مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

( مسألة ٤ ) : لا يجب غسل باطن العين والأنف والفم [١] ، إلا شي‌ء منها من باب المقدمة.

( مسألة ٥ ) : في ما أحاط به الشعر لا يجزئ غسل المحاط عن المحيط [٢].

( مسألة ٦ ) : الشعور الرقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها [٣].

( مسألة ٧ ) : إذا شك في أن الشعر محيط أم لا يجب الاحتياط بغسله مع البشرة [٤].

______________________________________________________

[١] لما تقدم فيه وفيما بعده.

[٢] لقوله (ع) في صحيح زرارة : « ولكن يجري عليه الماء » (١) ‌لظهور الجملة الخبرية في الوجوب. اللهم إلا أن يدعى ورودها مورد توهم الحظر ، فتكون دالة على الاكتفاء بإجراء الماء على الشعر وبدليته عن البشرة. وقد يؤيده ما في رواية الفقيه للصحيح هكذا :« فليس على العباد .. » (٢) ‌ولا ينافيه رواية الشيخ لها :« فليس للعباد .. » ‌، لعدم إرادة ظاهره جزماً ، إذ لا ريب في عدم تحريم الطلب والبحث لا تكليفاً ولا وضعاً. وفيه : أنه لا يظهر من الرواية جعل بدلية الشعر عن البشرة ، بل ظاهرها عدم وجوب غسلها ووجوب غسل الشعر ، فيتعين العمل به.

[٣] لفهمه مما دل على وجوب غسل البشرة ، أما الشعر الغليظ فقد عرفت الإشكال في وجوب غسله.

[٤] للعلم الإجمالي بوجوب غسله أو غسل البشرة. نعم لو قيل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) كتاب من لا يحضره الفقيه باب حد الوضوء حديث : ١.

٣٤١

( مسألة ٨ ) : إذا بقي مما في الحد ما لم يُغسل ولو مقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء [١] ، فيجب أن يلاحظ [٢] آماقه وأطراف عينه لا يكون عليها شي‌ء من القيح أو الكحل المانع ، وكذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شي‌ء من الوسخ ، وان لا يكون على حاجب المرأة وسمة أو خطاط له جرم مانع.

( مسألة ٩ ) : إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله أو وصول الماء إلى البشرة [٣] ،

______________________________________________________

بوجوب غسل الشعر النابت في البشرة مطلقاً كان الشك في وجوب غسل البشرة شكاً بدوياً ، وحينئذ فوجوب الاحتياط بغسله والرجوع الى البراءة مبنيان على الأصل في المقام ، كما عرفت.

[١] لفوات المركب بفوات جزئه.

[٢] يعني : مع العلم بوجود أحد الأمور المذكورة ، أما مع الشك فسيأتي تعرضه له.

[٣] لأن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ كذلك. وأصالة عدم الحاجب ، أو عدم الحجب ، لا تجدي في إثبات وصول الماء إلى البشرة ، إلا بناءً على الأصل المثبت ، الذي لا نقول به. و‌لصحيح ابن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام : « عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها ، لا تدري يجري الماء تحته أم لا ، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال (ع) : تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه » (١). لكن قد يعارضه ما في ذيله : « وعن الخاتم الضيِّق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع؟ قال (ع) : إن علم أن الماء لا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٤٢

ولو شك في أصل وجوده يجب الفحص [١] أو المبالغة حتى يحصل الاطمئنان بعدمه أو زواله أو وصول الماء إلى البشرة على فرض وجوده‌

______________________________________________________

يدخله فليخرجه إذا توضأ ». والجمع العرفي بين الصدر والذيل بحمل أحدهما على الآخر بعيد ، فيلحقه حكم المجمل ، ويرجع إلى القاعدة المتقدمة.

[١] للقاعدة المتقدمة. لكن ظاهر الجواهر : أنه لا إشكال في عدم وجوب الفحص ، لاستمرار السيرة التي يقطع فيها برأي المعصوم على عدمه وعن بعض دعوى الإجماع عليه. لكن المصنف (ره) وغيره لم يعتمدوا على الإجماع المدعى ، لعدم تعرض جلّ الأصحاب لذلك ، ولا على السيرة لعدم ثبوتها إلا في صورة الاطمئنان بالعدم. بل قال شيخنا الأعظم (ره) « إن دعوى الإجماع والسيرة في بعض أفراد هذا الشك ، مثل الشك في وجود قلنسوة على الرأس ، أو جورب في الرجل ، أو وجود لباس آخر على البدن أغلظ من ذلك. مجازفة. والفرق بين كون الحاجب المشكوك في وجوده رقيقاً أو غليظاً اقتراح. والحوالة على موارد السيرة فرار عن المطلب ». لكن الإنصاف يقتضي البناء على ثبوت السيرة وعدم اختصاصها بحال الاطمئنان ، لثبوتها مع عدم موجبه. وعدم السيرة في مثل الشك في وجود القلنسوة ونحوها لعدم الشك أو ندرته جداً ، لا للاعتناء بالشك ، كي يشكل الفرق بينه وبين غيره. مع أن الندرة مصححة للفرق ومانعة عن كونه اقتراحاً. فالبناء على عدم الاعتناء في صورة الظن ، لأنه المتيقن من موردها ، غير بعيد. نعم تبقى صورة الظن بالوجود والشك المتساوي الطرفين وثبوت السيرة فيهما غير ظاهر. هذا وأما ما ذكره شيخنا (ره) من إمكان الاعتماد على أصالة عدم الحاجب وإن كان مثبتاً ، لخفاء الواسطة :

٣٤٣

( مسألة ١٠ ) : الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها [١] ، بل يكفي ظاهرها ، سواء كانت الحلقة فيها أو لا.

( الثاني ) : غسل اليدين [٢] من المرفقين إلى أطراف الأصابع [٣] ، مقدماً لليمنى على اليسرى [٤]. ويجب الابتداء بالمرفق [٥] والغسل منه إلى الأسفل عرفاً ، فلا يجزئ النكس.

______________________________________________________

فغير ظاهر صغرى وكبرى. مع أنه لو تمَّ لجرى حتى في صورة الشك في حاجبية الموجود ، لعدم الفرق. بل عليه يجب القول بصحة قاعدة الاقتضاء وأصالة عدم المانع.

[١] لكونه من الباطن ، الذي عرفت عدم وجوب غسله.

[٢] كتاباً ، وسنة ، وإجماعاً من المسلمين ، بل لعله من ضروريات الدين.

[٣] بلا إشكال فيه في الجملة ولا خلاف. والكتاب والسنة ناطقان به.

[٤] قال في الجواهر : « إجماعاً محصلا ، ومنقولاً مستفيضاً كاد يكون متواتراً ، كالسنة ». وما في صحيح منصور وغيره شاهد به ، كما يأتي إن شاء الله.

[٥] وعن جماعة أن الحال فيه كما مر في الوجه ، وفي مفتاح الكرامة : « هو كما قالوا في الإجماعات والشهرة والأقوال ، إلا أن ابن سعيد هنا وافق ، وكذا السيد في أحد قوليه ». ويشهد له ما‌ في خبر الهيثم بن عروة التميمي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فقلت : هكذا؟ ـ ومسحت من ظهر كفي الى المرفق ـ فقال (ع) : ليس هكذا تنزيلها ، إنما هي : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ من الْمَرافِقِ )، ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٤٤

والمرفق مركب من شي‌ء من الذراع وشي‌ء من العضد [١].

______________________________________________________

وما‌ في مكاتبة علي بن يقطين المروية عن إرشاد المفيد من قوله (ع) : « واغسل يدك من المرفقين » (١). وما‌ في ما عن كشف الغمة : « فعلمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل (ع) الوضوء على الوجه واليدين من المرفق » (٢) ‌وما‌ عن العياشي عن أبي الحسن (ع) : « قلت : يرد الشعر؟ قال (ع) : إن كان عنده آخر فعل ، وإلا فلا » (٣). ويمكن المناقشة في الأخير باحتماله رفع الوجوب الثابت حال التقية من الغير. وفيما قبله باحتمال كونه قيداً لليدين. وفي الأول بمخالفته للمتواتر من تنزيلها إلى المرفقين. اللهم إلا أن يحمل على كون المراد ذلك ـ كما هو الظاهر ـ وحينئذ فيصح الاستدلال به. مضافاً إلى ما‌ في صحيح زرارة المروي في الفقيه ، من قول أبي جعفر (ع) : « ولا ترد الشعر في غسل اليدين » (٤). اللهم إلا أن يقال : إن النهي عن النكس أعم من لزوم الابتداء بالأعلى فالأعلى.

[١] هو موصل الذراع في العضد ـ كما في المجمع ، والقاموس ، وعن الصحاح ، والمطرز ـ أو بالعضد ـ كما عن المغرب ـ فيحتمل أن المراد طرف الساعد الداخل في العضد ـ كما هو ظاهر المنتهى وغيره ، في مسألة من قطعت يده من المرفق ـ والحد المشترك بينهما ـ كما استظهره المحقق القمي في الغنائم من أهل اللغة ، وجعله الموافق للاشتقاق ـ ونفس الطرفين المتداخلين ـ كما استظهره القمي في الغنائم من العرف ، ومحاورات الشارع ، ومن الفقهاء ، بل استظهره غير واحد أيضاً من اللغويين ـ وهذه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٢٤.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٤) كتاب من لا يحضره الفقيه باب حد الوضوء حديث : ١.

٣٤٥

ويجب غسله بتمامه [١] ، وشي‌ء آخر من العضد‌

______________________________________________________

الاحتمالات أيضاً جارية فيما عن كثير من أصحابنا ـ منهم العلامة في التذكرة ـ من تفسيره بأنه مجمع عظمي الذراع والعضد. إلا أن الظاهر أن المراد الأخير. وكأنه المراد مما نسبه في الحدائق إلى المشهور ، من أنه رأس عظمي الذراع والعضد ، وإن جعله فيها مقابلاً لتفسيره بمجمع عظمي الذراع والعضد.

وكيف كان فلا يظهر للنزاع في معنى المرفق ثمرة مهمة ، إذ الظاهر اتفاقهم على وجوب غسل تمام البشرة المستديرة على موضع التواصل والتداخل بين العظمين بأي معنى أخذ المرفق ، كما يقتضيه أيضاً ما دل على وجوب غسل المرفق ، إذ لا يراد منه غسل نفس العظم أو الحد ، بل يراد منه تقدير منتهى حد المقدار المغسول من اليد بمنتهى موضع المرفق ، ولا يختلف ذلك باختلاف كون المرفق خصوص رأس عظم الذراع الداخل في العضد أو رأس عظم العضد الداخل فيه الذراع ، أو مجموع العظمين المتداخلين ، أو الخط الموهوم المفروض على محل التواصل والتداخل ، لاتحاد المقدار الواجب الغسل من اليد على جميع التقادير. نعم لو فرض كونه الخط الموهوم فما دل على وجوب غسله لا بد أن يحمل على وجوب غسل أقل ما يفرض من كل من العظمين المتواصلين. وعليه فيجب غسل أقل مقدار من العضد زائداً على المقدار المتداخل منه في الذراع ، بخلاف ما لو جعل عبارة عن مجموع العظمين أو عن أحدهما ، فإنه يقتصر على ما يسامتهما معاً من البشرة. وهذا وإن كان نحواً من الثمرة العملية ، إلا أنه ينبغي القطع بأن ما دل على وجوب غسل المرفق لا يراد به هذا المعنى. فتأمل جيداً.

[١] إجماعاً ، كما عن الخلاف والمعتبر والتذكرة وكشف اللثام وغيرها ،

٣٤٦

______________________________________________________

وعن الخلاف نسبته إلى جميع الفقهاء إلا زفر ، وقريب منه ما عن المعتبر والمنتهى ، وعن الشيخ الطبرسي في جامع الجوامع أنه مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وعن الخلاف : « قد ثبت عن الأئمة (ع) أن ( إلى ) في الآية بمعنى ( مع ) ». وهذا هو العمدة في الحكم مؤيداً أو معتضداً بالأخبار البيانية المتضمنة لوضع الماء على المرفق وأما الآية والنصوص المتضمنة لذكر المرفق مدخولاً لحرف الغاية أو الابتداء فلا تصلح لإثباته ، لو لم تصلح لنفيه ، بناءً على كون الأصل الخروج في مدخولهما.

وكيف كان فظاهر جميع ما ذكر الوجوب أصالة لا مقدمة. وإلا فلا خصوصية للمرفق من دون سائر ما يتوقف عليه غسل الأعضاء مما هو خارج عن الحد ، ولا يظن من زفر وغيره من العقلاء الخلاف في لا بدية ما يتوقف عليه الواجب عقلا ، وإن كان خلافه في الوجوب الشرعي ، فلا يختص الخلاف به ، بل يوافقه كل من لا يقول بوجوب المقدمة ، مع أنه لا وجه لتخصيص خلافه بالمقام ، ولا وجه لوجوب غسل تمام المرفق ، إذ المقدار الذي يتوقف عليه غسل اليد جزء منه لا غير. فتأمل ، ولغير ذلك. ومع ذلك فظاهر المحكي عن جماعة كون الوجوب مقدمياً ، منهم العلامة (ره) في محكي المنتهى في من أبينت يده من مفصل الذراع والساعد من غير قطع لعظم العضد ، حيث قال (ره). « لا يجب غسل طرف العضد ، لأنه إنما وجب غسله توصلا إلى غسل المرفق ، ومع سقوط الأصل انتفى الوجوب ». لكن ظاهره وجوب غسل المرفق نفسياً ، وعظم العضد مقدمياً ، لا غسل المرفق مقدمياً ، فلا يكون مخالفاً في ما نحن فيه. ولعل ذلك مراد غيره ممن لا يحضرني كلامه. نعم يرد عليهم ما عرفت من أن المراد من غسل المرفق الواجب نفسياً ليس غسل نفس العظم ، بل غسل اليد إلى‌

٣٤٧

من باب المقدمة [١]. وكل ما هو في الحد يجب غسله [٢] وإن كان لحماً زائداً أو إصبعاً زائدة ،

______________________________________________________

منتهى العظم ، وذلك مما يدخل فيه عظم العضد ، فلا معنى للفرق بين العظمين في كون وجوب غسل أحدهما نفسياً وغسل الآخر غيرياً ، إذ لا يجب غسل كلا منهما لا نفسياً ولا غيرياً. ومن ذلك تعرف الإشكال في ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) ، من أن الأظهر أن الإجماع منعقد على وجوب غسل المرفق أصالة. إلا أن وجوب غسل طرف العضد أصالة مبني على دخوله في المرفق ، فمن قال بدخوله فيه ـ كالعلامة في التذكرة ، والشهيد في الذكرى ـ قال بوجوبه ، ومن قال بخروجه عنه قال بعدم وجوب غسله.

[١] تقدم المراد منه.

[٢] بلا خلاف أجده ـ كما في الجواهر ـ أو بلا خلاف على الظاهر ، ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) ـ بل اتفاقاً ظاهراً ـ كما في المستند ـ وعن ظاهر شرح الدروس : الإجماع عليه ، وعن المدارك : أنه لا ريب فيه. لأنه جزء عرفاً من اليد ، فيدخل تحت إطلاق الأدلة. والاشكال فيه من غير واحد غير ظاهر. نعم يختص ذلك بالإصبع واللحم الزائدين ونحوهما. بل والظفر أيضاً لجزئيته من اليد عرفاً ، وحينئذ فلا فرق بين خروجها عن حد اليد وعدمه. وفي المستند : لا إشكال في وجوب غسلها في الثاني. وحكي عن بعض العدم في الأول ، وعن التذكرة والمنتهى والنهاية وجامع المقاصد التردد فيه ، للأصل. لكنه غير ظاهر في قبال الإطلاق ، لا سيما بناءً على كون مقتضى الأصل الاحتياط ، اللهم إلا أن يكون من جهة ظهور‌ قول أبي جعفر (ع) في الصحيح المروي في الفقيه : « وحد غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع » (١) ‌في كون الحد طرف‌

__________________

(١) كتاب من لا يحضره الفقيه باب حد الوضوء حديث : ١.

٣٤٨

ويجب غسل الشعر [١] مع البشرة [٢].

______________________________________________________

الأصابع ، فإذا خرجت عن الحد لم يجب غسلها ، نظير ما تقدم في شعر الوجه. لكن الظاهر أنه ليس مسوقاً للتحديد ، فلا مجال لرفع اليد به عن إطلاق اليد في الآية وغيرها.

[١] وفي الحدائق أنه ظاهر المشهور ، لدخوله في محل الفرض ، كما علله البعض أو أنه من توابع اليد ، كما علله آخر. وقد عرفت ما فيه. وعن شرح الدروس الظاهر عدم الوجوب للأصل إن لم يكن إجماع. وقد تقدمت حكاية صريح الإجماع عن جامع المقاصد على وجوب غسل شعر الوجه واليدين في الوضوء ، وصريح شيخنا الأعظم رحمه‌الله الاتفاق على وجوب غسله هنا ، فان تمَّ إجماعاً ـ كما هو غير بعيد ـ وإلا فالمرجع فيه الأصل الجاري في المقام. إلا أن يستفاد من الأدلة البيانية عدم الوجوب ، من جهة السكوت في مقام البيان. فتأمل.

[٢] كما هو المعروف ، بل في طهارة شيخنا الأعظم رحمه‌الله دعوى الاتفاق عليه. لصدق اليد عليها. خلافاً لما عن كشف الغطاء ، حيث قال : « ولو تكاثف عليها الشعر أجزأ غسله عن غسل البشرة. والأحوط غسلها ». وكأن وجهه عموم الصحيح المتقدم : « كل ما أحاط به .. » ‌لكن الظاهر اختصاصه بالوجه ، كما يظهر من ملاحظة الفقيه ، حيث ذكر في ذيل صحيح زرارة المتضمن لتحديد الوجه الذي نقلناه سابقاً : « قال زرارة : أرأيت ما أحاط به الشعر .. ». إذ من المعلوم أن هذا الكلام ليس سؤالا ابتدائياً ، وإلا لم يكن له معنى محصل ، كما يظهر بأدنى تأمل. مضافاً إلى أنه تعرض بعد ذلك لحد غسل اليدين ، وحد مسح الرأس ، وحد مسح الرجلين ، ولم يتعرض لحد غسل الوجه ، فلو لم يكن ذيلا‌

٣٤٩

ومن قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد [١] ،

______________________________________________________

لتحديد الوجه لم يكن وجه ظاهر لإهماله. وبالجملة لا مجال للتشكيك في اختصاص السؤال عما أحاط به الشعر من الوجه. وحينئذ فلا مجال للأخذ بعموم الجواب.

وتوهم أن المورد لا يختص الوارد. مندفع بأن ذلك مسلم حيث يكون للوارد عموم ، ومع كون السؤال عما أحاط به الشعر من الوجه لا يكون لمدخول ( كل ) عموم ، بل ينصرف إلى المعهود الذكر.

[١] إجماعاً ، كما عن المنتهى وكشف اللثام. وفي مفتاح الكرامة : « لا أجد فيه خلافاً ، إلا ما نقله في البيان عن المفيد ، وهو الظاهر من عبارة الكاتب ، على ما نقل » لانعدام الحكم بانعدام موضوعه. واحتمال البدلية لا دليل عليه. وأصالة الاحتياط الجارية في المقام لا مجال لها بعد الإجماع المتقدم المتلقى بالقبول. ومنه يظهر الحال في جملة من النصوص‌ كحسن ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام. » عن الأقطع اليد والرجل. قال (ع) : يغسلهما (١). و‌في صحيحة رفاعة : « عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ؟ قال (ع) : يغسل ذلك المكان الذي قطع منه » (٢). و‌في مصححته الأخرى في الأقطع : « يغسل ما قطع منه » (٣). ولا بد من حملها على القطع مما دون المرفق. ولا سيما مع قرب ظهور الأقطع في ذلك ، بأن يكون المراد منه المعنى الاسمي ، ولو لا ذلك كان مقتضى إطلاق الجميع وجوب الغسل ، ولو قطعت اليد من الكتف ، وهو ـ كما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الوضوء حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٥٠

وإن كان أولى [١]. وكذا إن قطع تمام المرفق [٢]. وإن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي [٣] ، فإن قطعت من المرفق ـ بمعنى إخراج عظم الذراع من العضد ـ يجب غسل‌

______________________________________________________

ترى ـ خلاف المعلوم. ولا سيما أيضاً بملاحظة اشتمال الأولين على الأمر بغسل الرجل المقطوعة ، الذي هو خلاف المذهب. فتأمل. وأما‌ صحيح ابن جعفر (ع) : « عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال (ع) : يغسل ما بقي من عضده » (١) ‌، فظاهر السؤال فيه القطع مما دون المرفق ، كما يقتضيه دخول حرف الابتداء عليه ، الظاهر في خروجه عن القطع ، فيكون المراد من الجواب غسل ما بقي مما يجب غسله لو لا القطع ، وتكون ( من ) في الجواب للتبعيض ، لا بيان لـ ( ما ) ولا متعلق بـ ( بقي ) ، إذ الأول خلاف الظاهر ، ولو كان هو المراد لقال : فليغسل عضده. والثاني خلاف فرض القطع من المرفق ، وإنما يصح لو كان القطع لبعض العضد. مع أن في الإجماع المتقدم كفاية في وجوب الحمل على ما عرفت.

[١] لاحتمال كونه المراد من الصحيح ، الواجب حينئذ حمله على الاستحباب ، بل استظهر منه ذلك في محكي الخلاف ، فحمله على الاستحباب وفي الجواهر : « لا يخلو من وجه » ، لكنه جعل الأقوى حمل المرفق المذكور في السؤال على إرادة بعض المرفق ، وقد عرفت أن ظاهر حرف الابتداء كون القطع مما دون المرفق. فتأمل جيداً.

[٢] يظهر الحكم فيه مما سبق.

[٣] إجماعاً ، كما عن المدارك وكشف اللثام ، وعن المنتهى نسبته الى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

٣٥١

ما كان من العضد جزءاً من المرفق [١].

( مسألة ١١ ) : إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضاً [٢] كاللحم الزائد. وإن كانت فوقه ، فان علم زيادتها لا يجب غسلها [٣] ، ويكفي غسل الأصلية ،

______________________________________________________

أهل العلم. لكونه المتيقن من النصوص المتقدمة. ويقتضيه الاستصحاب إذا طرأ القطع في أثناء الوقت ، وقاعدة الميسور ـ المشهورة في الأعصار الأخيرة ـ وإن كان قد طرأ القطع قبل الوقت. لكن ثبوتها لا يخلو عن إشكال ، لضعف النصوص الدالة عليها (١) ، وعدم ثبوت الجابر.

[١] كما عن التذكرة والذكرى والمقاصد العلية ، بل نسب إلى الشيخ رحمه‌الله والقاضي أبي علي. لما سبق في ما قبله ، وقد تقدم في محكي المنتهى : أنه لا يجب غسل طرف العضد ، لأنه إنما وجب غسله توصلاً إلى غسل المرفق ، ومع سقوط الأصل انتفى الوجوب. وقد ينسب إلى غيره أيضاً. لكن عرفت أن المراد من وجوب غسل المرفق غسل اليد الى منتهى المرفق ، فلا مجال لهذا الكلام أصلاً.

[٢] لما تقدم في اللحم والإصبع الزائدين من الإجماع وغيره.

[٣] كما في القواعد ، وعن غيرها ، لانصراف الإطلاق عنها ، ولتثنية اليد في جملة من النصوص بضميمة عدم احتمال الاكتفاء بغسلها عن غسل الأصلية. لكن الانصراف المستند الى التعارف لا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. وتثنية اليد لا تصلح لتقييده ، لإمكان كونها جرياً على المتعارف مع أن قصور الإطلاق لو سلم كفى في وجوب غسلها أصالة الاحتياط المتقدم إليها‌

__________________

(١) ذكر نصوصها الشيخ الأنصاري في التنبيه الثاني من تنبيهات مسألة الشك في الجزئية الشرطية.

٣٥٢

وإن لم يعلم الزائدة من الأصلية وجب غسلهما [١]. ويجب مسح الرأس والرجل بهما من باب الاحتياط [٢]. وإن كانتا أصليتين [٣] يجب غسلهما [٤] أيضاً ، ويكفي المسح بإحداهما [٥].

( مسألة ١٢ ) : الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائداً على المتعارف لا تجب إزالته [٦] ، إلا إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر ، فإن الأحوط إزالته [٧]

______________________________________________________

الإشارة. وكأنه لذلك اختار في التلخيص والمنتهى والإرشاد وغيرها ـ على ما حكي عنها ـ الوجوب ،

[١] أصالة ، على ما ذكرناه ، ومن باب المقدمة العلمية ، بناء على عدم وجوب غسل الزائدة.

[٢] للعلم بوجوب المسح بالأصلية بعينها ، وحيث ترددت بينهما وجب الاحتياط بالمسح بهما معاً.

[٣] يعني : متساويتين في الخلقة من جميع الجهات واقعاً ، فإنه لا وجه للحكم بزيادة إحداهما بعينها واقعاً. وبذلك امتاز هذا الفرض عن فرض زيادة إحداهما بعينها واقعاً مع عدم تميزها في نظر المكلف. كما أن ما ذكرناه في معنى الأصلية لا ينافي كون إحداهما لا بعينها زائدة بلحاظ الخلقة النوعية ، بحيث تعد عيباً في المبيع ، موجباً للخيار.

[٤] أصالة. للوجه المتقدم في الزائدة.

[٥] للإطلاق.

[٦] لعدم وجوب غسل ما تحته بعد كونه من الباطن.

[٧] وعن المنتهى احتمال عدم الوجوب ، لكونه ساتراً عادة كاللحية. ولعموم البلوى ، فلو وجبت الإزالة لبينوه عليهم‌السلام. وأيده الأسترابادي‌

٣٥٣

وإن كان زائداً على المتعارف وجبت إزالته [١]. كما أنه لو قصَّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله [٢] بعد إزالة الوسخ عنه.

( مسألة ١٣ ) : ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزندين والاكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل.

( مسألة ١٤ ) : إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع [٣] ، ويجب غسل ذلك اللحم [٤] أيضاً ما دام لم ينفصل ، وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة ، ولا يجب قطعه أيضاً ليغسل ما تحت تلك الجلدة ، وإن كان أحوط لو عدَّ ذلك اللحم شيئاً خارجياً [٥] ولم يحسب جزءاً من اليد.

______________________________________________________

بما ورد من استحباب إطالة المرأة أظفار يديها. هذا ولكن الستر به عادة ـ لو سلم ـ لا يوجب إلحاقه بالباطن. وأما العادة فلم تثبت بنحو تكون سيرة معتمدة ، بل دعوى ثبوت العادة بعيدة ، لأن الجزء الذي يعد من الظاهر يبعد عن موضع التقليم ، ويكون طرف الإصبع ، وثبوت العادة على وجود الوسخ فيه كما ترى. ولذا حكي عن المشهور وجوب الإزالة. وما دل على استحباب إطالة المرأة أظفارها غير متعرض للمقام بوجه.

[١] يعني : إذا كان ما تحته من الظاهر. ووجهه حينئذ ظاهر.

[٢] لإطلاق ما دل على وجوب غسل الظاهر.

[٣] لما سبق.

[٤] لأنه جزء.

[٥] فإنه حينئذ يكون من قبيل الحاجب تسامحاً ، ولأجل ذلك‌

٣٥٤

( مسألة ١٥ ) : الشقوق التي تحدث على ظهر الكف من جهة البرد إن كانت وسيعة يُرى جوفها وجب إيصال الماء فيها [١] ، وإلا فلا. ومع الشك لا يجب ، عملاً بالاستصحاب [٢] ، وإن كان الأحوط الإيصال.

( مسألة ١٦ ) : ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق ـ ما دام باقياً يكفي غسل ظاهره [٣] وإن انخرق ، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة ، بل لو قطع بعض الجلدة وبقي البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض ، ولا يجب‌

______________________________________________________

يحسن الاحتياط.

[١] لأنها من الظاهر حينئذ.

[٢] يعني : استصحاب كونه من الباطن. لكنه يتم لو كان الشك بنحو الشبهة المصداقية ، أما لو كان بنحو الشبهة المفهومية ، فلا مجال للاستصحاب ، لامتناع جريان الاستصحاب في المفهوم المردد ، كما أوضحناه في ( حقائق الأصول ). ولو أريد استصحاب حصول الطهارة بدونه فهو من الاستصحاب التعليقي ، وجريانه محل إشكال. وإن أريد استصحاب عدم وجوب غسله فهو إنما يتم بناء على أن الشرط نفس الوضوء ، أما لو كان هو الطهارة فإثباتها بالاستصحاب المذكور مبني على القول بالأصل المثبت. بل صحة استصحاب الباطن على هذا المبنى لا تخلو من إشكال حتى لو كانت الشبهة مصداقية ، لأنه لا يثبت الطهارة إلا على القول بالأصل المثبت ، وإلا فليس عنوان الباطن موضوعاً للحكم الشرعي ، ولا قيداً له ، كما لا يخفى. فتأمل.

[٣] لأنه الظاهر عرفاً ، وما تحته من الباطن وإن انخرق. وكذا الحال لو قطع بعض الجلدة.

٣٥٥

قطعه بتمامه ، ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متصلة قد تلزق وقد لا تلزق يجب غسل ما تحتها ، وإن كانت لازقة يجب رفعها أو قطعها [١].

( مسألة ١٧ ) : ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلد لا يجب رفعه [٢] وإن حصل البرء ، ويجزئ غسل ظاهره. وإن كان رفعه سهلاً. وأما الدواء الذي انجمد عليه وصار كالجلد فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة [٣] يكفي غسل ظاهره ، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب [٤].

( مسألة ١٨ ) : الوسخ على البشرة إن لم يكن جرماً مرئياً لا يجب إزالته [٥] ، وإن كان عند المسح بالكيس في الحمام أو غيره يجتمع ويكون كثيراً ، ما دام يصدق عليه غسل البشرة. وكذا مثل البياض الذي يتبين على اليد من الجص أو النورة إذا كان يصل الماء إلى ما تحته ويصدق معه غسل البشرة. نعم لو شك في كونه حاجباً أم لا وجب إزالته.

______________________________________________________

[١] لأن ما تحتها من الظاهر ، والتزاقها فوقه يكون من قبيل التزاق الحاجب.

[٢] لأنه جزء عرفاً.

[٣] كما سيأتي إن شاء الله.

[٤] لأنه من الحاجب الخارج.

[٥] وربما كان جرماً مرئياً ، ولكنه عرفاً جزء من البدن ، ويكون غسله غسلا للبشرة ، مثل ما يعلو ظهر القدم وبطنها عند ترك غسله مدة طويلة. نعم إذا طالت المدة كثيراً لا يعد عرفاً جزءاً من البدن ، فيجب‌

٣٥٦

( مسألة ١٩ ) : الوسواسي الذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع إلى المتعارف [١].

( مسألة ٢٠ ) : إذا نفذت شوكة في اليد أو غيرها من مواضع الوضوء أو الغسل لا يجب إخراجها ، إلا إذا كان محلها على فرض الإخراج محسوباً من الظاهر [٢].

( مسألة ٢١ ) : يصح الوضوء بالارتماس [٣]

______________________________________________________

إزالته حينئذ.

[١] لأن النهي عن العمل على الوسواس يختص بما زاد على المتعارف ، فإنه الوسواس ، وأما العمل على المتعارف فليس وسواساً ، فلا يشمله النهي ، فيجب ، إذ احتمال عدم وجوب العمل عليه أصلا تدفعه الضرورة.

[٢] بأن تكون ذات رأس يحجب الظاهر ، أو يكون الثقب الذي هي فيه واسعاً بحيث يرى باطنه لو لا حجبها.

[٣] اتفاقاً ، كما في البرهان ، وظاهر الجواهر ، ويشهد به تصريحهم بكفاية وضع العضو المجبور في الماء حتى يصل الى البشرة. وهو الذي يقتضيه إطلاق أدلة الغسل ، بناء على ما عرفت من تحققه بمجرد استيلاء الماء على البشرة. نعم قيل : يشكل ذلك بناء على اعتبار الجريان في مفهومه ولذا جعل الاتفاق المذكور شاهداً على عدم اعتبار الجريان في مفهومه. ويمكن دفعه : بأن الاتفاق المذكور إنما هو على الاكتفاء برمس العضو في قبال الاحتياج إلى صب الماء عليه ، فلا ينافي اعتبار تحريك العضو ليتحقق الجريان المعتبر في مفهوم الغسل ، اللهم إلا أن يدعى الاتفاق على عدم الاحتياج إلى التحريك. لكنه غير ظاهر. وما ذكروه في المجبور لا يصلح للشهادة به. لأن التخيير بين الرمس والنزع محل خلاف ، والمحكي عن‌

٣٥٧

مع مراعاة الأعلى فالأعلى [١]. لكن في اليد اليسرى لا بد أن يقصد الغسل حال الإخراج من الماء [٢] حتى لا يلزم المسح بالماء الجديد [٣] ، بل وكذا في اليد اليمنى ، إلا أن يبقي شيئاً من اليد اليسرى ليغسله باليد اليمنى ، حتى يكون ما يبقي عليها من الرطوبة من ماء الوضوء.

______________________________________________________

بعضهم وجوب النزع تعييناً إن أمكن ، كما سيأتي إن شاء الله.

[١] على ما تقدم من اعتبار ذلك. والظاهر أنه لا يتحقق بمجرد نية الغسل من الأعلى فالأعلى ، لأن الواجب في الوضوء حدوث الغسل ، لا ما يعم البقاء ، ولذا لا يكفي أن يغسل وجهه للتبريد ثمَّ ينوي بإبقاء البلل وعدم تجفيفه الغسل الوضوئي ، بل لا بد من إمرار اليد على الوجه بنحو يغسل ثانياً بتحريك الماء من محل إلى آخر ، كما سيأتي ، فلا بد من تحريك العضو المرموس في الماء تدريجاً إلى أن يحصل غسل الاجزاء من الأعلى إلى الأدنى تدريجاً ، ولا يكفي التحريك يسيراً ، كما يظهر بالتأمل ، لأن وجوب الغسل من الأعلى فالأعلى ملازم للترتب الزماني بين الأجزاء في الغسل ، وهذا لا يحصل بالحركة اليسيرة لأنها ملازمة لتقارن أكثر الأجزاء في الغسل ، وإنما يحصل باستمرار الحركة من أعلى العضو إلى أدناه. نعم لو لم يعتبر الترتب في الحدوث كفى رمس العضو مدة يسيرة مع نية الغسل مترتباً. لكن عرفت إشكاله.

[٢] ولو بأن يقصد الغسل الثاني المستحب حال الإخراج ، وحال الإدخال من الأعلى يقصد الغسل الأول الواجب.

[٣] وفي جامع المقاصد : « ويشكل بأن الغمس لا يصدق معه الاستيناف عرفاً » أقول : المدار على صدق بلل الوضوء الذي يجب المسح‌

٣٥٨

( مسألة ٢٢ ) : يجوز الوضوء بماء المطر [١] ، كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه ، مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، وكذلك بالنسبة إلى يديه ، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه ، ولو لم ينو من الأول لكن بعد جريانه على جميع حال الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله وكذا على يديه إذا حصل الجريان كفى [٢] أيضاً ، وكذا لو ارتمس في الماء ثمَّ خرج وفعل ما ذكر.

( مسألة ٢٣ ) : إذا شك في شي‌ء أنه من الظاهر حتى يجب غسله ، أو الباطن فلا ، فالأحوط غسله [٣] إلا إذا كان سابقاً من الباطن ، وشك في أنه صار ظاهراً أم لا [٤] ، كما أنه يتعين‌

______________________________________________________

به ، وهو غير حاصل.

[١] ظاهر الجواهر وغيرها الاتفاق عليه ويشهد به في الجملة‌ رواية ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتق رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه ، هل يجزئه ذلك من الوضوء؟ قال (ع) : إن غسله فان ذلك بجزؤه » (١). ولا بد من حمله على نحو لا ينافي غيره من الأدلة. وسيأتي إن شاء الله أن هذا ليس من التولية.

[٢] لتحقق غسل العضو ثانياً بالجريان.

[٣] لما عرفت من الإشكال في جريان الاحتياط أو البراءة في الشك في المقام.

[٤] فلا يجب غسله ، لاستصحاب كونه من الباطن. لكن عرفت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٥٩

غسله لو كان سابقاً من الظاهر ثمَّ شك في أنه صار باطناً أم لا.

( الثالث ) : مسح الرأس [١] بما بقي من البلة في اليد [٢].

______________________________________________________

الاشكال فيه في المسألة الخامسة عشرة.

[١] كتاباً ، وسنة ، وإجماعاً من المسلمين ، كما في الجواهر.

[٢] إجماعاً صريحاً ، كما عن الخلاف والغنية والانتصار والتذكرة ، وظاهراً ، كما عن غيرها ، وعن جملة منها استثناء ابن الجنيد. ويدل عليه ما‌ في مصحح زرارة : « فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك » (١). وما‌ في مصحح ابن أذينة الوارد في المعراج من قوله تعالى : « ثمَّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء » (٢). وما‌ في مكاتبة أبي الحسن (ع) لابن يقطين : « وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك » (٣). وكثير من الأخبار البيانية (٤) المتضمنة أنه (ع) مسح رأسه بما بقي في يده‌ ، وفي بعضها : انه لم يُعدهما في الإناء‌ ، وفي آخر : أنه لم يجدد ماء‌. لكن قد يخدش في الأول باحتمال العطف على فاعل ( يجزئك ) فلا يدل إلا على الاجزاء ، وهو أعم من الوجوب : وفيه أنه خلاف الظاهر ، لاحتياجه إلى التقدير بالمصدر. ويخدش في الثاني بإجماله ، لأنه من قضايا الأحوال ، وحكاية الإمام (ع) لها إنما تكون ظاهرة في الوجوب لو كانت واردة في مقام بيان الحكم الشرعي ، وهو غير ظاهر ، كسائر أحاديث المعراج. وفي الثالث بضعف السند. وفي الأخير بما مر آنفاً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوضوء حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الوضوء حديث : ٧ ، ٦ ، ١٠ ، ١١.

٣٦٠