مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

بشرط أن لا تكون من الجلود ، وإلا فمحكومة بالنجاسة [١] ،

______________________________________________________

اليهود والنصارى والمجوس ، وثوب المجوسي‌ (١). وأما ما تضمن النهي عن الأكل في آنية أهل الكتاب‌ (٢) ، فلا بد أن يحمل على صورة العلم بالنجاسة ، لامتناع الأخذ بإطلاقه ، الشامل لصورة العلم بالطهارة. وحمله على صورة الشك ليس بأولى من حمله على ما ذكرنا ، جمعاً بين القواعد. لا أقل من أنه مقتضى الإجماع المدعى.

وأما ما في الخلاف : « لا يجوز استعمال الأواني المشركين من أهل الذمة وغيرهم. وقال الشافعي : لا بأس باستعمالها ما لم يعلم فيها نجاسة .. » ‌فالظاهر أن مراده الحكم واقعاً بنجاسة الأواني التي باشرها الكافرون برطوبة لا الحكم بالنجاسة ظاهراً مع الشك في مباشرتهم ـ كما هو محل الكلام. وان توهم في الحدائق ذلك ، لكنه في غير محله ، بقرينة استدلاله على المنع بآية نجاسة المشركين (٣) ، وبالإجماع ، وبرواية محمد بن مسلم (٤) الدالة على المنع عن الأكل من آنيتهم التي يشربون فيها الخمر‌ ، إذ لا اقتضاء للآية والرواية للنجاسة الظاهرية مع الشك ، وانتفاء الإجماع ظاهر. ولا ينافي ما ذكرنا نقله الخلاف عن الشافعي ، إذ الظاهر من النجاسة في كلام الشافعي النجاسة الخارجية ، لا نجاسة أبدانهم. فكأنه لا خلاف في المسألة.

[١] للشك في تذكيتها ، والأصل عدمها ، كما سبق.

__________________

(١) تراجع الوسائل باب : ٧٣ من أبواب النجاسات.

(٢) تراجع الوسائل باب : ٧٢ من أبواب النجاسات. وباب ٥٢ ، ٥٤ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) وهي قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ... ) التوبة : ٢٨.

(٤) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

١٦١

إلا إذا علم تذكية حيوانها ، أو علم سبق يد مسلم عليها [١]. وكذا غير الجلود وغير الظروف مما في أيديهم ، مما يحتاج إلى التذكية ، كاللحم والشحم والألية ، فإنها محكومة بالنجاسة إلا مع العلم بالتذكية ، أو سبق يد المسلم عليه. وأما ما لا يحتاج إلى التذكية فمحكوم بالطهارة ، إلا مع العلم بالنجاسة ، ولا يكفي الظن بملاقاتهم لها مع الرطوبة [٢]. والمشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من شحمه أو أليته محكوم بعدم كونه منه [٣] ، فيحكم عليه بالطهارة ، وإن أخذ من الكافر.

( مسألة ٢ ) : يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها ، وإن كانت من الخشب ، أو القرع [٤] ، أو الخزف غير المطلي بالقير‌

______________________________________________________

[١] فإنها أمارة على التذكية ، كما سبق.

[٢] لأصالة عدم حجيته.

[٣] يعني : بلحاظ الأصل الجاري في حكمه ـ أعني قاعدة الطهارة ـ لا الجاري في نفسه ، إذ لا أصل يقتضي عدم كونه مأخوذاً من جزء الحيوان.

[٤] على المشهور شهرة عظيمة. لإطلاق جملة من النصوص ، كموثق عمار عن الصادق (ع) : « عن الدِّن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل ، أو ماء ، أو كامخ (١) أو زيتون؟ قال (ع) : إذا غسل فلا بأس. وعن الإبريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال (ع) : إذا غسل فلا بأس. وقال في قدح أو إناء يشرب فيه خمر قال (ع) : تغسله ثلاث مرات. وسئل أيجزؤه أن يصب فيه الماء؟

__________________

(١) ما يؤتدم به. منه مد ظله العالي.

١٦٢

______________________________________________________

قال (ع) : لا يجزؤه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات » (١) ‌، ونحوه غيره مما ورد في تطهير أواني الخمر‌ (٢).

وعن النهاية وابن البراج المنع من استعمال غير الصلب منها ، وربما نُسب إلى ابن الجنيد أيضاً. لما في الخمر من الحدة والنفوذ. ولما‌ في صحيح ابن مسلم : « نهى رسول الله (ص) عن الدبا والمزفت ، وزدتم أنتم الحنتم ( يعني : الغضار ) والمزفت ( يعني : الزفت الذي يكون في الزق ويصب في الخوابي ليكون أجود للخمر ) وسألته عن الجرار الخضر والرصاص. فقال (ع) : لا بأس بها » (٣) ‌و‌خبر أبي الربيع : « نهى رسول الله (ص) عن كل مسكر ، فكل مسكر حرام. قلت : فالظروف التي يصنع فيها منه. قال (ع) : نهى رسول الله (ص) عن الدبا والمزفت والحنتم والنقير. قلت : وما ذلك؟ قال (ع) : الدبا القرع ، والمزفت الدنان ، والحنتم جرار خضر ، والنقير خشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها » (٤) ‌وفيه : أن نفوذ الخمر كنفوذ الماء ، فلو منع مثله عن التطهير لامتنع تطهير الإناء المتنجس بالماء النجس الموضوع فيه ، وقد عرفت في مبحث التطهير بالماء اندفاع الاشكال بذلك. وأما النصوص فهي ـ مع أن الأول منها غير ظاهر (٥) في خصوص ظروف الخمر ، وأن متنه لا يخلو من اضطراب ، وان الثاني منها ضعيف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) تراجع الوسائل باب : ٥١ ، ٥٢ من أبواب النجاسات وباب : ٢٥ ، ٣٠ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٥) يعني : غير ظاهر في النهي عن استعمال الظروف المذكورة إذا كانت مستعملة في الخمر. منه مد ظله العالي.

١٦٣

أو نحوه ، ولا يضر نجاسة باطنها [١] بعد تطهير ظاهرها داخلا وخارجاً ، بل داخلا فقط. نعم يكره استعمال ما نفذ الخمر الى باطنه [٢] إلا إذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضاً.

( مسألة ٣ ) : يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب [٣]

______________________________________________________

وأنهما مشتملان على المزفت الذي هو من الصلب ـ معارضة بما عرفت مما يأبى عن التقييد ، ولا سيما مع التصريح فيه بالدن الذي هو الحب. ولأجل ذلك حملت على المنع من الانتباذ فيها ـ كما هو الظاهر منها ـ أو على الكراهة ، والله سبحانه أعلم.

[١] قد تقدم في مبحث التطهير بالماء إمكان القول بطهر الباطن تبعاً لطهر الظاهر.

[٢] والوجه فيه فتوى من عرفت.

[٣] إجماعاً حكاه جماعة كثيرة ، كالعلامة ، والشهيد ، والأردبيلي ، والسيد في المدارك ، وغيرهم. بل عن المنتهى : « انه إجماع كل من يحفظ عنه العلم ، إلا ما نقل عن داود ، فإنه حرم الشرب خاصة ، والشافعي من أن النهي نهي تنزيه ». نعم عن الخلاف : انه يكره استعمال الذهب والفضة ، وكذا المفضض. وقال الشافعي : لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة ، وبه قال أبو حنيفة في الأكل والشرب. انتهى. وعن المعتبر ، والمختلف والذكرى : حمله على التحريم. واستبعده كاشف اللثام. وهو في محله بقرينة ما حكاه عن الشافعي. لكن تصريحه بالتحريم في محكي زكاة الخلاف ودعوى الأساطين الإجماع عليه ، يعين حمله على ذلك.

وكأن تعبيره بالكراهة تبعاً لما في جملة من النصوص ، ففي صحيح‌

١٦٤

______________________________________________________

ابن بزيع : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن آنية الذهب والفضة فكرههما » (١). و‌في صحيح الحلبي المروي عن المحاسن عن أبي عبد الله (ع) : « انه كره آنية الذهب والفضة والآنية المفضضة » (٢). و‌في موثق بريد عنه (ع) : « أنه كره الشرب في الفضة وفي القدح المفضض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض ، والمشطة كذلك » (٣) ‌، ونحوها غيرها ، التي يجب حملها على التحريم ، لعدم ظهورها في الكراهة المصطلحة مع ظهور النهي في جملة من النصوص في التحريم.كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « لا تأكل في آنية ذهب ولا فضة » (٤). و‌في مصححه عنه (ع) : « أنه نهى عن آنية الذهب والفضة » (٥). و‌مصحح الحلبي عن ابي عبد الله (ع) : « لا تأكل في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة » (٦). و‌حسن داود بن سرحان عنه (ع) : « لا تأكل في آنية الذهب والفضة » (٧). نعم‌في موثق سماعة عنه (ع) : « لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضة » (٨) ‌فإن حمله على التحريم بعيد ، وحمل النهي على الكراهة أقرب منه. ولذا كان المحكي عن الجمع ـ من أنه لو لا الإجماع لكان القول بالكراهة حسناً. انتهى ـ في محله.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث ١.

(٢) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٧) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٨) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

١٦٥

والوضوء والغسل وتطهير النجاسات [١] وغيرها من سائر الاستعمالات ، حتى وضعها على الرفوف للتزيين [٢] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ، كما عن كشف الرموز وفي الحدائق ، وقال به علماؤنا ، كما عن المنتهى ، وعند علمائنا أجمع ، كما عن التذكرة ، وعندنا ، كما عن التحرير ، وفي المدارك ، الإجماع على تحريم الاستعمال. نعم عن الصدوق والمفيد وسلار والنهاية : الاقتصار على الأكل والشرب ، وعدم التعرض لغيرهما. ولعل مرادهم التمثيل ، وإلا فهو خلاف إطلاق النهي والكراهة في جملة من النصوص المتقدمة ، بناء على ظهورها في النهي عن الاستعمال. وخلاف إطلاق‌ خبر موسى بن بكر عن أبي الحسن (ع) : « آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون » (١). فتأمل. أو يكون مرادهم تحريم الأكل والشرب زائداً على تحريم الاستعمال ، بناءً منهم على أن الأكل والشرب ليس استعمالا ، ويكون وجه تحريمه النصوص الخاصة ، كما ستأتي الإشارة إليه.

[٢] ظاهر العلامة (ره) في القواعد وغيره ابتناء حرمة ذلك على حرمة الاقتناء ، وأن التزيين ليس من الاستعمال المستفاد تحريمه من ظاهر النصوص. وهو في محله. لكن قال في الجواهر : « قد يمنع ويدعى اندراجه في نحو الاستعمال ، الذي قد عرفت معلومية منعه ، إذ هو أعم من استعمالها في التظرف بها ، كما يشهد به استثناء بعضهم أو شبهه اتخاذها للمشاهد والمساجد من حرمة الاستعمال ». ولكنه غير ظاهر فان الاستعمال لا يشمل التزيين. نعم لو كان المستفاد من النصوص حرمة الانتفاع بها ، كما قد يستظهر من خبر موسى بن بكر المتقدم ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

١٦٦

بل يحرم تزيين المساجد والمشاهد المشرفة بها ، بل يحرم اقتناؤها من غير استعمال [١].

______________________________________________________

المتاع مطلق ما ينتفع به ، أمكن القول بتحريم التزيين بها ، لأنه نوع من الانتفاع ، وإن كان ظاهر التمتع بالإناء استعماله الخاص ، لا ما يعم التزيين وعلى هذا فلو بني على حرمة خصوص الاستعمال من جهة ظهور النصوص فيه ، أو من جهة كونه معقد الإجماع ، لم يقتض ذلك حرمة التزيين. كما أنه لو بني على عموم الاستعمال للتزيين ، فالظاهر عدم الفرق بين تزيين البيت ، وتزيين المسجد والمشهد في ذلك ، كما عن مجمع الأردبيلي (ره).

[١] كما هو المشهور ، بل لم يعرف الخلاف فيه من أحد منا ، إلا من المختلف وبعض من تأخر عنه. لأنه تضييع للمال ـ كما عن الشيخ ـ أو لأن حرمة الاستعمال تستلزم حرمة اتخاذها بهيئة الاستعمال ، كالطنبور وغيره من آلات اللهو ـ كما عن المنتهى ـ أو لاشتماله على السرف والخيلاء. أو لأنه مقتضى النهي عنها ، فإنه ظاهر في كراهة وجودها في الخارج ، فيحرم حدوثها كما يحرم بقاؤها. أو لأنه داخل في المتاع في قوله (ع) : « انها متاع الذين لا يوقنون ». أو لأنه يظهر للسابر للنصوص ـ إن لم يقطع به ـ أن مراد الشارع النهي عن أصل وجودها في الخارج.

لكن يشكل ذلك بظهور منع الثلاثة الأول. بل والرابع أيضاً ، فإن مقتضى الجمود على حاق اللفظ وإن كان ما ذكر ـ وهو كراهة نفس الوجود ـ إلا أن الظاهر منه عرفاً كراهة الاستعمال ولذا استدل به على حرمة مطلق الاستعمال غير الأكل والشرب المصرّح بهما في النصوص. وللتأمل في ظهور المتاع في مجرد الاقتناء ولو للتزيين ، ويشير إليه قوله تعالى :

١٦٧

______________________________________________________

( ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ ) (١) ، فقد جعل المتاع مقابل التحلي ، فالظاهر انصرافه إلى الاستعمال المتعارف ، كما عرفت. فتأمل. وظهور النصوص فيما ذكره المستدل قد عرفت منعه ، وظن ذلك منها غير حجة ، والقطع به غير حاصل.

وبالجملة : الذي يحتمل تحريمه في المقام أحد أمور أربعة على سبيل منع الخلو ( الأول ) : وجود الآنية ( الثاني ) : استعمالها باتخاذها ظرفاً للمأكول والمشروب وغيرهما ( الثالث ) : تناول المظروف منها من مأكول ومشروب وغيرهما ( الرابع ) : نفس الأكل والشرب والتدهين والغسل ونحوها من الأفعال المتعلقة بما يكون فيها من المظروفات. والنصوص الواردة في المقام طائفتان ( الأولى ) : ما تضمن النهي عن آنية الذهب والفضة ( الثانية ) : ما تضمن النهي عن الأكل والشرب. وظاهر الأولى النهي عن الاستعمال. ولو حملت على ما هو حاق اللفظ من النهى عن ذاتها لم يبق دليل على حرمة الاستعمال ، لأن الأكل والشرب المستفاد تحريمهما من الطائفة الثانية ليسا من الاستعمال في شي‌ء ، بل مما يترتب عليه. ولو سلم ذلك فالتعدي عنهما يحتاج إلى دليل. فينحصر الوجه في حرمة الاستعمال بالإجماع. ومن هنا يظهر أن الخلاف في حرمة الاقتناء يبتني على ظهور دليل النهي عن الآنية في حرمة نفسها وحرمة استعمالها ، فعلى الأول يحرم الاقتناء ، وعلى الثاني يحل للأصل. ثمَّ إن الظاهر أن الاستعمال المستفاد تحريمه من النهي أو من الإجماع ، كما ينطبق على وضع المظروف في الإناء ينطبق على تناوله منه بقصد الفعل الخاص ، من أكل أو شرب أو تنظيف أو تدهين أو نحوها. وسيأتي تتمة الكلام في المسألة العاشرة. فانتظر.

__________________

(١) الرعد : ١٧.

١٦٨

ويحرم بيعها ، وشراؤها [١] ، وصياغتها ، وأخذ الأجرة عليها ، بل نفس الأجرة أيضاً حرام ، لأنها عوض المحرّم ، وإذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه.

( مسألة ٤ ) : الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناءً مستقلا [٢] ، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يحرم [٣] ، كما إذا كان الذهب أو الفضة قطعات منفصلات لبّس بهما الإناء من الصفر داخلا أو خارجاً.

______________________________________________________

[١] هذا مبني على حرمة الاقتناء مطلقاً ، وإلا جاز جميع ما ذكر كما أشار الى ذلك في المتن.

[٢] لصدق الإناء ولو ببعض اللحاظات ، كما أشار إليه العلامة الطباطبائي رحمه‌الله بقوله :

« فان كساها كلها فلا تحل

فإنما الكاسي إناء مستقل »

فتأمل.

[٣] كما هو المشهور ، وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً ، إلا ما يحكى عن الخلاف ، حيث سوى بينه وبين الذهب والفضة في الكراهة ، التي صرَّح غير واحد من الأصحاب بإرادة الحرمة منها هناك ». لمصحح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض ، واعزل فمك عن موضع الفضة » (١). و‌صحيح معاوية بن وهب : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الشرب في القدح فيه ضبة من فضة. قال (ع) : لا بأس ، إلا أن تكره الفضة فتنزعها » (٢) ‌ولأجلهما ترفع اليد عن ظاهر ما دل على المنع مما تقدمت الإشارة إلى بعضه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

١٦٩

( مسألة ٥ ) : لا بأس بالمفضض والمطلي والمموه بأحدهما [١] نعم يكره استعمال المفضض [٢]. بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضة [٣]. بل الأحوط ذلك في المطلي أيضاً [٤].

( مسألة ٦ ) : لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما [٥] إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما [٦].

( مسألة ٧ ) : يحرم ما كان ممتزجاً منهما [٧] وإن لم يصدق‌

______________________________________________________

فيحمل على الكراهة.

[١] فإنه إما داخل في المفضض فيلحقه حكمه ، أو خارج عنه فجوازه مقتضى الأصل.

[٢] لما عرفت.

[٣] كما هو المشهور. لمصحح ابن سنان‌. وعن المعتبر والمدارك والذخيرة وغيرها الاستحباب ، حملاً للأمر عليه ، بقرينة صحيح معاوية المتقدم‌ ، لأن ترك الاستفصال فيه مع قيام الاحتمال ، يفيد العموم. وفيه : أن العموم مخصص بصحيح ابن سنان‌.

[٤] لاحتمال دخوله في المفضض ، وعن كشف الغطاء وغيره الجزم بذلك ، ونسب إلى العلامة (ره) أيضاً لكن تنظر فيه في الجواهر ، وهو في محله ، لانصراف المفضض الى ما كانت الفضة فيه جرماً ، لا لوناً وعرضاً ، كما في المطلي.

[٥] للأصل.

[٦] وإن صدق عليه الاسم ـ كما إذا كان الخليط قليلاً ـ حرم ، وإن لم يكن خالصاً ، للإطلاق.

[٧] والظاهر أن الوجه فيه منحصر بالقطع بالمساواة. أو لأنه يفهم‌

١٧٠

عليه اسم أحدهما. بل وكذا ما كان مركباً منهما ، بأن كان قطعة منه من ذهب وقطعة منه من فضة.

( مسألة ٨ ) : لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما [١] ،

______________________________________________________

من الأدلة أن موضوع الحكم القدر المشترك بين الذهب والفضة. لكنهما معاً محل تأمل. ( ودعوى ) : أن الحكم على كل من الفردين لا بد أن يكون لوجود الجامع بينهما ، فيكون هو موضوع الحكم ( فيها ) : أنه لو سُلم ذلك ، فمن المحتمل اعتبار الخلوص في موضوع الحكم ، وهو غير حاصل في الممتزج منهما. ومثله الكلام في المركب منهما. نعم يمكن أن يلحقه حكم المفضض في الكراهة ، وفي حرمة وضع الفم على موضع الفضة.

[١] وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً ، بل في اللوامع : الظاهر وفاقهم عليه ». وهو الذي يقتضيه الأصل. وعمومات الحل. وخصوص جملة من النصوص مما ورد في ذات الفضول درع النبي (ص) وأنها كان لها حلق من فضة ثلاث‌ أو أربع‌ (١) ، وفي ذي الفقار سيفه (ص) أنه كان حلقه من فضة‌ (٢). و‌رواية ابن جعفر (ع) : « عن المرآة هل يصلح العمل بها إذا كان لها حلقة من فضة؟ قال (ع) : نعم. إنما كره ما يشرب فيه » (٣). و‌مصحح منصور : « عن التعويذ يعلق على الحائض. فقال (ع) : إذا كان في جلد ، أو فضة ، أو قصبة حديد » (٤). و‌في مصحح ابن سنان : « ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضة » (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب النجاسات حديث : ٤ ، ٧.

(٢) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب النجاسات حديث : ٣ ، ٨.

(٣) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب النجاسات حديث : ١.

١٧١

كاللوح من الذهب أو الفضة ، والحلي كالخلخال وإن كان‌

______________________________________________________

و‌في خبر ابن سرحان : « ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة بأس » (١). و‌في خبر حاتم بن إسماعيل عن أبي عبد الله (ع) : « إن حلية سيف رسول الله (ص) كانت فضة كلها قائمته وقبيعته » (٢). إلى غير ذلك.

لكن‌ في خبر الفضيل : « عن السرير فيه الذهب أيصلح إمساكه في البيت؟ فقال (ع) : إن كان ذهباً فلا ، وإن كان ماء الذهب فلا بأس » (٣) ‌و‌في خبر ابن جعفر (ع) : « عن السرج واللجام فيه الفضة أيركب به؟ قال (ع) : إن كان مموّهاً لا يقدر على نزعه منه فلا بأس ، وإلا فلا يركب به » (٤). و‌في ذيل صحيح ابن بزيع السابق : « فقلت : قد روى بعض أصحابنا أنه كان لأبي الحسن (ع) مرآة ملبَّسة فضة. فقال عليه‌السلام : لا والحمد الله (٥) إنما كان لها حلقة من فضة ، وهي عندي. ثمَّ قال : إن العباس حين عُذر عمل له قضيب ملبس من فضة نحو ما يعمل للصبيان ، تكون فضته نحواً من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن (ع) فكسر » (٦). والجمع بالحمل على الكراهة تأباه جملة من نصوص الترخيص. فيحتمل حمل نصوص المنع على الكراهة لبعض العناوين الثانوية.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٥) كذا فيما يحضرني من نسخة الوسائل. لكن في نسخة الجواهر وغيرها : ( لا والله ). منه مد ظله العالي.

(٦) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب النجاسات حديث : ١.

١٧٢

مجوفاً ، بل وغلاف السيف والسكين [١] وامامة الشطب ، بل ومثل القنديل. وكذا نقش الكتب والسقوف والجدران بهما [٢].

( مسألة ٩ ) : الظاهر ان المراد من الأواني [٣] ما يكون من قبيل‌

______________________________________________________

[١] تقدم ما يدل على جوازه. وعن الشيخ والحلي المنع فيه ، لقول النبي (ص) : « هذان محرمان على ذكور أمتي » (١). وهو كما ترى.

[٢] وعن الحلي المنع ، لما فيه من تعطيل المال وتضييعه في غير الأغراض الصحيحة. قال في المدارك : « وهو أحوط. وربما أشعر به فحوى قول الرضا (ع) في صحيحة محمد بن إسماعيل ». يعني : صحيح ابن بزيع المتقدم‌. وفيه : أنه لا دليل على حرمة تعطيل المال ، والمنع عن تضييعه. وصحيح ابن بزيع‌ عرفت محمله.

[٣] من الواضح أن لفظ الإناء مما لا استعمال له في عرفنا اليوم ، ولو نادراً ، وكتب اللغة لا تجدي في معرفة معناه ، إذ هي ما بين ما أهمل ذكره ، وما بين ما تضمن أنه معروف ـ كالصحاح والقاموس ومجمع البحرين ـ وما بين ما يتضمن تفسيره بالوعاء ـ كالمصباح ـ الذي لا ينبغي التأمل في كونه تفسيراً بالأعم ، لعدم صدق الإناء على الخرج والقربة ونحوهما ، وصدق الوعاء عليها. ومثله تفسيره بما يوضع فيه الشي‌ء ، كمفردات الراغب ، أو الظرف ، كمرآة الأنوار ، ومبادي اللغة ، لمحمد ابن عبد الله الخطيب. والرجوع إلى الارتكاز الحاصل من تتبع موارد استعماله في العرف السابق وإن أوجب الوقوف على بعض حدود معناه ، لكنه لا يوجب الوقوف على تمام حدوده على نحو يعرف له مرادف‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٢٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ١. وسنن البيهقي ج : ٢ ص ٤٢٥.

١٧٣

الكأس [١] ، والكوز ، والصيني ، والقدر ، و ( السماور ) ، والفنجان ، وما يطبخ فيه القهوة ، وأمثال ذلك مثل كوز القليان [٢] ، بل والمصفاة ، و ( المشقاب ) ، و ( النعلبكي ) ، دون مطلق ما يكون ظرفاً. فشمولها لمثل رأس القليان ، ورأس الشطب ، وقراب السيف ، والخنجر ، والسكين ، وقاب الساعة ، وظرف الغالية ، والكحل ، والعنبر ، والمعجون ، والترياك ، ونحو ذلك ، غير معلوم [٣] وإن كانت ظروفاً إذ الموجود في الأخبار لفظ الآنية ، وكونها مرادفاً للظرف غير معلوم ، بل معلوم العدم. وإن كان الأحوط في جملة من المذكورات الاجتناب [٤].

______________________________________________________

في عرفنا اليوم ، ليصح تفسيره به. وعليه فاللازم في الحكم بالحرمة الاقتصار على المتيقن من مصاديقه ، والرجوع في المشكوك إلى أصالة الإباحة ، التي هي المرجع في أمثاله مما كان منشأ الشك في الحرمة اشتباه المفهوم.

[١] الظاهر بمقتضى الارتكاز صدق الآنية على جميع ما ذكر.

[٢] في محكي كشف الغطاء المنع من صدقها على كوز القليان ونحوه مما لم يوضع على صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله. وكذا مما لا أسفل له يمسك ما يوضع فيه ، أو لا حواشي له كذلك ، كالمشبكات والمخرمات ، والسفرة ، والطبق. لكن فيما ذكره نظر ظاهر ، كما اعترضه في الجواهر. وما ذكر في المتن هو الموافق للارتكاز المتقدم.

[٣] بل الظاهر أنه معلوم العدم بالنسبة إلى قراب السيف ونحوه.

[٤] فقد نص في الجواهر على حرمة المذكورات ، عدا قاب الساعة فلم يتعرض له. ولعل الحرمة فيه أظهر من الحرمة في مثل قراب السيف.

١٧٤

نعم لا بأس بما يصنع بيتاً للتعويذ [١] إذا كان من الفضة ، بل الذهب أيضاً. وبالجملة : فالمناط صدق الآنية ، ومع الشك فيه محكوم بالبراءة.

( مسألة ١٠ ) : لا فرق في حرمة الأكل والشرب [٢] من آنية الذهب‌

______________________________________________________

[١] فقد عرفت النص (١) على جوازه.

[٢] قد عرفت أن النصوص الواردة في الباب على طائفتين ( إحداهما ) : ما تضمن النهي عن الأكل والشرب ( وثانيتهما ) : ما تضمن النهي عن ذات الآنية. ومقتضى الجمود على ما تحت اللفظ في الطائفة الاولى هو تحريم نفس الأكل والشرب ، دون مقدماتهما ، من وضع المأكول والمشروب فيه ، أو تناولهما منه ، فحمل النهي عن الأكل والشرب على خصوص الأول ـ كما عن كاشف اللثام احتماله ـ أو على الثاني ـ كما نسب الى ظاهر كلام جملة من الأصحاب أو جميعهم ـ غير ظاهر. نعم إذا حرم نفس الأكل والشرب حرمت مقدماتهما ، ومنها وضع المأكول في الإناء وتناوله منه إذا كانا بقصد الأكل. لكن الحرمة غيرية ، لا نفسية.

وأما الطائفة الثانية فتحتمل ـ لأول نظرة ـ أموراً ثلاثة ( الأول ) : خصوص الاستعمال المناسب للإناء ، أعني : جعله ظرفاً للمظروفات ( الثاني ) : ما يعم ذلك واستعمالها في الأكل والشرب ولو بالتناول منها ( الثالث ) : خصوص الأفعال التي تترتب على التناول ، كالأدهان والتطيب والوضوء ونحوها. والقدر المتيقن وإن كان هو الأول ، إلا أن الظاهر هو الثاني. وعليه فلو وضع طعاماً في آنية الذهب فتناوله وأكله عصى في كل من الوضع والتناول بمقتضى الطائفة الثانية ، وبالأكل بمقتضى الطائفة الأولى ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

١٧٥

______________________________________________________

وكذا لو وضع شرابه فيه فتناوله وشربه. ولو وضع وضوءه فيه فتناوله وتوضأ ، عصى بالوضع والتناول ، ولم يعص بالوضوء ، لعدم الدليل على حرمة الوضوء منه. ولعله لذلك حكموا بصحة الوضوء من آنية الذهب والفضة من غير خلاف يعرف فيه بينهم ـ كما في الجواهر ـ مع أن ظاهرهم حرمة نفس الأكل والشرب. وعلى هذا تصح نسبة التفصيل إليهم بين الأكل والشرب وبين غيرهما مما يناسبهما ، كالوضوء والادهان والتطيب ، بحرمة الأولين وعدم حرمة الأخير ، لا نسبة عدم الفرق بينهما وبين غيرهما حتى يجب الحكم بحرمة الوضوء وأمثاله ، اعتماداً على ما دل على حرمة الأكل والشرب ، بقرينة الاتفاق بين الأصحاب على عدم الفصل ، كما في الجواهر.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره في الجواهر فإنه (ره) ـ بعد ما استوضح عدم الفرق بين الأكل والشرب وبين غيرهما من أنواع الاستعمال لحكاية الإجماعات على ذلك ، واستظهر أن الأكل والشرب من الآنية عبارة عن الازدراد ونحوه من الأفعال المتعلقة بما في الآنية ـ أفتى ببطلان الوضوء من آنية الذهب والفضة ، تبعاً لما ذكره العلامتان الطباطبائي وكاشف الغطاء ( قدهما ) توضيح الاشكال فيما ذكره ( قده ) : أن الإجماع على إلحاق غير الأكل والشرب بهما في حرمة الاستعمال ، يراد منه الإلحاق في المعنى الثاني من الأمور الثلاثة التي ذكرناها ، لا الإلحاق في المعنى الثالث ، وإلا فكيف يتناسب الإجماع على الإلحاق ، مع القول بصحة الوضوء من آنية الذهب والفضة ، الذي اعترف (ره) بعدم معرفة الخلاف فيه بينهم ، مع دعوى الإجماع منهم على تحريم نفس الأكل والشرب؟! فالتحقيق إذن هو ما ذكرنا ، من أن عنوان الأكل والشرب بما هو‌

١٧٦

والفضة بين مباشرتهما لفمه ، أو أخذ اللقمة منها ووضعها في الفم. بل وكذا إذا وضع ظرف الطعام في الصيني من أحدهما [١] ، وكذا إذا وضع الفنجان في ( النعلبكي ) من أحدهما. وكذا لو فرغ ما في الإناء من أحدهما في ظرف آخر لأجل الأكل والشرب ، لا لأجل نفس التفريغ [٢] ،

______________________________________________________

محرم ، وغيرهما من العناوين لا يحرم إلا بالمقدار الذي يصدق عليه الاستعمال وهو لا ينطبق إلا على أحد المعنيين الأولين ، وإن كان الأظهر انطباقه على الثاني. ولأجل ما ذكرنا عبّر في الشرائع بقوله : « لا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب أو فضة ، ولا استعمالها في غير ذلك » فلم يعطف غير الأكل والشرب عليهما ، وإنما عطف الاستعمال في غيرهما عليهما ، فدل ذلك على أن غير الأكل والشرب لا يحرمان ، وإنما يحرم استعمال الآنية فيه. وفي غير الشرائع اختلف تعبيرهم ، فبعضهم عبر بقوله : « لا يجوز استعمالها في الأكل والشرب وغيرهما » وبعضهم عبر بغير ذلك ، ولم أعثر على من عبّر بقوله : يحرم الأكل والشرب والوضوء والغسل والادهان ونحوها من الأفعال في آنية الذهب والفضة. فلاحظ جيداً.

[١] فإنه كما لو وضع فيه المأكول. بل الظاهر أنه لو وضعه فيه عصى. ولم يجز لغيره أن يأكل من ظرف الطعام الموضوع فيه ، لما عرفت من استفادة عموم الاستعمال المحرم لمثل ذلك من الطائفة الثانية. وكذا الكلام في وضع الفنجان في صحنه ( النعلبكي ).

[٢] قد عرفت أن استعمال الإناء ( تارة ) : يكون باتخاذه ظرفاً ( وأخرى ) : يكون بالتناول منه لأجل الأكل والشرب. وهو بالمعنى الأول ضد التفريغ ذاتاً ، وأما بالمعنى الثاني فهو متحد مع التفريغ ذاتاً ،

١٧٧

فان الظاهر حرمة الأكل والشرب [١] ، لأن هذا يعد أيضاً استعمالا لهما فيهما. بل لا يبعد حرمة شرب الچاي في مورد يكون ( السماور ) من أحدهما ، وإن كان جميع الأدوات ما عداه من غيرهما. والحاصل : أن في المذكورات كما أن الاستعمال حرام ، كذلك الأكل والشرب أيضاً حرام. نعم المأكول والمشروب لا يصير حراماً [٢] ،

______________________________________________________

لكنه يختلف عنه بلحاظ الغاية المترتبة عليه ، فان الماء المخرج بالدلو من البئر إن ألقاه في البئر كان تفريغاً للدلو ، وإن ألقاه في القربة كان استعمالا وكأن سر الفرق : أن الاستعمال يراد به الاستعانة بالإناء في الغايات المقصودة منه ، فلو اتفق أنه كان تقريغ ما في الدلو في البئر لغاية مقصودة من الدلو كان استعمالاً له محرَّماً أيضاً.

[١] بل الظاهر من الأكل من آنية الذهب كون الأكل منها بلا واسطة إناء آخر ، فلا يحرم الأكل والشرب في الفرض ، ولا فيما بعده.

[٢] من الواضح أن حرمة المأكول إنما هي بمعنى حرمة أكله ، إذ الحرمة إنما تتعلق بالأفعال لا بالأعيان. غاية الأمر أن الحرمة ( تارة ) : تثبت لأكل الشي‌ء بعنوانه الأولي ، كحرمة أكل الميتة ( وأخرى ) : تثبت له بعنوان ثانوي ، كحرمة أكل المغصوب ، والجلاَّل ، والموطوء ، والمضر ، وغيرها. والحرمة في المقام من قبيل الثاني ، كما هو ظاهر. وقد يوهم كلام المفيد أنه من الأول ، لكنه غير مراد له قطعاً. نعم قد يظهر من كلامه حرمة كينونته في الجوف ، بحيث يجب قيؤه ، كما قد يعطيه ما‌ في النبوي : « إنما يجرجر في بطنه نار جهنم » (١). لكن لا يساعده‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٤١ من أبواب النجاسات حديث : ٤ ، ٧.

١٧٨

فلو كان في نهار رمضان لا يصدق أنه أفطر على حرام [١] ، وإن صدق أن فعل الإفطار حرام. وكذلك الكلام في الأكل والشرب من الظرف الغصبي [٢].

( مسألة ١١ ) : ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصب الچاي من ( القوري ) من الذهب أو الفضة في الفنجان ( الفرفوري ) ، وأعطاه شخصاً آخر فشرب ، فكما أن الخادم والآمر عاصيان [٣] كذلك الشارب لا يبعد أن يكون عاصياً [٤] ويعد هذا منه استعمالاً لهما.

( مسألة ١٢ ) : إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ، ففرغه في ظرف آخر بقصد التخلص من الحرم لا بأس به [٥]

______________________________________________________

ظاهر النصوص. والنبوي ضعيف ، وليس من رواياتنا. مع قرب إرادة حرمة مجرد الأكل منه.

[١] كأنه لأن الظاهر منه العنوان الأولي ، ولو أريد منه الأعم كان صادقاً أيضاً. لكن الإطلاق يقتضي الأعم من العنوان الثانوي ، والانصراف إلى العنوان الأولي ليس بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] لكن سيأتي منه في الصوم أن الإفطار على المغصوب إفطار على الحرام. وعليه فالمقام كذلك ، للاشتراك في الحرمة من حيث العنوان الثانوي. إلا أن يدّعى أن الحرام في المقام أمر لا ينطبق على الازدراد. وهو ـ كما ترى ـ خلاف ظاهر النصوص ، كما عرفت.

[٣] الأول للاستعمال ، والثاني للأمر بالمعصية.

[٤] لكن عرفت أنه ممنوع.

[٥] قد عرفت أنه يتوقف على أن لا يكون التفريغ في الإناء الآخر‌

١٧٩

ولا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا [١].

( مسألة ١٣ ) : إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في إحدى الآنيتين ، فإن أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب [٢] ، وإلا سقط وجوب الوضوء أو الغسل [٣] ، ووجب التيمم. وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل ، سواء أخذ الماء منهما بيده [٤] ، أو صب على محل الوضوء بهما ، أو ارتمس فيهما. وإن كان له‌

______________________________________________________

من الغايات المقصودة لوجود الإناء ، وإلا كان استعمالاً له محرّماً ، كتفريغ ما في ( السماور ) في إبريق الشاي. غاية الأمر أنه تخلص عن الاستعمال الحاصل بوضع الماء في ( السماور ) إلى نوع آخر منه ، وهو إفراغه لنضج الشاي ، وإنما لا يكون استعمالاً محرّماً إذا أفرغ في الكوز.

[١] قد عرفت أنه لا يحرم وإن لم يقصد التخلص.

[٢] يعني : مقدمة لوجوب الوضوء ، وليس هو من الاستعمال المحرّم نعم يشكل الفرق بينه وبين تفريغ الشاي من الإبريق في الفنجان لأجل الشرب ، فان التفريغ هنا أيضاً لأجل الوضوء. اللهم إلا أن يكون الفرق من جهة الأعداد ، فإن الإبريق معدٌّ لأن يفرغ منه في الفنجان ، وهنا ليس كذلك. فتأمل جيداً.

[٣] لكون الوضوء أو الغسل استعمالاً محرّماً ، كما يراه المصنف (ره) في جميع الصور الثلاث الآتية. لكن عرفت أنه في صورة أخذ الماء بيده لا يكون استعمالا محرماً ، لكن يسقط وجوبه للتوقف على الحرام ، وهو التناول. وقد تقدم في الوضوء من الإناء المغصوب ماله نفع في المقام. فراجع‌

[٤] قد عرفت في الوضوء من الإناء المغصوب إمكان القول بالصحة في هذه الصورة.

١٨٠