مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمام إلا مع العلم بنجاسة السقف.

( مسألة ٤ ) : إذا وقعت قطرة خمر في حب خل ، واستهلكت فيه ، لم يطهر ، وتنجس الخل [١].

______________________________________________________

[١] بذلك طفحت عبارات جماعة من الأصحاب ، وعن الشيخ في النهاية : « إذا وقع شي‌ء من الخمر في الخل لم يجز استعماله إلا بعد أن يصير ذلك الخمر خلاً ». ويظهر من الحلي أن فيه رواية ، فإنه قال في مقام الإنكار على الشيخ : « الذي يقتضيه أصول المذهب ترك العمل بهذه الرواية الشاذة ولا يلتفت إليها ، لأنها مخالفة للأدلة ، مضادة للإجماع ، لأن الخل بعد وقوع قليل الخمر في الخل صار نجساً ، ولا دلالة على طهارته بعد ذلك ولا إجماع .. ». وظاهر عبارة الشيخ صورة عدم استهلاك الخمر ، لأن اسم الإشارة راجع إلى نفس الخمر الواقع في الخل ، ومع الاستهلاك لا موضوع كي يصح أن يقال : صار خلا ولم يصر. لكن ظاهر الجماعة أنهم فهموا منه صورة الاستهلاك ، وأن علامة صيرورته خلاً صيرورة الخمر الخارجة عن الخل الباقية بعد صب مقدار منها في الخلإ خلا ، بل في كشف اللثام الاتفاق على الحل والطهارة بصيرورة الخمر الواقعة في الخل خلا ، وإنما الخلاف في أن تخلل الخمر الخارجة علامة على تخلل المقدار المصبوب وعدمه ، والجماعة ينكرون ذلك ، والشيخ يعتقده ، وما ذكره في الكشف غير ظاهر ، فلاحظ عبارة الشرائع والتحرير وغيرهما.

وكيف كان فان كان مراد الشيخ (ره) صورة الاستهلاك فلا وجه له ظاهراً ، لما ذكره في السرائر من نجاسة الخل الملقى فيه الخمر ، من دون دليل على الطهارة ، وإن كان مراده صورة الانقلاب فكذلك ، لعدم‌

١٠١

إلا إذا علم انقلابها خلاً بمجرد الوقوع فيه [١].

______________________________________________________

طهارة الخل المذكور تبعاً للخمر ، لقصور النصوص عن شمول مثل الفرض فلا مجال للتمسك بإطلاقها المقامي الدال على الطهارة بالتبعية ، والرواية التي أشار إليها غير معروفة. نعم‌ في الرضوي : « فإن صب في الخل خمر لم يحل أكله حتى يذهب عليه أيام ويصير خلا ثمَّ كل بعد ذلك » (١) ‌لكنه ليس بحجة ، ولا سيما مع مخالفته للمشهور.

[١] يحتمل أن يكون المراد الانقلاب في أول أزمنة الوقوع. ووجه الطهارة على هذا : أن نجاسة النجس قبل ملاقاته للطاهر لا دليل على سرايتها إلى ملاقيه الطاهر إذا حصلت الطهارة للنجس في زمان الملاقاة « وفيه » : أن أدلة السراية شاملة للمقام ، ولذا بني على نجاسة ماء الغسالة ، وإن كانت ملاقاته للمحل موجبة للطهارة ، ويساعده الارتكاز العرفي جداً. فالملاقاة هنا علة لنجاسة الخل ، وإن كانت علة للانقلاب الموجب للطهارة ، ففي زمان الملاقاة يكون طاهراً ونجساً في رتبتين. نعم لو كان الانقلاب في زمان الملاقاة مستنداً إلى سبب غير الملاقاة ، فالبناء على الطهارة حينئذ في محله ، لعدم الدليل على سراية النجاسة الثابتة قبل الملاقاة إذا كان طاهراً حال الملاقاة. والفرق بينه وبين ما لو استند الانقلاب إلى الملاقاة ـ كما سبق ـ : أنه في ظرف استناد الملاقاة الى الانقلاب لا بد من التزام النجاسة حال الملاقاة في رتبة سابقة على حصول الطهارة بالانقلاب ، فيكون نجساً وطاهراً في زمان واحد في رتبتين ومتى كانت النجاسة ثابتة حال الملاقاة سرت إلى الطاهر. أما لو لم يستند الانقلاب إلى الملاقاة فإذا كان المفروض مقارنة الانقلاب للملاقاة فلا ملاقاة للنجس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

١٠٢

( مسألة ٥ ) : الانقلاب غير الاستحالة ، إذ لا يتبدل فيه الحقيقة النوعية بخلافها ، ولذا لا تطهر المتنجسات به [١] وتطهر بها.

( مسألة ٦ ) : إذا تنجس العصير بالخمر ، ثمَّ انقلب خمراً وبعد ذلك انقلب الخمر خلاً ، لا يبعد طهارته ، لأن النجاسة العرضية صارت ذاتية بصيرورته خمراً ، لأنها هي النجاسة الخمرية [٢]. بخلاف ما إذا تنجس العصير بسائر النجاسات ، فان الانقلاب الى الخمر لا يزيلها ، ولا يصيرها ذاتية ، فأثرها باق بعد الانقلاب أيضاً.

______________________________________________________

حتى تسري نجاسته إلى الطاهر ، فلا مانع من البناء على الطهارة ، كما ذكر في المتن. وهذا التفصيل هو الموافق للمذاق العرفي. ويحتمل بعيداً أن يكون مراد المصنف (ره) الانقلاب قبل الاستهلاك ، ولو في زمان بعد الوقوع ـ كما هو أحد محتملي كلام الشيخ المتقدم ـ فيتوجه عليه حينئذ ما عرفت ، من أن النصوص إنما دلت على طهارة الخمر بالانقلاب ، وليس فيها تعرض لطهارة ما عولجت به ، وإنما استفيدت الطهارة من الإطلاق المقامي ، وهو سكوت النصوص عن بيان نجاسته ، وهو يختص بما يُعد من توابع الخمر خارجا ، ولا يشمل ما نحن فيه ، مما كانت الخمر من توابعه. فلاحظ.

[١] وكذا النجاسات عدا الخمر لجريان الاستصحاب معه بلا مانع ، وخروج الخمر بالدليل الحاكم على الاستصحاب.

[٢] يعني فيمتنع التضاعف والتأكد فيها. وكأنه يشير بذلك إلى مناقشة شيخنا الأعظم (ره) حيث قال في المقام : « إلا أن يقال : لا مانع من قيام‌

١٠٣

( مسألة ٧ ) : تفرق الأجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة [١]

______________________________________________________

التنجس بجسم الخمر من حيث هو جسم ، والنجاسة بالنوع من حيث هو نوع. لكن لو تمَّ هذا مثله في الخل الملقى في الخمر ، حيث أنه في أول الملاقاة وقبل الاستهلاك منفعل ». وحاصل المناقشة : أن الإشكال في تضاعف النجاسة ليس من جهة لزوم اجتماع المثلين ، ليدفع بما ذكر ، بل من جهة أن النجاسة الواحدة بالصنف لا تقبل التكرر ، فان الخمر الملاقية للخمر لا تتكرر فيها النجاسة ، ولو بنحو التأكد وكذا في المقام بل لو بنى على التأكد فما دل على طهارة الخمر بالانقلاب يدل على زوال النجاسة الخمرية ولو كانت متأكدة. هذا مضافاً إلى أن ما ذكره (ره) لا يكفي في جواز اجتماع المثلين ، لأن نجاسة الخمر القائمة بالنوع قائمة أيضاً بالجسم ، ضرورة أن جسم الخمر نجس كأجسام سائر النجاسات الذاتية ، فيلزم اجتماع المثلين في محل واحد. إلا أن يكون مقصوده رحمه‌الله تعدد الرتبة وأن نجاسة الخمر الذاتية قائمة بذات الخمر ، والعرضية السابقة على صيرورته خمراً تكون قائمة بوصف الجسم. وفيه أيضاً : أنه لا ملزم للالتزام بذلك ، لجواز وحدة المحل مع الرتبة للنجاستين على أن تكون إحداهما مؤكدة للأخرى ، بحيث تكونان وجوداً واحداً لا وجودين ، واجتماع المثلين إنما يتوقف على تعدد المحل أو تعدد الرتبة إذا كانا وجودين ممتازين ، فلاحظ. وأما إشكاله ( قده ) على ما ذكره أولاً بقوله : « لكن لو تمَّ هذا .. » فيتوجه عليه أن اللزوم في محله ، لكن وجب البناء على الطهارة في الفرض ، ـ وهو الخل الملقى في الخمر ـ بما دل على الطهارة بالانقلاب ، وهو لا يشمل المقام.

[١] لما عرفت من أن الاستهلاك عبارة عن انعدام العين بما لها من‌

١٠٤

ولذا لو وقع مقدار من الدم في الكر واستهلك فيه يحكم بطهارته [١] ، لكن لو أخرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدة لمثل ذلك عاد إلى النجاسة ، بخلاف الاستحالة ، فإنه إذا صار البول بخاراً ثمَّ ماء لا يحكم بنجاسته ، لأنه صار حقيقة أخرى. نعم لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماء [٢]. ومن ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرّمة ، مثل عرق لحم الخنزير ، أو عرق العذرة ، أو نحوهما ، فإنه إن صدق عليه الاسم السابق [٣] ، وكان فيه آثار ذلك الشي‌ء وخواصه ، يحكم بنجاسته أو حرمته ، وإن لم يصدق عليه ذلك الاسم ، بل عدَّ حقيقة أخرى ذات أثر وخاصية أخرى ، يكون طاهراً وحلالاً. وأما نجاسة عرق الخمر‌

______________________________________________________

المفهوم العرفي فينعدم وصفها ، وهو النجاسة تبعاً ، فاذا عادت العين عاد وصفها معها ، لأنه ذاتي لها ، والاستحالة عبارة عن التحول عرفاً من حقيقة إلى أخرى.

[١] كيف يحكم بطهارته مع أن نجاسته ذاتية؟! وإنما يحكم بانعدامه عرفاً ، فيخرج عن كونه موضوعاً للنجاسة ، فإذا استخرج من الماء وعاد الى الوجود عادت إليه النجاسة ، لأنها ذاتية.

[٢] لأن نجاسته ذاتية تابعة لوجوده ولو كان لاستحالة الماء إليه. لكن على هذا لا يظهر الفرق بين الاستهلاك والاستحالة من هذه الجهة ، وإنما الفرق بينهما بحسب المفهوم ، كما عرفت.

[٣] يعني : بحيث يصدق عليه أنه جزء لحم الخنزير ، أو العذرة.

١٠٥

فمن جهة أنه مسكر مائع [١] ، وكل مسكر نجس.

( مسألة ٨ ) : إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة [٢].

( السادس ) : ذهاب الثلاثين في العصير العنبي ، على القول بنجاسته بالغليان. لكن قد عرفت أن المختار عدم نجاسته [٣] ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه. فعلى المختار فائدة ذهاب الثلاثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة ، وأما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الاشكال لمن أراد الاحتياط. ولا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء [٤]. كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة ـ على القول بها ـ بين المذكورات ـ كما أن في الحرمة بالغليان التي لا اشكال فيها والحلية بعد الذهاب كذلك ، أي لا فرق بين المذكورات.

______________________________________________________

[١] يعني : لا أنه خمر. لكن لو كان لأجل أنه خمر فلا يضر فيما ذكر من الفرق بين الاستحالة والاستهلاك ، ولا في تحقق الاستحالة في البين فكأن مقصوده (ره) بيان الواقع لا دفع إشكال.

[٢] للاستصحاب.

[٣] وقد عرفت وجهه.

[٤] قد عرفت (١) الإشكال في الطهارة لو غلى بغير النار وإن قيل بها لو غلى بالنار. وحينئذ فلو غلى بنفسه لم يُجد في طهارته ذهاب الثلاثين بل لا بد من انقلابه خلاً. نعم لو بني على النجاسة بالغليان مطلقاً ـ لاستفادة ذلك من الأدلة ـ لا فرق في حصول الطهارة بذهاب الثلاثين مطلقاً. فراجع.

__________________

(١) تقدم ذلك في المسألة الأولى من مبحث نجاسة الخمر.

١٠٦

وتقدير الثلث والثلاثين إما بالوزن ، أو بالكيل ، أو بالمساحة [١].

______________________________________________________

[١] لصدق ذهاب الثلاثين في الجميع ، والتخصيص بواحد منها خلاف الإطلاق. وفيه : أن الكيل والمساحة يرجع أحدهما إلى الآخر ، إذ كلاهما تقدير بحسب الكم ، أما الوزن فإنه يباينهما ، إذ هو تقدير بحسب الثقل ، وهو أجنبي عن الكم. وعليه فذهاب الثلاثين بحسب الكم يتقدم دائماً على ذهابهما بحسب الثقل ، لأن الذاهب بالنار أو غيرها هو الأجزاء المائية اللطيفة ، وبذهابها يزداد العصير غلظاً وثخانة ، فيكون ثلثه بحسب الكم قريباً من نصفه بحسب الثقل ، ومع هذا التقدم لا معنى للاعتبار بهما معاً ، أو بأحدهما على التخيير ، بل النصوص إما أن تحمل على الأول ، أو على الثاني ، وحيث لا معين يرجع إلى الأصل ، المقتضي للاعتبار بالثاني لا غير.

وربما يستفاد الاعتبار به من‌ رواية ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف ، ثمَّ يترك حتى يبرد ، فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه » (١). وفيه : أن الدانق من الشي‌ء كناية عن السدس ، ولا يراد منه الوزن ، كما يظهر من السؤال. أو يستفاد الاعتبار به من‌ خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب ، فصب عليه عشرين رطلا ماء ، ثمَّ طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقي عشرة أرطال ، أيصلح شرب تلك العشرة أم لا؟ فقال (ع) : ما طبخ على الثلث فهو حلال » (٢). وفيه : أن الوزن إنما ذكر في كلام السائل ، ولم يفهم من الثلث المذكور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ١.

١٠٧

ويثبت بالعلم [١] ، وبالبينة [٢]. ولا يكفي الظن [٣]. وفي خبر العدل الواحد إشكال [٤] ،

______________________________________________________

في كلام الامام (ع) إرادة الوزن ، بل من الجائز إرادة الثلث بحسب الكم الحاصل في الفرض ، كما عرفت. مضافاً إلى أن الرطل اسم للكيل المخصوص فهو من المكاييل لا من الأوزان ، حسب ما ذكره بعض المحققين من أهل اللغة ، مستدلا عليه بقوله : « لها رطل تكيل الزيت فيه ». ومثله ما ربما يستفاد من روايتي عمار‌ (١) الواردتين في كيفية طبخ المطبوخ حتى يصير حلالاً ، المشتملتين على ذكر المساحة. إذ فيه : أنهما غير ظاهرتين فيما نحن فيه من ذهاب الثلاثين للتطهير أو الحل ، كما أشرنا إلى ذلك في نجاسة العصير من الزبيب : نعم يمكن أن يقال : إن إطلاق الثلث والثلاثين يقتضي الحمل على الكم فإنه محط الأغراض ، والأصل للوزن ، لرجوعه إليه ، وحكايته عنه دائماً. وما اشتهر من أن الوزن هو الأصل يراد به كونه أضبط من الكيل وأتقن ، لا أنه أصل للكم ، بل هو متفرع عليه قطعاً. ولا سيما ولو كان الاعتبار بالوزن للزم الهرج والمرج ، ولكثر السؤال والجواب عنه ، واتضح بذلك الحال ، لصعوبة الاختبار بالوزن أو تعذره غالباً ، فعدم ذلك دليل على الاعتبار بالكم ، المتقدم على الوزن بكثير دائماً. والله سبحانه أعلم.

[١] لحجيته عقلاً.

[٢] لعموم دليل حجيتها ، كما تقدم تقريبه في المياه.

[٣] لأصالة عدم حجيته.

[٤] تقدم وجهه في المياه وغيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٢ ، ٣.

١٠٨

إلا أن يكون في يده ، ويخبر بطهارته وحليته : وحينئذ يقبل قوله ، [١] وإن لم يكن عادلا [٢] ، إذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلاثين.

( مسألة ١ ) : بناءً على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه ، أو بذهاب ثلثيه ، بناءً على ما ذكرنا من عدم الفرق بين أن يكون بالنار أو بالهواء. وعلى هذا فالآلات المستعملة في طبخه‌

______________________________________________________

[١] للسيرة المستمرة على قبول خبر ذي اليد عما في يده. وللنصوص الخاصة. كصحيح معاوية (١) المتقدم في نجاسة العصير العنبي‌ ، وقريب منه غيره. نعم‌ في صحيح ابن جعفر (ع) : « لا يُصدق إلا أن يكون مسلماً عارفاً » (٢). و‌في حديث عمار المروي في الوسائل : « إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً » (٣) ‌، و‌رواه في الحدائق وغيرها : « إن كان مسلماً عارفاً مأموناً فلا بأس أن يشرب ». ولو بني على رفع اليد عن اعتبار المعرفة وحمله على الاستحباب ، بقرينة مثل صحيح عمار بن عمار ، فلا موجب لرفع اليد عن اعتبار الإسلام والأمانة أو الورع. اللهم إلا أن يستبعد التفكيك بينها وبين الايمان ، فيحمل الجميع على الاستحباب. على أن مورد الصحيح صورة الجهل بالورع ، وحينئذ يكون مقتضى مجموع النصوص حجية خبر ذي اليد إلا مع ثبوت ما يوجب اتهامه ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المياه.

[٢] كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٦.

١٠٩

تطهر بالجفاف وإن لم يذهب الثلثان مما في القدر ، ولا يحتاج إلى إجراء حكم التبعية. لكن لا يخلو عن إشكال ، من حيث أن المحل إذا تنجس به أولاً لا ينفعه جفاف تلك القطرة ، أو ذهاب ثلثيها ، والقدر المتيقن من الطهر بالتبعية المحل المعد للطبخ ، مثل القدر والآلات ، لا كل محل كالثوب والبدن ونحوهما [١].

( مسألة ٢ ) : إذا كان في الحصرم حبة أو حبتان من العنب فعصر واستهلك لا ينجس ولا يحرم بالغليان [٢]. أما إذا وقعت تلك الحبة في القدر من المرق أو غيره ، فغلى ،

______________________________________________________

[١] إذا كان الوجه في البناء على طهارة القدر ونحوه بذهاب الثلاثين تبعاً أنه لو لا ذلك كان الحكم بطهارة العصير لغواً ، فهذا المعنى لا فرق فيه بين القدر والثوب إلا بالوضوح والخفاء ، وإلا فهو مشترك بين الجميع بنحو واحد. « ودعوى » : أنه يكفي في رفع اللغوية الاقتصار في الحكم بالطهارة على خصوص القدر ونحوه ، دون عصير الثوب ونحوه « مندفعة » بأن ذلك وإن كان كافياً في رفع اللغوية ، لكن التفكيك بين أفراد العصير المذكورة بلا موجب عرفي ، فلا يكون صحيحاً عند العرف. نعم لو كان المستند في طهارة القدر الإطلاق المقامي ـ وهو السكوت عن التعرض للنجاسة المغفول عنها لو لا ذلك ـ لكان التخصيص بمثل القدر ونحوه في محله ، لأن ذلك محل الابتلاء دون غيره. لكن عرفت أن الوجه الأول لا بأس به ، ومقتضاه العموم.

[٢] لأن غليان عصير الحصرم لا أثر له في النجاسة والحرمة ، وعصير العنب معدوم بالاستهلاك ، فلا غليان له.

١١٠

يصير حراماً ونجساً [١] على القول بالنجاسة.

( مسألة ٣ ) : إذا صب العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه يشكل طهارته وإن ذهب ثلثا المجموع [٢]. نعم لو كان ذلك قبل ذهاب ثلثيه وإن كان ذهابه قريباً فلا بأس به. والفرق أن في الصورة الأولى ورد العصير النجس على ما صار طاهراً فيكون منجساً له ، بخلاف الثانية ، فإنه لم يصر بعد طاهراً فورد نجس على مثله. هذا ولو صب العصير الذي لم يغل على الذي غلى فالظاهر عدم الاشكال فيه. ولعل السر فيه أن النجاسة العرضية صارت ذاتية [٣]. وإن كان الفرق بينه وبين الصورة الاولى لا يخلو عن إشكال [٤] ، ومحتاج إلى التأمل.

( مسألة ٤ ) : إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلى [٥] بعد ذلك.

______________________________________________________

[١] كما تقدم الكلام فيه في نجاسة العصير.

[٢] إذ لا دليل على مطهرية ذهاب الثلاثين في الفرض ، لاختصاص أدلة مطهريته بما تنجس بالغليان ولم يذهب ثلثاه ، وكلاهما منتف في الذي ذهب ثلثاه.

[٣] كما تقدم في المسألة السادسة من مطهرية الانقلاب ، وعليه فتطهر بذهاب الثلاثين كالنجاسة الذاتية الحاصلة من الغليان.

[٤] ولكن بما ذكرناه في وجه الحكم فيهما اتضح الفرق واندفع الاشكال.

[٥] لاختصاص أدلة النجاسة بالغليان بما لم يذهب ثلثاه. وإطلاق بعض النصوص الدالة على الحرمة بالغليان ـ مثل ما‌ في رواية حماد عن الصادق (ع) : « تشرب ما لم يغسل ، فاذا غلى فلا تشربه » (١) ‌ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٣.

١١١

( مسألة ٥ ) : العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم ولا ينجس بالغليان على الأقوى [١] ، بل مناط الحرمة والنجاسة فيهما هو الإسكار.

( مسألة ٦ ) : إذا شك في الغليان يبني على عدمه [٢]. كما إنه لو شك في ذهاب الثلاثين يبني على عدمه.

( مسألة ٧ ) : إذا شك في أنه حصرم أو عنب يبني على أنه حصرم [٣].

( مسألة ٨ ) : لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار [٤] أو نحو ذلك في الحب مع ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلاً ، أو بعد ذلك قبل أن يصير خلاً ، وإن كان بعد غليانه أو قبله وعلم بحصوله بعد ذلك.

______________________________________________________

منزل على ذلك ، وإلا فلا دليل على طهره بذهاب الثلاثين بعد ذلك ، فان ذهاب الثلاثين المأخوذ موضوعاً للمطهرية ما كان بنحو صرف الوجود الذي لا ينطبق إلا على الوجود الأول لا غير. إلا أن يقال : المراد بذهاب الثلاثين المعتبر في الطهارة صرف الوجود بعد الغليان ، لا مطلقاً ، وموضوع النجاسة مطلق العصير الغالي ، ولازم ما ذكر في تقريب ما في المتن أن لو ذهب ثلثه قبل الغليان كفى في الطهارة ذهاب ثلثه الثاني بعد الغليان. فتأمل جيداً.

[١] كما تقدم في مبحث النجاسات.

[٢] للاستصحاب فيه وفيما بعده.

[٣] لاستصحاب حصر ميتة ، أو عدم عنبيته ، أو استصحاب حليته وطهارته.

[٤] إذ التفكيك بين المذكورات وبين سائر الأجسام الموجودة في الخمر‌

١١٢

( مسألة ٩ ) : إذا زالت حموضة الخل العنبي وصار مثل الماء لا بأس به إلا إذا غلى [١] ، فإنه لا بد حينئذ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلاً ثانياً [٢].

( مسألة ١٠ ) : السيلان ـ وهو عصير التمر ، أو ما يخرج‌

______________________________________________________

قبل صيرورته خلاً ، كالتمر ، والعنب ، وقطع الطين ، والحصى ، وسائر ما يختلط بالتمر والعنب من الأجسام ، وإن لم تكن متعارفة حتى مثل قطع الخيار ، والباذنجان ، والأجزاء الصغار ، والدود ، والحشيش ، وغير ذلك بالحكم بطهارة الثانية بالتبعية ، وعدم طهارة ما نحن فيه ، صعب جداً ، مخالف للمرتكزات العرفية.

[١] فإنه يكون من أفراد عصير العنب الغالي ، فيلحقه حكمه. هذا إذا صدق عليه عرفاً العصير ، أما لو صدق عليه الخل الفاسد فحاله حال الخل الصحيح في عدم حرمته بالغليان.

[٢] فان الانقلاب الى الخل كما يطهّر الخمر يطهر العصير الغالي ، للإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر ، وفي منظومة الطباطبائي (ره) :

والخمر والعصير إن تخللا

فباتفاق طهرا وحُللا

ونحوهما كلام غيرهما. وقد يستفاد من‌ قوله (ع) في صحيح معاوية : « خمر لا تشربه » (١) ‌، بناءً على روايتها كذلك ، وإفادتها عموم التنزيل حتى من حيث الطهارة بالتخليل. لكن تقدم الإشكال في الأول في مبحث نجاسة العصير. ويشكل الثاني بأن الظاهر من تنزيل شي‌ء بمنزلة آخر ترتب آثار وجود ذي المنزلة على وجود المنزل ، لا آثار عدم ذي المنزلة على عدم المنزل. فتأمل. وربما يستدل عليه أيضاً بالأولوية.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأشربة المحرمة حديث : ٤.

١١٣

منه بلا عصر ـ لا مانع من جعله في الأمراق ، ولا يلزم ذهاب ثلثيه ، كنفس التمر [١].

« السابع » : الانتقال ، كانتقال دم الإنسان أو غيره مما له نفس إلى جوف ما لا نفس له [٢] ، كالبق والقمل [٣] ،

______________________________________________________

[١] الذي تقدم أنه لا ينجس ولا يحرم بالغليان.

[٢] فقد استظهر في المستند نفي الخلاف في مطهريته ، وفي الجواهر نفى وجدان الخلاف فيه والاشكال ، وفي الحدائق : « لا خلاف فيه ولا إشكال » ، وعن غيرها صريح الإجماع عليه والسيرة. لكن موافقة ذلك للقاعدة تتوقف على كون الانتقال موجباً لتعدد الموضوع عرفا ، بنحو يمنع من جريان الاستصحاب ، ومن التمسك بعموم نجاسة المنتقل منه ، فإنه إذا تمَّ ذلك يكون المرجع إما قاعدة الطهارة ، أو دليل طهارة المنتقل اليه أما لو لم يكن موجباً لذلك فالمرجع يكون عموم دليل نجاسة المنتقل منه. ولو فرض معارضته بدليل طهارة المنتقل إليه يكون المرجع استصحاب النجاسة. نعم لو لم يكن عموم لدليل نجاسة المنتقل منه وكان عموم لدليل طهارة المنتقل إليه كان التعارض حينئذ بين استصحاب النجاسة وعموم الطهارة ، والثاني مقدم على الأول قطعاً. ومنه يظهر أن الحكم بالطهارة يدور مدار أحد الأمرين مما ذكرنا ومن السيرة.

[٣] لا ينبغي التأمل في ثبوت السيرة فيهما. وقد ورد في الأخبار الكثيرة نفي البأس بدم البق والبراغيث ودم ما لم يذك ، يعني : دم السمك (١). كما لا ينبغي التأمل في كون الانتقال فيهما بنحو يمنع من التمسك بعموم دليل نجاسة دم الإنسان أو غيره ، كما يمنع من الاستصحاب‌

__________________

(١) راجع باب : ٢٣ من أبواب النجاسات‌

١١٤

وكانتقال البول إلى النبات والشجر ونحوهما. ولا بد من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه ، وإلا لم يطهر ، كدم العلق بعد مصّه من الإنسان [١].

( مسألة ١ ) : إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله ، وخرج منه الدم لم يحكم بنجاسته ، إلا إذا علم أنه هو الذي مصه من جسده ، بحيث أسند إليه لا إلى البق ، فحينئذ يكون كدم العلق [٢].

« الثامن » : الإسلام. وهو مطهر لبدن الكافر [٣] ، ورطوباته المتصلة به [٤] من بصاقه ، وعرقه ، ونخامته ، والوسخ الكائن على بدنه. وأما النجاسة الخارجية التي زالت عينها ففي طهارته‌

______________________________________________________

أيضاً. ومثله في السيرة وامتناع الاستصحاب ـ في الجملة ـ ما بعده.

[١] فإنه لا سيرة على طهارته ، ولا مانع من استصحاب نجاسته ، ولا من التمسك بعموم دليلها.

[٢] لكن لا يبعد قيام السيرة على الطهارة فيه ، وإن كان مقتضى الاستصحاب النجاسة.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ، كما اعترف به جماعة ، بل عن المنتهى والذكرى وغيرهما دعوى الإجماع عليه ، وفي المستند دعوى الضرورة ، وفي الجواهر دعواها في الجملة.

[٤] لصدق إضافتها إلى المسلم ، كما في الجواهر وغيرها. وفيه : أن الإضافة إلى المسلم إنما تجدي في الطهارة ، لو كان منشأ الإضافة التكون فيه ، وهو غير حاصل في الفرض. أو لحديث الجب‌ (١). وفيه : أنه‌

__________________

(١) يأتي في الجزء السابع من الطبعة الثانية ص ٤٠ التعرض لسنده.

١١٥

منها إشكال ، وإن كان هو الأقوى [١]. نعم ثيابه التي لاقاها حال الكفر مع الرطوبة لا تطهر على الأحوط ، بل هو الأقوى فيما لم يكن على بدنه فعلاً [٢].

( مسألة ١ ) : لا فرق في الكافر بين الأصلي والمرتد الملّي [٣] ،

______________________________________________________

يختص بالآثار المستندة إلى السبب السابق على الإسلام ، وبقاء النجاسة ونحوها ليس مستنداً إلى ذلك ، بل هو مستند إلى استعداد ذاته ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث سقوط الزكاة عن الكافر. أو لعدم معهودية أمر من أسلم بتطهير بدنه من الأمور المذكورة مع عدم خلو بدنه عن شي‌ء منها غالباً. لكن هذا المقدار لا يكفي في رفع اليد عن استصحاب النجاسة. إلا أن يكون المراد معهودية العدم.

[١] علله في الجواهر وغيرها بالسيرة ، وبعدم معهودية أمره بتطهير بدنه منها مع غلبة ملازمته غالباً.

[٢] للأصل ، وعدم ثبوت ما تقدم فيما قبله. لكن الإنصاف يقتضي عدم الفرق بينه وبين ما قبله في عدم المعهودية ، أو في دعوى السيرة ، فإن تمَّ تمَّ فيهما ، وإن أمكن منعه منع كذلك. والظاهر عدم الفرق في ذلك بين ما على بدنه من الثياب وبين سائر ثيابه. نعم الحكم في الأول أظهر.

[٣] أما الأول فإنه المتيقن من معقد الإجماع والضرورة. وأما الثاني فلم يعرف فيه خلاف ، بل حكي عليه الاتفاق. وأما إطلاق مثل‌ صحيح ابن مسلم : « سألت أبا جعفر (ع) عن المرتد. فقال (ع) : من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد (ص) بعد إسلامه ، فلا توبة له‌

١١٦

______________________________________________________

وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده » (١) ‌فيجب تقييده بما دل على قبول توبة المرتد الملي ، كصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه : « سألته عن مسلم تنصّر. قال (ع) : يقتل ولا يستتاب. قلت : فنصراني أسلم ثمَّ ارتد. قال (ع) : يستتاب ، فان رجع ، وإلا قتل » (٢) ‌، وقريب منه غيره ، فيحمل على المرتد الفطري. كما أن إطلاق بعض النصوص الدالة على قبول توبة المرتد مطلقاً ـ كمرسل ابن محبوب عن الصادقين (ع) : « في المرتد يستتاب ، فان تاب ، وإلا قتل » (٣) ‌، ونحوه غيره ـ لا بد أن يحمل على المرتد الملي ، بقرينة صدر صحيح ابن جعفر (ع) وغيره.

وبالجملة : النصوص الواردة في المرتد على طوائف ( فمنها ) : ما دل على قبول توبته مطلقاً‌ ( ومنها ) : ما دل على عدم قبولها كذلك‌ ( ومنها ) : ما دل على قبول توبة الملي بالخصوص ، مثل ما ورد في ارتداد بني ناجية ودعائهم إلى الإسلام‌ (٤) ( ومنها ) : ما دل على عدم قبول توبة الفطري بالخصوص ، كرواية الحسين بن سعيد : « قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (ع) : رجل ولد على الإسلام ثمَّ كفر ، وأشرك وخرج عن الإسلام ، هل يستتاب ، أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب (ع) يقتل » (٥) ‌( ومنها ) : ما دل على التفصيل بين الملي والفطري بالقبول وعدمه ، كصحيح ابن جعفر المتقدم‌ ، فتقيد الطائفتان الأولتان بالطوائف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب حد المرتد حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب حد المرتد حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب حد المرتد حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب حد المرتد حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب حد المرتد حديث : ٦.

١١٧

بل الفطري أيضاً ، على الأقوى من قبول توبته باطناً وظاهراً أيضاً [١] ،

______________________________________________________

الثلاث ، ونتيجة ذلك الحكم بالتفصيل بين الملي والفطري بالقبول وعدمه. هذا وإطلاق قبول توبة الملي يقتضي ترتيب أحكام المسلمين مطلقاً عليه التي منها الطهارة.

[١] كما صرح به في محكي الروضة وغيرها ، حملاً لإطلاق نفي التوبة في مثل صحيح ابن مسلم‌ على إرادة نفيها بالإضافة إلى الأحكام الثلاثة الآتية لا مطلقاً. إما لاقتران نفي التوبة بالأحكام المذكورة ، الصالح لصرفه إليها ، فيكون من الكلام المقرون بما يصلح للقرينية ، المحقق في محله سقوطه عن الحجية. وإما لأنها أظهر الأحكام ، فينصرف إليها الإطلاق وإما لقرينية لام الجر الموجبة لظهور نفي التوبة فيما كان المنفي أمراً راجعاً له لا غير ، فلا يشمل ما كان عليه ، كوجوب عباداته ، أولا له ولا عليه كطهارته ، فإن فائدة الطهارة إنما تكون لغيره. وإما للقطع ، والإجماع على ثبوت تكليفه بالإسلام وسائر أحكامه من الصلاة وغيرها ، الموقوفة على الطهارة ، والعلم بصحتها منه ، من جهة أنه لولاها لزم التكليف بما لا يطاق ، وهو ممتنع عند العدلية ، يستلزم العلم بتحقق الطهارة.

لكن الجميع لا يخلو من خدش ، فان الاقتران بالأحكام المذكورة لا ينافي إطلاق نفي التوبة بوجه ، بل الظاهر أن العطف يؤكده ، ليكون المعطوف عليه من قبيل الموضوع للمعطوف ، ويكون المراد أنه في حال التوبة كافر فيجب قتله .. إلخ. وأظهرية الأحكام المذكورة بحيث توجب الانصراف ممنوعة ، بل لعل غيرها أظهر ، لأنها من أحكام مطلق الكفر. وكون الطهارة وحل الذبيحة ونحوهما مما ليس له ممنوع جداً ، كما يظهر بأدنى تأمل. والقطع والإجماع لو تمَّ قيامهما على التكليف الفعلي‌

١١٨

فتقبل عباداته ، ويطهر بدنه ، نعم يجب قتله إن أمكن ، وتَبين زوجته ، وتعتد عدّة الوفاة ، وتنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته [١]. ولا تسقط هذه الأحكام بالتوبة.

______________________________________________________

بالإسلام وسائر العبادات بعد التوبة ، فلا يدلان على الطهارة ، لإمكان سقوط شرطيتها ، فضلاً عن ثبوت سائر أحكام المسلمين ، وعدم الفصل غير ثابت. هذا مضافاً إلى أنه لو فرض قصور نفي التوبة عن عموم نفي الأحكام ، فالمرجع الاستصحاب. ودعوى : تغير الموضوع بنحو يمنع عن جريانه ، ممنوعة. نعم لو أمكن إثبات كونه مسلماً ـ كما لا تبعد استفادته مما تضمن بيان حقيقة الإسلام ـ امتنع الرجوع إلى استصحاب الأحكام. لكنه يتوقف على وجود دليل لفظي يتضمن ثبوت الحكم لكل مسلم مطلقاً ، ولو لم يكن لدليل الحكم عموم لفظي كذلك لم يُجد في رفع اليد عن الاستصحاب. ولا يحضرني ـ عاجلا ـ عموم يدل على طهارة كل مسلم مطلقاً ، وإن كان الإنصاف يقتضي القطع بذلك. فلاحظ.

ثمَّ إن ظاهر نفي التوبة نفيها بلحاظ الآثار العملية ، لا الأمور الأخروية فلا مانع من كون توبته موجبة لدخوله في الجنة ، واستحقاقه الثواب. وعليه فلا ينافي ما ذكرنا ما‌ عن الباقر (ع) : « انه من كان مؤمناً فحج وعمل في إيمانه ، ثمَّ أصابته في إيمانه فتنة فكفر ، ثمَّ تاب وآمن يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ، ولا يبطل منه شي‌ء » (١) والله سبحانه أعلم.

[١] هذه الأحكام الأربعة مذكورة‌ في موثق عمار : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام ، وجحد محمداً (ص) نبوته ، وكذبه ، فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه ، وامرأته‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

١١٩

لكن يملك ما اكتسبه بعد التوبة [١]. ويصح الرجوع إلى زوجته بعقد جديد ،

______________________________________________________

بائنة منه يوم ارتد ، ويقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الامام أن يقتله ولا يستتيبه » (١) ‌، وما عدا الثالث منها مذكور في صحيح ابن مسلم المتقدم‌. ومن الغريب ما عن ابن الجنيد (ره) من قبول توبة المرتد الفطري حتى بالإضافة إلى الأحكام المذكورة ، فإنه خلاف صريح النصوص. لكنه غير مستغرب من مثله ، فكم له من أمثاله.

[١] يمكن الالتزام بملكه قبل التوبة أيضاً ، وإن كان ينتقل إلى الورثة ، وتضمن النصوص انتقال ماله الى ورثته لا يدل على عدم ملكه. اللهم إلا أن يكون الشك في قابليته للتملك ، فيرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر على السبب المملك ، وعموم صحة السبب لا تحرز القابلية ، كما هو مذكور في محله ( فان قلت ) : لما لم يكن دليل خاص يتعرض لإثبات القابلية كان مقتضى الإطلاق المقامي الرجوع إلى العرف في إحرازها ، ومن المعلوم أن العرف في مورد الكلام يحكم بثبوتها ( قلت ) : الإطلاق المقامي إنما يقتضي الرجوع إلى العرف لو لم يكن حجة على عدمها ، واستصحاب عدم القابلية حجة. إلا أن يقال : القابلية لم تؤخذ موضوعاً لأثر شرعي ليجري استصحابها. مضافاً إلى أن اليقين بعدم القابلية إنما كان بالإضافة الى ما ملكه سابقاً على الارتداد ، لا بالإضافة إلى ما يملكه لاحقاً. فتأمل. بل من المحتمل الالتزام بأن ما ملكه بعد الارتداد لا ينتقل إلى الورثة ، لعدم ثبوت إطلاق لما دل على انتقال ما ملكه إلى الورثة شامل لذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب حد المرتد حديث : ٣.

١٢٠