مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

( الشرط الخامس ) : أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة ، وإلا بطل [١] ، سواء اغترف منه أو إدارة على أعضائه ، وسواء انحصر فيه أم لا. ومع الانحصار يجب أن يفرغ ماءه [٢] في ظرف آخر ويتوضأ به ، وإن لم يمكن التفريغ إلا بالتوضؤ يجوز ذلك [٣] ، حيث أن التفريغ واجب. ولو توضأ منه جهلا أو نسياناً أو غفلة صح كما في الآنية الغصبية [٤]. والمشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه [٥] ، كما يجوز سائر استعمالاته.

( مسألة ٢٠ ) : إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيتها ، أو كونها من الذهب أو الفضة ، ثمَّ تبين عدم كونها كذلك ، ففي صحة الوضوء إشكال ، ولا يبعد الصحة [٦] إذا حصل منه قصد القربة.

______________________________________________________

سبقت الإشارة إلى ذلك.

[١] لكونه تصرفاً في آنية الذهب أو الفضة ، وهو محرم. لكن تقدم الاشكال فيه ، واستظهار الصحة في مبحث الأواني. فراجع.

[٢] وجوباً مقدمياً للوضوء الواجب.

[٣] لكون الوضوء حينئذ تفريغاً لا استعمالا للإناء. ولكنه ـ كما ترى ـ مناف للقول بالبطلان مع إمكان الإفراغ في إناء آخر ، والفرق بين صورة إمكان التفريغ في إناء آخر وغيرها. في صدق الاستعمال في الأولى دون الثانية ـ غير ظاهر.

[٤] إذ المانع جهة المبعدية وهي غير حاصلة.

[٥] لأصالة البراءة.

[٦] بل الظاهر البطلان ، بناء على استحقاق العقاب على التجرؤ ،

٤٤١

( الشرط السادس ) : أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث [١] ، ولو كان طاهراً ، مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدمة. ولا فرق بين الوضوء الواجب والمستحب على الأقوى ، حتى مثل وضوء الحائض. وأما المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا إشكال في جواز التوضؤ منه. والأقوى جوازه من المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، وإن كان الأحوط تركه مع وجود ماء آخر. وأما المستعمل في الأغسال المندوبة فلا إشكال فيه أيضاً. والمراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجاري على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان. وأما ما ينصب من اليد أو الظرف حين الاغتراف ، أو حين إرادة الاجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن ، فليس من المستعمل ، وكذا ما يبقى في الإناء ، وكذا القطرات الواقعة في الإناء ولو من البدن. ولو توضأ من المستعمل في الخبث ، جهلا أو نسياناً بطل ، ولو توضأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالإعادة.

( السابع ) : أن لا يكون مانع من استعمال الماء ، من مرض ،

______________________________________________________

كما هو الظاهر. وقد عرفت أن مجرد نية القربة غير كاف في صحة العبادة ما لم يقع على وجه مقرب. نعم إذا كان الحرام لا ينطبق على الوضوء نفسه ، وإنما لم يشرع للعجز ، بناء على أن العجز مانع عن وجود ملاكه ، فاذا انكشف في الواقع مشروعيته لانتفاء العجز واقعاً ، كان البناء على صحة الوضوء في محله إذا تحققت منه نية القربة ، لعدم المانع عن صحة التقرب.

[١] تقدم الكلام فيه في الماء المستعمل. وكذا الكلام في ما يأتي. فراجع.

٤٤٢

أو خوف ، أو عطش ، أو نحو ذلك ، والا فهو مأمور بالتيمم [١] ،

______________________________________________________

[١] مجمل الكلام أن الأمر بالتيمم ( تارة ) : يستفاد من دليل نفي الحرج‌ (١) الجاري لنفي وجوب الوضوء ( وأخرى ) : من دليل حرمة الضرر‌ (٢).

فان كان الأول فتلك الأدلة وإن دلت بالالتزام على وجوب التيمم للعلم الإجمالي بوجوبه أو وجوب الوضوء ، إلا أن مجرد ذلك لا يقتضي نفي ملاك الوضوء ، لأن الحرج إنما يلزم من لزوم الوضوء ، لا من وجود ملاكه ، فأدلة نفي الحرج إنما تنفي اللزوم لا غير ، ويبقى ملاكه بحاله غير منفي.

( فإن قلت ) : لا دليل على بقاء الملاك بعد انتفاء اللزوم بأدلة نفي الحرج ( قلت ) : أدلة اللزوم تدل بالالتزام على وجود الملاك ، وأدلة نفي الحرج إنما تعارضها في الدلالة على اللزوم ، ولا تعارضها في الدلالة الالتزامية على وجود الملاك ، فاذا بطلت حجيتها في الدلالة على اللزوم لا موجب لبطلان حجيتها في الدلالة الالتزامية ، إذا ساعد على بقاء حجيتها الجمع العرفي. وتبعية الدلالة الالتزامية في الثبوت لا تقتضي تبعيتها في الحجية كلية ، ولذا بنى الأصحاب على حجية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث مع بنائهم على سقوط حجيتهما في المدلول المطابقي. بل المقام أوضح من أن يُستشهد له بمثل ذلك ، فان المفهوم عرفاً من أدلة نفي الحرج هو الامتنان بالتسهيل على العباد ، لا انتفاء الملاك. وأوضح من ذلك نية البدلية بالتيمم في موارد الحرج ، إذ لا معنى للبدلية عن الوضوء إلا إذا كان ملاكه موجوداً ، فان انتفاء ملاك المبدل منه مانع من اعتبار البدلية‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليه في ذيل فصل ماء البئر مسألة : ١٠.

(٢) تقدمت الإشارة إليه في مسألة : ٤٣ في أحكام التقليد.

٤٤٣

______________________________________________________

عنه ، ولذا لا يصح اعتبار بدلية التيمم عن الغسل في موارد الحدث الأصغر ، ولا بدليته عن الوضوء في موارد الحدث الأكبر ، وكيف يمكن الالتزام بأن التيمم مبيح ، وأن الحدث حاصل في حاله ولا ملاك في رفعه؟! وسيأتي إن شاء الله في مبحث التيمم ما له نفع في المقام. وعليه فلو توضأ في مورد الحرج صح وضوؤه ، لوجود ملاكه ، الموجب لمشروعيته ، ولا يتوهم من ذلك الجمع بين الوضوء والتيمم ، فان التيمم إنما يجب بدلا عن الوضوء مبيحاً لغاياته ، فاذا تحقق الوضوء وترتب عليه أثره وهو الطهارة ، لم يكن مجال للبدلية ، فيسقط وجوب التيمم قهراً ، لانتفاء موضوعه.

وإن كان الثاني فدليل حرمة الوضوء الضرري الدال بالالتزام على وجوب التيمم ، وإن كان لا يدل على ارتفاع ملاك الوضوء ، على نحو ما تقدم في أدلة نفي الحرج بعينه ، إلا أنهما يفترقان بأن أدلة الحرج لا تقتضي تحريم الفعل الحرجي ، بخلاف أدلة نفي الضرر ، فان الضرر فيها محرم ، ولو بملاحظة قرينة خارجية من إجماع ونحوه ، فاذا حرم كان تحريمه مانعاً من صلاحية التقرب به. ولا فرق بين العلم بالضرر وخوفه ، لأن خوفه طريق شرعاً إلى ثبوته ، فيكون الاقدام عليه في ظرف وجود الطريق إليه إقداماً على المعصية ، فيمتنع التقرب به ، كما في صورة العلم بالضرر ، فيبطل الوضوء مع العلم بالضرر أو خوفه ، وإن لم يكن ضرر واقعاً ، بناء على استحقاق المتجرئ للعقاب ، ولو قلنا بعدم الاستحقاق صح الوضوء إذا لم يترتب الضرر الواقعي عليه. أما لو كان الضرر مأموناً صح ولو مع الضرر الواقعي به ، لما عرفت من وجود الملاك المصحح للتقرب به من دون مانع من ذلك.

ومما ذكرنا تعرف أن مجرد كون التيمم مأموراً به لا يلازم فساد‌

٤٤٤

ولو توضأ والحال هذه بطل [١]. ولو كان جاهلا بالضرر صح [٢] وإن كان متحققاً في الواقع ، والأحوط الإعادة أو التيمم.

( الثامن ) : أن يكون الوقت واسعاً للوضوء والصلاة ، بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته ولو ركعة منها خارج الوقت [٣] ، وإلا وجب التيمم. إلا أن يكون التيمم أيضاً‌

______________________________________________________

الوضوء. نعم يتم ذلك بناءً على أنه يستفاد من أدلة مشروعيتهما تنافي ملاكيهما ، لتنافي شرطيهما ، وحينئذ فيبطل الوضوء الحرجي ، كما أنه يبطل الوضوء الضرري ولو كان الضرر مأموناً ، لوجوب التيمم واقعاً حينئذ. إلا أن يقال : موضوع مشروعية التيمم هو العلم أو الظن بالضرر ، لا نفس الضرر الواقعي. وحينئذ يكون بطلان الوضوء في حالي العلم أو الظن بالضرر لجهة عدم مشروعيته ، لانتفاء ملاكه ، لا لجهة الحرمة المانعة من صحة التعبدية ، ، كما ذكرنا أولا. وسيأتي إن شاء الله في مبحث التيمم ما يتضح به المقام. فانتظر.

[١] يصح هذا في مثل المرض من أجل أن نفس الوضوء ووصول الماء إلى المحل حرام ، ولا يصح في مثل خوف العطش ، فان المحرم فيه إراقة الماء المؤدية إلى تلفه. أما غسل الوجه وبقية الأعضاء فلا ينطبق عليه الحرام ، وليس هو مقدمة له ، فلا مانع من صحة الوضوء حينئذ.

[٢] هذا مبني على ما ذكرنا من وجود ملاك الوضوء الضرري ، وأن بطلانه من جهة فوات عباديته ، لأن حرمته مانعة من كونه عبادة. أما بناء على انتفاء ملاك وجوب الوضوء الضرري فالمتعين القول بالبطلان ، كما عرفت. فلاحظ.

[٣] لوجوب إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت. وحديث : « من أدرك‌

٤٤٥

كذلك ، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر ، إذ حينئذ يتعين الوضوء. ولو توضأ في الصورة الأولى بطل إن كان قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد [١]. نعم لو توضأ لغاية أخرى أو بقصد القربة صح [٢]. وكذا لو قصد ذلك الأمر بنحو الداعي لا التقييد [٣].

( مسألة ٢١ ) : في صورة كون استعمال الماء مضراً ، لو صب الماء على ذلك المحل الذي يتضرر به ووقع في الضرر ، ثمَّ توضأ ، صح إذا لم يكن الوضوء موجباً لزيادته ، لكنه عصى بفعله الأول.

( التاسع ) : المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار ، فلو باشرها الغير ، أو أعانه في الغسل ، أو المسح ، بطل [٤].

______________________________________________________

ركعة » ‌(١) لا يسوغ جواز إيقاع بعضها في خارج الوقت.

[١] لعدم الأمر المذكور.

[٢] بناء على أن الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضده.

[٣] قد تقدم توضيح ذلك في الوضوءات المستحبة.

[٤] للإجماع على عدم جواز التولية في الوضوء ـ كما عن الانتصار والذكرى ، وظاهر المعتبر ، والمنتهى ـ فان الظاهر من حرمة التولية في معقد هذه الإجماعات هو الحرمة الوضعية ، لا التكليفية ، نظير قولهم : « يجب في الوضوء غسل الوجه .. ». ثمَّ انه يشهد بما ذكر كثير من الخطابات الواردة في الكتاب والسنة ، لظهورها في اعتبار المباشرة. اللهم إلا أن يقال ظاهر الخطابات اعتبار صحة النسبة إلى المخاطب ، فما دل على مشروعية النيابة من بناء العقلاء يكون حاكماً عليه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣٠ من أبواب المواقيت.

٤٤٦

وأما المقدمات للافعال فهي أقسام ( أحدها ) : المقدمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه أو نحو ذلك وهذه لا مانع من تصدي الغير لها [١] ( الثاني ) : المقدمات القريبة ، مثل صب الماء في كفه.

______________________________________________________

وربما يستدل عليه بالأخبار المتقدم إليها الإشارة في كراهة الاستعانة (١) المتضمنة للاستدلال على المنع بقوله تعالى ( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٢). وفيه : أن تطبيق الآية في خبر الوشاء‌ ، ومرسل الفقيه والمقنع ، والمسند في العلل عن شهاب بن عبد ربه‌ ، وغيرها ، إنما كان بلحاظ كون العبادة هي الصلاة ، ومن المعلوم أن صب ماء الوضوء ليس إشراكا في الصلاة ، بل استعانة في مقدماتها ، فالمراد من الإشراك ما يعم الاستعانة ، وقد عرفت أن الاستعانة ليست محرمة لا تكليفاً ولا وضعاً ، لما ورد‌ في صحيح الحذاء أنه صب على يد الباقر (ع) كفاً للوضوء (٣) ‌، ولو فرض إجمال الصحيح كفى الإجماع والسيرة صارفاً لهذه الأخبار عن ظاهرها ، من المنع عن الاستعانة مطلقاً ، ولا سيما مع اشتمالها على بعض الخصوصيات المناسبة للكراهة جداً ، مثل التعبير بالكراهة ، ولا أحب ، وغيرهما. ثمَّ إن الظاهر ان حمل الآية المذكورة على ما تضمنته النصوص من قبيل التفسير بالباطن ، فان ظاهرها الإشراك في المعبودية كما تضمنته رواية جراح المدائني (٤). وكيف كان فالنصوص المذكورة لا مجال للتمسك بها في المقام. فالعمدة في وجه الحكم ما عرفت.

[١] يعني لا منعاً ولا كراهة. لكن ينافيه ظاهر الأخبار المتقدمة ،

__________________

(١) تقدم الكلام في ذلك في أول فصل مكروهات الوضوء.

(٢) الكهف : ١١٠.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ٦.

٤٤٧

وفي هذه يكره مباشرة الغير [١]. ( الثالث ) مثل صب الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لإجرائه وغسل أعضائه. وفي هذه الصورة وإن كان لا يخلو تصدي الغير عن إشكال [٢] ، إلا أن الظاهر صحته [٣]. فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غَسله ، أو أعانه على المباشرة ، بأن يكون الاجراء والغسل منهما معاً.

( مسألة ٢٢ ) : إذا كان الماء جارياً من ميزاب أو نحوه ، فجعل وجهه أو يده تحته ، بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صح ، ولا ينافي وجوب المباشرة [٤]. بل يمكن أن يقال :

______________________________________________________

الدالة على المنع من الاستعانة مطلقاً ولو بالمقدمات البعيدة ، كما اعترف به في محكي شرح المفاتيح ، ونسبه إلى فتواهم ، ثمَّ قال : « ويتعين حمل ما ورد عنهم عليهم‌السلام في طلب إحضار الماء على صورة العسر ، أو بيان الجواز أو بيان عدم الكراهة بالنسبة إلى مثل الابن والمملوك ، إذ الفعل لا يعارض القول .. ( إلى أن قال : ) وفتوى الأصحاب مطلقة ، حتى بالنسبة إلى الابن والمملوك ». فتأمل. فإن رواية الإرشاد المتقدمة في كراهة الاستعانة‌ ظاهرة في كراهة الاستعانة بالغلام. مع أن سياق جميع النصوص عدم الفرق.

[١] فإنها موضوع كلام الأصحاب ، والنصوص المتقدمة.

[٢] لاحتمال فوات المباشرة المعتبرة.

[٣] لأن المراد من المباشرة الواجبة بالإجماع وظاهر النص هي ما يصح معها نسبة الفعل الواجب إلى المكلف مستقلا ، وصب الماء في الفرض المذكور لا ينافي صحة نسبة الغسل إلى المكلف مستقلا.

[٤] لتحققها بالمعنى المتقدم جزماً.

٤٤٨

إذا كان شخص يصب الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد ، وجعل هو يده أو وجهه تحته ، صح أيضاً ، ولا يعد هذا من إعانة الغير أيضاً [١].

( مسألة ٢٣ ) : إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب [٢] ، وإن توقف على الأجرة [٣] ، فيغسل الغير أعضاءه ، وينوي هو الوضوء [٤] ، ولو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده ويصب الماء فيها ويجريه بها هل يجب أم لا؟ الأحوط ذلك. وإن كان الأقوى عدم وجوبه.

______________________________________________________

[١] إذ القصد من أحدهما دون الآخر يوجب نسبة الفعل إلى القاصد كما يظهر ذلك من كلامهم ( رض ) في حكمهم بضمان المسبب القاصد دون المباشر الغافل.

[٢] إجماعاً ، كما عن المنتهى. وعليه اتفاق الفقهاء ، كما عن المعتبر. وهو العمدة فيه. ويشير اليه ما ورد في المجدور والكسير وغيرهما أنهم ييممون (١). و‌صحيح سليمان بن خالد وغيره عن أبي عبد الله (ع) : أنه كان وجعاً شديد الوجع ، فأصابته جنابة وهو في مكان بارد ، قال (ع) : « فدعوت الغلمة فقلت لهم : احملوني واغسلوني ، فحملوني ووضعوني على خشبات ، ثمَّ صبوا علي الماء فغسلوني » (٢).

[٣] لإطلاق معقد الإجماع.

[٤] لأنه المأمور بالوضوء ، وهو المتقرب ، والمباشر المتولي بمنزلة الآلة في حصول الوضوء.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب الوضوء حديث : ١. وباب : ١٧ من أبواب التيمم حديث : ٣.

٤٤٩

لأن مناط المباشرة في الاجراء ، واليد آلة [١] ، والمفروض أن فعل الاجراء من النائب. نعم في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه [٢]. لا النائب ، فيأخذ يده ويمسح بها رأسه ورجليه ، وإن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده ويمسح بها : ولو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بَعَّض.

( العاشر ) : الترتيب بتقديم الوجه [٣] ، ثمَّ اليد اليمنى ،

______________________________________________________

فان قلت : إنما يكون بمنزلة الآلة إذا لم يكن قاصداً للفعل ، أما إذا كان قاصداً له يكون الفعل منسوباً اليه لا إلى العاجز ، فيتعين عليه النية ، ولا تكفي نية العاجز.

قلت : إنما يتم ذلك لو كانت حيثية الصدور قد كلف بها العاجز ، فإنه حينئذ يجب على المعين أن ينوب فيها عن العاجز ، وينوي امتثال أمر العاجز ، ولا تكفي نية العاجز. أما إذا لم يكلف بها العاجز وإنما كلف بنفس الفعل على نحو التسبيب ، بلا ملاحظة حيثية صدوره من الفاعل ، فلا مجال لنية المعين المباشر ، وإن كان قاصداً للفعل ، إذ لا أمر بتلك الحيثية لا متوجهاً اليه نفسه ، ولا متوجهاً إلى العاجز كي ينوب عنه في امتثاله. ومن ذلك يظهر الإشكال في تعبير المصنف (ره) بالنيابة. فلاحظ.

[١] ولذا يجوز للمختار غسل أعضائه بأي آلة غير يده ولو كانت يد غيره.

[٢] لوجوب المسح بها بعينها ، فلا مجال لتركه. وبذلك يتضح الفرق بين آلة الغسل وآلة المسح. وكذا الحال في رطوبة اليد. لكن يشكل وجود الدليل الدال على الاجزاء فيه ، لأن الفائت في مثال الرطوبة الجزء لا محض النسبة.

[٣] إجماعاً ، كما عن الخلاف ، والانتصار ، والغنية ، والسرائر ،

٤٥٠

ثمَّ اليد اليسرى ، ثمَّ مسح الرأس ، ثمَّ الرجلين. ولا يجب الترتيب بين أجزاء كل عضو. نعم يجب مراعاة الأعلى فالأعلى كما مر. ولو أخل بالترتيب ولو جهلا أو نسياناً بطل إذا تذكر بعد الفراغ وفوات الموالاة [١]. وكذا إن تذكر في الأثناء‌

______________________________________________________

والمعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، وغيرها. ويدل عليه في الجملة‌ مصحح زرارة : « قال أبو جعفر (ع) : تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل ، ابدأ بالوجه ، ثمَّ باليدين ، ثمَّ امسح الرأس والرجلين ، ولا تقدمن شيئاً بين يدي شي‌ء ، تخالف ما أمرت به ، فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثمَّ أعد على الرجل » (١) ‌، ويأتي ما يدل عليه أيضاً.

[١] لعدم إمكان التدارك ، لفوات الموالاة. وعن ظاهر التذكرة اختصاص التفصيل المذكور في المتن بالعامد ، أما الناسي فيعيد من رأس ولو مع عدم الجفاف ، وظاهر التحرير عكس ذلك فيعيد العامد حتى مع حصول الجفاف. ووجهما غير ظاهر. والأمر بالإعادة في بعض النصوص ـ كرواية علي : « ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء يعيد الوضوء » (٢) ‌محمول على صورة فوات الموالاة ، بقرينة ما يأتي مما دل على الإعادة بنحو يحصل الترتيب ، أو على إرادة إعادة الجزء من إعادة الوضوء ، كما ذكر في خبر ابن جعفر (ع) الآتي‌. ولو فرض كون الجمع المذكور غير عرفي تعين الجمع العرفي بينهما بالحمل على الاستحباب. مع أنه لو بني على الأخذ به لم يكن وجه للتفصيل بين العمد والسهو. اللهم إلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الوضوء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الوضوء حديث : ١٣.

٤٥١

لكن كانت نيته فاسدة ، حيث نوى الوضوء على هذا الوجه [١] ، وإن لم تكن نيته فاسدة فيعود على ما يحصل به الترتيب [٢].

______________________________________________________

أن يكون وجهه الأخذ بما دل على لزوم الإعادة بعد حمله على خصوص العامد ، وإخراج الناسي منه ، بقرينة خبر منصور الآتي ، الدال على اختصاص الإعادة بالجزء المأتي به على خلاف الترتيب المختص بالناسي ، بقرينة قوله عليه‌السلام : « استيقنت ». لكن اعتبار سند الحديث لا يخلو من إشكال ولو سلم كان حجة لما في ظاهر التحرير ، أما ما هو ظاهر التذكرة فغير ظاهر الوجه.

[١] فإنه تشريع. لكن قد أشرنا في ما سبق إلى أن قدح التشريع إنما يُسلم حيث يكون الامتثال بالجزء للأمر التشريعي ، أما لو كان للأمر الشرعي الواقعي ، ويكون التشريع في أمر المقدار المأتي به على خلاف الترتيب ، لم يكن وجه للبطلان.

[٢] لصدق الامتثال. وللنصوص‌ كرواية ابن أبي يعفور : « إذا بدأت بيسارك قبل يمينك ، ومسحت رأسك ورجليك ، ثمَّ استيقنت بعد أنك بدأت بها ، غسلت يسارك ثمَّ مسحت رأسك ورجليك » (١). و‌في خبر منصور بن حازم : « ألا ترى أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك » (٢). وربما يتراءى من بعض النصوص وجوب إعادة ما فعله متأخراً ، ففي صحيح منصور : « في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال (ع) : يغسل اليمين واليسار » (٣) ‌وفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الوضوء حديث : ١٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٤٥٢

ولا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبي والارتماسي [١].

( الحادي عشر ) : الموالاة [٢] ، بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة [٣].

______________________________________________________

خبر ابن جعفر (ع) في من غسل يساره قبل يمينه قال (ع) : « يعيد الوضوء من حيث أخطأ ، يغسل يمينه ثمَّ يساره » (١). وأظهر منهما‌ رواية أبي بصير : « إن نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه ، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثمَّ اغسل اليسار .. » (٢). ولعل المراد منها صورة فعل المتأخر فقط. ولو أبت عن ذلك فهي محمولة على الاستحباب ، بقرينة ما سبق.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] إجماعاً ، كما عن الخلاف ، والغنية ، والمنتهى ، والتذكرة ، وشرح الدروس ، والذكرى ، والمفاتيح ، والمدارك ، وغيرها.

[٣] تفسير المتابعة بهذا المعنى هو المشهور ، كما عن الروضة ، والمقاصد العلية والذخيرة ، وغيرها. ويشهد له‌ موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك ، فان الوضوء لا يبعض » (٣). و‌صحيح معاوية : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ربما توضأت فنفذ الماء ، فدعوت الجارية فأبطأت علي ، فيجف وضوئي. فقال (ع) : أعد » (٤). بناء على ظهورهما في أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الوضوء حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

٤٥٣

______________________________________________________

الوجه في الإعادة هو الجفاف.

وقيل في تفسيرها أنها وجوب المتابعة اختياراً ، وعدم الجفاف اضطراراً ، لكن لا يبطل الوضوء إلا بالجفاف وإن حصل الإثم بترك المتابعة اختياراً ، وهو المحكي عن الخلاف ، ومصباح السيد ، وظاهر المبسوط ، والمصرح به في المعتبر والتحرير ، قال في المعتبر : « والوجه : وجوب المتابعة مع الاختيار ، لأن الأوامر المطلقة تقتضي الفور. ولما‌ رواه الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : أتبع وضوءك بعضه بعضاً. لكن لو أخل بالمتابعة لم يبطل الوضوء إلا مع جفاف الأعضاء » ، ونحوه ما في التحرير ، بل حكي ذلك عن كتب العلامة (ره) ، وقال في الدروس : ولو فرق ولم يجف فلا إثم ولا إبطال ، إلا أن يفحش التراخي فيأثم مع الاختيار ». ويستدل له بما تضمن الأمر بالمتابعة ، كمصحح زرارة : « قال أبو جعفر (ع) : تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل ، ابدأ بالوجه ثمَّ باليدين .. » ‌الحديث كما تقدم (١) ، و‌مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه ، فذكر بعد ذلك ، غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ. وقال : اتبع وضوءك بعضه بعضاً » (٢). و‌خبر حكم بن حكيم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس قال (ع) : يعيد الوضوء ، إن الوضوء يتبع بعضه بعضاً » (٣).

لكن الظاهر من المتابعة في الأولين الترتيب ، كما يشهد به سياقهما.

__________________

(١) تقدم في أول الشرط العاشر.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الوضوء حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

٤٥٤

______________________________________________________

ومثلهما الثالث ، بقرينة ما دل على الاكتفاء بالإعادة على ما يحصل به الترتيب ، كما تقدم آنفاً. مع أنه دال على البطلان في مورد الاضطرار وهو خلاف المدعى. ومنه يظهر ضعف الاستدلال على القول المذكور بما دل على وجوب الاستئناف من رأس عند مخالفة الترتيب. لأنه لا يدل على وجوب المتابعة نفسياً. وأضعف من ذلك الاستدلال بظهور الأمر في الفور ، وبقاعدة الاشتغال ، وبإجماع الخلاف على وجوبها بهذا المعنى. لمنع الأول ، ولو سلم فليس هنا للفور بالإضافة إلى الوجه باعتراف الخصم ، فيكون بالإضافة إلى بقية الأعضاء كذلك ، والتفكيك بينهما في ذلك غير ممكن. وقاعدة الاشتغال في الشبهات الوجوبية ساقطة اتفاقا ، لأن المدعى هو الوجوب النفسي. وأنه لا مجال للأخذ بدعوى الإجماع مع ظهور الخلاف.

ومما ذكرنا يظهر وجه القول الثالث في تفسير الموالاة ، وأنها المتابعة اختياراً ، ومراعاة الجفاف اضطراراً. فيبطل الوضوء بترك المتابعة اختياراً كما يبطل بالجفاف اضطراراً. ونسب هذا القول إلى المقنعة ، والنهاية ، والمبسوط وغيرها. ومحصل وجهه : أنه مقتضى الجمع بين إطلاق ما دل على وجوب المتابعة وما دل على الصحة عند الفصل نسياناً أو لحاجة ، أو نفاد الماء ، أو نحوها من أنواع الضرورة إذا لم يحصل الجفاف ، فإن نتيجة التقييد اعتبار المتابعة مع الاختيار والصحة بدونها مع الاضطرار إذا لم يحصل الجفاف. ووجه الضعف : أن المتابعة بهذا المعنى لم يدل ، على وجوبها دليل لا وجوبها النفسي ولا وجوبها الغيري ، وأن المراد منها في النصوص المتقدمة معنى آخر كما سبق.

وأما القول الرابع المحكي عن الفقيه ، وهو أحد الأمرين من المتابعة ومراعاة الجفاف ـ كما سيشير إليه في المتن ، وعن جماعة من المتأخرين‌

٤٥٥

______________________________________________________

اختياره ـ فوجهه الأخذ بإطلاق أدلة الغسل ، والاقتصار في تقييدها على خصوص صورة اليبس المستند إلى التأخير ، مما هو مورد الموثق والصحيح المتقدمين في الاستدلال للقول الأول.

والتحقيق : أنه لا موجب للخروج عن إطلاق الغسل عدا الموثق والصحيح المتقدمين ، وثانيهما لا طريق إلى تعيين وجه الأمر بالإعادة فيه ، لاحتمال أن يكون من جهة الجفاف ، وأن يكون من جهة الفصل ، وأن يكون منهما معاً ، واستظهار أحدها بعينه حدس لا يؤبه به. أما الأمر بالإعادة في أولهما فمقتضى ذكر كل من الفصل واليبوسة في كلام الامام (ع) أن لمجموعهما دخلا فيه ، ولازم ذلك جواز الفصل الطويل جداً إذا كانت الرطوبة باقية ، ولو لرطوبة الهواء ، وأنه لا تقدح اليبوسة مع عدم الفصل كما هو مفاد القول الرابع. ويمكن أن يقال : إن مقتضى الجمود على ما تحت العبارة قدح خصوص التأخير المؤدي إلى اليبوسة ، فلو تحققت اليبوسة بمجرد الغسل لحرارة الهواء مثلا جاز التأخير ولو كثيراً ، لعدم استنادها إلى التأخير. لكن الظاهر الأول. هذا مع غض النظر عن التعليل في ذيله الظاهر في أن الوضوء عمل واحد له هيئة اتصالية فلا يقبل التبعيض كالغسل أما بملاحظته فاللازم المنع عن الفصل الطويل مطلقاً ، سواء أدى إلى اليبوسة أم كان مع الرطوبة لرطوبة الهواء مثلا ، أو كان مع اليبوسة بلا استناد لها إليه كما سبق ، وحيث أن ظهور التعليل مقدم على ظهور الحكم المعلل ، فاللازم المنع من الفصل الطويل مطلقاً وإن لم يؤد إلى اليبوسة ، وحمل قوله (ع) : « حتى يبس » ‌على تحديد الفصل القادح بما يؤدي إلى اليبوسة بحسب المتعارف ، لا لدخل اليبوسة بما هي في الحكم.

( فان قلت ) : لم لا يحمل التبعيض في الذيل على التبعيض بلحاظ‌

٤٥٦

فلو جف تمام ما سبق بطل [١]. بل لو جف العضو السابق على العضو الذي يريد أن يشرع فيه الأحوط الاستيناف [٢] ، وإن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق. واعتبار عدم الجفاف إنما هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الأعضاء أو طول الزمان ، وأما إذا تابع في الأفعال وحصل الجفاف من جهة حرارة بدنه أو حرارة الهواء أو غير ذلك فلا بطلان ، فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين من التتابع العرفي‌

______________________________________________________

الأثر ، وهو الرطوبة ، فيدل على جواز الفصل الطويل مع بقائها؟ ( قلت ) : مع أنه خلاف الظاهر في نفسه لازمه حصول التبعيض في الجفاف مطلقاً ولو مع الموالاة حقيقة ، فيبطل الوضوء حينئذ ، والالتزام به بعيد جداً ، بل هو خلاف ظاهرهم ، وإن حكي عن بعض القول بالتيمم حينئذ ، لكنه ضعيف عندهم. نعم لو حمل التبعيض على ما يقابل أحد الأمرين من المتابعة واتصال الأثر لم يرد عليه إلا أنه خلاف الظاهر ، فالمتعين استظهاره من النص ما ذكرنا ، وهو عدم جواز التبعيض بمعنى الفصل الطويل الذي يؤدي إلى اليبوسة في المتعارف وإن لم تحصل اليبوسة ، فيتعين عليه العمل.

ولعله ظاهر عبارات جماعة ، منهم السيدان ، بل عن جماعة ـ منهم المحقق الخوانساري وولده ـ استظهار ذلك من كل من قيد الجفاف بالهواء المعتدل ، لكن الظاهر أن المقصود منه إخراج صورة الجفاف مع الموالاة لا صورة بقاء الرطوبة مع طول المدة وحصول التبعيض.

[١] إذ هو القدر المتيقن من النص.

[٢] كما عن الناصريات ، والمراسم ، والمهذب ، والإشارة. وكأنهم فهموا من التبعيض ما يقابل اتصال أثر اللاحق بالسابق ، وهو مفقود في‌

٤٥٧

وعدم الجفاف [١]. وذهب بعض العلماء [٢] إلى وجوب الموالاة بمعنى التتابع ، وإن كان لا يبطل الوضوء بتركه إذا حصلت الموالاة ، بمعنى عدم الجفاف. ثمَّ إنه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق [٣] ، بل يكفي بقاؤها في الجملة ولو في بعض أجزاء ذلك العضو.

( مسألة ٢٤ ) : إذا توضأ وشرع في الصلاة ثمَّ تذكر أنه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته [٤] ووضوؤه أيضاً إذا لم يبق الرطوبة في أعضائه [٥] ، وإلا أخذها ومسح بها واستأنف الصلاة.

( مسألة ٢٥ ) : إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثمَّ أتى‌

______________________________________________________

الفرض. لكن الأقوى العدم ، لأن الظاهر من : « وضوئك » في النص هو أعضاؤه ، وتعليق اليبس بها ظاهر في يبسها بتمامها ، نظير تعليق الغسل بها. ويؤيده ما دل على جواز أخذ البلل من اللحية ونحوها لمسح الرأس والرجلين‌ (١). ومنه يظهر ضعف ما عن ابن الجنيد من البطلان بجفاف بعض ما سبق أي عضو كان.

[١] قد عرفت وجهه.

[٢] قد سبق ذكر من حكي عنهم هذا القول ،

[٣] لما عرفت من ظهور النص في يبس الجميع.

[٤] لفقد الطهارة المشروطة بها.

[٥] قيد للوضوء. والوجه في بطلانه فقد الموالاة ، وتعذر المسح ، ببلل الوضوء.

__________________

(١) تقدم في مسألة : ٢٥ من فصل أفعال الوضوء.

٤٥٨

بالمسحات لا بأس ، وكذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقي [١] ويجوز التوضؤ ماشياً.

( مسألة ٢٦ ) : إذا ترك الموالاة نسياناً بطل وضوؤه مع فرض عدم التتابع العرفي أيضاً [٢]. وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمَّ تبين الخلاف.

( مسألة ٢٧ ) : إذا جف الوجه حين الشروع في اليد ، لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية أو الأطراف الخارجة عن الحد ، ففي كفايتها إشكال [٣].

( الثاني عشر ) : النية [٤] ،

______________________________________________________

[١] لما عرفت من مختاره في معنى الموالاة. نعم على بعض الأقوال فيه بأس.

[٢] لفوات شرطه. وكذا في ما بعده.

[٣] واستظهر الكفاية في الجواهر ، لما دل على جواز الأخذ منها لمسح الرأس عند جفاف ما عداها. لكن عرفت في ما سبق الإشكال في ذلك ، ولولاه لم يبعد فهمه من النص.

[٤] اعتبارها في الوضوء وكل طهارة من حدث منسوب إلى علمائنا كما عن المنتهى ، والتذكرة. وعن الخلاف ، والمختلف ، وجامع المقاصد ، والمدارك ، والتنقيح الإجماع عليه ، وهو ظاهر غيرهم أيضاً. وهو العمدة فيه. ولا يقدح فيه خلاف ابن الجنيد ـ كما في غيره من المقامات ـ ولا عدم تعرض قدماء الأصحاب ـ كالصدوقين ـ لها ، لإمكان اتكالهم على وضوح كون الوضوء من العبادات التي لا بد فيها من النية.

وأما الاستدلال عليه بقوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ

٤٥٩

______________________________________________________

لَهُ الدِّينَ ) (١) ففيه : أنه ظاهر في التوحيد ، كما فسرها به جماعة ، وعن البهائي الجزم به ، ويشهد به عطف الصلاة والزكاة وسياق نظائره من الآيات. لا سيما وأن الحمل على ما ذكر في الاستدلال يوجب تخصيص الأكثر المستهجن. ومنه يظهر ما في الاستدلال‌ بقول النبي (ص) : « إنما الأعمال بالنيات » ‌و : « لا عمل إلا بنية » (٢). ونحوهما ، فان لزوم التخصيص المستهجن يوجب حمله على نفي الجزاء على العمل غير المنوي ، كما يشهد به سياق بعض ما روي من ذلك. فراجع.

ثمَّ إن المصنف رحمه‌الله عد النية من الشرائط ، كما لعله المشهور ، بل قد يظهر من محكي المقتصر عدم الخلاف فيه. ولكن حكي القول بالجزئية عن الموجز الحاوي ، وظاهر غيره ، ونسب إلى ظاهر الذكرى ، مستدلا عليه بالآية المتقدمة ( وفيه ) : أن ظاهر الآية كون العبادية والإخلاص غاية للأمر ، لا جزءاً ولا قيداً للمأمور به. مع ما عرفت من أن الآية ليست مما نحن فيه.

ثمَّ إن من الواضح أنها ليست شرطاً للمنوي بذاته ، لأنها ليست بمنزلة العارض على المنوي ، الذي لا يعقل أخذه في المعروض لا جزءاً ولا قيداً له ، كما أنها ليست شرطاً للمنوي بما أنه مأمور به ، كما هو محرر في الأصول. وإنما هي شرط في كونه فعلا اختيارياً للفاعل ، المعتبر ذلك في عبادية العبادة لا غير. فالمراد من كونها شرطاً في الوضوء وغيره من العبادات أنه لا يصح بدونها ، ولا يترتب عليه أثره بفقدها.

__________________

(١) البينة : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٠ ، ١. وفي الباب أحاديث أخر تتضمن ذلك.

٤٦٠