مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

يشكل [١] ، وإن كان الغرض منه زيادة اليقين ، لعده في العرف غسلة أخرى ، وإذا كان غسله لليسرى بإجراء الماء من الإبريق مثلا وزاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضر ما دام يعد غسلة واحدة [٢].

( مسألة ٤٩ ) : يكفي في مسح الرجلين بواحدة من الأصابع الخمس إلى الكعبين أيها كانت [٣] حتى الخنصر منها.

______________________________________________________

[١] بل بناءً على اعتبار المسح ببلل الكف يتحقق الاشكال بمجرد الإمرار وإن لم يصب ماءً جديداً. بل قد يشكل ذلك مع الشك في تحقق غسل اليسرى ، لأن الاحتياط في غسلها يؤدي إلى احتمال مزج بلل الكف ببلل اليد اليسرى. لكن لو بني على ذلك لزم الهرج والمرج ، إذ قلما ينفك متوضئ عن الابتلاء بالشك في الجملة. أما شك الوسواسي فلا عبرة به لخروجه عن المتعارف.

[٢] فيكون بللها بلل الوضوء. لكن الاشكال المتقدم في الوسواسي جارٍ فيه بعينه ، والاختلاف بينهما إنما يكون بالحرمة وعدمها ، لا بالصحة وعدمها.

[٣] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى ، بل في كلام جماعة التصريح به. والله سبحانه أعلم. وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

انتهى ما أردنا الإشارة إلى دليله من أحكام الوضوء ، في خامس رجب المرجب ، عصر الاثنين ، السنة الثامنة والأربعين بعد الألف والثلاثمائة هجرية على مهاجرها أفضل السلام وأكمل التحية.

الأقل ( محسن ) خلف العلامة المرحوم السيد ( مهدي ) الطباطبائي الحكيم.

٤٢١

______________________________________________________

فصل في شرائط الوضوء‌

( الأول ) : إطلاق الماء [١] ، فلا يصح بالمضاف ولو حصلت الإضافة بعد الصب على المحل ، من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه ، فاللازم كونه باقياً على الإطلاق إلى تمام الغسل [٢] ( الثاني ) : طهارته [٣].

فصل في شرائط الوضوء‌

[١] كما تقدم الكلام فيه في الماء المضاف.

[٢] يعني : إلى أن يتحقق مسمى الغسل بالماء المعتبر في الوضوء.

[٣] إجماعاً ، بل ضرورة في الجملة. ويدل عليه النصوص المتجاوزة حد التواتر ، المذكورة في الوسائل في أبواب أحكام المياه ، كأبواب الماء المتغير ، والماء القليل. وماء البئر وغيرها من الأبواب.

فلو توضأ به وصلى وجبت عليه إعادة الوضوء ، وإعادة الصلاة ، في الوقت ، أو قضاؤها في خارج الوقت. أما الإعادة فلأنها مقتضى فوات المشروط بفوات شرطه. مضافاً إلى حديث لا تعاد‌ (١) ونحوه. وأما القضاء فلعموم ما دل على وجوب قضاء الفريضة الفائتة‌ (٢) ، وخصوص ما ورد في قضاء من صلى بغير طهور‌ (٣). وعن السرائر نفي الإعادة والقضاء ، لأن كلاً منهما يحتاج في ثبوته إلى دليل وهو مفقود. وفيه : ما عرفت.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ٣.

٤٢٢

وكذا طهارة مواضع الوضوء [١]. ويكفي طهارة كل عضو قبل غسله ، ولا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محاله طاهراً ، فلو كانت نجسة ويغسل كل عضو بعد تطهيره كفى. ولا يكفي غسل واحد بقصد الإزالة والوضوء وإن كان برمسه في الكر‌

______________________________________________________

وأما ما في الحدائق من أن النجس هو ما علم المكلف بملاقاته للنجاسة فمع الجهل بملاقاة الماء للنجاسة لا يكون نجساً ، بل هو طاهر. ففيه. أنه خلاف المقطوع به من ظاهر الأدلة. والاستدلال عليه‌ بقوله (ع) : « كل ماء طاهر الا ما علمت أنه قذر » (١). « وكل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فاذا علمت فقد قذر » (٢). في غير محله ، إذ ليس هو حكما واقعياً ، ليتوهم تقييده لما دل على ثبوت النجاسة بمجرد الملاقاة ، بل هو ظاهري ، بقرينة ظهور الغاية في العلم بالقذارة ، الدال على احتمال ثبوت القذارة قبل العلم ، الذي هو ظرف الحكم بالطهارة ، فلو حمل على الحكم الواقعي لزم اجتماع الحكمين ولو احتمالا ، وهو ممتنع ، لتضاد الأحكام. وأما ما دل على معذورية الجاهل (٣) فما دل على معذوريته من حيث العقاب لا يدل على نفي الإعادة أو القضاء. وما دل على نفيهما بالعموم مفقود ، أو لا يصلح لمعارضة ما عرفت.

ومنه يظهر ضعف ما عن الشيخ في المبسوط ، من نفي القضاء دون الإعادة ، لأن القضاء بأمر جديد ، وهو مفقود. إذ قد عرفت أنه موجود.

[١] كما هو المشهور. كما في الحدائق وغيرها. لكن في النسبة تأملا ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٤٢٣

______________________________________________________

لقلة المتعرض لذلك ، بل لم أجد في ما يحضرني تحريراً له في المقام ، وإنما حرر في غسل الجنابة ، وقد ذكروا في المسألة أقوالا : وجوب طهارة تمام الأعضاء قبل الشروع في الغسل ، ووجوب طهارة كل جزء قبل الشروع فيه ، وعدم وجوب شي‌ء منهما ، والتفصيل بين الغسل في الكثير وما لو كانت النجاسة في آخر العضو وبين ما لم يكن كذلك. واستُدل للأول بظاهر الأخبار الواردة في بيان كيفية غسل الجنابة ، المتضمنة للأمر بتطهير الفرج وغيره قبل الشروع فيه‌ (١). وللثاني بأصالة عدم التداخل ، وبأن ماء الغسل لا بد أن يقع على محل طاهر ، وإلا لأجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة ، وبانفعال الماء بمجرد الملاقاة ، فيمتنع الغسل به ، لما سبق. هذا وسيأتي إن شاء الله الكلام في دليل الأول. وأما أدلة الثاني فيمكن الخدش في أولها بأنه لو تمَّ اقتضى وجوب الغسل ثانياً للتطهير من الخبث ، ولم يقتض بطلان الغسل. إلا أن يقال : عُلم من مذاق الشارع أن رفع الخبث يحصل بمجرد الغسل ، فلا بد أن يحتاج رفع الحدث إلى غسل ثان ، لأصالة عدم التداخل. لكن ـ على هذا ـ لا دليل على جريان أصالة عدم التداخل بنحو تستدعي شرطية طهارة المحل ، فإنه خلاف الإطلاق ، كما سيأتي إن شاء الله في غسل الجنابة. وفي الثاني بأنه مصادرة ولا مانع ظاهراً من الالتزام باجزاء الغسل مع بقاء عين النجاسة. وفي الثالث بأنه لا يتم بناءً على طهارة ماء الغسالة ، ولا بناء على نجاسته بالانفصال ، ولا يطرد في صورة الارتماس بالكثير. وكأنه لأجل هذا الإشكال الأخير فصّل بعضٌ التفصيل السابق. وهو المتعين بناء على المختار من انفعال ماء الغسالة بمجرد الملاقاة ، إذ احتمال عدم قدح الانفعال بالاستعمال في جواز‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة.

٤٢٤

أو الجاري. نعم لو قصد الإزالة بالغمس [١] والوضوء بإخراجه كفى [٢]. ولا يضر تنجس عضو بعد غسله وإن لم يتم الوضوء‌

( مسألة ١ ) : لا بأس بالتوضؤ بماء ( القليان ) ما لم يصر مضافاً.

( مسألة ٢ ) : لا يضر في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن بعد كون محاله طاهرة [٣]. نعم الأحوط عدم ترك الاستنجاء قبله [٤].

( مسألة ٣ ) : إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح لا يضره الماء. ولا ينقطع دمه ، فليغمسه بالماء وليعصره قليلا حتى ينقطع الدم آناً ما ، ثمَّ ليحركه بقصد الوضوء مع ملاحظة الشرائط الأخر ، والمحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى ، بأن يقصد الوضوء بالإخراج من الماء.

( الثالث ) أن لا يكون على المحل حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة [٥]. ولو شك في وجوده يجب الفحص حتى يحصل‌

______________________________________________________

الغسل به بعد ذلك مما لا يمكن التعويل عليه.

[١] تحقق الإزالة بالغمس لا يتوقف على القصد.

[٢] لتعدد الغسل ، كما تقدم في الوضوء الارتماسي.

[٣] الظاهر أنه مما لا إشكال فيه هنا. ويكفي في إثباته إطلاق الأدلة.

[٤] لما في بعض النصوص من الأمر بإعادة الوضوء لناسي الاستنجاء ، كما تقدم‌ (١).

[٥] هذا لا ينبغي عده من الشرائط ، كما هو ظاهر ظهور أصل الحكم.

__________________

(١) تقدم في مسألة : ٤ من فصل موجبات الوضوء.

٤٢٥

اليقين أو الظن بعدمه [١] ، ومع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله.

( الرابع ) : أن يكون الماء ، وظرفه ، ومكان الوضوء ، ومصب مائه ، مباحاً [٢] ، فلا يصح لو كان واحد منها غصباً ، من غير فرق بين صورة الانحصار وعدمه ، إذ مع فرض عدم الانحصار وإن لم يكن مأموراً بالتيمم ، إلا أن وضوءه حرام ،

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام فيه في غسل الوجه ، كما تقدم في المتن اعتبار الاطمئنان.

[٢] أما اعتبار إباحة ماء الوضوء في الجملة فقد استفاض نقل الإجماع عليه ، ويظهر من غير واحد ذلك ، حتى من القائلين بجواز اجتماع الأمر والنهي ، ولذلك استدل بعض عليه بالإجماع. مضافاً إلى قاعدة الامتناع. نعم عن الدلائل أنه حكى عن الكليني رحمه‌الله القول بجواز الوضوء بالمغصوب ، وأنه قوّاه. إلا أن في قدح مثل ذلك في الإجماع منعاً. وعليه فالبطلان واضح مع غصبية الماء ، لأن الوضوء به تصرف فيه محرم. وكذا مع غصب الظرف ، بناء على صدق التصرف فيه على الوضوء منه. لكن عرفت الاشكال فيه في حكم الأواني. فراجع.

وكذا مكان الوضوء ، بمعنى الفضاء الذي يكون فيه العضو ، لأن وجود البلل على العضو وإمرار العضو الماسح فيه نحو من التصرف فيه. إلا أن تمنع حرمته ، لانصراف دليل حرمة التصرف في مال غيره إلا بإذنه ورضاه عن الفضاء ، أو مثل هذا النحو من التصرف ، أو يمنع انطباق التصرف على الوضوء ، لأنه عبارة عن وصول الماء إلى المحل ، وإمرار العضو الغاسل أو الماسح مقدمة له ، كما أشار إليه المصنف في أواخر ختام الزكاة. فتأمل. وأما بمعنى المكان الذي يقرّ فيه المتوضي فالبطلان فيه‌

٤٢٦

من جهة كونه تصرفاً [١] ، أو مستلزماً للتصرف في مال الغير فيكون باطلا. نعم لو صب الماء المباح من الظرف الغصبي في الظرف المباح ثمَّ توضأ لا مانع منه [٢] ، وإن كان تصرفه السابق على الوضوء حراماً. ولا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار وعدمه ، إذ مع الانحصار وإن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأموراً بالتيمم إلا أنه بعد هذا يصير واجداً للماء في الظرف المباح. وقد لا يكون التفريغ أيضاً حراماً ، كما لو كان الماء مملوكاً له ، وكان إبقاؤه في ظرف الغير تصرفاً‌

______________________________________________________

ممنوع ، كما عن المعتبر وغيره ، لأن الكون فيه وإن كان تصرفاً فيه محرماً ، لكنه لا يتحد مع الوضوء. وصدق التصرف في المكان المغصوب على نفس الوضوء ـ كما صرح به بعض ، وظاهر ما نسب إلى المشهور من البطلان ـ غير ظاهر.

وأما اعتبار إباحة مصب مائه فلأنه لو كان غصباً كان وجود الماء على الأعضاء من قبيل المقدمات الإعدادية لوجوده في المصب ، فحرمة كونه في المصب تقتضي حرمة مقدماته التي يعلم بترتبه عليها. نعم في ثبوت الإجماع على البطلان حينئذ تأمل أو منع ، بل الظاهر ابتناؤه على القول باستحقاق العقاب على فعلها ولو بلحاظ كون فعلها تجرءاً موجباً للعقاب ، كما هو الظاهر ، فلو منع ذلك كان اللازم القول بالصحة.

[١] قد عرفت منع ذلك إذا كان المغصوب الظرف فقط ، كما عرفت أيضاً في مبحث الأواني إمكان القول بالصحة حينئذ ولو مع الانحصار والاغتراف تدريجاً فراجع.

[٢] لأن الوضوء لا يكون حينئذ تصرفاً في المغصوب ، بل في الظرف المباح‌

٤٢٧

فيه ، فيجب تفريغه حينئذ ، فيكون من الأول مأموراً بالوضوء ولو مع الانحصار.

( مسألة ٤ ) : لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف ، أو النجس ، أو مع الحائل ، بين صورة العلم والعمد والجهل أو النسيان [١]. وأما في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم والعمد [٢] ، سواء كان في الماء أو المكان أو المصب ، فمع الجهل بكونها مغصوبة أو النسيان لا بطلان [٣] ، بل وكذا مع الجهل بالحكم أيضاً إذا كان قاصراً ، بل ومقصراً أيضاً [٤] إذا حصل‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأدلة ، كما تقدم. والتفصيل في النجس من بعض تقدم ضعفه‌

[٢] فإنه المتيقن من معقد الإجماع على البطلان.

[٣] لعدم الإجماع عليه ، ولا يقتضيه القول بالامتناع أيضاً ، لأن المبغوضية الواقعية التي يعذر العبد في مخالفتها لا تنافي العبادية ، فإذا فرض كون الوضوء تاماً في نفسه ، جامعاً لأجزائه وشرائطه حتى حيثية التعبد به كان صحيحاً مسقطاً لأمره ، كما هو موضَّح في محله من مسألة الاجتماع. ومنه يظهر الحكم في الجاهل القاصر.

وفي القواعد : « لو سبق العلم فكالعالم » ، ونحوه عن التذكرة. وعلل بأن النسيان تفريط لا يعذر ( وفيه ) : أنه قد لا يكون عن تفريط. مع أن إطلاق حديث الرفع يقتضي العذر وإن كان عن تفريط. وعدم معذورية الجاهل قبل الفحص ـ مع أنه أحد التسعة المذكورة في الحديث ـ إنما هو للأدلة الدالة على وجوب الفحص في الشبهة الحكمية ، ولا تعم الشبهة الموضوعية ومنه يظهر ضعف ما عن الدلائل من البطلان إذا كان النسيان عن تفريط.

[٤] مجرد حصول نية القربة من الفاعل غير كاف في صحة العبادة ،

٤٢٨

منه قصد القربة ، وإن كان الأحوط مع الجهل بالحكم [١] خصوصاً في المقصر الإعادة.

( مسألة ٥ ) : إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه [٢] ، ويجب تحصيل المباح للباقي. وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح ، هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده ، ويصح الوضوء ، أو لا؟ قولان [٣] ، أقواهما الأول ، لأن هذه النداوة لا تعد مالا ، وليس مما يمكن رده إلى مالكه [٤]. ولكن الأحوط الثاني. وكذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمداً ثمَّ أراد الإعادة ، هل يجب عليه تجفيف ما على‌

______________________________________________________

بل اللازم وقوع الفعل على وجه المقربية ، فإذا كان الجاهل المقصر غير معذور عند العقل ، ويكون مستحقاً للعقاب ، يكون فعله مبعداً له ، فيمتنع كونه عبادة ، لتضاد المقربية والمبعدية. ومنه يتعين القول بوجوب الإعادة على الجاهل المقصر.

[١] لإطلاق حكمهم بوجوب الإعادة على الجاهل ، وإن كان مقتضى تعليلهم بالتقصير الاختصاص بالمقصر.

[٢] لمطابقته للمأمور به.

[٣] حكي الأول عن المقاصد العلية ، وشرح نجيب الدين ، وقد يظهر مما عن مجمع البرهان فيما لو خاط ثوبه بخيط مغصوب ، حيث اختار عدم وجوب النزع ، وإمكان جواز الصلاة في الثوب المخاط به ، إذ لا غصب فيه يجب رده ، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة هنا انتهى ملخصاً.

[٤] هذا غير كاف في الجواز مع بقائه على ملكية المالك ، ولو بالاستصحاب فلا يجوز التصرف فيها. واحتمال اختصاص حرمة التصرف بالمال ـ لأنه‌

٤٢٩

محال الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتى تجف ، أو لا؟ قولان ، أقواهما الثاني [١] ، وأحوطهما الأول ، وإذا قال المالك : أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرف فيها ، لا يسمع منه ، بناء على ما ذكرنا [٢]. نعم لو فرض‌

______________________________________________________

الموضوع في التوقيع‌ والموثق‌ المتقدمين (١) ـ بعيد جداً ، وإلا لجاز التصرف ولو مع إمكان الرد. نعم لو بني على كون الضمان بسبب التلف أو ما بحكمه من قبيل المعاوضة ـ كما يظهر من جماعة ، ومال إليه المصنف رحمه‌الله في حاشيته على المكاسب ، تبعاً لصاحب الجواهر ومجمع البرهان ، ولا يخلو من قوة ، فإنه الموافق للمرتكزات العرفية ، كما أشرنا إلى ذلك في نهج الفقاهة ـ كان اللازم في المقام الالتزام بدخول الرطوبة في ملك المتوضي ، وجاز له المسح بها. لكن يشكل على القول الآخر ، وأن الضمان من قبيل الغرامة لتدارك الخسارة ، وليس فيها معاوضة ، ولذا تثبت في صورة التلف الحقيقي ، الذي لا مجال فيه للقول بدخول التالف في ملك الضامن ، لانعدامه. كما أن دعوى كون الرطوبة من قبيل العرض ، فلا تكون ملكاً لمالك الماء ، غير ظاهرة ، إذ العرض إذا كان أثراً للعين كان ملكاً لمالك العين ، مع أن كونها من قبيل العرض يوجب خروج الفرض عن محل الكلام ، إذ الكلام في الرطوبة التي يصح المسح بها بانتقالها إلى الممسوح ، ومع كونها كذلك لا يمكن الحكم بكونها كالعرض. فتأمل.

[١] يعرف حاله مما سبق.

[٢] قد عرفت أن مجرد ما ذكره لا يقتضي ذلك ، إلا أن يلتزم بخروجه عن الملك.

__________________

(١) تقدما في أول فصل الأواني ، ويأتيان في المسألة السادسة.

٤٣٠

إمكان انتفاعه بها فله ذلك ، ولا يجوز المسح بها حينئذ.

( مسألة ٦ ) : مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف [١] ويجري عليه حكم الغصب ، فلا بد فيما إذا كان ملكاً للغير من الاذن في التصرف فيه صريحاً ، أو فحوى [٢].

______________________________________________________

[١] لأصالة عدم الرضا. إلا أن تكون الحال السابقة هي الرضا ، فيجوز التصرف ، للاستصحاب.

[٢] وهو الأولوية القطعية. هذا ولا يخفى أن الأدلة الدالة على المنع عن التصرف في مال الغير مختلفة ، بعضها ظاهر في اعتبار طيب النفس ، مثل‌ موثق سماعة : « لا يحل مال امرئ مسلم ولا دمه إلا بطيبة نفسه » (١). وبعضها ظاهر في اعتبار الإذن الإنشائي ، مثل‌ التوقيع الشريف المشهور : « لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه » (٢). والجمع بينهما يحتمل بتقييد المستثنى في كل منهما بالآخر ، ومقتضى ذلك اعتبار حصول الطيب النفسي والاذن الإنشائي معاً ، فلا يجتزأ بأحدهما. ويحتمل بتقييد المستثنى منه في كل منهما بالمستثنى في الآخر. ومقتضاه الاجتزاء بأحدهما. ويحتمل أن يحمل الموثق على الحكم الواقعي ، والتوقيع على الحكم الطريقي ، ومقتضاه اعتبار الطيب مطلقاً ، ويكون الإذن الإنشائي طريقاً إليه يرجع اليه عند الشك ، وهذا هو الأقرب عرفاً.

ثمَّ إن ظاهر الموثق اعتبار الطيب الفعلي. لكن السيرة تقتضي الاجتزاء بالطيب التقديري. ويقتضيه ظاهر الاتفاق على جواز التصرف بإذن الفحوى ، فإن أكثر الأمثلة المذكورة لها ليس فيها طيب فعلي ، لتوقفه على حضور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس حديث : ٦.

٤٣١

أو شاهد حال قطعي [١].

______________________________________________________

صورة التصرف في الذهن ، وهو مفقود ، نعم لو التفت إليه المالك لطابت نفسه به ، وهذا هو المراد بالطيب التقديري. نعم إذا كان طيب نفس المالك معلقاً على أمر زائد على الالتفات بأن كان المالك لا تطيب نفسه بالتصرف بمجرد التفاته إليه ، بل يحتاج إلى وعظ ونصح وإرشاد ـ مثلا ـ لم يجزئ مثل هذا الطيب ، ولم يجز التصرف حينئذ.

ثمَّ إن ما ذكرنا من الاجتزاء بالطيب التقديري المعلق على الالتفات يختص بالتصرفات الخارجية ، مثل الإتلاف ونحوه. أما التصرفات الاعتبارية مثل البيع ونحوه فلا يجزئ فيها ذلك عند الأصحاب ، وإن اختار الاجتزاء به بعض المحققين في مبحث الفضولي ، لكنه ضعيف ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من نهج الفقاهة.

كما أن التصرفات الاعتبارية تفترق عن التصرفات الخارجية من وجه آخر ، وهو عدم الاجتزاء بالطيب النفساني فيها وإن اجتزئ به في التصرفات الخارجية ، لما يظهر من بعض الأدلة هناك من اعتبار الرضا الإنشائي زائداً على طيب النفس ، والكلام فيه موكول إلى محله.

[١] كما عن المدارك والرياض ، بل نسب إلى ظاهر كثير. لأصالة عدم حجية الظن. وعن جماعة ـ منهم العلامة المجلسي والمحقق القمي ـ الاكتفاء بالظن. ويمكن الاستدلال له بالسيرة. إلا أن في ثبوتها مع عدم الفعل الدال على ذلك تأملا ، فالاقتصار على المتيقن ـ وهو صورة وجود فعل دال على الرضا ـ متعين ، بل لعل حجية ظهور الفعل كحجية ظهور القول مما استقر عليه بناء العقلاء مع قطع النظر عن سيرة المتشرعة ، فالعمل عليه متعين.

٤٣٢

( مسألة ٧ ) : يجوز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار [١] ، سواء كانت قنوات ، أو منشقة من شط ، وإن لم يعلم رضى المالكين ،

______________________________________________________

[١] هذا منسوب إلى ظاهر الأصحاب. واستدل له ( تارة ) : بأن ذلك حق للمسلمين ، فيجوز لهم. ويشهد له ما ورد من أن الناس في ثلاثة شَرَع سواء : الماء ، والنار ، والكلاء‌ (١). ولا ينافي ذلك قيام الضرورة على انتفاء الاشتراك في كثير من الموارد. فان ذلك من باب التخصيص ، فمع الشك يرجع إلى العام المذكور. وهذا الاستدلال محكي عن المجلسي والكاشاني ( وأخرى ) : بشهادة الحال بالرضا. وهو المحكي عن العلامة والشهيد وغيرهما ( وثالثة ) : بأصالة الإباحة بعد سقوط أدلة المنع عن التصرف في مال الغير ، بمعارضتها بما دل على مطهرية الماء أو انصرافها عن المقام أو بلزوم الحرج الشديد لو لا ذلك ، وللأخبار الكثيرة المتضمنة جواز الشرب والوضوء من الماء ما لم يتغير‌ (٢).

وجميع الأدلة المذكورة كما ترى ، إذ الحق ممنوع ، والخبر ظاهر أو محمول على ما هو مباح بالأصل قبل عروض التملك ، لقيام الضرورة على انتفاء الاشتراك في كثير من الموارد ، إذ البناء على ثبوت عموم الاشتراك ـ إلا ما خرج بالدليل كما سبق في الاستدلال ـ بعيد جداً. ويحتمل الحمل على الحكم الأدبي الاستحبابي. ولكن ما ذكرنا أقرب. وشاهد الحال غير مطرد. ولا تعارض بين أدلة مطهرية الماء وأدلة المنع عن التصرف ، إذ الجمع بينها وبين ما دل على اعتبار القربة هو اعتبار رضا المالك ، لا البناء على التساقط ، ثمَّ الحكم بجواز التصرف في مال الغير والوضوء من مائه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب إحياء الموات حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٣ ، ٩ ، ١٤ وغيرها من أبواب الماء المطلق.

٤٣٣

بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين [١]. نعم مع نهيهم يشكل الجواز [٢]. وإذا غصبها غاصب أيضاً يبقى جواز التصرف لغيره [٣] ما دامت جارية في مجراها الأول ، بل يمكن بقاؤه مطلقاً [٤]. وأما للغاصب فلا يجوز [٥] ، وكذا لاتباعه. من زوجته. وأولاده وضيوفه ، وكل من يتصرف فيها بتبعيته. وكذلك الأراضي الوسيعة [٦] يجوز الوضوء فيها ، كغيره من بعض التصرفات ، كالجلوس والنوم ونحوهما ، ما لم ينه المالك ، ولم يعلم كراهته ،

______________________________________________________

مع أنه لو تمَّ لجرى في سائر المياه المملوكة. وانصراف أدلة المنع عن المقام ممنوع. ولزوم الحرج غير مطرد. مع أنه لا يقتضي جواز التصرف في مال الغير ، فإنه خلاف الامتنان ، وإنما يقتضي نفي وجوب الوضوء. والأخبار الدالة على جواز الوضوء من الماء ما لم يتغير يعلم حالها مما ذكر في أدلة مطهرية الماء. مع أنها أجنبية عن المقام.

فالعمدة إذن في الحكم المذكور هو السيرة القطعية على الوضوء والشرب والغسل وغيرها ، الواجبة الاتباع ، لكشفها عن رضا المعصوم (ع) ، كما أنه يجب الاقتصار على المقدار المتيقن منها ، والرجوع في غيره إلى أصالة المنع.

[١] لدخول ذلك في معقد السيرة.

[٢] للشك في ثبوت السيرة.

[٣] للسيرة. وأما الاستصحاب فمحكوم بعموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه.

[٤] كما هو الظاهر. للسيرة ، ولو ارتكازاً.

[٥] لعموم المنع مع عدم المخرج عنه. وكذا الحال في أتباعه.

[٦] لعين ما سبق.

٤٣٤

بل مع الظن أيضاً الأحوط الترك. ولكن في بعض أقسامها [١] يمكن أن يقال ليس للمالك النهي أيضاً [٢].

( مسألة ٨ ) : الحياض الواقعة في المساجد والمدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلي فيها ، أو الطلاب الساكنين فيها ، أو عدم اختصاصها ـ لا يجوز لغيرهم الوضوء منها [٣] ، إلا مع جريان العادة بوضوء كل من يريد مع عدم منع من أحد ، فإن ذلك يكشف عن عموم الاذن [٤]. وكذا الحال في غير المساجد والمدارس ، كالخانات ، ونحوها.

( مسألة ٩ ) : إذا شق نهر أو قناة من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الذي في الشق [٥] ، وإن كان المكان مباحاً أو مملوكاً له. بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشق وتوضأ في مكان آخر [٦] ، وإن كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة [٧].

______________________________________________________

[١] كالمتسع منها جداً.

[٢] يعني : لو نهى لم يوجب نهيه المنع الشرعي. وكأنه للسيرة ولو ارتكازاً. لكنه مشكل.

[٣] تقدم الكلام فيه في أحكام التخلي.

[٤] أو لأن جريان العادة يكون بمنزلة اليد النوعية ، فيكون أمارة على ثبوت حق للنوع ، كما تقدم التعرض لذلك.

[٥] هذا إذا لم تكن سيرة على جواز الشق ، وإلا جاز الوضوء.

[٦] لعدم ثبوت السيرة.

[٧] يعني : للوضوء.

٤٣٥

( مسألة ١٠ ) : إذا غيِّر مجرى نهر من غير إذن مالكه ـ وإن لم يغصب الماء ـ ففي بقاء حق الاستعمال الذي كان سابقاً من الوضوء والشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال ، وإن كان لا يبعد بقاء هذا بالنسبة إلى مكان التغيير [١] ، وأما ما قبله وما بعده فلا إشكال.

( مسألة ١١ ) : إذا علم أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر [٢]. ولو توضأ بقصد الصلاة فيه ثمَّ بدا له أن يصلي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك فالظاهر عدم بطلان وضوئه [٣] ، بل هو معلوم في الصورة الثانية. كما أنه يصح لو توضأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط ، ولا يجب عليه أن يصلي فيه ، وإن كان أحوط ، بل لا يترك في صورة التوضؤ بقصد الصلاة فيه والتمكن منها [٤].

( مسألة ١٢ ) : إذا كان الماء في الحوض وأرضه وأطرافه مباحاً ، لكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي‌

______________________________________________________

[١] إذ ليس حاله إلا حال من تصرف في الماء تصرفاً غير مأذون فيه شرعاً ، ومثله لا يخرج عن مورد السيرة.

[٢] إذ بالقصد المذكور يعلم بخروجه عن مورد الاذن ، ويكون عاصياً بالوضوء ، فيمتنع تقربه بفعله.

[٣] لعدم كونه معصية حين وقوعه ، فلا موجب لبطلانه في جميع فروض المسألة. نعم يمكن القول بالضمان إذا كان الماء متمولا.

[٤] بل يجوز تركه ، لما عرفت.

٤٣٦

يشكل الوضوء منه [١] ، مثل الآنية إذا كان طرف منها غصباً.

( مسألة ١٣ ) : الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبياً مشكل بل لا يصح ، لأن حركات يده تصرف في مال الغير [٢].

( مسألة ١٤ ) : إذا كان الوضوء مستلزماً لتحريك شي‌ء مغصوب فهو باطل [٣].

( مسألة ١٥ ) : الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت صحة الوضوء من الإناء المغصوب ، وأما الأخذ من الماء للوضوء أو لغيره ، فإنما يحرم إذا كان تصرفاً في القطعة المغصوبة ، لاقتضائه تموج الماء ، الموجب لصدق التصرف فيها عرفاً ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الأواني.

[٢] هذا في حال حركات يده في حال المسح ، أما في حال الغسل فحرمة الحركات لا توجب البطلان ، لأنها خارجة عن حقيقة الوضوء ، وإنما الموجب للبطلان كون وجود الماء على الأعضاء تصرفاً في الفضاء ، وهو عين الوضوء ، فيحرم ، كما تقدم. إلا أن يقال : الغسل العبادي والمسح العبادي عبارة عن الأثر الحاصل من وجود الماء على المحل ، وتحريك اليد سبب له ، ولا مانع من التعبد بالأثر وإن كان السبب حراماً. فتأمل.

[٣] بناء على انتفاء ملاك الوضوء في حال مشروعية التيمم ، فان الوضوء إذا كان مستلزماً للحرام سقط التكليف به للعجر ، فلا يشرع ، ويشرع التيمم ، أما بناء على بقاء ملاكه فإنما يبطل إذا كان علة للحرام. لكن تحقق الفرض مشكل ، إلا على النحو الذي سبق في اعتبار إباحة المصب. فراجع.

٤٣٧

تصرفاً فيها ـ كما في حال الحر والبرد المحتاج إليها ـ باطل [١].

______________________________________________________

[١] لا ينبغي التأمل في أن مجرد الجلوس تحت الخيمة ليس تصرفاً فيها عرفاً ، كالجلوس تحت السماء ، ولو فرض كونه تصرفاً لم يكن فرق بين الحر والبرد وغيرهما من الأحوال. نعم يصح صدق الانتفاع بها في الحالين المذكورين من دون غيرهما. لكن عرفت أن الانتفاع بمال الغير لا دليل على تحريمه ، لأن الموضوع في التوقيع الشريف هو التصرف ، وإطلاق‌ موثق سماعة : « لا يحل مال امرئ مسلم .. » (١) ‌محمول عليه ، كما أشرنا إلى وجهه في مبحث الأواني.

نعم يمكن أن يقال : إذا كان الانتفاع بمال الغير ذا مالية معتد بها عند العقلاء كان مملوكاً للغير ، فيحرم التصرف فيه حينئذ ، لما عرفت من حرمة التصرف بملك الغير ، ولو كان منفعة. ولذا يحرم على مالك العين إذا آجرها الجلوس فيها بغير إذن المستأجر ، لأنه تصرف في منفعة غيره ، وإن لم يكن تصرفاً في عين غيره ، بل كان في عين نفسه. ومن ذلك يصح التفصيل بين صورة الحاجة إلى الخيمة ـ كما في حال الحر والبرد ـ وغيرها إذ في الأولى يكون للخيمة منفعة ذات مالية معتد بها عند العقلاء ، فتكون مملوكة لمالك الخيمة ، فيحرم على غيره الجلوس تحتها ، وفي الثانية لا يكون لها ذلك ، فلا مانع من الجلوس تحتها. ولعل بعض الخيام في بعض المواضع تكون ذات منفعة مملوكة دائماً ، وإن لم يكن حر أو برد ، إذ المنفعة لها تكون كمنفعة الدار لا يختص وجودها بحال أحدهما ، فكأن ذكرهما في المتن من باب المثال. وما ذكرناه مطرد في سائر الأعيان التي يُنتفع بها منفعة ذات مالية بنحو يبذل بإزائها المال ، فلا يجوز استيفاؤها إلا بإذن مالك العين‌

__________________

(١) تقدم في مسألة : ٦ ذكر التوقيع الشريف وموثق سماعة معاً.

٤٣٨

( مسألة ١٦ ) : إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب إلى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه [١].

( مسألة ١٧ ) : إذا اجتمع ماء مباح ـ كالجاري من المطر ـ في ملك الغير إن قصد المالك تملكه كان له [٢] ، وإلا كان باقياً على إباحته [٣] ، فلو أخذه غيره وتملكه ملك ، إلا أنه عصى من حيث التصرف في ملك الغير. وكذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد [٤] ، وما أطارته الريح من النباتات.

______________________________________________________

أما إذا كانت المنفعة لا مالية لها فلا تكون مملوكة لمالك العين ، فلا مانع من استيفائها ، لعدم الدليل على حرمته. ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الأعيان والمنافع ، فإن الأعيان تكون مملوكة وإن لم تكن ذات مالية. بخلاف المنافع فإنها لا تكون مملوكة إلا إذا كان لها مالية. كما أن منه يظهر ان ما في الجواهر من حرمة الجلوس تحت الخيمة ، لأنه انتفاع بها ، غير ظاهر ، إذ لا دليل على حرمة مطلق الانتفاع بمال الغير بغير إذنه. بل لعل الضرورة على خلافه. نعم يشكل الحكم ببطلان الوضوء تحت الخيمة لأن استيفاء منفعتها المحرم لا ينطبق على الوضوء ، فلا موجب للبطلان. ومن ذلك تعرف الإشكال في كلام المصنف.

[١] إذ لا يخرج عن كونه مباحاً.

[٢] مجرد القصد غير كاف في صدق الحيازة ، بل لا بد من أن يكون له فعل اختياري بقصد الاستيلاء على المحاز. فتأمل.

[٣] لاستصحاب بقائه على الإباحة. نعم إذا كان تابعاً للأرض ـ كما إذا نبت عشب أو شجر في ملكه ، أو نبع ماء في ملكه ـ فالظاهر كونه ملكاً له ، لأنه نماء ملكه.

[٤] في الجواهر نفي وجدان الخلاف في عدم تملكه للصيد إذا توحل‌

٤٣٩

( مسألة ١٨ ) : إذا دخل المكان الغصبي غفلة ، وفي حال الخروج توضأ ، بحيث لا ينافي فوريته ، فالظاهر صحته ، لعدم حرمته حينئذ [١]. وكذا إذا دخل عصياناً ثمَّ تاب [٢] وخرج بقصد التخلص من الغصب [٣] ، وإن لم يتب ولم يكن بقصد التخلص [٤] ففي صحة وضوئه حال الخروج إشكال [٥].

( مسألة ١٩ ) : إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح ، فإن أمكن ردَّه إلى مالكه. وكان قابلا لذلك ، لم يجز التصرف في ذلك الحوض. وإن لم يمكن رده يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه ، لأن المغصوب محسوب تالفاً [٦]. لكنه مشكل من دون رضا مالكه.

______________________________________________________

في أرضه إذا لم يقصد اصطياده ، وكذا فيما لو وثبت السمكة في سفينة.

[١] للاضطرار الرافع لفعلية التكليف.

[٢] فإن التوبة توجب كون الخروج المحرم غير مبعد كما لو كانت بعد الخروج.

[٣] قصد التخلص مما لا اثر له في عدم صدق المعصية على الخروج كما أوضحناه في مسألة الاجتماع من حاشية الكفاية ( حقائق الأصول ).

[٤] المناسب الإتيان بـ « أو » بدل « و».

[٥] بل الظاهر جريان حكم الوضوء في الفضاء المغصوب عليه.

[٦] إنما يمكن فرض التلف في غير المتماثلات ، كما لو وقع قليل من المضاف في المطلق ، فإنه بتلاشي أجزائه وتفرقها يكون تالفاً بنظر العرف ، أما في المتماثلات فلا وجه لعده تالفاً ، كما يظهر بالتأمل في الأمثلة ، بل الظاهر أن المالك يكون شريكا في مجموع ماء الحوض بنسبة حصته. وقد‌

٤٤٠