مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

١

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فصل في صلاة المسافر

لا إشكال في وجوب القصر على المسافر [١] ، مع اجتماع

______________________________________________________

فصل في صلاة المسافر‌

[١] ادعى غير واحد عليه الإجماع ، بل الضرورة من الإمامية ( رض ) وحكي أيضاً عن أكثر العامة. ويدل عليه النصوص الكثيرة ، ففي صحيح زرارة ومحمد : « قلنا لأبي جعفر (ع) : ما تقول في الصلاة في السفر؟ إلى أن قال (ع) : فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر قالا : قلنا له : إنما قال الله عز وجل ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) (١) ولم يقل : ( افعلوا ) ، فكيف أوجب ذلك؟! فقال (ع) : أوليس قد قال عز وجل في الصفا والمروة ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما )؟ (٢) ألا ترى أن الطواف بهما واجب مفروض ، لأن الله عز وجل ذكره في كتابه. وصنعه نبيه؟ وكذلك التقصير. » (٣)

__________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) البقرة : ١٥٨.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

٣

الشرائط الآتية [١] ، بإسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعيات [٢]. وأما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما. وأما شروط القصر فأمور وأما شروط القصر فأمور :

الأول : المسافة [٣] ، وهي ثمانية فراسخ امتدادية [٤]

______________________________________________________

[١] للأدلة الآتية الدالة على شرطيتها.

[٢] بلا خلاف. ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « عشر ركعات ، ركعتان من الظهر ، وركعتان من العصر ، وركعتا الصبح ، وركعتا المغرب ، وركعتا العشاء الأخيرة ، لا يجوز فيهن الوهم‌ .. إلى أن قال : فرضها الله عز وجل‌ .. إلى أن قال : فزاد رسول الله (ص) في صلاة المقيم غير المسافر ركعتين في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وركعة في المغرب للمقيم والمسافر » (١) ‌ونحوه غيره.

[٣] يعني : المحدودة ، إجماعاً من الخاصة والعامة ـ كما عن غير واحد دعواه ـ مع استثناء داود الظاهري ، إذ اكتفى بمجرد الضرب في الأرض. والنصوص بها في الجملة متواترة ، كما سنشير إلى بعضها.

[٤] فلا يعتبر الزائد عليها ، إجماعاً منا حكاه غير واحد. وتدل عليه النصوص المستفيضة ، ففي موثق سماعة : « في كم يقصر الصلاة؟ فقال (ع) : في مسيرة يوم ، وذلك بريدان ، وهما ثمانية فراسخ » (٢). و‌في رواية الفضل : « إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ ، لا أقل من ذلك ، ولا أكثر » (٣) ‌و‌في صحيح الكاهلي : « بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا » (٤) ‌و‌في رواية ابن الحجاج : « أربعة وعشرون ميلا يكون ثمانية فراسخ » (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٥.

٤

ذهاباً أو إياباً ، أو ملفقة من الذهاب والإياب إذا كان الذهاب أربعة أو أزيد [١] ،

______________________________________________________

وفي صحيح أبي أيوب : « في بريدين أو بياض يوم » (١) ‌ونحوها غيرها.

وأما ما ورد في تحديدها بمسيرة يوم وليلة ـ كما في صحيح زكريا ابن آدم (٢) ـ أو مسيرة يومين ـ كما في رواية أبي بصير (٣) ـ أو ثلاثة برد ـ كما في صحيح البزنطي (٤) ـ فهو مطروح ، أو محمول على ما لا ينافي الأول ، أو على التقية.

وأما ما رواه عمرو بن سعيد قال : « كتب إليه جعفر بن أحمد يسأله عن السفر ، وفي كم التقصير؟ فكتب (ع) بخطه ـ وأنا أعرفه ـ : قد كان أمير المؤمنين (ع) إذا سافر وخرج في سفر قصر في فرسخ. ثمَّ أعاد عليه من قابل المسألة ، فكتب إليه : في عشرة أيام » (٥) ‌فالأول منها محمول عند بعضهم على حد الترخص ، ونحوه خبر الخدري عن النبي (ص) (٦) ولكنه ـ كما ترى ـ خلاف المقطوع به. والثاني على مدة قطع الثمانية فراسخ وهو أيضاً خلاف الظاهر ، ولا قرينة عليه. وكأن ارتكاب ذلك كان لعدم صلاحيتها لمعارضة ما عرفت. لكن الأولى إيكال أمرها إلى قائلها ، من دون تعرض للمراد منها من دون شاهد عليه.

[١] كما عن الأكثر ـ كما عن جماعة ـ أو المشهور ـ كما عن آخرين ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٠.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

٥

______________________________________________________

وحكي عن جملة من كتب الصدوق ، والشيخ ، وسلار وحمزة ، والحلي ، والفاضلين والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم. وتدل عليه طائفة من النصوص ، كصحيح معاوية بن وهب : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أدنى ما يقصر فيه المسافر ، فقال (ع) : بريد ذاهباً وبريد جائياً » (١) وصحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن التقصير ، فقال : بريد ذاهب وبريد جائي ( كذا ) قال (ع) : كان رسول الله (ص) إذا أتى ( ذبابا ) قصر. وذباب على بريد ـ وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ » (٢) ‌ونحوهما غيرهما. ومنه ما دل على وجوب التقصير على أهل مكة في خروجهم الى عرفات.

وبها يجمع بين ما دل على تحديد المسافة بالبريدين ، كالطائفة المشار إليها سابقاً ، وبين ما دل على تحديدها بالبريد ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ (٣) ‌ومصحح الخزاز : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أدنى ما يقصر فيه المسافر فقال عليه‌السلام : بريد » (٤) ‌وصحيح الشحام : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : يقصر الرجل الصلاة في مسير اثني عشر ميلا » (٥) ‌ونحوها غيرها فتحمل الأولى على الملفقة ، والثانية على تحديد خط السير في الذهاب والإياب ويوضح ذلك ما في صحيح زرارة السابق من التعليل ، وما في خبر إسحاق المروي عن العلل وغيرها في قوم خرجوا في سفر وتخلف عنهم رجل وبقوا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٤ ، ١٥.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١ ، ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١١.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

٦

______________________________________________________

ينتظرونه ، حيث قال (ع) : « إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا ، وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا ، وإذا مضوا فليقصروا. ثمَّ قال (ع) : هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت : لا أدري. قال (ع) : لأن التقصير في بريدين ولا يكون التقصير في أقل من ذلك ، فلما كانوا قد ساروا بريداً وأرادوا أن ينصرفوا بريداً كانوا قد ساروا سفر التقصير .. » (١) ‌فان الحديثين المذكورين بمنزلة الحاكم على نصوص الثمان المفسر لها بما يشمل الملفقة من الذهاب والإياب ، والمقيد لإطلاق نصوص الأربع ، فيتعين حملهما معاً عليه.

ومنه يظهر ضعف ما عن الذكرى ، والروض ، والمدارك : من الميل إلى التخيير بين القصر والتمام في الثمانية الملفقة ، بحمل الأمر بالتقصير فيها على الوجوب التخييري ، جمعاً بينه وبين ما دل على اعتبار الثمانية الامتدادية فإنه جمع غير ظاهر الشاهد ، بل عرفت كون الشاهد على خلافه ، ولا سيما مع إباء بعض أخبار التقصير الواردة في خروج أهل مكة الى عرفات عنه مثل خبر معاوية بن عمار : « إن أهل مكة إذا خرجوا الى عرفة كان عليهم التقصير » (٢) ، وخبر إسحاق بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : في كم التقصير؟ فقال (ع) : في بريد. ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (ص) فقصروا » (٣) ‌وصحيح معاوية بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات قال (ع) : ويلهم ـ أو ويحهم ـ وأي سفر أشد منه؟! » (٤). فإنها كالصريحة في تحتم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

٧

بل مطلقاً على الأقوى [١] وإن كان الذهاب فرسخاً والإياب‌

______________________________________________________

القصر تعييناً كما لا يخفى. وحمل الإنكار فيها بالويل أو الويح على الإنكار على الالتزام بالتمام والبناء على عدم مشروعية القصر ، لما سنه عثمان ـ كما دل عليه صحيح زرارة (١) ـ مع أنه خلاف الظاهر ، لا يناسب ما في الأول من التعبير بقوله (ع) : « كان عليهم التقصير » ، ولا ما في الأخير بقوله عليه‌السلام : « وأي سفر أشد منه؟! ». ورفع الجناح في الآية الشريفة لا يصلح شاهداً للتخيير ، لما عرفت من اتفاق النص والفتوى على إرادة الوجوب التعييني منه.

كما منه يظهر ضعف ما عن ابن زهرة وأبي الصلاح وغيرهما : من تعين التمام في الأربعة مطلقاً ، كضعف ما عن الكليني : من الاكتفاء بالأربعة الامتدادية مطلقاً. فإنه وإن كان يشهد له نصوص الأربعة في نفسها ، الا أنه لا مجال للاعتماد عليها في ذلك بعد وجوب حملها على إرادة بيان خط السير الذي يكون فيه الذهاب والإياب ، بقرينة ما عرفت من النصوص. ولعل ذلك مراد الكليني (ره) ، فيكون من القائلين بالثمانية الملفقة. نعم قد يشهد لظاهره صحيح عمران بن محمد : « قلت لأبي جعفر الثاني (ع) : جعلت فداك إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ، وربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أم أقصر؟ فقال (ع) : قصر في الطريق ، وأتم في الضيعة » (٢). لكن المتعين طرحه. أو حمل الأمر بالتمام فيه على التقية ، لمعارضة ما عرفت. وحينئذ يكون شاهداً لعدم اعتبار الرجوع ليومه ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[١] لما يستفاد من نصوص الأربعة بعد الجمع بينها وبين نصوص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٤.

٨

______________________________________________________

الثمانية ، من الاكتفاء بالثمانية الملفقة مطلقاً ، ولو بالنحو المذكور. ولا سيما بملاحظة ذيل موثق ابن مسلم : « عن التقصير. قال (ع) : في بريد. قلت : بريد؟ قال (ع) : إذا ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه » (١) ‌فإنه ظاهر في أن المدار على شغل اليوم بالذهاب والإياب ولو مع اختلاف مسافتهما. ومثله في ذلك : التعليل في مصحح زرارة المتقدم الوارد في سفر النبي (ص) إلى ( ذباب ) (٢) ، وخبر إسحاق الوارد في منتظر الرفقة (٣) لكن لا يخفى أن التعليلات المذكورة وإن كانت حاكمة على نصوص الثمان ومقتضية لجواز التلفيق مطلقاً ، إلا أن الجميع مقيد بنصوص البريد ذاهباً وجائياً. والتعليلات المذكورة لا تصلح لتقديمها على نصوص البريد بل يجب حملها عليه حملا للمطلق على المقيد (٤). ولا سيما مع عدم إمكان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩.

(٢) تقدم ذلك في صدر التعليقة السابقة.

(٣) تقدم أيضاً في التعليقة السابقة.

(٤) وبعبارة أخرى : نصوص الثمانية ظاهرة في وجوب البعد ثمانية فراسخ ، ونصوص الأربعة ظاهرة في وجوب البعد أربعة فراسخ ، ونصوص التعليلات لما لم تكن في بيان تعليل الحكم في مقام الثبوت ، وإنما هي في بيان تعليله في مقام الإثبات ، لم تصلح للحكومة الا على نصوص الثمانية ، فتدل على أن المراد منها ما يعم الملفقة بنحو تشمل الأربعة ذهابا والأربعة إيابا. ولا تعرض فيها لإلغاء اعتبار البعد أربعة فراسخ لتكون حاكمة على نصوص الأربعة نعم إطلاق التلفيق يقتضي الاكتفاء بكون مجموع الذهاب والإياب ثمانية ، ولو كان أحدهما أقل من أربعة. لكن هذا الإطلاق مقيد بنصوص الأربعة ، بعد ما لم تكن له حكومة عليها ، حملا للمطلق على المقيد. نعم لو كان التعليل تعليلا للحكم في مقام الثبوت ، كان حاكماً على جميع نصوص التحديد ، ويكون المستفاد منه : كون المدار على الثمانية ولو ملفقة مطلقاً لكن عرفت أنه تعليل للحكم في مقام الإثبات ، وأن التقصير في البريد ذاهباً وجائياً تقصير في البريدين ، فإنما يتضمن إلغاء ظهور البريدين في الامتداديين ، وأن المراد بهما ما يعم الملفقين ، ولا تعرض فيه لإلغاء نصوص البريد ، فيجب العمل بها.

منه قدس‌سره

٩

سبعة. وإن كان الأحوط ـ في صورة كون الذهاب أقل من أربعة مع كون المجموع ثمانية ـ الجمع [١].

______________________________________________________

الالتزام بإطلاق التعليلات المذكورة ، لدلالته على الاكتفاء بمجرد شغل اليوم ولو بالتردد بميل ذاهباً وآئباً أربعاً وعشرين مرة ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ، بل الظاهر أنه لا خلاف في عدم الاكتفاء به. نعم حكي عن التحرير (١) التقصير على إشكال ، ولم يعرف الاشكال فيه من غيره ، ولا منه في غير التحرير. اللهم إلا أن يفرق بين التلفيق من ذهاب واحد وإياب كذلك ، والتلفيق من أكثر من ذهاب وإياب ، كما هو غير بعيد. وسيأتي.

وكيف كان فالمتعين إذاً حمل التعليلات على بيان أن المراد من الثمانية فراسخ الأعم من الامتدادية والملفقة من أربعة الذهاب وأربعة الإياب. وهو أولى من التصرف في نصوص البريد ، بحملها على الغالب ، الموجب للحكم بالتقصير في كثير من فروض التلفيق المستبشع فيها ذلك. وعليه فما عن شرذمة من متأخري المتأخرين : من الحكم بالتقصير في الفرض ونحوه ، ضعيف.

[١] أما في صورة كون الإياب أقل من أربعة فالاحتياط فيها لا مجال له ، لظهور أخبار البريد في كفاية كون الذهاب بريداً في وجوب التقصير غاية الأمر اعتبر في بعض النصوص : ضم الإياب ليكون متمماً للثمانية ، لا أنه ملحوظ بالأصالة في قبال الذهاب ، ليجري الاحتياط في الصورتين معاً. لكن لا يخفى أن جملة من النصوص تضمنت تحديد أقل المسافة ببريد الإياب أيضاً مع بريد الذهاب ، فلا فرق بين الذهاب والإياب في ذلك.

__________________

(١) قال في التحرير : « ولو قصد أربعة فراسخ فان عزم على الرجوع من يومه قصر ، أما لو قصد التردد في ثلاثة فراسخ ثلاث مرات لم يقصر. إلا أن لا يبلغ في الرجوع الأول مشاهدة الجدران ولا سماع الأذان » وظاهره الجزم بوجوب القصر عند التردد فيما دون الأربع.

منه قدس‌سره

١٠

والأقوى عدم اعتبار [١] كون الذهاب والإياب‌

______________________________________________________

فإن أخذ بظاهر التعليلات بني على جواز نقص كل منهما عن البريد مع تكميله بالآخر ، وإلا فلا بد من اعتبار عدم نقص كل منهما عنه. فلاحظ.

[١] كما عن العماني ، ونسبه في محكي كلامه إلى آل الرسول (ص). وعن المفاتيح : نسبته الى الشيخ (ره). وعن مجمع البرهان : نسبته إلى القاضي. واختاره الكاشاني ، والبحراني ، ونسبه ثانيهما إلى جملة من أفاضل متأخري المتأخرين. وهو المشهور بين المعاصرين ، ومن قارب عصرنا. ويقتضيه إطلاق نصوص التلفيق ، بل هو كصريح ما دل على وجوب التقصير على أهل مكة عند خروجهم الى عرفات‌ ، مع عدم ما يشهد لاعتبار الرجوع ليومه ، إلا ما قد يتراءى من ذيل موثق ابن مسلم المتقدم من اعتبار شغل اليوم بالفعل (١). ولكنه ـ كما ترى ـ غير ظاهر ، بل الظاهر كونه في مقام مجرد التقدير ، ليكون نظير الصغرى للكبرى المرتكزة في ذهن السائل من اعتبار الثمانية فراسخ ، المقدرة في جملة من النصوص بمسيرة يوم ، وبياض يوم ، ونحو ذلك ، كما يشهد به مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) المتقدم في نصوص التلفيق (٢) ، فان المراد منهما واحد ، كما يظهر بأقل ملاحظة ويشير إلى ذلك التعبير باليوم ، مع أن السفر قد يكون كله بالليل ، أو بعضه باليوم وبعضه بالليل.

ولقد أطال السيد بحر العلوم (ره) في رسالته في تقريب دلالة الحديث المذكور على اعتبار الرجوع ليومه. كما أتعب نفسه الشريفة في الاستدلال على ذلك بموثق سماعة : « عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال (ع) : في مسيرة يوم ، وذلك بريدان ، وهما ثمانية فراسخ. ومن سافر قصر‌

__________________

(١) تقدم ذلك قريباً.

(٢) تقدم ذلك في أوائل الكلام في هذا الشرط.

١١

______________________________________________________

الصلاة وأفطر. إلا أن يكون رجلا مشيعاً لسلطان جائر ، أو خرج إلى صيد ، أو إلى قرية له يكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصر ولا يفطر » (١). بناء على أن المراد من أهله بلد الخروج ، ويكون معنى قوله (ع) : « أو إلى قرية له .. » أو المسافر إلى قرية له ، مع كون سفره جامعاً للشرائط لأنه مسيرة يوم ذاهباً وجائياً ، ورجوعه ليومه لا يجوز فيه التقصير لانقطاعه بقصد القرية. وبما عن شرح السنة للحسين بن مسعود : « من أن أمير المؤمنين (ع) خرج من الكوفة إلى النخيلة فصلى بالناس الظهر ركعتين ثمَّ رجع من يومه » (٢). فان نقل الرجوع من يومه امارة دخله في قصر الصلاة. وبما عن المقنع : « سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل أتى سوقاً يتسوق بها ، وهي من منزله على أربع فراسخ. فان هو أتاها على الدابة أتاها في بعض يوم ، وإن ركب السفن لم يأتها في يوم. قال (ع) : يتم الراكب الذي يرجع من يومه صوماً ، ويقصر صاحب السفن » (٣). بدعوى كون المعنى : يتم الراكب الذي لا يرجع من يومه إما بتقدير حرف النفي ، أو بحمل الرجوع من يومه على إمكان الرجوع من يومه ولكن لم يرجع.

لكن الجميع ـ كما ترى ـ قاصر الدلالة على ذلك بنحو يعوّل عليه في إثبات الحكم الشرعي ، فضلا عن قصور السند في بعضها. ومجرد الموافقة لفتوى المشهور غير كاف في الجبر ، كما تكرر بيان وجهه في هذا الشرح.

__________________

(١) لاحظ صدره في الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣ ، وذيله في باب : ٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٢) البحار ج : ١٨ صفحة ٦٨٦ الطبع القديم ، كما في هامش جواهر الكلام الجزء : ١٤ صفحة ٢٢٥ الطبع الحديث.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣.

١٢

في يوم واحد [١] ، أو في ليلة واحدة [٢] ، أو في الملفق منهما مع اتصال إيابه بذهابه وعدم قطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء ، بل إذا كان من قصده الذهاب والإياب ولو بعد تسعة أيام يجب عليه القصر. فالثمانية الملفقة كالممتدة في إيجاب القصر‌

______________________________________________________

وعلى هذا فالمتعين الأخذ بما هو المستفاد من النصوص الصحيحة الدالة على تعين القصر ، وإن لم يرد الرجوع ليومه ، الدالة بإطلاقها أو بصريحها على ذلك كما أشرنا إليها من قبل.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المرتضى والحلي والفاضلين في بعض كتبهما : من تعين التمام على غير مريد الرجوع ليومه. كضعف ما عن المشهور : من التخيير له بين القصر والتمام. وما عن التهذيب والمبسوط وغيرهما : من التفصيل بين مريد الرجوع ليومه فيتخير بين القصر والتمام ، وغيره فيتعين عليه التمام. وما عن المفيد وسلار ووالد الصدوق : من التخيير لمريد الرجوع لغير يومه في خصوص الصلاة ، دون الصوم. وغير ذلك من الأقوال. لعدم وضوح المستند لها في قبال ما عرفت ، وإن كان يوافق الثاني الرضوي ، قال فيه : « وإن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ ، ولم ترد الرجوع من يومك ، فأنت بالخيار فإن شئت تممت ، وإن شئت قصرت » (١). لكنه غير ثابت الحجية في نفسه ، ولا يصلح للمعارضة لغيره مما سبق. ودعوى انجباره بفتوى المشهور. ووهن ما سبق بالاعراض عنه غير ثابتة ، لما عرفت من عدم الانجبار بمجرد الفتوى ، وعدم الوهن بمجرد المخالفة ، لأن بنائهم على الجمع بالتخيير فرع الاعتماد عليه لا القدح فيه.

[١] كما هو الموجود في أكثر العبارات.

[٢] كما عن جماعة التصريح به ، بل ظاهر السيد بحر العلوم أو صريحه‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

١٣

إلا إذا كان قاصداً للإقامة عشرة أيام في المقصد أو غيره ، أو حصل أحد القواطع الأخر. فكما أنه إذا بات في أثناء الممتدة ليلة أو ليالي لا يضر في سفره فكذا في الملفقة ، فيقصر ويفطر ولكن مع ذلك الجمع بين القصر والتمام ، والصوم وقضائه في صورة عدم الرجوع ليومه أو ليلته أحوط.

ولو كان من قصده الذهاب والإياب ولكن كان متردداً في الإقامة في الأثناء عشرة أيام وعدمها لم يقصر [١]. كما أن الأمر في الامتدادية أيضاً كذلك.

( مسألة ١ ) : الفرسخ ثلاثة أميال [٢].

______________________________________________________

دعوى الإجماع عليه ، وإن كان مقتضى الجمود على ذيل موثق ابن مسلم المتقدم المشتمل على التعليل عدمه (١). إلا أن يستفاد من النصوص اعتبار اتصال السير عرفاً. فتأمل. ومما ذكرنا يظهر حكم الملفق.

[١] لعدم قصد السفر الواحد ثمانية فراسخ ولو ملفقة ، نظير ما لو قصد الإقامة على رأس الأربعة. إذ كما أن قصد الإقامة مناف لقصد السفر كذلك التردد فيها. وسيأتي التعرض له في الشرط الرابع.

[٢] بلا خلاف ـ كما عن المنتهى ـ وإجماعاً ، كما عن المعتبر والتذكرة والغرية والنجيبية والمفاتيح والكفاية. وعن جماعة : حكاية الاتفاق عليه. ويشهد به ما تقدم من صحيح الكاهلي (٢) ، وخبر عبد الرحمن بن الحجاج (٣) وصحيح الشحام (٤) ، وما في موثق العيص عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) في التقصير : حده أربعة وعشرون ميلا » (٥) ‌بعد الجمع‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أوائل الكلام في هذا الشرط.

(٢) ، (٣) ، (٤) تقدم ذلك كله في الشرط الأول من شروط القصر.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٤.

١٤

والميل أربعة آلاف ذراع [١] بذراع اليد ، الذي طوله أربع‌

______________________________________________________

بينها وبين غيرها ، وغيرها.

[١] كما هو المشهور. وعن المدارك والكفاية : أنه مما قطع به الأصحاب وعن غير واحد : أنه المشهور المعروف بين اللغويين ، والفقهاء ، والعرف. وفي السرائر عن مروج الذهب للمسعودي أنه قال : « الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود ، وهو الذراع الذي وضعه المأمون لذرع الثياب ، ومساحة البناء ، وقسمة المنازل. والذراع أربع وعشرون إصبعاً ». وعن الأزهري : أن الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع ، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع. والخلاف لفظي فإنهم اتفقوا على أن مقداره ستة وتسعون ألف إصبع ، والإصبع ست شعيرات بطن كل واحدة إلى ظهر الأخرى ، ولكن القدماء يقولون : الذراع اثنتان وثلاثون إصبعاً ، والمحدثون : أربع وعشرون إصبعا. ونحوه ما في القاموس : « الميل قدر مد البصر. ومنار يبنى للمسافر ، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع ، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثنى عشر ألف ذراع بذراع المحدثين ». وحكي التقدير بذلك عن نهاية ابن الأثير. وحينئذ يتعين حمل الإطلاق عليه. إذ لا مجال لحمله على مد البصر ، ولا على ما يمتاز فيه الراجل والراكب ، وإن عدا من معانيه ، لعدم انضباطهما. كما لا مجال لحمله على ما تفرد به في محكي تاج العروس : من أنه ستة آلاف ذراع. لندرته وغرابته.

نعم في مرسل الخزاز : « إن كل ميل ثلاثة آلاف وخمس مائة ذراع » (١). لكن. مع إرساله وهجره بين الأصحاب لا مجال للاعتماد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣.

١٥

وعشرون إصبعاً ، كل إصبع عرض سبع شعيرات [١] ، كل شعيرة عرض سبع شعرات ، من أوسط شعر البرذون.

( مسألة ٢ ) : لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ ولو يسيراً لا يجوز القصر ، فهي مبنية على التحقيق ، لا المسامحة العرفية [٢] نعم لا يضر اختلاف الأذرع المتوسطة في الجملة [٣] كما هو الحال في جميع التحديدات الشرعية.

______________________________________________________

عليه. مع إمكان حمله على ذراع خاص يساوي سبعة أثمانه أربعاً وعشرين إصبعاً. وأولى بعدم إمكان الحمل عليه رواية الصدوق للمرسل المذكور هكذا : « كل ميل ألف وخمس مائة ذراع » (١). فان لازم ذلك أن يكون البريد ثمانية عشر ألف ذراع ، التي هي فرسخ ونصف بالفرسخ المتعارف. وهو ـ كما ترى ـ مناف لكون البريدين مسيرة يوم ، كما صرحت به النصوص. فلا معدل عما هو المشهور.

[١] قيل : إنه المشهور. لكن تقدم في محكي كلام الأزهري : أنه ست شعيرات. ولعل الحاجة غير ماسة إلى معرفة ذلك ، لأن الذراع المقدر بأربع وعشرين إصبعاً هو الذراع المتعارف عند الأعراب اليوم ، الذي هو من المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى ، فإنه ست قبضات ، أربع وعشرون إصبعاً ، فيكون المعيار منه المتعارف ، كما هو الحال في سائر التحديدات ، ولا تنتهي النوبة إلى تحديده بالإصبع ، فضلا عن تحديد الإصبع والشعيرة. فلاحظ ، وتأمل.

[٢] كما تقتضيه ظواهر الأدلة في المقام وفي سائر موارد التحديد.

[٣] هذا ينافي ما تقدم من الضبط بالشعرة. وكيف كان فالعمل على أقل الأذرع المتوسطة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٦.

١٦

( مسألة ٣ ) : لو شك في كون مقصده مسافة شرعية أو لا بقي على التمام على الأقوى [١] ،

______________________________________________________

[١] كما عن غير واحد التصريح به ، بل عن الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه. لأصالة التمام ، الراجعة إلى عموم ما دل على وجوب التمام على كل مكلف ، المقتصر في الخروج عنه على المسافر ، فان مقتضى الجمع العرفي بين العام والخاص كون موضوع حكم العام عنوان العام المسلوب عنه الخاص ، فإذا أحرز عنوان العام بالوجدان. وسلب الخاص عنه بالأصل ، كفى ذلك في ثبوت موضوع حكم العام تعبداً ، فيثبت نفسه.

نعم قد يشكل ذلك أولا : بمنع كون مقتضى الجمع العرفي ذلك ، بل ليس موضوع حكم العام إلا الأفراد الواقعية الباقية بعد التخصيص وهي مما لا يمكن إثباتها بالأصل. وثانياً : بأنه يتم لو لم يظهر من الأدلة كون موضوع حكم العام عنواناً وجودياً ، والمقام من الثاني ، فإن المصرح به في بعض النصوص كون موضوع التمام الحاضر أو المقيم ، فلاحظ صحيح زرارة المتقدم فيما يقصر من الصلاة (١). وحينئذ فإثبات وجود التمام بأصالة عدم السفر الخاص مبني على صلاحية إثباته عنوان الحاضر ، وهو مبني على القول بالأصل المثبت.

ويندفع الأول : بأنه وإن كان قريباً ، لكن دعوى كون مقتضى الجمع العرفي ذلك أقرب. ويندفع الثاني : بأن ذكر ذلك في النصوص ليس من باب التقييد ، فإنه خلاف ظاهر أكثر النصوص جداً. ويشهد به عدم اختصاص التمام بالمقيم والحاضر قطعاً ، بل يثبت لكثير من أفراد المسافر ككثير السفر ، والعاصي ، والمتمادي به السير من دون قصد له ، والمتردد ، وغيرهم. فليس موضوع وجوب التمام إلا من لم يكن مسافراً سفراً خاصاً ، فيمكن إثباته بأصالة عدم كون المكلف مسافراً ذلك السفر الخاص. والعلم بوجود السفر‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أول هذا الفصل.

١٧

بل وكذا لو ظن كونها مسافة [١].

( مسألة ٤ ) : تثبت المسافة بالعلم الحاصل من الاختبار وبالشياع المفيد للعلم [٢] ، وبالبينة الشرعية [٣].

______________________________________________________

في الجملة لا يقدح في جريان أصالة عدم السفر الخاص ، لأن العلم بذات المقيد لا ينافي الشك في وجود المقيد بما هو مقيد ، فلا مانع من جريان الأصل فيه. ولأجل ذلك كان بناء الفقهاء ( رض ) على الرجوع إلى أصالة التمام عند الشك في جواز القصر من جهة الشبهة الحكمية لوجوب الرجوع إلى العام عند الشك في التخصيص.

وأما استصحاب الحضر فإن أريد منه استصحاب الحضر بالمعنى العرفي اختص جريانه بصورة الشك في الخروج من البلد بنحو الشبهة الموضوعية. أما إذا كان بنحو الشبهة المفهومية فلا يجري ، لما عرفت مراراً : من عدم جريان استصحاب المفهوم المردد. وأما إذا كان بمعنى ما يقابل السفر الشرعي فمرجعه إلى أصالة عدم السفر.

ثمَّ إنه قد يتوهم : أنه في فرض المسألة يجوز الرجوع إلى إطلاق وجوب القصر على المسافر للعلم بصدق السفر. وفيه : أن الإطلاق المذكور بعد ما قيد بأدلة اعتبار المسافة لا يجوز الرجوع اليه عند الشك في وجود قيده‌

[١] لعدم الدليل على حجية مطلق الظن في الأحكام ، فضلا عن الموضوعات. واحتمل في الروض الاكتفاء بالظن القوي ، لأنه مناط العمل في كثير من العبادات. وهو كما ترى.

[٢] كان الأولى الاقتصار على ذكر الشياع بلا قيد ، ليكون معطوفاً على الاختبار.

[٣] بناء على عموم حجيتها ، كما قربناه في مبحث المياه من هذا الشرح (١).

__________________

(١) راجع الجزء الأول المسألة : ٦ من فصل ماء البئر.

١٨

وفي ثبوتها بالعدل الواحد إشكال [١] ، فلا يترك الاحتياط بالجمع.

( مسألة ٥ ) : الأقوى عند الشك وجوب الاختبار أو السؤال [٢] لتحصيل البينة ، أو الشياع المفيد للعلم ، إلا إذا كان مستلزماً للحرج.

( مسألة ٦ ) : إذا تعارض البينتان فالأقوى سقوطهما [٣]

______________________________________________________

[١] وعن الذكرى والروض : احتماله ، لقرب دعوى بناء العقلاء على حجيته مطلقاً ، بل حجية مطلق خبر الثقة. لكن لو تمت دلالة رواية مسعدة (١) على عموم حجية البينة كانت رادعة عن هذا البناء ، فلا مجال للتعويل عليه.

[٢] كما في الجواهر وغيرها ، لقاعدة الامتثال ، وعدم الدليل على معذورية العامل بالأصول النافية قبل الفحص في المقام. وفيه : أن قاعدة الامتثال لا مجال لها مع الأصل المؤمن من الخطر. ودليل الأصل كاف في إثبات العذر ، كما في سائر موارد الشبهات الموضوعية. وما دل على وجوب تعلم الأحكام ـ من الإجماع وغيره ـ غير شامل للمقام.

نعم يمكن أن يقال : إنه يلزم من العمل بالأصل في المقام المخالفة القطعية الكثيرة ، المعلوم عدم جوازها شرعاً ، المستكشف منه وجوب الاحتياط ولكن لزوم ذلك أول الكلام ، بل ممنوع جداً ، لقلة الابتلاء بموارد الشك فتأمل. مع أنه لا يصلح لاستكشاف وجوب الاختبار ونحوه من أسباب العلم وإنما يقتضي وجوب الاحتياط مع عدمه. نعم لو بني على وجوب الجزم بالنية كان ما ذكر في محله. لكن تقدم ضعفه.

[٣] لأصالة التساقط في الأمارات المتعارضة ، كما تحقق ذلك في الأصول.

وعن المحقق تقديم بينة الإثبات ، لأن شهادة النفي غير مسموعة. وفيه :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

١٩

ووجوب التمام [١] ، وإن كان الأحوط الجمع.

( مسألة ٧ ) : إذا شك في مقدار المسافة شرعاً [٢] وجب عليه الاحتياط بالجمع ، إلا إذا كان مجتهداً ، وكان ذلك بعد الفحص عن حكمه ، فإن الأصل هو التمام.

( مسألة ٨ ) : إذا كان شاكاً في المسافة ومع ذلك قصر لم يجز بل وجب عليه الإعادة تماماً [٣]. نعم لو ظهر بعد‌

______________________________________________________

أن عموم حجية الشهادة لا يفرق فيه بين النفي والإثبات ولو كان المستند في الأول الأصل ، فضلا عما لو كان المستند فيه الحس.

اللهم إلا أن يقال : إذا كان المستند للنفي الأصل ترجح بينة الإثبات لأنها حاكمة على الأصل الذي هو مستند بينة النفي ، فإذا سقط الأصل سقطت بينة النفي ، لبطلان مستندها ، كما تقدم ذلك في مباحث أحكام النجاسات.

[١] لأصالة التمام المشار إليها سابقاً.

[٢] يعني : بنحو الشبهة الحكمية. والوجه في وجوب الاحتياط مع ما عرفت من أصالة التمام : هو ما تحرر في محله من وجوب الفحص ، وعدم جواز الرجوع إلى الأصول اللفظية والعملية في الشبهات الحكمية قبل الفحص عن الحجة ، فيجب على العامي الرجوع إلى المجتهد ، وعلى المجتهد الرجوع إلى الأدلة ، وقبل ذلك يجب الاحتياط عقلا الذي هو مفاد قاعدة الاشتغال. نعم يجوز للمجتهد ـ بعد الفحص عما يوجب القصر وعدم عثوره عليه ـ الرجوع إلى أصالة التمام. أما العامي فليس له الرجوع إليها ، لأنه وظيفة المجتهد ، لقدرته على الفحص. وعجز العامي عنه. نعم لو شك بنحو الشبهة الموضوعية رجع إليها ، لأنها وظيفته حينئذ بمقتضى فتوى مجتهده ، وعدم اشتراط جواز الرجوع إليها بالفحص.

[٣] لأصالة التمام المقتضية لوجوب التمام. ومع الغض عن ذلك فمقتضى‌

٢٠