناء الأصحاب على التداخل في باب الوضوء للغايات ، والخلاف في بعض المسائل إنما هو لشبهة خاصة به ، فاذا ثبت بطلان الشبهة كان بناؤهم على التداخل محكِّماً ، ومنه يُستكشف رجوع القسم الثالث إلى القسمين الأولين مع أن البحث في ذلك ليس له مزيد اهتمام ، لما عرفت من عدم تحصل هذا القسم أو ندرته فلاحظ ، والله سبحانه أعلم.

[١] هذا في القسم الثاني ظاهر. لعدم تعدد الغايات فيه ، أما الثالث‌

٣٠٠