مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

حتى قبل خروج العدة [١] على الأقوى.

______________________________________________________

[١] أما جواز العقد عليها بعد الخروج عن العدة ـ كما جزم به في محكي المسالك ـ فلأن البينونة التي تضمنتها النصوص يراد بها ارتفاع علاقة الزوجية ، لا الحرمة الأبدية. ودعوى : أن إطلاق البينونة يقتضي الحرمة الأبدية ـ كما في الجواهر ـ ممنوعة ، وإنما الذي يقتضي ذلك الإطلاق الأزماني للبينونة ، لكنه غير ثابت. وأما جوازه قبلها فلان الأمر بالاعتداد انما هو بالإضافة إلى غيره من الأزواج ، لا بالإضافة إليه ، فلا مانع من جواز العقد عليها مطلقاً ، كما عن حدود الروضة أن له وجهاً. اللهم الا أن يشك في قابليته للتزويج بها ، فيرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر على العقد كما تقدم.

تنبيه

المحكي عن القواعد وغيرها ـ بل ربما نفي الخلاف فيه ـ تفسير المرتد الفطري بمن انعقد وأبواه أو أحدهما مسلم ، والمصرح به في النصوص‌ (١) كونه مَن ولد على الإسلام ، الظاهر في كونه محكوماً بالإسلام حين الولادة كما أن الظاهر منها أنه يعتبر في تحقق الارتداد مطلقاً أن يصف الإسلام بعد البلوغ ، ثمَّ يكفر ، فلو ولد بين مسلمين فبلغ كافراً ، لم يكن مرتداً فطرياً ، كما هو الظاهر من محكي كشف اللثام. بل عن جماعة ـ منهم الشيخ والعلامة ـ التصريح بأن من بلغ من ولد المسلمين فوصف الكفر يستتاب ، فان تاب وإلا قتل ، فلم يجروا عليه حكم المرتد الفطري. ولكن‌

__________________

(١) تدل على ذلك رواية الحسين بن سعيد المتقدمة في عدم قبول توبة المرتد الفطري.

١٢١

( مسألة ٢ ) : يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهاره الشهادتين [١] وإن لم يعلم موافقة قلبه للسانه [٢] ،

______________________________________________________

مقتضى ما ذكرنا عدم إجراء حكم المرتد مطلقاً ، لعدم تحقق الإسلام حقيقة منه ، ومجرد كونه محكوماً بالإسلام حال الولادة لا يجدي في صدق الارتداد لقصور دليل الإسلام الحكمي عن النظر إلى مثل ذلك. مع أنه لو سلم فاللازم إجراء حكم المرتد الفطري. وكأنهم عولوا في ذلك على بعض النصوص ، كمرسل أبان : « في الصبي إذا شب فاختار النصرانية وأحد أبويه نصراني ، أو مسلمين جميعاً. قال (ع) : لا يترك ، لكن يضرب على الإسلام » (١) ‌، وقريب منه غيره. والكلام فيه موكول إلى كتاب الحدود. فراجع.

[١] لعله من الضروريات التي تساعدها السيرة والنصوص.

[٢] يعني : عقد قلبه على مضمون الشهادتين ، لا اليقين بمضمونهما فان الظاهر خروجه عن حقيقة الإسلام ، ولا يكون انتفاؤه موجباً للكفر وما‌ في صحيح ابن سنان المروي في حدود الوسائل عن أبي عبد الله (ع) : « من شك في الله أو في رسوله فهو كافر » (٢) ‌، و‌رواية سهل : « لا تشكّوا فتكفروا » (٣) ‌، و‌حسن منصور : « قلت لأبي عبد الله (ع) من شك في رسول الله (ص). قال (ع) : كافر » (٤) ‌، وغيرها ، لا بد أن يكون محمولاً على غير ظاهره ، بقرينة جملة أخرى ، كحسنة محمد بن مسلم : « كنت عند أبي عبد الله (ع) جالساً عن يساره وزرارة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب حد المرتد حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٥٢.

(٣) الوافي باب : ٨ من أبواب تفسير الكفر والشرك حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٥٣.

١٢٢

لا مع العلم بالمخالفة [١].

______________________________________________________

عن يمينه ، فدخل عليه أبو بصير فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شك في الله تعالى. قال (ع) : كافر يا أبا محمد. فقال : فشك في رسول الله (ص) فقال (ع) : كافر. ثمَّ التفت إلى زرارة ، فقال : إنما يكفر إذا جحد » (١) ‌و‌في رواية أخرى « لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا » (٢) ‌وقريب منهما غيرهما.

[١] لان القول ملحوظ طريقاً إلى عقد القلب ، فلا يكون حجة مع العلم بمخالفته له. نعم ظاهر بعض النصوص الاكتفاء في صدق الإسلام بمجرد القول باللسان. ففي صحيح حمران : « الايمان ما استقر في القلب وأفضي به إلى الله تعالى ، وصدقه العمل بالطاعة له ، والتسليم لأمر الله. والإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح. » (٣) ‌، ونحوه غيره. ولذا قال في الجواهر ـ في مبحث نجاسة الكافر ـ : « يستفاد من التأمل والنظر في الاخبار خصوصاً ما ورد (٤) في تفسير قوله تعالى ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ) (٥) : أن الإسلام قد يطلق على مجرد إظهار الشهادتين والتلبس بشعار المسلمين ، وإن كان باطنه واعتقاده فاسداً ، وهو المسمى بالمنافق » ، وحكى فيها عن شرح المفاتيح أن الاخبار بذلك متواترة. وهو غير بعيد ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب حد المرتد حديث : ٥٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٨.

(٣) الوافي باب : ١ من أبواب تفسير الايمان والإسلام حديث : ٢.

(٤) راجع الوافي باب : ١ من أبواب تفسير الايمان والإسلام.

(٥) الحجرات : ١٤.

١٢٣

( مسألة ٣ ) : الأقوى قبول إسلام الصبي المميز [١] إذا كان عن بصيرة.

______________________________________________________

ويشير إليه قوله تعالى : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ... ) (١). وحمل التكذيب على معنى عدم اليقين منهم بالرسالة بعيد ، ويلزم منه كون الشاك الملتزم في نفسه بالإسلام منافقاً ، وهو كما ترى. نعم‌ في رواية محمد بن الفضيل في المنافقين : « ليسوا من الكافرين ، وليسوا من المؤمنين ، وليسوا من المسلمين ، يظهرون الايمان ، ويصيرون إلى الكفر ، والتكذيب ، لعنهم الله تعالى » (٢). ولعل المراد نفي الإسلام عنهم بالمعنى الأخص. كما أنه يتعين مما ذكرنا حمل النصوص المتقدمة الدالة على كفر الجاحد على نفي مرتبة خاصة من الإسلام ، كي لا تنافي هذه النصوص.

[١] كما عن الشيخ في الخلاف في خصوص المراهق منه ، ولعل مراده ما في المتن. والوجه فيه : عموم ما دل على معنى الإسلام ، وما يتحقق به ، ولزوم ترتيب أحكامه عليه المنطبق على إسلام الصبي انطباقه على إسلام البالغ. وهذا هو الوجه أيضاً في شرعية عبادات الصبي ، إذ المقام من صغريات تلك المسألة ، فيجري فيه ما يجري فيها من النقض والإبرام. وقد أشرنا في مواضع متعددة من هذا الشرح إلى أن مقتضى إطلاق أدلة التشريع هو شرعية عباداته ، وجريان عامة الأحكام عليها. وحديث رفع القلم‌ (٣) ظاهر في رفع قلم السيئات عنه ، الحاصل برفع الإلزام لا غير ، فلا يقتضي لغوية إسلامه ، كما لا يقتضي لغوية سائر عباداته. وأما ما دل على أن‌

__________________

(١) المنافقون : ١.

(٢) الوافي باب : النفاق من أبواب الكفر والشرك حديث : ١.

(٣) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات : وباب : ٣٦ من أبواب القصاص وباب : ١١ من أبواب العاقلة.

١٢٤

( مسألة ٤ ) : لا يجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل [١] ، بل يجوز له الممانعة منه ، وإن وجب قتله على غيره.

« التاسع » : التبعية. وهي في موارد :

( أحدها ) : تبعية فضلات الكافر ببدنه ، كما مر [٢].

______________________________________________________

عمد الصبي خطأ‌ (١) ، فالظاهر عدم العموم فيه بنحو يشمل المقام. فراجع ما كتبناه في نهج الفقاهة في مبحث اعتبار البلوغ في العاقد.

نعم يقتضي الحديث نفي ارتداده ، وإن حكي عن الخلاف القول بثبوت ارتداد المراهق ، للخبر : « ان الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامة ، واقتص منه ، ونفذت وصيته وعتقه » (٢). لكن لا مجال للعمل به بعد إعراض المشهور عنه ، ومخالفته لحديث رفع القلم عن الصبي ، وللنصوص المتضمنة نفي الحد عن الصبي حتى يحتلم‌ (٣). مع أنه غير ظاهر في تحقق الارتداد بالإضافة إلى الصبي ، وثبوت الحدود التامة عليه في الخبر لا يدل على تحققه ، كما لا يخفى ، فلا بد في تتميم الاستدلال من دعوى صدق الكفر على كفر الصبي كصدق الإسلام على إسلامه.

[١] للأصل. وقوله (ع) : « فقد وجب قتله » ‌ظاهر في وجوبه على غيره ، لا على عامة المكلفين حتى نفسه ، ولا يظن الالتزام بأنه يجب عليه كفاية قتل نفسه.

[٢] ومر وجهه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣٦ من أبواب القصاص ، وباب : ١١ من أبواب العاقلة.

(٢) الخلاف مسألة ، ٢٠ من كتاب اللقطة.

(٣) راجع الوسائل باب : ٨ من أبواب مقدمات الحدود.

١٢٥

( الثاني ) : تبعية ولد الكافر له في الإسلام [١] ، أباً كان أو جداً ، أو أمّاً ، أو جدة [٢].

( الثالث ) : تبعية الأسير للمسلم الذي أسره [٣].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف فيه ولا اشكال ، كما في الجواهر. ويدل عليه‌ خبر حفص بن غياث : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب ، فظهر عليه المسلمون بعد ذلك. فقال : إسلامه إسلام لنفسه ، ولولده الصغار ، وهم أحرار ، وولده ومتاعه ورقيقه له ، فاما الولد الكبار فهم في‌ء للمسلمين ، إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك » (١)

[٢] لا تبعد دعوى إطلاق النص بنحو يشمل الأب والجد. وأما التبعية للأم والجدة فالنص قاصر عن إثباتها ، إلا أن تستفاد مما ادعي تسالم الأصحاب عليه من تبعية الولد لأشرف الأبوين ، وظاهر الجواهر في كتاب الجهاد المفروغية عن عموم الحكم. فراجع.

[٣] يعني : في الطهارة. وعن شرح المفاتيح وغيره نسبته إلى ظاهر الأصحاب. وليس عليه دليل واضح ترفع به اليد عن استصحاب النجاسة الثابتة له قبل الأسر ( ودعوى ) : كونها ثابتة له بما هو تابع لأبويه ، فمع تبعيته للمسلم يتغير الموضوع ، فيمتنع الاستصحاب ، ويرجع إلى قاعدة الطهارة ( مندفعة ) بأن التبعية التي أخذت في موضوع النجاسة هي التبعية النسبية لا الخارجية. وزوالها ممنوع. ولو سلم كونها الخارجية فارتفاعها لا يوجب تغير الموضوع عرفاً. فتأمل.

وأضعف من ذلك التمسك بأدلة الحرج ، إذ لا حرج في النجاسة ، كما في الكبير المسبي. مع أن الكلام لا يختص بمورد الحرج.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب جهاد العدو حديث : ١.

١٢٦

إذا كان غير بالغ [١] ، ولم يكن معه أبوه أو جده [٢].

( الرابع ) : تبعية ظرف الخمر له بانقلابه خلاً [٣].

______________________________________________________

وأضعف منهما دعوى : معارضة استصحاب النجاسة باستصحاب طهارة الملاقي ، فيرجع بعد التعارض إلى قاعدة الطهارة في المتلاقيين معا. إذ فيه : أن الاستصحاب في الملاقي ـ بالفتح ـ حاكم على الاستصحاب في الملاقي ـ بالكسر ـ كما هو موضح في محله.

وربما يتمسك لذلك بالنبوي : « كل مولود يولد على الفطرة .. » ‌(١) لكنه إنما يتم لو كان معناه أن الولد مسلم حتى يهوّده أو ينصره أبواه ، ولازمه الحكم بإسلامه قبل السبي ، وهو خلف. وربما يستدل على الطهارة بالسيرة. ولا بأس به لو تمت. وأشكل من ذلك ما عن الإسكافي ، والشيخ ، والقاضي ، والشهيد ، من تبعيته له في الإسلام. فإن ذلك خلاف الأصل المتقدم. وظاهر النبوي لا يمكن الالتزام به ، كما عرفت. مع أنه خلف. والكلام فيه موكول إلى محله من كتاب الجهاد. كما تقدم أيضاً بعض الكلام في ذلك في مبحث نجاسة الكافر.

[١] فإنه محل الكلام ، دون البالغ ، إجماعاً :

[٢] فلو سبي مع أحدهما ففي الجواهر : « لا خلاف في بقائه على الكفر ، بل في الرياض هو بحكم الكافر قولا واحداً منا ».

[٣] فإنها من ضروريات ما يستفاد من نصوص الطهارة بالانقلاب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب جهاد العدو حديث : ٣ لكنه لم يروه عن النبي (ص) بل عن الصادق (ع) مع اختلاف في اللفظ لا يضر بالمعنى. نعم روى هذا المضمون في الكافي ـ في باب فطرة الخلق على التوحيد ـ عن الباقر (ع) عن النبي (ص). ورواه في كنز العمال الجزء ١ حديث : ١٣٠٨ ، ١٣٠٩.

١٢٧

( الخامس ) : آلات تغسيل الميت [١] من السدّة [٢] ، والثوب الذي يغسله فيه ، ويد الغاسل ، دون ثيابه ، بل الأولى والأحوط الاقتصار على يد الغاسل [٣].

( السادس ) : تبعية أطراف البئر ، والدلو ، والعدة ، وثياب النازح [٤] ، على القول بنجاسة البئر.

______________________________________________________

[١] للإطلاق المقامي ، فان سكوت النصوص عن التعرض لتطهيرها أمارة على طهارتها تبعاً لطهارة الميت. ولا سيما الثوب الذي يغسل فيه ، والخرقة التي تستر بها عورته ، فقد تضمنت النصوص ذكرهما ، وأغفلت حكم تطهيرهما.

[٢] هي الباب الذي يغسل عليه.

[٣] فقد تنظر شيخنا الأعظم (ره) فيما عدا اليد من الآلات. لكن الأولى إلحاق الثوب بها.

[٤] وعن الذكرى الإجماع على طهارة الجدران ، وفي غنائم القمي : « لا إشكال في طهارة الدلو والرشا » ، وفي وسائل البغدادي : « لا تنجس جوانب البئر بما يتقاطر عليها. للحرج المنفي. أو أنها تنجس وتطهر بطهر البئر ، كما في العصير بعد ذهاب ثلثيه ، والخمر المتخلل. وكذا الكلام في الدلو ، والحبل ، وسائر الآلات ، بلا كلام في شي‌ء من ذلك » ، وعن المعالم والمشارق عدم الخلاف في طهارة الدلو والرشا. مضافاً إلى سكوت النصوص عن التعرض لتطهيرها مع الغفلة عنه ، فيكون قرينة على الطهارة. لكنه لا يطرد في مثل الثياب والجوانب ، إذ ليست هي إلا كالأرض التي يلقى فيها الماء النجس ، والحكم في الدلو والرشا والجوانب ينبغي أن يكون من ضروريات الفقه.

١٢٨

لكن المختار عدم تنجسه بما عدا التغير ، ومعه أيضاً يشكل جريان حكم التبعية [١].

( السابع ) : تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير [٢] ، على القول بنجاسته ، فإنها تطهر تبعاً له بعد ذهاب الثلاثين.

( الثامن ) : يد الغاسل ، وآلات الغسل ، في تطهير النجاسات وبقية الغسالة الباقية في المحل بعد انفصالها.

( التاسع ) : تبعية ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل ، كالخيار ، والباذنجان ، ونحوهما ، كالخشب والعود ، فإنها تنجس تبعاً له عند غليانه ـ على القول بها ـ وتطهر تبعاً له بعد صيرورته خلا.

( العاشر ) من المطهرات : زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الإنسان [٣] بأي وجه كان ، سواء كان بمزيل ، أو من قِبل نفسه. فمنقار الدجاجة إذا تلوث بالعذرة يطهر بزوال عينها وجفاف رطوبتها ، وكذا ظهر الدابة المجروح‌

______________________________________________________

[١] لأن التطهير حينئذ يكون بزوال التغير لا بالنزح ، فلا دليل على طهارة آلات النزح. اللهم إلا أن يقال : إن النزح ذكر في صحيح ابن بزيع‌ (١) علاجاً لارتفاع التغير ، فيجري فيه ما يجري في نصوص التطهير بالنزح على القول به.

[٢] يظهر وجه الحكم فيه وفيما بعده مما ذكرنا هنا ، ومما سبق في المطهرات. والله سبحانه أعلم.

[٣] على المشهور ، كما في الحدائق في خصوص الهرة ، وحكى فيها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦.

١٢٩

______________________________________________________

عن جملة من المتأخرين إلحاق كل حيوان غير آدمي بها. والعمدة فيه : السيرة القطعية على مباشرة الحيوانات المعلوم تلوثها بالنجاسة ، كدم الولادة والجروح ، وكالمني الخارج منها بالسفاد ، وكالميتة ، والعذرة ، والمياه النجسة عند الأكل والشرب منها ، وكالمواضع القذرة عند التمرغ فيها ، والنوم عليها .. إلى غير ذلك من الموارد التي لا تحصى مع العلم بعدم ورود المطهّر عليها. وكأنه لوضوح الحكم لم يقع مورداً للسؤال من المسلمين ولا للبيان من المعصومين (ع).

ولأجل ذلك لا يحتاج إلى الاستدلال عليه بإجماع الخلاف على طهارة سؤر الهرة ، أو بالنصوص الكثيرة الدالة على طهارة سؤر الهرة‌ ، والوحش والسباع‌ ، والباز والصقر ، والعقاب ، ونحوها ، مما يغلب تلوثه بالنجاسة‌ (١) بتقريب أنها وإن كانت في مقام إثبات الطهارة الذاتية لسؤرها في قبال النجاسة الذاتية لسؤر مثل الكلب إلا أن عدم التعرض فيها للتنبيه على تخصيص الحكم بصورة عدم تلوثها بالنجاسة وقتاً ما ، مع غلبة التلوث بها ، أمارة على الطهارة ولو في الصورة المذكورة. ولا بمثل‌ صحيح ابن جعفر (ع) : « عن فأرة وقعت في حب دهن ، وأخرجت قبل أن تموت ، أيبيعه من مسلم؟ قال (ع) : نعم ، ويدهن منه » (٢) ‌، بتقريب أن الحكم بطهارة الدهن يدل على طهارة موضع بول الفأرة وبعرها.

ودعوى : اختصاص السيرة بصورة احتمال ورود المطهر. غريبة ، كما يظهر ذلك من ملاحظة سيرة المسلمين الذين يندر جداً وجود المياه الكثيرة أو الجارية في بلادهم ، كأهل الحجاز ونجد. ومنه يظهر ضعف‌

__________________

(١) راجع الوسائل في باب : ٢ ، ٤ ، ٩ من أبواب الأسئار.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الأسئار حديث : ١.

١٣٠

إذا زال دمه بأي وجه ، وكذا ولد الحيوانات الملوَّث بالدم عند التولد .. إلى غير ذلك ، وكذا زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الإنسان [١] ، كفمه ، وأنفه ، وأذنه ، فإذا أكل طعاماً نجساً يطهر فمه بمجرد بلعه. هذا إذا قلنا إن البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة ، وكذا جسد الحيوان. ولكن يمكن أن يقال بعدم تنجسهما أصلا [٢] ، وإنما النجس هو العين الموجودة في الباطن ، أو على جسد الحيوان. وعلى هذا فلا وجه لعده من المطهرات. وهذا الوجه قريب جداً. ومما يترتب على الوجهين أنه لو كان في فمه شي‌ء من الدم ، فريقه نجس ما دام الدم موجوداً على الوجه الأول ، فإذا لاقى شيئاً نجسه بخلافه على الوجه الثاني ، فإن الريق طاهر ، والنجس هو الدم فقط فإن أدخل إصبعه ـ مثلا ـ في فمه ، ولم يلاق الدم لم ينجس ، وإن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأن ملاقاة النجس في الباطن أيضاً موجبة للتنجس ، وإلا فلا ينجس أصلا إلا إذا أخرجه وهو ملوث بالدم.

______________________________________________________

ما عن نهاية الأحكام من اختصاص الحكم بالطهارة بصورة غيبة الحيوان بنحو يحتمل ورود المطهر عليه. وأضعف منه ما عن الموجز من الحكم بالنجاسة حتى يعلم بورود المطهر عليها ، اعتماداً على الاستصحاب. لما عرفت من السيرة القاطعة للاستصحاب وغيره.

[١] بلا خلاف ظاهر ، وفي الجواهر : « انه متفق عليه ، بل قيل : إنه يمكن أن يكون من ضروريات الدين ».

[٢] قد تقدم الكلام في صور المسألة في المسألة الاولى من مبحث‌

١٣١

( مسألة ١ ) : إذا شك في كون شي‌ء من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين ، على الوجه الأول من الوجهين [١] ، ويبنى على طهارته على الوجه الثاني ، لأن الشك عليه يرجع إلى الشك في أصل التنجس [٢].

( مسألة ٢ ) : مطبق الشفتين من الباطن ، وكذا مطبق الجفنين ، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التطبيق [٣].

______________________________________________________

نجاسة البول فراجع. وذكرنا هناك أن مقتضى القواعد عدم نجاسة البواطن. والكلام في جسد الحيوان بعينه الكلام في نجاسة البواطن ، فان مقتضى القواعد فيه هو النجاسة لو كان عموم يقتضي سراية النجاسة بالملاقاة مطلقاً ، وإلا فالأصل يقتضي الطهارة. فراجع وتأمل.

[١] لجريان استصحاب النجاسة.

[٢] فيرجع فيه إلى أصل الطهارة.

[٣] يظهر ذلك مما ورد في الاجتزاء بالغسل الارتماسي‌ (١) لعدم وصول الماء إليها بالارتماس. ويظهر ذلك أيضاً مما ورد في الوضوء من الأمر بصب الماء على الوجه ، أو بغسله‌ (٢) ، فان مطبق الشفتين أو الجفنين مما لا يغسل إلا بنحو من العناية ، فلإطلاق المقامي يقتضي عدم لزوم غسله. هذا بالإضافة إلى الحدث ، أما بالإضافة إلى الخبث فغير ظاهر ، لعدم النص. نعم ورد ما تضمن حصر ما يجب غسله عند الرعاف والاستنجاء فيما ظهر على الأنف‌ والمقعدة‌ (٣) ، والتعدي إلى المقام غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الجنابة حديث : ١٢ ، ١٣.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء.

(٣) راجع الوسائل باب : ٢٤ من أبواب النجاسات.

١٣٢

( الحادي عشر ) : استبراء الحيوان الجَلال ، فإنه مطهر لبوله وروثه [١]. والمراد بالجلال مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذي العذرة ، وهي غائط الإنسان [٢].

والمراد من الاستبراء منعه من ذلك واغتذاؤه بالعلف الطاهر حتى يزول عنه اسم الجلل [٣].

______________________________________________________

ظاهر. ذكر ذلك شيخنا الأعظم (ره). والمرتكزات العرفية تقتضي ما ذكره المصنف (ره) وإلحاق مطبق الشفتين والجفنين بالفم والعين. يظهر ذلك من ملاحظة كيفية غسل العين والفم ، فإنه يكون بلا فتح لهما.

[١] لخروجه عن حرمة الأكل إلى حليته باتفاق النص والفتوى ، فيلحقه حكمه من طهارة بوله وروثه.

[٢] على المشهور. لمرسل موسى بن أكيل عن أبي جعفر (ع) : « في شاة شربت بولا ثمَّ ذُبحت. فقال (ع) : يغسل ما في جوفها ، ثمَّ لا بأس به. وكذلك إذا اعتلفت العذرة ، ما لم تكن جلالة ، والجلالة هي التي يكون ذلك غذاءها » (١). فان الظاهر من العذرة غائط الإنسان لا أقل من الانصراف إليه. وعن الحلبي إلحاق سائر النجاسات بها. ولا وجه له ظاهراً ، فاستصحاب الحل أو قاعدته محكمة ، وفي تعيين المدة التي يحصل بها الجلل إشكال ، لعدم تعرض النصوص لذلك ، كما اعترف به غير واحد. فما عن بعضهم من تقدير المدة بيوم وليلة ، وعن آخر من تقديرها بما يظهر النتن في لحمه وجلده ، وعن ثالث بأنه ما ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءاً منه. غير واضح. فالمرجع مع الشك استصحاب الحل.

[٣] لتبدل الحكم بتبدل موضوعه ، للإجماع الذي عرفته على كون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٢.

١٣٣

والأحوط مع زوال الاسم مضي المدة المنصوصة في كل حيوان بهذا التفصيل : في الإبل إلى أربعين يوماً [١] ،

______________________________________________________

الحرمة تابعة للجلل حدوثاً وبقاءً. مضافاً إلى عموم حل الحيوان ، المقتصر في الخروج عنه على خصوص الجلال ، المختص بحال الجلل ، فلا مجال للرجوع الى استصحاب الحرمة. وهذا ظاهر فيما لم ينص فيه على مدة الاستبراء. أما هو فظاهر المشهور كون المدار في الحل انقضاء مدة الاستبراء فيحرم قبلها وإن انتفى عنه اسم الجلل ، ويحل بعدها وإن بقي له اسم الجلل ، عملا بإطلاق نصوص المدة. وعن الشهيد وجماعة اعتبار أكثر الأمرين ، من المقدار وما يزول به اسم الجلل ، استضعافاً للنصوص وأخذاً بالاحتياط ( وفيه ) : أن النصوص لو سلم ضعف جميعها فهي مجبورة بالعمل. مع أن البناء على ضعفها يقتضي الرجوع إلى القاعدة التي عرفت قيام الإجماع عليها ، من دور ان الحرمة والحل مدار صدق الجلل وعدمه ـ كما هو ظاهر المتن ـ لا الأخذ بالاحتياط. واستظهر في الجواهر الأخذ بالمقدر إلا أن يعلم ببقاء صدق الجلل فيحرم ، ولو مع انقضاء المدة لانصراف نصوص التقدير الى ما هو المعتاد من زوال الاسم بذلك ، لا ما علم بقاء وصف الجلل فيه. ( وفيه ) : أنه إن أراد أن التقدير حجة في مقام الشك ، فالحكم معه ظاهري ، فهو خلاف ظاهر الأدلة ، ولازمه الحكم بالحل مع العلم بانتفاء وصف الجلل ، ولو قبل حصول المقدار. وإن أراد أنه شرط في الحل واقعاً فالانصراف إلى صورة عدم حصول العلم ببقاء الجلل ممنوع.

[١] وعن غير واحد الاتفاق عليه ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه. وهو الذي نص عليه‌ خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) عن

١٣٤

وفي البقر إلى ثلاثين [١] ،

______________________________________________________

أمير المؤمنين (ع) : « الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة أيام ، والبطة الجلالة بخمسة أيام ، والشاة الجلالة عشرة أيام ، والبقرة الجلالة عشرين يوماً ، والناقة الجلالة أربعين يوماً » (١) ‌، ونحوه في الناقة خبر مسمع الآتي‌ وخبر بسام الصيرفي‌ (٢) ، ومرفوع يعقوب بن يزيد‌ (٣).

[١] كما عن الصدوق والإسكافي. ويدل عليه‌ خبر مسمع ـ على رواية الكافي ـ عن أبي عبد الله (ع) : « قال أمير المؤمنين (ع) : الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوماً ، والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوماً ، والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام ، والبطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربى خمسة أيام ، والدجاجة ثلاثة أيام » (٤) ‌، ونحوه في البقرة خبر يونس‌ (٥). والمشهور ـ كما في الشرائع بل في الخلاف والغنية الإجماع عليه ـ أن استبراءها بعشرين يوماً ، كما تضمنه خبر السكوني‌ ، وخبر مسمع المروي في التهذيب عن الكافي‌ (٦) ، وخبر القاسم بن محمد‌ (٧). وعن القاضي والمبسوط أنها في البقرة إلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٢ ورواه في الكافي في باب لحوم الجلالات من كتاب الأطعمة والأشربة حديث : ١٢.

(٥) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث : ٣ ورواه في التهذيب في باب الصيد والذكاة حديث : ١٨٩.

(٧) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٦.

١٣٥

وفي الغنم إلى عشرة أيام [١] ، وفي البطة إلى خمسة أو سبعة [٢] ، وفي الدجاجة إلى ثلاثة أيام [٣] ، وفي غيرها يكفي زوال الاسم [٤].

( الثاني عشر ) : حجر الاستنجاء ، على التفصيل الآتي.

______________________________________________________

أربعين ، لخبر مسمع المروي في الاستبصار عن الكافي‌ (١). وخير الأمور أوسطها ، كما يقتضيه الجمع بين خبر السكوني‌ وغيره.

[١] كما هو المشهور ، وعن الخلاف والغنية الإجماع عليه. لروايات السكوني‌ ، ومسمع‌ ، ويعقوب‌ ، والقاسم بن محمد‌ ، وعن المبسوط أنها سبعة. وفي الجواهر : « لم نجد له دليلا إلا ما في كشف اللثام من أنه مروي في بعض الكتب عن أمير المؤمنين (ع) ». وعن الصدوق : أنها عشرون. ولم يعرف له دليل. وعن الإسكافي : أنها أربعة عشر. لما في خبر يونس‌ ، الذي لا يصلح لمعارضة ما عرفت ،

[٢] فإن الأولى مذكورة في خبري السكوني‌ ومسمع‌ ، وعليهما اعتمد المشهور ، والثانية مذكورة في خبر يونس‌ ، وعليه عول الشيخ في الخلاف. لكن الأخير لا يصلح لمعارضة الأول من وجوه.

[٣] كما هو المشهور ، وعن الخلاف الإجماع عليه. وتضمنته روايات السكوني‌ ، ومسمع‌ ، ويونس‌ ، والقاسم بن محمد‌ ، وعن المقنع : « أنها تربط ثلاثة أيام. وروي يوماً إلى الليل ». وظاهره عدم العمل بما روي كما لم يعرف العمل به من غيره أيضاً.

[٤] كما عرفت وجهه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث : ٣ ورواه في الاستبصار في باب كراهية لحوم الجلالات حديث : ٢‌

١٣٦

( الثالث عشر ) : خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف فإنه مطهر لما بقي منه في الجوف [١].

( الرابع عشر ) : نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر [٢] ، على القول بنجاستها ووجوب نزحها.

( الخامس عشر ) : تيمم الميت بدلاً عن الأغسال عند فقد الماء ، فإنه مطهر لبدنه ، على الأقوى [٣].

( السادس عشر ) : الاستبراء بالخرطات بعد البول ، وبالبول بعد خروج المني ، فإنه مطهر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة. لكن لا يخفى أن عدّ هذا من المطهرات من باب المسامحة. وإلا ففي الحقيقة مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا [٤].

______________________________________________________

[١] كما تقدم في نجاسة الدم.

[٢] فإنه ظاهر الأمر بالنزح.

[٣] استفادة ذلك من عموم مشروعية التيمم وبدليته‌ (١) يتوقف على أحد أمرين : إما كون البدلية بلحاظ الحدث والخبث ، ويكون عدم مطهرية التراب من الخبث في سائر المقامات لأدلة خاصة أوجبت الخروج عن عموم البدلية وبقي المقام داخلاً فيه. وإما كون الخبث في المقام من أحكام الحدث أو من لوازمه ، لا يمكن ارتفاع الحدث وبقاؤه. لكن ثبوت كلا الأمرين محل نظر وتأمل. وأما استفادة ذلك من نص بدلية التيمم في خصوص المقام ـ كما سيأتي في المجدور ـ فغير بعيدة. وسيأتي إن شاء الله بعض ما يتعلق بالمقام.

[٤] وإلا فيكفي في الطهارة الظاهرية قاعدتها ، وأما الطهارة الواقعية‌

__________________

(١) يمكن استفادة العموم المذكور من أحاديث باب : ٧ ، ٢٣ من أبواب التيمم ومن غيرها.

١٣٧

( السابع عشر ) : زوال التغيير في الجاري ، والبئر ، بل مطلق النابع بأي وجه كان. وفي عد هذا منها أيضاً مسامحة ، وإلا ففي الحقيقة المطهر [١] هو الماء الموجود في المادة.

( الثامن عشر ) : غيبة المسلم ، فإنها مطهرة [٢] لبدنه ،

______________________________________________________

فتابعة لوجود موضوعها واقعاً ، وهو مشكوك ، كما سيشير إليه في المتن.

[١] يعني : المقتضي للتطهير. وأما زوال التغير فهو من قبيل عدم المانع.

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، بل حكى الإجماع عليه بعض شراح منظومة الطباطبائي. كذا في الجواهر. نعم ظاهر محكي المفاتيح المنع ، كما أن ظاهر محكي كلام الأردبيلي والمدارك التردد فيه. ويستدل للأول بالإجماع المتقدم المحكي صريحاً ، بل ظاهراً ، كما في طهارة شيخنا الأعظم بل ظاهر المحكي عن تمهيد القواعد أنه إجماع. وبظهور حال المسلم في التنزه عن النجاسة. وبالسيرة القطعية المستمرة على ترتيب آثار الطهارة. وبلزوم الحرج لو لا ذلك. وبفحوى ما دل على حجية إخبار ذي اليد ، من النصوص المتقدمة في المياه‌ (١). لكن العمدة هو السيرة ، إذ الإجماع لم يثبت بنحو يُعتمد عليه ، بل في المستند دعوى الشهرة على النجاسة حتى تعلم الإزالة ، ودعواه الإجماع القطعي على الطهارة بعد ذلك يريد بها الإجماع العلمي ، وهو السيرة. فلاحظ. ولا دليل على حجية ظهور حال المسلم. ولزوم الحرج كلية ممنوع. مع أنه لو سلم فقد عرفت أن مقتضاه جواز الارتكاب تكليفاً ، لا البناء على الطهارة وضعاً ، وترتيب آثارها مطلقاً. اللهم إلا أن يكون المراد لزوم الحرج المؤدي إلى الهرج والمرج في عصر المعصومين (ع) ، فانتفاؤه دليل على الطهارة قطعاً. ولا بأس به حينئذ‌

__________________

(١) في المسألة : ٦ من ذيل فصل ماء البئر ، ج : ١.

١٣٨

أو لباسه ، أو فرشه ، أو ظرفه ، أو غير ذلك مما في يده [١] ، بشروط خمسة [٢] :

______________________________________________________

إلا أن الكلام في ثبوته ، وإن كان غير بعيد. والتعدي من القول إلى الفعل ليس من مقتضى الدلالة بالفحوى. مع أنك قد عرفت اختصاص حجية القول بصورة الأمانة. وربما يستدل بغير ما ذكر مما يظهر عدم صلاحيته للإثبات بأدنى تأمل. نعم لا مجال للمناقشة في السيرة ، فهي العمدة. مضافاً إلى دعوى لزوم الهرج لو لا ذلك ، التي قد عرفت أنها غير بعيدة.

[١] وعن الموجز الاقتصار على البدن ، وصرح في المستند بالاختصاص به. والظاهر عموم السيرة لجميع ما في المتن.

[٢] ظاهر ما في منظومة الطباطبائي ( قده ) من قوله :

واحكم على الإنسان بالطهارة

لغيبة تحتمل الطهارة

وهكذا ثيابه وما معه

لسيرة ماضية متّبعة

الاقتصار على الشرط الأخير ، ومثله في كشف الغطاء قال (ره) : « وهي مطهرة لبدن الإنسان بشرط إسلامه قبل الغيبة أو في أثنائها ، وليس الايمان من شروطها على الأقوى ، ولثيابه على الأقوى ، مع احتمال التطهير. والظاهر إلحاق جميع ما يستعمله المسلمون من حيث يعلمون أو لا يعلمون من فرش وظرف وأماكن ومساكن .. ». وظاهر محكي الذكرى اشتراط التكليف. وعلم المكلف بالنجاسة ، وظاهر محكي المقاصد العلية اعتبار علمه بالنجاسة ، وأهليته للإزالة ، واعتقاده وجوب الإزالة أو استحبابها. ولعل الشرط الأخير راجع إلى ما ذكر في المتن من اشتراط التلبس بما هو مشروط بالطهارة ، وحكي عن بعض الاقتصار في الاشتراط‌

١٣٩

( الأول ) : أن يكون عالماً بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني.

( الثاني ) : علمه بكون ذلك الشي‌ء نجساً أو متنجساً [١] اجتهاداً أو تقليداً.

( الثالث ) : استعماله لذلك الشي‌ء فيما يشترط فيه الطهارة ، على وجه يكون أمارة نوعية على طهارته ، من باب حمل فعل المسلم على الصحة.

( الرابع ) : علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض.

( الخامس ) : أن يكون تطهيره لذلك الشي‌ء محتملاً ،

______________________________________________________

عليه. وفي طهارة شيخنا الأعظم اعتبر حصول الظن الحاصل من شهادة حاله أو مقاله بزوال النجاسة ، فيتوقف غالباً على العلم بها ، وعلى تلبسه بمشروط بالطهارة. والوجه في هذا الاختلاف اختلاف الأدلة المعتمدة في الحكم. أما الثاني منها والخامس فيتوقفان على تمام ما ذكر في المتن ، إذ لا يتحقق الظهور الحاكي عن الطهارة إلا في تلك الحال. وأما الإجماع فمعقد المحكي منه عن شرح المنظومة هو ما تضمنه البيتان المتقدمان ، ومعقد ما حكاه شيخنا الأعظم هو ما ذكره في طهارته مما يرجع إلى ما في المتن ، وقريب منه ما عن تمهيد القواعد. وأما السيرة فثبوت الحكم بها عموماً أو خصوصاً تابع لعموم ثبوتها أو خصوصه. ولكن الظاهر ثبوتها عموماً ، كما في المنظومة وغيرها ، فعدم اعتبار ما ذكر في المتن غير بعيد. ويعرف ذلك من يقيم في بلاد يكثر فيها المخالفون مع ابتلائه بهم.

[١] الأولى الاكتفاء عن هذا الشرط وعما قبله باشتراط علمه بنجاسة أحد المذكورات. كما أن الأولى الاكتفاء عن الثالث والرابع باشتراط استعمال أحد المذكورات فيما يعلم باشتراط الطهارة فيه ، وإن لم تُشترط‌

١٤٠